
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
مِــن أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرى تَتَـدَفَّقُ
وَبِــأَيِّ كَــفٍّ فـي المَـدائِنِ تُغـدِقُ
وَمِـنَ السـَماءِ نَزَلـتَ أَم فُجِّـرتَ مِن
عَليــا الجِنــانِ جَـداوِلاً تَتَرَقـرَقُ
وَبِـــأَيِّ عَيــنٍ أَم بِأَيَّــةِ مُزنَــةٍ
أَم أَيِّ طوفـــانٍ تَفيـــضُ وَتَفهَــقُ
وَبِــأَيِّ نَــولٍ أَنــتَ ناسـِجُ بُـردَةٍ
لِلضـــِفَّتَينِ جَديـــدُها لا يُخلَـــقُ
تَســـوَدُّ ديباجــاً إِذا فارَقتَهــا
فَــإِذا حَضــَرتَ اِخضَوضـَرَ الإِسـتَبرَقُ
فــي كُــلِّ آوِنَــةٍ تُبَــدِّلُ صــِبغَةً
عَجَبــاً وَأَنــتَ الصـابِغُ المُتَـأَنِّقُ
أَتَـتِ الـدُهورُ عَلَيـكَ مَهـدُكَ مُـترَعٌ
وَحِياضــُكَ الشــُرقُ الشــَهِيَّةُ دُفَّـقُ
تَســقي وَتُطعِــمُ لا إِنــاؤُكَ ضـائِقٌ
بِـــالوارِدينَ وَلا خُوّانُــكَ يَنفُــقُ
وَالمــاءُ تَســكُبُهُ فَيُسـبَكُ عَسـجَداً
وَالأَرضُ تُغرِقُهــا فَيَحيــا المُغـرَقُ
تُعــي مَنابِعُــكَ العُقـولَ وَيَسـتَوي
مُتَخَبِّـــطٌ فـــي عِلمِهــا وَمُحَقِّــقُ
أَخلَقـتَ راووقَ الـدُهورِ وَلَـم تَـزَل
بِــكَ حَمــأَةٌ كَالمِســكِ لا تَتَــرَوَّقُ
حَمــراءُ فــي الأَحــواضِ إِلّا أَنَّهـا
بَيضــاءُ فـي عُنُـقِ الثَـرى تَتَـأَلَّقُ
ديــنُ الأَوائِلِ فيــكَ ديـنُ مُـروءَةٍ
لِــمَ لا يُــؤَلَّهُ مَـن يَقـوتُ وَيَـرزُقُ
لَــو أَنَّ مَخلوقـاً يُـؤَلَّهُ لَـم تَكُـن
لِســِواكَ مَرتَبَــةُ الأُلوهَــةِ تَخلُـقُ
جَعَلـوا الهَـوى لَكَ وَالوَقارَ عِبادَةً
إِنَّ العِبـــادَةَ حَشـــيَةٌ وَتَعَلُّـــقُ
دانــوا بِبَحــرٍ بِالمَكـارِمِ زاخِـرٍ
عَــذبِ المَشــارِعِ مَــدُّهُ لا يُلحَــقُ
مُتَقَيِّــــدٌ بِعُهــــودِهِ وَوُعـــودِهِ
يَجـري عَلـى سـَنَنِ الوَفـاءِ وَيَصـدُقُ
يَتَقَبَّــلُ الـوادي الحَيـاةَ كَريمَـةً
مِـــن راحَتَيــكَ عَميمَــةً تَتَــدَفَّقُ
مُتَقَلِّــبُ الجَنبَيــنِ فــي نَعمـائِهِ
يَعــرى وَيُصـبَغُ فـي نَـداكَ فَيـورِقُ
فَيَــبيتُ خِصـباً فـي ثَـراهُ وَنِعمَـةٍ
وَيَعُمُّــهُ مــاءُ الحَيــاةِ الموسـِقِ
وَإِلَيــكَ بَعـدَ اللَـهِ يَرجِـعُ تَحتَـهُ
مـا جَـفَّ أَو مـا مـاتَ أَو ما يَنفُقُ
أَيـنَ الفَراعِنَـةُ الأُلى اِستَذرى بِهِم
عيســى وَيوسـُفُ وَالكَليـمُ المُصـعَقُ
المــورِدونَ النــاسَ مَنهَـلَ حِكمَـةٍ
أَفضــى إِلَيـهِ الأَنبِيـاءُ لِيَسـتَقوا
الرافِعــونَ إِلـى الضـُحى آبـاءَهُم
فَالشـَمسُ أَصـلُهُمُ الوَضـيءُ المُعـرِقُ
وَكَأَنَّمــا بَيــنَ البِلـى وَقُبـورِهِم
عَهــدٌ عَلــى أَن لا مِســاسَ وَمَوثِـقُ
فَحِجـابُهُم تَحـتَ الثَـرى مِـن هَيبَـةٍ
كَحِجــابِهِم فَــوقَ الثَـرى لا يُخـرَقُ
بَلَغـوا الحَقيقَـةَ مِـن حَياةٍ عِلمُها
حُجُـــبٌ مُكَثَّفَـــةٌ وَســـِرٌّ مُغلَـــقُ
وَتَبَيَّنـوا مَعنـى الوُجودِ فَلَم يَرَوا
دونَ الخُلـــودِ ســـَعادَةً تَتَحَقَّــقُ
يَبنـونَ لِلـدُنيا كَمـا تَبنـي لَهُـم
خِرَبـاً غُـرابُ البَيـنِ فيهـا يَنعَـقُ
فَقُصــورُهُم كــوخٌ وَبَيــتُ بَــداوَةٍ
وَقُبـــورُهُم صــَرحٌ أَشــَمُّ وَجَوســَقُ
رَفَعــوا لَهـا مِـن جَنـدَلٍ وَصـَفائِحٍ
عَمَــداً فَكــانَت حائِطــاً لا يُنتَـقُ
تَتَشـايَعُ الـدارانِ فيـهِ فَمـا بَدا
دُنيـا وَمـا لَـم يَبـدُ أُخـرى تَصدُقُ
لِلمَـــوتِ ســـِرٌّ تَحتَــهُ وَجِــدارُهُ
ســورٌ عَلـى السـِرِّ الخَفِـيِّ وَخَنـدَقُ
وَكَــأَنَّ مَنزِلَهُــم بِأَعمـاقِ الثَـرى
بَيــنَ المَحَلَّــةِ وَالمَحَلَّــةِ فُنـدُقُ
مَوفــورَةٌ تَحــتَ الثَـرى أَزوادُهُـم
رَحـبٌ بِهِـم بَيـنَ الكُهـوفِ المُطبِـقُ
وَلِمَـن هَياكِـلُ قَـد عَلا الباني بِها
بَيــنَ الثُرَيّــا وَالثَــرى تَتَنَسـَّقُ
مِنهـا المُشـَيَّدُ كَـالبُروجِ وَبَعضـُها
كَـــالطَودِ مُضــطَجِعٌ أَشــَمُّ مُنَطَّــقُ
جُــدُدٌ كَــأَوَّلِ عَهــدِها وَحِيالَهــا
تَتَقــادَمُ الأَرضُ الفَضــاءُ وَتَعتُــقُ
مِـن كُـلِّ ثِقـلٍ كاهِـلُ الـدُنيا بِـهِ
تَعِـــبٌ وَوَجــهُ الأَرضِ عَنــهُ ضــَيِّقُ
عـالٍ عَلـى بـاعِ البِلـى لا يَهتَـدي
مــا يَعتَلــي مِنــهُ وَمـا يَتَسـَلَّقُ
مُتَمَكِّـنٌ كَـالطَودِ أَصـلاً فـي الثَـرى
وَالفَـرعُ فـي حَـرَمِ السـَماءِ مُحَلِّـقُ
هِــيَ مِــن بِنـاءِ الظُلـمِ إِلّا أَنَّـهُ
يَــبيَضُّ وَجـهُ الظُلـمِ مِنـهُ وَيُشـرِقُ
لَـم يُرهِـقِ الأُمَـمَ المُلـوكُ بِمِثلِها
فَخــراً لَهُـم يَبقـى وَذِكـراً يَعبَـقُ
فُتِنَـت بِشـَطَّيكَ العِبـادُ فَلَـم يَـزَل
قــــاصٍ يَحُجُّهُمـــا وَدانٍ يَرمُـــقُ
وَتَضــَوَّعَت مِنــكَ الــدُهورِ كَأَنَّمـا
فــي كُــلِّ ناحِيَــةٍ بَخــورٌ يُحـرَقُ
وَتَقـابَلَت فيهـا عَلى السُرُرِ الدُمى
مُســـتَردِياتِ الـــذُلِّ لا تَتَفَتَّـــقُ
عَطَلَـت وَكـانَ مَكـانُهُنَّ مِـنَ العُلـى
بَلقيــسُ تَقبِــسُ مِــن حُلاهُ وَتَسـرِقُ
وَعَلا عَلَيهُــنَّ التُــرابُ وَلَـم يَكُـن
يَزكـو بِهِـنَّ سـِوى العَـبيرُ وَيَلبَـقُ
حُجُراتُهـــا مَوطـــوءَةٌ وَســُتورُها
مَهتوكَــةٌ بِيَــدِ البِلــى تَتَخَــرَّقُ
أَودى بِزينَتِهــا الزَمـانُ وَحَليِهـا
وَالحُســنُ بــاقٍ وَالشـَبابُ الرَيِّـقُ
لَــو رُدَّ فِرعَــونُ الغَـداةَ لَراعَـهُ
أَنَّ الغَرانيــقَ العُلــى لا تَنطِــقُ
خَلَـعَ الزَمـانُ عَلـى الـوَرى أَيّامَهُ
فَـإِذا الضـُحى لَـكَ حِصـَّةٌ وَالرَونَـقُ
لَــكَ مِــن مَواسـِمِهِ وَمِـن أَعيـادِهِ
مــا تَحسـِرُ الأَبصـارُ فيـهِ وَتَـبرَقُ
لا الفُـرسُ أوتـوا مِثلَـهُ يَوماً وَلا
بَغــدادُ فــي ظِـلِّ الرَشـيدِ وَجِلَّـقُ
فَتـحُ المَمالِـكِ أَو قِيامُ العِجلِ أَو
يَـومُ القُبـورِ أَوِ الزَفـافُ المونِقُ
كَــم مَـوكِبٍ تَتَخايَـلُ الـدُنيا بِـهِ
يُجلـى كَمـا تُجلـى النُجـومُ وَيُنسَقُ
فِرعَـونُ فيـهِ مِـنَ الكَتـائِبِ مُقبِـلٌ
كَالسـُحبِ قَـرنُ الشـَمسِ مِنهـا مُفتِقُ
تَعنــو لِعِزَّتِــهِ الوُجــوهُ وَوَجهُـهُ
لِلشــَمسِ فــي الآفـاقِ عـانٍ مُطـرِقُ
آبَـت مِـنَ السـَفَرِ البَعيـدِ جُنـودُهُ
وَأَتَتـهُ بِالفَتـحِ السـَعيدِ الفَيلَـقُ
وَمَشــى المُلـوكُ مُصـَفَّدينَ خُـدودُهُم
نَعــلٌ لِفِرعَــونَ العَظيــمِ وَنُمـرُقُ
مَملوكَـــةٌ أَعنـــاقُهُم لِيَمينِـــهِ
يَــأبى فَيَضــرِبُ أَو يَمُــنُّ فَيُعتِـقُ
وَنَجيبَــةٍ بَيـنَ الطُفولَـةِ وَالصـِبا
عَــذراءَ تَشـرَبُها القُلـوبُ وَتَعلَـقُ
كـانَ الزَفـافُ إِلَيـكَ غايَـةَ حَظِّهـا
وَالحَــظُّ إِن بَلَـغَ النِهايَـةَ موبِـقُ
لافَيــتَ أَعراســاً وَلافَــت مَأتَمــاً
كَالشــَيخِ يَنعَـمُ بِالفَتـاةِ وَتُزهَـقُ
فــي كُــلِّ عــامٍ دُرَّةٌ تُلقــى بِلا
ثَمَـــنٍ إِلَيـــكَ وَحُــرَّةٌ لا تُصــدَقُ
حَــولٌ تُســائِلُ فيــهِ كُـلُّ نَجيبَـةٍ
ســَبَقَت إِلَيـكَ مَـتى يَحـولُ فَتَلحَـقُ
وَالمَجــدُ عِنـدَ الغانِيـاتِ رَغيبَـةٌ
يُبغـى كَمـا يُبغـى الجَمـالُ وَيُعشَقُ
إِن زَوَّجــوكَ بِهِــنَّ فَهــيَ عَقيــدَةٌ
وَمِــنَ العَقـائِدِ مـا يَلَـبُّ وَيَحمُـقُ
مــا أَجمَــلَ الإيمــانَ لَـولا ضـَلَّةٌ
فــي كُــلِّ ديـنٍ بِالهِدايَـةِ تُلصـَقُ
زُفَّــت إِلـى مَلِـكِ المُلـوكِ يَحُثُّهـا
ديـــنٌ وَيَــدفَعُها هَــوىً وَتَشــَوُّقُ
وَلَرُبَّمــا حَســَدَت عَلَيــكَ مَكانَهـا
تِــربٌ تَمَســَّحُ بِــالعَروسِ وَتُحــدِقُ
مَجلُـوَّةٌ فـي الفُلـكِ يَحـدو فُلكَهـا
بِالشـــاطِئَينِ مُزَغـــرِدٌ وَمُصـــَفِّقُ
فــي مِهرَجــانٍ هَـزَّتِ الـدُنيا بِـهِ
أَعطافَهــا وَاِختـالَ فيـهِ المَشـرِقُ
فِرعَــونُ تَحــتَ لِــوائِهِ وَبَنــاتُهُ
يَجـري بِهِـنَّ عَلـى السـَفينِ الزَورَقُ
حَتّـى إِذا بَلَغَـت مَواكِبُهـا المَـدى
وَجَــرى لِغــايَتِهِ القَضـاءُ الأَسـبَقُ
وَكَســا ســَماءَ المِهرَجــانِ جَلالَـةً
ســَيفُ المَنِيَّــةِ وَهـوَ صـَلتٌ يَـبرُقُ
وَتَلَفَّتَــت فــي اليَـمِّ كُـلُّ سـَفينَةٍ
وَاِنثـالَ بِـالوادي الجُموعُ وَحَدَّقوا
أَلقَــت إِلَيــكَ بِنَفسـِها وَنَفيسـِها
وَأَتَتـــكَ شـــَيِّقَةً حَواهــا شــَيِّقُ
خَلَعَــت عَلَيــكَ حَياءَهـا وَحَياتَهـا
أَأَعَــزُّ مِــن هَــذَينِ شــَيءٌ يُنفَـقُ
وَإِذا تَنـاهى الحُـبُّ وَاِتَّفَـقَ الفِدى
فَـالروحُ فـي بـابِ الضـَحِيَّةِ أَليَـقُ
مــا العــالَمُ السـُفلِيُّ إِلّا طينَـةٌ
أَزَلِيَّـــةٌ فيـــهِ تُضــيءُ وَتَغســِقُ
هِـيَ فيـهِ لِلخِصـبِ العَميـمِ خَميـرَةٌ
يَنــدى بِمـا حَمَلَـت إِلَيـهِ وَيَبثُـقُ
مــا كـانَ فيهـا لِلزِيـادَةِ مَوضـِعٌ
وَإِلــى حِماهــا النَقـصُ لا يَتَطَـرَّقُ
مُنبَثَّــةٌ فـي الأَرضِ تَنتَظِـمُ الثَـرى
وَتَنـالُ مِمّـا فـي السـَماءِ وَتَعلَـقُ
مِنهـا الحَيـاةُ لَنـا وَمِنهـا ضِدُّها
أَبَــداً نَعـودُ لَهـا وَمِنهـا نُخلَـقُ
وَالــزَرعُ ســُنبُلُهُ يَطيــبُ وَحَبُّــهُ
مِنهــا فَيَخــرُجُ ذا وَهَــذا يُفلَـقُ
وَتَشــُدُّ بَيــتَ النَحـلِ فَهـوَ مُطَنَّـبٌ
وَتَمُــدُّ بَيــتَ النَمـلِ فَهـوَ مُـرَوَّقُ
وَتَظَـلُّ بَيـنَ قُـوى الحَيـاةِ جَوائِلاً
لا تَســـــتَقِرُّ دَوائِلاً لا تُمحَـــــقُ
هِـيَ كِلمَـةُ اللَـهِ القَـديرِ وَروحُـهُ
فــي الكائِنـاتِ وَسـِرُّهُ المُسـتَغلِقُ
فـي النَجـمِ وَالقَمَرَينِ مَظهَرُها إِذا
طَلَعَـت عَلـى الـدُنيا وَسـاعَةَ تَخفُقُ
وَالــذَرُّ وَالصــَخَراتُ مِمّــا كَـوَّرَت
وَالفيــلُ مِمّــا صــَوَّرَت وَالخِرنِـقُ
فَتَنَــت عُقــولَ الأَوَّليــنَ فَـأَلَّهوا
مِــن كُـلِّ شـَيءٍ مـا يَـروعُ وَيَخـرُقُ
ســَجَدوا لِمَخلــوقٍ وَظَنّـوا خالِقـاً
مَــن ذا يُمَيِّـزُ فـي الظَلامِ وَيَفـرُقُ
دانَــت بِــآبيسَ الرَعِيَّــةُ كُلُّهــا
مَــن يَســتَغِلُّ الأرضَ أَو مَـن يَعـزُقُ
جـاؤوا مِـنَ المَرعـى بِهِ يَمشي كَما
تَمشــي وَتَلتَفِــتُ المَهـاةُ وَتَرشـُقُ
داجٍ كَجُنــحِ اللَيــلِ زانَ جَــبينُهُ
وَضــَحٌ عَلَيــهِ مِــنَ الأَهِلَّـةِ أَشـرَقُ
العَســجَدُ الوَهّــاجُ وَشــيُ جَلالِــهِ
وَالــوَردُ مَــوطِئُ خُفِّــهِ وَالزَنبَـقُ
وَمِـنَ العَجـائِبِ بَعـدَ طـولِ عِبـادَةٍ
يُــؤتى بِـهِ حَـوضَ الخُلـودِ فَيُغـرَقُ
يا لَيتَ شِعري هَل أَضاعوا العَهدَ أَم
حَـذِروا مِـنَ الدُنيا عَلَيهِ وَأَشفَقوا
قَــومٌ وَقـارُ الـدينِ فـي أَخلاقِهِـم
وَالشــَعبُ مــا يعتـادُ أَو يَتَخَلَّـقُ
يَــدعونَ خَلـفَ السـِترِ آلِهَـةً لَهُـم
مَلَأوا النَـــدِيَّ جَلالَــةً وَتَــأَبَّقوا
وَاِســتَحجَبوا الكُهّـانَ هَـذا مُبلِـغٌ
مــا يَهتِفــونَ بِــهِ وَذاكَ مُصــَدِّقُ
لا يُســأَلونَ إِذا جَــرَت أَلفــاظُهُم
مِـن أَيـنَ لِلحَجَـرِ اللِسـانُ الأَذلَـقُ
أَو كَيــفَ تَختَـرِقُ الغُيـوبَ بَهيمَـةٌ
فيمــا يَنـوبُ مِـنَ الأُمـورِ وَيَطـرُقُ
وَإِذا هُمـو حَجّـوا القُبـورَ حَسِبتَهُم
وَفـدَ العَـتيقِ بِهِـم تَرامـى الأَينُقُ
يَــأتونَ طيبَــةَ بِالهَـدِيِّ أَمـامَهُم
يَغشــى المَـدائِنَ وَالقُـرى وَيُطَبِّـقُ
فَــالبَرُّ مَشــدودُ الزَواحِـلِ مُحـدَجٌ
وَالبَحــرُ مَمــدودُ الشـِراعِ مُوَسـَّقُ
حَتّـى إِذا أَلقَـوا بِهَيكَلِهـا العَصا
وَفّـوا النُـذورَ وَقَرَّبـوا وَاِصـَّدَّقوا
وَجَــرَت زَوارِقُ بِالحَجيــجِ كَأَنَّهــا
رُقــطٌ تَــدافَعُ أَو ســِهامٌ تَمــرُقُ
مِــن شـاطِئٍ فيـهِ الحَيـاةُ لِشـاطِئٍ
هُــوَ مُضــجَعٌ لِلســابِقينَ وَمِرفَــقُ
غَرَبـوا غُـروبَ الشـَمسِ فيهِ وَاِستَوى
شــاهٌ وَرُخٌّ فــي التُــرابِ وَبَيـدَقُ
حَيـثُ القُبـورُ عَلـى الفَضاءِ كَأَنَّها
قِطَـعُ السـَحابِ أَوِ السـَرابِ الدَيسَقُ
لِلحَــقِّ فيــهِ جَولَــةٌ وَلَــهُ سـَناً
كَالصــُبحِ مِــن جَنَباتِهــا يَتَفَلَّـقُ
نَزَلـوا بِهـا فَمَشـى المُلوكُ كَرامَةً
وَجَثــا المُــدِلُّ بِمـالِهِ وَالمُملَـقُ
ضــاقَت بِهِــم عَرَصــاتُها فَكَأَنَّمـا
رَدَّت وَدائِعَهـــا الفَلاةُ الفَيهَـــقُ
وَتَنــادَمَ الأَحيـاءُ وَالمَـوتى بِهـا
فَكَـأَنَّهُم فـي الـدَهرِ لَـم يَتَفَرَّقوا
أَصـلُ الحَضـارَةِ فـي صـَعيدِكَ ثـابِتٌ
وَنَباتُهـــا حَســَنٌ عَلَيــكَ مُخَلَّــقُ
وُلِـدَت فَكُنـتَ المَهـدَ ثُـمَّ تَرَعرَعَـت
فَأَظَلَّهــا مِنــكَ الحَفِــيُّ المُشـفِقُ
مَلَأَت دِيـــارَكَ حِكمَـــةً مَأثورُهــا
فـي الصـَخرِ وَالبَردي الكَريمِ مُنَبَّقُ
وَبَنَـت بُيـوتَ العِلـمِ باذِخَةَ الذُرى
يَســـعى لَهُـــنَّ مُغَـــرِّبٌ وَمُشــَرِّقُ
وَاِســتَحدَثَت دينـاً فَكـانَ فَضـائِلاً
وَبِنـــاءِ أَخلاقٍ يَطـــولُ وَيَشـــهَقُ
مَهَــدَ الســَبيلَ لِكُـلِّ ديـنٍ بَعـدَهُ
كَالمِســكِ رَيّــاهُ بِــأُخرى تُفتَــقُ
يَــدعو إِلــى بِـرٍّ وَيَرفَـعُ صـالِحاً
وَيَعــافُ مـا هُـوَ لِلمُـروءَةِ مُخلِـقُ
لِلنــاسِ مِـن أَسـرارِهِ مـا عُلِّمـوا
وَلِشـُعبَةِ الكَهَنـوتِ مـا هُـوَ أَعمَـقُ
فيـــهِ مَحَــلٌّ لِلأَقــانيمِ العُلــى
وَلِجــامِعِ التَوحيــدِ فيــهِ تَعَلُّـقُ
تــابوتُ موســى لا تَــزالُ جَلالَــةٌ
تَبــدو عَلَيــكَ لَــهُ وَرَيّـا تُنشـَقُ
وَجَمــالُ يوســُفَ لا يَــزالُ لِـواؤُهُ
حَولَيــكَ فــي أُفُــقِ الجَلالِ يُرَنَّـقُ
وَدُمــوعُ إِخــوَتِهِ رَســائِلُ تَوبَــةٍ
مَســــطورُهُنَّ بِشـــاطِئَيكَ مُنَمَّـــقُ
وَصـَلاةُ مَريَـمَ فَـوقَ زَرعِـكَ لَـم يَزَل
يَزكــو لِـذِكراها النَبـاتَ وَيَسـمُقُ
وَخُطـى المَسـيحِ عَلَيـكَ روحاً طاهِراً
بَرَكــاتُ رَبِّــكَ وَالنَعيـمُ الغَيـدَقُ
وَوَدائِعُ الفــاروقِ عِنــدَكَ دينَــهُ
وَلِـــواؤُهُ وَبَيـــانُهُ وَالمَنطِـــقُ
بَعَـثَ الصـَحابَةَ يَحمِلـونَ مِنَ الهُدى
وَالحَـقُّ مـا يُحيـي العُقـولَ وَيَفتُقُ
فَتــحُ الفُتــوحِ مِـنَ المَلائِكِ رَزدَقٌ
فيــهِ وَمِــن أَصــحابِ بَــدرٍ رَزدَقُ
يَبنــونَ لِلَّــهِ الكِنانَـةَ بِالقَنـا
وَاللَــهُ مِـن حَـولِ البِنـاءِ مُوَفِّـقُ
أَحلاسُ خَيـــلٍ بَيـــدَ أَنَّ حُســامَهُم
فـي السـِلمِ مِن حِذرِ الحَوادِثِ مُقلَقُ
تُطـوى البِلادُ لَهُـم وَيُنجِـدُ جَيشـُهُم
جَيـــشٌ مِــنَ الأَخلاقِ غــازٍ مــورِقُ
فـي الحَـقِّ سـُلَّ وَفيـهِ أُغمِدَ سَيفُهُم
سـَيفُ الكَريـمِ مِـنَ الجَهالَـةِ يَفرَقُ
وَالفَتــحُ بَغــيٌ لا يُهَــوِّنُ وَقعَــهُ
إِلّا العَفيـــفُ حُســامُهُ المُتَرَفِّــقُ
مــا كــانَتِ الفُسـطاطُ إِلّا حائِطـاً
يَــأوي الضـَعيفُ لِرُكنِـهِ وَالمُرهَـقُ
وَبِـهِ تَلـوذُ الطَيـرُ في طَلَبِ الكَرى
وَيَــبيتُ قَيصــَرُ وَهـوَ مِنـهُ مُـؤَرَّقُ
عَمــرٌو عَلـى شـَطبِ الحَصـيرِ مُعَصـَّبٌ
بِقِلادَةِ اللَـــهِ العَلِـــيِّ مُطَـــوَّقُ
يَـدعو لَـهُ الحاخـامُ فـي صـَلَواتِهِ
موسـى وَيَسـأَلُ فيـهِ عيسـى البَطرَقُ
يـا نيـلُ أَنتَ يَطيبُ ما نَعَتَ الهُدى
وَبِمَدحَــةِ التَــوراةِ أَحـرى أَخلَـقُ
وَإِلَيـكَ يُهـدي الحَمـدَ خَلـقٌ حازَهُم
كَنَــفٌ عَلــى مَــرِّ الـدُهورِ مُرَهَّـقُ
كَنَــفٌ كَمَعــنٍ أَو كَســاحَةِ حــاتِمٍ
خَلـــقٌ يُـــوَدِّعُهُ وَخَلـــقٌ يَطــرُقُ
وَعَلَيـكَ تُجلـى مِـن مَصـوناتِ النُهى
خــودٌ عَــرائِسُ خِــدرُهُنَّ المُهــرَقُ
الـــدُرُّ فـــي لَبّـــاتِهِنَّ مُنَظَّــمٌ
وَالطيــبُ فــي حَــبراتِهِنَّ مُرَقـرَقُ
لــي فيـكَ مَـدحٌ لَيـسَ فيـهِ تَكَلُّـفٌ
أَملاهُ حُـــبٌّ لَيـــسَ فيــهِ تَمَلُّــقُ
مِمّــا يُحَمِّلُنـا الهَـوى لَـكَ أَفـرُخٌ
ســَنَطيرُ عَنهـا وَهـيَ عِنـدَكَ تُـرزَقُ
تَهفـو إِلَيهِـم فـي التُرابِ قُلوبُنا
وَتَكــادُ فيــهِ بِغَيـرِ عِـرقٍ تَخفُـقُ
تُرجــى لَهُــم وَاللَــهُ جَـلَّ جَلالُـهُ
مِنّــا وَمِنــكَ بِهِــم أَبَـرُّ وَأَرفَـقُ
فَـاِحفَظ وَدائِعَـكَ الَّـتي اِستودَعتَها
أَنـتَ الـوَفِيُّ إِذا اؤتُمِنـتَ الأَصـدَقُ
لِلأَرضِ يَـــومٌ وَالســـَماءِ قِيامَــةٌ
وَقِيامَــةُ الــوادي غَــداةَ تُحَلِّـقُ
أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932