
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قُلـــتُ أَفــدنيها فَقــالَ قيلا
وَلَيــــسَ كُــــل خَبَـــر عَليلا
كـــانَ بِمصـــر رَجُـــلٌ خَبــاز
يَقــذفه بِــالرفض مَــن يَجتـاز
وَكــانَ فــي كُــل غَـداةٍ يفتـح
دُكــانَهُ بِالجســر حيــنَ يُصـبِح
ثُـــم يَقــوم قائِمــاً فَيَخطــب
وَيَمــدَح الحــاكم ثُــم يطنــب
وَيَلعــن القـادر لَعنـاً ظـاهِرا
وَلَــم يَكُــن بِــذَنبِهِ مُســاتِرا
عِشـرين عامـاً وَإِذا مـا ذَكَـروا
بَغــداد كــادَ قَلبــهُ يَنفَطــر
لِبغضــها وَبُغــض مَــن بَناهــا
وَود كُــل النــاس لَــو يَراهـا
وَكــانَ فـي بَغـداد خَبـاز دبـر
لَكنــه بالنســك فيهـا مُشـتهر
فَــأَمر القــادر حيــنَ أَحضـَره
وقـــالَ هَــذي بــدرة مبــدره
فَـاِذهَب إِلى مصر وَدَع عَنكَ العلل
وَانصب عَلى الخَباز اشراك الحِيَل
عَســـاكَ أَن تقــدمه العراقــا
فَـــإنَّهُ قَـــد شــَقني شــقاقا
فَمــر ذاكَ الشـَّيخ يَبغـي مصـرا
حَتَّــى أَتــى جيزتهـا وَالجسـرا
وَصـــبح الخَبــاز ثُــم دَفَعــا
إِلَيــهِ دِينــاراً وَكَيـداً صـنعا
فلمــح الخَبــاز ضـَرب القـادر
فَثــارَ للغيــظ كَليــث خــادِر
وَضــَرب الشـيخ إِلـى أَن أثخنـه
وَشـــَتَمَ القــادر ثُــم لَعنــه
وَقــذفَ الــدينارَ عَــن يَــديه
تطيــــراً إذ اســـمه عليـــه
فَجَلَــسَ الشــَّيخ قَريبــاً يَبكـي
وَالضــرب فــي أَضــلاعِهِ وَالفَـك
وَقـــالَ قَـــول وَالــه كَئيــب
شـــر الخلال بغضـــة الغريــب
شـــَيخ غَريـــب بــائس كــوفي
موحـــــد معتقــــد شــــيعي
ضــــَرَبتموه إِنَّهـــا عَجيبـــه
مِـن مثلكـم في الدين مِن مُصيبه
قَصـــَدتكم للـــدين مِــن بِلادي
تَبَرمــــاً بِصـــُحبة الأَعـــادي
فَســـَمع الخَبـــاز ذاكَ فَبَكــى
وَجــاءَ يَســعى نَحــوَهُ تَنســكا
مُعتَـــذِراً مِمــا جَــرى عَلَيــه
مُقبلاً لِــــــذَنبِهِ رجليــــــه
يَقــول خلــت الشـيخ بَغـداديا
وَلَــم أَخلــه مُؤمِنــاً كوفيــا
وَســاءَني اســم ذَلِــكَ اللعيـن
فَكـــانَ مــا فعلتــه للــدين
فَطَلَــب التحليــل مِمــا فَعَلَـه
وَتـــابَ مِــن قَســوته فَحللــه
وَقـــالَ إِنــي مثلكُــم خَبــاز
وَحَقـــي الإكـــرام وَالإِعـــزاز
فَاِصــطَلَحا وَاِتفَقــا وَاِصــطَحبا
وَاِشــتَرَكا وَاتجــرا وَاِكتَســَبا
وَزَوج المصـــري مِنــهُ ابنتــه
وَأعمــل الشــيخ عَلَيـهِ حيلتـه
وَلَــم يَـزَل يجهَـد فـي التشـنع
وَكَـــثرَة النِفـــاق وَالتصــَنع
حَتَّــى إِذا حــالَ عَلَيـهِ الحَـول
وَجــاءَ شــَعبان عــراه الوَيـل
وَلَــجَّ فــي البُكــاء وَالنحيـب
فَقــالَ مـا يبكيـكَ يـا حَبيـبي
قـالَ لَـهُ شـَوقي إِلـى الزيـاره
وَخدمــة المَشــاهد المُختــاره
وَالبَرَكـــات نـــازِلات فيهـــا
وَلَــم يَــزَل بِجُهــده يطريهــا
وَيـــورِد الفاســدَ وَالصــحيحا
مِــن فَضــلِها وَيُكـثر المَـديحا
حَتَّـى اِشـتَهى المصري أَن يَزورَها
وَقــالَ إِنــي مزمِــعٌ حُضــورَها
لَكِنَّنــي أَخــاف بَطــش القـادر
فَقَــد عَرَفــت بَغضـه المخـامري
وَإِنَّنــــي أســــبه مُجـــاهِرا
فَحَــق لــي أَن أغتـدى محـاذِرا
قــالَ لـهُ الشـيخُ ومـا يـدريه
بحالنـــا ومــن بــه يــأتيه
كَــم مثلنــا يَــزور كُـل عـام
مِــن جهــة الحِجــاز وَالشــآم
وَذاكَ عَنـــهُ غافـــل لا يَــدري
لأَنَّــهُ مِــن جَهلِــهِ فــي ســُكر
فَلَـــم يَـــزَل بِقَــولِهِ يغــره
وَهـــوَ إِلـــى حمــامه يَجــره
حَتَّــى إِذا مــا قَـدم العِراقـا
وَفـــارق الأَصــحابَ وَالرفاقــا
فَكـــاتب القــادر بِــالحَقيقه
فَأخَــــذَت خيــــولَهُ طَريقـــه
وَأحضــَروه وَهــوَ فــي وَثــاقه
لِســوء مــا قَــدم مِـن شـَقاقه
حَتَّـى إِذا مـا صـارَ عَنهُ القادر
أَبـدى لَـهُ بشـر الخدوع الماكر
وَقـــالَ حلــوا قَيــده وَالغلا
وَأنكـــر الفعـــل بِـــهِ فحلا
وَبــرَّهُ وَلَــم يَـزَل فـي حُجرَتِـه
مشــاهِداً وَجــد فــي عيــادته
ثُـــم حَبـــاه لَيلـــة بِــأَلف
وَزادَ فـــي إِكرامِــه وَاللطــف
وَقــالَ لا تَســب مَــن لا تَعرفـه
إِنَــكَ فــي اِغتِيـابِهِ لا تنصـفه
وَرَدهُ مِــن وَقتِــهِ إِلـى الـوَطَن
وَبغضــه قَــد صـارَ حُبـاً وَشـجن
حَتَّــى إِذا مــا فَتَـحَ الـدكانا
وَشــاهد الإِخــوانَ وَالجِيرانــا
قـــامَ عَلــى عــادَتِهِ خَطيبــاً
وَلَــم يَكُــن فـي فعلِـهِ مُصـيبا
وَمَــــدح القـــادر أَي مَـــدح
مُعتَــذِراً مِــن جرحِــهِ وَالقَـدح
وَلَــم يَـزَل يَـدعو لَـهُ وَيَشـكُره
وَبِالجَميـل فـي الـدعاء يَـذكره
فَبَلَـــغَ الحـــاكم ذاكَ عَنـــهُ
فَســاءهُ مــا قَــد أَتـاه مِنـه
وَاِشــتاطَ مِمــا أَبلَغـوه وَغَضـب
وَأَصـبَحَ الخَبـاز وَهـوَ قَـد صـلب
وَرقعـــة فــي حَلقِــهِ مُعَلقَــه
نَحـنُ صـَلَبناه فَخلـوا المخرقـه
بِكَــف مَــن كــانَ لَــهُ يُـوالي
وَذاكَ مِـــن مَحاســـن الأَعمــال
لا يلتحـــف بِـــإثمه وَعـــاره
خَيـر الأُمـور الصَّبر في المَكاره
وَالرفـق فـي التـدبير وَالتلطف
لمــا يَشــا وَأَنــتَ لَـم تعنـف
عـــادَ إِلـــى عــادَتِهِ صــَبيحُ
وَإِنَّـــــهُ محـــــدث فَصــــيحُ
قــالَ فَلَمــا شــاعَت الأَخبــار
وَاِنتَشــــَرَت بِـــذَلِكَ الآثـــار
كَــــذبَها جَميعهـــا الأَميـــر
بِنَقـــــدِهِ لأَنَّــــهُ تَحريــــر
لَكِنَّــهُ صــَدقَها فــي الظــاهر
تَوصــلاً بِهــا إِلــى الســرائر
فَزيـــن النعمــة وَاِستَقصــاها
وَمَـــنَّ بِالمُهجَــة إِذ أَبقاهــا
وَقـالَ إِن النفـي خَيـر لـي وَلَك
وَمَـن نَفـى عَـن أَرضـِهِ فَقَـد هَلَك
فَجئت هَــذا البَلَــد الغَريبــا
وَلَــم أَجــد فـي ربعـه نَسـيبا
قـالَ لَـهُ الطـاووس قَـد عَرَفتـه
وَكُـــل مـــا شــَرَحته فَهمتــه
وَهــوَ هَجيـن الأَصـل حيـنَ ينسـب
وَالعــرق دَســاس إلَيــهِ يجـذب
كــانَت لَــهُ أُم مــن العقـاعق
أشـــبهها فـــي هَــذِهِ الخَلائق
إِن الأُصـــول تَجــذب الفُروعــا
وَالعـــرق دَســاس إذا أطيعــا
مــا طــابَ فــرع أَصـلهُ خَـبيثُ
وَلا زَكـــا مِــن مَجــدِهِ حَــديثُ
قَـد يَبلغـون رتبـاً فـي الدنيا
وَيُــدرِكون وَطــراً مِــن عليــا
لَكِنهُــم لا يَبلغـون فـي الكَـرَم
مَبلَـغَ مَـن كـانَ لَـهُ فيـهِ قَـدم
قـالَ لَـهُ البـوم وَلِلبـوم حكـم
مغالطــاً فـي قَـولِهِ وَقَـد ظَلَـم
خَـل الأُصـول فَـالكَريمُ مـن كـرم
لا يُكـرم الفـرع إِذا الأَصـل لوم
قـالَ لَـهُ الطـاووس حَقـاً قلتـا
وَنعــم يــا صـاحب مـا ذَكَرتـا
لَكــنَّ مَــن تَقــابَلَت أَطرافــه
فــي طيبِهــا وَكرمــت أَســلافه
كــانَ خَليقـاً بِـالعَلاء وَالكَـرَم
وَبَزَغَـت فـي أَصـلِهِ خيـر الشـيَم
قـالَ لَـهُ الطـاووس خَـلّ ما مَضى
وَذكـــرهُ فَــإِنَّهُ قَــد اِنقَضــى
واعمـل لَنـا فـي حيلـة تُنجينا
مِـن شـَرِّ مـا نَلقـى فَقَد أردينا
فَقــالَ عِنــدي حيلــة عَجيبــه
تَنجـو بِهـا مِـن هَـذِهِ المُصـيبه
نَمـــوت فيهــا فَــإِذا رَآنــا
مَـــوتى بِلا مَنفَعَـــةٍ أَلقانــا
وَأَقبــل الصــياد وَهــوَ جَــذل
فأفلتتنــا مِنــهُ تِلـكَ الحيـل
فَـأظهرا المَـوت فَـألقى البوما
وَقـالَ مَـن يَأخُـذ ذا المَشـؤوما
وَنَتــف الطــاووس حَتّــى سـَمطه
مَحَبــــةً لِريشــــِهِ وَخرطــــه
فَلقـــي العنـــاء وَالعَــذابا
مَـن شـاوَرَ الأَعـداء مـا أَصـابا
وَذَهَــب الصــياد عَنــهُ وَبَقــى
مُنطَرِحــاً فـي حيـرة لمـا لَقـى
وَقـالَ لَـو أَنـي أَجـدت مـا جَرى
عَلـيَّ مِـن جَـورِ الأَنيـسِ مـا أَرى
فَـــإِنَّهُم لا يـــذبَحونَ مثلـــي
قَصـــدهم حســـني دونَ أَكلـــي
فَلــم فَعلـتُ مـا فَعَلـتُ خائِفـا
مِنهــم فَأَصـبَحت سـَليباً تالِفـا
كَــذاكَ مَــن يَستَصــحب الأَعـادي
يردونَـــهُ بِـــالغش وَالإِفســاد
قــالَ لَـهُ البـومُ أَخَـذت ثَـأري
مِنـــكَ وَبَــردت غَليــل صــَدري
وَجــــاءهُ يَنقـــره وَيَضـــربه
وَلَــم يَــزَل مُجتَهِــداً يعــذبه
قـالَ لَـهُ وَيحَـك مـا ذَنـبي أَنا
تَأخـذني ظُلمـاً بِـذَنب مـن جَنـى
أَيؤخـــذُ الـــبريُّ بالســـقيم
وَالرجـــل المُحســن بِــاللئيم
قــالَ نَعـم ثَـأري عِنـدَ الجنـس
وَلَيــسَ يَشــقى غَيـر ذاكَ نَفسـي
قـالَ جَمَعـت الجَهـل وَالجُبن مَعاً
عيبــان مـا ظَننـت أَن يَجتَمِعـا
جُبنـاً عَلـى العَـدو وَالجَهل عَلى
سـِواه فـي القَبيـح ناراً تَصطلي
حَتَّــى إِذا أَدمــاهُ مــرَّ عَنــهُ
وَقَـد شـَفى الحقـد القَـديم مِنه
فَلَــم يُطــق ســَعياً وَلا حِراكـا
وَعـــايَن الحيـــرة وَالهَلاكــا
فَجــاءهُ أَبـو الحصـين الثَّعلـب
وَمـــا أَطــاقَ هَرَبــا فَيَهــرب
فَاِنتاشــَهُ فــي فَمــه وَعــادا
لِيُطعــــم الزوجــــة وَالأَولادا
حَتَّــى إِذا جــاءَ بِــهِ إِلَيهــم
أَلقــاه مِــن أَنيــابِهِ لَـدَيهِم
وَقـد رأَي المَـوت عيانـا فَـدَعا
رَبـاً لَطيفـاً بِـالوَرى قَـد صَنَعا
لَــهُ وَقَــد ظَـلَّ حَزينـاً محرجـا
مَـن يَتقـي اللَّـه يُصـادف مَخرَجا
فَقـــالَ لِلأُنــثى أَنــا عَليــل
وَإِن جِســـمي فـــاعلمي نَحيــل
وَعاقــــل لا يَأكُــــل العَليلا
تحـــــرزاً لا ســـــيما نَحيلا
فَــــإِنَّهُ يعـــديهِ بِالســـقام
وَأكــثر الــداء مِــن الطَّعـام
فَلَــو صــَبَرت مُــدة عَـن أَكلـي
كَيمـــا تَــزول علَّــتي وَســِلِّي
وَرُبَّمــا ســَمنت أَيضـاً فَالسـمن
يطيــب اللحــم وَيرطـب البَـدَن
وَهـــا أَنـــا لَــدَيكُم أَســير
مثلـــي لا يَســـعى وَلا يَطيـــر
فَنــاجت الأُنـثى بِـذاكَ الـذكرا
قــالَ لهــا خَديعـة مـا ذكـرا
فَغَضـــِبَت مِــن قَــولِهِ وَقــالَت
أَكــل العَليــل علــة مـازالَت
تريـــد أَن تَقتُلنـــا بِلحمــه
أَخـــاف أَن يعـــدينا بِســقمه
فَغلبتـــه قـــال أَنـــت أَدرى
لَســت بِــدان مِنـهُ حَتَّـى يَـبرا
قــالَ لَهــا إِنِّـي أَخـاف غَـدره
وَلَســـت بِــالآمن وَيــك مكــره
فَاســـتَحلِفيه لـــي بِـــالطلاق
فَرُبَّمــا يَصــدق فــي المِيثـاق
قــالَت لَـهُ إِحلـف لأَجلـي فَحَلَـف
لا نــاله مـادامَ ذا سـَقمٍ تلـف
فَظَـلَّ يَسـعى نَحـوَ حجـر الثَّعلـب
وَيرتَعــي مِــن مطعــم وَمَشــرَب
حَتَّــى إِذا صــَح وَطــالَ ريشــه
وَصــارَ لا يُمكــن مــن يَحوشــَه
طــارَ إِلــى غُصـن رَفيـع فَوقَـع
عَلَيــهِ وَهــوَ آمــن أَن يتبــع
قـالَت لَـهُ الأُنـثى وَخافَت بَعلَها
وَقَــد رَأَت مِمــا جَنَتـهُ جَهلَهـا
قَــد خُنــت بِـالعُهود وَالأَيمـان
غَـدراً وَمـا الغَـدر مِـن الأَيمان
فَعــد إِلَينــا آمنـاً لا خائِفـاً
فَلَسـت تَخشـى عِنـدَنا المتالفـا
فَقــد أَلفنــاك وَعـدت كَالوَلَـد
وَلَسـت مـا عشـت لَـدَينا مُضـطَهد
قـالَ لَهـا خـدعت وَالحَـرب خـدع
فَاستيئسـي لا تَطمَعـي في أَن أقَع
وَعــادَ مَســروراً إِلــى أنثـاه
وَقَـــصَّ للطيــور مــا عانــاه
قـالَت لَـهُ الأُنـثى عَجيب ما جَرى
وَفَضـــله بــاد لِمَــن تَفَكَّــرا
يخــدعك البـوم زَمـان المحنـه
وَهــوَ ســَفيه لَيـسَ فيـهِ فطنـه
وَتخـــدع الثعلـــب وَهــوَ داه
لَيـــسَ بِــذي جَهــل وَلا ســفاه
إِذ جــاءَت الدولــة وَالسـَّعاده
تَمـــت لَــكَ الحيلــة وَالإرادَه
وَالفَضـل نَقـص فـي زَمـان الحَـد
وَالنَّقــص فَضـل فـي أَوان الجـد
قـالَت لَـهُ العَنقـاء حَقـاً قلتا
عَلمــت يــا هَـذا وَمـا جهلتـا
لَكــن فـي الأنـس عُيوبـاً أُخـرى
وَأَنتُـــم منـــي بِـــذاكَ أَدرى
كُفرهــــم بِرَبهـــم وَفســـقهم
وَقَتلهـــم أَنفســـهم وَحمقهــم
وَبُخلهــم وَالمــال غَيــر بـاق
وَحرصـــهم وَالعَيــش بِــالأَرزاق
وَجَمعهــم وَقَــد دَروا بِــالمَوت
وَحزنهــم عِنـدَ الـردى وَالفَـوت
قـالَ الصـبا أَتثبـت المَعبـودا
أَم أَنــتَ مِمَـن يظهـر الجحـودا
قــالَ وَهَـل يُمكـن فـي العُقـول
إِنكــارك الصــانع يـا خَليلـي
قـــالَت علمـــت أنَّــهُ حَكيــم
وَأنَّـــــهُ بفعلــــهِ عَليــــم
قـالَ نَعـم لا شـَكَ لـي في حكمته
وَعلمــــه وَحلمـــه وَقـــدرته
قــالَ فَكُــلُّ مــا جَـرى وَيَجـري
بِحكمــــة قــــدرها للأمــــر
فَقــالَ زدنـي لَيـسَ هَـذا يَكفـي
إِنَّ العَليــل دائِمــاً يَستَشــفي
قـــال لَــهُ إِن اختلاف الخَلــق
وَخَبطهـــم فـــي باطــل وَحَــق
دلالــــة واضـــِحة للمقـــدره
وَلَيــسَ لِلمُفســد فيهـا مَعـذِره
وَكُلَّمــا ركــب فــي المَخلــوق
مِــن اِختِلاف الطَّبــع وَالفُــروق
يَـــدل أَنَّ اللَّـــه رَب قـــادِر
مَقــدوره يَعجــز عَنـهُ الحاصـر
ثُــم اِبتَلاهــم ناهيــاً وَآمِـرا
لِيَعلــم الأَعمــال وَالســرائِرا
وَمُؤمِنــاً مِــن خَلقِــهِ وَكـافِرا
وَوافيـــاً بِعَهـــدِهِ وَغـــادِرا
لِيجـــزِي المُـــؤمن بِــالثَّواب
وَيجـــزِي الكـــافِر بِالعِقــاب
قـالَ وَمـا فـي ذاكَ قُـل وأوضـح
فَلَســت لِلتكليــف بِالمُستَصــلِح
قـالَ جَهلـت الحَـق إِن المَصـلحه
باديـــة أَســرارها مُســتملحه
لأَنَّـــهُ فَـــرَّق بَيـــنَ الخَلــق
فــي جُملــة الأَحــوال أَي فَـرق
فَخَلـــق المَعـــدن وَالنباتــا
وَالحَيـــوان خَلَقــوا أشــتاتا
وَالحَيـــوان صـــامت وَنـــاطق
وَفـــائق فــي علقــه وَمــائِق
وَهمـــلٌ أَهملـــه مــا كَلفــه
وَنــــاطق كَلفــــه فَشــــرفه
كَيلا يَكـون الخَلـق شـَيئاً وَاحِدا
فَتنقــص القُــدرة نَقصـاً زائِدا
فَالقــادِر الحَــق عَلــى الأطلاق
مــن أَوجـد الأَضـداد فـي الأَخلاق
وَجمعـــت صـــنعته الأَضـــدادا
تَصـــَرفا فيهـــا كَمــا أَرادا
كَــذاكَ فَــاِعلَم خَلـق الأَصـنافا
جَميعهـــا تَختَلـــف اِختِلافـــا
أَحســَن خَلـق الفيـل وَالبَعوضـه
بِحكمــة عَلــى النهـى مَعروضـه
وَقتلهـــم نُفوســـهُم فَهَكَـــذا
بَعضـهم يَلقـى مِـن البَعـض الأَذى
فَـإِن فـي الـوحش وَفـي الطيـور
مـا شـِئت مِـن ظُلـم وَمِـن شـُرور
وَقَــد مَضــى جَــواب ذا وَعُـذره
وَقَــد بَــدا لَـو اِعتـبرت سـرهُ
فَــأيقن العَنقــاء أَنَّ الحَقــا
كــانَ مَـعَ الصـبا وَقـالَ صـدقا
فَاِنقــادَ للحــق وَقــالَ الإنـس
جنــس شــَريف مــا بِـذاكَ لَبـس
ثُــم دَعــاني خاليـاً فَاِعتَـذَرا
وَتــابَ مِــن ذمهــم وَاِسـتَغفَرا
وَقــالَ قُــل للملــك العَظيــم
قَــد تبــت مِـن مَقـالي الأَثيـم
وَبــانَ مــا كــانَ خَفيـاً عَنـي
وَخــابَ فــي ذَم الأَنــام ظَنــي
لَكِننـــي أعجــب مِــن فعــاله
بِنصــرة الأنــس وَمِــن جــداله
عَنهُــم وَهُــم أَعـداؤُهُ بِـالطبع
وَكُلهُــــم يقصـــده بِالســـبع
وَبَعضــهُم يَنفــي وجــود الجـن
وَبَعضـــهُم يعمهـــم بِـــاللعن
وَبَعضــهُم يطعَــن فــي أَخلاقِهـم
وَبَعضــهُم يَعــوذ مِــن طراقهـم
وَبَعضـــهُم ينســـب كُــل نكــر
إِلَيهــم عِنــدَ اِحتيـال الغَـدر
وَبَعضـــهُم يحيـــل بِالـــذُنوب
عَلَيهــــم وَفـــاحش العُيـــوب
مــا تَسـتَحق الإنـس مِنـهُ نَصـرا
بَــل اِسـتَحَقوا مقتـه وَالهَجـرا
قــالَت لَــهُ خُـذ الجَـواب منـي
وارو الَّــذي اذكــر فيـهِ عَنـي
العاقِـــل الفاضــِل لا يُجــازى
بِســَيء فَهــوى مِــن المَخــازي
إِذا فَعلــت مثـل فعـل الجاهـل
ســاويتهُ فــي دقــة الشـَّمائل
أفضـل عَلـى النَّظيـر يبدُ فَضلكا
أَحسـن إِلـى المُسيء يظهر نبلكا
وَاِنصــف المَظلــوم تَـدَع سـَيدا
وَأَعــطِ أَعــداءك تَلقـى أَمجَـدا
وَصــية النبِــي صـِل مَـن قَطَعَـك
فَضــلاً عَلَيــهِ وَأَنِـل مـن مَنعـك
افعــل جَميلاً تَلقَــهُ وَتجـزَ بِـه
فَـإِن فعـل النـاس غَيـر مُشـتَبه
اصـفح عَـن الجـاني وَعُد بحلمكا
يظهــر خَفــيَّ جَهلِــهِ بِعلمِكــا
وَنَحـنُ نجـزي عَنهُم في ذا اللسن
نُقابـل القَبيـح بالفعـل الحَسَن
وَبَيننــا الأَنسـاب أَيضـاً تـوجب
غيرتنـــا عَلَيهــم إِذ نَكَبــوا
قـالَ أَبِـن لي موضحاً ذاكَ النسَب
فَقَـد أَتيـت بِالَّـذي قُلـت العَجَب
أَلســتُمُ نــاراً وَهُـم مِـن طيـن
لَيــسَ الأُسـود كَالظِّبـاء العيـن
وَشــَيخكُم إِبليــس تــاهَ وَفخـر
عَلــى أَبيهــم آدم ثُــم كَفَــر
قــالَ نَعــم فَالنَّســَب القَريـب
يَعرفـــه المحقـــق اللـــبيب
قرابـــة التكليــف وَالخطــاب
مـا بَيننـا أَدنـى مِـن الأَنسـاب
نَحــنُ جَميعـاً أَهـل عَهـد اللَّـه
خاطبنـــا بِــالأَمر وَالنــواهي
وَالنطــق وَالعَقـل فَهـل صـَدقتا
يــا ملـك الطيـر بِمـا ذَكرتـا
وَالمَــرء يحيــي جاهِـداً أَخـاه
وَهــوَ إِذا مـا عـد مـن أَعـداه
أَمــا ســمعت قصــة العَــدلين
وأَنَّهـــا صـــدق بِغَيــر مَيــن
أبو يعلى نظام الدين البغدادي ابن الهبَّارية: شاعرٌ هجّاء من شعراء quotخريدة القصرquot ويقال في كنيته أبو العلاءترجم له ابن خلكان قال:ابن الهبارية الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله ابن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي المعروف بابن الهبارية الملقب نظام الدين البغدادي الشاعر المشهور؛ كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لايكاد يسلم من لسانه أحد. وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن. حكي عنه أنّه هجا بالأجرة النّظام، فأمر بقتله، فشفع فيه جمال الإسلام محمّد بن ثابت الخُجَنْدِيّ، وكان من كِبار العلماء، فقبِل شفاعته، فقام يُنشد نظام الملك، يومَ عفوِه عنه، قصيدةً، قال في مطلعها:بعزّةِ أمرِك دارَ الفلَكْ حَنانَيْك، فالخَلْقُ والأمرُ لكْفقال النّظام: كذبت، ذاك هو الله عزّ وجلّ، وتمّم إنشادها.ثم أقام مدّة بأصفهان. وخرج الى كرْمان، وأقام بها الى آخر عمره. مات بعد مدّة طويلة.وذُكر أنّه توفّي في سنة أربع وخمس مئة.وترجم له الإمام الذهبي في التاريخ فقال بعدما سماه: والهبارية هي من جداته، وهي من ذرية هبار بن الأسود بن المطلب. (1)قرأ الأدب ببغداد، وخالط العلماء، وسمع الحديث، ومدح الوزراء والأكابر.وله معرفة بالأنساب، وصنف كتاب الصادح والباغم والحازم والعازم، نظمه لسيف الدولة صدقة بن منصور، وضمنه حكماً وأمثالاً، ونظم كليلة ودمنة. وله كتاب مجانين العقلاء، وغير ذلك. وله كتاب ذكر الذكر وفضل الشعر. وقد بالغ في الهجو حتى هجا أباه وأمه. وشعره كثير سائر، فمنه قصيدة شهيرة: أولها: (حي على خير العمل=على الغزال والغزل)قال الأرجاني: سألت ابن الهبارية عن مولده، فقال: سنة أربع عشرة وأربعمائة.وقال أبو المكارم يعيش بن الفضل الكرماني الكاتب: مات بكرمان في جمادى الآخرة سنةتسع وخمسمائة. ا.هـقال الزركلي: من كتبه (الصادح والباغم-ط) أراجيز في ألفي بيت على أسلوب كليلة ودمنة، و(نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة - ط)، و(فلك المعاني)، و(ديوان شعر) أربعة أجزاء..