
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أطَلَّـــتِ الآلامُ مـــن جُحْــرِهِ
وَلُفَّــتِ الأســْقامُ فـي طِمْـرِهِ
بُرْدَتُــهُ الليـل علـى بَـرْدِه
وكِنُّــهُ الْقَيْــظُ علــى حَـرِّه
مُشــَرَّدٌ يَــأوِي إلــى هَمِّــهِ
إذا أوَى الطيـرُ إِلـى وَكْـرِه
مـا ذاق حُلْـوَ اللثْم في خَدِّهِ
ولا حنــانَ المَـسِّ فـي شـَعْرِهِ
وَلاَ حَــوَتْه الأمُّ فــي صـَدْرِها
ولا أبٌ ناغــاهُ فــي حِجْــرِه
قـد صـَبَرَ النفْسَ على ما بها
وانتظَـر الموعـودَ مـن صَبْرِه
البَطْـنُ مهضـومٌ طـواه الطَّوَى
ونـامَ أهـلُ الأرضِ عـن نَشـْرِهِ
والــوجهُ لليـأْسِ بـه نَظْـرَةٌ
يَقـذِفُها الْحِقْـدُ علـى دَهْـرِه
جَرَّحــه الــدهرُ فمِـنْ نَـابِه
تلــك الأخاديـدُ ومـن ظُفْـره
قــد كتـب اللّـهُ علـى خَـدِّه
خَطّـاً يَبِيـنُ البُـؤُسُ في سَطْرِهِ
وغـار ضـوءُ الحِـسِّ مـن عَيْنهِ
وفـرَّ لَمْـحُ الأُنـسِ مـن ثَغْـرِه
والبشـرُ أين البِشْرُ وَيْحي له
يـا رحمـةَ اللّـه علـى بِشْرِهِ
يجــرُّ رِجْلَيْـه بَطيـء الْخُطَـا
كالْجُعَـلِ المكْـدُودِ مـن جَـرِّه
إِن نــام أبْصـرتَ بـه كُتْلَـةً
تجمــعُ ســاقَيْهِ إلـى نَحْـرِه
احتَبَســَتْ أوَّاهُ فــي قَلْبِــهِ
واختنقــت ويْلاهُ فــي صـَدْرِه
وجـفَّ مـاءُ العَيْـنِ في مُوقِها
مـاذا أفَـاد العينَ من هَمْرِه
سـالت بـه نَهـراً علـى لُقْمةٍ
فعــادَ كالسـائلِ فـي نَهْـره
لا يَجِـدُ المـأوَى ولـو رَامَـهُ
أحــالَهُ الـدهر علـى قَبْـره
هنــاك يَثْـوِي هـادئاً آمِنـاً
مـن شـَظَفِ العَيْـشِ ومـن وَعْرِه
فكـم بصـدر القَبْـر من ضَجْعةٍ
أحنـى مـن الـدهر ومن نُكْرِهِ
مَتْعَبَــةُ الإِنســانِ فـي حِسـِّهِ
وشــِقْوةُ الإِنسـان مـن فِكْـرِه
كيـف يُرجَّـى الصـفْوُ من كَائنٍ
الْحمَــأُ المســنونُ فـي ذَرِّه
لـم يَسـْمُ للأملاك فـي أوْجِهَـا
ولا هَــوَى للـوَحْشِ فـي قَفْـرِه
رام اللبـابَ المَحْضَ من سَعْيِهِ
فلـم يَنَـلْ منـه سـِوَى قِشـْرِه
يسـعَى ومـا يَـدْرِي إلى نفعِهِ
ســَعَى حَثِيثـاً أم إِلـى ضـَرِّهِ
آمنــتُ بــاللّه فكـم عـالِمٍ
أعجــزه المحجـوبُ مـن سـِرِّه
اللّـه فـي طِفْـلٍ غزاهُ الضَّنَى
بـــأدْهَمِ الخَطْــبِ ومُغْبَــرِّه
فــي ظُلُمــاتٍ مَوْجُهـا زاخـرٌ
كـأنّهُ ذو النُّـونِ فـي بَحْـرِهِ
والنـاسُ بالشـاطىء من غافلٍ
أو ســاخر أمْعَـنَ فـي سـُخْره
والمَوْجُ كالذُؤْبانِ حَوْلَ الفتى
يســدُّ أُذْنَ الأُفْــقِ مـنْ زَأرِه
نـادَى ومـا نـادَى سـوَى مَرَّةٍ
حتّـى طـواهُ اليَـمُّ فـي غَمْرِه
تظنُّـــه طِفْلاً فـــإن حقّقَــتْ
عينـاكَ لـم تَعْثُـرْ على عُشْرهِ
كــأنَّه الشـّكُّ إِذا مـا مَشـَى
أو مـا يَرى النائمُ في ذُعْرِه
طَغَـى بـه الجـوعُ ففـي دَمْعِهِ
مـا فعـلَ الجـوعُ وفـي نَبْرِه
واهــاً لكـفٍ لَصـِقَتْ بـالثرَى
وائْتَـدَمَتْ بـالبُؤْسِ مـن عَفْرِه
مـاذا علـى الإحسانِ لو ردَّها
نَديْــةَ الأطْــرافِ مــن بِـرِّهِ
مـاذا علـى الإِحسان لو ردَّها
رَطيبــةَ الألْســُنِ مـن شـُكره
كــم بَســْمَةٍ أرسـلَها مُحْسـنٌ
أزْهَـى مـن الـروْضِ ومن زَهْرِه
ولُقْمــةٍ ســدَّتْ فمـا جائعـاً
رجَّحَــتِ المِيـزانَ فـي حَشـْره
ومِنَّــةٍ كــانت جَنَاحــاً لـه
طـارَ بـهِ الـذائعُ مـن ذِكْرِهِ
ودَمْعـــةٍ يُــذْرِفها مُشــْفِقاً
أصـْفَى مـن المَـذْخُورِ من دُرِّه
لا تُزْهِــرُ الجنــةُ إِلاّ بمــا
يَســْفَحُه البـاكِي علـى وِزْره
لـو عَـرَفَ الإِنسـانُ مـا أجرُه
مـا ضـَنَّ بـالنفْسِ علـى أَجْرِه
يبقَـى قليـلُ المالِ مِنْ بَعْدِهِ
ويَــذْهَبُ المـالُ علـى كُثْـرِهِ
بِيـضُ أيـادِي المرْءِ في قَومِهِ
أغْلَـى مـن البِيـضِ ومن صُفْرِه
والحُــرُّ لا يَنْعَـمُ فـي وَفْـرِه
حـتى يَنـالَ الأحْداثُ عن قَدْرِه
والنـاسُ كالمـاءِ فمن ضَحْحضَحٍِ
ومـن عَميـقٍ حِـرْتُ فـي سـَبْرِه
ليـس الـذي يُنْفِـقُ مـن يُسْرِه
مِثْـلَ الـذي يُنْفِـقُ مـن عُسْره
كـم دِرْهَـمٍ أُلْقِـيَ فـي سـِجْنِهِ
ولـم يَنَـلْ عَفْـواً مَـدَى عُمْرِه
لـم يَـرَ حُسْنَ الصُّبحِ في شَمْسِه
ولا جَمـالَ الليـلِ فـي بَـدْرِه
يطْمَـعُ وَخْـزُ الجـوعِ في وَصْلِهِ
ويُرْسـِلُ الزَّفْـراتِ مـن هَجْـرِهِ
والمـالُ كالْخَمْرِ إذا ما طَغَى
ضـاقت فِجَـاجُ الأرضِ عـن شـَرِّه
مـتى يَهُـبُّ العقـلُ مـن نَوْمِه
أو يسـتفيقُ المـالُ من سُكْرِه
مـتى أَرَى النفـسَ وقد أُطْلِقَتْ
مـن رِبْقَـةِ المـالِ ومن أسْرِه
مـتى أرَى الْحُـبَّ كضَوْءِ الضُّحَى
كُـلُّ امْرِىـءٍ يَسـْبَحُ فـي طُهْرِه
مـتى أرَى النـاسَ وقد نُزِّهُوا
عـن شـَرَهِ الـذئبِ وعـن غَدْرِه
أُخُــوَّةُ الغُصــْنِ إِلـى صـِنْوِهِ
وبَســْمَةُ الزهْـرِ إِلـى قَطْـرِهِ
ورَحْمَــةٌ رَفّافَــةٌ لــم تَـدَعْ
قلْبـاً يُوارِي النارَ في صَخْرِهِ
لا يُحْسـَدُ الجـاهُ علـى مـالِه
أو يُنْهَـرُ الْبُـؤْسُ علـى فَقْرِهِ
كـم شـارِدٍ فـي مِصْرَ يا كُثْرَه
مــن عَـدَدٍ يَسـْخُر مِـنْ حَصـْرِه
ذَخِيـــرةُ الأمــة أبناؤهــا
مـاذا أفـادَ النيلُ من ذُخْرِه
مـاذا أفـادَ النيلُ من ساعدٍ
أسـْرَعَ مِـنْ ضـِغْثٍ إِلـى كَسـْرِه
وأَرْجــلٍ أوْهَــنَ مــن هَمْسـةٍ
ومـن نسـيم الصـبح فـي مَرِّه
ومــن فتـاةٍ فَجْرُهـا لَيْلُهـا
ومــن غُلامٍ ضــَلَّ فــي فَجْـرِه
ألْقَتْــهُ مِصــْرٌ هَمَلاً ضــائعاً
فصـال يَبْغِـي الثارَ مِن مِصْرِهِ
غــاصَ مـن الآثـامِ فـي آسـِنٍ
يَكـرَعُ مِلْـءَ الفَـمِ مـن مُـرِّه
أسـرَى مـن الليل وأمْضَى يَداً
مـن عَبَـثِ الليـل ومـن مَكْرِه
كـم ضـاق مـن شـِقْوَته عَصـْرُهُ
وضــاق بالسـُّخْطِ علـى عَصـْرِه
شـَجاً بِحَلْـقِ الـوَطَنِ الْمُفْتَدَى
وشــَوْكَةٌ كالنَّصـْلِ فـي ظَهْـرِه
مدْرَسـةُ النشـْلِ وَسـَلِّ المُـدَى
أسَّسـَها الشـيْطانُ فـي جُحـرِه
إذا هَـوَى الْخُلق وضاع الحِجَا
فكــلُّ شـَيْءٍ ضـاع فـي إثْـرِه
مـن يُصـْلِح الأُسـْرةَ يصْلِحْ بها
مـا دَمَّـرَ الإِفسـادُ فـي قُطْرِهِ
جنايـةُ الوالـدِ نَبْـذُ ابنـهِ
فـي عُسـْرِه إنْ كـان أو يُسْرِه
لا تَتْــرُكُ الذِئْبَـةُ أجْراءَهـا
ولا يغيـبُ الكلـبُ عـن وَجْـرِه
البَيْـتُ صـَحْراءُ إذا لـم تَجِدْ
طفُولــةً تَمْــرَحُ فــي كِسـْرِه
فعـاقبوا الآبـاءَ إنْ قصـَّروا
لابُــدَّ للســادِرِ مــن زَجْـرِه
وأنقـذوا الطفْـلَ فمـا ذَنْبُه
إِنْ جَمَـحَ الوالـدُ فـي خُسـْرِه
رَبُّــوهُ يَنْمــو ثَمَـراً طيِّبـاً
لا ييـأسُ الـزراعُ مـن بَـذْرِهِ
وعلِّمـــــوهُ عَملاً صــــالحاً
يَشــُدُّ إن كافَــحَ مــن أَزْرِه
ربُّـوه فـي الريفِ لعلَّ القرَى
تُصـْلِحُ مـا أَعْضـَلَ مـن أمْـرِه
النفْـسُ مِـرْآةٌ وغُصـْنُ النَّقَـا
يَطيــبُ أو يَخْبُـثُ مـن جـذْرِه
لعـلّ هَمْـسَ الغُصـنِ فـي أُذْنِه
يُنْسـِيهِ مـا أضـْمَرَ مـن ثَأْرِه
لعــلّ أنْفـاسَ نسـيم الرُّبـا
فـي صـَدْرِه تُبْـرِدُ مـن جَمْـرِه
النيــلُ يســتنجِدُ مُسْتَنْصـِراً
فأَسـْرعوا الْخَطْـوَ إلـى نَصْرِه
لا يـذهبُ المعـروفُ فـي لُجَّـةٍ
ولا يَكُــفُّ الْمِسـْكُ عـن نَشـْرِه
علي بن صالح بن عبد الفتاح الجارم.أديب مصري، من رجال التعليم له شعر ونظم كثير، ولد في رشيد، وتعلم في القاهرة وإنجلترة، واختير ليكون كبير مفتشي اللغة العربية بمصر.ثم وكيلاً لدار العلوم حتى عام (1942)، مثل مصر في بعض المؤتمرات العلمية والثقافية، وكان من أعضاء المجمع اللغوي.وتوفي بالقاهرة فجأة، وهو مصغ إلى أحد أبنائه يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراش.له (ديوان الجارم-ط) أربعة أجزاء، (قصة العرب في إسبانيا - ط) ترجمة عن الإنكليزية.و(فارس بن حمدان-ط)، (شاعر ملك-ط)، وقد شارك في تأليف كتب أدبية منها: (المجمل-ط)، و(المفصل-ط) وكتب مدرسية في النحو والتربية.