
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
بَـدَأتُ بِاِسـم اللَـهِ فـي المَسيرِ
لِكَــي أَنــالَ غايَــة التَيسـيرِ
ثُـمَّ لَـهُ الحَمـد المُـوافي نِعَمه
ســُبحانَهُ ســُبحانَه مـا أَكرَمـه
ثُـــمَّ صـــَلاة اللَــهِ وَالســَلام
جودُهمـــا يَصـــحَبهُ الـــدَوام
عَلـى الرَّسـولِ المُصطَفى المَحبوب
مَــن حبّــهُ الحَيــاةُ لِلقُلــوبِ
وَآلِــــهِ وَصــــَحبِهِ الهـــداةِ
وَالأَولِيــا وَالعُلَمــا الثِّقــاتِ
هَـــذا وَحَيــثُ مُبــدِع الأَنــامِ
وَفَّقَنــي لِلحَــجِّ فـي ذا العـامِ
خَرَجــتُ مِـن فـاس لَـدا الـزَوالِ
يَــومَ الخَميــس حـجّ مِـن شـَوّالِ
مِــن عــامِ خَمســَة وَأَربَعينــا
بَعــــد ثَلاث عَشـــرَة مِئينـــا
وَدّعـتُ أَحبـابي وَأَهلـي وَالخَـدم
وَفـي الفُـؤاد مـن وَداعِهِـم ضَرَم
لكِنَّنــي صــَبرت قَلــبي لِلنَّـوى
فـي حُـبّ مـا لَـهُ المُحِبّ قَد نَوى
وَلــي فـي اللَـهِ الكَريـم رَبّـي
مِــن الرَجـاءِ مـا يسـلّي قَلـبي
يَردّنـــي لَهُـــم بِخَيــرِ حــالِ
بَعـد بُلـوغِ القَصـد مِـن مَنـالي
أَنـا وَمَـن مَعـي مِن النّجلِ الأَبَر
يوسـُف زاكـي المَكرُمـاتِ والأَثـر
وَســـائِر الخـــدّامِ وَالرِّفــاق
ذَوي الهُــدى وَالنّسـك وَالوِفـاقِ
وَكــانَ قَصــدي أَوّلا ثَغــر سـَلا
حَيـثُ الفُـؤاد دائِمـاً بِهـا سَلا
وَصــَلتُها مِــن بَعـد سـَيرِ خَمـس
مِـــن الســـَوائِع بِكُــلّ أنــسِ
فــي تومبيــلَ يَخـرِق القِفـارا
ســُبحان مــن ســَخَّرَه تســيارا
ثُــمَّ قَصــدت بِاِحتِفـال وَاِحتفـا
مِـن غَـدنا قَصـر الأَميـرِ يوسـُفا
خَيـر المُلـوكِ حـبر أَهـلِ الفَضلِ
جَـم الجـدا غَمـرُ النَدا وَالبَذلِ
قَصـــد وَداعــه وَكــان أذنــا
فـي الحَـجّ لـي بِكُـلِّ برٍّ وَاِعتنا
شـــاهَدت عِنــدَ بشــره وَبــرِّه
شـَمس الضـُّحى وَالمـزن عِندَ قطرِه
وَكنـت ضـَيفاً بَعـدَ فَـرضِ الجمعَه
فـي غايَـةٍ مِـن السـُرورِ وَالدِّعَه
عِنــدَ الفَقيـهِ الألمَعـي حـاجِبه
إِذ قـامَ مـن إِكرامِنـا بِـواجِبِه
جَـــزاهُ رَبّنــا عَلــى طَــويّته
فَــالمَرءُ لا يُجـزى بِغَيـر نِيَّتِـه
فَكــانَ فــي سـَلا مَقـامي قَـدرا
مِــنَ الزَّمــانِ لا يَبـت القَصـرا
عِنـدَ الأَخِ العـالِم باشـا بَلَـدِه
الأَمجَــدِ الأَكــرَمِ سـامي مَحتـده
ذاكَ الصـــّبيحي مُحمَّــد الَّــذي
لا زالَ لِلفَضــلِ دَوامــاً يحتـذي
وَبعــدَ يَــومَينِ أَتَيـتُ البيضـا
لِغَــرض لــي فـي حِماهـا أَيضـا
وَكـــانَ مِنّــي مــدَّة المَقــامِ
فـــي رَبعهــا ثَلاثــة الأَيّــامِ
رَجعــتُ مِنهــا لِلرِّبــاط فَسـَلا
بَعــد قَضـاء الغَـرَض الَّـذي جَلا
وَكــلّ ذا فــي غايَــةِ الإِينـاسِ
بِمَــن لَقيـت مِـن جَميـع النـاسِ
سـُبحانَ مَـن سـخّر لـي العَـوالِم
وَســـَهّل الســـَبيل لِلمَغـــانِمِ
لَـهُ تَعـالى الحَمـدُ وَالشُّكرُ عَلى
إِفضــالِهِ قَــد جَـلَّ شـاناً وَعَلا
ثُــمَّ إِلــى طَنجَـة كـانَ القَصـدُ
إِذ كـانَ فـي القَصـدِ إِلَيها قَصدُ
وَصــَلتُها مِــنَ الرِّبـاط سـالِما
فــي تومبيـل يَخـرِق المَعالِمـا
وَذاكَ يَـومُ السـَّبتِ فـي عِشـرينا
مِـن شـَهرِنا الَّـذي مَضـى تَبيينا
وَمــدّة المَســيرِ كــانَت ســتّا
مــن الســَوائِع تَــروق نَبتــا
عِنـدَ العشـي قَـد وَصـَلنا ثَغرها
وَكُنــت مِـن قَبـل سـَبرت أَمرهـا
بِهــا تَلقّانــا حَليــفُ الفَضـلِ
وَالأَدبِ الغَـــضّ كَريـــم الأَصــلِ
نـائِب مَولانـا الأَميـر المُنتَـدَب
لَـهُ بِهـا يا نِعم من لَها اِنتَدَب
مُحمَّـــد هُـــوَ أَبــو عشــرينا
أَخلاقُــه تَحكـى شـَذا النِّسـرينا
كَـذا تَلقّانـا اِبـن جلـونَ الأجَل
إِدريـس مـن مَنصـِبِه فينـا يجـل
عُمـــدتنا وَأَوثَـــق الثِّقـــاتِ
ربِّ النُّهــا وَالنُّســك وَالثَبـاتِ
قامــا لَنــا بِــواجب الإِكـرامِ
وَقــــابَلا بِغايَـــةِ اِحتِـــرامِ
وَاِجتَهــدا بِكُــلِّ مــا اِجتهـاد
حَتّــى تَوَصــَّلنا إِلــى المُـرادِ
كَــذا تَلَقّانـا بِهـا مَـن كانـا
لِلحَــجِّ فــي رِفقَتِنـا اِسـتَكانا
مِــن أَهـلِ مِكنـاس وَهُـم جَمـاعَه
الفَضــل وَالتَّقــى لَهـم بِضـاعَه
نَعــم وَفــي طَريقنــا عَرجنــا
عَلــى العــرائِش لأنــس يُجنــى
كُنّــا بِهـا مِـنَ النّهـارِ بُرهَـه
مَملــــوءَة بِطَــــرب وَنَزعـــه
عِنـد اِبـن عميرٍ الكَريمِ الطاهِر
مَنزِلــــهُ زاهٍ بِـــهِ وَزاهـــر
وَحَصــلَ الأنــسُ العَميـمُ لِلبَلَـد
وَأَهلهــا مِـن والِـدٍ وَمـا وَلَـد
وَهكَـــذا كنّـــا بِكــلّ مَــوطِن
مِنحَــة فَضـلٍ مِـن عَميـم المنَـنِ
ســُبحانَ رَبّــي العَظيــم الحَـقِّ
حَبّبنــي فــي قَلـبِ كـلِّ الخَلـقِ
وَلَســت أَعنــي كاشــِحاً حَسـوداً
أَبــى لَــهُ الحَســد أَن يَسـودا
قَــدِ اِلتَظـت مُهجَتـه مِـن حَسـَده
يــا حــرّ مـا جـرّ بِـهِ لِكبـدِه
فَالحَمـــدُ لِلَّــهِ عَلــى نِعَمــه
وَالشـــُكر لِلَّــهِ عَلــى كَرَمِــه
ثمَّــت أَبحَرنــا إِلـى مَرسـيليا
حَيـــثُ بَــدا طَريقُهــا ســَويّا
يَــوم الثُلاثــا بِســفينِ عبـده
وَاللَّــه يـولي بِالجَميـلِ عَبـدَه
بِــذلِكَ الســّفين قَــد وَدَّعنــا
جُملَــةَ أَحبــابٍ عَلَــوه مَعنــا
وَفيهِــم الوَلــد عَبـد المالِـك
وَقــاه رَبّنــا مــن المَهالِــكِ
أَرشــدَهُ اللَّــه لأَهــدى السـُّبلِ
أَســعَدَه اللَّــه بِنَيــل السـُؤلِ
كــانَ مَسـير البَحـرِ فـي سـُكونِ
وَدِعَــةٍ مِــن غَيــر مــا فُتـونِ
نَطــوي عبــابَهُ بِحُســن مَنظَــر
وَســـعَة هـــيَ مُنـــى مُعتَــبرِ
ســـُبحانَ مَــن ســَخّره لِلخَلــق
قــامَ لكــلِّ مــا بِـهِ بِـالرِّزقِ
ســُبحانَ مُنشــيهِ وَمُبـديهِ كَمـا
شــاءَ بِحِكمــة حَكيــمِ الحُكَمـا
ســُبحانَ مُجريــهِ وَمرسـيهِ فَقـر
أَحـاطَ علمـاً بِالَّـذي فيهِ اِستَقَر
بـهِ لَقينا البَعض مِن أَهلِ اليَمن
مُســـتَخدمينَ لِضــَرورَة الزَّمَــن
فــي طَبعِهِـم مَحبَّـة فـي الـدّينِ
وَقُـــوَّة الإِيمـــانِ وَاليَقيـــنِ
عــالِمهُم وَجاهِــل فـي ذا سـوا
فَلا تَقُـل فـي واحِـد مِنهُـم سـِوى
كُلُّهُــم عَلــى التُّقــى أَقامــا
عَلــى الطَريقَــةِ قَـدِ اِسـتَقاما
أَلَيــسَ قــالَ فيهـم العَـدناني
فــي خَــبرٍ إِيمانُنــا يَمــاني
وَفـــي صــَباحِ جُمعَــة وَصــَلنا
لِلبَلَـــد الَّــذي لَــهُ قَصــدنا
وَكُـــلّ مَــن رافَقنــا مَســرورُ
خـــامَرَه مِــن أَجلِنــا ســُرورُ
فَالحَمــدُ لِلَّــهِ عَلـى الهِـدايَه
نَسـأَلها فـي البـدءِ وَالنِهـايَه
فَهــوَ الكَريـم جَـلّ أَن يَمنَعنـا
مِــن فَضــلِهِ نَرجـوهُ أَن يَمنَحـا
ثُـــمَّ بِمرســـيلي قَــد تَلقّــى
لَنـــا فَــتىً لِفلكنــا تَرقّــى
كــانَ لــهُ الإعلام برقـاً أَنَّنـا
نَقصـــدكُم فَلتَتَعَرَّضـــوا لَنــا
فَقــام بِــالواجِب مــن مناسـِب
لِحــال ذاكَ القطـرِ لا المغـارِبِ
ســَعى لَنـا فـي كُـلِّ مـا نُريـدُ
حَتّــى اِقتَضــى مُـراده المريـدُ
جَـــزاهُ ربّنــا بأَفضــَلِ جَــزا
فَمِنـهُ جـلّ رَبّنـا يَزكـو الجَـزا
كــانَ مَقامُنــا بِهــا أَيّامــا
أَربَعَـــة تَســـتَوجِب الإِتمامــا
وَقَــد رَأَيــت إِذ أَقَمــتُ زَمَنـا
وَكـانَ بَـذل المـالِ لَـن يهمّنـا
أَن أَقصــدَ المَسـجِد فـي بـاريز
ذات البهـا وَالحُسـنِ وَالتَـبريزِ
فَجِئتهـــا وَحـــدي بِتُرجَمـــانٍ
يُفهِمُنــي مــا عَـنّ مـن أَمـاني
كــانَ مَســيرُنا عَلــى القِطـارِ
مِــن أَوّلِ اللَيـلِ إِلـى النَهـارِ
فـــي مَنظَــرٍ يَــروقُ لِلأنظــارِ
اللَّيـــل بِالأَضــواءِ كَالنَهــارِ
وَفـي الصـَّباحِ طـابَ لـي المَسيرُ
فـــي خضـــرَةٍ وَنضــرَةٍ نَســيرُ
وَكــانَ مــدَّةُ المَســيرِ أَربَعـا
وَعَشــرَة مــن الســَوائِع مَعــا
صــَلّيتُ فــي مَســجِدها الجَديـدِ
عـــدَّةَ أَوقــاتٍ عَلــى تَحديــدِ
وَهـــوَ مَســجدٌ بَــديعُ الشــَكلِ
لَيـسَ لـهُ فـي قُطرِنـا مِـن مِثـلِ
مُســتَجمِعٌ لِكــلِّ مــا يَحتــاجُه
مَـــن حلّــه وَلا تَفــوت حــاجّهُ
قابَلنـــا بِغايَـــة التَرحيــبِ
مَــن بِــهِ مِـن بَعيـدٍ أَو قَريـبِ
بــهِ وَجــدت زُمــرَةً مــن نـاسِ
تـــونس مَـــع جَــزائِر وَفــاسِ
وَطَنجَــة وَمِــن رِبــاطِ الفَتــحِ
وَكلّهُــــــم ذو أَدبٍ وَنُصـــــحِ
قــاموا بِكُــلِّ واجِــبٍ وَقــرّوا
عَينــاً بِنــا وَخَــدموا وَبـرّوا
بــتّ بِأَنكــا مُكــرَم المَقــامِ
عِنــدَ الأَميــرِ مُعتَلـي المَقـامِ
عَبـد الحَفيـظِ العـالمِ المجيـدِ
سـُلطاننا السـابِق هـامي الجودِ
لَقَــد دَعــاني لِلقُــدومِ عِنـدَه
لِأَنَّــهُ بِــالعِلمِ يــوري زنــدَهُ
ســرَّ بِنــا وَنــالَ مِنّـا أنسـا
إِذ كـانَ فـي الحـرسِ مِـن فرَنسا
بـــتُّ أَبـــثُّ ســَمعَه الآدابــا
وَغَـــضّ عِلــمٍ يَخلــبُ الألبــابَ
إِذ كــانَ أَهلا لِلَّـذي أُبـدي لَـهُ
وَيَقــدرُ العِلــمَ وَيـدري أَهلـهُ
حَتّـى اِنتَشـى مِن خَمرَةِ المذاكَرَه
وَأَخَـــذَتهُ لَـــذَّةُ المُســـامَرَه
وَدَّعتـــه عَشــيَّة الغَــدِ وَقَــد
بَـدا بِـهِ مِـن بَيننـا لَهـبٌ وَقَد
ثُــمَّ تَجَــوَّلت بِــداخِل البَلَــد
وَحَولَهـا فـي تومبيـلٍ لـي مُعَـد
أَعَـــدَّهُ ذو الشــّيمَة الشــمّاءِ
ســَمَت ســِماتها إِلــى السـَّماءِ
فَكَــم رَأَينـا مـن بَـدائِع بِهـا
وَمـــن صــَنائِع وَمِــن عَجبهــا
مِمّــا بِــهِ العِــبرَة لِلمُعتَبَـر
ســـُبحانَ رَبٍّ قـــادِرٍ مُقتَـــدِرِ
أَقـــدَرَ خَلقــهُ عَلــى عَجــائِبٍ
مُدهِشــــَة لِنــــاظِر وَجـــائِبِ
وَفـي طَريقِنـا رَأَينـا كَـم بَلَـد
بِهــا فَرَنســا اِتَّخَـذَت أَي مـدَد
ثُــمَّ رَجَعـتُ مِثـل مـا جِئت إِلـى
رِفاقِنــا وَلَهُــم فينــا إِلــى
وَمـن غَـد اليَـوم وَكـانَ الأربعا
ثــاني قِعــدة رَكِبنــا أَجمَعـا
فـي مَركـبٍ مِـن شـاهِق المَراكِـب
مُنفَســـِح الجِهــات وَالمَنــاكِبِ
إِلــى حِمــا الإِســكندِرِيَّة قَصـد
وَقَصــدنا مِصــر بِقَصــدٍ لا يصـد
لكِنَّــهُ عــاجَ إِلــى الجَــزائِر
مِــن بَعـدِ يَـومَين أَتاهـا زائِر
وَالبَحـر فيهِمـا طَغـى فـي كيدِهِ
وَكُـلّ مَـن مَعـي اِنتَشـى مِن مَيدهِ
وَحَيـثُ كُنـت قَـد أَخَـذت بِالحَـذَر
مِـن ميـده لَـم يَـكُ لي فيهِ ضَرَر
لَكِــنّ أَلطــافَ الإِلــه غــالِبَه
بِهــا تَـدرّجنا لِحُسـن العـاقِبَه
أَقــامَ فــي مِياهِهــا يَــومَينِ
كُنّــا بِهـا فـي قـرّة مِـن عَيـنِ
أَوّل فعلِنـــا بِهـــا أَتَينـــا
مَســجِدَها العصــرَ بِــهِ صـلّينا
ثُــمَّ مِــنَ الغَـد تَجوّلنـا بِهـا
وَكَـم رَأَينـا فـي ذَويهـا نابها
وَلَهُــــم حــــبّ لِكُــــلّ وارِد
بَلَــــدهُم وَبَـــذل بـــرّ زائِدِ
بِهــا تَلاقَيــت بِبَعــضِ العُلَمـا
مِمَّــن لَهُـم عِنـدَهُم اِسـماً سـَمى
أَجــازَني بَعــدَ اِسـتِجارَتي لَـهُ
لِضــيقِ وَقــتي لَـم أواف مِثلَـهُ
ثُــمَّ رَكبنـا بَعـد فـي مَركَبنـا
وَســارَ لَيلَــة وَيَومَهــا بِنــا
قَصـــد فـــي مَســيرهِ عنّــابَه
لِغَــرَضٍ لَــهُ بِهــا قَــد نـابَه
أَقــامَ فيهــا لَيلَــة وَيَومَهـا
يأخــذُ مــا لأَجلِــهِ قَـد أَمّهـا
وَنَحـنُ قَـد بِتنـا بِهـا لَيلَتَنـا
يـا لَيتَنـا طلنا بِها يا لَيتَنا
إِذ أَهلُهــا أَهــلُ بـرورٍ وَكَـرم
فَمـن أَتـاهُم فَهـو فيهِـم مُحتَرَم
قــاموا لَنـا بِـواجِب الضـِيافَه
إِنّ الكَريـــمَ مكــرمٌ أَضــيافَه
بِهـا اِجتَمَعنـا بِذَوي الفَضل وَقَد
زُرنـا بِهـا مشـاهِداً لَـم تفتَقَد
كـانَت تُسـمّى فـي القَـديمِ بونَه
كَــم عــالِم قَضـى بِهـا شـُؤونَه
هـذي بِقـاعٌ لَـم تَكُـن في القَصدِ
ســاقَت لَهـا الأَقـدار دونَ قَصـدِ
فَكــانَ فــي حلولِهــا فَــوائِد
وَبَهجَــــة وَفرجـــةٌ لِلـــرائِد
وَكـلّ مَـن فـي رِفقَـتي سـرَّ بِهـا
إِذ كــانَ مِـن فائِدهـا مُنتَبِهـا
وَالرِّفقَــةُ الَّــتي لَهــا أَشـَرت
فـي سـابِق النّظـم الَّذي اِبتَكَرَتُ
قَــد نَظَمــت عُقودَهــا أَفاضــِل
نيطَــــت بِـــأَخلاقِهِم فَواضـــِلُ
وَجُلّهـم أَو كُلُّهـم مـا كـانَ لَـه
مِـن قَصـدِ حـجٍّ كـانَ قَبـل أَملـه
لكِنَّهُـــم إِذ ســـَمِعوا بِعَزمــي
رامـوا وَقـاموا بِكَمـال الحَـزمِ
مِــن أَهـل مِكنـاس وَفـاسَ زُمـرَه
عشـرتُهم كَالزبـد فَـوقَ التَمـره
وَكلّهــــم يَخــــدِمُني كَعَبـــد
لِــودّه القَلــبي فينــا يُبـدي
لاذوا بِجـاهِ المُصـطَفى لمّا نَووا
رِفقَتنـا وَلاِهتـدا العِلـم قفـوا
إِذ لَيـسَ فيهِـم مِـن شَريفٍ لا وَلا
مِــن عــالم كــانَ بِعِلـم أَولا
لكِنَّهُــم جَميعُهُــم ذوو اِهتَــدا
وَلِـذَوي العُلـوم أَصـحاب اِقتِـدا
فـي كَـرَمِ الطَّبـعِ وَبَـذل المـالِ
إِذا بَـــدا فــي وجهــةِ الحَلالِ
ثُــمَّ تَــوجّه بِنـا المَركـب مِـن
عنّابَــة وَالبَحــر ســاكِن أَمـن
فـي يَـومِ الاِثنَيـن بُعيـدَ الظُّهرِ
فـي سـابِع الأَيّـامِ من ذا الشَهرِ
يَخــــرِقُ للإِســـكِندريَّة لجَـــج
فيهــا عَلـى وُجـود رَبّنـا حُجـج
سـُبحانَ مُجـري الفُلكِ في البحارِ
وَمُلهِـــمِ العِبـــادِ للإبحـــارِ
لــهُ تَعــالى حَمــدُنا وَالشـُّكر
قَـد حـارَ فـي عـدِّ نـداهُ الفِكرُ
لِثَغرِهــا البســّامِ قَـد وَصـَلنا
وَفـي حِماهـا الرّحـبِ قَـد حَلَلنا
وَذاكَ يَــوم السـَبتِ حـادي عَشـَر
من شَهرِنا المَذكور فيما قَد غَبَر
فَكـــانَ مُــدَّة مَســيرنا لَهــا
خَمســَة أَيّـام بِهـا قَـد نالَهـا
وَالبَحــرُ خاضــِعٌ وَخاشــِعٌ لِمَـن
ســَخّرهُ ســُبحان مَـن بِـذاكَ مَـن
ســَيَّرَ فيــهِ الفُلــكَ كَــالأَعلامِ
ســــــُبحانَ ربٍّ قـــــادِرٍ عَلّامِ
كَمــا بِــهِ قَـد سـَخّر النَّصـارى
تَخــــدِمُنا كـــأَنَّهُم أُســـارى
كــانَ مَقامُنــا بِهــا أَيّامــاً
ثَلاثَــــة نَحســــبُها مَنامـــا
نَجــولُ فــي أَطرافِهـا المَريَّـه
قَـــد صــَحّ قَــولُهم ســكندريَّه
أَلَيــسَ قيــلَ أنَّهــا المُــراد
مِـــن إِرم يتبَعـــه العمـــاد
فَكَــم بِهــا مِـن عـالِمٍ وَعـارِف
وَشــَيخ ســرٍّ فــاهَ بِالمَعــارِفِ
سـاقَت لَنـا الإسـعاد مِن أَعلامِها
جَماعَـــة نَســعَدُ مــن كَلامِهــا
وَكلُّهُـــم أَفـــاد وَاِســـتَفادا
وَشـــَكَروا المُفيــد وَالمفــاد
نَعَـم وَفـي بَعـض لَيـالي مُكثِنـا
بِهـا جَـرى الحـادِث فـي رِفقَتِنا
صــَحبهُ مِــن رَبِّنــا لطـفٌ خَفـي
وَشـَرح ذي الرحلَـة بِالشـَّرحِ يَفي
لأَجلِـــه زادَ بِنـــا المقـــامُ
يَومــاً قَضـى لَنـا بِـهِ المَقـامُ
ثُـمَّ قَصـَدنا بَعـد مصـرَ القاهِرَه
ذات المَحاسـِن البَواهي الباهِرَه
وَذاكَ فــي يَــوم الخَميـسِ حَـدّه
سـادس عَشـَر شـهرِنا ذي القِعـدَه
بِهـــا تَلقّانــا مِــنَ الأَحبَّــه
جَماعَــة قَــد أمحَضـوا المَحَبَّـه
قَــد رَبَطَتنــا مَعَهُــم رَوابِــط
وَكُلُّهُــم بِــالعِلم فينـا غـابِطُ
قــاموا لَنــا بِـواجِب القِيـامِ
فــي كُــلِّ شــَيءٍ مـدَّة المَقـامِ
كَــم ســيّد وَكَــم أَديـبٍ جـاءا
يَزورُنــا قَــد نـاطَ بـي رَجـاءَ
وَمِنهُــمُ مـن سـاقَ لـي أَمـداحا
مِـن أَعـذَبِ الشـِّعر شـَجت أَصداحا
وَزُرت كَــم مِــن جَهبــذٍ وَشــهمٍ
فـــاقَ بِـــرَأيٍ نافِــذٍ وَفهــمِ
وَكَـم بِهـا مِـن عـالِمٍ قَد زارَنا
نِلنـا مِـن الجَمـع بِـهِ أَوطارَنا
هــيَ ثَمــان مــن لَيــال مـرّت
لَنــا بِهــا لَذيــذَة مـا مَـرَّت
ثمّــت فــي السـِتَّة وَالعِشـرينا
مِـن شـَهرِنا الَّـذي مَضـى تَعيينا
كــانَ مَســيرُنا إِلــى السـويسِ
مِــن غَيــرِ تَشــويشٍ وَلا تَهـويسِ
وَبعــد خَمســَة مــنَ الســاعاتِ
أَوصــَلَنا لَـهُ القِطـار العـاتي
وَبَيــنَ مِصــر وَالســّويس مــدنٌ
مأهولَـــة وَبِـــالنَّعيم تــوذنُ
بِــهِ أَقَمنــا لِاِنتِظــار مَركــب
أَربـــع لَيلات أَنــارَت مَوكِــبي
وَذاكَ حَيــثُ بِــه قَــد وَجــدنا
وَفـداً لَهُـم في القَصدِ ما قَصَدنا
يَرأَســُهُم مِــن أَهـلِ فـاس سـَيِّد
فــي شــَرَف مِـن نِسـبَة لـهُ يَـدُ
يَصـبو إِلـى العِلـم دَوامـاً وَلَهُ
فــي حُـبِّ خَيـر العـالَمين وَلَـهُ
صــَبوا إِلــى رِفقَتِنــا وَحَنّـوا
وَبِاِجتِمــاعهم بِنــا اِطمَــأَنّوا
يَــوم الثَلاثيــن قَصــَدنا جـدَّه
فــي مَركــب لِلبَحـرِ خيـر عـدَّه
عِنــدَ العشـي جـدَّ فـي المَسـير
وَالمُســلِمون مِنــهُ فـي تَيسـيرِ
وَاللُّطــف مِــن إِلاهنـا يَصـحبُنا
وَلا يــرى مِــن حــادِث مَركبنـا
فَكَــم وَجَـدنا فيـهِ مِـن أَفاضـِل
مِـــن عُلَمــا وَأُمَــرا وَكامِــلِ
مُختَلِفــي الهَيئَة مــن أقطــار
شاســــِعَة مُتّحـــدي الأَوطـــارِ
لَقَــد ســُرِرتُ بِاِجتِمــاعي بِهِـم
كَعــادَتي فيمَــن بِعِلــم يوسـمُ
وَوَقَعـــــت خِلالَ ذا مُــــذاكَرَه
فـي عِـدَّة مِـن العُلـوم الفاخِرَه
أَرسى بِنا المَركِب نَحو الساعَتَين
بِجَبــلِ الطــورِ يـوفّى رَغبَتَيـن
وَذاكَ فــي يَـوم الخَميـس ضـَحوَه
وَالجـوّ يبـدي فـي الصَّفاءِ صَحوَه
وَمِـن غَـدٍ فـي مِثـل ذاكَ الـوَقتِ
أَرســى بِيَنبــع كَــذاكَ يــوتي
ثُــمَّ إِلــى جــدّة جـدَّ السـَّيرا
وَاللَـهُ لِلحجّـاج واقـي الضـّيرا
كنّــا مُحــاذينَ حمـا المِيقـاتِ
بِقَــولِ أَهــلِ الثّبـتِ وَالثِّقـاتِ
عِنـدَ العِشـا مِن نَفسِ ذاكَ اليَومِ
وَالمَــوجُ يَرمــي نَحوَنـا بِعـومِ
وَقَــد أُتينــا بِالَّــذي طَلَبنـا
بِــهِ لَــدا الإِحـرام إِذ قَرُبنـا
وَضــَجّ كــلُّ النّــاسِ بِالتَلبيَـة
فــي حالَـةٍ مِـنَ الهُـدى مرضـِية
وَالقَــومُ بَيــن خاشــِعٍ وَخاضـِعٍ
وَراغِــــبٍ وَراهِــــبٍ وَطـــامِعِ
وَالكُـــلّ يَستَبشـــِرُ بِــالقَبولِ
مِــن رَبِّنــا إِذ مَــنَّ بِالوصـولِ
فـي ضـَحوَةِ السـّبتِ وَصـَلنا جـدّه
وَالقُـربُ يُـذكي في الفُؤادِ وَجدَه
وَمِـــن صــَباحِ غَــدِنا نَهَضــنا
يَســوقُنا الشــَّوقُ لِمـا قَصـَدنا
نَــؤمُّ بَيــتَ اللَّــهِ خاشــِعينا
وَلجَلالِ اللَّـــــهِ خاضـــــِعينا
كُنّـا بِـهِ فـي ظُهـرِ يَـومِ الأَحـدِ
مُبتَهِليـــنَ لِلكَريـــمِ الأَحَـــدِ
وَوافَـقَ الرابِـعُ مِـن ذي الحجَّـه
لِلَّـــهِ مـــا أَوضــَحها مَحَجّــه
قُمنــا بِمــا حَتـم مِـن شـَعائِر
يَــوم دُخولِنــا بِعَــزم مــائِرِ
كـذاكَ فـي البـاقي مـن الأَيّـامِ
قُمنــا بِكُــلٍّ أَحســَنَ القِيــامِ
مِـن كُـلِّ مـا نصـّه فـي المَناسِكِ
لِلحَــجِّ وَالعمــرَة كُــلّ ناســِكِ
وَقــد رَجونـا اللَّـه إِذ دَعانـا
وَلِلإِجابَــــة لــــهُ هَــــدانا
أَن يَســتَجيب كُــلّ مــا دَعَونـا
بِــهِ وَأَن يَمنَــح مــا رَجونــا
لَنـــا وَلِلأَحبــابِ إِذ أَوصــونا
وَبِوصــــاتِهِم لَنـــا وَفينـــا
فَـــإِنَّهُ بـــرّ كَريــمٌ جَــلَّ أَن
يَمنَــع عَبــداً جــاءَه لِيَطمَـأن
نَعَـم وَفـي يَـومِ الـدُخولِ حلَّ بي
بِســَبَب الحــرِّ الشـَديدِ اللّهَـبِ
بَعـضُ اِنحِـرافٍ زائِدٍ لَـم أَسـتَطِع
لــهُ الطـواف وَالَّـذي لـهُ تَبَـع
فَكُنــتُ مِـن شـُربي لِمـاءِ زَمـزَم
مُســتَكثِراً مُستَشــفِياً مِـن أَلَـمِ
مَــعَ اِعتِقــادي أَن مـاءَه لمـا
كَمـا أَتـى بِـهِ الحَـديثُ مُعلِمـا
فَكــانَ مــا رَجَــوتُ مِـن شـِفاءٍ
وَأَصــبَحُ المــانِعُ ذا اِنتِفــاءِ
فَقُمــت غَــدوة غَــدٍ فــي حـالِ
كَـــأَنَّني اِنشــَطت مِــن عقــالِ
قَصــَدتُ بَيــتَ اللَــهِ لِلطّــواف
وَالســَّعيِ فــي تجــرّد الأعطـافِ
وَكَــم لَقينـا مِـن إِمـامٍ كامِـل
وَعـــالِمٍ بـــرّ تَقـــيّ عامِــلِ
أَيّـــامَ كُنّــا بِجــوارِ اللَــهِ
يَمنَحنـــا الفَضـــل بِلا تَنــاهِ
ســُبحانَهُ هُــوَ الكَريــم ظَنّنـا
بِــهِ جَميــلٌ لا يخيــبُ قَصــدنا
ثُــمَّ بَـدا لِلرِّفقَـةِ الَّـتي مَعـي
تَعجيلهــم عَــن قَلَــق لِلمرجِـعِ
عَلـى وُجـوه لَـم تَكُـن حسـن نَظَر
فَلَـم أُوافِقـه عَلـى هَـذا النَّظَر
فَكــانَ عُقــبى أَمرِهِــم نَدامَـة
لَكِنَّهـــا آلَـــت إِلــى ســَلامَة
ثُـــمَّ بَقيـــت بَعــدهم بِمَكَّــه
مُمتّعـــاً مُمَنَّعـــاً مِــن ركّــه
إِلــى زَوالِ المــانِع المُكَــدَّر
مِــن دَفــعِ غــرمٍ مُجحـفٍ مخسـرِ
ثُــمَّ قَصــَدتُ جــدَّة فــي رِفقَـه
ذَوي رِبـاط الفَتـح نِعـمَ الرِفقَه
وَفيهِـم اِثنـان مِـنَ الأولـى هُما
مِــن أَهـلِ فـاسٍ حمـدا أَمرَهُمـا
حَيــثُ تَخَيَّــروا البَقـاءَ مَعَنـا
فَكـانَ لُطـف اللَـهِ يَغشـى جَمعنا
كــانَ خُروجنــا إِلـى جـدّة فـي
ســيّارَة بِحُســنِ ســيرٍ تقتَفــي
وَذاكَ فــي السـادِس وَالعِشـرينا
مِــن شـَهر ذي الحِجَّـة مُسـتَبينا
مِــن بَعــد مـا وَدَّعنـا أَحبـاب
مِـن بَينَنـا طاشـَت لَهُـم أَلبـابُ
كُلُّهُـــم يـــودّ عَـــن كَرامَــه
أَن لَــو أَطَلنـا بَينَهُـم إِقـامَه
لمّـا اِسـتَفادوا مِـن عُلوم كانَت
لَهُــم أَهَــم مَقصــدٍ إِذ بــانَت
وَقَلبنــا نَحـنُ بِتَوديـعِ الحَـرَم
وَكَعبَـة اللَـهِ العَظيـم فـي ضرم
وَقَـد رَجَونا اللَّهَ في العودِ إِلى
تِلــكَ المَعاهِــد مَعاهِـد العلا
مِــن يَومِنــا كُنّـا بِجَـدَّة وَفـي
غَــدٍ إِلـى طيبَـة سـِرنا نَقتَفـي
نَطـوي عَلـى سـيّارَة تِلـكَ الطُّرق
وَهـيَ فَيـافي فـي بِسـاطِها يشـق
وَبَعــدَ يَــومَين وَصــَلنا لِلَّـتي
هِـيَ لَنـا فـي القَصد أَسنى منيةِ
تِلــكَ الحَبيبَــة وَتِلــكَ طيبـة
تِلــكَ وَتِلـكَ وَهـيَ ذاتُ الهيبَـة
فَأَســعَد الأَيّــامِ يَـومٌ حـلّ بـي
بِحيّهــا يــا حُسـنهُ مِـن مَـذهبِ
بِهـا وَجَـدنا رَحمَـةَ اللَـهِ تَعُـم
سـاكِنَها وَمـن لَهـا شـَوقاً يَـؤُم
بِهـا وَجَـدنا راحَـة القَلـبِ وَما
يُلايِــم الطَّبـع وَيَنفـي السـأَما
بِهــا شـَهِدنا الخَيـرَ وَالفَلاحـا
وَالنّجــحَ وَالتَّوفيــق وَالصـَّلاحا
بِهـا الَّـتي تَرجـو مِـنَ الكَريـمِ
فــي بـابِ خَيـرٍ خلقـه الرَّحيـمِ
المُصــطَفى مُحمَّــد مَــن أَرسـَلَه
رَبّ الأَنـــامِ رَحمَـــةً مُسَلســَله
عَـمَّ بِهـا الـدُّنيا وَالاخرى فَضلا
فَهـــوَ أَعلــى نِعمَــة وأَولــى
صـــَلّى عَلَيــهِ رَبّنــا وَســَلَّما
مـا عَـذب المَـدحُ لهُ عَلى اللّما
قَـد كـانَ فـي قَصـدي وَاِختِيـاري
طــول المَقـامِ بِحِمـا المُختـارِ
لَكِــن لِسـوءِ الحَـظِّ عـاقَ عـائِق
عَــمَّ المَسـوق بَينَنـا وَالسـائِق
فَلَــم نَــزِد بِهــا عَلـى أَيّـام
ثَلاثَــــة مَضــــَت كَمـــا أَحلامِ
يامـــا ألــذّ وَقعهــا بِقَلــب
مَـن لَـهُ فـي الرَسـولِ صِدق الحُبِّ
فَكَــم بِهــا مِـن فاضـِلٍ شـَكرنا
صــــَنيعَه وَعــــالِم ذَكرنـــا
قَـد وَدّعونـا بَعـدَ مـا قَد وَدّوا
مُكثـاً لَـدَيهِم لَـو يُفيـد الـوُدُّ
وَنَحـنُ فـي وداعِ قـبرِ المُصـطَفى
لَفـي اِصـطِلاء لِلفُـؤادِ ما اِنطَفى
وَرُبَّمــا يَســمَحُ أَهــلُ البُخــلِ
عِنــدَ الضـَّرورَة بـأَدنى السـؤلِ
كــانَ إِلــى جــدّة خَيـر مَقـدم
مِنّــا جَميعــاً خــامِسَ المحـرّمِ
مِـــن عــامِ ســتّة وَأَربَعينــا
يَعمّنـــا بِـــالخَيرِ أَجمَعينــا
فَصــادَفَ الحــالُ وجــودَ مَركـب
لَــهُ إِلــى تــونسَ خَيـرُ مَـذهبِ
حَمَلـت مِـن مَعـي مِـن أَهـلِ فـاسِ
عَلـــى ركـــوبِهِ لِــداع آســي
أَمّــا أَنــا فَقَـد تَـأَخَّرت عَلـى
بَــــواعِث بِجــــدَّة دونَ المَلا
وَإِنَّمـــا مَعـــي بَنــي وَحــدَه
وَفـي الرَّحيـم أُنـس أَهلِ الوِحده
وَرُبَّمــا أَهــل الرِّبــاط زاروا
وَرُبَّمـــــا عَراهُـــــم اِزوِرارُ
فَقيّــضَ اللَّــه الرَّحيــم سـَيِّدا
عَلا عُلومــا وَاِهتَــدى وَمَحتــدا
قـامَ لَنـا بِخِدمَـةٍ فـي كُـلِّ مـا
يَنوبُنــا مِــن كُـلِّ أَمـرٍ لَزِمـا
جَــزاهُ رَبّنــا عَلــى اِحتِســابِ
بِحُرمَـــة العُلـــومِ وَالأَنســابِ
وَحَيــثُ كُنــت مُســتَقرّاً فيهــا
لَقيــتُ فيهــا عالمــاً نَبيهـا
ســاقَت لَـهُ الأَقـدارُ لِلأنـس بِـه
فــي عِلمِـهِ وَاللُّطـف فـي أَدبِـه
مِــن عُلَمــا الشـّامِ لـهُ بِجـدّه
خملَـــة عِلــمٍ ســَوّغتهُ رفــدَه
نَـــــدَبَني لِأَن أَزورَ مَدرَســــَه
مَدرسـَة النَّجـاحِ نِعـمَ المدرَسـَه
بِهـــا وَجَـــدت عالِمــاً جَليلا
يُـــــديرُها يُنيلهــــا جَميلا
مِـن أَهـلِ مِصـر سـاقَه لَها الَّذي
أَنشـــَأَها مُحتَســـِباً لِلمأخــذِ
وَكَــم تَلَقّانـا بِهـا مِـن فاضـِل
مِـــن عــالم وَمُقــرِء وَكامِــلِ
وَرَحَّبـــوا وَعَظَّمـــوا وَبجّلــوا
وَبِجَميـــل خلقِهِـــم تَفَضـــَّلوا
وَســَألوا عَـن كَـم مَسـائِل عَلَـت
فـي العِلم كانَت في فُؤادي حَضَرت
أَجَبتُهُــم عَنهــا بِمــا شـَفاهُم
فَــزادَ حِرصــُهُم لمــا وَفــاهُم
وَدَّعتهُـــم وَهُــم عَلــى تَمنّــي
أَنّـــي فــي مُكــثي ذو تــأَنّي
وَكــانَ مــدَّة مَقــامي نــاظِراً
لِمَركـــبٍ يَحمِلنـــا مُســتأجرا
تِســعَةُ أَيّــامٍ عَلـى حـالٍ قَضـى
رَبّ الـوَرى بِهـا عَلـى مرّ القَضا
مِــن ســَقمٍ لازم طــولَ المُــدَّه
فــي ضــيقِ حــالٍ عَهِـدت بِجـدّه
قــابَلتُ بِالصــَّبرِ جَميــعَ ذلِـك
مُحتَســِباً رِضــى الإِلـه المالِـكِ
هــذا وَأَمّــا حالَــةُ الحِجــازِ
فَــالأَمن عَــمَّ كُــلّ مــا مجـازِ
بِحالَـةٍ لَـم تَمـضِ قَـطّ فـي زَمَـن
سـُبحانَ مَـن سـَخّرها بِـذا الزَمَن
وَمـــا ســِوى ذا أَمــره لِلَّــه
يَفعَــل مــا يَشــا بِغَيـر نـاهِ
يَضــيقُ عَــن بَيــانِهِ النِظــام
وَالشــَّرح بِالشــَّرحِ لَــهُ إمـامُ
وَغايَــةُ القَــولِ عَلـى الإِجمـالِ
مغبِطــاً فــي صــالِحِ الأَعمــالِ
مَــن يَـرُم الحـجَّ يَجِـده أَحمَـدا
وَمــا لَنــا إِلّا اِتِّبـاع أَحمَـدا
ثُــمَّ نَهَضــنا قاصـِدينَ الشـّاما
مِـن بَعـدِ مـا ملّ المَلا المَقاما
يَـوم الثُّلاثـا بَعـد ثِنـتي عَشرَة
خلــت مِـنَ الشـَّهرِ مَهـل السـَنة
فــي مَركِــب لَـم أَرَ قَـطّ مِثلَـهُ
فــي خســّة دَعَــت ضــَرورَة لَـهُ
تَحسـَبَهُ مَركِـب نـوحٍ فـي القِـدَم
لَـو كـانَ أَصـل صـُنعِهِ صُنعاً أَتَم
لَكِــنّ لُطــفَ اللَّــهِ لا محيــدا
عَنــهُ رَكِبــت رَثّــاً أَو جَديـدا
لَمّــا غَــدا مُخلّصــاً مِـن شـِدَّه
مَــرَّت عَلــى الكُـلّ بِثَغـر جـدَّه
رَأَوا هَـوى البَحـر وَحُسـن مَنظَرِه
أَولــى بِهِـم وَلَـو بِسـوء سـيرِه
فَســارَ قاصــِداً لِثغــر يَنبُــع
وَصـــَله غَـــدا بَســير مُســرعِ
يَأمـل أَن يَزيـد فـي الحِملِ عَلى
مـا بِـهِ كَـي يَنـال مِن ذاكَ ملا
فَعــاد مــا كـانَ مِـنَ الحُجّـاجِ
مــا غَــضَّ مِنـهُ واسـِع الفجـاجِ
أَقــامَ يَــومَين هُنــاكَ وَرَحَــل
وَنَحـنُ مِـن خَـوفِ النواءِ في وَجَل
فَســارَ قاصــِداً لِحجــر الصـِحَّه
بِجَبــل الطّــورِ لِخــبر الصـحّه
لِعـــادَةٍ يَعرِفُهـــا الجَميـــعُ
يَـــذوقُها الوَضــيعُ وَالرَّفيــعُ
وَرُبَّمـــا يَخـــفّ عَمَّــن بَــذَلا
هُنـــاكَ رَشـــوَة شـــَديد ثقلا
وَصـــَل لِلطّــورِ نهــار الأَحــدِ
ضــَحوته فــي حِفـظِ ربّـي الأَحـدِ
قَــد كــانَ حَصـرنا بِـهِ أَيّامـا
ثَلاثَــــة لا نَشــــتَكي آلامـــا
بِــذاكَ خفَّــت وَطــأَةُ الحِصــارِ
وَكـــانَ فَوزنـــا بِالانتِصـــارِ
وَعِنــدَ ظُهــرِ يَــومِ الأربِعــاء
ســارَ بِنـا المَركِـب فـي رَخـاء
وَفـــي جَميـــلِ مَنظَـــرٍ بَهــي
يســلي فُــؤادَ الحــزنِ الشـَّجي
ثُــمَّ مِــنَ الغـدِ صـَباحاً أَرسـى
عَلـى السـُويسِ وَهـوَ أَسـنى مَرسى
مِنـــهُ تَزوّدنــا بِمــا نُريــد
مِــن نِعــمٍ مــنَّ بِهـا المَجيـد
وَنَحــنُ فــي أُنــسٍ وَفـي نَشـاط
بَيـــنَ ذَوي تَطــوان وَالرِّبــاط
نَنــالُ مِــن أَخلاقِهِــم إِكبـارا
وَكُلُّهُـــم يَملؤنـــا اِعتِبــارا
سـُبحانَ مَـن بـايَن بَيـنَ الفطـر
تَبايُنـــاً هــوَ مَحــلّ العــبر
ظَــلّ بِنـا المَركِـبُ فـي مَرسـاه
وَفــي العِشـى قَـد بَـدا مَمشـاه
بـــاتَ يَشــُقُّ مَضــيق القَنــال
عَلــى نِظــام مــانِع القِتــال
فَمـــن يَميننـــا بِلاد الشــّام
وَعَـن يَسـار قُطـر مِصـرَ السـّامي
وَعِنــدَما بــانَ صــَباحُ الفَجـر
كـانَ إِلـى بَـرد السـَّعيد يَجـري
أَرســى بِـهِ يَقضـي بِـهِ أَوطـارا
وَعِنــدَما أَضـحى النَّهـار سـارا
فـي هَـذِهِ اللَّيلَـةِ حـلَّ بـي أَلَم
قَـد كادَ لَولا اللُّطف يُفضي لِلعَدَم
ســُبحانَ مَــن قيّـضَ لـي حَكيمـا
بــرّاً لَطيفــاً عارِفــاً كَريمـا
بـادَرَ فـي الحيـنِ إِلـى أَعمـالِ
كــانَت بَديعَــةً فـي الاِسـتِعمالِ
فَنَجـــع الــدَوا بِــإِذن رَبّــي
وَحـادَ مـا قَـد حَـلَّ بي من كَربي
وَمِــن غَــدٍ بعيـدَ ظُهـرِ السـَّبت
حَــلَّ بِبَيــروت جَميــل الســَّمتِ
قَـد وافَـقَ الثـالِثَ وَالعِشـرينا
مِــنَ المُحَــرّمِ الحَــرامِ دينـا
قَبــل دُخــولِهِ دَفَعنــا أَيضــا
لِحَجـــرِ صـــِحّةٍ نَفيــضُ فَيضــا
لِلحَجــرِ بَعـد الغسـلِ وَالبَخـور
مِثــلَ الَّـذي مَـرَّ لَنـا بِـالطّور
لَكــنّ ذا فــي كُــلّ ذاكَ أَلطـفُ
إِذ أَهلـــهُ بِالمُســـلِمينَ أَرأفُ
وَكُلُّهُــم مِـن أَهـلِ تـونسَ الَّـتي
عـــرفَ أَهلُهــا بِأَســنى خلّــةِ
قـاموا بِنـا فَـوقَ الَّـذي نَرجوهُ
وَأَكرَمتنــــا مِنهُـــمُ وُجـــوهُ
قَـد ذَكَّرونـا فـي الّـذي لَقينـا
مِـن أَهـلِ مِصـر يَـومَ طـورِ سينا
وَالشــَّيءُ أَقـرَبُ خطـورا عِنـدَما
يــذكرُ ضــدّهم كَمـا قَـد علِمـا
لِلَّــهِ قَــومٌ عُرِفــوا بِالنُّبــلِ
وَعَرفــوا لِلعِلــمِ قَـدر الفَضـلِ
وَبَعــدَ يَـومَين دَخَلنـا البَلـدا
فــي كَنَــفٍ مِــن رَجــلٍ تَجـوّدا
لَـم يَـكُ لـي قَبـل بِهِ مِن مَعرِفَه
وَلا جَــرَت عَينـي لَـهُ عَلـى صـِفَه
وَمَعَـــــهُ جَماعَــــةٌ ترجّــــى
مِثــل الَّــذي هــوَ لــهُ يرجـى
فَبَعـــد بَحثِـــهِ عَرَفــتُ أَنَّــهُ
قُســـطَنطَني لَــهُ بَهــا مــانه
طــالَ مقــامَهُ بِبَيــروت وَمَــن
هـم مَعَـه أَصـهارهُ بِـذا الـوَطَن
فَقُمــتُ فــي طَلبِهِــم مبــادِرا
وَســِرتُ مَعَهُــم حامِـداً وَشـاكِرا
أَلفيتهُــم قَـد أَحضـَروا سـيّارَه
صــــَغيرَةً لَطيفَـــةً مُختـــارَه
فَـــأَركَبوني صـــَدرها مُرفّعــا
بِغَيــرِ نَحلـى لَـم أَكُـن مُشـفّعا
وَحَمَلـوا المَتـاعَ لـي في غَيرِها
توســِعَة لــي فـي أَوانِ سـَيرِها
وَبَعـــد بُرهَــة مِــن الزَمــان
قَــد وَصــَلوا بِنـا إِلـى مَكـانِ
بِخــارِج البَلَــدِ طيّــب الهَـوى
أَطيـارهُ أَزهـارهُ تُزهـي اللّـوى
وَالفَصـل فَصلُ الصَّيفِ لَيسَ مِن جَلد
لِمَـن غَـدا سـُكناه داخِـل البَلَد
فَرَحَّبـــوا وَســـَهَّلوا وَكبَّــروا
وَمـن برورهـم بِنـا قَـد أَكثَروا
جَزاهُــم اللَـهُ عَلـى اِعتِنـائِهِم
إِذ مـا نَـوو منّـا جـزا عَنائِهِم
وَبَعــد يَــومَينِ لَــدَيهِم كانـا
وَنَحــنُ أَعلــى بَينَهُــم مَكانـا
قَصــَدت بَيــت حُبِّنــا القَــديمِ
خَليلنـــا صـــَديقنا الحَميــمِ
ســـَعيد بِـــكَ لَقبـــه إِيــاس
دونَـــه فـــي ذَكــائِه إِيــاس
وَهـــوَ خــارِجٌ عَــنِ المَــدينَه
لمــا عَرَفــت قَبـل ذا تَـبيينَه
وَكنــتُ أَشـعَرتهُ أَنّـي هـا هُنـا
وَقَــد حَبــاهُ بِــالغِنى إِلَهنـا
فَضــلاً عَلـى مـا عِنـدَهُ مِـن أدب
وَحَســـبٍ وَمِـــن بَـــديعِ كُتــبِ
فَاِرتــاحَ لِلّقــا بِطيــبِ نَفــس
ثُـــمَّ دَعـــاني بِقَريــضٍ ســلسِ
جَـــواب إِعلامـــي لَــهُ بِشــِعر
لَـم يَعـدُ بَيتَيـن هُمـا مِن فِكري
ثُمّـــت عَـــن قَريضــهِ أَجَبتــه
لكِــن ذا مِـن بَعـد مـا أَتَيتـهُ
لِلَّــهِ مــا وَســعني مِــن بِـرِّه
وَلُطفِــــهِ وَعَطفِــــهِ وَســــرّهِ
أَقَمــت عِنــدَهُ نُجـافى النّومـا
نَغنـــمُ وَصــلاً لَيلَــة وَيَومــا
يـا حُسـنَ ما قَد كانَ مِن مُطارَحه
فــي العِلـمِ وَالأَدبِ وَالممـالحَه
ثُــمَّ طَلَبــت الإِذن فـي الرَحيـل
مِنـهُ فَلَـم يَسـمَح بِـذا المَأمول
لكِنَّنــي أَبــدَيت أَعــذاري لَـهُ
وَقابِـــلُ الأَعـــذارِ زكَّ أَصــلهُ
أَبـــدى مِــنَ الأَســف لِلفــراق
مــا سـَكب الـدموعَ فـي الآمـاقِ
فَقُلــت رُبَّمــا يقضـي مِـن هُنـا
بَعــد قَضــاء وَطــري رُجوعنــا
ثُــمَّ مــن الغَــد تَـوَجَّهت إِلـى
دِمَشــق ذات النّزهــاتِ وَالألــى
عَــرف مِــن عِلـم مـا قَـد وَرَدا
فــي فَضــلِها مِـن وارِد تَعَـدَّدا
فــي تومبيـلَ فـي مَـدا سـاعات
ثَلاثَــة فــي نضــرةِ الرَّوضــات
وَذاكَ فــي الثـامِن وَالعِشـرينا
مِـن شـَهرِنا الَّـذي مَضـى تَبيينا
فَكـــــانَ قَصــــدي أَوّلا أَتيلا
بِـــهِ اِتّخَـــذت مَنـــزِلاً جَميلا
جَميــع مــا يَحتــاجُهُ النَّزيـل
عَلـــى أَزاهِـــر وَمــا يَســيل
فَهــوَ كَفيــلٌ بِاِنتِفـاءِ التّـرح
لا غَــرو أَن يـدع بِـدارِ الفَـرح
بِــهِ اِجتَمَعــت بأَفاضــِل أَتـوا
مُستأنسـين بـي وَعنّـي مـا لووا
تَعرّفــوا إِلــيّ فــي حُسـن أَدَب
إِذا هُـــم ذَوو مَقـــامٍ وَنَســب
مِـن أَهـلِ بَغـداد أَتَـوا لِلشـّام
لِمــا لَهُــم لَــدَيهِ مِـن مَـرامِ
وَبَعــدَما أَن طــالَتِ المُـذاكرَه
وَلـم يَفـت عَـن واحِـد مـا ذكَرَه
دَعــوا إلــى زيـارَتي بَغـدادا
لِكَــي أُفيــدَ ثــمَّ أَو أُفــادا
فَقُلــتُ ذا بِخــاطِري لَقَـد خَطَـر
قَبــل وَإِن قَــدّره اللَّــه صـَدَر
ثُــمَّ مـنَ الغـد وَكـانَ الجُمعَـه
بَعــد صــَلاتِنا لِفَــرض الجُمعَـه
سـِرتُ إِلـى زِيـارَة الشـّيخِ الأَجل
بَحـرِ العُلـومِ المُتَلاطِـم المجـل
مُحــدِّث الشــامِ بِعَصــرِهِ وَمــن
فـي نُسـكِهِ وَزُهـدِه فَـرد الزَمَـن
شـَيخُ الشـُّيوخِ المُسـتَقيم الدّين
مُحَمَّــد الشــَّهير بَــدر الـدينِ
قـــابَلني بِغايَـــة اِرتِيـــاحِ
أَطــالَ فــي المَجلِـس باِنشـراحِ
حَتّــى تَعجّــب لِــذاكَ مـن حَضـَر
إِذ عـادَة الشـَيخ اِنقِبـاضٌ وَضَجَر
وَذاكَ فـــي مَدرَســـَة الحَــديث
تُعــرفُ فــي القَـديم وَالحَـديثِ
بَقيـــتُ فــي حَضــرَتِه أَيّامــا
يُسـدي لَنـا الـبرور والإِكرامـا
وَفـــي خِلالِهــا أَتانــا زائِرا
جَــمّ غَفيــر يَشـرَحونَ الخـاطِرا
مِـــن عُلَمــا وَوُجهــا أَفاضــِل
وَمِـــن مُحِبّيـــن لِكُــلّ فاضــِلِ
قـاموا لَنـا فـي سـاحَةِ الإِكرام
بِغايَـــة البِـــرِّ وَالاِحتِـــرامِ
وَســَمِعوا مِنّــا مِــنَ العُلــوم
مـا عـادَ بِـالنَّفع عَلـى العُمومِ
وَكَـم أَلحّـوا فـي المَقام عِندَهُم
وَأســفوا إذ لَـم أُجـب مَقصـَدَهُم
إِذ كـانَ فـي التَعجيلِ لي بَواعِث
أَنــا إِذا لَـم أَعتَبِرهـا نـاكِثُ
لكِنَّهُــم بِحِرصــِهِم قَــد غَلَبـوا
عَلــى الَّـذي كُنـت إِلَيـهِ أَذهَـبُ
مَــع اِمتِثــالي لِلإِشـارَة الَّـتي
كـانَت مِـن الشـَيخِ الأَجـلّ الحجّةِ
إِذ أَمـــره فَــرضٌ عَلــيّ حَتــم
وَفــي اِمتِثــالِه هــدي وَغنــمُ
أَشـارَ فـي المَقـام فيهِـم مُـدَّه
يَرجـو بِـذا النَّفع لَهُم وَالرّشده
لِـــذا أَقَمــت بَينَهُــم أُفيــد
وأَســتَفيد مــا قضــى المَجيـدُ
وَذاكَ ســـــَبعَة وَأَربَعونـــــا
يَومــاً أَعـي عَنهُـم وَهُـم يَعـونَ
وَفــي خِلالِهــا جَــرَت مــذاكَرَه
أَشــبَه شــَيء هِــيَ بِالمُنـاظَرَه
مَــعَ الأَديـبِ الألمَعـي المُعتَمـد
لِملـكِ الحِجـازِ فـي تِلـكَ البَلَد
كـــانَ إِلَيهـــا ســَببٌ لَطيــف
وَالشــَّرح بِالشــَّرح لَـهُ تَعريـفُ
ســـلّم مــا أســمعته وَعرّفــه
وَالحَـقّ مَسـموع لَـدى مَـن أَنصَفه
وَذاكَ مِـــن فَـــوائِد الإِقــامَه
بِالشـّامِ فـي حَفلاتِهـا المُقـامَه
لِلَّـــهِ أَيّــام تَقَضــّت دارجَــه
أَســرع مِــن نِكــاحِ أَمّ خـارِجَه
فـــي بَلــدَة طَيِّبَــة الهَــواء
وَكَـــم بِهـــا لِلَّــهِ مِــن آلاءِ
وَأَهلُهــا مِـن خَيـرِ خَلـق اللَـهِ
وَكَــم بِهــا مِــن صــَفوَة لِلَّـهِ
وَدَّعتهُــم وَالقَلـبُ مِنهُـم مُكتَئِب
مِـن بَينِنـا وَالبَعـضُ مِنهُ يَنتَحب
قَـد طالَمـا وَدّوا المقامَ عِندَهُم
عَلــى الـدَّوام مُبتَغيـن رُشـدَهُم
لَــولا حُقــوق الأهــلِ وَالبَنـات
وَمــا لَنــا بِفـاس مِـن حاجـاتِ
لَصــِرت فــي بَلــدَتِهِم مُقيمــا
لاِجتنــى التَّعليــم وَالنَّعيمــا
فـي يَـومِ الاِثنيـن تَسـنى مرحلي
ســادِس عَشــر مِــن رَبيـع الأَوَّلِ
كـانَ إلـى بَيـروت عَـودي ثانِيا
لَنـا غَـدى الشـَوقُ إِلَيها ثانِيا
فــي تَومبيــل مُسـرع التسـيار
لا يختشــي مِــن آفَــة العِثـارِ
بِــهِ رأَينــا لُطــفَ رَبّ راحِــم
حَيـثُ وَقانـا الشـَرّ في التَصادُمِ
وَلــم نُصــب نَحـنُ بـأَدنى ضـَرر
وَالتومبيـلُ قَـد غَـدا فـي خَطـرِ
فَاِســـتَبدلوهُ بِســِواه بَعــدما
طـولِ اِنتِظـار نَسـتَجيز الوَعـدا
أَقَمــت فـي بَيـروت عِنـد حِبِّنـا
الســابِق الــذِكر صــفي حُبِّنـا
ثلاث لَيلات بِهــــا اِجتَمَعنــــا
بِعُلمــا تَفنّنــوا فـي المَعنـى
ثُــمّ نَهَضــنا قاصــِدينَ حَيفــا
لا نَختَشــي الزَّمــان أَن يَحيفـا
فـي تومبيـلَ فـاقَ فـي الإِسـراع
لِمــا عَســى يَحــدثُ لا يُراعــى
وَلطـــف رَبِّنـــا لَنــا مَرجــوّ
وَفَضــــله وَجــــوده مَــــدعوُّ
كــانَ وُصــولُنا إِلَيهــا بَعــد
أَربَـــع ســاعات وَنِصــف عــدّا
وَفــي طَريقــا رَأَينــا صــيدا
وَعَكَّــة لَــم نلـفَ عَنهـا حيـدا
وَلَــم يَكُـن قَصـدي بِثَغـر حيفـا
إِلا لألقــى العــالِمَ الحَنيفــا
أَبـا الكَمـال يوسـف النّبهـاني
الطــائِر الصـّيت بِـذا الزَمـانِ
قَصــــَدتهُ بِقَريَـــة بِقربِهـــا
تُـدعى بِـأَجزم قَـد عَنـى بِحُبِّهـا
بِـــتّ لَــدَيهِ مُكــرم الجَنــاب
وَكَــم جَــرى مِـن طيـب الخِطـابِ
وَفـي الصـَّباح قُمت أَبغي القدسا
إِذ فَضـله فـي الـدّينِ لَيسَ يُنسى
إِذ كانَ فيهِ المَسجد الأَقصى الَّذي
كَـم مَـن نـبيّ كـانَ فيـهِ يُحتَذى
قَــد أَنــزَل الإِلـهُ فيـهِ قَـولَه
وَبــارَك اللَــهُ تَعــالى حَـولَهُ
وَصــَلتهُ فــي مَركــب القِطــار
إِذ هــوَ فـي أَمـنٍ مـنَ الأَخطـارِ
وَكـــانَ فيــهِ أَمــدُ المَســير
أَربَــع ســاعات عَلــى تَيســيرِ
قَـد مـرّ فـي السـَير بِطـول كَرم
فاللــدّ فَالرّملــة حيـثُ يرمـي
نَزلـت فـي القُـدسِ عَلـى مفضـال
مِــن عُلَمـاء الغـرب ذي أَفضـالِ
إِذ كـانَ كتبـه لـي الشـّام سَبق
يَقـــول إِنّــي بِبَــروره أَحَــق
آثرتـــهُ بِـــذاكَ دونَ صـــاحِب
لَنــا هُنـاكَ مِـن قَـديم صـاحِبي
قــامَ لَنــا بكــلِّ مـا نُريـده
فــي حُســنِ سـَمت دينـه يُفيـدهُ
كــانَ مقامُنــا لَــدَيهِ ســَبعا
مِــن اللَيــالي يَسـتَفيد نفعـا
بـــهِ رَأَينــا عُلَمــا فُحــولا
قَــد ضـَبَطوا الفُـروع وَالأُصـولا
أَخــصّ مِنهُــم ذابِــراً نِحريـرا
لَقَـد أَجـادَ الحِفـظ وَالتَحريـرا
جـــابَ البِلاد كُلَّهـــا وَجــالا
وَعَـــرف الكتـــبَ وَالرِّجـــالا
ذاكَ خَليــل الخالـدي الرحّـالَه
أَجلَلتــه لَمّــا عَرَفــت حــاله
قَــد قــابَلوا كُلّهُــم بِالبِشـر
وَبِاِعتِنــــــاء زائِد وَبِـــــرِّ
لِلَّـــهِ مــا أَفــدت وَاِســتَفَدت
فــي السـَبعَةِ الأَيّـامِ إِذ أَقَمـتِ
قَــد زُرت فــي خِلالِهـا الخَليلا
كللـــت مِـــن زَورَتِــه إِكليلا
بِـــهِ أَتانــا عُلمــاء فضــلا
وَشــــــُعراء نُبهـــــاء نبلا
جَـــرَت لنــا مَعهُــم مــذاكَرَه
وَأَخَـذوا عَنّـا الطَريـق الباهِرَه
وَفــي صـَباح السـَبت يَـوم أَبـد
مِـن بَعـد عِشـرين لشـَهر المَولِدِ
عُــدت لِمِصـرَ حَيـثُ عـودي يُحمـد
فَعــودُ أَحمَــد إِلَيهــا أَحمَــدُ
سـِرت إِلَيهـا فـي طَريـق السـِكَّه
حَيــثُ المنيــب لا يضـيعُ نُسـكه
كَــم بَلــد فـي سـيرنا رَأَينـا
مِمّـا بِـهِ الشـَرح يقـرّ العَينـا
وَصــَلت مِصــر بَعــد سـير خَمـس
وَعَشـــر ســاعات بِبَعــض بُــؤسِ
لكِـــن مَــآل الأَمــرِ للنُّعــاه
مِـن كَيـدِ أَهـل الظُّلـم وَالجُفاه
بِسـَطوَة اللَّـه العَزيـز القـادِر
فَقَـد رَأَيـت صـِدق قـول الشـاعِرِ
كَــم مَــرّة حفّـت بِـكَ المَكـاره
خــار لَــكَ اللَـهُ وَأَنـت كـارِهُ
بِهــا تَلقّانــا ذَوو سـلم لهُـم
فـي الجَمـعِ بي ما يُجتَبى أَملهُم
أَقَمــت فــي حَضــرَتِها أَيّامــا
أَربَعــة نَلقــى بِهــا الأَعلامـا
وَثــالِث الشـَهر رَبيـع الثـاني
لِلغَــربِ قُمــتُ لِلعَنــانِ ثـاني
فَجِئت لِلإســـــِكندريّة عَلـــــى
مَتــنِ القِطـارِ سـالماً مُحسـبلا
قَــد مــرّ فـي طَريقنـا بِبنهـا
ثُــمَّ بِطَنطــا لا يَحيــد عَنهــا
كَفـر الزيـاتِ بعـدَه قـد مَرَّ بِه
طَبــخ الـبرود بعـدَه لا يشـتَبه
ثُــمَّ الــدمَنهور فَجــابر يَـرد
ثُــمَّ عَلــى الإِســكندريَّة يَفــد
بِهـــا تَلَقّانــا فَــتى نَبيــل
لَــهُ إِلــى نَيـل النّـدى سـَبيلُ
ســـَبق مــن مِصــر لَــهُ الإِعلام
فـي البَـرق حَيـثُ لـي بِهِ إِلمامُ
قــامَ بِنــا وبــرَّ فـي مَجلِسـِه
جَـــزاهُ رَبّنــا بِحُســنِ فِعلِــهِ
وَخــامِس الشـَّهر الَّـذي أَمررنـا
لِثَغــر موســيلي قَــد أَبحَرنـا
مُســتَحفِظا مــن رَبّنـا اللَّطيـف
مِــن كُــلّ حــادِث بِــهِ مُخيــف
ســُبحانَه جَــلّ اِســمُه تَعــالى
وَحّــدهُ ذاتــاً صــفةً أَفعــالا
أَمســَك كُــلّ الكَـون أَن يَـزولا
وَهَــل ســِواهُ يَمســِك النُـزولا
كـانَ المَسـيرُ فـي مِيـاهِ البَحر
أَربَــــع لَيلات بِغَيـــر ذُعـــرِ
فـي مَركِـب مِـن أَبـدَع المَراكِـب
مُتَّســـعِ الأَقطـــارِ وَالمَنــاكِبِ
حَتّـى إِذا أرسـى عَلـى مَرسـيليا
بادَرنــا ذاكَ الفَــتى إِليهــا
صـاحبنا عِنـد الـوُرود السـابِق
فَكـــانَ لِلســّابِق معــه لاحِــق
إِذ كــانَ عِنــدَهُ بِنــا إشـعار
بَرقــا فَكــانَ مِنــهُ لاِنتِصــار
قَـد اِعتَنـى بِمـا لنـا مِـن أمل
وَمــا وَنـى فـي مَنطِـق أَو عَمَـلِ
بِهــا أَقَمنــا لاِنتِظــار مَركِـب
مُناســـِب يَحمِلنـــا لِلمَغـــرِبِ
وَبَعــد يَـومَين قَصـَدنا البيضـا
فــي مَركــب فـاقَ وَفـاز أَيضـا
فَنِعـــم شــكلُه وَلَيــسَ أهلَــه
وَالــدَهر صــَعبه يَليــه سـَهله
قُلـت لَـهُ وَقـد عَـدا فـي السَير
ســَيرك لا تَــرى بِــهِ مِـن ضـيرِ
أَبعــدك اللَــهُ مِــن الـدَواهي
وَلَـم تَـزَل فـي البَحر غير واهي
لَــم أَنـسَ فَضـلَكَ مَـدا الأَحقـاب
قَرَّبتنـــي لِلأَهـــلِ وَالأَحبـــابِ
ســُبحانَ مُبــديك وَمُنشـيك عَلـى
حكمــه قَــد جَــلَّ شــانا وَعلا
ســـُبحان مَــن ذلّلــه وَســَخَّره
لِنَفــع خَلــق فلكـه قَـد مخّـره
فَكـــانَ فيــهِ مُــدّة المَســير
ثَلاث لَيلات عَلـــــى تَيســـــيرِ
وَالقَلــبُ يَخفِــقُ مِــنَ الأَشـواق
لِلأَهـــل وَالأوطـــانِ وَالرِفــاقِ
خَفــق فُـؤاد الصـَبّ قَـد واعـده
بِالوَصـــلِ حبّــه بِــهِ ســاعَده
رغمـا عَلى ما قَد عَراني مِن ضَرَر
مِـن سـوء جيـرانٍ هُـمُ حقّـا بَقَر
وَهَـــل تُبــاح جَنَّــة الخُلــود
إِلّا بِقَطــــعِ عقبَــــة كـــؤودِ
أنّـا اِنتَقَلـت مِـن جِوارِهـا إِلى
أَخلاط قَـــــوم عُلمــــا وَنُبلا
فَكُنــت فيهِــم فــاعِلا مَرفوعـا
بِفِعــلِ عِلــم آمــرا مَســموعا
وَفـي صـَباحِ يَـومِ الاِثنيـن نَـزَل
بــأَعلى طَنجَــة نعـمَ مـا فَعَـل
حَيــثُ بِهــا نُجــدّد العُهــودا
مَـــع جلَّــة تبــوّأوا صــُعودا
إن سـاعَد الـوَقت بِـذا يا حَبَّذا
لَكِـن لِسـوءِ الحَـظِّ لَـم نَفز بذا
لِقَصـــرٍ فـــي مــدّةِ الإِرســاء
مِـن ظُهـر يَومِنـا إلـى المَسـاءِ
راســــَلتهُم بِطيّـــب الســـَلام
مُعتَـــــذِرا مُســــتَدفِع المَلامِ
فَكـانَ مـا قَـد قيـلَ فيما سمِعا
مــا سـلَّم الحَـبيب حَتّـى وَدَّعـا
ثُـمَّ إِلـى البيضـا أَتَينا في غَد
فــي حُســن حالَـة وَعيـش أَرغـدِ
وَذاكَ يَـوم جـد بهـا مِـن شَهرِنا
وَقــد مَضـى بَيـانهُ فـي شـِعرنا
ثُــمَّ وَجَـدنا فـي عُمـوم النـاسِ
جُملَــة أَحبــابٍ بِهِــم إِيناسـي
فـــي ضــمنِهِم وَلَــدنا الأبــر
إِذ كــانَ عِنــدَهُ بِــذاكَ أَمــر
سـَعوا إِلَينـا مِـن بَعيـدٍ شـَوقا
وَالشــَوقُ لِلصــَبِّ يَســوق شـَوقا
وَلَــم يَـزد فـي أَهلِهـا مَقـامي
عَلـــى ثَلاثَـــة مِـــن الأَيّــامِ
رغمـاً عَلـى الحِـرص عَـن الإِخوان
وَجُملَـــــة الأَحبــــاب وَالخِلّانِ
لكِـنّ عُـذري بـانَ فـي التَعجيـل
لِـذاك لَـم أُصـغ إِلـى التَأجيـلِ
وَبَعــد أَن أَدّيـت فَـرض الجُمعَـه
وَنِلـت فـي البَيضاء قَصدي أَجمَعه
ســِرتُ إِلــى ســَلا بِقَلــبٍ سـال
وَالشـَوقُ يَحـدوا بي إلى الوِصالِ
فَقُلــتُ لمّــا أَن حَلَلـت رَبعهـا
إِنعَـم بها يا قَلب وَاِغنم جَمعَها
إِذ هــيَ عِنــدي بِلــد كَبَلــدي
كَــبيرُهُم أَخــي صــَغير وَلــدي
لِــذا أَقَمــت بَينَهُــم أَيّامــا
كَعـــدّ جــاهي نــائِلا مرامــا
وَفـي الرِّبـاط كَـم جَليـل القَدر
قَــد زُرتُـه حَيـثُ بِقَـدري يَـدري
وَكَــم سـَعى لـي لسـلا مِـن فـاس
وَمِــن رِبـاطِ الفَتـح مِـن أُنـاسِ
مِــن كُــلِّ شــَهمٍ ماجِــد حلاحِـل
لِكــــلّ فَضـــلٍ وَعلا مُســـتاهلِ
قَـد شـاقَهُم إِلـى البقـا شـَواق
وَزانَهُــم بَيــنَ الــوَرى أَذواقُ
فَـزادَ فـي مَعنـايَ مِنهُـم مَعنـى
حَيــثُ الكَريـم بِـالكَريم يُعنـى
أَدامَ رَبّــي الفَضــل فـي ذَويـه
مـا أَبعَـد الفَضـل عَـن التَمويهِ
ثَمّـت فـي يَـوم الخَميـس المولى
ســابع شــَهرنا جَمـادى الأُولـى
قَصــَدتُ فــاسَ قَصــد صـبٍّ صـابي
دَعـــاهُ مَحبـــوبهُ لِلتَّصـــابي
دَخَلتهــا فــي زمـرٍ مِـن قَـومي
وَمـن ذَوي العِلـم الرَفيعِ السومِ
وَفَرحــة الإِيـابِ أَنسـَت كُـلّ مـا
مــن تَعــب مــرّ بِنــا وَآلَمـا
قَــد صـَدقَ الحجّـاجُ فـي قَـولَته
فــي ســفرِ ســره فــي أَوبتـهِ
كَــم جاءَنـا مِـن عـالمٍ وَفاضـِل
وَمِــن رَفيـعِ القَـدر ذي فَضـائِلِ
مُستَبشـِرينَ راغِـبينَ فـي المَـدد
مُغتَنِميـــن لِلــدّعا لمــا وَرد
فَقوبِلــوا بِالفَضــلِ وَالكَرامَـه
وَالفَضــل لا يَبعــد عَمَّـن رامَـه
لِلَّـهِ حمـدي ثُـمَّ كُـلّ الشـُكر لَه
إِذ بَلَّـغ العَبـد الضـَعيف أَملـه
فَحـالَ ضـَعفي ثُـمَّ إِعسـاري لَقـد
كـادا يَعوقـانِهِ عَمّـا قَـد قَصـد
لكــنّ رَبّــي الكَريــم القـادر
أَعــانَني صــِدق قَــول الشـاعِر
قَـد يَبلُـغ المعسـر فـي إِعسارِه
مـا يَبلـغ الموسـِر فـي إِيسارهِ
ثُــمَّ لَقَـد نِلـت بِهـا المثـولا
وَكــانَ عِنــدي مَقصـِدا مـأمولا
بَيــن يَــدي أَميرِنـا المَحبـوب
أَبــي الجَمــال بَهجَـة القُلـوبِ
فَفُـــزت مِنــهُ بِجَزيــل الــبرّ
مِــن بَعــدما قـابَلَني بِالبِشـرِ
أَدامَ رَبّنـــا عَلَيـــهِ فَضـــلَه
وَزادَه فَـــوقَ الَّـــذي أَملـــهُ
وَمــن جَزيــل فَضــل رَبّـي عَلـي
وَمــن جَميــل صــُنعِه جَـلّ إِلـي
إِنّــي وَجَــدتُ الأَهـلَ وَالأَحبابـا
وَكُــلّ مَــن عَلــق بـي أَسـبابا
بِحالَــة قــرّت بِهــا العُيــون
فَلَــم تَخـب فـي رَبّنـا الظُنـونُ
أَحســـن مــا وَجَــدته أَمــامي
أبيــن مــا أَلفيــت ذا تَمـامِ
هُــوَ شــِفاء الملــكِ الهمــام
بَعــد اِنحِـراف كـانَ ذا إِلمـامِ
فَتِلــكَ نِعمَــةٌ بِهــا قَـد منّـا
المُســـتَجيب لِلـــدُّعاء مِنّـــا
ســــُبحانَهُ وَعـــد بِالإِجـــابَه
لِلمُخلِصــينَ إِذ رجــوا إِجــابَه
لاســــيّما بِجنبـــات القُـــدس
كَــالبَيت فَالرَوضـَة ثُـمَّ القُـدسِ
أَســبغ رَبّنــا لِبـاسَ العـافِيَه
عَلـى الأميرِ ذي الهِباتِ الوافِيَه
ثُــمَّ أَدامَهـا عَلـى مـرّ المَـدى
حَتّـــى يَكــونَ لِعــداته مــدى
وَلا أَرانــا فيــهِ بَعــد باسـا
كيمــا يَطيــب بِـالبَنين نَفسـا
بِجـاه خَيـر العـالَمين المُصطَفى
مَــن جــاهُه لِمَـن بِـهِ لاذَ شـفى
عَلَيـــهِ مَــع آلِــهِ وَالأَصــحاب
وَكُــلّ مــن لَهــم غَـدا يحـابي
أَزكـــى صـــَلاة عَرفهــا يَنــمّ
مَــــع ســـَلام تَـــمّ لا يَتـــمّ
مــا دامَ رَبُّنـا الكَريـم يُسـدي
نِعمَــــهُ وَلِلجَميــــل يُبـــدي
ثُـمَّ قَضـى اللَـهُ العَظيم ما قَضى
مِـن مَـوتِهِ لمـا زَمـانه اِنقَضـى
فــي الشـَهر نَفسـه لِيَـوم أَكـا
ســُبحانَ مَــن أَضــحَكنا وَأَبكـى
فَمــا لِمــا قَــدّر مــن مَــردِّ
وَإِن أَتـــى أَنّ الـــدّعا ذو ردِّ
فَهـوَ عَلـى التَأويـل قَطعا يُحمل
وَوَعـد رَبّـي فـي الـدعا لا يَجهلُ
أَســكَنَه اللَّــهُ فَســيح جَنَّتِــه
مُمتَّعــا فــي روحِــهِ وَرَحمَتِــه
وَنَصـر النّجـل الَّـذي قَـد خلّفـه
مــا مــاتَ مَـن أَدّب ذا وَخلفـه
يــا حَبَّــذا مِــن مَلـكٍ منتَبِـه
أَســـعَدَهُ اللَــه وَأســعَد بِــه
نَرجــو لَـهُ التَوفيـقَ وَالسـَدادَ
مِــن رَبِّنــا وَالعِــزّ وَالإِمـدادَ
وَأَن يُنيلَـــه كَمـــالَ الفَتــح
هــــوَ وَمــــن وازَره بِنُصـــحِ
هُنـا اِنتَهـى بـي ما قَصَدتُ نَظمَه
فـي طـالِعِ السـَّعدِ رَصـَدتُ نَجمـهُ
ســَمّيته إِذ كُنــت قَــد خَتَمتـه
ثُــمَّ بِحَمـد اللَـهِ قَـد أَتمَمتُـهُ
بِالنحلَـة المَوهوبَـة النّجـازِيَه
فـي الرِّحلَة المَيمونَة الحِجازِيه
وَلـــم أُراعِ صـــَنعَة البَــديع
إِذا أَتَــت فــي قــالِب بَشــيعِ
إِذ سـابَق الصـّنعة حسـنُ المَعنى
ثُــمّ يُراعـى بَعـد ذاكَ المَبنـى
وَإِن أَتــى عَفــواً فَـذاك مـدني
وَلـــــوجه الأذن بِــــدون أذنِ
سـُبحانَ مَـن سـَهّل لـي النِّظامـا
وَلا يـرى المَعنـى بِـهِ اِنهِضـاما
أَمـا سـَأَلت اللَّـهَ عِندَ المُصطَفى
وَالسـُؤل عِنـدَهُ يُـوافى بِالوَفـا
أَن يمنَـحَ العَبـد الفَقيـر باعا
فــي جُملَــة العُلـومِ وَاِتِّسـاعا
وَمــا سـَأَلت اللَّـه عِنـدَهُ لشـي
إِلّا وَجــاءَ مُســرِعاً بِــهِ إِلــي
كَـذاكَ لِلعلـوم قَـد شـَرِبت مـاء
زَمـزَم قـالَ المُصـطَفى هـو لمـا
مِنــهُ تَعـالى وَهـوَ ذو الإِنعـام
نَرجــو السـَعادَة لَـدا الخِتـامِ
فَهــوَ الَّــذي يِمــنّ بِــالمرام
لِعَبــدِه فــي البِـدء وَالتمـامِ
كَمـا حَمـدتُ اللَّهَ في البدءِ لما
نَظَمتــــه أَحمَــــده متمّمـــا
وَبِالصـــَلاةِ وَالســـَلامِ دائِمــاً
عَلــى رَسـولِ اللَـهِ جِئت خاتِمـا
وَآلـــه وَصـــَحبِه وَمــا لَهُــم
مِـن تـابِع قَـد اِقتَفـى كَمـالَهُم
أحمد بن المأمون البلغيثي العلوي الحسني، أبو العباس.قاض، من أدباء المالكية. من أهل فاس، مولداً ووفاة. ولى قضاء (الصويرة) و(الدار البيضاء) و(مكناسة الزيتون)من كتبه: (تنسم عبير الأزهار بتبسم ثغور الأشعار) مجموعة شعره، في مجلدين، و(الابتهاج بنور السراج-ط) في شرح سراج طلاب العلوم، جزآن، الرحلة الموهوبة البخازية.