
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
فهـم فـي بطـون الأرض بعد ظهورها
محاســـنهم فيهـــا بــوال دوائر
خَلَـت دورهـم منهـم وأقـوت عراصهُم
وسـاقتهُمُ نحـو المنايـا المقـادرُ
وخلـوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضــَمّهُمُ تحــت الــتراب الحفـائر
وأنــت علـى الـدنيا مكـبّ منـافسٌ
لخُطّابهــا فيهــا حريــصٌ مكــاثر
علــى خطــرٍ تمســي وتصـبح لاهبـاً
أتــدري بمـاذا لـو عقلـت تخـاطرُ
وإن امـرءاً يسـعى لـدنياهُ دائباً
ويــذهلُ عــن أخـراهُ لا شـكّ خاسـرُ
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى
عـن اللهـو واللّـذاتِ للمـرء زاجر
أبعــد اقــتراب الأربعيـن ترَبُّـصٌ
وشــيبُ قــذال منــذر لــك ظـاهر
كأنّــك معنــيٌّ بمــا هــو ضـائرٌ
لنفســك عمـدا وعـن الرشـد جـائرُ
أمسـوا رميمـاً فـي الـتراب وعطّلت
مجالســهُم منهــم وأخلــى مقاصـرُ
وحلــوا بــدار لا تــزاور بينهُـم
وأنّــى لســكّان القبـور الـتزاورُ
فمـا أن تـرى إلّا قبـوراً ثووا بها
مســطّحةً تســفي عليهــا الأعاصــرُ
فمــا صـرفت كـفّ المنيـة إذ أتـت
مبــادرة تهــوي إليهـا الـذخائر
ولا دفعـت عنـك الحصـون الـتي بنى
وحــفّ بهــا أنهــارهُ والدســاكر
ولا قــارعت عنــك المنيــة حيلـةٌ
ولا طمعـت فـي الـذبّ عنـه العساكرُ
مليـــكٌ عزيـــزٌ لا يــردّ قضــاؤه
حكيــمٌ عليــمٌ نافـذُ الأمـرِ قـاهر
عنــى كــل ذي عــزّ لعــزّه وجهـه
فكــم مــن عزيـز للمهيمـنِ صـاغرُ
لقــد خضــعت واستسـلمت وتضـاءلت
لعـزّة ذي العـرش الملـوكُ الجبابر
وفـي دون مـا عـاينت من فجعاتِها
إلــى دفعهــا داع وبالزهـد آمـرُ
فجُـــدّ ولا تغفــل وكــن متيقظــاً
فعمّــا قليـل بـترك الـدار عـامر
فشـــمّر ولا تفـــتر فعمــرك زائلٌ
وأنــت علــى دار الإقامــة صـائر
ولا تطلــب الــدنيا فـإن نعيمهـا
وإن نلــت منهــا غبّـه لـك ضـائر
ألا لا ولكنّــــا نغـــرّ نفوســـنا
وتشــغلنا اللّــذاتُ عمــا نحـاذرُ
وكيـف يلَـذّ العيـش مـن هـو موقفٌ
بموقـف عـدل يـوم تبلـى السـرائرُ
كأنّــا نــرى أن لا نشــور وأنّنـا
صـدىً مـا لنـا بعـد الممات مصادر
أمـا قـد نـرى فـي كـل يوم وليلة
يــروح علينــا صــرفها ويبــاكرُ
تعاورنـــا آفاتهـــا وهمومهـــا
وكـم قـد تـرى يبقى لها المتعاورُ
فلا هـــو مغبــوط بــدنياه آمــنٌ
ولا هـو عـن تطلابهـا النفـسَ قاصـرُ
بــل أوردتــهُ بعــد عــزّ ومنعـةٍ
مــوارد ســوء مــا لهــنّ مصـادر
فلمّـــا رأى أن لا نجـــاة وأنّــه
هـو المـوت لا ينجيـه منه التحاذرُ
تنــدّم إذ لــم تغـنِ عنـه ندامـةٌ
عليــه وأبكتـهُ الـذنوب الكبـائرُ
أحـــاطت بــه أحزانــه وهمــومُهُ
وأبلــسَ لمــا أعجزتــهُ المقـادرُ
فليـسَ لـه مـن كربـةِ المـوت فارجٌ
وليــس لــه ممّــا يحــاذرُ ناصـرُ
وقــد جشـأت خـوفَ المنيّـة نفسـهُ
يردّدهــا بيــن اللهـاة الحنـاجرُ
فكــم موجــع يبكــي عليـه مفجّـع
ومســتنجد صــبراً ومـا هـو صـابرُ
ومســترجع داع لــه اللّـه مخلصـا
يعــدّد منــه كــلّ مـا هـو ذاكـر
وكــم شــامت مستبشــر بوفــاتهِ
وعمّــا قليــل للّــذي صـار صـائرُ
وحــلّ أحــبّ القـوم كـان بقربـهِ
يحـــثّ علــى تجهيــزه ويبــادرُ
وشــمّر مــن قــد أحضـروه لغسـلهِ
ووجّــه لمــا فـاض للقـبر حـافرُ
وكفّــن فــي ثـوبين واجتمعـت لـه
مشــــيّعةٌ إخـــوانهُ والعشـــائر
لعـاينت مـن قبـح المنيّـة منظراً
يهـــالُ لمــرآهُ ويرتــاع نــاظرُ
أكـــابرُ أولاد يهيــج اكــتئابهُم
إذا مـا تناسـاه البنـون الأصـاغرُ
ورنّـــة نســـوان عليــه جــوازعٌ
مــدامعهم فــوق الخــدود غـوازرُ
فوَلّــوا عليــه معــولين وكلّهُــم
لمثــل الــذي لاقـى أخـوه محـاذرُ
كشــاءٍ رتــاع آمنيــن بـدا لهـا
بمــديتهِ بــادي الـذراعينِ حاسـرُ
فريعــت ولـم ترتـع قليلاً وأجفلـت
فلمّـا نـأى عنهـا الـذي هـو جازرُ
ثــوى مفــرداً فـي لحـده وتـوزّعَت
مـــــواريثهُ أولادهُ والأصـــــاهرُ
وأحنـوا علـى أمـواله يقسـِمونها
فلا حامــدٌ منهــم عليهــا وشـاكرُ
فيـا عامر الدنيا ويا ساعيا لها
ويـا آمنـاً مـن أن تـدور الدوائرُ
ولــم تــتزَوّد للرّحيـل وقـد دنـا
وأنــت علــى حــال وشـيكٍ مسـافرُ
فيـا لهـف نفسـي كـم أسـوّف توبتي
وعمــريَ فــانٍ والـرّدى لـي نـاظرُ
وكـلّ الـذي أسـلفتُ في الصحف مثبتٌ
يُجـازي عليـه عـادل الحكـم قـادر
تخــرّبُ مــا يبقـى وتعمـر فانيـاً
فلا ذاك موفــــورٌ ولا ذاك عـــابرُ
وهـل لـك إن وافـاك حتفُـك بغتـةً
ولـم تكتسـب خيـرا لدى اللّه عاذرُ
أترضـى بـأن تفنـى الحياةُ وتنقضي
ودينــكَ منقــوصٌ ومالــك وافــرُ
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقب بزين العابدين.رابع الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع، يقال له: (عليّ الأصغر) للتمييز بينه وبين أخيه (عليّ) الأكبر، مولده ووفاته بالمدينة، أحصي بعد موته عدد من كان يقوتهم سراً، فكانوا نحو مئة بيت، قال بعض أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السرّ إلا بعد موت زين العابدين، وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معايشهم ومآكلهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاً إلى منازلهم، وليس للحسين (السبط) عقب إلاّ منه.