
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سـَرَت لِنَـواحي النَفـسِ مِن جانِبِ الخِدر
طَــوارِقُ هـمٍّ ضـاقَ ذَرعـا بِهـا صـَدري
فَزايَلتُــه أَرتــادُ مَلهــىً فَمَـرَّ بـي
فَـتىً شـمتُه يَختـالُ في الناس كَالبَدر
سـَباني بِلَفـظٍ كـان أَشـهى مِـنَ المُنى
وَأَوقَـعَ فـي نَفسـي مِنَ العَفوِ عَن وِزري
فَســايَرتُهُ يَقتـادَني الشـَوقُ وَالهَـوى
وَبَيــنَ ذِراعَيــهِ ســَقَطتُ وَمــا أَدري
حَبـاني المُنـى حينـاً قَصـيراً وَبَعـدَه
رَمــاني فَأَصـماني بِسـَهم مِـن الهَجـر
فَعــادَ كَصــَدري ضــَيِّقاً كُـلُّ مـا أَرى
وَعـادَ بيـاضُ الحَـظِّ أَسـوَدَ مـن شـَعري
فَلَـــو أَنَّ حَظّـــي تَحتَــويهِ مَحــابِرٌ
غَنيـتُ بِمـا اِسـتَمدَدتُ مِنها عَن الحِبر
فَــوَلَّيتُ وَجهــي شــَطرَ مَصــرَع عِفَّـتي
وَدابَـرتُ وَجـهَ الصَونِ في الزَمنِ النَضرِ
وَقــارَفتُ فـي رَيـق الشـَبابِ مَخازِيـاً
أَلَحَّـت عَلـى مـا كـانَ مـن شرفِ القَدر
مَرابِـــع مجـــدٍ أَقفَــرَت جَنَباتُهــا
فَأَمســَت خَلاءً مــن عِفــافٍ ومـن طُهـر
جَهِلــتُ طبــاعَ الكائِنــاتِ فَلَـم أَزل
أُدَنِّــس فَـرشَ الطُهـرِ عَـن طُـرُقِ السـِر
وَقـد كـانَ مـن نَقـص التَجـاريبِ إِنَّني
جَهِلـت بِـأَن السـِرَّ يَفضـى إِلـى الجَهر
طَهـــارَةُ نَفـــسٍ رُعتُهــا بِغَوايَــتي
فَـوَلَّت عَلـى حكـم البِغـاء مـن الذُعر
بِمــال مُبــاعٍ بِعــت عِرضــي سـَفاهَةً
وَلـم أَدرِ أَن العِـرضَ خَيـرٌ مـن التِبر
فجــوزٌ سـَرى فـي النَفـسِ وَهـيَ تَقِيَّـةٌ
فَكــانَ ســَواداً فــي خَلائِقــي الغُـرِّ
نكثــتُ بِعَهـدي لِلفَضـيلَة فَاِغتَـدى اِف
تِضــاحي جَــزاءً لِلخِيانَــةِ وَالغَــدرِ
إِذا اِسـتَمرَأَت مَرعـى الغَوايـةِ أَنفـسٌ
فَهَيهــاتَ أَن تَنكـفَّ بِـاللَومِ وَالزَجـر
وَســبع ســِنينٍ كنــتُ فيهِــن لَبــوَةً
تَصـولُ عَلـى الأَغـرارِ بِالنـابِ وَالظُفرِ
جَــدعتُ بِهــا أَنــفَ العفـافِ وَهتَّكـت
اكـفُّ الخنـا مـا كـانَ دونـي من سِتر
أَطــوِّف فــي كُــلِّ البِقــاعِ كَــأَنَّني
أُفتــش عــن عقـد تَنـاثَر مـن نَحـري
عَلـــى مَهَــل أَمشــي الإِوَزّى تَــدَلُّلا
كَــأَنّي أَقيـسُ الأَرضَ بِالشـِبرِ وَالفِـتر
تَقــاذَف جِســمي فـي النَهـارِ شـَوارِع
وَإِن جَــنَّ لَيلـى جَنَّنـي مَوبِـق العَهـر
فَأَصـبَحتُ سـِرّاً بـاتَ فـي الناسِ فاشِيا
وَقـد كُنـتُ من قَبل الخَنا بَيضَةَ الخِدر
وَقــد كــانَ لــي ذِكـرٌ تَضـَوَّع عِطـرُه
فَأَصــبَح فـي الآذانِ وَقـراً عَلـى وَقـر
وَقَــد كــانَ صــَدري مَوطنــا لِمَبَـرَّةٍ
وَعطـفٍ فَأَمسـى مَـوطنَ الكيـد وَالخَـتر
وَكنــتُ عَلــى عَهـد اِعتِـزازي بِعِفَّـتي
أَعيــشَ بِفَينــانٍ مــن العَيـشِ مُخضـَر
لِمَثــوى البَغايـا أَسـلَمتني غَوايَـتي
لحريَّــةٍ أَنكــى لِنَفســي مــن الأَسـرِ
أتــاجر فــي عَرضــي وَأَسـخو بِبَـذلِهِ
لِكُــلِّ فَــتى يَســخو بِنـائِلِهِ الغَمـر
تُـــداوِلُني الأَيـــدي كــانيَ ســِلعَةٌ
يغـالي بِها التجارُ في السوم وَالسِعر
كَـأَنّي لِسـوءِ الـرَأي قَـد عُـدتُ طِفلَـةً
تَنَقَّــلُ مــن حِجــر لِحِجـر إِلـى حِجـر
كَـــأَنّي لطــرّاق المَــواخير مجــزَم
تَنَقَّــلَ مــن خَصــر لِخَصـر إِلـى خَصـرِ
إِذا زُرتَنــي ظُهــراً فَقَــد زُرتَ بَـوَّةً
وَفـي اللَيلِ اِذ تَأتى تَرى طَلعَة البَدر
تَصــَنَّعتُ فيـهِ الحسـنَ وَالحُسـنُ زُبـدَةٌ
إِذا واجَهَتهـا الشـَمسُ ذابَـت من الحُرِّ
لعمــــرُك إِن المَومســـاتِ بَراعِـــمٌ
تَفَتَّــح لَيلا ثُــمَّ تــذبُل فـي الظُهـر
خُلِقـــن جُنــوداً لِلشــَياطينِ وُكَّلَــت
بِسـلبِ التقـى وَالعـزِّ وَالعَقل وَالوَفر
لَهُـــنَّ لَجاجـــاتٌ شـــِدادٌ كَأَنَّهـــا
لَجاجَــةُ ربِّ البَيـتِ فـي آخـر الشـَهر
وَيَشـــقى لَـــدَيهِنَّ الغَـــوِيُّ كَــأَنَّه
وَقـد نـالَ مِنـهُ الـذُلُّ مُسـتَخدَم مِصري
وَمــن عجــب يُجــدي وَتَلقـاه مـاثِلا
بِذِلَّـــةِ مُســـتَجدٍ وَوففـــةِ مُضـــطَر
يُجــازي الفَــتى وَصـلا بِوَصـل فَمـالَه
أَبــاحَ الرِبـا حَتّـى حَبـاهُنَّ بِـالتِبر
تَجــودُ عَلــى تِلــكَ البَغايـا أَكفُّـه
بِمـا قَصـَّرت عَنـهُ يَـدُ النيـلِ في مِصر
وَلـي ظـاهِرٌ فـي الحُـبِّ يَحلـو مـذافُه
عَلــى أَنَّــه يُطــوى عَلـى بـاطِنٍ مُـرِّ
يُلايـــنُ عُشـــّاقى لِســـانٌ مُخـــادِع
وَوَجـــهٌ عَلاه زائِفُ الحُســنِ وَالبِشــر
أَضـــاحِكُ زيــداً بِاللِســان وَإِنَّنــي
لأَقصــدُ عَمـراً حيـنَ أَرنـو إِلـى بَكـر
تَكَلَّفــتُ ليــنَ الطبــعِ لِلغُـرِّ خُدعَـةً
وَلكِنَّــه قَــد شــَفَّ عــن خُلُــق وَعـر
يَرانــي نَســيمُ الـرَوضِ لُطفـاً وَرَفَّـةً
وَلكِنَّنــي أَقســى فُـؤاداً مـن الـدَهر
أَقــولُ لَــه لا تَنــأ عَنّــي فَســاعةٌ
بِبُعــدِك عــن عَينَـيَّ أَطـولُ مـن شـَهر
وَإِنَّــك فــي أَهليــكَ إِن بِــتَّ لَيلَـةً
يُخاصــِمُني نَـومي إِلـى مَطلَـع الفَجـر
وَجَنبِـــيَ يَنبـــو حَشـــايا وَثيــرَةٍ
وَدَمعـيَ طـولَ اللَيـلِ مـن فَوقِها يَجري
فَلَــم أَرَ إِنســاناً ســِواكَ يَروقُنــي
فَـأَنتَ لَـديَّ التِـبرُ وَالنـاسُ كَالصـُفر
فَزَيِّـن بِتـاجِ المـاسِ رَأسـي لكـى تَرى
ضــَياءَ هلالٍ فَــوقَ لَيــلٍ مـن الشـَعر
وَكَثِّــر بِعِقــدِ الــدُرِّ فيـكَ حَواسـِدي
لِيَهلِكـن غَيظـاً حيـنَ يـامَعُ فـي صَدري
وَصــع فَتخَـةً فـي خِنصـَري لِتَكـونَ لـي
مــذَكِّرَةً إِن كنــتَ تَعــزُب عـن ذِكـرى
وَمــا أَنــسَ مِلأَشـياء لا أَنـسَ نـائِلا
جَنيــتُ جنــاهُ مــن أَنامِلـك العَشـر
لســاني وَقَلــبي إِن وَفيــتَ بِمَوعـدي
شــَريكان فـي بَـذلِ المَـوَدَّةِ وَالشـُكر
ثَنــاءٌ بِــهِ طاشــَت نَــواحيِ لِلجَـدا
فَآنَســتُ مِنــهُ البَحـرَ يَقـذِفُ بِالـدُرِّ
هــو المَـدحُ يَسـتَهوي الضـِعافَ وَإِنَّـهُ
سـَبيلُ اِعتِصـار المالِ من راحَةِ الغُمر
فَلَــم يَغــدُ حَتّــى آب أَوبَــةَ قـائِدٍ
وَقـد خَفَقـت مـن فَـوقه رايَـةُ النَصـر
حَمِــدتُ لَــهُ عـودا فَقَـد جـاءَ شـَيِّقاً
بِشـَتّى مـن الأَنـداءِ جَلَّـت عـن الحَصـر
وَلكِنَّهـــا نُعمــى وَإِن جــل قَــدرُها
تقابــلُ فـي عُـرفِ الـدَعارَةِ بِـالكُفر
وَمـن رامَ مَحـضَ الـوُدِّ مـن قلـبِ مومِسٍ
فَقَـد رامَ نَبـعَ المـاءِ من ضَرَمِ الجَمرِ
وَقفــتُ إِلـى الشـُبانِ فـي كُـلِّ مَرصـَد
لأُنشــِبَ أَظفــاري بكــلِّ فَــتى مُــثرِ
وَقـد صـدتُ مِنهـم طـائِرَ المالِ بَعدما
نَصـَبتُ لَهـم أُحبولَـةَ الخَتـلِ وَالمكـر
وَمــن بَعــضِ أَشـراكي لَـدَيهِم تَـدَلُّلي
وَتَفــتيرُ أَجفــاني وَمُبتَســَم الثَغـر
فَتَحــتُ لِصــَيدِ المـالِ حِجـريَ بَعـدَما
وَأَدتُ بَنـاتِ الطُهـر فـي ذلِـك الحِجـرِ
وَبــي مـن هَـوى الـدينارِ حُـبٌّ مُبَـرِّحٌ
وَمــا بــي مِــن حُـبٍّ لِزيـد وَلا عَمـرِ
وَوا عَجَبــا مِنهُـم يَعـودونَ بَعـدَ مـا
تَرَكتُهمـوا خِلـواً مِـنَ البَيـضِ وَالصُفر
وَلكــن هــذا المــالَ طــارَ مُبَكِّـرا
كَمـا طـارَت الغِربـانُ صُبحا من الوَكرِ
ظَفِــرت بيســر لَـم يَـدم لـي زَمـانُهُ
وَيـا رُبَّ عُسـر جـاء فـي أَثـر اليُسـر
وَيــا لَيتَنــي أَعـدَدتُ بَيـضَ دَراهِمـي
لِتَخفيـــفِ آلامــي بِأَيّــاميَ الغُــبرِ
فَكَفــي أَســاءَت عِشــرَةَ المـالِ ضـَلَّةً
وَلَــم تُبــقِ مـن كُـثر لَـدَيَّ وَلا نَـزر
رَمـاني الهَـوى فـي حِجـر خِـبّ مُخـادِع
تَمَلَّكنــي بِــالحُبِّ مــن حَيـثُ لا أَدري
أَهَـــشُّ إِذا مـــا زارَنــي مُتَفَضــِّلا
وَإِن غـابَ عَنّـي عيـلَ فـي بُعـده صَبري
وَكــم لَيلَــةٍ أَنحـى لِقَلـبي وَمَسـمَعي
بِســَهمَين مــن هَجـر مُمِـضٍّ وَمـن هُجـر
وَفـي لَيلَـةٍ أَنحـى عَلـى المـالِ خِفيَةً
وَوَلّـى بِمـا أَبقَيـتُ لِلـدَّهرِ مـن ذُخـر
فَبِـــتُّ وَذُلُّ الفَقــرِ يُقلــقُ مَضــجَمي
وَيُلِمنــي هــمُّ الـدُيونِ إِلـى الفكـر
إِذا مـا جَمعـتَ المـالِ مـن غيـر حِلَّه
فَـإِن قُصـارى مـا جمعـتَ إلـى النَـثر
تَجَمَّعَـــتِ الأَمـــراضُ فـــيَّ فَهِجتُهــا
أَبابيــلَ تَرمــى كُــلَّ مُســتَهتَرٍ غِـرِّ
فـادخلُه المـاخورَ خِلـوا مـن الضـَنا
وَأُخرجُــه والــداءُ فـي جِسـمِهِ يَفـري
فَكــم ســيلانٍ مــن أَخيــه رَمـى بِـهِ
إِلَــيَّ فكـان السـمَّ فـي جَسـدي يَسـري
وَمــن قَبلــه أَزجـى الـيَّ ابـنُ عمـه
جَراثيـمَ سـُلَّ بتـن يَرعَيـن فـي سـَحري
وَقَفّــى عَلــى آثــارِهِ بَعــضُ صــَحبه
بِحُمّـى تَـبيتُ اللَيـل فـي أَعظُمي تَبري
عَوامِـــلُ جَـــزم لِلحَيـــاةِ وَإِنَّهــا
لأَنكـى بِجُثمـاني مـن الـبيضِ وَالسـُمر
عِصــابَةُ بغــيٍ مزقــت ثَــوبَ صــِحَّتي
فَلا غَــروَ إِمّــا قُمــتُ آخـذُ بِالثَـأرِ
بَليــت بِلــى الأَطلالِ إِن لَـم أَرُعهُمـو
بِمُختَلِــفِ الأَدواءِ تَأكــلُ فـي العُمـر
أُعـــاقبهم كــي لا يَعــودوا وَإِنَّــه
مـن الحَـزمِ عِنـدي دَفعُـك الشَرَ بِالشر
عَــدَتني المُنـى إِن كُنـتُ أُشـفِق مـرَّةً
عَلــى خـائِن عَهـدَ الفَضـيلَة وَالطُهـر
وَكـلُّ امرىـء يَجني عَلى الطُهر وَالتُقى
فَعَمّــا قَليــلٍ مِنـهُ يَنتَقِـمُ الزُهـرى
نَصــحتُ إِلـى الشـبانِ أَبغـي سـلوكهُم
ســَبيلَ رشــادٍ فـي الحَيـاةِ بِلا أَجـر
همـو اِسـتَعبدتهُم فـي الخَنا شَهَواتُهم
وَيــا رُبَّ عبــدٍ فـي ثِيـاب فَـتى حُـر
تَراهُــم بِمَثـوى الموبِقـات تَزاحَمـوا
تَزاحــمَ أَسـرابِ الهمـومِ عَلـى صـَدري
أَراهـم بِسـوقِ اللَهـوِ بـاعوا رَشادَهم
وَلـم أَر فـي سـوقِ المَحامِـدِ من يَشري
يكـرُرون فـي مَثوى المَخازى فَإِن دُعوا
لِمَـأثُرَةٍ حثّـوا المَطايـا عَلـى الفَـرِّ
همـو اِمتَلَئوا إِلّا مـن العِلـم وَالحجا
وَهـم فَرَغـوا إِلّا مـن الزَهـوِ وَالكِـبر
إِذا هَبَطـوا قـالوا القَضاءُ وَإن عَلوا
يَقولـوا بِـأَن الفَضـلَ لِلعَقـلِ وَالحِذر
وَأَحيــاءُ بِالأَجســامِ مَــوتى بِــأَنفُسٍ
يَعيشـــون كَالأَبقـــارِ لكـــن بِلا دَرِّ
وَبــي منهمــو وجــدٌ تَأَجَّــجَ مِثلَمـا
تَــأَججت النيـرانُ فـي منيـةِ الغَمـر
وَهـم فـي عيـونِ المَجـدِ أَشبهُ بِالقَذى
وَهـم فـي خُـدودِ الفَضـلِ أَشبهُ بِالبَثر
بِمَنظرِهــم تَقــذى العيــونُ وَإِنَّهُــم
علــى خِفَّــةِ الأَحلامِ أَثقــلُ مـن صـخر
ســوادُ نفــوسٍ تحــتَ بيــضِ مَعــاطِفٍ
وَنتـــنُ خلالٍ تَحــتَ نافِجَــةِ العِطــر
أُقَلِّـــبُ طَرفـــى فــي البِلاد فَلا أَرى
أخــا ثِقَــةٍ منهــم أَشــُدُّ بـه أَزرى
مَلِلــتُ حَيــاتي بَيــنَ قَـوم حَـديثُهُم
يَـدورُ عَلـى الأَزيـاءُ وَالخَمـر وَالقَمرِ
وَمـا كـان صـَوتُ الرَعـدِ في سوءِ وَقعِهِ
بِــاَوقَرَ لِلآذانِ مــن كــاذِبِ الفَخــر
همــو رَهنــوا حَتّـى المَسـاكِنَ خِفيَـةً
لكي يُنفِقوا الأَموالَ في اللَهوِ وَالسُكرِ
إِذا مـا سـَكَنتَ القَصـرَ وَالرَهـنُ مُغلَق
فَقَصـرُك فـي العَينَيـن أَشـبَهُ بِـالقَبر
وَرُبَّ اِبتِســامٍ شـَفَّ عـن مُضـمَرِ البُكـى
وَرُبَّ يَســارٍ شــَفَّ عــن مُضـمَرِ العُسـر
غِنـى النَفسِ بِالتَهذيبِ أَجدى من الغِنى
بِمـال يَسـوقُ المُسـرِفين إِلـى الفَقـر
فَـإِن عِشـتُ لَـم أَتـرك تُراثـا لِـوارِثٍ
تَبــدِّدُه كَفــاه فــي بُــؤَر العَهــر
إِذا العِلـمُ لَم يَثنِ النُفوس عَن الهَوى
فَـذو الجَهل بَينَ الناسِ خَيرٌ من الحِبرِ
وَحُســنُ الفَــتى بَيـنَ الـوَرى بِخِلالَـه
كَمـا أَن حسـنَ الـرَوضِ في عاطِرِ النَشر
وَمــا خَيــرُ عَقـلٍ لا يَصـونُك مـن أَذى
وَمـا خَيـرُ عَيـنٍ لا تَقيـكَ مـن العَـثر
وَصــَعبٌ تَرَقّـى المَـرءِ فـي دَرَجِ العُلا
وَسـَهلٌ تَـدَلّى المَـرءِ فـي دَرَكِ الحَـدر
هــو الهَــمُّ مِقـراضُ الحَيـاةِ وَإِنَّمـا
يَطـولُ رِشـاءُ العُمـرِ بِالصـَفوِ وَالبِشر
وَإِن أَصـلَحَ الحرمـانُ مـن شـَأنِ ناشىء
فَــذلكمو الحِرمــانُ نَـوعٌ مـن البِـرِّ
تَنــمُّ عَلــى أَصـلِ الفَـتى إِن جَهلتَـه
خِلال كَمــا نَــمَّ الأَريـجُ عَلـى الزَهـر
مَســـاءَةُ زيــد فــي مَســَرَّةِ خالِــد
وَان اِبتِسـامَ الزَهـر مـن مَدمع القَطر
إِذا الأُمُّ لَـــم تُنجِــب فَلا دَرَّ دَرُّهــا
وَيـا رُبَّ نَسـل كـانَ شـَرّاً مـن العُقـرِ
بَنــو وَطــن الاِنســانِ أَولــى بِبِـرِّه
وَأُمُّ الفَــتى أَحنـى عَلَيـهِ مـن الظِئر
وَنُصـحُ الفَـتى أَعمـى بَصـيرَتَه الهَـوى
يَــراهُ ذَوو الأَحلامِ ضـَرباً مـن الهَـذر
هــو الغِـرُّ يَـدري مـا بِمَنـزلِ غيـره
وَلَيــسَ بِمــا يَجــري بِمَنزلـه يَـدري
جَبـــانٌ إِذا اِســـتَنجَدتَه لَعظيمـــةٍ
وَأجــرَأ مـن لَيـثٍ بِخَفّـانَ فـي الشـَر
لَعَمــرُكَ مــا أَدري إِذا مــا نَظَرتُـه
أَكـانَ فَـتىً مـا شـِمتُ أَم دُميَةَ القَصرِ
فَــتىً راقَــهُ لُبـسُ القَبـاطي وَإِنَّهـا
لأَخـزى لـه فـي الناسِ من مَلبَس الطِمر
وَفَخـرُ الفَـتى بِـالنَفسِ لا الجِسمِ إِنَّني
أَرى الفَضـلَ فـي الأَثمارِ لِلُّبِّ لا القِشر
وَيفضــُل ثَـوبُ القُطـنِ ثَوبـاً مُبَرقِشـا
مـن الخَـزِّ لا يَحمـي مـن الحـر وَالقُرِّ
وَمــن حَكَّــمَ الاسـرافَ فـي ذاتِ مـالهِ
رمتـه عَـوادي الـدَهر بِالبُؤس والعُسر
عَلـى المُسـرِفينَ اقضـوا بِحَجـرٍ فَإِنَّهُم
أَحـقُّ مـن الأَطفـالِ فـي الناسِ بِالحَجر
فَكَـــم آل بِالإِســـرافِ كُــثرٌ لِقِلَّــةٍ
وَكَـم قِلَّـةٍ بِالقَصـد آلَـت إِلـى الكُثرِ
وَبالمـالِ صـونُ الدينِ وَالعِرضِ وَالنُهى
كَمـا أَن صـونَ العَيـنِ بِالهُدب وَالشَفرِ
وَمــن بــاعَ أَخـراه بِـدُنياهُ طالِبـا
مُعَجَّـلَ رِبـحٍ بـاءَ فـي النـاسِ بِالخُسرِ
وَمــن كــانَ أَتّـاءَ البَغايـا فَـأُختُه
سـَتَقفو خطـاه فـي البِغـاء عَلى الإِثر
وَلِلغيــــدِ دولاتٌ تـــدولُ وَتَنقَضـــي
إِذا وَلَّــت الأَيّــامُ بِـالحِبرِ وَالسـِبر
وَهــل ترجِــعُ الأَيّـامُ عِـزّيَ بَعـد مـا
بَنيـتُ بِهـا صـَرحَ العفـافِ عَلى الكَسرِ
وَهـل يَغسـِلُ العارَ الَّذي اِنتابَ سُمعَتي
مَعــاذيرُ خطــت سـَطرَها قِلَّـةُ الخُـبر
وَهـل راجِـعٌ ذاكَ الشـَبابُ الَّـذي مَضـى
فَـــأَرجعَ فيـــهِ لِلعَفــافِ وَلِلطُّهــر
وَلـى العُـذرُ في بِدءِ الصَبابَةِ وَالهَوى
وَلكِــن عَلـيَّ الـذَنبُ فـي آخِـرِ الأَمـرِ
وَإِن كُنـتُ فـي الماضـي أَسـَأتُ لِعِفَّـتي
فَقَـد جِئتُ أُدلـى الآنَ لِلطُّهـرِ بِالعُـذر
فَغُفرانَـــك اللَهُــمَّ ذَنــبي تَفضــلا
فَعاصـيكَ أَولـى الناسِ بِالصَفحِ وَالغَفرِ
كَفـاني مـن التَعـذيبِ مـا قَـد لَقِيتُه
مـن العَيشِ بَينَ العارِ وَالخِزي وَالفَقرِ
وَفُقــدان عــزى فـي البَغـاءِ وَصـحتي
وَسـُكنايَ بَعدَ القَصر في الموحِشِ القَفر
ثَــوَيتُ بِقَــبري بَعــدَ عِشــرينَ حِجَّـةً
وَثنَـتين كـانَت مَبعَـثَ البُـؤسِ وَالشـَرِّ
دَفنـــتُ بِــهِ آلامَ نَفســي وَقبــل ذا
دَفنــتُ بـهِ الآمـالَ فـي رَيِّـقِ العُمـر
أَوَيـتُ إِلـى فَـرشٍ مـن التُـربِ كانَ لي
بِــهِ راحَــةٌ مِمّـا أُعـاني مـن الضـُرِّ
أَلا فــي ســَبيلٍ اللَهـوِ عُمـرٌ تصـَرَّمَت
حَواشـيهِ بَينَ الطَبلِ في اللَهو وَالزَمر
فَلا تَطلُبــا فـي مَتجَـرِ الحُـبِّ مَكسـَبا
فَوَالعَصــرِ إِن العاشــِقينَ لَفـي خُسـر
مهدي أحمد خليل.أديب وشاعر، خطيب، لغوي مصري، ولد في نوفمبر 1875م تخرج من الأزهر الشريف سنة 1893م ومن مدرسة دار العلوم 1898م، ثم عمل في التعليم والتفتيش بوزارة المعارف وأحيل إلى التقاعد سنة 1931م.أغرم بالشؤون النسوية وإصلاح شأن المرأة الشرقية فكتب في ذلك الكثير من الكتب والدراسات، ومنحت له شهادة الامتياز في قرض الشعر سنة 1901م ووسام النيل من الحضرة الملكية سنة 1923مزار الكثير من دول الشرق الأدنى وأوربا.له: هادمة الخدر وهاتكة الستر، أدب المملى، المطالعة الفصيحة.