
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لشـعر العصـرِ فـي الأَفلاك بـرجٌ
لقــد حرَسـتُ معـاقلَهُ النجـومُ
حَمــت أَكنــافَهُ مــن كـل غِـرٍّ
غــبيٍّ لــم تثقّفــهُ العلــومُ
فَمــن يلمــم بـهِ دون اضـطلاعِ
بـروح العصـر تسـحقهُ الرجـومُ
وكــل قريحـةٍ لـم تلـقَ هَـدياً
بمشــكاة المعــارف لا تُريــمُ
فَشــِعرَ زماننــا مَلَــكٌ كريـمٌ
وشــعر الجهــل شـيطانٌ رَجِيـمُ
لقـد وَضـعَ الخليـلُ لـهُ قديماً
أساســـاً ثــم شــيَّدهُ ســليم
فأَبــدأَ وهــو مُحتِلــمٌ غريـرٌ
واكمــلَ وهــو مكتهــلٌ حكيـمُ
ونمنــمَ روضــَهُ وكســا ثـراهُ
بـــدَوحٍ تحتُـــهُ ظــلٌّ مقيــمُ
فعـن حُـورِ الجنـان إِذن تجلَّـى
لـذلكَ قـد صـفا فيـهِ النعيـمُ
وبعــدئذٍ أَتـى الحـدَّاد يبغـي
بــهِ صــَوناً ومبــدأُهُ قــوِيمُ
فمنَّــع بالحديــدِ لـهُ رتاجـاً
حبــاهُ النُــورَ شــوقيٌ كليـم
علـى طُـورِ المعـاني قـد تجلَّى
فقـالت مِصـرُ عـاوَدَني الكليـم
لــهُ فــي أرض تيبـت معجـزاتٌ
يميـد لَهولهـا الهَـرَمُ العظيم
عجــائِبُ ذاكَ كــانت مخزيــاتٍ
وفـي هـدي لـهُ الفخـر العميمُ
لئن أَلقـى العصـا ليمـوتَ قَومٌ
هنــا قلــمٌ ليبعثَهُــم يقـوم
بكليوبــاتر قـد هـامت ملـوكٌ
فــإن نُشـرَت بـهِ أبـداً تهيـم
ففــي نفَثَــاتهِ بالشـعر سـحرٌ
ينــمُّ عليــهِ مطلعُـهُ الوسـيم
وقـد طُبَعـت علـى عشقِ المعاني
قلـوبُ الغيـد مـذ وُجدَ السديم
ومـا المعنى الرقيق سوى نسيمٍ
وهـل تحيـى بلا النَسـَم الجسومُ
تخلَّــقَ ذا النســيمُ بجسـمِ دُرٍّ
وهــذا الـدرُّ منطقـكَ الرخيـمُ
ومـن عَجَـبٍ لهـذا الـدرّ تبقـى
أَبــاً حيّـاً لـهُ وهـو اليـتيمُ
فلـو سيزوسـتريس افـاق يومـاً
لحـار ونـاله الحسـدُ الـذميمُ
فمـا فـي تـاجهِ الوهَّـاج حُسـنٌ
كُحســنٍ حــازهُ الـدرُّ النظيـمُ
قريضـُكَ يـا سـميرَ الشوق أَحيي
قلوبـاً غالهـا الجهـل الوخيمُ
فكـان البـاعثَ المحيـي وحاشا
يصــيبُ علاءَهُ الحتــفُ اللئيـمُ
فَشـعرُكَ مثـل ذِكـركَ مثـل مَدحي
علـى رغـم العـدى ابـداً يدومُ
إذن غــادِر مُـدامكَ ثـمَّ بـادِر
فنظـمُ يراعـكَ الـراحُ القـديمُ
لقــد عـوَّدت هامـاتِ المعـالي
بــه سـكراً فهـات أَيـا نـديمُ
ودَع عنـك المطـال فقـد مللنا
أدَلا كــان بخلــكَ يــا كريـمُ
ومـا فـي الدلّ بعد البذلِ فضلٌ
ورب البخـــل مشــجوبٌ ملَــوم
وَعــدتَ بنبــذةٍ فـي كـل عـامٍ
يَحُـوكُ طِرازَهـا الطبـعُ السليمُ
فـراح الوعـد أَضـيع من أَماني
فتًـى يهـوى الغنى وهو العديمُ
وشــوقيَّاتكَ الزهــراءُ تشــكو
لنـا ظُلمـاً ومـا أنـت الظلومُ
تطالبُــكَ الوفــاءَ بوعـدِ حـرّ
وانَّــى لا يفـي الحـرُّ الحكيـمُ
صـبَت نحـو التـوائم وهـي فَـذٌّ
ويـأبى الجفـوة الخُلق الرحيم
فكـن بَـرًّا ببكـرِكَ يـا أَباهـا
الكـثير العطـف حتَّـامُ الوجوم
وضــمَّ بهــا شــقيقاتٍ عـذارى
جمـال الكـون مرآهـا القسـيم
فهـا الـبرجُ الذي شادَت يدانا
غــدا يشـكو وانـت لـهُ خصـيمُ
هجــرت قصـورَهُ الشـَّماءَ ظلمـاً
أَترضــى أن يلــمَّ بــهِ زنيـمُ
وانــي شـاعرُ الفيحـاءِ وحـدي
أُنيــخ بـهِ فـتزعجني الغمـومُ
ويَرمُضــني المقــامَ ولا جليـسٌ
ويمرضــني الســكوتُ ولا كليـمُ
ويُؤنســني الرفيــقُ ولا رفيـقٌ
واطــربُ ان تريــم ولا تريــمُ
شـكوت اليـك يـا مـدَّاح حلمـي
دلالــك فـاحتكم انـت الحليـمُ
وقــل لخليلـك المطـران هيَّـا
فَبَــارِك ســعيناتُنفَ الهمــومُ
ففـــي بركــاتِ أورادٍ تصــلّي
بهــا سـَحَراً لنـا اجـرٌ عظيـم
ومـن نفحـات قدسـك بالمعـاني
ينــال الخُلــدَ نُســَّاك تصـومُ
نشـأتَ علـى السـجود بارض منفٍ
فثابَ الى الهدى الغاوي الاثيمُ
ومـن يغشـى الهياكـل وهو طفلٌ
رضـــيعٌ لا يغادرهـــا فطيــمُ
فكــم أســمعتَ آبيـس المفـدَّى
تــراتيلاً تـتيهُ بهـا الحلـوم
فمــا أصــوات ممنــونٍ يغنـي
شـروقَ الشـمس اذ رتـع الظليم
بـأَعجب مـن رقـىً سـحرَت عقولاً
هـذَذت بهـا فأدركنـا الوُجـومُ
وآمــونُ القريــض يـراك أهلاً
وأنـت الكـاهنُ الحـبرُ العليمُ
فجــدِّد عزمــةً للنظــم فلَّــت
فمـا فـي الصارِمِ الماضي ثلومُ
وان قعـدت بخُورِينـا القـوافي
ففــي مِطرانِنــا أبـداً تقـومُ
سليم بن روفائيل بن جرجس عنحوري.أديب، من الشعراء، من أعضاء المجمع العلمي العربي، مولده ووفاته في دمشق، تقلد بعض الوظائف في صباه.وزار مصر سنة 1878م، فتعرف إلى السيد جمال الدين الأفغاني واتصل بالخديوى إسماعيل، وأنشأ مطبعة "الاتحاد" وصحيفة "مرآة الشرق" ولم يلبث أن أقفلهما، وعاد إلى دمشق، فتولى أعمالاً كتابية، وأكثر من مطالعة كتب "الحقوق" واحترف المحاماة حوالي سنة 1890 ثم كان يقضي فصل الشتاء من أكثر الأعوام في القاهرة، فأصدر فيها مجلة "الشتاء" وكان كثير النظم، قليل النوم، أخبرني بدمشق (سنة 1912) أنه منذ ثلاثين عاماً لم ينم أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، تتناوب بناته السهر معه، يخدمنه ويكتبن ما يملي من نظم وغيره.له: (كنز الناظم ومصباح الهائم-ط) الجزء الأول منه، و(آية العصر-ط) نظم، ومثله (الجوهر الفرد-ط)، و(سحر هاروت-ط)، و(بدائع ماروت-ط)، وله (كتاب الجن عند غير العرب-ط)، و(حديقة السوسن) نشرها في مجلتي الضياء والشتاء.