
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أبـى اللـه إلا أن يكـون لنـا الأمـرُ
لِتحيَـا بنـا الـدُّنيا، ويفتخرَ العصرُ
وتخــدُمَنا الأيّــامُ فيمــا نَرُومُــهُ
وينقـادَ طوعـاً فـي أزِمَّتنـا الـدّهرُ
وتخضــع أعنــاق الملــوك لعزنــا
ويُرهِبَهـا منّـا علـى بُعـدنا الـذِّكرُ
بحيـثُ حَلْلنـا الأمـنُ مـن كـلِّ حـادثٍ
وفـي سـائر الآفـاق مـن بأسـنا ذعر
بطاعتِنــا للّــه أصــبحَ طوعَنــا ال
أنـامُ، فمـا يُعصـَى لنـا فيهـمُ أمـرُ
فأيامنــا فــي السـلم سـحب مـواهب
وفــي الحَــربِ سـُحبٌ وبْلُهـنَّ دمٌ هَمـرُ
قَضـتْ فـي بنـي الـدُّنيا قضاءَ زمانِها
فَســُرَّ بهــا شــطرٌ وسـِىء بهـا شـَطرُ
ومــا فـي ملـوكِ المسـلمينَ مُجاهـدٌ
ســوانا فمــا يثنيــه حـر ولا قـر
جعلَنــا الجهـادَ همَّنـا واشـتغالَنا
ولـم يلهنـا عنـه السـماع ولا الخمر
دمـاء العـدا أشهى من الراح عندنا
ووقـع المواضـي فيهم الناي والوتر
نُواصــِلُهم وصــلَ الحـبيب وهـم عِـدىً
زيــارتُهم ينحـطَ عنَّـا بهـا الـوزرُ
وثيـر حشـايانا السـروج وقمصـنا ال
دروع ومنصــوب الخيــام لنــا قصـر
تــرى الأرض مثـل الأفـق وهـي نجـومه
وإن حســدتها عزهــا الأنجـم الزهـر
وهـمُّ الملـوكِ البيضُ والسُّمُر كالدُّمَى
وهمتنــا الــبيض الصـوارم والسـمر
صــوارمنا حمــر المضــارب مـن دم
قوائِمُهــا مــن جُودنــا نَضـرةٌ خُضـرُ
نسـيرُ إلـى الأعـداءِ والطّيـرُ فوقَنا
لهَـا القوتُ من أعدائِنَا، ولنا النَّصرُ
فبـأس يـذوب الصـخر مـن حـر نـاره
ولُطــفٌ لــه بالمـاءِ ينبجـسُ الصـَّخرُ
وجيــش إذا لاقــى العــدو ظننتهـم
أسـود الشـرى عنـت لها الأدم والعفر
تَـرى كـلَّ شـَهمٍ فـي الوغَى مثلَ سَهْمِه
نفــوذاً فمــا يثنيـه خـوف ولا كـثر
هـم الأسـد مـن بيض الصوارم والقنا
لهُم في الوغَى النّابُ الحديدةُ والظُّفرُ
يـرَوْن لهم في القتلِ خُلداً، فكيف بال
لقــاءِ لقــومٍ قتلهُــم عنـدهم عُمْـرُ
إذا نُســبوا كـانُوا جميعـاً بنـي أَبٍ
فطعنهـــم شـــزر وضـــربهم هـــبر
يظنُّــون أنّ الكفــرَ عصـيانُ أمرِنَـا
فمــا عنــدهم يومـاً لإنعامنـا كفـر
لَنَـــا مِنهــمُ إقــدامُهُم وولاؤُهــمْ
ومنَّـا لهـم إكرامُـم والنَّـدى الغَمـرُ
بِنــا أُيِّــد الإســلامُ، وازدادَ عــزّة
وذل لنــا مــن بعــد عزتـه الكفـر
قتلنَـا البِرنْسـَ، حِيـنَ سـارَ بجهلـه
تَحـفُّ بـه الفُرسـانُ والعَسـكر المجـرُ
ولـم يَبـق إلاَّ مَـن أَسْرنا، وكيفَ بالب
بقَـاءِ لمـن أخْنَـتْ عليه الظُّبا البُترُ
وفـي سـجننا ابـن الفنش خير ملوكهم
وإن لــم يكــن خيـر لـديهم ولا بـر
كأفعالِنَــا فـي أرضِ مـن حـانَ منهُـمُ
وقــد قُتِلــت فرســانُه فهــمُ جُــزر
وســلْ عنهُــم الـوادِي بـإقلِيس إنَّـه
إلـى اليـومِ فيـه مـن دمـائِهمُ غُـدرُ
هــم انتَشــروا فيـه لـردّ رَعِيلنـا
فمـن تربـه يـوم المعـاد لهـم نشـر
ونحـنُ أسـرنا الجوسـَلِين ولـم يكُـن
ليخْشــَى مــن الأيَّــامِ نائِبـةً تَعْـرُو
وكــان يظــن الغــر أنــا نـبيعه
بمَــالٍ، وكــم ظَـنٍّ بـه يهِلُـك الغِـرُّ
فلمــــا اســـتبحنا ملكـــه وبلاده
ولــم يبَــق مــالٌ يُسـتباحُ ولا ثَغْـرُ
كَحلنـاهُ، نبغـى الأجـرَ في فِعلِنا بهِ
وفـي مثـلِ مـا قَـد نَـالَه يُحرز الأجرُ
ونحـن كسـرنا البغـدوين ومـا لمـن
كَســــرنَاه إبلالٌ يُرجَّـــى ولا جَبْـــرُ
وقـد ضـاقت الـدنيا عليـه برحبهـا
فلــم ينجــه بــر ولـم يحمـه بحـر
دعتــه إلــى نكـث اليميـن وغـدره
بــذمَّتِه النَّفــسُ الخسيســة والمكْـرُ
وقـد كـانَ لـونُ الخيـل شـتَّى فأصبحَت
تُعـادُ إلينَـا، وهـي مـن دَمهِـم شـُقْرُ
تـــوهَّم عجــزاً حِلمَنــا وأناتَنَــا
ومـا العجز إلا ما أتى الجاهل الغمر
فلمـــا تمـــادى غيـــه وضـــلاله
ولـم يثنـه عـن جهلـه النهي والزجر
برزْنَــا لــه كــالليِثْ فَـارقَ غِيلَـه
وعــادَتُه كســرُ الفــرائس والهَصــْرُ
وســِرنا إليــه حيــن هـابَ لقاءَنـا
وبـان لـه مـن بأسـنا البـؤس والشر
فـــولّى يُبــارى عــائراتِ ســِهَامِنَا
وفـي سـمعه مـن وقـع أسـيافنا وقـر
وخلَّـــى لنـــا فُرســـانَه وحُمــاتَه
فشــطر لــه قتــل وشــطر لـه أسـر
ومــا تنثنــي عنــه أعنـة خيلنـا
ولـو طـار فـي أفق السماء به النسر
إلــى أن يـزور الجوسـلين مسـاهماً
لــه فــي ديـاج مـا لليلتهـا فجـر
ونرتَجِــعَ القــدسَ المُطهَّــر مِنهُــم
ويتلـى بـإذن الله في الصخرة الذكر
إذا اســتَغْلقتْ شـمُّ الحصـونِ فعنـدنَا
مَفاتحُهــا: بيضــٌ، مضــاربُها حُمــرُ
وإنْ بلـدٌ عـزَّ الملـوكَ مَرامُه ورُمناهُ
ذلَّ الصــــّعبُ واستُســــهِلَ الـــوعرُ
وأضـــحى عليــه للســهام وللظبــا
ووقـع المذاكي الرعد والبرق والقطر
بنَـا اسـتَرجَع اللْـهُ البلادَ وأمَّـن ال
عبــادَ، فلا خَــوفٌ عليهــم ولا قَهــرُ
فتَحنـا الرُّهَـا حيـن استباحَ عداتُنا
حماهــا وســنى ملكهـا لهـم الخـتر
جعلْنَـا طُلـى الفُرسـان أغمـادَ بِيِضنا
وملَّكنَــا أبكارَهــا الفتكـة البكـر
وتـــلُّ عِـــزَازٍ، صـــبّحتهُ جُيوشــُنَا
وقــد عجــزت عنــه الأكاسـرة الغـر
أتَــى ســاكنُوها بِالمفاتيــحِ طاعَـة
إلينــا ومسـراهم إلـى بابنـا شـهر
ومــا كــلُّ مَلْــكٍ قــادِرٍ ذو مَهابـة
ولا كــل ســاع يســتتب لــه الأمــر
ومِلْنــا إلــى بُــرج الرَّصـاصِ وإنَّـه
لكاســد لكــن الرصــاص لــه قطــر
وأضـــحت لأنطاكيـــة حـــارم شــجىً
وفيهــا لهَـا والسـَّاكِنينَ بهـا حَصـرُ
وحصــن كفــر لاتــا وهـاب تـدانيا
لَنَــا، وذُراهــا للأَنُــوقِ بــه وَكـرُ
وفــي حِصـن باسـُوطَا وقَـورَصَ ذَلَّـتِ ال
صـّعابُ لنـا، والنّصـرُ يقـدمُهُ الصـبرُ
وفاميـــة والبـــارة اســتنقذتهما
لنـا همَّـة مـن دونهـا الفَرعُ والغَفرُ
وحصـــن بســـرفود وأنـــب ســهلت
لنَـا، واسـتحالَ العُسرُ، وهو لنَا يُسرُ
وفــي تــل عمــار وفـي تـل خالـد
وفــي حِصــْن ســلقينٍ لمملَكــة قصـرُ
ومــا مثــل راونــدان حصـن وإنـه
لمَمتنعٌـ، لـو لـم يسـهل لـه القَسـرُ
وكـم مثـلِ هـذا مـن قلاعٍ ومـن قـرًى
ومُزدَرَعَــاتٍ لا يحيــطُ بهــا الحصــرُ
فلمـا اسـتعدناها مـن الكفـر عنوة
ولــم يَبـقَ فـي أقطارِهَـا لهـمُ أَثْـرُ
رددنــا علــى أهـل الشـآم ربـاعهم
وأملاكَهُمـ، فـانزاحَ عنهـم بها الفَقرُ
وجــاءتهم مــن بعــد يـأس وفاقـة
وقـد مسـَّهُم مـن فقـدها البؤْسُ والضُّرُّ
ومـرَ عليهـا الـدَّهرُ، والكُفـرُ حاكِمٌ
عليهــا، وعمـرٌ مـرَّ مـن بعـدِه عُمْـرُ
فنـالهُم مـن عَوْدِهـا الخيـرُ والغنَى
كمـا نالنـا مـن ردهـا الأجر والشكر
ونحـنُ وضـعنا المكْـسَ عـن كـلِّ بلـدة
فأصــبح مســروراً بمتجــره الســفر
وأصــبحت الآفــاق مـن عـدلنا حمـى
فكُـــدر قَطاهـــا لا يُروّعهــا صــَقرُ
فكيـف تُسـامِينَا الملـوكُ إلـى العُلا
وعزمهـــم ســـر ووقعاتنـــا جهــر
وإن وَعــدُوا بـالغزوِ نَظمـاً، فهـذه
رؤوس أعـــاديهم بأســـيافنا نــثر
سـنلقى العـدا عنهـم بـبيض صقالها
هــداياهم والبـتر يرهفهـا البـتر
ومـا قولُنـا عـن حاجة ، بل يسوءُنا
إذا لـم يكـن فـي غزونـا لهـم أجـر
خزائنُنَـا ملأَى ، ومَـا هِـي ذُخرُنـا ال
معَــدُّ، ولكــنَّ الثــوابَ هـو الُّـذخْرُ
ملكنـا الـذي لـم تَحـوِهِ كـفُّ مالِـكٍ
ولـم يَعرُنَـا تِيـهُ الملـوكِ ولا الكبرُ
فنحـن ملـوك البـأس والجود سوقة ال
تواضـــع لا بــذخ لــدينا ولا فخــر
عزَفنـا عـنِ الدُّنيا، على وجدِهَا بِنَا
فمنهـا لنـا وصـلٌ، ومنّـا لهـا هَجـرُ
وأحسـن شـيء فـي الـدنا زهـد قادر
عليهــا فمــا يصـبيه ملـك ولا وفـر
ولـولا سـؤال اللـه عـن خلقـه الـذي
رعينــاهم حفظــاً إذا ضـمنا الحشـر
لمَلْنَـا عن الُّدنيا، وقِلنا لها اغربي
لـك الهجـر منا ما تمادى بنا العمر
فمــا خيـر ملـك أنـت عنـه محاسـب
ومملكـة مـن بعـدها المـوتُ والقـبرُ
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: (قال لي أبو عبد الله محمد بن الحسن بن الملحي(1): الأمير مؤيد الدولة أسامة بن مرشد بن منقذ شاعر أهل الدهر، مالك عنان النظم والنثر، متصرف في معانيه، لاحق بطبقة أبيه، ليس يستقصى وصفه بمعان، ولا يعبر عن شرحها بلسان، فقصائده الطوال لا يفرق بينها وبين شعر ابن الوليد، ولا ينكر على منشدها نسبتها إلى لبيد، وهي على طرف لسانه، بحسن بيانه، غير محتفل في طولها، ولا يتعثر لفظه العالي في شيء من فضولها؛ وأما المقطعات فأحلى من الشهد، وألذ من النوم بعد طول السهد، في كل معنى غريب وشرح عجيب. ...إلخ)وجدير بالذكر أن ابن العديم نقل في ترجمة أسامة من كتاب "إنموذج الأعيان" الذي وصفته في صفحة الشاعر (الصائغ العراقي) وهو من نوادر كتب التراجم الضائعة قال: (وقرأت في كتاب أنموذج الأعيان لعبد السلام بن يوسف الدمشقي بخطه قال: الأمير الأوحد، العالم، مجد الدين، مؤيد الدولة، أبو المظفر أسامة بن مرشد ابن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الشيزري الكناني، مبرز في علم الأدب، عريق في النسب، من بيت التقدم والإمارة والسيادة في البداوة والحضارة، مع عقل كامل وافر، ورأي وجه العواقب عنده سافر، لم يزل موصوفاً بالإقدام والشجاعة، معروفاً باللسن والبراعة، لقيته بدمشق في شهر جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وأخبرني أن مولده في ثالث عشري جمادى الآخرة، يوم الأحد، سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وأنشدني من نظمه ما يضاهي نظام اللآلي، ويكون قلادة في جيد الأيام والليالي.) قلت: كان في الأصل بخط عبد السلام بن يوسف سابع عشري جمادى، فضرب بخطه على سابع وكتب فوقه ثالث، والذي يظهر لي أن المضروب عليه هو الصحيح. وقرأت في كتاب الاعتبار تأليف أسامة بن مرشد: ولدت أنا وهو- يعني ابن عمه سنان الدولة شبيب بن حامد بن حميد- في يوم واحد، يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. ...إلخ(1) انظر ديوانه في الموسوعة