
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
منــازلهم لا شــافهتك النــوازلُ
وأطلالهــم حيــاك طــل ووابــلُ
كـأن الربـا لـم تلبس الأرض حالياً
ولا أخملـت بـالنور تلك الخمائل
تعرفتهـا واسـتنكر الطـرف أنهـا
كما استنكرت سقم المحب العواذل
وكـم قطـع ليـلٍ بعـد ليـلٍ قطعتـه
وسـرح الكـرى عن جفن الكأس مائل
وخلــت الثريـا كـف عـذراء طفلـةً
مختمــةً بالــدر منهــا الأنامـل
تخليتهـا فـي الأفـق طـرة جعبـةٍ
ملوكيــةٍ لــم تعتلقهـا حمـائل
كـــأن نبــالاً ســتةً مــن لآلــئ
يـوافى بهـا فـي قبة الأفق نائل
وعيــشٍ كنــوار الريـاض اسـترقته
خلاسـاً، وأحـداث الليـالي غوافـل
لمامــاً وأغصــان الشـبيبة رطبـةٌ
ومـاء الصـبا فـي ورد خـدي جائل
ويــومٍ كحلــي الغانيـات سـلبته
حلـي الربا حتى انثنى وهو عاطل
سـبقت إليـه الصـبح والشـمس غضةٌ
وصـبغ الدجى عن مفرق الفجر ناصل
ونشــوان مـن خمـر الـدلال سـقيته
شـمولاً فنمـت عـن هـواه الشمائل
شـكا ظمـأ منـه الموشـحُ، وارتوت
بمــاء الصـبا أردافـه والخلاخـل
إذا العيـش مخضـر الأصـائل نـاعمٌ
وإذا زبـرج الـدنيا خليـلٌ مواصل
وليــلٍ موشــى بــالنجوم صــدعته
بــأبيض وشــى صـفحتيه الصـياقل
إليكـ، أمير المؤمنين، ارتمت بنا
نبـات الفلا والمقربـات الصـواهل
إلـى مـن له في جبهة الدهر ميسمٌ
ومـن سـيفه مـن مفرق الدهر سائل
تشـيم الحيـا مـن كفـه وهـي لجـة
تشـقُّ جيـوب القطـر فيهـا الأنامل
ومــن عــودته المكرمـاتُ شـمائلاً
فليـس لـه عنهـا، ولو شاء، ناقل
وإن راسـل الأعـداء فـالجرد رسـله
إليهمـ، وأطراف العوالي الرسائل
بيـومٍ عقيـمٍ يلقـح الـبيض بأسـه
ولـود المنايـا وهـو أشـمطُ ثاكل
إذا مـا أسـر النقـع أنـوارُ شمسه
أذاعـت بأسـرار الحمام المناصل
فيمـا بدرُ لا تغرب، ويا بحرُ لا تفض
ويـا نـوءُ لا تخلف حياً منك هاطل
عظمــت فهــذا الـدهر دونـك همـةً
وجـدت فهـذا القطـر عنـدك باخـل
محمد بن الحسن بن المظفر، أبو علي الكاتب اللغوي البغدادي المعروف بالحاتمي أحد الأعلام المشاهير المطلعين المكثرين، أخذ الأدب عن أبي عمر الزاهد غلام ثعلب وروى عنه أخبارا وأملاها في مجالس الأدب، وأخذ عنه جماعة من النبلاء:منهم القاضي أبو القاسم التنوخي وغيره، وله الرسالة الحاتمية التي شرح فيها ما جرى بينه وبين أبي الطيب المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره، قال ابن خلكان: ولقد دلت على غزارة مادته وتوفر اطلاعه) وفي ترجمته اختلاط عجيب بترجمة أبيه سببه اضطراب كلام الثعالبي في ترجمته في "يتيمة الدهر"قال ياقوت: وكان مبغضاً إلى أهل العلم فهجاه ابن الحجاج وغيره بأهاج مرة. وله تصانيف عدة منها: كتاب حلية المحاضرة في صناعة الشعر، كتاب الموضحة في مساوي المتنبي، كتاب الهلباجة في صنعة الشعر، كتاب سر الصناعة في الشعر أيضاً، كتاب الحالي والعاطل في الشعر أيضاُ، كتاب المجاز في الشعر أيضاً، كتاب الرسالة الناجية، كتاب مختصر العربية، كتاب في اللغة لم يتم، كتاب عيون الكاتب، كتاب الشراب رسالة، كتاب منتزع الأخبار ومطبوع الأشعار، كتاب المعيار والموازنة لم يتم، كتاب المغسل وهي الرسالة الباهرة في خصال أبي الحسن البتي.(ووفاته من عجائب الاتفاق فهي يوم 26/ 4/ في التقويمين (388هـ - 998م)وفي الإمتاع والمؤانسة في الليلة الثامنة التي يصف فيها أبو حيان أشهر أدباء عصره قال:"وأما الحاتمي فغليظ اللفظ، كثير العقد، يحب أن يكون بدوياً قحاً، وهو لم يتم حضرياً؛ غزير المحفوظ، جامعٌ بين النظم والنثر، على تشابهٍ بينهما في الجفوة وقلة السلاسة، والبعد من المسلوك، بادي العورة فيما يقول، لكأنما يبرز ما يخفي، ويكدر ما يصفي، له سكرة في القول إذا أفاق منها خمر وإذا خمر سدر؛ يتطاول شاخصاً، فيتضاءل متقاعساً؛ إذا صدق فهو مهين، وإذا كذب فهو مشين.ومن نوادره ما حكاه التوحيدي أيضا في "أخلاق الوزيرين" قال:ولقد رأيت الجَرجائيّ- وكان في عِداد الوزراء وجلّة الرؤساء، وإنما قتله ابن بقية لأنه نُعمله بالوزارة- يقول للحاتميّ أبي عليٍ، وهو من أدهياء الناس:إنما تُحرَمُ لأَنك تَشْتُمُفقال الحاتميُّ: وإنما أشتم لأني أُحرم.فأعاد الجَرْجائي قوله.فأعاد الحاتمي جوابهفقال ثم ماذا؟قال الحاتمي: دع الدّست قائمة، وإن شئت عملناها على الواضحة.قال: قُل!قال الحاتمي: يقطع هذا أن لا يسمعوا مدائحهم، ولا يكترثوا بمراتبهم؛ وأن يعترفوا لنا بمزية الأدب وفضل العلم وشرف الحِكمة، كما خَذِينا لهم بعظمة الولاية، وفضل العمل، وبَسْط اليد، وعرض الجاه، والاستبداد بالتنَعُّم والطّاق والرِّواق، والأمر والنهي، والحجاب والبوّاب؛ وأن يكتبوا على أبواب دُورهم وقُصورهم: يا بني الرجاء! ابعدوا عنّا، ويا أصحاب الأمل! اقطعوا أطماعكم عن خيرنا ومَيْرِنا، وأحْمرنا وأصفرنا، ووفِّروا علينا أموالنا، فلسنا نرتاح انثركم في رسالة تُحبِّرونها، ولا لنظمكم في قصيدة تتخيَّرونها، ولا نَعتدُّ بملازمتكم لمجالسنا، وتردُّدكم إلى أبوابنا، وصبْركم على ذُلّ حجابنا، ولا نَهَشُّ لمدحكم وقريضكم، ولا لثنائكم وتقريظكم؛ ومن فَعَل ما زَجرناه عنه ثم نَدِم فلا يلومنَّ إلا نفسه، ولا يقلعنّ إلا ضرسه، ولا يخمشنّ إلا وجهه، ولا يشُقّنّ إلا ثوبه، وإنّ من طمع في موائدنا يجب أن يصبر على أوابدنا، ومن رغب في فوائدنا نَشِبَ في مكايدنا. فأما إذا استخدمونا في مجالسهم بوصْف محاسنهم، وستر مساويهم، والاحتِجاج عنهم، والكذب لهم؛ وأن نكون ألسِنةً نفّاحةً عنهم فليُثيبوا على العمل، فإنَّ في توفيَّة العُمّال أُجورهم قوام الدنيا، وحياة الأحياء والموتى؛ فإن قصَّرنا بعد ذلك في إعادة الشكر وإبدائه، وتنميق الثّناء وإفشائه، فإنّهم من مَنْعنا في حلّ، ومن الإساءة إلينا في سعة.فرأيت الجرجائي- حين سمع هذا الكلام النَّقي، وهذه الحجة البالغة- وَجَم ساعةً ثم قال لَعَمري إذا جئنا إلى الحقّ، ونظرنا فيه بعين لا قَذَى بها، ونفسٍ لا لؤم فيها، فإن العطاء أولى من المنْع، والتنويل أولى من الحرمان، والخطأ في الجُود أسلم من الصواب في البُخل، لأن الصواب في البخل خفيّ جداً، وقلَّ من يعرفه، والخطأ في الجود حُلو جداً، وقلّ من يكرهه. وأنا أقول: قد صدق هذا الرجل الجليل في هذا الحرف صِدقاً لا تماريَ فيه