
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
ألا إنمــا هــذا الـذي لـك أنقـل
لــه مثلمــا أرويــه أصـل مؤصـَّلُ
قضـى أحـد الضـباط في الحرب نحبه
وكانـإذا دارت رحـى الحـرب يبسـُل
وخلَّــف زوجــاً قلبهــا رهـن حبـه
وكــان لــه قلــب بهــا متشــغِّل
مــن اللاء لـم يـأتين فاحشـة ولا
زُنــن بمــا منـه العقـائل تخجـل
نـــوار كشـــخص للعفــاف مجســم
فــإن ذكـر النـاس العفـاف تمثـل
ترقـرق مـاء الحسن في وجهها الذي
هـو البـدر ليـل التِمِّ أو هو أجمل
فجــلَّ لفقــدان الــوليّ مصــابها
وبـاتت تنـاجي الهـم والعين تهمل
وقـد كان منها الخد كالورد زاهيا
فأصــبح ذاك الـورد بـالهم يـذبل
ولازم حمــى الــدق نــاعم جسـمها
فأمسـت علـى رغـم الشـبيبة تنحـل
ويعـرق منهـا الجسـم فـي كل ليلة
وتنفــث مـن سـُل دمـاً حيـن تسـعلُ
وأنشـب فـي أحشـائها الـداء ظفره
فظلـــت لـــه أحشــاؤُها تتــبزل
ســقام بهـا أعيـا الأطبـاء بـرؤه
إذا لـم يعنهـا اللَـه فالأمر مشكل
أمكـروب داءِ السـل هـل أنـت عارف
لمـن أنـت تـؤذي أو بمن أنت تنكل
أرحهــا فمــا أبقيــت إلا حُشاشـة
بهــا حكمهــا عمـا قريـب سـيبطل
تجنــب فقـد مزقـت أحشـاء صـدرها
أَأَنــت بهــا حـتى الممـات موكـل
وفسـّح لها في العمر وارحم شبابها
فإنــك إن أرجأتهــا أنــت مفضـل
لـكِ اللَـه مـن مسـلولة حان حينها
وعمـــا قليــل للمقــابر ترحــل
وفاجأَهــا فقــر فبــاعت لــدفعهِ
أثاثـاً بـه قـد كـانت الدار تجمل
إلـى أن تخلـى البيت من كل ما به
ولـم يبـق فيـه مـا يبـاع ويُنقـل
تجانبهــا الأدنــى وكــل لـداتها
وأعــرض عنهــا جارهــا المتمـول
هنالـك أبـدى الجـوع ناجـذه لهـا
وزاد بهـا الـداء الـذي هـو معضل
فخـارت قواهـا فـي غضـير شـبابها
وحـارت فلـم تـدر الـذي هـي تفعل
كـذلك جسـم المـرء يـأكله الطـوى
إذا المـرء لـم يلف الذي هو يأكل
فســارت علــى ريــث تــؤمُّ محلَّـة
ترجِّــى بهــا خيــراً لهـا وتؤمـل
وتزجــي لهــا طفلاً جميلاً أمامهــا
كمـا تسـتحث الخِشـف ادمـاء مغـزل
لقـد أضـعف الجـوع المـبرِّح خطـوه
فسـار وفـي أحشـائِه النـار تُشـعل
يحــور إليهــا بالبكـاء فتنحنـي
عليـــه وتُســـلى قلبــه وتقبــل
وتمســح عينيــه اللـتين أذالتـا
دموعـاً علـى الخـدين منـه تسلسـل
تحــاول أم الطفــل منــع دمـوعه
ولكنهــا رغمــا عــن الأم تهطــلُ
خـبير بقصـر الأم يشـكو لها الونى
بعينيـــه إلا أنــه ليــس يســأل
تــروح إلـى دار الحكومـة تبتغـي
معاشـاً لهـا مسـتأخراً ليـس يحصـل
ريـالان بعـد الـزوج قـد رُتبا لها
وذلــك نــزر ليـس بـالعيش يكفـل
تقـول لـذي أمـر علـى المال سيدي
إليــك بجــاه المصــطفى أتوســل
أنلنـي معاشـي اليوم وارحم فإننا
جيـاع إذا لـم نُعـطَ مـن أين نأكل
فأوســـعها شـــتما ورد ســؤالها
وقـال لهـا مـوتي طـوى لسـت أبذل
فعـادت علـى يـأس لهـا ملءَ قلبها
وقـــد خنقتهــا عــبرة تتغلغــل
أمالــك أمـر المـال إنـك زدتهـا
ســقاماً علــى سـقم أقلبـك جنـدل
ألــم تـرَ أن السـل أنحـل جسـمها
وحملهــا الإعــواز مــا لا تحمــل
منكـــدة قـــد طالبتــك بحقهــا
فلـو كنـت تقضـي سـؤلها كنت تعذل
وآبـت إلـى المأوى فباتت على طوى
تكابـد طـول الليـل والليـل أليل
وأعوزهـــا زيــت تنــوِّر بيتهــا
بـه والـدجى سـجف علـى الأرض مسبل
فجـرَّ إليهـا الليـل أجنـاد همِّهـا
إذا فــرَّ منهــا جحفـل كـرَّ جحفـل
تقـول ألا مـالي أرى الصـبح مبطئاً
وعهـدي بـه فـي سـالف الدهر يعجل
فيـا ليـل ما أدرى وقد طلتَ داجياً
أعتـبي علـى الأيـام أم أنـت أطول
ألا ليـت أمـي لـم تلـدني أو انني
نفتنـي المنايـا قبـل أنـيَ أعقـل
برمــت بمــالي مـن حيـاة فإنهـا
شــقائي وإن المــوت منهـا لأفضـلُ
حيــاة أمرَّتهــا الرزايـا كأنمـا
يمازجهـــا منهــن صــاب وحنظــل
وعتـبي علـى الأقـدار فهي بما جرت
بـه لـم تكـن أسـتغفر اللَـه تعدل
فيــا مـوتُ زر إن الحيـاة تعاسـة
ويــا نفـس جـودي إن دهـرك يبخـل
ومــا سـفري إن مـتُّ ينـأَى وإنمـا
إلــى بطنهــا مـن ظهرهـا اتنقـل
ألا إن بطــن الأرض للمــرء منــزل
كمــا أن ظهـر الأرض للمـرء منـزل
ولــم أرَ بيـن المنزليـن تفاوتـاً
ســوى أن ذا أعلــى وذلــك أسـفل
ولا مثــل بطـن القـبر دار عدالـة
تســاوى بهــا حــالا رؤوس وأرجـل
ولسـت علـى الشـكوى أدوم إذا دنا
حمــــامي إلا ريثمــــا اتحـــوَّل
ولكـــن روحــي للســماء رقيهــا
هنالــك مــن نجــم لنجــم تجـول
إلــى أن تلاقــي روح زوجـي صـادق
فتتصــل الروحــان والـبين يخجـل
فلـو أبصـرت روحي على البعد روحه
إذاً لمشــت روحــي إليــه تهـرول
تقبـــل روحـــي روحـــه وتشــمُّه
وتشـكو إليـه مـا بهـا كـان ينزل
وتمســـك بالأيـــدي بفضــل ردائه
ومـا أن تخلِّـى بعـد للحـرب يرحـل
وقـولي لـه يـا روح بعـدك عيشـنا
تعســـر حـــتى كـــاد لا يُتَحمَّــل
أصـبح مـن قـد كـان بـالأمس سائلاً
بأحوالنــا عمـا بنـا ليـس يسـأل
تجنبنـا الأدنـى ومـن كـان صـاحباً
ومـن كـان يطرينـا ومـن كان يجمل
وخـــرّى علــى أقــدامه وتــذللي
لــه أن مـن يبـدي الهـوى متـذلل
وفــي فمهـا بـان ابتسـام كأنهـا
تشــاهد شـخص الـزوج فيمـا تخيَّـلُ
تـراه قريـب الأرض فـي الجو ثابتاً
فلا هــو يســتعلي ولا هــو ينــزل
فمــدت يـداً نحـو الخيـال مشـيرة
إليـه وقـالت وهـي في البين تسعل
بربـــك أنــبئني أإنــك صــادقي
قـد ازدرت أم أنـت الخيال الممثل
فـإن كنـت إيـاه فقـل غيـر كـاتم
لمــاذا لمــاذا أنــت لا تتنــزل
أصـادق أنـت السـؤل للنفس فاقترب
وأنـت لهـا أنـت الرجـاء المؤمـل
فـإن كـان لـي ذنـب به عفتَ مسكني
فـإني لـذاك الـذنب بالـدمع أغسل
إذا ذكرتــكَ النفـس جاشـت صـبابة
وفــار عليهــا مـن غرامـك مِرجـل
تبــدَّل منــي كــل شــيء عهــدته
ولكنمــــا حبيــــك لا يتبــــدل
فهـل أنـت فـي حبي كما كنت سابقاً
وقلبـك كـالقلب الـذي كنـت تحمـل
إذا كنـت عنـي أنـت وحـدك راضـيا
فكـــل صــعوبات الحيــاة تســهل
هلــم إلــى جنــبي فـإني مريضـة
بحمــى قــوى جسـمي بهـا تـتزلزل
وسـارع وأحضـر لـي طبيبـاً مداويا
كمــا كنــت قبلا إن تشـكيتُ تفعـل
ولكننــي أخطــأت فيمــا طلبتــه
ذهـولا ومـن قاسـى الحـوادث يـذهل
فــإني لا أبغــي ســواك مــداوياً
فــأنت طبيــبي والشـفاء المؤَمـل
أقــم عنـدنا لا ترحلّـن فـإن تُقـم
فكـــل نحوســات الزمــان ترحــل
نعيــش كمــا كنــا نعيـش بغبطـة
ونمــرح فــي ثـوب السـلام ونرفُـل
فحينئذٍ لا حـــــادث يســـــتفزِّنا
ولا أحـــد بينــي وبينــك يفصــل
وغــاب فقــالت آه بـل أنـت ميـت
ولكنمـــا روحــي إليــك ســتقبلُ
وحـانت لصـوب الطفل منها التفاتة
فقــالت وفيـاضٌ مـن الـدمع مهمـل
ولكــن صــبِّي مــن يقــوم بـأمره
إذا زارنــي حتفــي الـذي أتعجـل
أَأَتــرك مـن بعـدي صـغيري أحمـداً
وحيـــداً بلا حـــامٍ بــهِ يتكفــل
وأحمـد ريحـاني فـإن أَبتعـد فمـن
يشـــممه بعــدي ومــن ذا يقبــل
أليسـت تكـاليف الحيـاة التي لوت
جنــاحي علـى طفـل كأحمـد تثقلـد
وأغمـى مـن جـوع علـى الطفل أحمدٍ
فصــاحت أغـث ربـي عليـك المعـول
أطلَّــت عليهــا جــارة ذات عيلـة
لتعلـم مـن فـي ظلمـة الليل يعول
ونـادت مـن البـاكي كـذا بحـرارة
وذيل الدجى الضافي عَلَى الأرض مسدل
أجـــابت بصـــوت راجــف متقطــع
وقـالت أنـا يـا هـذه أنـا سـنبل
جعــادة إن ابنــي تُغَيَّــبُ نفســه
مـن الجـوع إن الجـوع ويلـي يقتل
جعـادة إن ابنـي الوحيـد هو الذي
بــهِ فــي ليــالي وحـدتي أتعلـل
جعــادة أن الأمــر جــدٌّ فــأدركي
وللجــار حــق واجــب ليـس يغفـل
فجــاءت إليهــا بالسـراج وَنبَّهـت
قـوى الطفـل حـتىّ عادَ يَرنو وَيعقل
ســقته حليبــاً كـان ملـءَ ثـديِّها
فنـــام وبـــاتت أمــه تتملمــل
وتــذرف عيناهـا الـدموع وقلبهـا
تظــلُّ بــه الأحـزان تعلـو وتسـفل
إلـى الصـبح حتى بان فانطلقت إلى
محــلِّ بــهِ أهــل المــبرة تنـزل
عليهــــا ثيــــاب رثـــة وملاءة
كأحشـــائها فــي كــل آن تــبزل
تكفكــف دمعــاً بالبنــان وكلمـا
مشــت خطــوة أو خطــوتين تمهــل
تمــد يمينــاً بالســؤال ضــعيفة
وتخجـل منهـم عنـد مـا هـي تسـأل
أأرملــة الجنــدي لا تخجلـي فمـن
حقــوق العلـى أن الحكومـة تخجـل
جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الكلم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).