
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
وليلـةٍ حـامت عليهـا النجـوم
خافقــةً وجــداً لنـأي القمـر
سـهرتها وحـدي أليـف الهمـوم
ومـن يـوالي الهم والي السهر
النفـس فـي وادي أسـاها تهيم
والعيـن ما بين دراري الرقيع
ولـم أزل حـتى تسـاري النسيم
يحمــل أنــات فــؤاد وجيــع
ولاح لـي فـي الحـي طيـفٌ حزين
يــدلف مـا بيـن سـجوف الظلام
يطـارح الليـل اسـاه الكميـن
والحــي اهلـوه جميعـاً نيـام
وعنـــدما دانيتـــه أبصــرت
جينــاي حسـناء بشـرخ الصـبا
ومــذ رأتنــي مــاثلاً ســترت
براحتيهــا وجههــا الكوكبـا
آنســتها منــي بقــولٍ لطيـف
مهلاً فمـا أدركـت غيـر النصير
هـذا فـتىً يرثي لحالي الضعيف
وليـس عنـد اللَـه أمـر عسـير
فـانزلت عـن وجنتيهـا اللثام
كفيـن شـقا عـن نظيـر الشقيق
وجــــاوبتني بفصـــيح الكلام
ذي هنـد هـل تعوفها يا صديقي
ربـاه مـا هذا التلاقي الغريب
ومـا لهنـد كـالغزال الطريـد
ومــا لهنـدٍ وجـدها والحـبيب
فـي معـزلٍ يا هند اين السويد
فـــانطرحت ذاهلـــةً لا تعــي
واصـفر جـوري المحيـا النضير
وبـــت أذرى فوقهــا ادمعــي
حـتى أفـاقت بالبكـا والزفير
وبـــد أن أملكهـــا رشــدها
أفصــح عنهـا دمعهـا فـالكلام
وخــبرت كيــف انطـوي سـعدها
ومـا انطوى في صدرها من سهام
عرفـت هنـداً منـذ عشـر سـنين
حسـناءَ فـي حجرِ أبيها الفقير
لا أم لا اهـــــل لا معيـــــن
إلا أبٌ شــيخٌ شــديد النكيــر
عرفتهــا جارتنــا العــامله
لخياطـةً فـي ليلهـا والنهـار
جميلــــةً لكنهـــا فاضـــله
غنيــةً بــالخلق لا بالنضــار
مـا أبصـرت بيـروت هنـداً على
غيــر طريـقٍ للمصـلى القريـب
لا بدعــةٌ فــي ثوبهـا لا حلـى
إلا حيـــاءٌ وجمـــالٌ عجيـــب
وزارنــي يومــاً صــديقٌ غنـي
مــن بعلبــك البلـدِ الزاهـرِ
مـا أبصـر الحسـناءَ حـتى مُني
بفتنــةٍ مــن لحظهـا السـاحر
وبـــات يســـتطلعني أمرهــا
والوجـدُ قـد جـد ولـجَّ الغرام
وســـره لمـــا رأى فقرهـــا
أن اقتنـاص الظبي سهل المرام
وبـاح للشـيخ بنجـوى الضـمير
فابتهـج الشـيخ بـذاك النصيب
واقــترنت جارتنــا بــالأمير
تســتبدلُ الطمـر بثـوبٍ قشـيب
ووســوس الحلـي علـى المعصـم
ولألأ المـــاس علـــى الأنمــل
وســافرت مـع بعلهـا المنعـم
تصــاحب العيــش ببــالٍ خلـي
واصــطحبت هنــدٌ أباهـا إلـى
مرتعهـا يقضـي شـتاءَ الحيـاة
فجــرَّ ذيـلَ العمـرِ فيـه علـى
رغـدٍ إلـى أن حـان حيـنٌ فمات
مضــي وهنــدٌ أُمُّ طفــلٍ فطيـم
وبعلهــا مستمســكٌ بالوفــاء
لكن هو الدهر المداجي الذميم
يسـتل مـن ضلع الهناء الشقاء
خمســةُ أعــوامٍ قضـاها فريـد
فــي حـبِّ ذاك الملـكِ الطـاهرِ
ثــم تجــافى كـلَّ طبـعٍ حميـدٍ
واســتبدلَ الطــاهرَ بالعـاهرِ
واسـتفَّ يسترسـلُ فـي المنكرات
مســتهلكاً ثروتــه بالقمــار
واســتعبدته عـادةُ المسـكرات
وراحَ قــواداً علــى كـل عـار
وحـال حـال الغـادةِ التاعسـه
واصـبحت مـع طفلهـا فـي جحيم
مرذولـــةً معزولـــةً يائســه
تبكـي على عهدِ الصفاءِ القديم
خمسـةُ أعـوامٍ مضـت فـي النعم
وخمسـةٌ مـن بعـدها فـي شـقاء
فــي سـهرٍ فـي جـزعٍ فـي ألـم
فـي محـنٍ فـي غصـصٍ فـي بكـاء
قـد ضـيَّعَ المـالَ وباعَ الديارِ
ولميــدع مـن مقتنـى للمعـاش
وبـاعَ مـا فـي زندها من سوار
وكـل مـا فـي بيتهـا من رياش
وليلــة اعــوز هنـد الطعـام
لطفلهـا البـاكي وعـز المجير
يـا رب ليـس الذنب ذنب الغلام
يـا رب لطفـاً بالبريء الصغير
وبعـد وهـن الليـل وافى فريد
وانسـل كالثعبـان نحو المنام
فــاقبلت هنــدٌ عليــه تريـد
عونـاً علـى جـوعٍ يميـتُ الغلام
فاقفــل البــاب مـن الـداخل
وضـــنَّ حـــتى يقيـــح الكلام
واسـترجعت فـي وجـدها الشاعل
الــى وليــد جــائع لا ينـام
كــذا قضــت ليلتهــا سـاهره
حـتى إذا ما افتر ثغر الصباح
قــامت إلـى جيرانهـا سـائره
تطلـب قـوت الطفل من ذي سماح
وهرولـت بـالقوت نحـو الوحيد
ودمــع عينيهـا بـرش الطريـق
وبعـد أن غـذته نـام الوليـد
والوالــد الظـالم لا يسـتفيق
واذ مـرأت عند انتصاف النهار
أن فريـداً مغـرق فـي السيكون
قـامت وفـي المهجة نار وتارة
تقـزع بـالكفين بـاب الخـوؤن
فلـم يجاوبهـا علـى رغـم مـا
نـادت فخـافت غيـر مـا ينتظر
واسـتنجدت جيـران ذاك الحمـى
فبــادروا يســتطلعون الخـبر
وكســروا البـاب فلاح الشـباب
علـــى بســاط جثــة هامــده
ودونـــه ســم نقــاع مــذاب
كفتــه منــه جرعــه واحــده
يـا لهـف عند عند ذاك المصاب
تمــزق الخـدين فـوق الطريـح
مـا خلقـت هنـد لغيـر العذاب
كأنهــا افتـت بصـلب المسـيح
وغيبــوه فـي الـثرى وانـبرى
لهنـد فـي الجيـرة بـر جليـل
أنزلهـــا فــي داره اشــهرا
مـع طفلهـا مشـمولةً بالجميـل
واســتأذنت عائتهــا شــاكره
فــأممت بيــروت مــع طفلهـا
تريـد تلـك الحالـة الغـابره
خياطــةً تعتــاش مــن شـغلها
فــادركت بيــروت وهـن الظلام
وأضـجعت في الخان ذاك الصغير
وآثــرت أن لا يراهــا الأنـام
فـأممتني فـي الـدجى تستشـير
قــالت الا مــن غرفـةٍ خـاليه
فــي حيكـم اسـكنها والوحيـد
واســتعيد العيشــة الخـاليه
فعهـد فقـري كان عهدي السعيد
فرحـــت استضـــرعُ للتاعســه
جماعــةً مـن غاثـة المعـوذين
فخففــوا مـن كربـة البائسـه
ومـال للسـلوى الفؤادُ الحزين
وعــادت الخياطــة الفاضــله
لعيشـها الماضـي وصين العفاف
واستنضــرت وردتهـا الذابلـة
لمـا سقاها الغيث بعد الجفاف
يــا أيهـا الآبـاء لا تحفلـوا
بالمــال إذ يـأتيكم الخـاطب
قولــوا لـه ان جـاءكم يسـأل
نـــدرس أخلاقــك يــا صــاحب
ويــا ذوي الأمـوال لا تقبضـوا
راحــاتكم عـن بـائس يسـتعين
فـــدرهم الاحســـان مســتقرضٌ
وخـالقُ الـدنيا هـو المستدين
وديع بن شديد بن بشارة فاضل عقل.صحفي لبناني، له نظم حسن.ولد في معلّقة الدامور، وأكمل دروسه العربية والفرنسية في مدرسة الحكمة ببيروت، واستقر بها، ومارس التعليم سبع سنين، وشارك في إصدار جريدة (الوطن) ثم (الراصد)، وانتخب نقيباً للصحافة مرتين، ورئيساً للمجمع العلمي اللبناني، مدة قصيرة فُضّ المجمع على أثرها (سنة 1930)، وكان من أعضاء مجلس النواب اللبناني، مدة وجيزة.توفي ببيروت.وله (ديوان شعر - ط)، وله: أربع روايات تمثيلية مطبوعة، و(شرح لرسالة الغفران) لم يطبع.