
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هـذي دمشـقُ وهـذي الكـأسُ والرّاحُ
إنّــي أحـبُّ وبعــضُ الحــبِّ ذبّـاحُ
أنـا الدمشـقيُّ لـو شـرّحتمُ جسـدي
لســـالَ منــهُ عناقيــدٌ وتفــّاحُ
ولـو فتحــتُم شراييني بمديتكـم
سـمعتمُ فـي دمـي أصـواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا
ومـا لقلــبي إذا أحببــتُ جــرّاحُ
الا تـــزال بخيـــر دار فاطمــة
فالنهــد مسـتنفر و الكحـل صـبّاح
ان النبيــذ هنــا نـار معطـرة
فهــل عيـون نسـاء الشـام أقـداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
و للمـــــآذنِ كالأشــــجارِ أرواحُ
للياسمــينِ حقــولٌ في منازلنـا
وقطّـةُ الـبيتِ تغفـو حيـثُ ترتــاحُ
طاحونـةُ البـنِّ جزءٌ من طفولتنـا
فكيــفَ أنسـى وعطـرُ الهيـلِ فـوّاحُ
هـذا مكـانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ
ووجــهُ "فــائزةٍ حلــوٌ و لمـــاحُ
هنـا جـذوري هنا قلبي هنا لغـتي
فكيـفَ أوضـحُ هـل فـي العشقِ إيضاحُ
كـم مـن دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها
حتّــى أغازلهـا والشعــرُ مفتــاحُ
أتيـتُ يـا شـجرَ الصفصافِ معتذراً
فهـــل تســامحُ هيفــاءٌ ووضّـــاحُ
خمسـونَ عامـاً وأجـزائي مبعـثرةٌ
فـوقَ المحيـطِ ومـا في الأفقِ مصباحُ
تقـاذفتني بحــارٌ لا ضفــافَ لها
وطـــاردتني شيـــاطينٌ وأشبـــاحُ
أقاتـلُ القبـحَ في شعري وفي أدبي
حـــتى يفتّـــحَ نــوّارٌ وقـــدّاحُ
مـا للعروبــةِ تبـدو مثلَ أرملةٍ
أليــسَ فـي كتـبِ التاريـخِ أفـراحُ
والشـعرُ مـاذا سيبقى من أصالتهِ
إذا تــــولاهُ نصَّــــابٌ ومــــدّاحُ
وكيـفَ نكتـبُ والأقفـالُ فـي فمنا
وكــلُّ ثانيـــةٍ يأتيـــك ســـفّاحُ
حملـت شـعري علـى ظهري فأتعبني
مـاذا مـن الشـعرِ يبقى حينَ يرتاحُ
نزار بن توفيق آقبيق الشهير بالقباني، أشهر شعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، ولد في حي الشاغور بدمشق في زقاق (مئذنة الشحم) جنوب الجامع الأموي، يوم الأربعاء الواقع في 21/ 3/ 1923م الموافق 4/ شعبان/ 1341هـ وكان أبوه توفيق أحد وجهاء الشاغور، يعمل في مصنع له في صناعة الحلويات الدمشقية المشهورة، التي هي في حلويات العرب بمثابة شعر نزار، شهرة ومكانة، وكانت لأسرته مواقف مذكورة في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، وردد ذلك نزار في كل المقابلات التي أجريت معه، والكتابات الذاتية التي عرف عنه الإكثار منها، حتى لم يترك مجالا للزيادة عليها لأحد، بل إنه كتب مقالة قام فيها بكل مراسم التأبين التي رأى أن الناس سيقصرون من بعده في القيام بها، وكان طريفا في كل ما يكتب عن نفسه وأسرته ومذهبه في الشعر، ومكانة الشعر في حياته، ومكانته هو من الشعر. ولم تطأ قدماه بلدا إلا وأقام فيها أمسيات شعرية، تفتخر صالوناتها بالاحتفاظ بها والتنويه بطرائفها، وكان أول حدث زلزل ثوابته، وهيج كوامن الشعر في نفسه مصرع أخته (وصال) التي أقدمت على الانتحار بسبب حرمانها ممن تحب، ولازمته أحزان هذه الفاجعة طوال عمره. ولما تخرج من كلية الحقوق بدمشق عام (1945م) توسط له الوزير فارس الخوري للعمل في السلك الدبلوماسي، وكانت تربطه به وبآله صلة حميمة، فعين ملحقا بالسفارة السورية بالقاهرة وهو في الثانية والعشرين من عمره. وكان ذلك فاتحة عمله الدبلوماسي، إذ عين فيما بعد سفيرا لسوريا في لندن ما بين (52-1955). ثم سفيرا في الصين من عام (58-1960)، ثم في أسبانيا مابين (62-1966) وكان سفارته هذه خاتمة حياته في السياسة، إذ ترك أسبانيا إلى بيروت حاملا كل أثاث بيته معه، بلا تخطيط ولا إعداد لذلك كما ترى الخبر مفصلا في هذا الكتاب الذي بعث به هدية إلى موقع الوراق الأستاذ الكريم (جورج خوام ) وهي هدية ولا أعز، وتحفة ولا أغلى، قرأتها برمتها ساعة وصولها، وأبكاني ما قرأت فيها من عذابات الحنين ولواعج الفراق، وآلام الاغتراب، وتباريح الشوق لبساتين دمشق وشواطئ بيروت ، ووقفت طويلا أمام قصيدته في رثاء ابنه توفيق (ص208) وقعدت أتذكر المرات القليلة التي رأيته فيها... وكيف امتلأت مكتبة الأسد بكل أجنحتها لحضور أمسيته، ثم وقوفه في اليوم الثاني بائعا في جناح (منشورات نزار قباني) في معرض الكتاب في حرم مكتبة الأسد في دمشق، والناس تومئ إليه متعجبة من هذا المشهد. وكان أول ما كتب الشعر كما يقول، في رحلة مدرسية شارك بها إلى إيطاليا وهو في السادسة عشرة من عمره، وهي قصيدة في التشوق إلى دمشق، أذيعت وقتها من (راديو روما) وأصدر ديوانه الشعري الأول (قالت لي السمراء) عام 1944. وطبع منه 200 نسخة فقط. وذلك أثناء عمله في القاهرة، وتناول الشيخ علي الطنطاوي هذا الديوان بالنقد المرير على صفحات الرسالة عام (1946) فكان ذلك من أكبر العوامل على شهرته في الأفاق، وشجعه ذلك على الجرأة في ابتكار عنوان مزلزل لديوانه الثاني الذي أصدره عام 1948 وسماه (طفولة نهد). وأتبعه ب(قصائد متوحشة) 1948م و(سامبا) 1949م و( أنت لي) 1950، ثم كانت قنبلة الموسم عام (1954م) إذ نشر قصيدته (خبزٌ، وحشيشٌ ، وقمر) والتي نال فيها من رموز الأمة ومقدساتها، وناقشها البرلمان السوري حينئذ، وكانت سببا لطرده من السلك الدبلوماسي ولما كانت النكسة (1967م) بدأ شعره يلتف بالغضب على السياسة وأهلها، وافتتح هذا العهد بقصيدته (هوامش على دفتر النكسة)1967م وأتبعها ب( منشورات فدائية على جدران إسرائيل) 1969، م. واستمر في ذلك حتى آخر أيام حياته، إلا أن ذلك لم يلهه عن رسالته الأولى في الانتصار للمرأة من وحشية المجتمع الذكوري، فكان شعره مزيجا من الوطنية وتحريض النساء على نبذ القيود والأغلال التي يرسفن فيها كما يقول، بل صار الناس يقولون: هل المرأة في شعر نزار كناية عن الوطن، أم الوطن كناية عن المرأة. وكانت المرأو وكان الوطن ضفتين لنهر واحد، تجد عليه ( يوميات امرأة لا مبالية) 1968م (كتاب الحب 1970) وديوان ( لا) 1971م و( مائة رسالة حب) 1971، (إفادة في محكمة الشعر)، و(أشعار خارجة على القانون) 1972م و( كل عام وأنت حبيبتي 1978،(يراعات فلسطيني) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(مطر مطر) و quotإلى بيروت الأنثى مع حبيquot و (يوميات مدينة كان اسمها بيروت) و (السيرة الذاتية لسياف عربي) و(بلقيس) وإلى هذا النهر تسابق كبار المغنين، يغنون بشعره على ضفتيه، فغنت له أم كلثوم (أصبح عندي الآن بندقية) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(رسالة عاجلة إليك) وغنت له فيروز (لا تسألوني ما اسمه حبيبي) و(وشاية) وغنى عبد الحليم (قارئة الفنجان) و(رسالة من تحت الماء) وغنت نجاة (أيظن أني لعبة بيديه) وغنت فايزة أحمد (رسالة من إمرأة) وغنت له ماجدة الرومي (بيروت يا ست الدنيا) و(مع الجريدة) و(يسمعني حين يراقصني) وغنت له أصالة (اغضب) وغنى له كاظم الساهر الكثير المشهور، مثل (زيديني عشقا) و(إني خيرتك فاختاري) و(علمني حبك). وهكذا كتب لنزار أن تصدح بشعره عمالقة الغناء العربي طوال خمسين عاما. حتى هدأت أمواج هذا النهر الدمشقي المسافر في لندن يوم الخميس (30/4/1998م الموافق 4/ محرم/ 1419هـ) وحمل إلى دمشق، ودفن في جوار ابنه توفيق بوصية منه. وانظر على مواقع الإنترنيت عشرات المواقع المعنية بذكر شعره وأخباره ومقابلاته وأمسياته، وأفراد أسرته، ومنهم هدباء وتوفيق وزهراء من زوجته الأولى زهرة. وزينب وعمر من زوجته الثانية العراقية (بلقيس الراوي) التي قتلت في حادثة تفجير السفارة العراقية ببيروت عام (1982م) كما تجد تفصيل ذلك في هذا الكتاب. ولابنته (هدباء) مشاركة في الأدب، ومقالات في سيرة أبيها، استوقفني في بعضها قولها: (كم أشعر بالفخر لأن أبي هو نزار قباني، الشاعر الذي نقل الحب من الأقبية السرية إلى الهواء الطلق).