
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
ضــوء عينيـك أم همـا نجمتـان
كلهــم لا يــرى وأنـت ترانـي
لسـت أدري مـن أيـن أبدأ بوحي
شـجر الـدمع شـاخ فـي أجفـاني
كتـب العشـق يـا حبيـبي علينا
فهــو أبكــاك مثلمـا أبكـاني
عمـر جرحـي مليـون عـام وعـام
هـل ترى الجرح من خلال الدخان
نقــش الحـب فـي دفـاتر قلـبي
كــل أســمائه ومــا ســماني
قــال: لابــد أن تمـوت شـهيدا
مثـل كـل العشـاق قلـت عساني
وطــويت الــدجى أسـائل نفسـي
أبســيف أم وردة قــد رمـاني
كيـف يأتي الهوى ومن أين يأتي
يعــرف الحـب دائمـا عنـواني
صــدق الموعـد الجميـل أخيـرا
يـا حبيـبي ويـا حبيب البيان
مــا علينـا إذا جلسـنا بركـن
وفتحنـــا حقـــائب الاحــزان
وقرأنـــا أبـــا العلاء قليلا
وقرأنـــا رســالة الغفــران
أنـا فـي حضـرة العصـور جميعا
فزمــان الأديــب كـل الزمـان
ضـوء عينيـك أم حـوار المرايا
أم همــا طــائران يحترقــان
هــل عيـون الأديـب نهـر لهيـب
أم عيــون الأديـب نهـر أغـاني
آه يـا سـيدي الـذي جعل الليل
نهـــارا والأرض كالمهرجـــان
ارم نظارتيـــك كـــي أتملّــى
كيــف تبكـي شـواطئ المرجـان
ارم نظارتيــك مـا أنـت أعمـى
إنمــا نحــن جوقـة العميـان
أيها الفارس الذي اقتحم الشمس
وألقــــى رداءه الأرجــــواني
فعلـى الفجـر موجـة مـن صـهيل
وعلــى النجــم حـافر لحصـان
أزهـر الـبرق في أناملك الخمس
وطـــارت للغــرب عصــفورتان
إنـك النهـر كـم سـقانا كؤوسا
وكســانا بــالورد والاقحـوان
لـم يـزل ما كتبته يسكر الكون
ويجــري كالشــهد تحـت لسـاني
فـي كتـاب الأيام نوع من الرسم
وفيـــه التفكيــر بــالألوان
إن تلـك الأوراق حقـل من القمح
فمــن أيــن تبــدأ الشـفتان
وحـدك المبصـر الذي كشف النفس
وأســرى فــي عتمـة الوجـدان
ليــس صــعبا لقاؤنــا بــإله
بــل لقـاء الانسـان بالإنسـان
أيهـا الأزهـري يـا سارق النار
ويــا كاســرا حـدود الثـواني
عــد الينــا فـإن عصـرك عصـر
ذهـــبي ونحـــن عصــر ثــاني
سـقط الفكر في النفاق السياسي
وصـــار الاديـــب كــالبهلوان
يتعـاطى التخـدير يحترف الرقص
ويـــدعو بالنصــر للســّلطان
عـد الينـا فإن ما يكتب اليوم
صـغير الـرؤى صـغير المعـاني
ذبــح الشـعر والقصـيدة صـارت
قينــة تشــترى ككـل القيـان
جردوهـا مـن كـل شـيء وأدمـوا
قــدميها بــاللف والــدوران
لا تســل عــن روائع المتنــبي
والشــريف الرضــي أو حســان
مـا هـو الشـعر لن تلاقي مجيبا
هــو بيـن الجنـون والهـذيان
عـد الينـا يـا سيدي عد الينا
وانتشـلنا مـن قبضـة الطوفان
أنــت أرضـعتنا حليـب التحـدي
فطحنـــا النجــوم بالأســنان
واقتلعنــا جلودنــا بيــدينا
وفككنـــا حجـــارة الاكــوان
ورفضـنا كـل السـلاطين فـي الأر
ض رفضـــنا عبــادة الأوثــان
أيهــا الغاضـب الكـبير تأمـل
كيـف صـار الكتّـاب كالخرفـان
قنعـوا بالحيـاة شمسـا ومرعـى
واطمــأنوا للمـاء والغـدران
إن أقسـى الأشـياء للنفـس ظلما
قلـم فـي يـد الجبـان الجبان
يـا أميـر الحـروف هـا هي مصر
وردة تســـتحم فـــي شــرياني
انني في حمى الحسين وفي الليل
بقايــا مــن ســورة الرحمـن
تســتبد الاحــزان بـي فأنـادي
آه يـا مصـر مـن بنـي قحطـان
تـاجروا فيـك ساوموك استباحوك
وبـــاعوك كاذبـــات الامــاني
حبسـوا الماء عن شفاه اليتامى
وأراقـوه فـي شـفاه الغـواني
تركـوا السـيف والحصان حزينين
وبــاعوا التاريــخ للشـيطان
يشـترون القصـور هـل ثـمّ شـار
لقبــور الابطـال فـي الجـولان
يشـترون النسـاء هـل ثـمّ شـار
لــدموع الأطفــال فـي بيسـان
يشترون الزوجات باللحم والعظم
أيُشــرى الجمــال بــالميزان
يشــترون الــدنيا وأهـل بلادي
ينكشــون الــتراب كالديـدان
آه يـا مصـر كـم تعـانين منهم
والكـبير الكـبير دوماً يعاني
لمــن الأحمـر المـراق بسـيناء
يحـــاكي شـــقائق النعمــان
أكلــت مصــر كبــدها وسـواها
رافــل بــالحرير والطيلسـان
يا هوان الهوان هل أصبح النفط
لــدينا أغلــى مــن الإنســان
أيهـا الغـارقون فـي نعم الله
ونعمــى المربربــات الحسـان
قـد رددنـا جحافـل الرّوم عنكم
ورددنـــا كســرى أنوشــروان
وحمينــــا محمـــدا وعليـــا
وحفظنـــا كرامـــة القــرآن
فـادفعوا جزيـة السـّيوف عليكم
لا تعيــش الســيوف بالإحســان
سـامحيني يا مصر إن جمح الشعر
فطعــم الحريــق تحــت لسـاني
ســامحيني فـأنت أم المـروءات
أم الســـــماح والغفــــران
سـامحيني إذا احـترقت وأحرقـت
فليــس الحيــاد فــي إمكـاني
مصـر يـا مصـر إن عشـقي خطيـر
فـاغفري لـي إذا أضعت اتزّاني
نزار بن توفيق آقبيق الشهير بالقباني، أشهر شعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، ولد في حي الشاغور بدمشق في زقاق (مئذنة الشحم) جنوب الجامع الأموي، يوم الأربعاء الواقع في 21/ 3/ 1923م الموافق 4/ شعبان/ 1341هـ وكان أبوه توفيق أحد وجهاء الشاغور، يعمل في مصنع له في صناعة الحلويات الدمشقية المشهورة، التي هي في حلويات العرب بمثابة شعر نزار، شهرة ومكانة، وكانت لأسرته مواقف مذكورة في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، وردد ذلك نزار في كل المقابلات التي أجريت معه، والكتابات الذاتية التي عرف عنه الإكثار منها، حتى لم يترك مجالا للزيادة عليها لأحد، بل إنه كتب مقالة قام فيها بكل مراسم التأبين التي رأى أن الناس سيقصرون من بعده في القيام بها، وكان طريفا في كل ما يكتب عن نفسه وأسرته ومذهبه في الشعر، ومكانة الشعر في حياته، ومكانته هو من الشعر. ولم تطأ قدماه بلدا إلا وأقام فيها أمسيات شعرية، تفتخر صالوناتها بالاحتفاظ بها والتنويه بطرائفها، وكان أول حدث زلزل ثوابته، وهيج كوامن الشعر في نفسه مصرع أخته (وصال) التي أقدمت على الانتحار بسبب حرمانها ممن تحب، ولازمته أحزان هذه الفاجعة طوال عمره. ولما تخرج من كلية الحقوق بدمشق عام (1945م) توسط له الوزير فارس الخوري للعمل في السلك الدبلوماسي، وكانت تربطه به وبآله صلة حميمة، فعين ملحقا بالسفارة السورية بالقاهرة وهو في الثانية والعشرين من عمره. وكان ذلك فاتحة عمله الدبلوماسي، إذ عين فيما بعد سفيرا لسوريا في لندن ما بين (52-1955). ثم سفيرا في الصين من عام (58-1960)، ثم في أسبانيا مابين (62-1966) وكان سفارته هذه خاتمة حياته في السياسة، إذ ترك أسبانيا إلى بيروت حاملا كل أثاث بيته معه، بلا تخطيط ولا إعداد لذلك كما ترى الخبر مفصلا في هذا الكتاب الذي بعث به هدية إلى موقع الوراق الأستاذ الكريم (جورج خوام ) وهي هدية ولا أعز، وتحفة ولا أغلى، قرأتها برمتها ساعة وصولها، وأبكاني ما قرأت فيها من عذابات الحنين ولواعج الفراق، وآلام الاغتراب، وتباريح الشوق لبساتين دمشق وشواطئ بيروت ، ووقفت طويلا أمام قصيدته في رثاء ابنه توفيق (ص208) وقعدت أتذكر المرات القليلة التي رأيته فيها... وكيف امتلأت مكتبة الأسد بكل أجنحتها لحضور أمسيته، ثم وقوفه في اليوم الثاني بائعا في جناح (منشورات نزار قباني) في معرض الكتاب في حرم مكتبة الأسد في دمشق، والناس تومئ إليه متعجبة من هذا المشهد. وكان أول ما كتب الشعر كما يقول، في رحلة مدرسية شارك بها إلى إيطاليا وهو في السادسة عشرة من عمره، وهي قصيدة في التشوق إلى دمشق، أذيعت وقتها من (راديو روما) وأصدر ديوانه الشعري الأول (قالت لي السمراء) عام 1944. وطبع منه 200 نسخة فقط. وذلك أثناء عمله في القاهرة، وتناول الشيخ علي الطنطاوي هذا الديوان بالنقد المرير على صفحات الرسالة عام (1946) فكان ذلك من أكبر العوامل على شهرته في الأفاق، وشجعه ذلك على الجرأة في ابتكار عنوان مزلزل لديوانه الثاني الذي أصدره عام 1948 وسماه (طفولة نهد). وأتبعه ب(قصائد متوحشة) 1948م و(سامبا) 1949م و( أنت لي) 1950، ثم كانت قنبلة الموسم عام (1954م) إذ نشر قصيدته (خبزٌ، وحشيشٌ ، وقمر) والتي نال فيها من رموز الأمة ومقدساتها، وناقشها البرلمان السوري حينئذ، وكانت سببا لطرده من السلك الدبلوماسي ولما كانت النكسة (1967م) بدأ شعره يلتف بالغضب على السياسة وأهلها، وافتتح هذا العهد بقصيدته (هوامش على دفتر النكسة)1967م وأتبعها ب( منشورات فدائية على جدران إسرائيل) 1969، م. واستمر في ذلك حتى آخر أيام حياته، إلا أن ذلك لم يلهه عن رسالته الأولى في الانتصار للمرأة من وحشية المجتمع الذكوري، فكان شعره مزيجا من الوطنية وتحريض النساء على نبذ القيود والأغلال التي يرسفن فيها كما يقول، بل صار الناس يقولون: هل المرأة في شعر نزار كناية عن الوطن، أم الوطن كناية عن المرأة. وكانت المرأو وكان الوطن ضفتين لنهر واحد، تجد عليه ( يوميات امرأة لا مبالية) 1968م (كتاب الحب 1970) وديوان ( لا) 1971م و( مائة رسالة حب) 1971، (إفادة في محكمة الشعر)، و(أشعار خارجة على القانون) 1972م و( كل عام وأنت حبيبتي 1978،(يراعات فلسطيني) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(مطر مطر) و quotإلى بيروت الأنثى مع حبيquot و (يوميات مدينة كان اسمها بيروت) و (السيرة الذاتية لسياف عربي) و(بلقيس) وإلى هذا النهر تسابق كبار المغنين، يغنون بشعره على ضفتيه، فغنت له أم كلثوم (أصبح عندي الآن بندقية) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(رسالة عاجلة إليك) وغنت له فيروز (لا تسألوني ما اسمه حبيبي) و(وشاية) وغنى عبد الحليم (قارئة الفنجان) و(رسالة من تحت الماء) وغنت نجاة (أيظن أني لعبة بيديه) وغنت فايزة أحمد (رسالة من إمرأة) وغنت له ماجدة الرومي (بيروت يا ست الدنيا) و(مع الجريدة) و(يسمعني حين يراقصني) وغنت له أصالة (اغضب) وغنى له كاظم الساهر الكثير المشهور، مثل (زيديني عشقا) و(إني خيرتك فاختاري) و(علمني حبك). وهكذا كتب لنزار أن تصدح بشعره عمالقة الغناء العربي طوال خمسين عاما. حتى هدأت أمواج هذا النهر الدمشقي المسافر في لندن يوم الخميس (30/4/1998م الموافق 4/ محرم/ 1419هـ) وحمل إلى دمشق، ودفن في جوار ابنه توفيق بوصية منه. وانظر على مواقع الإنترنيت عشرات المواقع المعنية بذكر شعره وأخباره ومقابلاته وأمسياته، وأفراد أسرته، ومنهم هدباء وتوفيق وزهراء من زوجته الأولى زهرة. وزينب وعمر من زوجته الثانية العراقية (بلقيس الراوي) التي قتلت في حادثة تفجير السفارة العراقية ببيروت عام (1982م) كما تجد تفصيل ذلك في هذا الكتاب. ولابنته (هدباء) مشاركة في الأدب، ومقالات في سيرة أبيها، استوقفني في بعضها قولها: (كم أشعر بالفخر لأن أبي هو نزار قباني، الشاعر الذي نقل الحب من الأقبية السرية إلى الهواء الطلق).