
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
يــا تـونس الخضـراء جئتـك عاشـقا
وعلــــى جــــبيني وردة وكتـــاب
إنـي الدمشـقي الـذي احـترف الهوى
فاخضوضــــرت بغنـــائه الأعشـــاب
أحرقــت مــن خلفـي جميـع مراكـبي
إن الهــــوى ألا يكــــون إيـــاب
أنــا فــوق أجفـان النسـاء مكسـر
قطعــاً فعمــري المــوج والأخشــاب
لــم أنــس أسـماء النسـاء وإنمـا
للحســـن أســـباب ولـــي أســباب
يــا ســاكنات البحـر فـي قرطاجـة
جـــف الشـــذى وتفـــرق الأصــحاب
أيـــن اللـــواتي حبهــن عبــادة
وغيـــــابهن وقربهــــن عــــذاب
اللابســــات قصـــائدي ومـــدامعي
عـــاتبتهن فمـــا أفـــاد عتــاب
أحببتهـــن وهـــن مــا أحببننــي
وصـــــدقتهن ووعــــدهن كــــذاب
إنـــي لأشـــعر بالــدوار فناهــد
لــــي يطمئن وناهــــد يرتــــاب
هــل دولــة الحــب الـتي أسسـتها
ســـقطت علـــي وســـدت الأبـــواب
تبكـي الكـؤوس فبعـد ثغـر حبيبـتي
حلفـــت بـــألا تُســـكر الأعنـــاب
أيصـــدني نهـــد تعبـــت برســـمه
وتخــــونني الأقـــراط والأثـــواب
مــاذا جــرى لممــالكي وبيــارقي
أدعـــو ربـــاب فلا تجيــب ربــاب
أأحاســب امــرأة علــى نســيانها
ومــتى اسـتقام مـع النسـاء حسـاب
مــا تبـت عـن عشـقي ولا اسـتغفرته
مــا أسـخف العشـاق ان هـمُ تـابوا
قمــر دمشــقي يســافر فــي دمــي
وبلابـــــل وســـــنابل وقبــــاب
الفــل يبــدأ مــن دمشــق بياضـه
وبعطرهــــا تتطيــــب الأطيــــاب
والمــاء يبـدأ مـن دمشـق فحيثمـا
أســـندت رأســـك جـــدول ينســاب
والشـــعر عصـــفور يمــد جنــاحه
فـــوق الشـــآم وشـــاعر جـــواب
والحــب يبــدأ مـن دمشـق فأهلنـا
عبــدوا الجمــال وذوبـوه وذابـوا
والخيــل تبـدأ مـن دمشـق مسـارها
وتشـــد للفتـــح الكــبير ركــاب
والــدهر يبـدأ مـن دمشـق وعنـدها
تبقــى اللغــات وتحفــظ الأنســاب
ودمشــق تعطــي للعروبــة شــكلها
وبأرضــــها تتشــــكل الأحقــــاب
بــدأ الزفـاف فمـن تكـون مضـيفتي
هــذا المســاء ومــن هـو العـراب
أأنــا مغنــي القصـر يـا قرطاجـة
كيــف الحضــور ومــا علــي ثيـاب
مــاذا أقـول فمـي يفتـش عـن فمـي
والمفــــردات حجــــارة وتـــراب
فمـــــآدب عربيـــــة وقصــــائد
همزيـــــة ووســـــائد وحبــــاب
لا الكــأس تنســينا مسـاحة حزننـا
يومـــا ولا كـــل الشــراب شــراب
مـن أيـن يـأتي الشـعر يـا قرطاجة
والمفــــردات حجــــارة وتـــراب
مـن أيـن يـأتي الشـعر حين نهارنا
قمـــع وحيـــن مســـاؤنا إرهــاب
ســرقوا أصــابعنا وعطــر حروفنـا
فبـــأي شـــيء يكتـــب الكتـــاب
والحكـــم شــرطي يســير وراءنــا
ســـرا فنكهــة خبزنــا اســتجواب
الشــعر رغــم ســياطهم وســجونهم
ملـــك وهـــم فــي بــابه حجــاب
مـن أيـن أدخـل في القصيدة يا ترى
وحــدائق الشــعر الجميــل خــراب
لــم يبــق فـي دار البلابـل بلبـل
لا البحــــتري هنـــا ولا زريـــاب
شــعراء هــذا اليــوم جنـس ثـالث
فـــالقول فوضـــى والكلام ضـــباب
يتكلمــون مــع الفــارغ فمـا هـم
عجــــم إذا نطقـــوا ولا أعـــراب
اللاهثـــون علــى هــوامش عمرنــا
ســيان إن حضــروا وإن هـمُ غـابوا
يتهكمــون علــى النبيــذ معتقــا
وهــمُ علــى ســطح النبيــذ ذبـاب
الخمــر تبقــى إن تقــادم عهـدها
خمـــرا وقـــد تتغيـــر الأكــواب
مـن أيـن أدخـل في القصيدة يا ترى
والشـــمس فــوق رؤوســنا ســرداب
إن القصــيدة ليـس مـا كتبـت يـدي
لكنهـــا مـــا تكتـــب الأهـــداب
نــار الكتابــة أحرقــت أعمارنـا
فحياتنـــا الكـــبريت والأحطـــاب
ما الشعر ما وجع الكتابة ما الرؤى
أولـــى ضـــحايانا هــم الكتــاب
يعطوننــا الفــرح الجميـل وحظهـم
حــظ البغايــا مــا لهــن ثــواب
يــا تــونس الخضــراء هـذا عـالم
يـــثري بـــه الأمـــي والنصـــاب
فمـن الخليـج إلـى المحيـط قبـائل
بَطِـــــــرَت فلا فكــــــر ولا آداب
فـي عصـر زيـت الكـاز يطلـب شـاعر
ثوبـــا وترفــل بــالحرير قحــاب
هـل فـي العيـون التونسـية شـاطيء
ترتـــاح فـــوق رمــاله الأعصــاب
أنــا يــا صـديقة متعـب بعروبـتي
فهـــل العروبـــة لعنــة وعقــاب
أمشــي علــى ورق الخريطـة خائفـا
فعلـــى الخريطــة كلنــا أغــراب
أتكلــم الفصــحى أمــام عشــيرتي
وأعيــد لكــن مــا هنــاك جــواب
لـولا العبـاءات الـتي التفـوا بها
مــا كنــت أحســب أنهــم أعــراب
يتقـــاتلون علــى بقايــا تمــرة
فخنـــــاجر مرفوعــــة وحــــراب
قبلاتهــــم عربيـــة مـــن ذا رأى
فيمــــا رأى قُبَلاً لهـــا أنيـــاب
يــا تــونس الخضـراء كأسـي علقـم
أعلــى الهزيمــة تشــرب الأنخــاب
وخريطــة الــوطن الكــبير فضـيحة
فحـــــــواجزٌ ومخـــــــافرٌ وكلاب
والعـــالم العربــي إمــا نعجــةٌ
مذبوحـــــة أو حــــاكمٌ قصــــاب
والعــالم العربــي يرهــن ســيفه
فحكايــة الشــرف الرفيــع ســراب
والعــالم العربــي يخــزن نفطــه
فـــي خصـــيتيه وربـــك الوهـــاب
والنـاس قبـل النفـط أو مـن بعـده
مســــــتنزفون فســــــادة ودواب
يــا تــونس الخضــراء كيـف خلاصـنا
لــم يبـق مـن كتـب السـماء كتـاب
مــاتت خيــول بنــي أميــة كلهـا
خجلا وظــــل الصــــرف والإعـــراب
فكأنمـــا كتــب الــتراث خرافــة
كـــــبرى فلا عمــــرٌ ولا خطــــاب
وبيـارق ابـن العـاص تمسـح دمعهـا
وعزيـــز مصـــر بالفصــام مصــاب
مـــن ذا يصــدق أن مصــر تهــودت
فمقـــام ســيدنا الحســين يبــاب
مـــا هـــذه مصــر فــإن صــلاتها
عبريـــــة وإمامهـــــا كــــذاب
مـــا هــذه مصــر فــإن ســماءها
صــــغرت وإن نســــاءها أســــلاب
إن جــاء كــافور فكــم مـن حـاكم
قهـــر الشـــعوب وتــاجه قبقــاب
بحريـــة العينيــن يــا قرطاجــة
شــاخ الزمــان وأنــت بعـد شـباب
هـل لـي بعـرض البحـر نصـف جزيـرة
أم أن حــــبي التونســــي ســـراب
نزار بن توفيق آقبيق الشهير بالقباني، أشهر شعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، ولد في حي الشاغور بدمشق في زقاق (مئذنة الشحم) جنوب الجامع الأموي، يوم الأربعاء الواقع في 21/ 3/ 1923م الموافق 4/ شعبان/ 1341هـ وكان أبوه توفيق أحد وجهاء الشاغور، يعمل في مصنع له في صناعة الحلويات الدمشقية المشهورة، التي هي في حلويات العرب بمثابة شعر نزار، شهرة ومكانة، وكانت لأسرته مواقف مذكورة في نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، وردد ذلك نزار في كل المقابلات التي أجريت معه، والكتابات الذاتية التي عرف عنه الإكثار منها، حتى لم يترك مجالا للزيادة عليها لأحد، بل إنه كتب مقالة قام فيها بكل مراسم التأبين التي رأى أن الناس سيقصرون من بعده في القيام بها، وكان طريفا في كل ما يكتب عن نفسه وأسرته ومذهبه في الشعر، ومكانة الشعر في حياته، ومكانته هو من الشعر. ولم تطأ قدماه بلدا إلا وأقام فيها أمسيات شعرية، تفتخر صالوناتها بالاحتفاظ بها والتنويه بطرائفها، وكان أول حدث زلزل ثوابته، وهيج كوامن الشعر في نفسه مصرع أخته (وصال) التي أقدمت على الانتحار بسبب حرمانها ممن تحب، ولازمته أحزان هذه الفاجعة طوال عمره. ولما تخرج من كلية الحقوق بدمشق عام (1945م) توسط له الوزير فارس الخوري للعمل في السلك الدبلوماسي، وكانت تربطه به وبآله صلة حميمة، فعين ملحقا بالسفارة السورية بالقاهرة وهو في الثانية والعشرين من عمره. وكان ذلك فاتحة عمله الدبلوماسي، إذ عين فيما بعد سفيرا لسوريا في لندن ما بين (52-1955). ثم سفيرا في الصين من عام (58-1960)، ثم في أسبانيا مابين (62-1966) وكان سفارته هذه خاتمة حياته في السياسة، إذ ترك أسبانيا إلى بيروت حاملا كل أثاث بيته معه، بلا تخطيط ولا إعداد لذلك كما ترى الخبر مفصلا في هذا الكتاب الذي بعث به هدية إلى موقع الوراق الأستاذ الكريم (جورج خوام ) وهي هدية ولا أعز، وتحفة ولا أغلى، قرأتها برمتها ساعة وصولها، وأبكاني ما قرأت فيها من عذابات الحنين ولواعج الفراق، وآلام الاغتراب، وتباريح الشوق لبساتين دمشق وشواطئ بيروت ، ووقفت طويلا أمام قصيدته في رثاء ابنه توفيق (ص208) وقعدت أتذكر المرات القليلة التي رأيته فيها... وكيف امتلأت مكتبة الأسد بكل أجنحتها لحضور أمسيته، ثم وقوفه في اليوم الثاني بائعا في جناح (منشورات نزار قباني) في معرض الكتاب في حرم مكتبة الأسد في دمشق، والناس تومئ إليه متعجبة من هذا المشهد. وكان أول ما كتب الشعر كما يقول، في رحلة مدرسية شارك بها إلى إيطاليا وهو في السادسة عشرة من عمره، وهي قصيدة في التشوق إلى دمشق، أذيعت وقتها من (راديو روما) وأصدر ديوانه الشعري الأول (قالت لي السمراء) عام 1944. وطبع منه 200 نسخة فقط. وذلك أثناء عمله في القاهرة، وتناول الشيخ علي الطنطاوي هذا الديوان بالنقد المرير على صفحات الرسالة عام (1946) فكان ذلك من أكبر العوامل على شهرته في الأفاق، وشجعه ذلك على الجرأة في ابتكار عنوان مزلزل لديوانه الثاني الذي أصدره عام 1948 وسماه (طفولة نهد). وأتبعه ب(قصائد متوحشة) 1948م و(سامبا) 1949م و( أنت لي) 1950، ثم كانت قنبلة الموسم عام (1954م) إذ نشر قصيدته (خبزٌ، وحشيشٌ ، وقمر) والتي نال فيها من رموز الأمة ومقدساتها، وناقشها البرلمان السوري حينئذ، وكانت سببا لطرده من السلك الدبلوماسي ولما كانت النكسة (1967م) بدأ شعره يلتف بالغضب على السياسة وأهلها، وافتتح هذا العهد بقصيدته (هوامش على دفتر النكسة)1967م وأتبعها ب( منشورات فدائية على جدران إسرائيل) 1969، م. واستمر في ذلك حتى آخر أيام حياته، إلا أن ذلك لم يلهه عن رسالته الأولى في الانتصار للمرأة من وحشية المجتمع الذكوري، فكان شعره مزيجا من الوطنية وتحريض النساء على نبذ القيود والأغلال التي يرسفن فيها كما يقول، بل صار الناس يقولون: هل المرأة في شعر نزار كناية عن الوطن، أم الوطن كناية عن المرأة. وكانت المرأو وكان الوطن ضفتين لنهر واحد، تجد عليه ( يوميات امرأة لا مبالية) 1968م (كتاب الحب 1970) وديوان ( لا) 1971م و( مائة رسالة حب) 1971، (إفادة في محكمة الشعر)، و(أشعار خارجة على القانون) 1972م و( كل عام وأنت حبيبتي 1978،(يراعات فلسطيني) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(مطر مطر) و quotإلى بيروت الأنثى مع حبيquot و (يوميات مدينة كان اسمها بيروت) و (السيرة الذاتية لسياف عربي) و(بلقيس) وإلى هذا النهر تسابق كبار المغنين، يغنون بشعره على ضفتيه، فغنت له أم كلثوم (أصبح عندي الآن بندقية) و(والدنا جمال عبد الناصر) و(رسالة عاجلة إليك) وغنت له فيروز (لا تسألوني ما اسمه حبيبي) و(وشاية) وغنى عبد الحليم (قارئة الفنجان) و(رسالة من تحت الماء) وغنت نجاة (أيظن أني لعبة بيديه) وغنت فايزة أحمد (رسالة من إمرأة) وغنت له ماجدة الرومي (بيروت يا ست الدنيا) و(مع الجريدة) و(يسمعني حين يراقصني) وغنت له أصالة (اغضب) وغنى له كاظم الساهر الكثير المشهور، مثل (زيديني عشقا) و(إني خيرتك فاختاري) و(علمني حبك). وهكذا كتب لنزار أن تصدح بشعره عمالقة الغناء العربي طوال خمسين عاما. حتى هدأت أمواج هذا النهر الدمشقي المسافر في لندن يوم الخميس (30/4/1998م الموافق 4/ محرم/ 1419هـ) وحمل إلى دمشق، ودفن في جوار ابنه توفيق بوصية منه. وانظر على مواقع الإنترنيت عشرات المواقع المعنية بذكر شعره وأخباره ومقابلاته وأمسياته، وأفراد أسرته، ومنهم هدباء وتوفيق وزهراء من زوجته الأولى زهرة. وزينب وعمر من زوجته الثانية العراقية (بلقيس الراوي) التي قتلت في حادثة تفجير السفارة العراقية ببيروت عام (1982م) كما تجد تفصيل ذلك في هذا الكتاب. ولابنته (هدباء) مشاركة في الأدب، ومقالات في سيرة أبيها، استوقفني في بعضها قولها: (كم أشعر بالفخر لأن أبي هو نزار قباني، الشاعر الذي نقل الحب من الأقبية السرية إلى الهواء الطلق).