
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
كـان الربيعُ الحيُّ روحاً حالماً
غــضَّ الشـَّبابِ مُعَطَّـرَ الجلبـابِ
يَمْشـي على الدّنيا بفكرةِ شاعرٍ
ويطوفُهـــا فـــي مــوكبٍ خَلاَّبِ
والأفْــقُ يملأهُ الحَنــانُ كـأنَّهُ
قَلْـبُ الوجـودِ المنتـجِ الوهَّابِ
والكـونُ من طُهْرِ الحياةِ كأنّما
هـو معبـدٌ والغـابُ كـالمحرابِ
والشـّاعرُ الشَّحرورُ يَرْقُصُ مُنشداً
للشـَّمسِ فـوقَ الـوردِ والأعشـابِ
شـعْرَ السـَّعادةِ والسـَّلامِ ونفسهُ
ســَكْرى بســِحْر العـالَم الخلاّبِ
ورآه ثعبــانُ الجبــال فغمَّـه
مـا فيـه مـن مَـرَحٍ وفيْضِ شبابِ
وانقــضَّ مضـْطَغِناً عليـه كـأنَّه
سـَوْطُ القضـاءِ ولعنـةُ الأربـابِ
بُغِتَ الشَّقيُّ فَصاح في هول القضا
متلفِّتــاً للصــَّائل المنْتــابِ
وتَـدَفَّق المسـكينُ يصـرخُ ثائراً
مـاذا جنيـتُ أنـا فَحُـقَّ عِقابي
لا شـــيءَ إلاَّ أنَّنـــي متغــزّلٌ
بالكائنــاتِ مغـرِّدٌ فـي غـابي
ألْقـى من الدّنيا حناناً طاهراً
وأبُثُّهـا نَجْـوى المحـبِّ الصَّابي
أيُعَـدُّ هـذا فـي الوجود جريمةً
أيـنَ العدالـةُ يا رفاقَ شبابي
لا أيـن فالشـَّرْعُ المقـدّسُ ههنا
رأيُ القـــويِّ وفكـــرةُ الغَلاّبِ
وسـَعادةُ الضـَّعفاءِ جُـرْمُ ما لهُ
عنـد القـويِّ سـوى أشـدِّ عِقـابِ
ولْتَشـْهَدِ الـدُّنيا التي غنَّيْتُها
حُلْـمَ الشـَّبابِ وروعـةَ الإعجـابِ
أنَّ الســَّلامَ حَقيقــةٌ مَكْذوبــةٌ
والعَـدْلَ فَلْسَفةُ اللّهيبِ الخابي
لا عَـدْلَ إلاَّ إنْ تَعـادَلتِ القـوى
وتَصــادَمَ الإرهــابُ بالإرهــابِ
فَتَبَسـَّمَ الثُّعبـانُ بَسـْمةَ هـازئٍ
وأجـابَ فـي سـَمْتٍ وفَـرْطِ كِـذابِ
يـا أَيُّهـا الغِرُّ المثرثرُ إنَّني
أرثــي لثــورةِ جَهْلــكَ التلاّبِ
والغـرُّ يعذره الحكيمُ إِذا طغى
جهـلُ الصـِّبا فـي قلبه الوثّابِ
فاكبـحْ عواطفـكَ الجوامحَ إنّها
شـَرَدَتْ بلُبِّـكَ واسـتمعْ لخطـابي
إنِّـي إلـهٌ طالمـا عَبَـدَ الوَرَى
ظلِّـي وخـافوا لعنَـتي وعقـابي
وتقـدّموا لـي بالضـَّحايا منهُمُ
فَرحيــنَ شــأنَ العابـدِ الأوّابِ
وسـَعادةُ النَّفـسِ التَّقيَّـةِ أنّها
يومــاً تكــونُ ضـحيَّةَ الأربـابِ
فتصـيرُ فـي روحِ الألوهـةِ بضعةً
قُدُســِيَّةً خَلُصــَتْ مــن الأوشـابِ
أفَلا يَســُرُّكَ أن تكــونَ ضـحيَّتي
فتحُـلَّ فـي لحمـي وفـي أعصابي
وتكـونَ عزمـاً فـي دمي وتوهُّجاً
فــي نـاظِريَّ وحـدّةً فـي نـابي
وتـذوبَ في روحي التي لا تنتهي
وتصـيرَ بعـضَ ألوهـتي وشـَبابي
إنِّـي أرَدْتُ لـكَ الخلـودَ مؤلّهاً
فـي روحـيَ الباقي على الأحقابِ
فكِّـرْ لِتُـدْرِكَ مـا أريـدُ وإنَّـه
أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي
فأجابه الشُّحرورُ في عُصَصِ الرَّدَى
والمـوتُ يخنقـه إليـكَ جـوابي
لا أرى للحـقِّ الضـَّعيفِ ولا صـدًى
والــرّأيُ رأيُ القــاهرِ الغلاّبِ
فافعـلْ مشيئَتكَ التي قَدْ شئتَها
وارحـمُ جلالـكَ مـن سماعِ خطابي
وكـذاك تُتَّخَـذُ المظـالمُ منطقاً
عــذباً لتخفِــيّ ســَوْءةَ الآرابِ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .