
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أتفنـى ابتِسـاماتُ تِلْكََ الجفونِ
ويَخبــو توهُّــجُ تِلْـكََ الخـدودْ
وتـذوي وُرَيْـداتُ تِلْـكَ الشـِّفاهِ
وتهـوي إلى التُّرْبِ تِلْكَ النَّهودْ
وينهــدُّ ذاك القـوامُ الرَّشـيقُ
وينحــلُّ صــَدْرٌ بــديعٌ وَجيــدْ
وتربَـدُّ تِلْـكََ الوُجـوهُ الصـِّباحُ
وفتنــةُ ذاكَ الجمـال الفَريـدْ
ويغـــبرُّ فــرعٌ كجنْــحِ الظَّلامِ
أنيــقُ الغــدائرِ جَعْـدٌ مَديـدْ
ويُصــبحُ فــي ظُلُمـاتِ القبـورِ
هبــاءً حقيــراً وتُرْبـاً زهيـدْ
وينجـابُ سـِحْرُ الغـرامِ القـويِّ
وسـُكرُ الشـَّبابِ الغريرِ السَّعيدْ
أتُطــوَى سـَمواتُ هـذا الوجـود
ويـذهبُ هـذا الفضـاءُ البعيـدْ
وتَهلِـكُ تِلْـكََ النُّجـومُ القُدامى
ويهـرمُ هـذا الزَّمـانُ العَهيـدْ
ويقضـي صـَباحُ الحيـاةِ البديعُ
وليـلُ الوجـودِ الرهيبُ العتيدْ
وشــمسٌ توشــِّي رداءَ الغمــامِ
وبــدرٌ يضــيءُ وغيــمٌ يجــودْ
وضــوءٌ يُرَصــِّع مــوجَ الغـديرِ
وســِحْرٌ يطــرِّزُ تِلْــكَ البُـرودْ
وبحــرٌ فســيحٌ بعيـدُ القـرارِ
يَضـــُجُّ ويَــدْوي دويَّ الوليــدْ
وريـــحٌ تمـــرُّ مُــرورَ الملاكِ
وتخطـو إلى الغابِ خَطْوَ الرُّعودْ
وعاصــفةٌ مــن نبـاتِ الجحيـم
كــأنَّ صــَداها زَئيــرُ الأسـودْ
تَعــجُّ فَتَـدْوي حنايـا الجبـال
وتمشـي فتهـوي صـُخورُ النُّجـودْ
وطيـــرٌ تغنِّــي خِلالَ الغُصــونِ
وتَهْتِــفُ للفجـرِ بَيْـنَ الـورودْ
وزهـــرٌ ينمِّـــقُ تِلْــكََ التِّلالَ
ويَنْهَــلُ مــن كـلِّ ضـَوءٍ جَديـدْ
ويعبَــقُ منــه أريـجُ الغَـرامِ
ونَفْـحُ الشـَّبابِ الحَيِـيِّ السَّعيدْ
أيسـطو علـى الكُلِّ ليلُ الفناء
ليلهـو بها الموتُ خَلْفَ الوجود
ويَنْثُرَهـا فـي الفـراغِ المُخيفِ
كمـا تنـثرُ الـوردَ ريـحٌ شَرودْ
فينضــُبُ يــمُّ الحيـاةِ الخضـمُّ
ويخمــدُ روحُ الرَّبيـعِ الوَلـودْ
فلا يلثـمُ النُّـورُ سـِحْرَ الخُدودِ
ولا تُنْبِــتُ الأرضُ غــضَّ الـورودْ
كـبيرٌ علـى النَّفسِ هذا العفاءُ
وصـَعْبٌ علـى القلبِ هذا الهمودْ
ومـاذا علـى القَـدَر المسـتَمرِّ
لـوِ اسْتمرَأ النَّاسُ طعمَ الخلودْ
ولـم يُخْفَـروا بالخرابِ المحيط
ولم يُفْجَعوا في الحبيب الودودْ
ولـم يسـلكوا للخُلـود المرجَّى
ســبيلَ الــرّدى وظَلامَ اللّحـودْ
فَـدامَ الشـَّبابُ وسـِحْرُ الغـرامِ
وفــنُّ الرَّبيـعِ ولُطـفُ الـورودْ
وعـاش الـوَرَى فـي سـلامٍ أميـنٍ
وعيـــشٍ غضــيرٍ رخــيٍّ رغيــدْ
ولكــنْ هــو القَـدَرُ المسـتبدُّ
يَلــذُّ لــه نوْحُنــا كالنَّشـيدْ
تَبَرَّمْـتَ بـالعيشِ خـوفَ الفنـاءِ
ولـو دُمْـتُ حيًّـا سـَئمتَ الخلودْ
وعِشـْتَ علـى الأَرضِ مثـل الجبال
جليلاً رهيبــاً غريبــاً وَحيــدْ
فَلَـمْ تَرتشـفْ مـن رُضابِ الحياة
ولـم تصـطَبحْ مـن رَحيق الوجودْ
ومـا نشـوةُ الحـبِّ عنـدَ المحبِّ
ومـا سـِحْرُ ذاك الرَّبيعِ الوليدْ
ولـم تـدرِ مَـا فتنةُ الكائناتِ
ومـا صـرخَةُ القلبِ عندَ الصّدودْ
ولـم تفتكـر بالغَـدِ المسترابِ
ولـم تحتفـل بـالمرامِ البعيدْ
ومــاذا يُرجِّـي ربيـبُ الخلـودِ
مـن الكونِ وهو المقيمُ العهيدْ
ومــاذا يــودُّ ومــاذا يخـافُ
مـن الكـونِ وهو المقيمُ الأَبيدْ
تأمَّــلْ فــإنَّ نِظــامَ الحيـاةِ
نِظــامٌ دقيــقٌ بــديعٌ فريــدْ
فمـا حبَّـبَ العيـشَ إلاَّ الفنـاءُ
ولا زانَــه غيـرُ خـوفِ اللُّحـودْ
ولــولا شـقاءُ الحيـاةِ الأليـمِ
لمـا أَدركَ النَّاسُ معنى السُّعودْ
ومـن لـم يرُعْهُ قطوبُ الدّياجيرِ
لَـمْ يغتبـط بالصـَّباحِ الجديـدْ
إِذا لـم يكن مِنْ لقاءِ المنايا
مَنـاصٌ لمَـنْ حـلَّ هـذا الوجـودْ
فــأيّ غِنَــاءٍ لهــذي الحيـاة
وهـذا الصـِّراعِ العنيفِ الشَّديدْ
وذاك الجمــالِ الَّــذي لا يُمـلُّ
وتلــكَ الأَغـاني وذاك النَّشـيدْ
وهـــذا الظَّلامِ وذاك الضــِّياءِ
وتلـكَ النُّجـومِ وهـذا الصـَّعيدْ
لمــاذا نمـرُّ بـوادي الزَّمـانِ
ســـِراعاً ولكنَّنـــا لا نَعــودْ
فَنَشــْرَبَ مِـنْ كـلِّ نبـعٍ شـراباً
ومنـهُ الرَّفيـعُ ومنـه الزَّهيـدْ
ومِنْـهُ اللَّذيـذُ ومِنْـهُ الكَريـهُ
ومِنْـهُ المشـِيدُ ومِنْـهُ المبيـدْ
ونَحْمِــلُ عبْئاً مــن الـذّكرياتِ
وتلـكَ العهـودِ الَّـتي لا تعـودْ
ونشــهدُ أشـكالَ هـذي الوجـوهِ
وفيهـا الشـَّقيُّ وفيهـا السَّعيدْ
وفيهـا البَـديعُ وفيها الشَّنيعُ
وفيهـا الوديـعُ وفيها العنيدْ
فيُصـبحُ منهـا الـوليُّ الحميـمُ
ويصـبحُ منهـا العـدوُّ الحقُـودْ
وكـلٌّ إِذا مَـا سـألنا الحَيَـاةَ
غريــبٌ لعَمْـري بهـذا الوجـودْ
أتينــاه مــن عـالمٍ لا نـراه
فُـرادى فمـا شـأْنُ هذي الحقُودْ
ومـا شـأْنُ هذا العَدَاءِ العنيفِ
ومـا شـأْنُ هـذا الإِخاءِ الوَدودْ
خُلِقنــا لنبلُـغَ شـأْوَ الكمـالِ
وَنُصــبح أهلاً لمجــدِ الخُلُــودْ
وتطهـر أرواحنـا فـي الحيـاة
بنـــــــــار الأســـــــــى
ونَكْســَبَ مِــنْ عَثَـراتِ الطَّريـقِ
قُــوًى لا تُهــدُّ بـدأْبِ الصـُّعودْ
ومجـداً يكـون لنـا في الخلود
أَكاليـلَ مـن رائعـاتِ الـوُرودْ
خُلِقنــا لنبلُـغَ شـأْوَ الكمـالِ
وَنُصــبح أهلاً لمجــدِ الخُلُــودْ
ولكـنْ إِذا مَـا لبسـنا الخلودَ
ونِلنـا كمـالَ النُّفـوسِ البعيدْ
فهــلْ لا نَمَــلُّ دَوَامَ البقــاءِ
وهــلْ لا نَــوَدُّ كمــالاً جديــدْ
وكيــف يكــوننَّ هـذا الكمـالُ
ومــاذا تُـراهُ وكيـفَ الحُـدودْ
وإنَّ جمــالَ الكمــالِ الطُّمـوحُ
ومـا دامَ فكـراً يُـرَى من بعيدْ
فمــا ســِحْرُهُ إنْ غـدا واقعـاً
يُحَــسُّ وأَصــبحَ شــيئاً شــهيدْ
وهـلْ ينطفي في النُّفوسِ الحنينُ
وتُصــبحُ أَشــواقُنا فـي خُمـودْ
فلا تطمـحُ النَّفْـسُ فـوقَ الكمالِ
وفـوقَ الخلـودِ لبعـضِ المزيـدْ
إِذا لـم يَزُل شوقُها في الخلودِ
فــذلك لعَمْـري شـقاءُ الجُـدودْ
وحــربٌ ضـروسٌ كمـا قَـدْ عهـدنُ
ونَصـــْرٌ وكســرٌ وهــمٌّ مديــدْ
وإنْ زالَ عنهـا فـذاكَ الفنـاءُ
وإنْ كـان فـي عَرَصـَاتِ الخُلـودْ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .