
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَيُّهـا الشـَّعْبُ ليتنـي كنـتُ حطَّابـاً
فـــأهوي علــى الجــذوعِ بفأســي
ليتنــي كنـتُ كالسـُّيولِ إِذا سـالتْ
تَهُـــدُّ القبـــورَ رمســـاً برمــسِ
ليتنــي كنــتُ كالرِّيــاحِ فــأطوي
كــلَّ مَــا يخنــقُ الزُّهُـورَ بنحسـي
ليتنـــي كنــتُ كالشــِّتاءِ أُغَشــِّي
كــلّ مَــا أَذْبَــلَ الخريـفُ بقرسـي
ليـتَ لـي قـوَّةَ العواصـفِ يـا شعبي
فـــأَلقي إليـــكَ ثَـــوْرَةَ نفســي
ليــتَ لـي قـوَّةَ الأَعاصـيرِ إنْ ضـجَّتْ
فــــأدعوكَ للحيــــاةِ بنبســــي
ليــتَ لــي قــوَّةَ الأَعاصــير لكـن
أَنْــتَ حــيٌّ يقضــي الحَيَـاة برمـسِ
أَنْــتَ روحٌ غَبِيَّــةٌ تكــره النُّــور
وتقضــي الــدُّهُور فــي ليـل مَلْـسِ
أَنْــتَ لا تـدركُ الحقـائقَ إن طـافتْ
حواليـــــكَ دون مــــسٍّ وجَبَّــــسِ
فـي صـباحِ الحَيَـاةِ ضـَمَّخْتُ أَكـوابي
وأَترعتُهــــا بخمــــرَةِ نفســــي
ثـــمَّ قَـــدَّمْتُها إليــكَ فــأَهرقْتَ
رحيقــي ودُســتَ يــا شــعبُ كأسـي
فتـــأَلَّمتُ ثـــمَّ أســـْكَتُّ آلامـــي
وكَفْكَفْـــتُ مـــن شـــعوري وحســّي
ثــمَّ نَضــَّدْتُ مــن أَزاهيــرِ قلـبي
باقـــةً لـــمْ يمســَّها أيُّ إنْســِي
ثـــمَّ قَـــدَّْمتُها إليـــكَ فمزَّقْــتَ
ورودي ودُســــــــــــْتَهَا أَيَّ دَوْسِ
ثــمَّ أَلبســْتَني مـنَ الحُـزْنِ ثوبـاً
وبِشـــَوكِ الجبــالِ تَــوَّجْتَ رأســي
إنَّنـي ذاهـبٌ إلـى الغـابِ يا شعبي
لأقضـــي الحَيَـــاةَ وحــدي بيــأسِ
إنَّنــي ذاهــبٌ إلــى الغـابِ علِّـي
فــي صـميم الغابـاتِ أَدفـنُ بؤسـي
ثـم أنسـاك مـا اسـتطعت فمـا أنت
بأهـــــل لخمرتــــي ولكأســــي
سـوف أَتلـو علـى الطُّيـور أَناشيدي
وأُفضـــِي لهـــا بأشــواقِ نفســي
فَهْـي تـدري معنـى الحَيَـاة وتـدري
أنَّ مجـــدَ النُّفـــوسِ يَقْظَــةُ حِــسِّ
ثـمَّ أقضـي هنـاكَ فـي ظلمـةِ اللَّيل
وأُلقـــي إلــى الوُجُــودِ بيأســي
ثـمَّ تحـتَ الصـّنَوْبَر النَّاضـر الحلو
تَخُـــطُّ الســـَّيولُ حُفْـــرَةَ رمســي
وتظَــلُّ الطُّيـورُ تلغـو علـى قَبْـرِيَ
ويشـــدو النَّســيمُ فــوقي بهمــسِ
وتظـــلُّ الفُصــولُ تمشــي حــوالَيَّ
كمـــا كُــنَّ فــي غَضــَارَةِ أَمســي
أَيُّهــا الشــَّعْبُ أَنْــتَ طِفْـلٌ صـغيرٌ
لاعـــبٌ بــالتُّرابِ والليــلُ مُغْــسِ
أَنْـتَ فـي الكـونِ قـوَّةً لـو تَسُسـْها
فكــــرةٌ عبقريَّــــةٌ ذاتُ بــــأسِ
أَنْــتَ فــي الكــونِ قـوَّةً كبَّلتْهـا
ظُلُمــاتُ العُصــور مِــنْ أمـس أمـسِ
والشــقيُّ الشــقيُّ مـن كـانَ مثلـي
فـــي حَسَاســـِيَّتي ورقَّـــةِ نفســي
هكــذا قــالَ شـاعرٌ نـاولَ النَّـاسَ
رحيــقَ الحَيَــاةِ فــي خيــرِ كـأسِ
فأَشــاحوا عنهــا ومــرُّوا غضـاباً
واســتخفُّوا بــه وقــالوا بيــأْسِ
قَـدْ أَضـاعَ الرَّشـادَ فـي ملعبِ الجِنِّ
فيــــا بؤســــَهُ أُصـــيبَ بمَـــسِّ
طالمـا خـاطَبَ العواطـفَ فـي اللَّيلِ
ونــاجى الأَمــواتَ مِــنْ كــلِّ جِنْـسِ
طالمــا رافـق الظلام إلـى الغـاب
ونـــادى الأرواح مــن كــل جنــس
طالمـا حـدَّثَ الشـياطين في الوادي
وغنَّـــى مـــع الرِّيـــاح بجَـــرْسِ
إنَّـــه ســـاحرٌ تُعَلِّمُـــهُ الســِّحْرُ
الشـــياطينُ كـــلَّ مَطْلـــعِ شــَمْسِ
فابعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ
إنَّ الخَـــــبيثَ منبــــعُ رِجْــــسِ
اطــــردوه ولا تُصـــيخوا إليـــه
فهــــو روحٌ شـــريرةٌ ذاتُ نحْـــسِ
هكـــذا قـــالَ شـــاعرٌ فيلســوفٌ
عــاشَ فــي شــعبهِ الغــبيِّ بتَعْـسِ
جَهِــلَ النَّــاسُ روحَــهُ وأغانيهــا
فَســـَاموا شـــعورَهُ ســـوْمَ بَخْــسِ
فهــو فــي مــذهبِ الحَيَــاةِ نـبيٌّ
وهـــو فــي شــعبِهِ مُصــابٌ بمــسِّ
هكـذا قـالَ ثـمَّ سـارَ إلـى الغـابِ
ليحيـــا حيـــاةَ شـــِعْرٍ وقُـــدْسِ
وبعيــداً هنـاكَ فـي معبـد الغـاب
الَّـــــذي لا يُظِلُّــــهُ أَيُّ بــــؤْسِ
فـي ظلال الصـَّنَوْبَرِ الحلوِ والزَّيتونِ
يقضـــي الحيـــاة حَرْســاً بحــرْسِ
فـي الصَّباحِ الجميل يشدو مع الطَّيرِ
ويَمْشـــي فـــي نشــوةِ المُتَحَســِّي
نافخـــاً نــايَهُ حــواليْهِ تهــتزُّ
ورودُ الرَّبيـــعِ مِـــنْ كــلِّ قنْــسِ
شـــَعْرُهُ مُرْســَلٌ تُــداعِبُهُ الرِّيــحُ
علـــى منكـــبيْه مثــلَ الــدُّمُقْسِ
والطُّيــورُ الطِّـرابُ تشـدو حـواليه
وتلغــو فـي الـدَّوحِ مِـنْ كـلِّ جنْـسِ
وتـراهُ عنـد الأصـيلِ لـدى الجـدول
يرنــــو للطَّــــائرِ المتحســــِّي
أَو يغنِّـي بَيْـنَ الصـَّنَوْبَرِ أَو يرنـو
إلــــى ســـُدْفَةِ الظَّلامِ المُمَســـِّي
فــــإذا أَقْبَـــلَ الظَّلامُ وأَمســـتْ
ظلمــاتُ الوُجُــود فـي الأَرضِ تُغسـي
كــانَ فــي كـوخه الجميـل مقيمـاً
يَســْأَلُ الكــونَ فــي خشـوعٍ وهَمْـسِ
عــن مصــبِّ الحَيَــاةِ أَيْــنَ مَـداهُ
وصـــميمِ الوُجُــودِ أَيَّــان يُرســي
وأَريـــجِ الــورودِ فــي كــلِّ وادٍ
ونَشـــيدِ الطُّيـــورِ حيــن تمســِّي
وهزيــمِ الرِّيــاح فــي كــلِّ فَــجٍّ
ورُســُومِ الحَيَــاةِ مــن أمـس أمْـسِ
وأغــاني الرُّعــاة أَيْـنَ يُواريهـا
ســـُكُونُ الفَضـــا وأَيَّــانَ تُمْســي
هكـــذا يَصــْرِفُ الحَيَــاةَ ويُفْنــي
حَلَقَـــاتِ الســِّنينِ حَرْســاً بحَــرْسِ
يـا لهـا مِنْ معيشةٍ في صميمِ الغابِ
تُضـــْحي بَيْـــنَ الطُّيــورِ وتُمْســي
يـا لهـا مِـنْ معيشـةٍ لـم تُدَنّسـْهَا
نفـــوسُ الـــوَرَى بخُبْـــثٍ ورِجْــسِ
يـا لهـا مِـنْ معيشـةٍ هيَ في الكونِ
حيـــــاةٌ غريبــــةٌ ذاتُ قُــــدْسِ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .