
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَظَـلَّ الوُجُـودَ المساءُ الحزينُ
وفــي كفِّــهِ معْــزَفٌ لا يُـبينْ
وفــي ثَغـرهِ بَسـَماتُ الشـُّجونِ
وفــي طَرفِـهِ حَسـَراتُ السـِّنينْ
وفــي صــدرِهِ لوعــةٌ لا تَقِـرُّ
وفــي قلبِـهِ صـَعَقَاتُ المَنـونْ
وقبَّلَــهُ قُبَلاً صــامِتاتٍ كمــا
يَلْثُــمُ المــوتُ وَرْدَ الغُصـُون
وأَفضـى إليـه بـوحْيِ النُّجُـومِ
وســِرِّ الظَّلامِ ولَحْــنِ السـُّكونْ
وأَوْحـــى إليـــه مَزامِيــرَهُ
فغنَّـتْ بهـا في الظَّلامِ الحُزُونْ
وعَلَّمَــهُ كيـفَ تأسـى النُّفـوسُ
ويَقضـي يَؤوسـاً لديها الحَنينْ
وأَســـْمَعَهُ صــَرَخاتِ القُلُــوبِ
وأَنْهَلَــهُ مِــنْ سـُلافِ الشـُّؤونْ
فــأَغفى علـى صـدرِهِ المطمَئِنِّ
وفــي روحِــهِ حُلُــمٌ مُسـْتَكينْ
قــويٌّ غَلُــوبٌ كسـِحْرِ الجُفُـونِ
شــجيٌّ لَعــوبٌ كزهــرٍ حَزيــنْ
ضــَحوكٌ وقـد بلَّلتـهُ الـدُّموعُ
طَــرُوبٌ وقـد ظَلَّلَتْـهُ الشـُّجُونْ
تعـــانِقُهُ ســـَكَراتُ الهَــوَى
وتحضـــُنُهُ شـــَهَقَاتُ الأَنيــنْ
يُشـابِهُ روحَ الشـَّبابِ الجميـلِ
إِذا مَـا تـأَلَّقَ بَيْـنَ الجُّفـونْ
أَعــادَ لنفســي خَيـالاً جميلاً
لَقَــدْ حَجَبَتْـهُ صـُرُوفُ السـِّنينْ
فَطَــافَتْ بهــا هَجَسـَاتُ الأَسـى
وعـادَتْ لهـا خُطُـواتُ الجُنُـونْ
أَظَـلَّ الفضـاءَ جنـاحُ الغـروبِ
فــأَلقى عليــهِ جمـالاً كَئيـبْ
وأَلبَســَهُ حُلَّـةً مـن جَلالٍ شـجيٍّ
قـــــويٍّ جميــــلٍ غَلُــــوبْ
فنامَتْ على العُشْبِ تِلْكَ الزُّهُورُ
لمرأَى المساءِ الحزينِ الرَّهيبْ
وآبَـتْ طيـورُ الفضـاءِ الجميلِ
لأوكارِهــا فرِحــاتِ القُلُــوبْ
وقـــدْ أَضــمرَتْ بأَغاريــدها
خيـالَ السَّماءِ الفسيح الرَّحيبْ
وَوَلَّـى رُعاةُ السَّوامِ إلى الحيِّ
يُزْجُونهـا فـي صـُماتِ الغُـروبْ
فتَثْغُـــو حنينــاً لحِمْلانِهــا
وتقطـفُ زهـرَ المُـروجِ الخَصيبْ
وهـمْ يُنشـِدونَ أَهازيجَهمْ بصوتٍ
بهيــــجٍ فَــــرُوحٍ طَــــرُوبْ
ويَســــْتَمْنِحونَ مزاميرهــــم
فتمنحُهُــمْ كُــلَّ لحــنٍ عجيـبْ
تطيــرُ بــهِ نَسـَماتُ الغـروبِ
إلـى الشَّفقِ المُسْتَطيرِ الخَلُوبْ
وتـوحي لهـم نَظَـرَاتُ الصَّبايا
أَناشـيدَ عهـدِ الشَّبابِ الرَّطيبْ
وأَقْبَـــلَ كُــلٌّ إلــى أهلِــهِ
سـِوَى أملـي المستطارِ الغَريبْ
فقـد تـاهَ في مَعْسَباتِ الحَيَاة
وسـُدَّتْ عليـه منـاجي الـدُّروبْ
وظــلَّ شـَريداً وحيـداً بعيـداً
يُغـالبُ عُنْـفَ الحَيَـاةِ العَصيبْ
وقـد كـانَ مِـنْ قبـلُ ذا غبطةٍ
يُرفـرفُ حـولَ فـؤادي الخَصـيبْ
ولمَّـا أَظـلَّ المَسـاءُ السـَّماءَ
وأسـكَرَ بـالحُزْنِ روحَ الوُجُـودْ
وقفتُ وساءلتُهُ هل يَؤوبُ لقلبي
رَبيـــعُ الحَيَـــاةِ الشــَّرودْ
فَتَخْفُـقُ فيـه أَغـاني الـورودِ
ويخضـرُّ فِـرْدَوْسُ نفسـي الحَصيدْ
وتختـالُ فيـهِ عَـروسُ الصـَّباحِ
وتمـرَحُ نَشـْوَى بـذاكَ النَّشـيدْ
ويَرجـعُ لـي مِـنْ عِراصِ الجحيمِ
سـلامُ الفـؤادِ الجميلُ العهيدْ
فقــد كبَّلَتْــهُ بَنــاتُ الظَّلامِ
وأَلقيْنَــهُ فــي ظلامِ اللُّحـودْ
فأَصـْغى إلـى لَهَفـي المسـتمرِّ
وخــاطَبَني مِــنْ مكـانٍ بعيـدْ
تَعــودُ ادِّكـاراتُ ذاكَ الهَـوَى
ولكــنَّ سـِحْرَ الهَـوَى لا يَعـودْ
فجَاشـَتْ بنفـس مآسـي الحَيَـاةِ
وسـخطُ القُنُـوطِ القويِّ المُريدْ
ولمَّــا طَغَـتْ عَصـَفاتُ القُنُـوط
فمــادتْ بكــلِّ مَكِيــنٍ عَتيـدْ
أَهَبْـتُ بقلـبي الهلوعِ الجزوعِ
وكـانَ مِـنْ قبـلُ جَلْـداً شـَديدْ
تجلَّــدْ ولا تَســْتَكِنْ للَّيــالي
فمـا فـازَ إلاَّ الصَّبورُ الجَليدْ
ولا تَـأْسَ مِـنْ حادِثـاتِ الدُّهُورِ
فخَلْـفَ الـدَّياجيرِ فَجْـرٌ جَديـدْ
ولـولا غيـومُ الشـِّتاءِ الغِضابُ
لمـا نَضـَّدَ الرَّوضُ تِلْكَ الوُرودْ
ولــولا ظَلامُ الحَيَـاةِ العَبُـوسُ
لمـا نَسـَجَ الصُّبْحُ تِلْكَ البُرُودْ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .