
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هلعـت قلـوب القـوم في اليابانِ
للبحــر حيــن طغــى وَللنيـرانِ
جُــزُرٌ غليــن كمرجــلٍ فتهــدَّمت
أَعلامُهــا مــن شــدَّة الغَليــان
وكــأن أَســباب السـماء تقطعـت
وكـــأن قلــب الأرض ذو خفقــان
عــــرت البلاد زلازلٌ فتقوَّضــــت
فيهــا بهــنَّ منــازلٌ وَمَغــاني
سـل مـن أَلَـمَّ بهـا يقيس خرابها
مـاذا يـرى فيهـا مـن العمـران
وكأَنَّمـا اِعتاضـَت جحيمـاً تَلتَظـي
عَـــن جنـــة ملتفــة الأغصــان
أَرأَيتُمــا يــا أَيُّهـا القَمـرانِ
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
صـعقت تخـر إِلـى الوجوه حلولها
للصــيحة الكــبرى بكــل مَكـان
مُنــيَ القُلـوب وكـل حـي عنـدها
والأرض ذات العـــرض بالرجفــان
كَـم مرضـعٍ ذهلـت لهـا عَن طفلها
فرمــت بــه عنهـا مـن الأحضـان
وَكَــم اسـتجار أَبٌ عَليـل بـابنه
فأَشـــاح بـــالإعراض وَالخــذلان
كــل اِفــتراقٍ لا أبـا لـك هيـنٌ
إلا افــتراق الــروح والجثمـان
مــا للأعـزة فـي مناعـة أَرضـهم
هـانوا وَمـا خلقـوا بهـا لهوان
أَرأَيتُمــا يــا أَيُّهـا القَمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
نــار وَطوفــان وَزلــزال معــا
لَـم تُبـق مـن صـرحٍ ومـن إيـوان
أكئبْ بهاتيـك الطلـول وَمـا بها
مــن مشـهدٍ يـدعو إلـى الأشـجان
تَبكـي العيـونُ عَلى عفاء ربوعها
وَمصــارع الفتيــات وَالفتيــان
يـا للشـقاء وَنكبـة نزلـت بمـن
نَزلــوا بتلــك الأرض مـن سـكان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
أَخـذت تصـب بهـا الطَبيعة غيظها
وَتَثــور حانقــة عَلــى الإنسـان
مــاذا أَثـار الأرض حـتى أَصـبحت
تَرنــو إلـى الإنسـان بالعـدوان
النـار شـبت فـي البلاد فـأَحرقت
فيهـا الَّـذين نجـوا من الطغيان
وَالمـاء أَغـرق من نجوا بفرارهم
مـن تلكـم النيـران في البلدان
عصفت بهم في اللَيل عاصفة الردى
فَبَـدا الحَريـق بجـانِب الطوفـان
إن صـُدَّ عَـن بحـر فنـار قـد بَدَت
أَو صــد عَــن نــار فَلُـجٌّ دانـي
النــار تــدفعهم إلـى أَمـواجه
وَالمـوج يقـذفهم إلـى النيـران
المـاء وَالنيـران قَـد فَتكا بهم
وَالمــاء وَالنيــران يســتبقان
النــار تَشـوي وَجههـم بشـواظها
وَالمـــاء يغرقهــم بلا تحنــان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
الأرض تقصــف كالمــدافع تحتهـم
وَالجـو يلمـع بـاللَهيب القـاني
وَتَـرى الـبروق وَقَد تتابع وَمضُها
تَبــدو ضـواحك فـي سـحاب دخـان
وإذا الصـواعق أَرزَمَـت من فوقهم
خــروا لخشــيتها إلـى الأذقـان
بـل كُلَّمـا سـمعوا هزيـمَ رعودها
وَضــعوا أَصــابعَهم عَلــى الآذان
وَإِذا أَضـاءَت أَغمضـوا حذر الردى
أَو خطفهــا الأبصــار باللمعـان
إنَّ الغشمشــم وَالجبــان كلاهمـا
فـي مثـل تلـك الحـال يسـتَويان
وكأنمــا تلــك الجَزيـرَة كلهـا
لَيســَت عَلــى وسـع سـوى بركـان
قَـد كانَ في اليابان يا لشقائها
مـا لَـم يكـن في الظن والحسبان
أكـبر بهـا مـن نكبـةٍ سوداء قد
أَخنــت عَلــى الآبـاء والولـدانِ
أَمـا الوجـوه فإنهـا قـد بـدلت
ألـــوانهن بأَســـوأ الألـــوان
مســودة بالنــار تحســب أَنَّهـا
مطليـــة بالقـــار وَالقطــران
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
الرجَّــة الأولــى وَكــانَت بغتـةً
أَودَت بـــأكثرهم ببضــع ثــوان
مـاتوا وَمـاتوا ثم ماتوا ثم لم
يسـلم سـوى القاصـي من الموتان
أَمـا الألـى ظنوا النجاة لنفسهم
فـالظن صـار بهـم إلـى الخـذلان
لا يعرفـون أَأبعـدوا عَـن حتفهـم
أَم أَنَّ ســاعات الحمــام دوانـي
لَـم يطـو مـن أَسَفي عليهم كونهم
متـــوارثين عبـــادة الأوثــان
بـل كلنـا بشـر أَبـوهم مِـن أَبي
عنــد الرجــوع وَكلهـم إخـواني
مـــا تلـــك إلا أُمَّــة شــرقية
قـــامَت قيامتهــا بغيــر أوان
كَـم كـانَ فيهـم مـن خَطيـب مصقع
طلــب البيــان ولات حيـن بيـان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
خطــب جســام لَـم يشـاهد مثلـه
وَلَقَــد مضــت حقـب مـن الأزمـانِ
لَـو أنهـم كـانوا أَمـام جحافـل
طَلَبـوا النـزال وَسـارعوا لطعان
لكنهــم عرفــوا بــأن عــدوهم
لا يَنتَهـــي بشــجاعة الشــجعان
أَرأَيتُمــا يــا أَيُّهـا القَمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
أَمــا الخسـار فـإنه فـي نفسـه
لأَجــلُّ مــن وصــفٍ ومــن تبيـان
بـل ليـس يَـدري غير زائر جزرهم
مـا قَـد أَصـابَ القـوم من خسران
ذاكَ الـثراء الـوفر من مجهودهم
لَـم يغنهـم شـيئاً عَـن الحـدثان
وَهَــل الحَيـاة اذا أَلَمَّـت نكبـة
مــا يَشــترى بالأصــفر الرنّـان
أَهُنـاك مـن نفـس المسـاوم مانع
أَم حيـل بيـن العيـر وَالنـزوان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
يـا زهـرة الشرق الَّتي قد أزهرت
حينــاً كأحســن كــوكب نـوراني
قَـد كـانَ وجهـك فـاتني لمعـانه
لَهفــي عَلــى لَمعــانه الفتـان
أَي الصــروف عــرا يسـومك ذلـة
وَهَــل النجــوم تــذل للصـرفان
الشــرق لَيــسَ وإن تعــدد رزؤه
عَــن نكبـة اليابـان ذا سـلوان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
وَلَقَـد يريـك الـدهر فـي حدثانه
مــا للطَبيعـة فيـه مـن سـلطان
لا يســلم الإنسـان مـن عـدوانها
فالوَيــل كــل الوَيــل للإِنسـان
إِنَّ الطَبيعــة لا تُســالِم أَهلهـا
فــي كــل أَرض أَو بكــل زَمــان
تـأَتي الكـوارِث يتّبعـن كوارثـاً
فتلـــمُّ بالإنســـان وَالحَيــوان
الأرض تَحـتَ المـرء يَغلـي جأَشـها
وَينـام ملـء العيـن في اطمئنان
لَيـسَ الَّـذي تـأَتيه عنـد هـدوِّها
مثـل الَّـذي تـأَتيه فـي الثوران
فـي جوفها النيران تذكو وهي لا
تنفــك حــول الشـمس عـن دوران
إِنّــا مـن الأرض الفضـاء ببقعـة
لَيـسَ الحَيـاة بهـا سـوى حـدثان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
إن الـــزَلازِل لا تَـــزال خفيَّــة
أَســباب ثورتهــا عَــن الأذهـان
كـثرت ظنـون العقـل في تَعليلها
وَالكــل مفتقــر إلــى برهــان
وَلَقَـد تَكـون الكَهربـاء يثيرهـا
فـي الأرض طبـق ظروفهـا القمران
الكَــون نسـج الكَهربـاء وإنهـا
هـي هـذه الحركـات فـي الأكـوان
وَهُنـاك نـاس جـاهِلون يَـرون فـي
أمــر الــزَلازل أصـبع الشـَيطان
وَالبَعــض يزعـم أن جملـة أَرضـه
حملــت عَلــى ثــور لـه قرنـان
فــإذا تعمــد أن يحــرك قرنـه
أَخــذت جَميــع الأرض بالرجفــان
أَرأَيتمــا يــا أَيُّهـا القمـران
فـي الحادِثـات كنكبـة اليابـان
جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الكلم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).