
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
تضـمن منـك القـبر لَو يَعلَم القَبرُ
أَديبـاً بكاه الناس وَالعلمُ وَالشعرُ
بكـاه النـدى لمـا أصيب به الندى
بكـاه الحجى والمجد والحسب الوفر
وَقفـت عَلـى قـبر طـوى أَقربَ الورى
إِلـيَّ وَدمـع الحـزن مـن أَعيني نثر
علــى جــدث مــوفٍ جديــد ترابـه
هنـاك هنـاك الجود والنائل الغمر
هنـاك هنـاك العلم والفهم والنهى
هنـاك هنـاك الفضل والصدق والبشر
هنــاك أخــي عبــد الغنـيّ مغيَّـب
هنـاك شـقيقي مؤنسـي صـاحبي البَر
فَيـا قَـبر أَنـتَ اليـوم أَكرم بقعة
من الأرض ذاتَ العرض فيها اِنطوى حر
لـيَ الويـل مـن رزء عظيـم أصابني
وكسـرٍ علـى الأيـام ليـس لـه جـبر
فيـا لهـوَ أفـراح الليالي وطيبها
ويـا سـلوة الأيـام موعـدك الحشـر
لعمـري قـد اِجتثـت يَدُ المَوت دوحةً
تَسامَت الى العلياء أغصانها الخضر
مضـى مـن بـهِ قـد كـان يسترُّ صحبُه
فهـل بعـده يسـترُّ مـن كـان يسـترُّ
لقـد مـات من قد كان للجود موئلا
لقـد مات من قد كان يحيا بهِ البر
لَقَـد مـاتَ مَـن قَـد ماتَ عزي لموته
وَمــاتَ عـزائي وَالسـَكينة وَالصـبر
لِنَفســي إذا نـاجيت نَفسـي ضـراعة
وأَوجــه آمـالي الَّـتي بطلـت غـبر
وفـي القلـب حـرٌّ فـاض دمعـي لأجلهِ
علـى أن دمعـي لا يبـوح بـهِ الحـرّ
ذخـــرت لهــذا أدمعــي ولمثلــه
فـواخجلي فـي الرزء إن نفد الذخر
لعمــرك مــا مـوت اللئام خسـارة
ولكــن مـوت الأكرميـن هـو الخُسـر
يقتّلنــا ريــب المنـون ومـا لـه
ســـلاح ولا نــاب هنــاك ولا ظفــر
أتعلــم هــذي النـاس أن حيـاتهم
إلـى الموت مهما التذ صاحبها جسر
وأن رضــا الأيــام عنهــم خديعـة
وأن مصــافاة الليـالي لهـم مكـر
نعـم جهلـوا والجهـل عـذر مصيرهم
ولـو علمـوا ما اغتر من كان يغتر
أَعبـد الغنـيّ اسمع إذا كنتَ سامعاً
نــداء أَخٍ قـد نـابه بعـدك الضـر
نـــداءَ أخ ذم الحيـــاة لأنهـــا
إذا لـم تكـن يسـراً لحاملهـا عسر
نــداء أَخ قــد زارَ قـبرك سـائِلاً
لتخـبره هَـل صـان أَوصـالك القـبر
أَم القبرِ لَم يحفظك حتى مشى البلى
إلـى ذلـك الخـد الَّذي دونه الزهر
بِنَفســيَ يـا عبـد الغنـيّ وأسـرتي
وَفــاؤُك وَالحسـنى عفافـك وَالطهـر
علـى بُرحـاءَ الشـوق منـا هجرتنـا
وزدت علـى مـا ليـس يبلغـه الهجر
يعــز عَلَينـا أَن يلـم بـك الـرَدى
وَيـذبل ذاكَ الزهـر وَالـورق النضر
لقـد طفـت عشـراً حـول قـبرك لاثماً
ترابـاً عليـهِ مـا لـه قبل ذا قدرُ
وأجريـت مـن عينـي دموعـاً مصـونة
بها ابتل مني الخد والجيد والنحر
فـأعززت تُربـاً كـان قبلـك صـاغرا
وأذللـت دمعـاً مـن خلائقـه الكـبر
قضـى اللَـه رب النـاس فينا بفرقة
ولِلّـه رب النـاس فيمـا قضـى الأمر
رحلــت عَـن الـدُنيا وَخلفـت للأسـى
أَخـاً لـك حلـو العيـش فـي فمه مر
أَخـاً لـك أَبكـي الـدهر بعدك عينَه
وَقَـد كـانَ قبلاً فيـك يضـحكه الدهر
أَخـاً لـك لا شـمس الضـحى في نهاره
تضـيء وَلا فـي لَيلـه الأنجـم الزهر
إذا مـا نهـارى جـاء ساورني الأسى
وإن جـنَّ ليلـي فالأسـى عسـكر مجـر
وَمـا كانَ منك العمر قد بلغ المدى
وَلكنمــا الأيــام شـيمتها الغـدر
تعـــاقب أيــامي برغــم فتمِّحــي
ولا ينمحـي مـن لوح فكري لك الذكر
قسـمت الأسـى بيـن المسـاء وصبحها
فهــذا لــه شـطر وهـذا لـه شـطر
لـذكراك فـي قَلـبي ومـن يأْسَ يدّكرْ
جـوىً هُوَ مثل الجمر أَو دونه الجمر
يَـذوب بِصـَدري القَلـب من حرّ ما به
وَذلـــك دَمعــي لا بكــيّ وَلا نــزر
بكيتـك حـتى صـار يرحمنـي البكـا
وترحمنـي البلـوى ويرحمنـي الضـر
يَقولـون صـبراً يـا جَميل عَلى الَّذي
أَصـابك مـن رزء وأنـى لـي الصـبر
ولـو أن أحزانـي بدجلـة مـا جـرت
ولـو أنهـا بالصـخر لانفطـر الصخر
ولــو أنهــا بـالبر زلـزل عرضـه
ولـو أنهـا بـالبحر لاضـطرب البحر
ومـا أنـس لا أنس اجتماعاتنا التي
بهـا العيـش قـرت عينه فهي العمر
وَكُنّــا غصـوناً أَنـتَ زهـرة روضـها
وَكُنّـا نجومـاً أَنتَ من بينها البدر
لقـد كنـت للقطـر العراقـي سؤدداً
وفخـراً لو ان القطر دام له الفخر
وإذ صــرَّح النــاعي لــه بوفـاته
وقـد راعني من أجل ما قاله الذعر
خــررت مكبــاً وانتفضــت بجملـتي
كمـا انتفـض العصـفور بلله القطر
وقلــت كمـا الطـائيُّ قـال بعصـره
كـذا فليجـل الخطـب وليفـدح الأمر
عـذرت عيونـاً فـاض للـرزءِ ماؤهـا
وليـس لعيـن لـم يفـض ماؤهـا عذر
فيـا لـك مـن خطـب يضـل له الهدى
ويـا لـك مـن كـرب يضيق به الصدر
ويـا لـك مـن رزءٍ لـه بـتُّ واجمـا
وبـات فـؤادي فيـه يعروه ما يعرو
ثقيــل علــى روحــي سـماع نعيـه
فيـا لـت سـمعي كـان عنـه به وقر
وحيـن أتـوا بـالنعش مـن ضيعة له
تــوُفىَ فيهـا صـدَّق الخـبرَ الخـبر
فقـــام عويـــلٌ للنســاءِ وضــجة
لهـا ارتجفـت أرض المنازل والجدر
وصـكت وجـوه لـم تكـن قبـلُ لطمـت
وأُرخـى منهـا فـي مناكبهـا الشعر
فقمنـا حـوالي نعشـه ننـدب العلى
ونبكيـه طول الليل حتى بدا الفجر
ولمـــا غســـلناه وتــمَّ جهــازه
وأُودع تابوتـــاً يجللـــه ســـتر
رفعنــاه بالأيــدي وفـوق خـدودنا
وفــوق تراقينــا مــدامعنا نـثر
مشـى مـن صنوف الناس إذ ذاك خلفه
بكـاةً ألـوفٌ ليـس يحصـيهم الحصـر
ولمــا وصــلنا الأعظميــة ضــحوة
دفنـاه فـي قـبر أتـم لـه الحفـر
نظــرت بإمعــان إلـى قعـر قـبره
إذا عرضــه شــبران بعـدهما فـتر
وأبنـا إلـى بغـداد والنـاس ألسن
تكــرّر أوصــافاً لــه كلهــا غـرُّ
وقمنــا بمرســوم العــزاء لأجلـهِ
ثلاثــة أيــام بهـا يقـرأ الـذكر
فجـاء إلينـا النـاس مـن كل وجهة
يعزوننـا فـي قـولهم لكـم الصـبر
ويتلـون الـروح الـتي أمس قد نأت
فواتــح يهـدى فـي تلاوتهـا الأجـر
أيـأمرني بالصـبر قـوم علـى الأسى
وقـد أهلكـت أهل الليالي وهم كثر
وقــد غــالت الإخــوان إلا أقلهـم
كــأنهمُ مــا ســاعدوني ولا سـروا
دهتهـم فـرادى واحـداً بعـد واحـدٍ
كـأن الليـالي عنـد أهلي لها وتر
أرى المـوت وثابـاً عَلَـى كـل موسر
وكــل فقيـر فـات مجهـوده اليسـر
فقـد نـزع المـثرين من عقرِ مالهم
كـأنهمُ مـن قبـل ذلـك لـم يـثروا
وغــال أناسـاً مـدقعين فلـم يكـن
ثقيلاً وإن المــوت يحمــده الفقـر
فيـا مـوت زر أهـل التعاسـة إنـه
عظيـم لـدى من زرت منهم لك الشكر
لنـا مـن حيـاة في تضاعيفها الأذى
طريـق إلـى الراحـات مسـلكه وعـر
جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الكلم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).