
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
يممـت بيـروت بعـد الشام في سفري
أجلــو بـأوجه أمجـادٍ بهـا بصـري
شـاهدت مـن أَهلهـا الأجـواد عارفة
مـا شـاهدت مثلهـا عيناي في عمُري
قـد عـاملوني بمـا تـوحي سريرتهم
إنــي بمــا عـاملوني جـد مفتخـر
وكرَّمــوني ومـا لـي مـا أقـابلهم
ســوى ثنــاء علـى تكريمهـم عطِـر
آبـاء بيـروت للأبنـاء قـد غرسـوا
فــذاقَ أبنـاءٌ بيـروت مـن الثمَـر
رأَيـت أبناءهـا قومـاً أولـي همـمٍ
مـا فـي عزائمهـم شـيء مـن الخور
يـا أَهـل بيـروت لا أَنسـى حفاوتكم
إذ جئت أدلـف فـي بيـروت من كبري
يعيـش شـعب إذا مـا كـانَ مرتقيـاً
فـي ذمـة العلم بعد الصارم الذكر
حــيّ الرئيــس بــه حفـت غطارفـة
كمــا تحـف نجـوم الليـل بـالقمر
حـيّ النجـوم وحـيّ الليـل يطلعهـا
مـا زينـة الليل غير الأنجم الزهر
أماثـل مـن ذرى بيـروت قـد لمعوا
فـي جـو ليـل مـن الأحـداث معتكـر
إنـي بحملـي إلـى بيـروت في سفري
شــعراً كمستبضـع تمـراً إلـى هجـر
مـا الشـعر إلا شـعور المرء يعرضه
علــى الأنـام بلفـظ غيـر ذي عكـر
جـم لعمـري الألـى للشعر قد قرضوا
وَلَيـسَ مـن بـرزوا فيـه سـوى نفـر
لَقَـد تَعاطـاه نـاس لا ابتكـار لهم
والكـل قـد ضـربوا منـه علـى وتر
الشـعر فـن إلـى ذي العلـم مفتقر
وَلَيــسَ للشــعر ذو علــم بمفتقـر
إن رمـت تفقـه معنى الشعر مكتنهاً
فاسأل عن الشعر أَهل العلم والنظر
والشـعر إن لـم يفـد معنـى يخلده
فإنمــا هــو معــدود مـن الهـذر
ولا يجيــد سـوى مـن كـان مبتكـراً
وَلَيــسَ كــل أخــي شــعر بمبتكـر
أَيــنَ الَّــذي يتقصـى مـا يشـاهده
وينظــم الشـعر فيـه نظـم مقتـدر
الشــعر بحــر خضــم لا قـرار لـه
مـا كـل مـن غـاص فيه جاء بالدرر
لا يكـبر الشـعر مـالم تُبـق روعتُه
فـي نفـس سـامعه شـيئاً مـن الأثـر
وهـــذه صــورة للشــعر أعرضــها
علـى الَّـذين يـرون الشـعر ذا صور
حللـت فـي روضـة كـانَ الكنار بها
مغــرداً فــوق غصــن نــاعم نضـر
وَكـــانَ يلبــس أَرياشــاً مزوقــةً
كــأَنَّه زهــرة صـفراء فـي الشـجر
وَقَــد رآنــي أدنـو منـه مسـترقاً
ففضـَّل الصـمتَ فعـل الخـائف الحذر
نــزا يطيــر نفـوراً فـوق أيكتـه
فقلــت ريثــك لا ترهــب ولا تطــر
الــزم مكانــك لا تحـذر مقـاربتي
فَلَيـسَ منـي عليـك اليـوم مـن خطر
غــرد فــانت إذا غــردت منفجـراً
فجَّــرت منِّــيَ دمعــاً غيـر منفجـر
أنــت المــثير بأنغــام ترجِّعهـا
للشـجو فـي الناس والأطيار والزهر
لأنــت شــاعر هـذا الـروض أجمعـه
وأنــت تنطــق إمـا قلـت بـالغرر
إنــي كمــا أنـت للأطيـار قاطبـة
لشــاعر قـد أغنـي الشـعر للبشـر
لا بـد للقلـب مـن عطـف علـى كلمي
إلا إذا كــانَ مقـدوداً مـن الحجـر
لَيـسَ الَّـذي سـنه مـن فرحـة ضـحكت
كمـن بكـى مـن صروف الدهر والغير
الكــون للمــرء يسـتقريه مدرسـة
والكـون للمـرء مملـوء مـن العبر
وَلَيـــسَ يُيئس أَرواحـــاً مفكـــرة
شـــيء كحــقٍّ مضــاع أَو دم هــدر
لَقَــد تجــادل نـاس حـول منزلـتي
مــن خــاذل مكــثر ذمـي ومنتصـر
كـانَت حيـاتيَ فـي بغـداد تسعد من
لبانــة كنــت أَقضـيها ومـن وطـر
وتلـك أَيـامي الأولـى الَّتي اختلفت
ممــا أُقاســيه عـن أَيـامي الأخـر
مـن بعـد شـربيَ كـأس العيش صافية
قـد صـرت أَشـربها طينـاً مع الكدر
لَقَــد كفـرت بنعمـى كنـت أَملكهـا
وقـد يغـص الفـتى بالبـارد الخصر
لا خيـر فـي المـاء يأتيني بلا تعب
وإن كفـاني عنـاء الـورد والصـدر
فـي البحـر مـد وجـزر يعبثـان به
والمــد والجــزر مفعـولان للقمـر
إن الحيـاة لحـرب لا انقضـاء لهـا
وليــس إلا لأهــل الصـبر مـن ظفـر
لا تهربـن مـن النـار الَّتي اضطرمت
وإن رمتــك فنــالَت منـك بالشـرر
لا يكـبر النـاس فـي عصـر نعيش به
مـن لـم يجـادل ولم ينفع ولم يضر
الحـازمون رأوا فـي السـعي مسعدة
فَلَـم يكونـوا مـن الأعمـال في ضجر
والجــاهلون قعــود فـي مجالسـهم
فلا اعتمــاد لهـم إلا علـى القـدر
جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الكلم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).