
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عديّ بن حاتم الطّائيّ، أبو طَرِيف، صحابيٌّ جليلٌ وأحدُ ساداتِ قومِهِ "بني ثُعَل" في الجاهليّة والإسلام. ورثَ سيادةَ قومِهِ في الجاهليّةِ عن أبيه حاتم المشهورِ بالرّئاسةِ والجُود ومكارِمِ الأخلاق، وقد تنصّر في الجاهليّة مع عددٍ جيّدٍ من قبيلته. لم يُسلم مع قومِه في عام الوفود، غير أنّه عادَ إلى النبيّ صلى اللهُ عليه وسلّم وأعلنَ إسلامَه، وحظيَ بصحبة النبيّ وروى عنه مجموعةً من الأحاديث، ونهى قومَه عن الاندماج في حروبِ الردّة، وقاتل مع خالد بن الوليد المرتدّين أصحاب "طليحة الأسدي"، ثمّ شاركَ في أهمّ مواقع الفتوحات؛ كالقادسيّة، ونهاوند، وغيرهما. انضمّ إلى عليّ بن أبي طالب ضدّ معاويةَ بنِ أبي سفيان، وشهد معه الجمل والنهروان وصفّين، وظلّ وفياً له وموالياً حتّى النّهاية، ولم تتغيّر مواقفُه في عهدِ الأمويّين من موالاة عليّ بن أبي طالب. اشتُهِرَ بحسنِ أخلاقِهِ ووفائِهِ وجُودِه، ومن صفاتِهِ الجسمانيّة أنّه كانَ طويلاً جسيماً وسيماً. لهُ ديوانُ شعرٍ صغير تدورُ أغلبُ موضوعاتِ شعرِه في وصفِ مشاهده مع علي بن أبي طالب، بالإضافةِ إلى مواقفه في حروب الردّة، وهناك مقطوعاتٌ بالفخر ووصفِ الشّيخوخة؛ فهو من المعمّرين.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
هو عديُّ بنُ حاتِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سعدِ بنِ الحَشرَجِ بنِ امرئِ القيسِ بنِ عَدِيِّ بنِ أخزمَ بنِ مهزومةَ بنِ ربيعةَ بنِ جرولِ بنِ ثُعَلَ بنِ عُمَرَ بنِ الغوثِ بنِ أددِ بنِ زيدِ بنِ يَشجُبَ بنِ عَريبِ بنِ زيدِ بنِ كَهلانَ بنِ سبأَ بنِ يشجُبَ بنِ يَعرُبَ بنِ قحطان.
وقَبيلتُهُ هي قبيلةُ "طَيِّئ" الّتي تُعَدُّ من جماجمِ العرب، وهي من أقدمِ القبائلِ العربيّةِ في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، وتُنسَبُ إلى قبائلِ كَهلانَ القحطانيّةِ اليمانيّة، فيما يرى المؤرّخُ جوادُ علي أنّها قبيلةٌ قديمةٌ قدمَ ثمودَ وطسم وجديس؛ ذلك لورودِ آثارِها لدى الأممِ القديمةِ الّتي تناولت بالحديثِ شبهَ الجزيرةِ العربيّةِ وقبائلَها، إلى الحدِّ الّذي سمّت بعضُ الأمم العربَ كافّةً بالطّائيّين نظراً لغلبتِهِم على المنطقة.
أمّا البطنُ الّذي ينتمي إليهِ عَدِيُّ من بطونِ طَيِّئ فهو "بنو ثُعَل"، وقد ذكرَ النسّابونَ أنّ في هذا البطنِ القوّةَ والعدَدَ، ومنهم السّاداتُ في الجاهليّة والإسلام؛ فمنهم حاتمُ الطّائيّ والدُ عَدِيّ، وزيدُ الخيل، وأوسُ بنُ حارثةَ. ومنهمُ الشّاعرانِ الكبيرانِ أبو تمّام والبحتريّ.
ومساكنُ قبيلةِ طَيّئ في بلادِ الجبلينِ المعروفةِ حاليّاً بـ"حائِل"، وجبلا طَيّئ الشّهيرانِ هُما: أجأ وسلمى.
يُكنى عديُّ بنُ حاتِم بأبي طريف، وبأبي وَهْب.
والدُهُ حاتِمُ الطّائيّ، وهو شخصيّةٌ ذاتُ وَقْعٍ كبيرٍ في الثّقافةِ العربيّةِ لما اشتُهِرَ بهِ من الكرمِ والجُودِ ومكارمِ الأخلاق، حتّى إنّ المثلَ يُضرَبُ بكرمِهِ فيُقال: "أجودُ من حاتم". وقد كانَ حاتم من أمراءِ قبيلةِ طَيِّئ وساداتِهم الكبار، وفي كتبِ الأدبِ عشراتُ القصصِ المرويّةِ عن كرمِ حاتم ورفعةِ أخلاقِه، وهو بَعْدُ شاعرٌ يدورُ شعرُهُ في الكرمِ والجُودِ والحكمة.
أمّا أمُّهُ فهيَ ماويّةُ بنتُ عَفزر، وهي إحدى بناتِ ملوكِ اليمن. وقيلَ إنّ أمّهُ هيَ نوّارُ بنتُ ثرملة، الّتي تزوّجت بعد حاتم الطّائيّ زيادَ بنَ غُطيف.
أمّا إخوتُهُ فلا تذكرُ المصادرُ الأدبيّةُ من الذّكور سوى عبدِ اللهِ بن حاتم، ولا حضورَ لهُ في تلك المصادر. وتفرّدَ ابنُ كثير فذكرَ ولداً ثالثاً لحاتم اسمُهُ "ثوابةُ بن حاتم".
غيرَ أنّ الحضورَ الطّاغي في المصادر كانَ لأختِهِ "سفّانةَ بنتِ حاتم" الّتي أسرَها المسلمونَ بعد غزوةٍ على جبلي طيِّئ في سنة 9هـ، وحينَ علمَ النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم بأنّها ابنةُ حاتم أمرَ بإخلاءِ سبيلِها وقال: "خلّوا عنها، فإنّ أباها كانَ يُحِبُّ مكارمَ الأخلاق، واللهُ تعالى يُحِبُّ مكارمَ الأخلاق" وفقَ ما رواهُ البيهقيّ.
وتضطربُ المصادرُ التّاريخيّةُ في شأنِ أولادِ عديّ بنِ حاتم؛ فمنهم مَن يرى أنّه لم يُعقِب وكانَ عقيماً، ومنهم مَن يرى أنّه أعقبَ لكنّ معظم أولادِهِ قُتِلوا في أحداثِ الفتنةِ الإسلاميّة.
أمّا أسماءُ أبنائِهِ فهم: طَريف، ووهب، وطرفة، ومطرّف، وزيد، ومحمّد، وعَرْكى.
أمّا طَريف وطرفة ومطرّف، فقد كانوا من أنصار علي بن أبي طالب، وشهدوا معه -بالإضافة لأبيهم عديّ- معركة صفّين، وفيها قُتلوا.
أمّا زيد فقد كانَ من أتباعِ معاوية بن أبي سُفيان بعد انقلابِهِ على جيشِ عليّ وقتلِهِ أحدَ أصحابِه ثأراً بخالِهِ حابس بن سعد الطّائيّ، وقيلَ إنّه قُتِلَ في صفِّين بسيوفِ جيشِ عليّ.
أمّا محمّد فقد قُتِلَ في معركةِ الجمل، وكان في صفّ عليّ.
ولم ينجُ من أبناءِ عديّ سوى وهب وعركى؛ إذ لا تذكرُ المصادرُ التّاريخيّةُ كيفيّةَ وفاتِهما.
ولـطريفِ بنِ عديّ بيتانِ من الشّعرِ قالَهما في تهديدِ مسيلمةَ الكذّاب بغزوِ أرضِ اليمامة:
إِذا قاتَلَتْ أَهْلُ اليمامةِ طَيِّئاً فيا رَحْمَكَ الرَّحْمَنُ فَأْذَنْ لَهُمْ بَعْدُ
إِذا ما رَأَوْا شَهْباءَ يَبْرُقُ بَيْضُها عَلى الدِّينِ دَعواها حَنِيفَةُ أَوْ سَعْدُ
ولزيدِ بنِ عديِّ بيتانِ من الشّعرِ كذلك قالَهُما في النّدَمِ على انقلابِهِ على عليّ، يقولُ:
تَطاوَلَ لَيْلِي وَاعْتَرانِي وَساوِسي بِبَيْعِي الْهُدى بِالتُّرَّهاتِ الْبَسابِسِ
فَتَرْكِي عَلِيّاً في صِحابِ مُحَمَّدٍ وَقَتْلي أَخا مَعْنٍ لِمَصْرَعِ حابِسِ
فَيا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لِيَ الْيَوْمَ تَوْبَةٌ أَناصِحُ فيها اللهَ أَوْ هُوَ آئِسِي
وتذكرُ المصادرُ الأدبيّةُ لعديّ بن حاتم ثلاثَ بنات، وهُنّ: أَسَدَة، وعَمْرَة، والقُذفَة. وقد تزوّجَت أسدةُ من عمرو بن حُريث المخزوميّ الّذي كان أوّلَ قُرَشِيٍّ يسكُنُ مدينةَ الكوفة.
تتّفقُ المصادرُ الأدبيّةُ أنّ عديّ بن حاتم قد ورثَ رئاسةَ قومِهِ "بني ثُعَل" عن أبيه حاتم، ولم يرِثِ الرّئاسةَ فحسب حتّى ورثَ صفاتِ أبيهِ وأخلاقَهُ المشهورةَ من الجُودِ ومكارمِ الأخلاق، حتّى قالَ رؤبةُ بن العجاج:
بِأَبِهِ اقْتَدى عَدِيٌّ في الْكَرَمْ وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ
وقد استمرَّ عَدِيٌّ رَئيساً لقومِهِ في الجاهليّةِ نحوَ خمسينَ عاماً، وفي هذه الفترةِ تردُ الكثيرُ من الأخبارِ عن جودِهِ وعطائِهِ الموروثينِ عن أبيه؛ من ذلك أنّ الأشعثَ بنَ قيس بعثَ إلى عَدِيّ يستعيرُ قُدورَ أبيه حاتم، فبعثَ عَدِيٌّ القدورَ إلى الأشعثِ مملوءَةً طعاماً، فقالَ الأشعثُ بنُ قيس: "إنّما أردناها فارغةً!" فردّ عَدِيّ: "إِنّا لا نُعيرُها فارغة!".
ومن ذلك أنّهُ سمعَ رجلاً من الأعرابِ يتكفّفُ النّاس ويقول: "يا قوم تصدّقوا على شيخٍ معيل، وعابر سبيل، شهد له ظاهرُه، وسمع شكواه خالقُه، بدنُهُ مطلوب، وثوبُه مسلوب"، فأقبلَ عليه عديّ وسألَهُ عن شأنِه، فقال إنّه مُلزَمٌ بدفعِ ديةٍ من مئةِ بعير، فقال عديّ: "دونكَها في بطنِ الوادي".
ومن عجيبِ أخبارِهِ أنَّ ابنَ دارَةَ الشّاعر قصدَهُ ليمدحَه، فلمّا رآهُ عديّ قالَ له: "أمسِكْ حتّى آتيكَ بمالي فتمدحني على حسبه، فإنّي أكره ألّا أعطيكَ ثمنَ ما تقول"، فذهبَ ومنحه ألف ضائنة، وألف درهم، وثلاثة أعبُد، بالإضافةِ إلى فرس! فقالَ ابنُ دارةَ يمدحُه:
تَحِنُّ قَلُوصِي فِي مَعَدٍّ وَإِنَّما تُلاقِيِ الرَّبيعَ فِي دِيارِ بَنِي ثُعَلْ
وأبْقَى اللَّيالِي مِنْ عَدِيِّ بنِ حاتَمٍ حُساماً كَنَصْلِ السَّيْفِ سُلَّ مِنَ الْخِلَلْ
أَبُوكَ جَوادٌ لا يُشَقُّ غُبارُه وَأَنْتَ جَوادٌ لَيْسَ يُعْذِرُ بِالْعِلَلْ
فَإِنْ تَفْعَلُوا شَرّاً فَمِثْلُكُمُ اتَّقى وَإِنْ تَفْعَلُوا خَيْراً فَمِثْلُكُمُ فَعَلْ
فلمّا بلغ البيتَ الرّابعَ قالَ لهُ عَدِيّ: أمسِك، لا يبلغُ مالي أكثرَ مِنْ هذا!
وفي المصادرِ الأدبيّةِ الكثيرُ من الأخبارِ الشّبيهةِ بما أوردناهُ، وهي أخبارٌ متّصلَةٌ بينَ عديٍّ وأبيه، وإن كانت أضخمَ بكثير فيما يخصُّ حاتِماً.
وقد ورثَ عديُّ بنُ حاتِم عبادةَ الأصنامِ عن قبيلتِهِ طَيِّئ، لا سيّما صنمَها الشّهير بـ"الفُلْس"، وكانوا قد نصبُوهُ في جبلِهِم "أجأ"، وجاءَ في صفتِهِ أنّه كان تمثالاً أسودَ كأنّهُ إنسان. وقد تعبّدَ له عديُّ بنُ حاتم حتّى أدركَ أنّ عبادتَهُ باطلةٌ بسببِ حلِّ رجلٍ لناقةٍ موقوفةٍ عند الصَّنَم دون أن يمسَّه سوء، وهو ما دفعَ عديّاً إلى اتّخاذِ النّصرانيّةِ ديناً له. وكانتِ النّصرانيّةُ قد انتشرت في قبيلتِهِ قبيلَ الإسلام انتشاراً نصّ عليه المؤرّخون، وحينَ جاءَ الإسلامُ كان عديُّ بنُ حاتم ما يزالُ على نصرانيّتِه.
وبقي عدِيّ سيّداً على قومِهِ معَ نصرانيّتِه، غيرَ أنّ نفراً كبيراً منهم قد تمسّكَ بوثنيّتِهِ، ويذكرُ الباحثونَ أنّ عَدِيّ بنَ حاتم عمَّر خمسينَ عاماً في الجاهليّة. ثُمّ لما بُعِثَ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، لم يُسلِم عَدِيّ، ولم يفِد على النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في عام الوفود مع وفدِ بني طيِّئ، ويبدو أنّ نفراً كبيراً من القبيلةِ لم يفِد كذلك مثلَ عَدِيّ. وفي السنةِ التاسعةِ للهجرةِ أرسلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سريّةً على رأسها عليُّ بنُ أبي طالب أُطْلِقَ عليها "سريّةُ الفُلس"؛ لأنّ هدفَها كان هدمَ صنم الفُلس وإخضاع قبيلةِ طيِّئ. وقد فرَّ عديُّ بنُ حاتم إلى الشّام لانتشارِ النّصرانيّة هناك، غيرَ أنّ حادثةَ إطلاقِ أخته "سفّانة" من قبلِ النّبيّ قد لمسَتْهُ وشجّعته على القدوم للمدينة لإشهارِ إسلامه، وننقلُ حديثَ إسلامِه هُنا كما رواهُ ابنُ حبّانَ في صحيحه:
"عن أبي عبيدةَ بنِ حذيفةَ قال: كُنْتُ أسأَلُ عن حديثِ عَديِّ بنِ حاتمٍ وهو إلى جَنبي لا آتيه فأسأَلَه، فأتَيْتُه فسأَلْتُه فقال: بُعِث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حيثُ بُعِث فكرِهْتُه أكثَرَ ما كرِهْتُ شيئًا قطُّ، فانطلَقْتُ حتَّى كُنْتُ في أقصى الأرضِ ممَّا يلي الرُّومَ، فقُلْتُ: لو أتَيْتُ هذا الرَّجُلَ فإنْ كان كاذبًا لم يَخْفَ علَيَّ وإنْ كان صادقًا اتَّبَعْتُه فأقبَلْتُ فلمَّا قدِمْتُ المدينةَ استشرَف لي النَّاسُ وقالوا: جاء عَديُّ بنُ حاتمٍ جاء عَديُّ بنُ حاتمٍ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لي: (يا عَديُّ بنَ حاتمٍ أسلِمْ تسلَمْ) قال: قُلْتُ: إنَّ لي دِينًا، قال: (أنا أعلَمُ بدِينِكَ منكَ - مرَّتينِ أو ثلاثًا - ألستَ ترأَسُ قومَك)؟ قال: قُلْتُ: بلى، قال: (ألستَ تأكُلُ المِرباعَ)؟ قال: قُلْتُ: بلى قال: (فإنَّ ذلك لا يحِلُّ لك في دِينِك)، قال: فتضعضَعْتُ لذلك، ثمَّ قال: (يا عَديُّ بنَ حاتمٍ، أسلِمْ تسلَمْ، فإنِّي قد أظُنُّ -أو قد أرى أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه ما يمنَعُك أنْ تُسلِمَ خَصاصةٌ تراها مِن حولي. وتوشِكُ الظَّعينةُ أنْ ترحَلَ مِن الحِيرةِ بغيرِ جِوارٍ حتَّى تطوفَ بالبيتِ، ولَتُفتَحَنَّ علينا كنوزُ كِسرى بنِ هُرْمُزَ، ولَيَفيضَنَّ المالُ -أو لَيفيضُ- حتَّى يُهِمَّ الرَّجُلَ مَن يقبَلُ منه مالَه صدقةً) قال عَديُّ بنُ حاتمٍ: فقد رأَيْتُ الظَّعينةَ ترحَلُ مِن الحِيرةِ بغيرِ جِوارٍ حتَّى تطوفَ بالبيتِ، وكُنْتُ في أوَّلِ خيلٍ أغارَتْ على المدائنِ على كنوزِ كِسرى بنِ هُرْمُزَ، وأحلِفُ باللهِ لَتَجيئَنَّ الثَّالثةُ. إنَّه لَقولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لي"
وهكذا فقد أسلمَ عديُّ بنُ حاتم، وكانت لهُ صُحبَةٌ مع النبيّ كما نصَّ المؤرّخون، وحدّثَ عن النبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم بأحاديثَ معتبرةٍ وعلى درجةٍ جيّدةٍ من الصحّة؛ فقد ترجم له البخاريّ في "التاريخ الكبير"، وذكرَه ابنُ حبّانَ في كتابِه "الثّقات"، ومِمّن روى عنه من التّابعين: عامر الشُّعبيّ، وسعيد بن جُبير، وهمّام بن الحارث، وابن سيرين، وغيرهم.
كما أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم أعلى من مقامِهِ بصفتِهِ سيّدَ قومِه، وجعلَهُ عاملاً على صدَقاتِ طَيِّئ وأسد، وكانَ يُوسِعُ لهُ في المجلس.
وفي عهدِ أبي بكر، ارتدَّ نفرٌ كبيرٌ من قبيلةِ طيِّئ ومن يحيطُ بها من قبائل أسد وغطفان، فمنعَ عَدِيّ عشريتَهُ "بني ثُعَل" من الرّدّةِ، ونهاهُم عن منعِ الزّكاةِ كما فعلت أحياءُ طيّئ الأخرى، وقال في ذلك شعراً:
أَلَا إِنَّ هـذا الدِّينَ أصْبَـحَ أَهْلُهُ عَلَى مِثْـلِ حَدِّ السَّيْفِ بَعْـدَ مُحَمَّدِ
وَلَا ذَاكَ مِـنْ ذُلٍّ وَلَا مِنْ مَخـافَـةٍ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيا لِإِنْجازِ مَوْعِدِ
وَلكِـنْ أُصِبْـنـا بِالنَّبـِيِّ فَلَيْـلُنـا طَـوِيــلٌ كَـلَيْـلِ الْأَرْمَدِ الْمُتَـلَدِّدِ
وقد مدحَهُ الحارثُ بنُ مالك الطّائيّ على وفائِه للنبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم فقال:
وَفَيْنَا وَفاءً لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ وَسَرْبَلَنا مَجْداً عَدِيُّ بْنُ حاتِمِ
ولم يكتفِ عديٌّ بنهيِ قومِه عن الارتداد، بل تكفّل لخالدِ بن الوليدِ بإقناعِ بني جديلةَ بالعودةِ عن الرّدّة قبل أن يسيرَ إليهم بجيشِه، وهو ما كان. كذلك شاركَ عديُّ بنُ حاتم في قتال المرتدّين مشاركةً مشهودةً؛ إذ سارَ معَ خالدِ بن الوليد لقتال "طليحة الأسديّ" حاملاً لواءَ طَيِّئ. وقالَ عديّ في ذلك:
إنَّا طُلَيْحَةَ وَالْخِدَاعُ سَقامُ إنَّا مَعاشِرُ دِينُنا الْإسْلامُ
فاللَّهُ رَبِّي والنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ وَالْحِلُّ حِلٌّ والْحَرامُ حَرامُ
هذا الَّذي نَرْجو النَّجاةَ بِفَضْلِهِ نَسْري إِلَيْهِ وَالنِّيامُ نِيامُ
فَقِرُوا فَإِنَّ الدِّينَ دِينٌ واحِدٌ واللهُ حَيٌّ وَالْكِتابُ إِمامُ
وقد مدحَ خالدُ بنُ الوليدَ قبيلةَ طَيِّئ ومشاركتَها في حركةِ دفعِ المرتدّين فقال:
جزى اللهُ عَنَّا طَيِّئاً في بِلادِها بِمُعْتَرَكِ الْأَبْطالِ خَيْرَ جَزاءِ
هُمُ أَهْلُ راياتِ السَّماحَةِ والنَّدى=إِذا ما الصَّبا أَلْوَتْ بِكُلِّ خِباءش#
وقد كانَ عديُّ بنُ حاتم محلّ ثناءٍ كبيرٍ من الخليفةِ عمرَ بنَ الخطّاب؛ من ذلك أنّه وفدَ على عمرَ بنِ الخطّاب، غير أنّه كانت من عادةِ عمرَ ألّا يُعَظِّمَ النّاس، فظنَّ عديٌّ أنّ عمر يجفوه، وقالَ له: "أما تعرفُني؟"، فأجابَ عمر: "بلى والله أعرفُك، فقد أسلمتَ إذ كفَرُوا، ووفَّيْتَ إِذ غَدَرُوا، وأقبلتَ إذ أدبرُوا، وأوّل صدقةٍ بيّضَت وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم صدقة طيِّئ"، فخجلَ عدِيّ وقال: حسبي يا أميرَ المؤمنينَ حسبي.
وقد شاركَ عديُّ بنُ حاتم في حركةِ الفتوحاتِ الإسلاميّة وشهدَ أهمّ المعاركِ التّاريخيّة الفاصلة؛ فقد شاركَ في فتح العراق، وفي معركةِ القادسيّة، ومعركة جلولاء، ومعركة نهاوند. وكان في كلّ تلك المشاهدِ سيّدَ قبيلتِهِ "طَيِّئ".
ولا يبدو أنّ عديّ بنَ حاتم كان راضياً عن سياسةِ عثمانَ بنِ عفّان، وقد قالَ بعد مقتلِهِ: "لا ينتطِح في قتلِهِ عَنْزان"، وبرغمِ ذلك فقد كانَ يتورّعُ عن أن يناصبَهُ العداء، ولم يرضَ حتّى بعد مرورِ السّنوات وإقامتِهِ بالكوفةِ أن يسمعَ النّاسَ تشتمُ عثمان، وقيل إنّه غادرَ الكوفةَ كلّها إلى قرقيساء بعد شتمِ بعضِ أهلها لعثمان.
إلّا أنّ قتلَ عثمانَ بنِ عفّان كانَ قد فجّرَ الأحداثَ في العالمِ الإسلاميّ، وانقسمَ النّاسُ ما بينَ مؤيّدٍ لعليّ بن أبي طالب ومؤيّدٍ لمعاويةَ بنِ أبي سُفيان. وكان عديُّ بنُ حاتم شديدَ الحُبّ والولاء لعليّ، وبمجرّد قتلِ عثمان انتقلَ عَدِيّ إلى الكوفةِ ليقفَ في صفّ عليّ، وشهدَ معَه يومَ الجمل، وفُقِئت عينُهُ هناك، وقُتِلَ ابنُه "محمّد". ثمّ شاركَ عليّاً في وقعةِ صفّين، وفيها قُتِلَ أولادُهُ الثلاثة: طريف، ومطرّف، وطرَفَة.
وكان عديُّ بنُ حاتم شديدَ الوفاءِ لعليّ بن أبي طالب في المشاهدِ كلِّها، وكان من خاصّةِ الخاصّة لديه، يقولُ في حبِّه لعليّ:
أَقُولُ لَمَّا أَنْ رَأَيْتُ الْمَعْمَعَهْ وَاجْتَمَعَ الْجُنْدانِ وَسْطَ الْبَلْقَعَهْ
هذا عَلِيٌّ وَالْهُدَى حَقّاً مَعَهْ يا ربِّ فَاحْفَظْهُ وَلَا تُضَيِّعَهْ
فَإِنَّهُ يَخْشاكَ رَبِّي فَارْفَعَهْ
وقد نصحَ عليّاً بألّا يجنحَ للسّلم بعد رفعِ أهل الشّام المصاحفَ على الرّماح، وقالَ له: "يا أمير المؤمنين، إن كان أهلُ الباطلِ لا يقومونَ بأهلِ الحقّ، فإنّهُ لم يُصَب عُصبَةٌ منّا إلّا وقد أصيبَ مثلُها منهم، وكلٌّ مقروح، ولكنّا أمثلُ بقيّةً منهم، وقد جزع القومُ وليسَ بعد الجزعِ إلّا ما تُحِبّ، فناجِزِ القوم".
وفي المعارك، كان عديٌّ شديدَ الحرصِ على عليّ بنِ أبي طالب، وكانَ يهرعُ في حرّ المعركةِ بحثاً عن عليّ، وحينَ تفرّقَ أصحابُ عليٍّ عنه بعد واقعة التّحكيم، ظلّ عديُّ بنُ حاتم وفيّاً له، وظلّ على صحبتِهِ حتّى قُتِلَ على يدِ عبد الرحمن بن ملجم.
وفي ديوانِ عديّ حادثةٌ أليمةٌ تمثّلت في قتلِ ابنِهِ "زَيد" لأحدِ رِجال بني بكر من أصحابِ عليّ بن أبي طالب ثأراً بخالهِ حابس بن سعد الطّائيّ، ثمّ انشقّ عن جيشِ عليّ إلى جيش معاوية. وقد أغضبَت هذه الحادثةُ عديّاً، وقال في ذلك:
يا زَيْدُ قَدْ عَصَّبـْتَـنِـي بِعِصابَةٍ وَمَا كُنْتُ لِلثَّوْبِ الْمُدَنَّسِ لَابِسَا
فَلَيْـتَكَ لَمْ تُخْلَقْ وَكُنْتَ كَمَنْ مَضَى وَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَمْضِ لَمْ تُرَ حابِسا
أَلَا زَادَ أَعْداءً وَعَقَّ ابْنُ حاتِمٍ أَباهُ وَأَمْسَى بِالْفَرِيقَينِ ناكِسا
أَلَا إِنَّ قَدْ أَغنى عَدِيُّ بْنُ حاتِمٍ غَنـاكَ وَأَمْسى بالْعِراقَينِ دانِسا
وَحَامَـتْ عَلَيـهِ مَذْحِـجٌ دُونَ مَذْحِجٍ وَأَصْبَـحْتَ لِلْأَعْداءِ سَاقاً مُمارِسا
نَكَصْتَ عَلَى الْعَقْبَيْنِ يا زَيْدُ رِدَّةً وَأَصْبَحْتَ قَدْ جَدَّعْتَ مِنّا الْمَعَاطِسا
قَتَـلْتَ امْرَءاً مِنْ آلِ بَكْرٍ بِحابِسٍ فَأَصْـبَـحْـتُ مِمَّاـ كُنْـتُ آمُلُ آيِسا
وحين استقرّت الأمورُ لمعاويةَ بنِ أبي سُفيان، لم يمالِئ عديُّ بنُ حاتم معاوية، ولم يعتذِر عن مواقفه السّابقةِ معَ عليّ، وتروي المصادرُ التّاريخيّة أنّ معاويةَ عاتبَهُ بعد أن آلت الأمور إليه على دعمِه لعليّ، فأجابَهُ عَدِيٌّ: "إنّ حزَّ الحلقوم، وحشرجةَ الحيزوم، لأهونُ علينا من أن نسمعَ المساءةَ في عليّ". ومّما قالَه من الشّعر في هذه الحادثة مع معاوية:
يُحَـاوِلُنـي مُعـاوِيَـةُ بْنُ حَرْبٍ وَلَيْسَ إِلى الَّذي يَرْجُـو سَبِيلُ
يُـذَكِّرُنــي أَبـا حَـسَــنٍ عَلِيّـاً وَحَـظِّي في أَبِي حَسَـنٍ جَلِيـلُ
يُكَـاشِـرُنِـي وَيَعْـلَمُ أَنَّ طَرْفِـي عَلَى تِلْكَ الَّتي أُخْفِـي دَلِيلُ
وَيَـعْــلَمُ أَنَّنـا قَـوْمٌ جُـفَــاةٌ حِـرادِيُّونَ لَيَـسَ لَنـا عُـقُــولُ
وَكَـانَ جَوابُهُ عِنْـدِي عَتِـيـداً وَيَكْـفِـي مِثْـلَهُ مِنِّي الْقَلِيلُ
سكنَ عديُّ بنُ حاتم الكوفةَ بعد انتهاءِ الأحداث، غيرَ أنّ المصادرَ التّاريخيّةَ تُشيرُ إلى أنّه خرجَ منها بعد أن أكثرَ أهلُها من سبِّ عثمان، وغادرها إلى قرية قرقيسياء؛ وهي مدينةٌ تقعُ اليوم قرب مدنية دير الزّور السّوريّة.
وقد كان عديُّ بنُ حاتم شديد التّواضعِ في الإسلام كما كان في الجاهليّة؛ من ذلك أنّه حينَ كبرَ كان يؤذيه بردُ الأرض، فاستأذنَ قومَهُ في أن يضعَ تحتَهُ وطاءً يجلسُ عليه في ناديهم؛ كراهةَ أن يظنّوا أنّه يفعلُ ذلك كبراً وخيلاء! ووثّقَ هذا المشهدَ في شعرِهِ فقال:
أَجِيـبُوا يا بَنِي ثُعَلَ بْنِ عَمْرٍو وَلا تَكْمُوا الْجَوابَ مِنَ الْحَياءِ
فـإنِّيــ قَدْ كَبُـرْتُ وَرَقَّ عَظْـمِـي وَقَلَّ اللَّحْمُ مِنْ بَعْـدِ النَّقاءِ
وَأَصْبَـحْـتُ الْغَداةَ أُريدُ شَيْئاً يَقـيني الْأَرْضَ مِنْ بَرْدِ الشِّتاءِ
وِطاءً يا بَنـي ثُعَـلَ بْنِ عَمْرٍو وَلَيْسَ لِشَيْـخِـكُـمْ غَيْـرُ الْوِطاءِ
فَـإِنْ تَـرْضَــوا بِهِ فَسُـرُورُ رَاضٍ وَإِنْ تَـأْبَــوا فَـإِنِّي ذو إِباءِ
أمّا صفاتُهُ الجسديّة فتذكرُ المصادرُ أنّه كانَ طويلاً جسيماً، وذكرَهُ المبرّدُ ضمن الطّوال الموصوفينَ بالجمال عند العرب؛ هو والعباسُ بنُ عبدِ المطّلب والأشعث بن قيس، وآخرون.
وتروي المصادرُ الأدبيّةُ أنّ عديّ بن حاتم قد عمّرَ طويلاً ما بينَ الجاهليّة والإسلام، وهناك شبهُ إجماعٍ على أنّه توفّي وهو ابنُ 120 سنة! وبالغَ أبو حاتم السّجستانيّ أنّه عاشَ 180 سنة! غير أنّ الأقربَ للصّواب أنّه لم يعش أكثرَ من مئةٍ وعشرينَ سنة.
ذكرَ ابنُ سعدٍ في "الطّبقات"، والمرزبانيّ في "معجم الشّعراء"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والبغداديّ في "خزانة الأدب"، أنّ عديّ بن حاتم قد تُوفّيَ سنة 68هـ الموافقة لـ687م، ورأى ابنُ حبّان البستيّ أنّه توفّي سنة 66هـ الموافقة ل685م. ويرى فريقُ الموسوعة الشّعريّة أنّ وفاتَه كانت كما ذكرت معظمُ المصادر؛ سنة 68هـ الموافقة لـ687، في عهدِ الخليفةِ الأمويّ عبد الملكِ بن مروان، وكانَ حينئذٍ ابنَ مئةٍ وعشرينَ سنة.
إنَّ عديَّ بنَ حاتم لم يكُن مشهوراً في المصادرِ التّاريخيّة بصفتِهِ شاعراً، بل كانَت شهرتُهُ نابعةً عن مكارمِ أخلاقِهِ وكرمِهِ وجُودِه، بالإضافةِ إلى حضورِهِ الطّاغي في كتبِ التّاريخِ في فترةِ صدرِ الإسلام؛ من إسلامِهِ، مروراً بحروبِ الردّة، وصولاً إلى مشاركتِه في أحداث الفتنة بين عليّ ومعاوية. لذلك؛ فإنّ موضوعاتِ شعرِهِ تدورُ أكثرَ ما تدور في حلقةِ نصرتِهِ لعليّ بن أبي طالب ومحاربتِهِ في صفِّه، ومصادرُ هذه المقطوعات -كما ذكر شريف علاونة محقّق الدّيوان- مأخوذةٌ من كتاب "الفتوح" لابن أعثم، وكتاب "وقعة صفّين" لابن مزاحم.
وقد أوردَ لهُ البحتريُّ قطعةً واحدةً في حماستِهِ بوصفِ الشّيخوخة.
وفي العصرِ الحديث، اختارَ له مطاع صفدي وخليل الحاوي مجموعةً من الاختيارات الشّعريّة.
(عمر بن الخطّاب مخاطباً عديّ بن حاتم)
أَبُوكَ جَوادٌ لا يُشَقُّ غُبارُه وَأَنْتَ جَوادٌ لَيْسَ يُعْذِرُ بِالْعِلَلْ
(الشّاعر ابنُ دارة في مدح عديّ بن حاتم)
(الحارث بن مالك الطّائيّ في مدح عديّ بن حاتم)
(الطبريّ في وصفِ عديّ بنِ حاتم).
(أبو نعيم الأصفهانيّ)
(الإمام النوويّ)