
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
ذُو الرُّمَّةِ هُوَ غَيلانُ بنُ عُقْبَةَ العَدَوِيِّ، وُلِدَ فِي بادِيةِ نَجْدٍ وكانَ يَحْضُرُ إِلى اليَمامَةِ والبَصْرَةِ. كانَ شَدِيدَ القِصَرِ دَمِيماً يَضْرِبُ لَونُهُ إِلى السَّوادِ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعراءِ فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ، عدَّهُ ابنُ سلَّامٍ فِي طَبقاتِهِ مِنْ شُعراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ الإِسْلامِيِّينَ، قالَ عَنْهُ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ: فُتِحَ الشِّعرُ بامْرِئِ القَيسِ وخُتِمَ بِذِي الرُّمَّةِ. وقَدْ امْتازَ فِي شِعْرِهِ بِإِجادَةِ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ مِنْ عُشَّاقِ العَرَبِ كانَ يُشبِّبُ بِمَيَّةَ المِنْقَرِيَّةِ واشْتُهِرَ بِها، تُوفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 117 لِلهجْرَةِ.
هُو قَيسُ بنُ ذَرِيحِ بنِ سُنَّةَ بنِ حُذافةَ بنِ طريفِ بنِ عتوارةَ بنِ عامِرِ بنِ ليثِ بنِ بَكرِ بنِ عَبدِ مَناةَ بنِ كنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدركةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارٍ. وقِيلَ هُو قَيسُ بنُ ذَرِيحِ بنِ الحبابِ بنِ سُنَّةَ، وَسائِرُ النَّسَبِ مُتَّفِقٌ.
ووردَ أنَّ قَيسَ بنَ ذُريحٍ كانَ رَضِيعَ الحُسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبِي طالبٍ رضِيَ اللّهُ عنْهُما، أَرضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ.
ويَنْتَمِي قَيسٌ إِلى بَنِي لَيثٍ فيقالُ لَهُ اللَيثيّ، وهُمْ بَطْنٌ مِنْ بُطونِ عَبدِ مَناةَ بنِ كِنانَة، وقبيلةُ كِنانةَ هِيَ مِنْ أَشْهَرِ القَبائِلِ العَرَبِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَمِي إِلَيْها الرَّسُولُ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمن بطونِ كِنانَةَ: النَّضرُ بْنُ كِنانَةَ وَهُمْ قُرَيْشٌ، وَعَبْدُ مَناةَ بْنُ كِنانَةَ (وَهم قومُ قَيسِ بنِ ذَرِيحٍ)، وَمالِكُ بْنُ كِنانَةَ، وَملكانِ بْنُ كِنانَةَ.
أُمُّ قيسٍ هِيَ بنتُ سُنَّةَ بنِ الذّاهلِ بنِ عامِرِ الخُزاعِيِّ، وخَالُهُ عَمرُو بنُ سُنَّةَ كانَ شاعِراً.
وُلِدَ قَيْسُ بْنُ ذَرِيْحٍ فِي أُسْرَةٍ مَيْسُورَةِ الْحَالِ مِنْ سُكّانِ المَدينَةِ، حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُ قَوْمِهِ فِي ظاهِرِ المَدينَةِ، وَكَانَ هوَ وَأَبُوه مِنْ حاضِرَةِ المَدينَةِ، وَقِيلَ كَانَ مَنْزِلُهُ بِسَرَفٍ وَهِيَ منْطِقَةٌ عَلَى بُعْدِ سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ، وَوَردَ كذلكَ أنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ باديَةَ الحِجَازِ. وَقَدْ كَانَ قَيْسٌ هوَ الابْنُ الوَحيدُ لِوَالِدَيهِ، وَلَا يُعْرَفُ الكَثيرُ مِنْ أَخْبارِ نَشْأَتِهِ وَحَياتِهِ إِلَّا مَا يَتَّصِلُ بِعَلاقَتِهِ بِمَحْبوبَتِهِ لُبْنَى.
وَقَدْ بَدَأَتْ قِصَّةُ عِشْقِهِ لِلُبْنَى -كَمَا جَاءَ فِي الأَغانِي- حِينَ مَرَّ لِبَعْضِ حاجَتِهِ بِخيامِ بَني كَعْبِ بْنِ خُزاعَةَ، فَاسْتَسْقَى مَاءً فَسَقَتُهُ لُبْنَى وَكَانَتْ امْرَأَةً مَديدَةَ القَامَةِ شَهلاءَ حُلْوَةَ المَنْظَرِ والْكَلامِ، فَلَمَّا رَآهَا وَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ، فَنَزَلَ عِنْدَهُمْ وَأَكْرَمَهُ أَبُوهَا، وَانْصَرَفَ قَيْسٌ وَفِي قَلْبِهِ مِنْ لُبْنَى حَرٌّ لَا يُطْفَأُ، فَجَعَلَ يَنْطِقُ بِالشِّعْرِ فِيهَا حَتَّى شَاعَ وَرُوِيَ. وَظَلَّ قَيْسٌ يَتَرَدَّدُ عَلَى لُبْنَى وَكَانَتْ قَدْ هويِتْهُ كَذَلِكَ، فَعَزَمَ عَلَى الزَّواجِ مِنْهَا، فَأَبَى أَبُوه وَعَرَضَ عَلَيْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ إِحْدَى بَناتِ عَمِّهِ، وَكَانَ ذَرِيحٌ كَثيرَ الْمَالِ مُوسِراً، فَأَحَبَّ أَلّا يَخْرُجَ ابْنُهُ إِلَى غَريبَةٍ، وَقَدْ شَكا قَيْسٌ أَمْرَهُ إِلَى أُمِّهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهَا مَا يُحِبُّ، فَأَتَى الحُسَيْنَ بْنَ عَليِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ وابْنَ أَبِي عَتيقٍ فَشَكَا إِلَيْهِمَا مَا بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُسَيْنُ رضيَ اللهُ عنهُ: أَنَا أَكْفِيكَ، فَمَشَى مَعَهُ إِلَى أَبِي لُبْنَى، فَلَمَّا بَصُرَ بِهِ أَعْظَمُهُ، فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَ قَيْساً مِنْ لُبْنَى، فَوافقَ أبوها على أَنْ يَحْضُرَ أَبُو قِيسٍ وَأَنْ يَكونَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِهِ، فَرَجَعَ الحسينُ إِلَى أَبِي قَيْسٍ وَقَالَ لَهُ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا خَطَبْتَ لُبْنَى لابْنِكَ قَيْسٍ. قَالَ: السَّمْعُ والطّاعَةُ لِأَمْرِكَ. فَخَرَجَ مَعَهُ فِي وُجوهٍ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى أَتوْا لُبْنَى فَخَطَبَهَا ذَرِيْحٌ لابْنِهِ وَزَفَّتْ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ،
وَأَقَامَتْ مَعَهُ مُدَّةً، فَأَلْهَتْهُ لُبْنَى عَن أَهْلِهِ وَقَدْ كَانَ أَبَرَّ النّاسِ بِأُمِّهِ، ثُمّ إِنَّهُ اعْتَلَّ فَتْرَةً فَلَمَّا شُفِيَ أَشَارَتْ أُمُّهُ عَلَى أَبِيهَ أَن يُزَوِّج قَيْساً بِأُخْرَى لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ وَلَدَاً وَأَلَحّتْ عَلَيَّهِ فِيْ ذَلِكِ، فَدَعَاهُ أَبُوْهُ وَقَال لَهُ: يَا قَيْسُ إِنَّكَ اعْتَلَلْتَ هَذِهِ العِلَّةَ فَخِفْتُ عَلَيكَ وَلَاَ وَلَدَ لَكَ وَلَا لِي سِواكَ، وَهَذِهِ المَرْأَةُ لَيْسَتْ بِوَلُودٍ، فَتَزَوَّجْ إِحْدَى بَناتِ عَمِّكَ، فَأَبَى قَيْسٌ ذَلِكَ وَأَصَرَّ عَلَيَهِ أَبُوهُ وَحَلَفَ لَا يُكِنُّهُ سَقْفُ بَيْتٍ أَبَدُا حَتَّى يُطَلِّقَ لُبْنَى، فَكَانُ يَخْرُجُ فَيَقِفُ فِيَ حَرِّ الشَّمْسِ، وَيَجِيءُ قَيْسٌ فَيَقِفُ إِلَى جَانِبِهِ فَيُظِلُّهُ بِرِدَائِهِ وَيَصلَى هوَ بِحَرِّ الشَّمْسِ، وَمَكَثَ سَنَةً عَلَى هَذَا الْحَالِ وَقِيل أَرْبَعِينَ يَوْماً ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَواهُ هَجَراهُ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى طَلَّقَ لُبْنَى، وَبَعْدُ ذَلِكَ سَاءَتْ حَالُ قَيْسٍ وَتَذْكَّرَ لُبْنَىَ وَحالَها مَعَهُ فَأَسِفَ وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَنْشُجُ أَحرَّ نَشِيجٍ. وحِينَ فارَقَتْهُ قالَ:
وَإِنِّي لَمُفْنٍ دَمْعَ عَيْنِيَ بِالْبُكا حِذارَ الَّذِي قَدْ كانَ أَوْ هُوَ كائِنُ
وَقالُوا غَداً أَوْ بَعْدَ ذاكَ بِلَيلَةٍ= فِراقُ حَبِيبٍ لَمْ يَبِنْ وَهْوَ بائِنُ#
وَما كُنْتُ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مَنِيَّتِي بِكَفَّيكِ إِلّا أَنَّ ما حانَ حائِنُ
ولَهُ مَعَها قِصَصٌ وَأَخْبارٌ كَثيرةٌ وقدْ جَمَعها أَبُو الفَرَجِ الأصفهانيُّ فِي كِتابِ (الأَغانِي). ولِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِلَيلَى أشارَ قَومُهُ عَلَى أَبِيهِ أَنْ يُزوِّجَهُ بأُخرى لَعَلَّهُ يَسْلُو عَنْ لُبْنَى، فقالَ قيسٌ:
لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا تَقْنَعَ النَّفْسُ بَعْدَهَا بِشـَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَقْنَعا
وَأَزْجُرُ عَنْهَا النَّفْسَ إِذْ حِيلَ دُونَهَا وَتَـأْبَى إِلَيْهَـا النَّفْـسُ إِلَّا تَطَلُّعَا
وقَدْ وَرَدَ أَنَّ أَبا لُبْنى شَكا قَيساً إِلى مُعاوِيَةَ فَأَهْدَرَ دَمَهُ إِنْ أَلَمَّ بِها، فَأرسَلَتْ لَهُ لُبْنَى تُعلِمُهُ بِذلكَ، فَقالَ:
إِنْ تَـكُ لُبْنَـى قَدْ أَتَى دُونَ قَرْبِهَا حِجَــابٌ مَنِيــعٌ مَـا إِلَيْـهِ سـَبِيلُ
فَـإِنَّ نَسـِيمَ الْجَـو يَجْمَـعُ بَيْنَنَـا وَنُبْصـِرُ قَـرْنَ الشـَّمْسِ حِيـنَ تَـزُولُ
وَأَرْوَاحُنَا بِاللَّيْلِ فِي الْحَيِّ تَلْتَقِي وَنَعْلَــمُ أَنَّــا بِالنَّهَــارِ نَقِيـلُ
وَذَكَرَ ابنُ قُتيبةَ في كتابِهِ (الشِّعر والشُّعراء) أنّ أبا لُبْنى زوّجها رَجُلاً مِنْ غَطَفانَ، وعاوَدَ قَيسٌ زِيارَتَهُ إِيّاها وشَخَصَ أَبوها إِلى مُعاوِيَةَ، فَأَخْبَرَهُ بِتَعَرُّضِهِ لَها، فَكَتَبَ لَهُ مُعاويةُ بِهَدْرِ دَمِهِ إِنْ عادَ، فَفِي ذلكَ يَقولُ قيسٌ:
فَـإِنْ يَحْجُبُوهـا أَو يَحُلْ دونَ وَصْلِها مَقالَـــةُ واشٍ أَوْ وَعِيـــدُ أَمِيــرِ
فَلَـنْ يَمْنَعُوا عَيْنَيَّ مِنْ دائِمِ البُكا وَلَـن يُذْهِبُوا مـا قَـدْ أَجَنَّ ضَمِيرِي
إِلى اللَّهِ أَشْكُو ما أُكِنُّ مِنَ الْهَوى وَمِـنْ حُــرَقٍ تَعْتــادُنِي وَزَفِيــرِ
وَمِـنْ كُـرَبٍ لِلحُـبِّ فـي باطِنِ الحَشا وَلَيــلٍ طَوِيـلِ الْحُـزْنِ غَيـرِ قَصِـيرِ
لَقَد كُنْتُ حَسبُ النَّفسِ لَو دامَ وَصْلُنا وَلَكِنَّمــا الــدُّنيا مَتــاعُ غُـرُورِ
تُوفِّيَ قَيسُ بنُ ذُريحٍ حوالَي سَنَةِ 68 لِلهِجْرَةِ، وقِيلَ ماتَ بَعدَ موتِ لُبْنَى وَذُكِرَ أنَّهُ خَرَجَ وجَماعةٌ مِنْ قَومِهِ فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِ لُبْنى وقالَ:
مَـاتَتْ لُبَيْنَى فَمَوْتُهَا مَوْتِي هَلْ تَنْفَعَنْ حَسْرَةٌ عَلَى الْفَوْتِ
وَسـَوْفَ أَبْكِـي بُكَـاءَ مُكْتَئِبٍ قَضـَى حَيَـاةً وَجْداً عَلَى مَيْتِ
ثُمَّ أَكَبَّ عَلَى القَبْرِ يَبْكِي حتَّى أُغْمِيَ عَلَيهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيلاً حَتّى ماتَ.
"هُو أَحَدُ عُشّاقِ العَرَبِ المَشْهُورِينَ بِذلكَ وَصاحِبَتُهُ لُبْنَى"
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(الجاحظ / ورد في كتاب الأغاني).