
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
حبَســتُ بجَفنَــيَ المــدامِعَ لا تجـري
فَلَمّـا طَغى الماءُ استطالَ على السكرِ
نســيمَ صــبا بغـدادَ بعـد خرابِهـا
تمَنَّيـتُ لـو كـانت تَمُـرُّ علـى قـبري
لأنّ هلاكَ النفــسِ عنـدَ أولـى النُهـى
أحَـبُّ لهـم مـن عيـشِ منقَبِـضِ الصـدرِ
زجَــرتُ طبيبــاً جـسّ نبضـى مـداوياً
إليـك فمـا شـكوايَ مـن مـرَضٍ يَـبرى
لزِمـتُ اصـطباراً حيـثُ كنـتُ مفارِقـاً
وهــذا فــراقٌ لا يعالــجُ بالصــبر
تُســائِلُني عمّــا جـرى يـوم حصـرَهِم
وذلـكَ ممـا ليـسَ يـدخُلُ فـي الحصـرِ
أديــرَت كــؤوسُ المـوت حـتى كـأنّه
رُؤوسُ الأســارى ترجَحِــنّ مـن السـكرِ
لَقَــد ثكِلَــت أمّ القُــرى ولكَعبــةٍ
مـدامِعُ فـي الميزابِ تسكُبُ في الحِجرِ
بكَـــت جُــدُرُ المستَنصــريّةِ نُدبَــةً
علـى العلمـاءِ الراسخينَ ذوي الحُجرِ
نــوائبُ دهــرٍ ليتَنــي مـتُّ قبلَهـا
ولـم أرَ عـدوان السـفيهِ على الحبرِ
محــابِرُ تبكــى بعــدَهم بســوادِها
وبعـض قلـوبِ النـاس أحلكـث من حبرِ
لحـى اللَـهِ مـن يُسـدى إليـهِ بنِعمَةٍ
وعنـدَ هجـومِ النـاس يـألَفُ بالغَـدرِ
مــرَرتُ بصــُمِّ الراســياتِ أجوبُهــا
كخَنسـاءَ مـن فـرطِ البكـاءِ على صخرِ
أيـا ناصـحي بالصـبرِ دعنـي وزَفرَتي
أمَوضـِعُ صـبرٍ والكُبـودُ علـى الجمـرِ
تهَــدّمَ شخصــي مـن مداوَمَـةِ البُكـى
ويَنهَــدِمُ الجـوفُ الـدوارِسُ بـالمخرِ
وقفـــتُ بعبّـــادانَ أرقُــبُ دجلَــةً
كمِثــلِ دمٍ قـانٍ يسـيلُ إلـى البحـرِ
وفــائضُ دمعــي فــي مصـيبَةِ واسـِطٍ
يزيــدُ علـى مـدّ البحيَـرةِ والجـزرِ
فجَـرتُ ميـاهَ العيـنِ فـازدَدتُ حرقَـةً
كمـا احـترَقَت جوفُ الدماميل بالفجر
ولا تســألنّي كيــف قلبُــك والنـوى
جراحــةُ صــدري لا تبَيًَّــنُ بالســبرِ
وهــب أنّ دار الملـك ترجـعُ عـامراً
ويُغسـَلُ وجـهُ العـالمين مـن العفـر
فـأينَ بنـو العبـاس مُفتَخَـر الـورى
ذوو الخلـقِ المرضـيّ والغُـرَرِ الزهرِ
غــدا ســمَراً بيـنَ الأنـامِ حـديثُهُم
وذا ســمرٌ يُـدمى المسـامِعَ كالسـمرِ
وفــي الخــبرِ المـرويِّ ديـنُ محمّـدٍ
يعــودُ غريبــاً مثـلَ مبتَـدإِ الأمـرِ
أأغــرَبَ مـن هـذا يعـودُ كمـا بـدا
وسـبيُ ديـار السـلمِ فـي بلَدِ الكُفرِ
فلا انحَـــدَرَت بعــد الخلائفِ دجلَــةٌ
وحافاتُهــا لا أغشــَبَت ورقَ الخُضــرِ
كَــأنَّ دمَ الأخــوَينِ أصــبحَ نابِتــاً
بمَذبــحِ قتلـى فـي جـوانبِه الحمـرِ
بكَـت سـمراتُ البيـدِ والشيحُ والغضا
لكَــثرَةِ مـا نـاحت أغارِبَـة القفـرِ
أيُــذكَرُ فـي أعلـى المنـابرِ خطبَـةٌ
ومستَعصـِمٌ بـاللَه لـم يـك في الذكر
ضــفادِعُ حــول المـاءِ تلعَـبُ فرحَـةً
أصـبَرٌ علـى هـذا ويـونُسُ فـي القعرِ
تزاحَمَــت الغربــانُ حــول رسـومِها
فأصــبحَت العنقــاءُ لازمــةَ الـوكرِ
أيــا أحمـدُ المعصـومُ لسـتَ بخاسـِرٍ
وروحُـك والفـردَوس عسـرٌ مـعَ اليُسـر
وجنّـــاتُ عـــدنٍ خُفِّفَـــت بمكــارِهٍ
فلابُــدَّ مـن شـوكٍ علـى فنَـنِ البُسـر
تهنـأ بطيـبِ العيـشِ في مقعدِ الرضا
ودَع جيَــفِ الـدنيا لطائِفَـةٍ النسـر
ولا فــرق مــا بيـن القتيـل ومَيِّـتٍ
إذا قمـتُ حيـاً بعـد رَمسـك والنخـرِ
تحيّـــةُ مشـــتاقٍ والـــفُ ترَحُّـــمٍ
علـى الشـهداءِ الطـاهرين من الوزرِ
هنيئاً لهــم كــأسُ المنيّـةِ مترَعـاً
ومـا فيـه عنـد اللَـه من عظم الأجر
فلا تحســـَبَنَّ اللَــه مخلِــفَ وعــدِهِ
بــأنّ لهُــم دار الكرامـةِ والبشـرِ
علَيهــم سـلامُ اللَـهِ فـي كـلِّ ليلَـةٍ
بمَقتَلَـةِ الـزورا إلـى مطلَـعِ الفجرِ
أأبلــغُ مــن أمــرِ الخلافـةِ رتبَـة
هلُـمَّ انظـروا مـا كـان عاقِبَةَ الأمر
فلَيــتَ صــماخي صـَمَّ قبـل اسـتماعهِ
بهتـك أسـاتير المحـارمِ فـي الأسـر
عــدَونَ حفايــا سبسـَباً بعـد سبسـَبٍ
رخـائمُ لا يسـطعنَ مشـياً علـى الحبر
لعَمــرك لــو عـاينتَ ليلَـةَ نفرِهـم
كَـأنَّ العـذارى فـي الدجى شُهُبٌ تَسرى
وإنّ صـــباحَ الأســرِ يــوم قيامَــةٍ
علـى أمَـمٍ شـعثٍ تُسـاقُ إلـى الحشـر
ومستصــرخٍ يــا للمـروءةِ فانصـروا
ومـن يصـرِخُ العصـور بيـن يـدى صقر
يسـاقون سـوق المعـزِ في كبدِ الفلا
عــزائزُ قــومٍ لـم يعـوّدنَ بـالزَجرِ
جلبِــنَ ســبايا ســافراتٍ وجوهُهــا
كـواعِبَ لـم يـبرزنَ مـن خلَـلِ الخدرِ
وعــترَةُ قنطــوراء فــي كـل منـزلٍ
تصــيحُ بـأولادِ البرامـك مـن يشـرى
تقـومُ وتجثـو فـي المـاجرِ واللـوى
وهل يختفى مشيء النواعمِ في الوعرش
لقـد كـان فكـري قبـل ذلـك مائزاص
فأحــدثَ أمــرٌ لا يحيــطُ بــه فكـر
وبيــن يــدى صـرف الزمـان وحكمـهِ
مغلّلــةٌ أيــدي الكياســةِ والخُـبرِ
وقفـــتُ بعبّــادان بعــد صــراتِها
رأيـتُ خضـيباً كـالمنى بـدَمِ النحـرِ
محــاجرَ ثكلــى بالــدموع كريمــةً
وإن بخِلَــت عيـنُ الغمـائمِ بـالقطرِ
نعـوذُ بعفـو اللَـه مـن نـارِ فتنَـةٍ
تَأَجَّــجُ مــن قطـرِ البلاد إلـى قُطـرِ
كـــأنّ شــياطينَ القيــودِ تفلّتَــت
فسـالَ علـى بغـداد عيـنٌ مـن القطر
بَــدا وتعــالى مـن خراسـانَ قسـطَلٌ
فعــاد ركامـا لا يـزولُ عـن البـدرِ
إلامَ تصـــاريفُ الزمـــان وجـــورُه
تكلّفنــا مــا لا نطيــقُ مـن الإصـر
رعــى اللَـهُ إنسـاناً تيَقَّـظَ بعـدَهم
لأنّ مصــابَ الزيــد مزجـرةُ العمـرو
إذا كــانَ للإِنســانِ عنــدَ خطــوبِه
يـزولُ الغنـى طـوبى لمَملكَـةِ الفقرِ
ألا إنّمــا الأيّــامُ ترجــعُ بالعَطـا
ولــم تكـسُ إلا بعـد كسـوتِها تُعـرى
وراءَك يــا مغــرورُ خنجَــرُ فاتــكٍ
وأنــتَ مُطــأطس لا تفيــقُ ولا تـدري
كناقَــةِ أهــل البـدو ظلّـت حمولَـةً
إذا لـم تطِـق حملاً تسـاقُ إلى العقرِ
وســـائرُ ملـــكٍ يقتَفيــه زوالُــه
سـوى ملكـوتِ القـائمِ الصـمَدِ الوَترِ
إذا شـمِتَ الواشـي بمَـوتى فَقُـل لهث
رُوَيـدك مـا عـاش امـرؤٌ أبـد الدهر
ومالــكُ مفتــاح الكنــوزِ جميعِهـا
لـدى المـوتِ لم تخرُج يداهُ سوى صفرِ
إذا كـان عنـدَ المـوتِ لا فرقَ بينَنا
فلا تنظُــرَنَّ النـاسَ بـالنَظَرِ الشـزرِ
وجــاريهُ الــدنيا نعومــةُ كلّهــا
محَبّبـــةٌ لكنّهـــا كلِـــبُ الظفــرِ
ولـو كـان ذو مـالٍ من الموت فالِتاً
لكــانَ جــديراً بالتعـاظُمِ والكـبرِ
ربِحـتَ الهـدى إن كنـتَ عامـلَ صـالحٍ
وإن لـم تكُـن والعصـرِ إنّـك في خُسرِ
كمــا قـال بعـضُ الطـاعنينَ لقرنِـه
بســُمرِ القنـانيلَت معانِقَـةُ السـمرِ
أمُــدّخِرَ الــدنيا وتاركَهــا أســىً
لــدار غـدٍ إن كـان لابُـدّ مـن ذُخـرِ
علـى المـرءِ عـارٌ كـثرَةُ المالِ بعدَ
وإنّــك يــا مغــرورُ تجمَـعُ للفَخـرِ
عَفـا اللَـه عنّـا مـا مضى من جريمَةٍ
ومَــنّ علَينـا بالجميـلِ مـن الصـبر
وصـــانَ بلادَ المُســـلمينَ صـــيانَةً
بدولَــةِ ســلطانِ البلاد أبــى بكـرِ
مليــكُ غــدا فـي كـلّ بلـدَةٍ اسـمُه
عزيــزاً ومحبوبـاً كيوسـُفَ فـي مصـرِ
لقــد سـعدَ الـدنيا بـه دام سـعدهُ
وأيّــدَهُ المــولى بألويَــةِ النصـر
كــذلك تنشــا لينَــةٌ هــو عرقُهـا
وحسـنُ نبـاتِ الأرضِ مـن كـرَمِ البـذرِ
ولـو كـان كِسـرى فـي زمـانِ حيـاتهِ
لقــال إلهــي اشـدُد بـدَولَتِه أزرى
بِشـُكرِ الرعايـا صـين مـن كـلّ فتنَةٍ
وذلــك أن اللُــبّ يحفــظُ بالقِشــر
يُبـالِغث فـي الإنفاقِ والعدل والتقى
مبالغــةَ السـعديّ فـي نُكَـتِ الشـعر
ومـا الشـعرُ أيـمُ اللّـهِ لسـتُ بمُدّعٍ
ولـو كـان عنـدي مـا ببابِلَ من سحرِ
هنالـــكَ نقّــادونَ علمــاً وخــبرَةً
ومنتخبـو القـول الجميـلِ من الهجرِ
جــرَت عبَراتــي فــوق خـدّي كآبضـةً
فأنشـأتُ هـذا فـي قضـيّةِ مـا يجـرى
ولــو ســبقتني ســادةٌ جـلّ قـدرُهُم
ومــا حســُنَت منّـي مجـاوَزَةُ القـدرِ
ففــي السـمطِ يـاقوتٌ ولعـلٌ وجاجَـةٌ
وإن كــان لـي ذنـبٌ يُكَفَّـرُ بالعُـذر
وحرقَــةُ قلــبي هيّجتنــي لنَشــرِها
كمـا فعلَـت نـارُ المجـامرِ بـالعِطر
سـطَرتُ ولـولا غـضُّ عينـي علـى البُكا
لرَقــرَقَ دمعــي حسـرةً فمَحـا سـطرى
أحــدّثُ أخبــاراً يضـيقُ بهـا صـدري
وأحمِــلُ آصــاراً ينـوءُ بهـا ظهـري
ولا ســـيّما قلــبي رقيــقٌ زجــاجُه
ومُمتَنِـعٌ وصـلُ الزجـاجِ لـدى الكَسـرِ
ألا إنّ عصــري فيــه عيشــى منكّــدٌ
فَلَيـتَ عشـاءَ المـوتِ بـادرَ في عصري
خليلــيّ مـا أحلـى الحيـاةَ حقيقـةً
واطيبَهـا لـولا الممـاتُ علـى الإثـرِ
ورَبُّ الحجـــــى لا يطمئنُّ بعيشــــةٍ
فلا خيــرَ فــي وصـلٍ يُـرَدّّفُ بـالهجرِ
سـواءٌ إذا مـا مـتّ وانقطَـع المُنـى
أمخــزَنُ تبنـس بعـد موتِـكَ أم تـبرِ
مشرف بن مصلح السعدي الفارسي، أبو عبد الله.شاعر وناثر فارسي كبير، ولد في شيراز وتلقى علومه الأولية فيها، ثم تابع دراسته في المدرسة النظامية ببغداد، وكان من مريدي الإمام الصوفي عبد القادر الجيلاني، والتقى علماء بغداد وحصل علوم العربية وآدابها والقرآن والحديث وبلغ في ذلك شأواً، حيث يعتبر من كبار شعراء القرن السابع الهجري وأفصحهم وأعذبهم نطقاً، وقد عده بعض أساتذة الشعر أحد الأركان الأربعة للشعر الفارسي إضافة إلى الفردوسي والأنوري والنظامي.له: (بوستان)، و(غلستان)، و(الديوان)، وله شعر جميل بالعربية.