
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أبــا مصــر ومصـدر نعمتيهـا
لقـد شـاخ الزمـان وأنـت كهلُ
بنــى لــك آل فرعـون صـروحا
عُبـدت بهـا وأنـت لـذاك أهـلُ
فمــا نفـس رأت نعمـاً غـزاراً
وخصــباً لا يقــوم لـديه محـلُ
وكـان الشـكر مرمـى ناظريهـا
ورَبُّ الكــون لـم يـدركه عقـلُ
بمشــركة إذا شــكرت صــنيعاً
عـــن الإدراك صـــانعه يجــلُّ
فـــإنَّ الفضــل يعرفــه ذووه
وفضــل النيـل لا يعلـوه فضـلُ
أبــا مصــر مضـت حقـب طـوال
وأنـت تجـود بـالخيرات مضـرا
تجيـء بهـا مـن السودان عفوا
وتنثرهـا علـى الأرضـين نـثرا
بحيـرات الجنـوب لـك الجواري
نواصــرها لـديك تطيـع أمـرا
فتجــرف تــرب أحبـاش ودنكـا
وتســبكه فيصــبح فيـك تـبرا
وتحملــه علـى حمـر المطايـا
تسـيل بها البطاح الجرد بجرا
ســـخاه لا يــرى شــحّ لــديه
وجـود البحـر عنـد النيل بخل
أبــا مصـر أتـدري كـم شـعوب
بواديـك اسـتعزّوا ثـم هـانوا
مــوات الأرض أحيــوه قــديما
فحــلّ محــلّ قاحلهــا جنــان
مهندســهم درى مســح الأراضـي
وجـرّ الثقـل مـا كـان الـوزن
بنـوا الأهـرام محكمة الزوايا
لــديها كــل صــرح مســتهان
لهــا الشــعرى دليـل مسـتمرّ
ونجـم القطـب مـا كـرّ الزمان
وفيهــا مـن بـديع الصـنع آي
إلــى صـنّاعنا لـم يـوح مثـل
هيــاكلهم كتــاب جــاء فيـه
حـديث ملكـوهم مـن قبـل مينا
تـرى جـدرانها والنقـش فيهـا
فتحســـبه طلاســـم ســاحرينا
رآه العـرب منـذ التـح لغـزا
فأمسـى مغلقـا هـذي السـنينا
ولكــن فــي بلاد الغـرب قـوم
رأوا جحـد المحـال هدى ودينا
فأمضــوا خيــل عزمهـم فجلّـت
وحــازت كشـف سـرّ الغابرينـا
تواريـــخ وأخبـــار ووصـــف
لملــك دام لــم يـدخله فصـل
صـروح الـدين لـم يثبت سواها
بـوادي النيـل مـن أثـر مجيد
تعلّقــت النفــوس بهـا فكـرّت
دهــور وهــي فـي عيـش رغيـد
يواصـلها العواهـل بالهـدايا
وكهّــان الهياكــل بالنشــيد
وأهـل القطـر طـرّا بالعطايـا
لــرب الغيـب عـن كـرم وجـود
عبـادات النفـوس الأمـر فيهـا
لآمـــال النفـــوس بلا محيــد
ومـال فـي سـبيل الـبرّ يعطـى
لأفضــل مــا ازدرعـت وتسـتغلّ
مـدافنهم خلـود النفـس فيهـا
أدلّتـــه علــى نهــج أنيــق
تـرى ماضـي الـدفين كأن سفرا
يـــترجمه بتفصـــيل دقيـــق
مغـازيه ومـا قـد نـال منها
مــن الأمــوال فيئا والرقيـق
معيشــته ومــا أعطـى وأسـدى
ومــا أولاه فــي ســعة وضـيق
ومـا يرجـوه مـن نعـم وزلفـى
ونفـس الميـت آي الحمـد تتلو
مفــاخر حازهـا أهلـوك دهـرا
وأورثهـا البطـالس حين سادوا
مشـاعر دينهـم حفظـوا حرامـا
وأعلـوا فـي هيـاكلهم وشادوا
أيمـة دينهـم أرضـوا فأرضـوا
لفيــف الشـعب وارتقـت البلاد
وجـاء الـروم بعـدهم فجـاروا
وجزّوا الصوف واحتلبوا وقادوا
وبعــدهم تتــابعت الرزايــا
جيوشـــا تســـتحثّ وتســتزاد
بنـاء الملـك صـعب لـم يرمـه
سـوى العظمـاء والتخريـب سهل
أبــا مصــر مضـت حجـج طـوال
أواصــرها التخـاذل والفنـاء
وســلب المـال والأرواح عفـوا
كــأن الخلــق أنعــام وشـاء
وتخريـــــــب البلاد فلا زروع
وتشــتيت العبــاد ولا عــداء
فضــجّ القطـر مـن ظلـم وجـور
وكــم داء يكـون بـه الـدواء
فشـاء اللـه أن مضـت الليالي
ليـالي السـوء وأنتشر الضياء
وأرســـل آل إصـــلاح وعـــدل
وحســب الشــعب إصــلاح وعـدل
يعقوب بن نقولا صروف.عالم بالفلسفة والرياضيات والفلك، من أئمة المترجمين عن الإنكليزية، ولد في قرية الحدث بقرب بيروت، وتعلم ببيروت في الجامعة الأميركية، وامتاز بالرياضة والفلسفة، واشتغل بالأدب، وله نظم جيد، وعلّم في صيدا وطرابلس وبيروت، وأصدر مع فارس نمر وشاهين مكاريوس، مجلة (المقتطف) سنة 1876 وانتقلوا بها إلى مصر سنة 1885 وكانت من أرقى المجلات العلمية العربية، أخرج منها الدكتور يعقوب واحداً وسبعين مجلداً، وشارك في إصدار جريدة (المقطم) سنة 1889 وصنف وترجم عدة كتب، منها (سر النجاح- ط)، و(بسائط علم الفلك- ط)، و(الحرب المقدسة- ط)، و(الحكمة الإلهية- ط)، و(سير الأبطال والعظماء- ط) شاركه في ترجمته عن الإنكليزية فارس نمر، و(فصول في التاريخ الطبيعي- ط)، و(الحلى الفيروزية في اللغة الإنكليزية- ط)، ونشر في المقتطف بحثاً طويلاً في (نوابغ العرب والإنكليز) قارن فيه بين المعري وملتن، وابن خلدون وسبنسر، وصلاح الدين وريشار قلب الأسد.وله نحو عشرين قصة، منها (فتاة الفيوم- ط)، و(أمير لبنان- ط)، و(فتاة مصر- ط)، قال خليل ثابت: كان محققاً باحثاً، أضاف إلى ثروة اللغة العربية ألفاظاً واصطلاحات علمية عديدة ابتكرها أو نحتها أو استخرجها من المظان المجهولة وساقها في عرض مقالاته في الفلسفة والأدب والتاريخ.