
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
شـَرِبْنَا علـى ذكْـرِ الحـبيبِ مُدامَةً
سكِرْنَا بها من قبل أن يُخلق الكَرْمُ
لهـا البـدرُ كأسٌ وهيَ شمسٌ يُدِيرُهَا
هلالٌ وكــم يبـدو إذا مُزِجَـتْ نَجـم
ولـولا شـذَاها مـا اهتدَيتُ لِحانِها
ولـولا سـَناها مـا تصـَوّرها الوَهْمُ
ولـم يُبْـقِ منها الدّهْرُ غيرَ حُشاشَةٍ
كـأنّ خَفاهـا فـي صُدور النُّهى كتْم
فـإن ذُكـرَتْ فـي الحَـيّ أصبحَ أهلُهُ
نَشــاوى ولا عـارٌ عليهـمْ ولا إثـم
ومِـنْ بيـنِ أحشـاء الدّنانِ تصاعدتْ
ولم يَبْقَ منها في الحقيقة إلاّ اسمُ
وإن خَطَـرَتْ يومـاً على خاطرِ امرىءٍ
أقـامتْ بـه الأفـراحُ وارتحلَ الهمّ
ولـو نَظَـرَ النُّـدْمَانُ خَتـمَ إنائِها
لأسـكَرَهُمْ مـن دونِهـا ذلـكَ الختـم
ولـو نَضـحوا منهـا ثـرَى قبرِ مَيّتٍ
لعـادتْ اليه الرّوحُ وانتَعَشَ الجسم
ولـو طَرَحُـوا فـي فَيءِ حائطِ كَرْمِها
عليلاً وقـد أشـفى لفَـارَقَهُ السـّقم
ولـو قَرّبُـوا من حانِها مُقْعَداً مشَى
وتنطِـقُ مـن ذِكْـرَى مذاقتِها البُكْم
ولـو عَبِقَتْ في الشرق أنفاسُ طِيبِها
وفـي الغـربِ مزكومٌ لعادَ لهُ الشَّمُّ
ولـو خُضـِبت مـن كأسـِها كـفُّ لامـسٍ
لمَـا ضـَلّ فـي لَيْلٍ وفي يَدِهِ النجم
ولـو جُليـتْ سـِرّاً علـى أَكمَـهٍ غَدا
بَصـيراً ومـن راووقِهـا تَسْمَعُ الصّم
ولـو أنّ رَكْبـاً يَمّمـوا تُرْبَ أرْضِهَا
وفـي الرّكـبِ ملسوعٌ لمَا ضرّهُ السّمّ
ولـو رَسَمَ الرّاقي حُرُوفَ اسمِها على
جَــبينِ مُصـابٍ جُـنّ أبْـرَأهُ الرسـم
وفـوْقَ لِـواء الجيشِ لو رُقِمَ اسمُها
لأسـكَرَ مَـنْ تحـتَ اللّوا ذلك الرّقْم
تُهَــذّبُ أخلاقَ النّــدامى فيّهْتَــدي
بهـا لطريـقِ العـزمِ مَن لا لهُ عَزْم
ويكـرُمُ مَـن لـم يَعْـرِف الجودَ كَفُّه
ويحلُـمُ عنـد الغيـظ مَن لا لهُ حِلم
ولـو نـالَ فَدْمُ القومِ لَثْمَ فِدَامِها
لأكْســبَهُ مَعنــى شـمائِلها اللّثْـم
يقولـونَ لـي صـِفْهَا فـأنتَ بوَصفها
خـبيرٌ أَجَـلْ عِنـدي بأوصـافها عِلم
صــفاءٌ ولا مــاءٌ ولُطْــفٌ ولا هَـواً
ونـــورٌ ولا نــارٌ وروحٌ ولا جِســْمٌ
تَقَــدّمَ كُــلَّ الكائنــاتِ حـديثُها
قــديماً ولا شــكلٌ هنـاك ولا رَسـم
وقـامت بهـا الأشـياءُ ثَـمّ لحكمَـةٍ
بهـا احتَجَبَـتْ عن كلّ من لا له فَهْمُ
وهـامتْ بها روحي بحيثُ تمازَجا اتّ
تِحــاداً ولا جِــرْمٌ تَخَلّلَــه جِــرْم
فَخَمْـــر ولا كـــرْم وآدَمُ لــي أب
وكَــرْم ولا خَمْــر ولــي أُمُّهـا أُمّ
ولُطْـفُ الأوانـي فـي الحقيقة تابع
لِلُطْفِ المعاني والمَعاني بها تَنْمُو
وقـد وَقَـعَ التفريـقُ والكُـلّ واحد
فأرواحُنــا خَمْـرٌ وأشـباحُنا كَـرْم
ولا قبلَهــا قبـل ولا بَعْـدَ بَعْـدَهَا
وقَبْليُّـة الأبْعـادِ فهْـي لهـا حَتْـم
وعَصـْرُ المَـدى من قَبله كان عصرَها
وعهْـدُ أبينـا بَعـدَها ولها اليُتم
محاسـِنُ تَهـدي المـادِحينَ لوَصـْفِهَا
فَيَحْسـُنُ فيهـا منهُمُ النّثرُ والنّظم
ويَطْـرَبُ مَـن لـم يَدْرِهَا عند ذِكْرِهَا
كَمُشــْتَاقِ نُعْـمٍ كلّمـا ذُكـرَتْ نُعـم
وقــالوا شـَرِبْتَ الإِثـمَ كلاّ وإنّمـا
شـرِبْتُ الـتي في تركِها عنديَ الإِثم
هنيئاً لأهـلِ الـدّيرِ كمْ سكِروا بها
ومـا شـربوا منهـا ولكِنّهـم هَمّوا
وعنـديَ منهـا نَشـْوَةٌ قبـلَ نشـأتي
معـي أبـداً تبقـى وإنْ بَليَ العَظْم
عليـكَ بهـا صـِرْفاً وإن شئتَ مَزْجَها
فَعَـدْلُكَ عـن ظَلْم الحبيب هو الظُّلم
فَـدُونَكَهَا فـي الحانِ واستَجْلها به
علـى نَغَـمِ الألحـان فهـيَ بها غُنْمُ
فمـا سـكنَتْ والهـمَّ يومـاً بموضـع
كـذلك لـم يسـكُنْ مـع النَّغَم الغَم
وفـي سـكرةٍ منهـا ولَـوْ عُمْرُ ساعةٍ
تَرَى الدَّهْرَ عبداً طائعاً ولك الحُكْم
فلا عَيْشَ في الدُّنْيا لمَن عاشَ صاحياً
ومَن لم يَمُتْ سُكْراً بها فاته الحزم
علـى نفسـه فليَبْـكِ مَـن ضاع عُمْرُهُ
وليــسَ لـهُ فيهـا نَصـيبٌ ولا سـهمُ
عُمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، الملقب شرف الدين بن الفارض.شاعر متصوف، يلقب بسلطان العاشقين، في شعره فلسفة تتصل بما يسمى (وحدة الوجود).اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد، وسلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج ! وأكثر العزلة في وادٍ بعيد عن مكة.ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته.وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة، يعشق مطلق الجمال وقد نقل المناوي عن القوصي أنه كانت له جوارٍ بالبهنا يذهب اليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد.