
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ
فلا بُــدَّ أنْ يَســْتَجيبَ القـدرْ
ولا بُـــدَّ للَّيْــلِ أنْ ينجلــي
ولا بُــدَّ للقيــدِ أن يَنْكَســِرْ
ومَـن لـم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ
تَبَخَّــرَ فــي جَوِّهــا وانـدَثَرْ
فويـلٌ لمَـنْ لـم تَشُقْهُ الحياةُ
مــن صـَفْعَةِ العَـدَمِ المنتصـرْ
كــذلك قـالتْ لـيَ الكائنـاتُ
وحــدَّثَني روحُهــا المُســتَتِرْ
ودَمْـدَمَتِ الرِّيـحُ بَيْـنَ الفِجاجِ
وفـوقَ الجبـالِ وتحـتَ الشـَّجرْ
إِذا مَــا طَمحْــتُ إلـى غايـةٍ
رَكِبـتُ المنـى ونَسـيتُ الحَـذرْ
ولــم أتجنَّـبْ وُعـورَ الشـِّعابِ
ولا كُبَّــةَ اللَّهَــبِ المُســتَعِرْ
ومــن لا يحـبُّ صـُعودَ الجبـالِ
يَعِـشْ أبَـدَ الـدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ
فَعَجَّـتْ بقلـبي دمـاءُ الشـَّبابِ
وضــجَّت بصــدري ريــاحٌ أُخَـرْ
وأطرقـتُ أُصـغي لقصـفِ الرُّعودِ
وعـزفِ الرّيـاحِ وَوَقْـعِ المَطَـرْ
وقـالتْ لـيَ الأَرضُ لمـا سـألتُ
أيـا أمُّ هـل تكرهيـنَ البَشـَرْ
أُبـاركُ في النَّاسِ أهلَ الطُّموحِ
ومَــن يَســْتَلِذُّ ركـوبَ الخطـرْ
وأَلعـنُ مَـنْ لا يماشـي الزَّمانَ
ويقنـعُ بـالعيشِ عيـشِ الحجـرْ
هـو الكـونُ حـيٌّ يحـبُّ الحَيَاةَ
ويحتقــرُ الميْـتَ مهمـا كَبُـرْ
فلا الأُفـقُ يَحْضـُنُ ميـتَ الطُّيورِ
ولا النَّحْـلُ يلثِـمُ ميْـتَ الزَّهَرْ
ولولا أُمومَةُ قلبي الرَّؤومُ لمَا
ضــمَّتِ الميْــتَ تِلْــكَ الحُفَـرْ
فويـلٌ لمـنْ لـم تَشُقْهُ الحَيَاةُ
مــنْ لعنـةِ العَـدَمِ المنتصـرْ
وفـي ليلـةٍ مِنْ ليالي الخريفِ
متقَّلـــةٍ بالأَســـى والضــَّجَرْ
سـَكرتُ بهـا مِـنْ ضياءِ النُّجومِ
وغنَّيْــتُ للحُــزْنِ حتَّــى سـَكِرْ
سـألتُ الدُّجى هل تُعيدُ الحَيَاةُ
لمــا أذبلتـه ربيـعَ العُمُـرْ
فلـم تَتَكَلَّـمْ شِفاهُ الظَّلامِ ولمْ
تـــترنَّمْ عَـــذارَى الســـَّحَرْ
وقــال لـيَ الغـابُ فـي رقَّـةٍ
محبَّبَــةٍ مثــلَ خفْــقِ الـوترْ
يجيـءُ الشـِّتاءُ شـتاءُ الضَّبابِ
شـتاءُ الثّلـوجِ شـتاءُ المطـرْ
فينطفـئُ السـِّحْرُ سـحرُ الغُصونِ
وسـحرُ الزُّهـورِ وسـحرُ الثَّمَـرْ
وسـحْرُ السـَّماءِ الشَّجيّ الوديعُ
وسـحْرُ المـروجِ الشـهيّ العَطِرْ
وتهــوي الغُصــونُ وأوراقُهـا
وأَزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نَضـِرْ
وتلهـو بها الرِّيحُ في كلِّ وادٍ
ويــدفنها السـَّيلُ أَنَّـى عَبَـرْ
ويفنـى الجميـعُ كحلْـمٍ بـديعٍ
تــأَلَّقَ فــي مهجــةٍ وانـدَثَرْ
وتبقَـى البُـذورُ الـتي حُمِّلَـتْ
ذخيــرَةَ عُمْــرٍ جميــلٍ غَبَــرْ
وذكــرى فصـولٍ ورؤيـا حَيـاةٍ
وأَشــباحَ دنيــا تلاشـتْ زُمَـرْ
معانِقَــةً وهـي تحـتَ الضـَّبابِ
وتحـتَ الثُّلـوجِ وتحـتَ المَـدَرْ
لِطَيْـفِ الحَيَـاة الَّـذي لا يُمـلُّ
وقلـبُ الرَّبيـعِ الشـذيِّ الخضِرْ
وحالِمــةً بأغــاني الطُّيــورِ
وعِطْـرِ الزُّهـورِ وطَعْـمِ الثَّمَـرْ
ويمشـي الزَّمـانُ فتنمـو صروفٌ
وتــذوي صــروفٌ وتحيـا أُخَـرْ
وتَصـــبِحُ أَحلامَهـــا يقْظـــةً
موَشـــَّحةً بغمـــوضِ الســـَّحَرْ
تُســائِلُ أَيْـنَ ضـَبابُ الصـَّباحِ
وسـِحْرُ المسـاءِ وضـوءُ القَمَـرْ
وأَسـرابُ ذاكَ الفَـراشِ الأَنيـقِ
ونَحْــلٌ يُغنِّــي وغيــمٌ يَمُــرْ
وأَيــنَ الأَشــعَّةُ والكائنــاتُ
وأَيـنَ الحَيَـاةُ الـتي أَنْتَظِـرْ
ظمِئْتُ إلـى النُّورِ فوقَ الغصونِ
ظمِئْتُ إلـى الظِّـلِّ تحـتَ الشَّجَرْ
ظمِئْتُ إلـى النَّبْعِ بَيْنَ المروج
يغنِّــي ويرقــصُ فـوقَ الزَّهَـرْ
ظمِئْتُ إلــى نَغَمــاتِ الطُّيـورِ
وهَمْـسِ النَّسـيمِ ولحـنِ المَطَـرْ
ظمِئْتُ إلـى الكونِ أَيْنَ الوجودُ
وأَنَّـى أَرى العـالَمَ المنتظَـرْ
هُـو الكـونُ خلف سُبَاتِ الجُمودِ
وفــي أُفـقِ اليَقظـاتِ الكُبَـرْ
ومــا هـو إلاَّ كَخَفْـقِ الجنـاحِ
حتَّــى نمــا شـوقُها وانتصـَرْ
فصـــدَّعَتِ الأَرضُ مــن فوقهــا
وأَبْصـرتِ الكـونَ عـذبَ الصـُّوَرْ
وجـــاءَ الرَّبيــعُ بأَنغــامهِ
وأَحلامِـــهِ وصـــِباهُ العَطِــرْ
وقبَّلهــا قُبَلاً فــي الشــِّفاهِ
تُعيـدُ الشـَّبابَ الَّـذي قدْ غَبَرْ
وقـال لهـا قـدْ مُنِحْتِ الحَيَاةَ
وخُلِّــدْتِ فــي نَسـْلِكِ المـدَّخَرْ
وباركَــكِ النُّــورُ فاسـتقبلي
شـَبابَ الحَيَـاةِ وخصـْبَ العُمُـرْ
ومــن تَعْبُــدُ النُّـورَ أَحلامـهُ
يُبــارِكُهُ النُّــورُ أَنَّـى ظَهَـرْ
إليـكِ الفضـاءَ إليـكِ الضِّياءَ
إليـكِ الثَّرى الحالمَ المزدهر
إليـكِ الجمـالُ الَّـذي لا يَبيدُ
إليـكِ الوُجُـودَ الرَّحيبَ النَّضِرْ
فميـدي كمـا شئتِ فوقَ الحقولِ
بحُلْــوِ الثِّمـارِ وغـضِّ الزَّهَـرْ
ونـاجي النَّسيمَ وناجي الغيومَ
ونـاجي النُّجـومَ وناجي القَمَرْ
ونــاجي الحيــاة وأشـواقها
وضــنة هــذا الوجـود الأغـر
وشـفَّ الـدُّجى عـن جمـالٍ عميقٍ
يُشـِبُّ الخيـالَ ويُـذكي الفِكَـرْ
ومُـدَّ علـى الكـونِ سـحرٌ غريبٌ
يصــــرّفُهُ ســـاحرٌ مقتـــدِرْ
وضـاءَتْ شـموعُ النُّجُومِ الوِضَاءِ
وضـاعَ البَخُـورُ بَخُـورُ الزَّهَـرْ
ورَفْــرَفَ روحٌ غريــبُ الجمـال
بأَجنحــةٍ مــن ضـياءِ القَمَـرْ
وَرَنَّ نشــيدُ الحَيَـاةِ المقـدَّس
فــي هيكــلٍ حـالِمٍ قـدْ سـُحِرْ
وأُعْلِـنَ فـي الكونِ أنَّ الطّموحَ
لهيــبُ الحَيَـاةِ ورُوحُ الظَّفَـرْ
إِذا طَمَحَــتْ للحَيـاةِ النُّفـوسُ
فلا بُــدَّ أنْ يســتجيبَ القَـدَرْ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .