
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَيْـنَ يا شعبُ قلبُكَ الخافقُ الحسَّاسُ
أَيْـــــــنَ الطُّمــــــوحُ والأَحْلامُ
أَيْـنَ يا شعبُ رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ
أَيْــــنَ الخيــــالُ والإِلهــــامُ
أَيْـنَ يـا شـعبُ فنُّكَ السَّاحرُ الخلاّقُ
أَيْــــنَ الرُّســــومُ والأَنغــــامُ
أَيْـنَ يـمَّ الحَيَـاةِ يَـدْوي حوالَيْـكَ
فــــأَينَ المُغـــامِرُ المِقْـــدامُ
أَيْــنَ عَــزْمُ الحَيَـاةِ لا شـيءَ إلاَّ
المــوتُ والصــَّمْتُ والأَسـى والظَّلامُ
عُمُــــرٌ مَيِّـــتٌ وقلـــبٌ خَـــواءٌ
ودمٌ لا تُــــــــــــــثيرُهُ الآلامُ
وحيـاةٌ تَنـامُ فـي ظُلْمـة الـوادي
وتنمـــو فــي فوقهــا الأَوهــامُ
أَيُّ عيــــشٍ هــــذا وأَيُّ حيـــاةٍ
رُبَّ عيـــشٍ أَخَــفُّ منــه الحِمَــامُ
قَــدْ مشـتْ حولـكَ الفُصـولُ وغَنَّتْـكَ
فلـــمْ تبتهـــج ولـــمْ تــترنَّمْ
ودَوَتْ فوقــكَ العَواصــفُ والأَنـواءُ
حتَّــــى أَوْشــــَكَتْ أن تتحطَّــــمْ
وأَطــافَتْ بــكَ الوُحــوشُ وناشـتْكَ
فلـــم تَضـــْطَرِبْ ولـــم تتــألَّمْ
يـا إِلهـي أمـا تحـسُّ أَمـا تشـدو
أَمـــا تشـــتكي أَمـــا تتكلَّــمْ
مـلَّ نهـرُ الزَّمـانِ أَيَّامـكَ الموتى
وأَنقــــاضَ عُمــــرِكَ المتهـــدِّمْ
أَنْـــتَ لا ميِّــتٌ فيبلَــى ولا حــيٌّ
فيمشــي بــل كــائنٌ لَيْـسَ يُفْهَـمْ
أَبـــداً يرمــقُ الفــراغَ بطــرفٍ
جامــدٍ لا يــرى العــوالِمَ مُظْلِـمْ
أَيُّ ســِحْرٍ دهـاكَ هـل أَنْـتَ مسـحورٌ
شـــــقيٌّ أَو مــــاردٌ يَتَهكَّــــمْ
آه بــل أَنْـتَ فـي الشـُّعوبِ عجـوزٌ
فيلســـوفٌ محطَّـــمٌ فــي إهــابِهْ
مـاتَ شوقُ الشَّبابِ في قلبِهِ الذَّاوي
وعـــزمُ الحَيَــاة فــي أَعصــابِهْ
فمضـــى يَنْشــُدُ الســَّلامَ بعيــداً
فــي قبـورِ الزَّمـانِ خَلْـفَ هضـابِهْ
وهنـاكَ اصـطفى البقاءَ مع الأَموات
فـــي قــبرِ أَمســِهِ غيــرَ آبِــهْ
وارتضــى القــبرَ مسـكناً تتلاشـى
فيــه أيَّــامُ عُمــرِهِ المتشــابِهْ
وتناسـى الحَيَـاةَ والزَّمـنَ الدَّاوي
ومــا كــانَ مِــنْ قــديمِ رِغَـابِهْ
فـالْزَمِ القـبر فهـوَ بيتٌ شبيهٌ بكَ
فـــي صـــَمْتِ قلبِـــه وخرابِـــهْ
واعبـدِ الأَمـسَ وادَّكِـرْ صُوَرَ الماضي
فــدُنْيا العجــوزِ ذِكــرى شـبابِهْ
وإذا مـــرَّتِ الحَيَـــاةُ حوالَيْــكَ
جَميلاً كـــالزَّهْرِ غضـــًّا صـــِباها
تتغنَّـى الحَيَـاةُ بالشـَّوقِ والعـزمِ
فيُحْيــي قلــبَ الجمــادِ غِنَاهــا
والرَّبيــعُ الجميــلُ يرقُــصُ فَـوْقَ
الــوردِ والعُشــْبِ منْشـِداً تيَّاهـا
ومشــى النَّــاسُ خلفَهَــا يتَمَلَّـوْنَ
جمـــالَ الوُجُـــودِ فــي مرآهــا
فاحذرِ السِّحْرَ أَيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ
إنَّ الحَيَــــاةَ يُغـــوي بَهاهـــا
والرَّبيـعُ الفنَّانُ شاعِرُها المفتونُ
يُغْـــــري بحبِّهــــا وهواهــــا
وتَمَـلَّ الجمـالَ فـي رِمـمِ المـوتَى
بعيـــداً عَــنْ ســِحْرِها وصــَداها
وتَغَــزَّلْ بســِحْرِ أَيَّامِــكَ الأولــى
وخَـــلِّ الحَيَــاةَ تخطــو خطاهــا
وإذا هبَّــتِ الطُّيــورُ مـع الفجـرِ
تُغنِّــي بَيْــنَ المــروجِ الجميلـهْ
وتُحَيِّــي الحَيَـاةَ والعـالَمَ الحـيَّ
بصــــَوْتِ المحبَّـــةِ المعســـولهْ
والفَـراشُ الجميـلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ
ينــــاجي زهـــورَهُ المطلـــولهْ
وأَفــاقَ الوُجُـودُ للعمـلِ المجْـدِي
وللســـَّعيِ والمعــاني الجليلــهْ
ومَشَى النَّاسُ في الشِّعابِ وفي الغابِ
وفـــوقَ المســـالكِ المجهـــولهْ
يَنْشـُدُونَ الجمـالَ والنُّورَ والأَفراحَ
والمجـــدَ والحَيَـــاةَ النــبيلهْ
فاغضـُضِ الطَّـرفَ فـي الظَّلامِ وحـاذِرْ
فتنَـةَ النُّـورِ فهـيَ رُؤْيـا مَهُـولهْ
وصـَباحُ الحَيَـاةِ لا يُـوقِظُ المـوْتَى
ولا يَرْحَـــمُ الجفـــونَ الكليلــهْ
كــلُّ شـيءٍ يُعـاطِفُ العـالَم الحـيَّ
ويُــــذكِي حيــــاته ويُفيــــدُهْ
والـذي لا يُجـاوِبُ الكـونَ بالإِحساسِ
عِبْـــءٌ علـــى الوُجُــودِ وُجُــودُهْ
كـلُّ شـيءٍ يُسـايِرُ الزَّمـنَ الماشـي
بعـــزمٍ حتَّـــى التُّـــرابُ ودُودُهْ
كـــلُّ شـــيءٍ إِلاّكَ حَـــيٌّ عَطـــوفٌ
يُــؤْنِسُ الكــونَ شــَوْقُهُ ونَشــيدُهْ
فلمـاذا تعيـش فـي الكونِ يا صاحِ
ومــا فيــكَ مــن جنًـى يسـتفيدُهْ
لســتَ يــا شــيخُ للحيـاةِ بأَهْـلٍ
أَنْـــتَ داءٌ يُبيـــدُها وتُبيـــدُهْ
أَنْـــتَ قَفْـــرٌ جهنَّمـــيٌّ لَعِيـــنٌ
مُظْلِـــمٌ قاحـــلٌ مريــعٌ جمــودُهْ
لا تــرفُّ الحَيَــاةُ فيــهِ فلا طيـرَ
يغنِّــــي ولا ســــَحَابَ يجــــودُهْ
أَنْــتَ يــا كــاهِنَ الظَّلامِ حيــاةٌ
تعبــدُ المــوتَ أَنْــتَ روحٌ شــقيُّ
كـافرٌ بالحَيَـاةِ والنُّـورِ لا يُصـغي
إلـــى الكــونِ قلبُــه الحجــريُّ
أَنْــتَ قلـبٌ لا شـوقَ فيـه ولا عـزمٌ
وهـــذا داءُ الحَيَـــاةِ الـــدّويُّ
أَنْـتَ دُنيـا يُظلُّهـا أُفُـقُ الماضـي
وليـــــلُ الكآبَــــةِ الأَبــــديُّ
مـاتَ فيهـا الزَّمـانُ والكـونُ إلاَّ
أَمســُها الغـابرُ القـديمُ القَصـِيُّ
والشــقيُّ الشــقيُّ فـي الأَرضِ قلـبٌ
يـــومُهُ ميِّـــتٌ ومَاضـــيهِ حَـــيُّ
أَنْـتَ لا شـيءَ فـي الوُجُـودِ فغادِرْهُ
إلــى المــوتِ فهــوَ عنــكَ غَنِـيُّ
أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي. شاعر تونسي في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية الشابية من ضواحي توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب. قرأ العربية بالمعهد الزيتوني بتونس وتخرج من مدرسة الحقوق التونسية وعلت شهرته. ومات شاباً بمرض الصدر ودفن في روضة الشابي بقريته. له (ديوان شعر -ط) و(كتاب الخيال الشعري عند العرب) و(آثار الشلبي -ط) و(مذكرات -ط).مولده 24 فبراير 1909 ووفاته 9 اكتوبر 1934 .