
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَبُو مَالِكٍ كَعبُ بنُ مَعدانَ، مِنَ الأَشاقِرِ إِحْدَى قَبائِلِ الأَزْدِ، شَاعِرٌ أُمَوِيٌّ وَفارِسٌ وَخَطِيبٌ، وهُوَ مِنْ شُعراءِ خُراسانَ، وقد لَازَمَ المُهَلّبَ بنَ أَبِي صُفْرَةَ ومَدَحَهُ ومدَحَ أَبْناءَهُ، ولَهُ خَبَرٌ معَ الحَجَّاجِ وعَبدِ المَلِكِ بنِ مَروانَ، وكانَ بَينَهُ وبَينَ زِيادٍ الأَعْجَمِ مُهاجاةٌ، أَثْنى عَبدُ المَلِكِ عَلى شِعرِهِ فِي مَدحِ المُهلَّبِ وَوَلَدِهِ، وَعدَّهُ الفَرَزْدَقُ مِنْ شُعراءِ الإِسلامِ المقدَّمينَ، وكانَ بَينَهُ وبينَ ابنِ أَخٍ لَهُ عِداءٌ وتَباعُدٌ، فَقتَلَهُ ابنُ أَخِيهِ بِتَحْرِيضٍ مِنْ زِيادِ بنِ المُهَلّبِ سَنَةَ 102 لِلْهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
لَمْ تَذْكُرِ المَصادِرُ الأَدبيَّةُ وكُتُبُ التّراجِمِ نَسَباً مُتّصِلاً لِكعبِ بنِ مَعدانَ، وكلُّ ما وَرَدَ عَنْ نَسَبِهِ أَنَّهُ مِنَ الأَشاقِرِ إِحدَى قَبائِلِ الأَزْدِ، وَهُم بَنُو سَعْد (وقَيلَ أَسْعَد) بنِ مالِكِ بنِ عائِذِ بنِ مالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ مالِكِ بنِ فُهَيمِ، وَهُمْ مِنْ أَزْدِ عُمانَ.
ولا يُعلَمُ عَنْ أُسْرَةِ كَعْبٍ كَذلكَ سوَى أَنَّ أُمّهُ مِن عَبْد القَيسِ، وأَنَّ لَهُ أَخَوَينِ، أحَدُ أخويهِ كان له ابنٌ بينهُ وبينَ كَعبٍ عداءٌ وتباعُدٌ فَقتلَ كَعْباً ثُمَّ قُتِلَ بِهِ. وكانَتْ زوجَةُ كعبٍ أَعْجميَّةٌ مِن أهل خُراسانَ ولَهُ ابنٌ مِنْها اسْمُهُ فَيروز.
يَنْتَمِي كَعْبُ بْنُ مَعْدَانَ إِلَى قَبيلَةِ الأَزْدِ فِي عُمانَ، لَكِنَّهُ عَاشَ حَياتَهُ فِي خُرَاسَانَ، وَكَانَ فِيهَا زَمَنُ المُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ الَّذِي قَرَّبَهُ وَكَانَ شاعِرَهُ الَّذِي يَذْكُرُ مَآثِرَهُ وَوَقَعَاتِهِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ أَخْبارٌ عَنْ نَشْأَةِ كعبٍ، وَمَا وَرَدَ عَنْهُ يَرْتَبِطُ فِي الأَغْلَبِ بِعَلاقَتِهِ بِالْمُهَلَّبِ وَبَنِيهِ، وَلَهُ أَخْبارٌ مَعَ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ والْحَجّاجِ.
وَتَدُلُّ أَخْبارُ كَعْبِ بْنِ مَعدانَ أَنَّهُ كَانَ مُقَرَّبًا مِنْ المُهَلَّبِ بْنِ أبِي صُفْرَةَ وَمِن أَبْنَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ كَعْبٌ شَاعِراً وَخَطيباً يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ المُهَلَّبُ فِي بَعْضِ شُؤونِهِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الكامِلِ) لِلْمُبْرّدِ أَنَّ المُهَلَّبَ وَجَّهَ كعباً وَمُرَّةَ بْنَ تَليدٍ الأَزْديَّ لِيُخبِراهُ بِبَعْضِ وَقائِعِهِ، فَلَمَّا طَلَعَا عَلَيْهِ تَقَدَّمُ كَعْبٌ فَأَنْشَدَهُ:
يَــا حَفْــصَ إِنِّـي عَـدَانِي عَنْكُمُ السَّفَرُ وَقَـــدْ أَرِقْـــتُ فَـآذَى عَيْنِـيَ السَّـهَرُ
ومِمّا قالَهُ كَعبٌ فِي مَدحِ المُهَلَّبِ وَوَلَدِهِ أَبياتُهُ المشهورةُ الَّتي يَقولُ فِيها:
بَــرَاكَ اللّـهُ حِيـنَ بَـرَاكَ بَحْـراً وَفَجَّـــرَ مِنْــكَ أَنْهَــاراً غِـزَارَا
بَنُــوكَ السَّـابِقُونَ إِلَـى المَعَالِي إِذَا مَــا أَعْظَـمَ النَّـاسُ الخِطَارَا
وَقَدْ ذَكَرَ المَرْزُبانيُّ فِي (مُعْجَم الشُّعَراءِ) أَنَّ عَبْدَ المَلِكِ قَالَ لِلشُّعَرَاءِ أَلّا قُلْتُمْ فِيَّ كَمَا قَالَ كَعْبٌ فِي المُهَلَّبِ وَوَلَدِهِ، وَأَنْشَدَهُمْ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ. وَيُرْوَى عَنِ المَنْصورِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ هَرْمَةَ وَقَالَ لَهُ قَدْ مَدَحَتُكَ بِمِدْحَةٍ لَمْ يُمْدَحْ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ المَنْصورُ: وَمَا عَسَى أَنْ تَقولَ فِيَّ بَعْدَ قَوْلِ كَعْبٍ فِي المُهَلَّبِ وَأَنْشَدَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ.
وكانَ كعبٌ مُدافِعاً عَنِ المُهلَّبِ، مُتَصَدِّياً بِلِسانِهِ لِأَعدائِهِ وخُصُومِهِ، وهوَ ما عَرَّضَهُ أَحياناً لِبَعضِ الأَزَماتِ، مِنْ ذلكَ أَنَّ خِلافاً نَشأَ بَينَ المُهلَّبِ والحَجَّاجِ حِينَ اسْتَبْطأَهُ الحَجَّاجُ فِي قِتالِهِ الأَزارقَةِ فَساءَ المُهلَّبَ ذلكَ وبَعثَ إِلى عَبدِ الملكِ بِما وَقَعَ وَعُذْرَهُ في الإِبْطاءِ، فَكتبَ عبدُ الملكِ لِلحَجّاجِ: لا تُعارِضِ المُهلَّبَ فِيما يَراهُ ولا تُعجِّلُهُ، وَدَعْهُ يُدبِّرُ أَمْرَهُ، وقامَ الأَشْقريُّ إِلى المُهلَّبِ فَأَنشدَهُ بِحَضْرَةِ رَسُولِ الحَجّاجِ:
إِنَّ ابْـنَ يُوسُـفَ غَرَّهُ مِنْ غَزْوِكُمْ خَفْـضُ المُقَـامِ بِجَـانِبِ الأَمْصَارِ
لَـوْ شَـاهَدَ الصَّفَّيْنِ حَيْثُ تَلَاقَيَا ضَـاقَتْ عَلَيْـهِ رَحِيبَـةُ الأَقْطَـارِ
فَبَلَغَتْ أَبْياتُهُ الحَجّاجَ، فَكَتَبَ إِلَى المُهَلَّبِ يَأْمُرُهُ بِإِشْخاصِ كَعْبٍ الأَشْقَريِّ إِلَيْهِ، فَأَعْلَمَ المُهَلَّبُ كَعْباً بِذَلِكَ، وَأَوْفَدَهُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ، واسْتَنْشَدَهُ عبدُ الملكِ فَأَعْجَبَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ، فَأَوْفَدَهُ إِلَى الحَجّاجِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُقْسِمُ عَلَيْهُ أَنْ يَعْفوَ عَنْهُ وَيُعْرِضَ عَمَّا بَلَغَهُ مِنْ شِعْرِهِ.
وَكَانَ لِكَعْبٍ مُهاجاةٌ مَعَ زِيَادٍ الأَعْجَمِ، واتَّصَلَ الهِجاءُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ غَلَبَهُ زِيَادٌ، وَذَكَرَ الأَصْفَهانيُّ فِي سَبَبِ هَذِهِ المُهاجاةِ بَيْنَهُما أَنَّ شَرّاً وَقَعَ بَيْنَ الأَزْدِ وَبَيْنَ عَبْدِ القَيْسِ، وَحَرْباً سَكَّنَها المُهَلَّبَ وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَتَحَمّلَ مَا أَحْدَثَهُ كُلُّ فَريقٍ عَلَى الآخَرِ، وَأَدَّى دِيَاتِهِ، فَقَالَ كَعْبٌ يَهْجُو عَبْدَ القَيْسِ:
إِنِّي وَإِنْ كُنْتُ فَرْعَ الأَزْدِ قَدْ عَلِمُوا أَخْزَى إِذا قِيلَ عَبْدُ القَيسِ أَخوالِي
فَهْــمٌ أَبُــو مَالِـكٍ بِالمَجْدِ شَرَّفَنِي وَدَنَّـسَ العَبْـدُ عَبْـدُ القَيْسِ سِرْبَالِي
فَبَلغَ قَولَهُ زِياداً الأَعجَم فَغَضِبَ وقالَ: يا عَجَباً لِلْعَبْدِ بنِ العبدِ بنِ الحِيتانِ والسَّرطانِ، يَقولُ هذا فِي عبدِ القَيسِ، وهُوَ يَعلَمُ مَوضِعِي فِيهم، واللّـهِ لأَدَعنَّهُ وقَومَهُ غَرضاً لِكلِّ لِسانٍ، ثُمَّ قالَ يَهْجوهُ:
قَالُوا الأَشاقِرُ تَهْجُوكُمْ فَقُلْتُ لَهُمْ ما كُنْتُ أَحْسَبُهُمْ كانُوا وَلَا خُلِقُوا
لا يُكْثِــرونَ وَإِنْ طـالَتْ حَيـاتُهُمُ وَلَـو يَبـولُ عَلَيْهِـم ثَعْلَبٌ غَرِقُوا
ثُمَّ شَكَاه كَعْبٌ إِلَى المُهَلَّبِ، فَجَمْعُهُمَا المُهَلَّبُ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِما المُهَلَّبُ أَنْ يَصْطَلِحَا، فَاصْطَلَحا وتَكافّا.
وَلَمّا عُزِلَ يَزيدُ بْنُ المُهَلَّبِ عَنْ خُرَاسَانَ وَوَلِيَها قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، مَدْحَ كَعْبٌ الأَشْقَريُّ قُتَيْبَةَ، وقدْ وردَ فِي كتابِ (تَجْرِيد الأَغانِي) وهُوَ مُخْتَصّرٌ لِكتابِ الأَغانِي بَعضَ الأَخبارِ عمّا حَصلَ لِكعبٍ مَعَ قُتيبةَ بنِ مُسلِمٍ وهِيَ أَخبارٌ لَمْ تَرِدْ فِي كِتابِ (الأَغانِي)، فَقد وَرَدَ أنَّ قُتَيْبَةَ أَمَرَ كَعْباً أَنْ يَهْجُوَ يَزيدَ وَوَلَدَهُ وَيُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِيما سَلَفَ مِنْ مَديحِهِ لَهُمْ، فَقَالَ كَعْبٌ أَبْيَاتًا مَدْحَ فِيهَا قُتَيْبَةَ وَذَمَّ فِيهَا آلَ المُهَلَّبِ، ثُمَّ قُتِلَ قُتَيْبَةُ وَعادَ يَزيدُ بْنُ المُهَلَّبِ والياً على خُرَاسَانَ، فَهَرَبَ كَعْبٌ إِلَى عُمانَ، فسَاءَتْ حالُهُ بِهَا، وَكَانَ قَدْ تَرَكَ زَوْجَتَهُ الأَعْجَميَّةَ وابْنَهُ فَيْروزَ فِي خُرَاسَانَ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
وَإِنِّــي تَـارِكٌ مَـرْواً وَرَائِي إِلَـى الطَّبسَيْنِ مُعْتَامٌ عُمَانَا
لِآوِي مَعْقِلاً فِيهَـــا وَحِــرْزاً فَكُنَّـا أَهْـلَ ثَرْوَتِهَـا زَمَانَا
فلمَّا قَدمَ يَزيدُ خُراسانَ حَبَسَ ابنَ كَعبٍ فَيروزَ، وولَّى أَخاهُ زِيادَ بنَ المُهلَّبِ عَلى عُمانَ وأَمَرَهُ بِحبْسِ كَعبٍ فَحبَسَهُ، ومَدَحَ كَعبٌ زياداً واسْتعطفَهُ فَلَمْ يُطلقْهُ، وكَتَبَ إِلى يَزيدَ بنِ المُهلّبِ قَصيدَةً مُعتَذِراً ومِمّا قالَهُ فِيها:
يَـا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى أَمْرٍ خَطَلْتُ بِهِ وَمَـا شَـفَيْتُ بِـهِ غِمْـرِي وَأَحْقَادِي
أَفْنَيْـتُ خَمْسِـينَ عَاماً فِي مَدِيحِكُمْ ثُمَّ اغْتَرَرْتُ بِقَوْلِ الظَّالِمِ العَادِي
أَبْلِـغْ يَزِيـدَ قَرِينَ الجُودِ مَأْلُكَةً بِـأَنَّ كَعْبـاً أَسِـيرٌ بَيْـنَ أَصْـفَادِ
فَـإِنْ عَفَـوْتَ فَـبَيْتُ الجُودِ بَيْتُكُمُ وَالـدَّهْرُ طَـوْرَانِ مِـنْ غَيٍّ وَإِرْشَادِ
وَلَمْ يَخْرُجْ كعبٌ من سِجنِهِ إِلَّا بَعدَ أَنْ شَفَعَ لَهُ مَجْزأَةُ بنُ زِيادِ بنِ المُهلَّبِ، لكِنَّ زِياداً دَسَّ لَهُ بعدَ ذلكَ مَنْ يَقْتُلُهُ.
ماتَ كَعبُ بنُ مَعدانَ مَقْتُولاً فِي حَوالَي سَنةِ 102 لِلهجرَةِ، وليسَ فِي سَنَةِ 80 لِلْهِجْرَةِ كَما ذَكَرَ الزَّرْكَلِيُّ فِي الأَعْلَامِ، لِأَنَّ كَعباً ماتَ فِي السّنَةُ الّتِي وقعتْ فِيها فِتْنَةُ يَزيدِ بنِ المُهلّبِ كما ذَكَرَ أبو الفَرَجِ الأصْفهانيُّ في (الأغاني)، ووردَ في سَببِ مقتلِهِ أَنَّهُ كانَ بينَهُ وبينَ ابْنِ أَخٍ لَهُ عَداوةٌ وتباعُدٌ، وقدْ هَجا كَعْبٌ ابنَ أَخِيهِ وعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ السّوداءِ، وبعدَ أَنْ خَرَجَ كَعْبٌ مِنَ السّجْنِ بوساطةٍ مِن مَجزأةَ بنِ زِيادِ بنِ المُهلَّبِ عِندَ أَبِيهِ، حرَّضَ زِيادُ بنُ المُهلَّبِ ابنَ أَخِ كَعْبٍ عَلى قَتْلِ كَعبٍ وجَعَلَ لَهُ مالاً لِيقْتُلَهُ، فَجاءَهُ يَوماً وَهُوَ نائِمٌ تَحتَ شَجَرةٍ، فَضَربَ رأْسَهُ بِفأسٍ فَقَتَلَهُ. ولعدَ مَقْتلِ يزيدَ بنِ المهلَّبِ، أَخَذُ أَخُو كَعبٍ ابنَ أَخِيهِ الّذي قَتَلَ كَعْباً لِيقْتَصَّ مِنهُ عِندَ الوالي فَضَرَبَ عُنُقَهُ.
كعبُ بنُ مَعدانَ مِنَ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ المُجيدِينَ، وكانَ شاعِرَ المُهلَّبِ بنِ أَبِي صُفرةَ ومِنَ المُقرَّبِينَ عِندَهُ، ومُعظَمُ شِعْرِهِ فِي مَدحِ آلِ المُهلَّبِ وفِي وَصْفِ الوقائِعِ الّتي خاضَها المُهلَّبُ وأَبناؤُهُ كِقِتالِهم لِلأَزارِقَةِ. ذكرَ المَرْزُبانِيُّ في (مُعجَم الشُّعراء) أنَّ كعباً اسْتفْرَغَ شِعرَهُ فِي مَدْحِ المُهلّبِ ووَلَدِهِ.
كانَ الفَرَزْدَقُ يَستجديدُ شِعرَ كعبٍ، ويضعُ كعباً في مقدّمةِ شُعراءِ عصْرِهِ، فقد ذكرَ أَبو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) أنَّ الفرزْدَقَ قالَ: شُعراءُ الإِسلامِ أَرْبَعَةٌ: أَنا، وجَريرٌ، والأَخْطَلُ، وكَعبٌ الأَشْقَرِيُّ.
كانَ عبدَ المَلِكِ بنُ مَروانَ مُعجباً بِشِعْرِ كَعبِ فِي آلِ المُهلَّبِ، وردَ أَنَّهُ كانَ يَقولُ لِلشُّعراءِ: تُشبِّهُونِي مَرَّةً بِالأَسَدِ، وَمَرَّةً بِالبازِيِّ، ومَرَّةً بِالصَّقْرِ، أَلا قُلْتُم كما قالَ كَعبٌ الأَشْقَرِيُّ فِي المُهلّبِ ووَلَدِهِ:
بَــرَاكَ اللـهُ حِيـنَ بَـرَاكَ بَحْـراً وَفَجَّـــرَ مِنْــكَ أَنْهَــاراً غِـزَارَا
بَنُــوكَ السَّـابِقُونَ إِلَـى المَعَالِي إِذَا مَــا أَعْظَـمَ النَّـاسُ الخِطَارَا
كَــــأَنَّهُمُ نُجُـــومٌ حَــوْلَ بَــدْرٍ دَرَارِيٌّ تَكَمَّــــــلَ فَاسْــــتَدَارَا
(أَبُو الفرجِ الأصفهانيُّ / الأغاني)
(الفرزدق/ ورد في كتاب الأغاني).