
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
البَعِيثُ هُوَ خِداشَ بْنُ بِشْرٍ، مِنْ بَنِي مُجاشِعَ أَحَدِ بُطونِ تَمِيمٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ فارِسيَّةً، وَهُوَ شاعِرٌ مِنْ شُعَراءِ العَصْرِ الأُمَويِّ، عَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِنْ شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ مِنَ الإِسْلَامِيِّينَ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ شاعِرٌ فاخِرُ الكَلامِ حُرُّ اللَّفْظِ، وَقَدْ نَشَبَتْ مُهاجاةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَريرٍ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَعَانَ البَعِيثُ غَسّانَ السَّلِيطِيَّ عَلَى جَريرٍ، وَقَدْ غَلَبَهُ جَريرٌ وأَخْمَلُهُ. وَكَانَ البَعِيثُ خَطِيباً مُفَوَّهاً، قَالَ فِيه الجاحِظُ: أَخْطَبُ بَنِي تَمِيمٍ إِذا أَخَذَ القَناةَ، عَاشَ فِي البَصْرَةِ وَانْتَقَلَ إِلَى الشّامِ، وتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 134 لِلْهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
هو خِدَاشُ بنُ بِشْرِ بنِ خَالِدِ بنِ بيبةَ بنِ قُرطِ بْنِ سُفْيَانَ بنِ مُجاشِعِ بنِ دارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وكانَ يُكنَّى أَبا مالِكٍ، وَسُمِّيَ البَعِيثَ بِقولِهِ:
تَبَعَّثَ مِنِّي مَا تَبَعَّثَ بَعدَما أُمِرَّتْ حِبالٌ كُلَّ مِرَّتِها شَزْرا
وَهُوَ أَوَّلُ شِعْرٍ قَالَهُ.
والبَعِيثُ يَنتَسِبُ إِلى بَنِي مُجاشِعِ بنِ دَارِمٍ وهُمْ إِحْدَى بُطُونِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ المَشْهُورَةِ والَّتي يَنْتَسِبُ إِليها كَذلكَ الْفَرَزْدَقُ، وكانَتْ منازِلُهُم ما بَينَ الحِيرَةِ والْيَمامَةِ، ثمّ تفرّقوا بعدَ الإِسْلامِ فَسَكَنُوا البَصْرَةَ والْكُوفَةَ والشَّامَ، وكانَ البَعِيثُ مِمَّنْ نَشَأَ فِي البَصْرَةِ، وفِي أَجدادِ البَعيثِ شَرَفٌ وَسِيادَةٌ فَمِن أَجدادِهِ الحارِثُ بنُ بَيبَةَ وكانَ سيِّداً فِي قَبِيلَتِهِ وَرَدَ فِي (مُعْجَم الشُّعراءِ) لِلمَرْزُبانِيِّ أَنَّهُ أَجارَ الصِّمَّةَ الجُشَمِيَّ وهُو أَبُو دُريدِ بنِ الصِّمَّةِ فَقالَ فِيهِ:
أَذُمُّ العاصِيَينِ وَإِنَّ جارِي مِنَ الْبَيْباتِ لَا يُوفِي بِزِنْدِ
وأمُّ البُعَيثِ أَمَةٌ فارِسِيَّةٌ مِنْ أَصْبَهان، يقول الفرزْدَقُ معرِّضاً بِها:
إِذا ما أَتَيْنا أَصْبَهانَ وَأَهْلَها فَيَوْمُ حِجاجٍ فِي الْبَعِيثِ طَويلُ
ولِلْبَعيثِ وَلَدانِ: مالِكٌ وَبَكْرٌ، وَرَدَ أنّ البَعيثَ كانَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَيهِ لِيَرْعَيا غَنَمَهُ فَمَرِضَ مالِكٌ فَبَعثَ أَخاهُ بَكْراً لِأَبِيه لِيَقْدُمَ عليهِ فَلَمّا جاءَهُ البَعِيثُ وَجَدَهُ مَيِّتاً فَقالَ:
وَأَرْسَـلَ بَكْـراً مالِكٌ يَسْتَحِثُّنا يُحاذِرُ مَخاريبَ المَنُونِ فَلَمْ يَئِلْ
أَمالِكُ مَهْما يُقْضِهُ اللهُ تَلْقَهُ وَإِنْ حـانَ رَيْثٌ مِنْ رَفِيقِكَ أَوْ عَجَلْ
وَلَهُ ابْنَةٌ شاعِرَةٌ اسْمُها ضَبَّةُ كانتْ قَدْ رَثَتْهُ حِينَ ماتَ.
وُلِدَ البَعِيثُ فِي البَصرَةِ وَفِيها نَشَأَ، وَلَمْ تَرِدْ الكَثِيرُ مِنَ الأَخبارِ حَولَ حَياةِ الشّاعِرِ وظروفِ نَشَأَتِهِ، وارتبَطَ ذِكرُهُ في الغالِبِ بِالنّقائضِ فِي عَصْرِهِ وَالمُهاجاةِ الَّتِي وَقَعَتْ بَينَهُ وبينَ جَريرٍ والْفَرَزْدَقِ، ويَظْهَرُ مِنْ شِعْرِ الْبَعيثِ أنَّهُ قَد قالَ الشِّعرَ مُتأَخِّراً، فَأَوَّلُ شِعْرِهِ كما ذَكَرَ ابنُ سَلَّامٍ هُوَ قَولُهُ:
تَبَعَّثَ مِنِّي مَا تَبَعَّثَ بَعدَما أُمِرَّتْ حِبالٌ كُلَّ مِرَّتِها شَزْرا
وَيَذْكُرُ ابنُ قُتيبةَ فِي (الشِّعر والشُّعراء) أنَّهُ قَصَدَ بِهذا البيتِ أَنَّهُ قالَ الشِّعْرَ بَعدَما أَسنَّ وكَبِرَ.
وَقَدْ عاصَرَ البَعِيثُ الفَرَزْدَقَ وَجَريراً والْأَخْطَلَ، وَخَاضَ مَعَهُمْ فِي الْهِجاءِ غَيْرَ اَنْهُ لَمْ يَكُنْ كُفْئاً لَهُمْ فِي الشِّعْرِ فَعُدَّ مِنَ الشُّعَراءِ الْمُغَلَّبِينِ، فَقَدْ غَلَبَهُ جَريرٌ فِي الهِجاءِ، وَسَبَبُ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ هِجاءٍ - كَمَا وَرَدَ فِي أَنْسابِ الأَشْرافِ- أَنَّ جَريراً وَغَسَّانَ السَّلِيطِيَّ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهاجاةٌ فَأَعانَ البَعيثُ غَسّانَ وَفَضَّلَهُ عَلَى جَريرٍ، وبَلَغَ ذَلِكَ جَريراً فَقَالَ قَصيدَتُهُ اَلَّتِي يَهْجُو بِها البَعِيثَ وأَوَّلُها:
طَـافَ الْخَيَالُ وَأَيْنَ مِنْكَ لِمَامَا فَـارْجِعْ لِـزَوْرِكَ بِالسـَّلَامِ سَلَامَا
وقالَ فِيها:
يَا عَبْدَ بَيْبَةَ مَا عَذِيرُكَ مُحْلِباً #=لِتُصــِيبَ عُــرَّةَ مُجْـرِبٍ وَتُلَامَـا
نُبِّئْتُ أَنَّ مُجَاشـِعاً قَـدْ أَنْكَرُوا شـَعَراً تَـرَادَفَ حَـاجِبَيْهِ تُؤَامَا
ثُمَّ صَفَحَ البَعِيثُ ولَمْ يُجِبْهُ، حتَّى اسْتثارَهُ قَومُهُ وذَكَّروهُ بِهجاءِ جَريرٍ لَهُ ولِقَومِهِ، فَغَضِبَ وهَجا جَريراً بِقَصيدَتِهِ الّتي مَطْلَعُها:
أَلا حَيِّيا الرَّبْعَ القَواء وسَلِّما ورَبْعاً كجُثْمانِ الحَمامةِ أَدْهَما
فَلجَّا فِي التَّهاجِي، وَبَلَغَ الْفَرَزْدَقَ خَبرُهما فَغَضِبَ لِقَومِهِ ولِلْبَعيثِ، وكانَ قَدْ قَيَّدَ نَفْسَهُ وَحَلَفَ أَلّا يَحُلَّ قُيودَهُ حَتَّى يَجْمَعَ القُرآنَ- أَيْ يَحفَظَهُ- فَقالَ الْفَرَزْدَقُ قَصِيدَتَهُ الَّتي يَقولُ فِيها:
أتَتْني أحادِيثُ البَعِيثِ وَدُونَهُ زَرُودٌ فشاماتُ الشّقيقِ إلى الرّمْلِ
فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخَبِيثَةِ أنّني شُغِلْتُ عن الرّامِي الكِنانَةَ بالنَّبْلِ
فإنْ يَكُ قَيْدِي كانَ نَذْراً نَذَرْتُهُ فَما بِي عَنْ أَحْسابِ قَوْميَ مِنْ شُغْلِ
وَنَشَبَ الهِجاءُ بينَ جَرِيرٍ والْفَرَزْدَقِ فَقالَ الْبَعِيثُ:
أَشارَكْتَنِي فِي ثَعْلَبٍ قَدْ أَكَلْتُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا رَأْسُهُ وَأَكارِعُهْ
فَدُونَكَ خِصْيَيةِ وَما ضَمَّتِ اسْتُهُ فإِنَّكَ قَمَّامٌ خَبِيثٌ مَراتِعُهْ
وَقِيلَ إِنَّ البَعِيثَ طَلَبَ المُساعَدَةَ مِنَ الْفَرَزْدَقِ فَأعانَهُ الفرزْدقُ وهَجا جَرِيراً، فَلَمْ يَرضَ البَعيثُ بِما قالَ واتَّهَمَهُ بِالتّباطُؤِ والتَّردُّدِ وقالَ فِيهِ:
لَعَمْرِي لَقَدْ أَلْهَى الْفَرَزْدَقَ قَيْدُهُ وَدُرجُ نَوارٍ ذُو الدِّهانِ وَذُو الْغُسْلِ
فَأَثارَ ذَلِكَ الْفَرَزْدَقَ فَهجا البَعِيثَ بِقَولِهِ:
دَعَانِي ابْنُ حَمْرَاءِ الْعِجانِ وَلمْ يَجِدْ لَهُ إِذْ دَعَا مُسْتَأْخِراً عَنْ دُعائِيا
فَنَفَّسْتُ عَنْ أَنْفَيهِ حَتَّى تَنَفَّسا وَقُلْتُ لَهُ لَا تَخْشَ شَيْئا وَرائِيا
وَكَانَ البَعِيثُ يَفِدُ عَلَى الخُلَفاءِ وَلَهُ أَخْبارٌ مَعَ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ وَمَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ والْوَليدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، ذكرَ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ فِي (العقد الفَريدِ) أَنَّ الْوَليدَ بْنَ عَبْدِ المَلِكِ أَخَّرَ البَعِيثَ عَنْ الشُّعَراءِ الذينَ وَقَفُوا بِبابِهِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ إِلَّا بَعْدَهُمْ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ انْتَقَدَ شِعْرَ الفَرَزْدَقِ وَجَريرٍ والاخْطَلَّ والأشْهَبِ بْنِ رُميلَةَ، ثُمَّ أَنْشَدُهُ مِنْ شِعْرِهِ فَأَحْسَنَ الوَليدُ جَائِزَتَهُ.
وَيَذْكُرُ أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) أَنَّ البَعِيثَ كَانَ سَؤُولاً مِلْحاحاً شَديدَ الطَّمَعِ، ويروي أَنَّهُ قَدمَ مَكَّةَ وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ قُرَيْشٍ يَأْتِيهِ بِالشّيءِ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لَا أَقْبَلُهُ إِلَّا أَنْ تَجِيءَ مَعِي إِلَى الصَّرّافِ حَتَّى يَنْقُدَهُ وَيَزِنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَمَّهُ وَهَجاهُ. فَشَكَوهُ إِلَى أَبِي العَبّاسِ الأَعْمَى، فَقَالَ قُودُونِي إِلَيْهُ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا عَرَفَ مَجْلِسَهُ رَفْعَ عَصَاهُ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ:
فَهَلْ أَنْتَ إِلّا مُلصَقٌ فِي مُجاشِعٍ نَفاكَ جَرِيرٌ فاضْطَرَرْتَ إِلى نَجْدِ
قالَ فَتضاحَكَ بِهِ مَنْ حَضَرَ، واسْتَحيا وَلَمْ يُحرْ جَواباً. فلمّا جَنَّ اللَّيلُ عَلَيهِ هَرَبَ مِنْ مَكَّةَ.
تُوفِّيَ البَعِيثُ حَوالي سَنَةِ 134 لِلهِجْرَةِ، وَكانَ قَدْ نَعاهُ رَجُلٌ مِنْ عُكْلٍ فَقالتْ ابْنَتُهُ ضَبَّةُ تَرثِيهِ:
نَعاهُ لَنا العُكْلِيُّ لا دَرَّ دَرَّهُ فَيا لَيتَهُ كَانَتْ بِهِ النَّعْلُ زَلَّتِ
فَلَنْ تَسْمَعِي صَوتَ البَعِيثِ مُمارِياً إِذا ما خُصُوماتُ الرِّجالِ تَعلَّتِ
جَعَلَهُ ابْنُ سَلَّامٍ عَلَى رَأْسِ الطَّبَقَةِ الثّانيَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحولِ الشُّعَراءِ الإِسْلَامِيِّينَ، وَالَّتِي تَضُمُّ القَطامِيَّ وَكُثَيِّرًا وَذَا الرُّمَّةِ، وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ سَلّامٍ: كَانَ البَعِيثُ شَاعِراً فاخِرَ الكَلامِ حُرَّ اللَّفْظِ وَقَدْ غَلَبَهُ جَريرٌ وأَخْمَلَهُ وَكَانَ قَدْ قَاوَمَ جَرِيراً فِي قَصائِدِهِ ثُمَّ ضَجَّ إِلَى الفَرَزْدَقِ وَاسْتَغاثِهِ.
كَانَ البَعِيثُ مِنَ الشُّعراءِ الْمُغَلَّبِينَ، فَقَدْ غَلَبَهُ جَريرٌ فِي الهِجاءِ فَطَلَبَ اَلْعَوْنِ مِنَ الفَرَزْدَقِ، ثُمَّ حَدَثَ خِلافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الفَرَزْدَقِ فَهَجاهُ الفَرَزْدَقُ. وَرُغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَرْتَبَةِ شُعَراءِ النَقائِضِ فِي عَصْرِهِ إِلَّا أَنَّ هِجاءَهُ كَانَ مُقْذِعاً، فَقَدْ وَرَدَ أنَّهُ قِيلَ لِبَنِي كُلَيبٍ مَا أَشَدُّ مَا هُجِيتُمْ بِهِ، قَالُوا قَوْلُ البَعِيثِ:
أَلَسْتَ كُلَيبِيّاً إِذَا سِيمَ خُطَّةً أَقَرَّ كَإِقْرارِ الْحَلِيلَةِ لِلْبَعْلِ
وَكُلُّ كُلَيْبِيٍّ صَحِيفَةُ وَجْهِهِ أَذَلُّ لِأَقْدَامِ الرِّجالِ مِنَ النَّعْلِ
كَانَ البَعيثُ خَطِيباً مُفَوَّهاً، وقد عَدَّهُ الجاحِظُ أَخْطَبَ بَنِي تَميمٍ، وَوَرَدَ فِي (البَيانِ والتَّبْيينِ) أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رُؤْبَةَ عَنْ أَخْطَبِ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: خِداشُ بْنُ لَبيدِ بْنِ بَينَةَ يَعْنِي البَعِيثَ. وقيلَ: أَخْطَبُ بَنِي تَمِيمٍ البَعِيثُ إِذا أَخَذَ القَناةَ، وَقَالَ فِيه يونُسُ بْنُ حَبيبٍ: كَانَ البَعِيثُ مُغَلَّباً فِي الشِّعْرِ غَلَّاباً فِي الخُطَبِ.
ذكر ابنُ رشيقٍ في كتابه العُمْدَةِ أَنَّ البَعِيثَ أَخَذَ مِنَ الفَرَزْدَقِ قَوْلَهُ فِي بَنِي رُبيعٍ:
أتَرْجُو رُبَيْعٌ أنْ يَجِيءَ صِغَارُهَا بِخَيْرٍ وَقَدْ أعْيَا رُبَيعاً كِبَارُهَا
أَخَذَهُ البَعِيثُ بِعَيْنِهِ فَقَالَ فِي بَنِي كُلَيبٍ رَهْطِ جَريرٍ:
أَتَرْجُو كُلَيبٌ أَنْ يَجِيءَ حَديثُها بِخَيْرٍ وَقَدْ أَعْيا كُلَيبٌ قَدِيمُها
فَقَالَ الفَرَزْدَقُ:
إِذَا مَا قُلْتُ قافِيَةً شُرُوداً تَنَحَّلَها ابْنُ حَمْراءِ الْعِجانِ
"وَكَانَ البُعَيثُ شَاعِراً فاخِرَ الْكَلَامِ حُرَّ اللَّفْظِ وَقَدْ غَلَبَهُ جَرِيرٌ وَأَخْمَلَهُ"
(ابنُ سلّام/ طبقاتُ فحولِ الشُّعراء).
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(ابنُ دُريدٍ / الاشتقاق).
(ابْنُ رَشِيقٍ القَيْرَوانِيُّ/ العُمْدَةُ).