
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لا حــــول إلا بــــالإلَهِ الســــَرمَدِي
فباســـم اللـــه المجيـــدِ أبتــدى
ســــبحانه مِــــن ماجــــدٍ مَنّـــانِ
ذى الجُــــودِ والإكـــرامِ والإحســـانِ
أســـأله العصـــمةَ فـــي الــدارين
والفَــــوزَ بالرؤيـــة رأى العَيـــنِ
هـــو المـــرادُ والمريــدُ والحكــم
هــو الــذى أتقَــنَ تــأليفَ الحكــم
لا يجـــدُ العبـــدُ الضـــعيفُ غيــرَهُ
مِــن فضــلهِ المســكينُ يرجــو خيـرَهُ
يـــا مَــن تجلّــى باســمه اللاهُــوتِ
أظهَــــرَهُ فـــي بـــرزخ الناســـوت
فلا إلَــــهَ فـــي الـــوَرى إلاَ هـــو
وكلُّهـــم فـــي كُنهِــهِ قــد تــاهوا
أســــأله مِـــن فاقِـــةِ العُبُـــودَة
آلاؤُهُ فـــــي فـــــاقتِي مَوجَــــودَة
جميــــلُ وصــــفهِ لوصـــفى جـــابِرُ
بلطفـــهِ الواســـعِ وهـــو القــاهرُ
إن لــم يكــن مــنِّ لــه فَمنِــه لـى
هــــذا الــــذى ســـمّيته محمـــداً
أرســــلتَهُ مــــن أكـــرم الأصـــلابِ
أيَّــــــدتَه بِمُعجـــــزِ الكتـــــابِ
جعلتَـــه الـــبرزخ بَيـــنَ العلمــا
وقبلــــةً فـــي أهـــل أرضٍ وســـما
وهـــو مــن الأعيــان عيــنُ العيــنِ
زيتونــةُ المصــباحِ فــي الكَــونَيينِ
أدنَيتَـــهُ بالـــذاتِ مــن ذاتِــكَ لا
كقــــابَ قَوســــَينِ غـــدا مُتّصـــِلا
وبلّــــغِ الشـــيخين مـــن رضـــوان
والحَســـــَنَينِ بـــــاهر الإحســــان
أعظِـــم بهــم أصــحابَ نــورِ وصــفا
أولئك الســــادةُ نعــــمَ الخلفـــا
ومَـــــن قفــــا أولئك المــــوالى
فحفّهــــــــم بالفضـــــــل والإجلالِ
مــن أهــل بيــتِ المصــطفى الأمجـادِ
وســـــائرِ الصـــــحابةِ الأســــياد
وأُلطَـــف بمــن قَفَــاهُمُ مــن تــابِعِ
وأحشـــُر بهـــم عبــدَك ذا ياســامع
أشــــارَ ســـيّدى الإمـــامُ الأوحـــدُ
تـــاجُ الكـــرامِ العــارفينَ أحمــدُ
فـــــي قـــــوله المرشــــدِ للاخلاص
علامــــــةُ الـــــوَلاءَ وإختصـــــاص
أن لا يَـــرَى عبـــدٌ لـــه أعمـــالاً
ولا مَقَامــــــــاتٍ ولا أحـــــــوالا
علامـــةُ اعتمـــادِهِ علـــى العمـــل
نقصــانُ مــا يرجــو لِوُجِـدانِ الزَلَـل
فَليَشـــــهَد الخـــــالِقَ للأفعــــالِ
يَنــــجُ مـــن الإشـــراكِ والوَبـــالِ
مستســـــلماً لقهـــــرهِ مُفَوِّضـــــاً
ولا يَــزُغ مــن أمــرهِ عنــدَ القَضــَا
فـــــالحولُ والقـــــوّةُ للقهّــــارِ
إنّ التـــــبرّى عَلَـــــمُ الأخيــــار
وإشـــهَد أخِــى مِنَّتــهُ فيمــا مَنَــح
ولتَلـــكُ مَـــن مــالَ إليــه وجَنَــح
وإرضِ بمــــا يصــــنعُ مــــولاكَ ولا
تَســـخَط إذ النـــازلُ يومــاً نــرلاً
ليــسَ بمحتــاجٍ إلــى حُســنِ العمــل
عنـــد الســماحِ لا يُبَــاليِ بالزلــل
أو شـــاء للعبـــدِ عقوبـــاتٍ فَمَــن
يَصــــُدُّه وليـــس يَرضـــى بـــالثَمَن
هـــو الغنـــيُّ عــن وجــودِ العِلــلِ
فكيــــف يحتـــاجُ إلـــى المعلـــل
لـــم تَلـــثُ عـــاملا بشــيءٍ وغــدا
قضـــاؤه المَحتُـــومُ قبـــلُ مُوجِــدا
وقــــال شـــيخى كامـــل الأنـــوارِ
يــــدعوك للجنّـــة خيـــرَ الـــدار
إذا أقامـــــكَ الالــــهُ فامتَثِــــل
واصـــبر علـــى مَرضـــِيّهِ وال تَمِــل
فَرُبّمــــا صــــفت لــــك الأســـبابُ
واســــتوفيت فــــي نورهـــا الآدابُ
فههنـــــا إعلَـــــم أنّــــه أرادكَ
وشـــاءَ فـــي إســتيفائها إســعَادَكَ
علامـــــةُ إســـــتقامةِ الأســـــبابِ
كونُــــكَ مـــدعوًّا لفتـــح البـــاب
وأن يـــرَى العبـــدُ صــفاءَ العمــلِ
عـــن كـــل مـــا مـــآله للخطـــل
وأن يـــرى التوبــةَ فــي المعاصــى
إن لــــم يكـــن بـــدٌّ مِـــن الخلاص
وأن يـــرى اللـــهَ لـــدى أفعــالهِ
مــعَ الرضــا بــاللهِ فــي أحــوالِهِ
لا أن يـــرى الراحـــة مــن شــقَّتها
وراحــــة الــــدنيا بلا كــــدرتها
فلا صــــفاءَ لامرىــــءٍ مـــن شـــَغَبِ
ولا خلاصَ لأمرىـــــء مـــــن عَطَـــــبِ
ولا زوالَ مـــــن وجــــودِ الغَصــــَصَ
وليــس فــي الــدنيا ســوى مُنعَــرصِ
وحيثِمــــا صـــفا لـــك التجريـــدُ
مســـــتغرِقاً لقلبــــك التوحيــــدُ
واســـتقرّتُ مـــن وقتـــك الأســـبابُ
وهــــي الـــتي مآلُهـــا العـــذاب
وتركتــــــكَ بعـــــدما تـــــوجهت
وأدِّيَــــت فــــرائضُ ومــــا وَهَـــت
فـــاعلم بـــأنّ اللـــه قــد ارادَهُ
منــــك فلا تُضــــِع لــــه مُـــرادَهُ
فـــاخرج مـــن الأســبابِ إذ لا حَــرَجٌ
فـــاللُبثُ منهــا بعــد هــذا عَــوَجُ
علامـــــة إســـــتقامة التَجرِيــــدِ
حصـــولُ مـــا أوجـــبَ مــن توحيــد
وأن تقـــــومَ فيـــــه بــــالحقوقِ
والشـــغلِ بـــاللهِ عـــن المخلــوق
فمــــن دَعـــاهُ اللـــهُ للتجريـــدِ
فَليَـــترُك الأســـبابَ مـــع تفريـــد
لقلبــــه مـــع كامـــلِ التَشـــمير
مــــن غيــــر فَـــترَةٍ ولا تقصـــير
وليــــس هــــذا شــــَهوةٌ خَفِيَّــــةٌ
ولا إنحطــــاطُ الهِمَّــــةِ العَليَّــــةِ
النـــــاسُ أقســـــامٌ ثلاثٌ فيهــــا
أوَّلُهُــــــمُ مُقَصــــــِّرٌ مُردِيهـــــا
فــــالهِمَمُ القواصــــِرُ اللّــــواتي
تــأبى مــن العــزمِ ســوى النِيّــاتِ
تعـــــزمُ للفعـــــلِ ولا تَفعَلُـــــهُ
وليــــس يـــأتى عازمـــاً مـــأمَلُهُ
مـــن انفعـــالِ المُنيَــةِ المَرُومــةِ
فهــى الــتي فــي عَزمِهــا مَحرُومَــة
ثــــــمّ تليهــــــا متوســــــطاتُ
وهــــي لمــــا تعــــزم فــــاعلاتُ
لكنّهـــــا لا تَصـــــِل إنفعـــــالاً
وإن تجـــد فـــي حَزمِهـــا إكمــالاً
لـــمّ تليهـــا الهِمَـــمُ الســـوابقُ
وهــــي الـــتي آمالهـــا طوابـــقُ
أقســـــامُها أربعـــــة فَعَـــــائِنُ
فَكَــــم خبــــائثٌ لــــه كَمَــــائِنُ
وســــاحرُ مــــؤثِّرُ فــــي نَفَثِــــهِ
وعقــــدةُ تــــأثيرهِ مـــن خُبثِـــهِ
ومـــــتريّضُ لتجريـــــد القُـــــوى
يفعـــل فـــي تجريــدها كمــا هــى
وكــــلّ هــــذا بقضــــاءِ اللــــهِ
فلا تكــــن فـــي رِيبَـــةِ إشـــتباهِ
فــــإذ علمــــت أنّــــه لا يقلـــب
وأنّـــــــه لكنّهــــــا مُســــــَبِّبُ
فكـــن مَرِيــحَ النفــسِ عــن تــدبيرِ
مُفَــــــوِّضَ الأمــــــورِ للقَـــــدِير
فمــــا أقـــامَ فيـــه مـــولاكَ فلا
تقــــم بـــه إذ لا تـــرى مُحَصـــِّلاَ
تــــــدبيرنا يَعقُبُـــــهُ تكلّـــــفُ
وقــــد يكــــونُ بعــــده تخلَّــــفُ
فـــإن يكـــن فيـــه مــن المَــدَبِّرِ
مشــــــيئةٌ لا خُلـــــفَ للمـــــدَبِّرِ
أو لـــم يشـــأ فلا يكـــونُ أبـــداً
وإن يكـــن كـــلُّ الـــورى مؤيِّـــدا
تفــــــوّضُ الأمـــــورَ بالتوكـــــلِّ
لخـــــالقِ الأمـــــورِ والموصـــــِلِ
وقُـــم علــى الصــالحِ مــن أعمــالِ
بئس إمــــرءاً تــــراهُ ذا إهمَـــالِ
فمــــن أطـــاعَ اللـــهَ بالاقبـــالِ
أتَتـــــه دنيـــــاهُ مـــــن الحلالَِ
لكنّمـــــا العُقــــبى بلا أعمــــالِ
تَســــــَلُّمُ الانســـــانِ للنَكَـــــالِ
القلــبُ يخفــى عــن شــهودِ البَّصــَرِ
وليـــس يخفـــى للفَــتى عــن أثَــرِ
بصـــيرةُ الكامـــلِ فـــي الأنـــوارِ
تــــدعو إلــــى التَكَلانِ للجبّــــارِ
ســــَريرَةُ النـــاقصِ عـــن ظلمتِـــهِ
نـــدعوه أن يجهـــد فـــي شـــِقوَتِهِ
ويكســـبُ الـــدنيا نَســـِيَّى الآخــرة
بئس إمـــرءاً يتبـــعُ داراً خاســـِراً
لـــــذّاتُها ســـــريعةُ الفســـــادِ
أينَاؤهـــا فـــى وَهـــدَةِ الإبعـــادِ
فحيثمـــا أقبلـــت الـــدنيا فقــط
طَغَيتـــض والشـــاهدُ بـــالحقِّ شــَهِد
قـــد ضـــَمِنَ اللــهُ لنــا دنيانــا
وطـــالبَ المَســـعى لمـــا عُقبَانــا
علامـــةُ الجاهـــدِ فـــي المَضـــمُونِ
لغــــــائب تلهّـــــفُ المحـــــزون
وتــركُ تقــوى اللــهِ فــي التحصـيلِ
وغفلــــةٌ عـــن واجـــب التعـــديل
ومــــن علامَــــةِ الـــذى لا يَجهَـــدُ
لــــذلك المضـــمونِ بـــل يَعتَمِـــدُ
علـــى الوكيــل طلــبٌ مــع الرِضــا
بمــا أرادَ اللــهُ مــن مُــرِّ القضـا
وكامـــلَ التقـــوى بحـــالِ الطلــبِ
والأخــــذُ بالأســــبابِ حفــــظُ الأدبِ
فكــــون دنيانـــا لنـــا مَنعُـــوتُ
نهـــرٍ أتـــى فـــي قــومِهِ طــالوتُ
وليـــس ينجـــو طــالبٌ مــن رَغَــدِهِ
إلا الـــذى يشـــربُ غَرفـــاً بِيَـــدِهِ
مســــتغرقٌ فــــي أمــــلِ دنيـــاه
آلَ بــــه الطَمــــسُ إلـــى عَمَـــاهُ
اللــــه ضــــامن لنــــا إجابـــة
مهمــا طَرقُنــا فــي الــدعاءِ بـابَه
إذا دَعوَنـــــاهث مــــع الإلحَــــاحِ
يجيـــبُ فـــي الأحـــاديثِ الصـــحاحِ
واليـــأسُ عنـــدَهُ علامـــةُ الـــردا
إذا تـــــأخَّر العطـــــاءُ أمَــــداً
ثلاثــــــة مراتِــــــبُ الـــــدُعاتِ
مُفَــــوِّضُ للــــهِ فــــي الفاقـــاتِ
عُبُــــــودَةٌ آثــــــر بـــــالتَعَلّقِ
بربِّــــــهِ بأحســــــنِ التحقُّـــــقِ
يرضــى بــه عنــدَ الوُجــودِ والعَـدمَ
إذ كـــان ثــابتُ اليقيــن والقَــدَم
مــــراده مـــن الـــدعاء عُبُـــودَهُ
وأن يبـــــثّ عنـــــده معبـــــودة
ورجـــــلٌ بــــابِ مــــولاهُ وقَــــف
منتظـــراً نـــزولَ مُوهُـــوبِ التُحَــف
مـــرادُه مـــن ربّــه نَيــلُ الغَــرَض
ويعبـــد اللـــهَ لتحصـــيل العِــوَض
فـــذاك رُبّمـــا يشــكُ فــي الوفــا
وقــد نــأى فــي يأســِهِ عـن الصـفا
فليعلــم الإنســانُ مقصــود الــدعاء
وهــو إلــى اللــهِ إفتقـارٌ باللَجَـا
فمـــن يكـــن عنــد العَطَــا يُفَــرَّجُ
فـــاعلم يقينـــاً أنّـــه مســـتدرجُ
وقـــال شـــيخنا إذا العبــدُ دعــا
مشـــرطِ مـــا مـــرَّ تحقَــقَ العطــا
والحــــــقٌّ ضـــــامنٌ لأن يجيـــــب
كـــان كمـــا فـــي نَصـــَّهِ قريبــاً
لكنـــه يختـــارُ عَيـــنَ المقصـــدد
مـــن حيــثُ علــمُ عبــده لا يهتــدي
ومِثلُـــهُ الزمـــانُ فاصـــطبِر لَـــهُ
ولا تكــــن مــــن جهلـــهِ أعجَلَـــهُ
وانظـــر لمــا دعــا بِــهِ الكَلِيــمُ
ثــــم أخــــوهُ الأفصـــحُ العليـــمُ
وصــــــحّ مــــــدّعيهما يَقينـــــاً
دعــــاؤُهُ قــــد كـــان أربعينَـــا
وفـــي الحـــديث مــن دعــا مَــولاَهُ
إمّــــا يكــــون نــــائِلاً مُنَــــاهُ
أو الثـــــوابُ للمعــــادِ يُــــدَّخَر
أو مثــلُ مادعــا لَــهُ صــرفُ الضـًَرر
وحكمَـــةُ التـــأخيرِ فــي الموعــودِ
وخِيـــــرَةُ المقصـــــدِ للمعبــــود
عنايـــةُ اللـــهِ ورِفـــقٌ بـــالفتَى
فــإنّه الجاهــلُ فــي عيــنِ العطَــا
فـــإنّه يعطيـــه مـــا أولــى بِــهِ
حاشــاهُ أن يَطــرُدَ مــن فــي بــابِهِ
وثانيــــاً فـــذاك إبقـــاءُ لِمـــا
حقَّقـــهُ اللـــهُ علــى كــلّ الــورى
وهــــو عُبُودِيَّتُنَــــا لَــــهُ فلـــو
أنتُفِيَــــت عـــن العبـــادِ لعلـــو
وثالثــــاً بـــه طُهَـــورُ الفاقَـــة
وقـــد قضـــى تَكلِيفَنــا إســتحقاقة
ولا يُشــــَكِنَّكَ فـــي الوعـــدِ أبـــد
تـــأخُّرُ العطــا إلــى طــولِ الأمــدِ
وأعلــــم بــــأنّ ذلّـــةَ العبيـــدِ
شـــرطٌ لهــم فــي بُلغَــةِ الموعُــودِ
واعتبِـــــرَن بقصـــــّةِ الأحـــــزابِ
وفتــــح مِكّــــةَ مــــن الأصــــحاب
قـــد أصـــبحوا أذلّـــةً فَنُبصـــِرُوا
وفـــي حنيـــن أعجِبُـــوا فكُســـِرُوا
واعتَبِـــــرَن بقصـــــّةِ البَدرِيّــــةِ
وذاكــــــراً لآيــــــة نَصــــــرِيّة
فهـــــذه مـــــن حِكَــــم الإلَــــه
ثلاثــــــة فخــــــذ بلا تَبَــــــاهِ
والشــــكُ يهـــديكَ إلـــى بصـــيرةٍ
مُظلِمَـــــةٍ ومَخمَـــــدِ الســـــَرِيرَةٍِ
الفقــــــــرُ والذلّـــــــةُ والبلاءُ
والمـــــرضُ المُســــقِمُ والعَنــــاءُ
ومــــا يضــــاهِيهِ مـــن الاحـــوالِ
تعـــــرّفٌ فــــي حضــــرة ذى الجلال
ليعلَـــمَ العَبـــدُ لـــه إنكســـاراً
علـــى الإلَـــه الحـــقَّ واضـــطراراً
فـــــأوجُهُ التعريـــــف لاتنحصــــِرُ
والغـــرضُ الأكـــبر منهـــا العِبَــرُ
مـــن العبــادِ مــن يــروا حــدوداً
ولا يـــــروا لنفســـــهم وجــــوداً
وذاك ســـــِرّ وجهَـــــةِ التعريــــفِ
والســـــَبّبُ البــــاعثُ للتكليــــف
حقيقــــةُ النـــاسِ غَـــدَت جَهُـــولاً
وإن حبَاهَـــــا ربّنـــــا عُقــــولاً
عرّفهـــــم لتـــــبرز الخَفَايـــــا
مـــن جـــوهر الإنســـان والجنايــا
جـــــوهره الفاقـــــة وإنكســــارُ
وســـــِرُّهُ الفقـــــرةُ واضـــــطرارُ
وأودعَ القُـــــوّةَ مـــــع صـــــُنُوفِ
نعيمــــه الفــــائقِ مـــن ألـــوف
مــع أنّــه الظَلُــومُ فــي الــودائعِ
وجاهـــل فـــي الحِكَـــم البـــدائعِ
ونــــــاظر لظـــــاهرِ الوُجُـــــودِ
يَنســـَى فعـــالِ الواحـــد المجيــد
أجهلــــــه فـــــي أوّل الأمـــــور
أظلمــــــه لنـــــاجِزِ الغُـــــرُورِ
ثــــم أراد العلــــمَ والعِرفــــانَ
بربـــه منـــه علـــى مـــا كـــانَ
وأن يـــــرى حقــــائِقَ المخلــــوقِ
وضـــــَعفَهُ العــــاجِزَ بــــالتحقيقِ
فــــآلَ أمــــره إلـــى التعريـــفِ
بـــــأوجُهِ الذلّـــــةِ والتكليــــفِ
أشــــهَدَهُ عجزَيــــةً حــــتى يـــرى
فــــي عجــــزِه إلَهَــــهُ مقتـــدرا
أشـــــهَدَهُ الفاقَــــةَ وافتقــــاراً
ليعـــــرف الغنـــــىَّ والقهّـــــارَ
أشــــهَدَهُ ضــــَعفَ الــــذى لَـــدَيهِ
حـــــتى يــــرى تــــوكّلاً عليــــه
هـــو القَـــوّىُّ والقـــديرُ والغَنــى
هــــو العزيـــزُ وســـواهُ مُنحنَـــى
فهـــــــذه خَصــــــائصُ الإلَــــــهِ
فـــإعرف لَـــهُ صـــفاتِهِ كمــا هــى
وإعـــرف وجُـــودَك القـــديمَ تفلــحُ
وقِـــف علــى الحــدودِ حقّــا تربَــحُ
فبعــــدما اللــــهُ رأى إنســــاناً
مـــا فـــارقَ الجهـــلَ ولا نســـيَانِ
أشـــــهَدَهُ صـــــِفاته القديمـــــة
حـــتى يـــرى أحكـــامَهُ اللئيمـــةُ
فســـــلّطَ البَلا عليــــه والغنَــــى
والســـقمَ والصـــحة ثـــمّ المِحَـــنَ
ليشــــكرَ اللـــهَ علـــى الغِنـــاءِ
يصـــــحبَ الصـــــَبرَ علــــى البَلاءِ
وهكــــذا فــــي ســـائر الأحـــوالِ
مختلفـــــات الحكــــمِ والأفعــــالِ
والقصـــدُ منهـــا رؤيــةُ الرُبُوبَــةِ
بِجقِّهـــــا فإنّهـــــا المقصــــُودَةُ
وبعــــدَها العرفــــانُ بـــالعُبُودَةِ
بحقّهـــــا فإنّهـــــا المقصــــُودَةُ
فَمَـــن هــداهُ اللــهُ يــدرى وصــفَهُ
مــــن حيثمــــا بحقَــــهِ عَرَّفَــــه
ومَــــن أضــــلَ اللـــهُ لا يُبـــالي
بكــــلّ مــــا عَرَّفَــــه المـــوالى
فـــأوجُهِ التعريـــف جــاءت واســعة
ولا يعيهــــا غيــــر أذُنٍ ســــامعة
فعــارفٌ مَــن صَرضــفَ السـمعَ إلـى ال
وجهَـــةِ تعريفـــاً وإن قَــلَّ العمــل
فــــالحقُّ لا يُعــــرَفُ إذ إلاّ بهــــا
أو لا لإلحـــــاء إلــــى أعجَبِهــــا
فــانظر إلــى حــديث بطــنِ الـوادى
فــــأتِ صــــالةَ ســــيّد الأســـيادِ
وذاك حتّــــى يُعــــرَفَ إستضــــعافَهُ
ولا يُـــــوارى قَـــــدرُه أوصــــافَهُ
فيــــا أخـــى إذا الغلَـــهُ فتـــح
وِجهَتَــــهُ فقــــد حَبَــــاكَ مِنَحـــاً
وقلّــــةُ الاعمــــالش مـــع تعـــرّفِ
منـــه إليـــك أنــت فيهــا مُكتَــفِ
ليـــس الــذى يعــرفُ مــن أكثرهــا
يَعـــرِضُ عـــن وُجُـــوهِ مــن قــدّرها
وإنَّمـــا العـــارفُ مــن حقَــقَ فــى
أمـــرٍ أتـــاهُ مـــالَهُ مــن مُصــرِفٍ
اللـــهُ يرضـــى أن تكـــونَ عارِفــاً
بحكمـــــه وأن تنــــالَ الشــــرفا
وكُـــل مـــا تـــوجه اللـــهُ بـــه
لا بـــدَّ مــن التعريــف مِنــه فَبِــه
دواءُ تعريِفــــــــكَ بالخصـــــــوصِ
فألجـــأ بـــه لمبلـــغ التَخصـــيصِ
وأنظــــر علـــى آدمَ لمّـــا هَبَـــطَ
حيــــنَ علــــى ذلِّ وعجــــزِ ســـقطَ
وانظــر إليــه عنــد أكــل الشـجرةِ
ألهَمَــــهُ اللــــهُ لكــــلِّ قَـــدَّرَهُ
فصــــــارت الذلَّـــــة أىَّ عـــــزّةٍ
وفـــــازَ بــــالتكريمَ والمَعَــــزَّة
إذ عَلِمـــض الأمـــرَ الــذى لا يُصــرَفُ
وأنّ ربَّــــــهُ بِــــــه مُســـــتَعرِفُ
فــــذَنبُهُ أصــــبحَ خيــــرَ طاعـــةِ
وعِجــــــزَهُ بُـــــدِّلَ باســـــتطاعه
فكــــلّ وَجــــهِ هــــو شــــافِ داءٍ
ومــــاله بــــالغِيرِ مـــن شـــِفَاءِ
وموقـــــفُ التعريــــفِ بالإجمــــال
معرفَـــــةُ المعبـــــودِ بــــالإجلال
مــع هــوَانِ النفــسِ والــدُنيا ومـا
فيهـــا وأن يَعــرِفَ منهــا الحِكَمَــا
ويَعـــرِفَ الخلـــقَ علـــى ماكــانُوا
وأنَّهـــم للحكـــمِ مـــا إســتبانوا
إن فعلـــوا خيـــراً وشـــرّاً فلقــد
أرشــــدهم أفعـــالُهُم كـــلّ رشـــد
فبعضــــــهم يحـــــقُّ للتقـــــديم
وبعضـــــهم أجـــــدَرُ للتحريـــــم
فــــانظر لخلاّقِ الفِعــــالِ منهــــم
ولا تحــــوَّل حكــــمَ شـــرعٍ عنهـــم
مـــا مَنَـــحَ اللــهُ لــك التــوجيه
بوجهَــــــــة إلاّ أراكَ فيهــــــــا
تعريفَــــهُ إيّــــاكَ مِنَّــــةً فـــال
أعمــالُ إن قلّــت فمــا فيــه خَلَــل
تعريفــــه إيّــــاك فيمـــا وجّـــه
اعظـــمُ مــن فعلِــكَ فــأهجر ســفهاً
ولا تقُــــل فعلــــىِ حقيــــرٌ قـــلَّ
كيـــف بـــه أعـــرفُ مـــن تجلّـــى
فـــــــإنّه وجّههــــــا إليــــــك
أورَدَهَــــا مــــن عنــــده عليـــك
وأنــــت للاعمـــالِ مَـــن يَهـــدِيها
إليـــه فـــإعلم حيثمـــا تأتيهــا
فـــأينَ مـــا تهـــدى إليــه مّمــا
هـــو لـــه المَــورِدُ فــإبغِ علمــا
بينهمــا فــي الحُكــمِ مــا بينكمـا
فهـــو الجليـــلُ وهــو ربُّ العظمــا
وأنـــت فـــي غايـــة ضــَعفٍ ودَنــا
ءَةٍ وذلِّ ثــــــم عجـــــزٍ وَوَنَـــــا
فــــأنت عبـــدٌ وهـــو ربٌ فـــإعلم
وأقبِـــل إذا عـــرّفَ امـــراً تحكــم
ولا تقابـــــل فعِلَـــــهُ بفعلِـــــكَ
وغـــــن فعلـــــتَ ذا فَيالِجَهلِــــكَ
تَنــــوّعُ الأجنــــاس مـــن أعمـــالِ
لـــــوارِدات مُقتَضـــــى الأحــــوالِ
فحـــال عنــد القــومِ مُطلَــق علــى
مَــــوارِدِ القلـــب لقهـــرً نـــزلا
والعمـــلُ الأمـــرُ الـــذى يَصـــنَعُهُ
جِســــمُكَ ثــــمّ حالنــــا مَرجِعُـــهَ
للأمرَيــــــنِ ليــــــس للأركـــــانِ
مَـــــورِدهُ ولا علـــــى الجَنـــــانِ
وإنّمــــا الأعمـــال مـــا عمَهمـــا
والحــــالُ إذ ذاك مُبَـــاينٌ لهمـــا
فهــــو عبــــارةٌ عــــن التقلَّـــبِ
مــــن التصـــاريفِ لـــربّ يَجتَبِـــى
كــــالفقرِ والغنـــاءِ والعـــزِّ وذلِّ
ممّـــا عليـــه رتَــبُ الحكــم وجُــلِّ
والحكــــــمُ ذو اختلافٍ بـــــإختلافِهِ
وليــــس مَصــــرُوفاً إلـــى خِلافـــهِ
لكـــــلِّ حـــــالٍ عمــــلٌ يخصــــُّهَ
تصــــريفُ مُهــــدِيهِ لنـــا يَنُصـــُّهُ
فكـــلُّ مـــا فــاتَ علــى العافِيَــةِ
أدرِكَ بالصـــــبرِ علــــى البيّــــةِ
فقــــد علمنــــا أنّ ذا الأحــــوالِ
مُــــــدارِكٌ بكـــــثرةِ الأعمـــــالِ
فحيـــثُ أضـــحى شـــاكراً وصـــابراً
وخاضـــــعاً مُســـــامِحاً وغــــافراً
ونحـــوَ هــذا مــن صــُنُوفش العمــل
فقَلبــــهُ بنــــور أحـــوالٍ جُلـــى
وســـوف يـــأتي ليــس حَــظٌّ الــذِكرِ
إلاّ لِبـــــاطنٍ كحـــــالِ الفِكـــــرِ
وقــــال مــــن لـــوحِظَ بالإمـــدادِ
مُقــــدّسُ الســــرّ كبــــدرٍ بــــادِ
مُحَقّقـــاً لِمـــا صـــفى مـــن عمــل
وإنّ فــــي الشـــرِّ أيضـــاً يوجـــد
فَمـــن لـــه حــالٌ مــن اللــه رَدى
يَتبَعُــــه مــــن عمـــلِ ذاكَ صـــَدَى
فَصــــُورُ الاعمــــالِ حيـــثُ قـــامَت
بجـــــــوهر الإخلاصِ فاســـــــتقامت
وإنّمـــــا الإخلاصُ تــــركُ الخَلــــقِ
فـــــي عمــــلٍ أَتَيتَــــهُ للحــــقَّ
وأوَّلَ الخلـــق هـــو النفـــس أجــل
يتبعهــا الشــيطانُ فإحـذَر مـن خطـل
فصــــــحِّح الأعمـــــالَ بـــــالإخلاصِ
وصـــــــــّح الإخلاصَ بـــــــــالخَلاَصِ
مـــن التَبَــرّى مِــن جميــعِ القُــوَّةِ
هنــــاكَ تَهـــدِى لمُنـــى الفُتـــوَّةِ
ثـــم كمـــا الإخلاصُ حِصـــنُ العمـــلِ
كـــذلك الخُمـــولُ حِصـــنُهُ الجَلـــى
وهــو إنطــراحُ النفـسِ فـي الـدَناءةِ
والنقــــصِ والذلَّــــةِ والوَنــــاءَةِ
فــادفَن وجــودَ النفــس فـي الخمـولِ
أرضٌ غـــــدت مرزعـــــةَ البُقُــــولِ
فمـــا بِـــهِ تـــذكَرُ مـــن كمَـــالِ
مـــــن عمـــــلٍ أو حــــالٍ أو خلالِ
فــــذاك للــــدَفنِ بحــــقِّ أجـــدَرُ
وكـــلّ مـــا ضـــدُّ الــورى تَجتَهِــرُ
فالنـــــاسُ أصــــنافٌ ثلاثٌ ههنــــا
فواحــــدٌ محقَــــقٌ لــــه الفَنَـــا
فغــــاب عــــن رِفعَتَــــهِ بربِّــــه
فلا يَــــرى مَــــن دُونَـــه بقلبِـــهِ
ويعلــــمُ الكمــــالَ كلَّــــهُ لـــهُ
والنقـــصَ للعبـــدِ فمـــا أرذَلَـــهُ
ونــــــاظراً لآيَــــــةِ فَلَــــــولا
فضــــلُ الإلَــــهِ عنــــدكم لضـــَلاَّ
جميعُكُـــم ومـــا زكـــى مــن أحَــدٍ
فهـــو بفضــلِ اللــه حقًّــا يهتــدى
ورجــــــلٌ ســـــاعَدَهُ التوفيـــــقُ
وواضـــــحٌ لقلبـــــهِ التَحقِيـــــقُ
فغــــاب عــــن محاســــِنَ لِنَفســـِهِ
بعيبهـــــا لا يَلتَـــــوى لعكســــه
فشـــــاهدَ المحاســـــنَ مَســـــَاوى
وشـــــاهدَ الحقـــــائقَ دَعَـــــاوى
فنفســــُهُ مــــن عينــــه ســـاقطة
فـــذا لَـــهُ فـــي حـــالِهِ رابطــةٌ
إن مـــدحته النـــاسُ مـــا رآهـــم
إلاّ كقــــومٍ بصــــّروا عمـــا هُـــمُ
ورجـــــــلٌ مُتَّســـــــَعٌ عليــــــه
غــــــرورٌ نفـــــسِ دائمٌ لـــــديه
فغلّـــبَ الـــوَهمَ علــى الفَهــمِ فلا
يَنجُـــو مــن النفــسِ إذا مــا خَمَلاَ
فحقُّـــــهُ الخمـــــولُ بالتشـــــبُّعِ
مـــــن الحلالِ كخســــيس المصــــنعِ
أو الـــــذى يكــــرَهُ لا المُحــــرَّمِ
ولا الفَـــــرَّارِ للتخلّــــى عنهــــم
فــــــإنّ ذاك لهــــــم تعظيـــــمُ
يعــــودُ فيــــه عَيبُـــهُ القـــديمُ
وفــــى اللــــذين مَضـــيَا أشـــار
كلامُ قطــــــبِ مَرســـــىٍّ جِهـــــاراً
عبــدُ الظُهــورِ والخَفَــا مـن إعتنـى
بواحـــدٍ وعبـــدُ ربِّـــى مــن فَنَــى
وقــــد أشــــارَ للخمــــولِ تـــاجُ
بغيـــر دَفـــنِ مـــا أتـــى نتــاجُ
أو جــاء مــا تــمّ فلا تُلفِــى نظــر
فكــــلّ قصـــدٍ بـــالخمول مســـتقرّ
ولا فِــــرار نـــافعُ فـــي الخَلـــقِ
بلا خُمـــــولش وشـــــريفِ الخُلــــقِ
إلاّ إذا ألجَــــــــأ لإعــــــــتزالِ
وجــــاهرَ الخَلــــقَ بكــــلّ حـــالِ
فعزلـــــةُ الإنســـــانِ للانســـــانِ
ســـبقٌ لـــه فــي مَعــرَضِ الميــدانِ
بفكـــرةٍ تَلقـــى علـــى التوحيـــدِ
مُوَحِّـــــداً للقلـــــبِ ذا تَفرِيــــدُ
فكـــــل معـــــزولٍ بلا إفتكـــــار
مــــــآلُهُ للحُمـــــقِ وإغـــــترارِ
والنـــاس فـــي عزلتهـــم أقســـامٌ
ثلاثـــــــةٌ مخصـــــــصٌ وعــــــامٌّ
فواحــــــدٌ منفــــــردٌ بقلبـــــه
لا شَخصــــــِهِ وشــــــاغلٌ بربّـــــهِ
فــــذاك كــــائنٌ مقيــــمٌ قـــاطنُ
وراحــــــلٌ لربِّــــــهِ وبــــــائنُ
وحـــالُهُ حـــالُ العِظـــامِ الأقويــا
أهلــش الكمــالِ والكِــرامِ الأوليـاء
ورجــــــلٌ منفــــــردٌ بشخصــــــِهِ
لا بـــــالفؤادِ جـــــابرُ لنقصــــِهِ
ورجــــــلٌ منفــــــردٌ بقلبــــــه
وشخصــــــه مســــــلّمٌ بــــــدأبِهِ
مــــآلُهُ إلــــى الكمـــالِ صـــائرُ
إن كَمّلَـــــت شــــُروطَهُ الــــدوائرُ
وهــــــنَّ فكــــــرٌ دائمٌ وصـــــبرُ
وحفــــظ ســــِنَةٍ هنــــاك النَصـــرُ
لا يشـــرقُ النـــورُ بقلـــبٍ طُبِعَـــت
فيــــه علـــى مِرآتِـــهِ إذ جَمَعَـــت
صـــورةَ أكَــوانٍ ســوى اللــه ظُلــمُ
ضــراً ونفعــاً أو جمــالاً مُــر تَســَم
فبارتســامِ الشــيءِ فـي تلـك الصـُوَر
يُحــرَمُ قلــبُ العبــدِ للــهِ النظَــر
فليـــس للقلـــبِ ســـوى وَجـــهٍ إذا
وُجِّــــهَ للكــــونِ إليـــه إنجَبَـــذَ
أو للالِــــــهِ لا يـــــرى ســـــواهً
طُـــوبى لِـــذَا القلـــبِ فمــا أجلاَه
ذلــــك حكــــمُ غفلَــــة القلـــوبِ
بظــــاهرِ الكـــون عـــن الغُيُـــوبِ
وكيــف قلــب العبــد فــي النهمـات
لرّبــــــه يرحــــــل عـــــن غفلات
فكلّمـــــا رامَ نهوضـــــاً صــــُرعَت
وكلّمـــــا رامَ ســـــلوكا مُنِعَــــت
وكلّمـــــا رامَ ســـــراعاً قُطِعَــــت
وكلّمــــا أســــرع قَهـــراً ومقـــت
وكلّمــــا رامَ إجتماعــــا مُزِّقَــــت
عَزمَتُـــــهُ إذا لربَـــــى ســـــَبَقَت
فمــــالَهُ رحيلُــــهُ مــــن طَبعِـــهِ
إلــى بِســاطِ الجمــعِ مــأوى جَمعِــهِ
أم كيـــفَ يطمـــعُ أمــرؤ ذُو غَفلَــةٍ
حضــــرةَ مــــولاهُ بحـــالِ ســـُفُلَةش
وحضــــرةُ اللــــهِ هـــي الولايـــةُ
دائرةُ الخـــــــواصِّ بالعنايــــــةِ
فهــــو مقــــامٌ طـــاهرٌ لا يَـــدخَلُ
أهــــلُ جَنَابَــــةٍ وقلــــبٍ يَغفُـــلُ
إنّ الطُهـــــورَ ههنـــــا للجُنُــــبِ
ذكــــــرٌ وفكـــــرٌ مـــــوجبٌ للأدبِ
بالمــــاءِ والصــــخرِ او الصـــَعِيدِ
فَطَهِّـــرُوا يـــا كـــاملى العبيـــد
أم كيـــفَ يرجُــو منهــم ســِرٌّ دقًّــا
ولـــم يَتُـــب مـــن هَفَـــواتٍ حقًّــا
فظلمــــةُ الكــــونِ كمـــا حَقّقَـــهُ
تـــاجُ الكـــرامِ تحتـــوى مُطلَقَـــهُ
وإنّمــــــا أنــــــارَهُ ظُهُــــــورٌ
نلحـــقِّ فيـــه وهـــو فيـــه نُــورُ
اللـــــه نُــــورُ الأرضِ والســــماءِ
والكـــونُ مشـــكاةٌ بِهـــا مُـــرائى
زُجَاجَـــــةُ الافعــــال للزَيتُونَــــةِ
مــــن الأوصـــافِ دونهـــا مَصـــُونَةُ
ومــــا غــــدت شـــَرقِيَةُ الجمـــالِ
ومـــــا غـــــدت غربيـــــةُ الجَلالِ
يكـــادُ زيتُهـــا يضـــيءُ لــو لــم
تَمسَســـهُ نـــارُ الأثــرِ الــذي عــمّ
مَنــــش الــــذى مصـــبَاحُهُ صـــفاتُ
أفعــــالٍ نَــــوَّرَ بــــه مجَلِّيـــاتِ
فَمَــــن رأى الكَـــونَ ومـــا رىـــهُ
فيــــهِ فقــــد أعــــوَزَهُ مُنَــــاهُ
أو قَبلَــــهُ أو بَعــــدَهُ أو عِنـــدَهُ
فهـــو مـــن الظلُّمَــةِ لــن يَشــهَدَهُ
وحُجِبــــت عنــــه شــــُهُوُ جَلِيَــــت
بســــُحُبِ الأثــــارِ منهـــا خَفِيَـــت
مـــا دَلّنـــا علـــى وُجــودِ قَهــرِهِ
إن كــان ذا حُجُــبٍ بمــا فــي أمـرِهِ
ليـــس لـــه مـــع ذاتِـــهِ وجـــودُ
أكــــان مَـــعُ ذى وحـــدَةٍ موجُـــودُ
فالنّـــاسُ مَحجُوبُـــونَ عنـــه بِهِـــم
فَعَــــــدَمٌ مُحتضـــــجَبٌ بالعَـــــدَمِ
ثـــمّ إحتجَـــابُ العـــدمِ بالعـــدمِ
دلَّ علىظهـــــوره فـــــي القِــــدَمِ
لنفســــــِهِ بلا حِجَــــــابٍ معَـــــهُ
ســــبحانَهُ وعَــــزَّ مــــا أعظَمَـــهُ
فهــو الوجُــودُ المحــضُ مــا ســواه
فعـــــدمٌ محــــضُ أمــــا تَــــراهُ
فجــــاءَ شـــَيخُنَا بعشـــرٍ أمثِلَـــةٍ
وغيـــرُ ذى لُــبِّ لــذا لَــن يَعقِلَــهُ
كيـــفَ وقـــد أظهـــرَ كـــلَّ شـــيءٍ
يَحجُبُــــهُ عنــــك وَجُــــودُ شــــيءٍ
كيـــــفَ وظــــاهرٌ بكــــلِّ شــــيءٍ
يَحجُبُــــهُ عنــــك حِجَــــابُ شــــيءٍ
كيـــــفَ وظــــاهرُ لِكــــلِّ شــــيءٍ
يَحجُبُــــهُ عنــــك ظُهُــــورُ شــــيءٍ
كيـــفَ وأظهـــرُ مـــن كـــلِّ شـــيءٍ
يَحجُبُــــهُ عنــــك بُــــرُوزُ شــــيءٍ
كيـــف ومـــا كـــانَ مَعَـــهُ شـــيء
يَحجُبُــــهُ عنــــك وُصــــُولُ شــــيءٍ
كيــــفَ ولــــولاهُ أكــــانَ شــــيءٌ
يَحجُبُــــهُ عنــــك حُلُــــولُ شــــيءٍ
يــــا عجبــــاً أيظهـــرُ الوُجـــوُدُ
فـــي عـــدمٍ فـــي ذاتِـــهِ مَفقُــودُ
كيـــفَ الـــذى ثُبُـــوتُهُ مــن عَــدَمِ
يُوجَــــدً مـــع ذى صـــِفَةٍ بالقِـــدَم
وقـــال شـــَيخُنَا الهُمـــامُ الأوحــدُ
لُــــبُّ لُبـــابِ العـــارفينَ أحمـــدُ
مــا تــركَ مــن جهلــهِ شــيئاً فَـتى
أرادَ إحـــداثاً لمـــا مـــا ثبتــا
واللـــه قـــد أوقَعَــهُ فــي غيــرِهِ
يســـلكُ ذا العبـــدُ بغيـــر ســيرِهِ
فــــالأدبُ المحـــضُ هـــو الوُقُـــوفُ
فـــى كـــلِّ مـــا وجهــهُ التعريــفُ
معانِـــدُ الـــوقتِ عظيـــمُ الجهـــلِ
بالشـــرعِ ثـــم العـــادَةِ والعَقــلِ
فمـــن دليـــلِ الجهـــلِ بــالمعقُولِ
إرادةُ الرَفـــــعِ مــــن الجَهُــــولِ
لِمَـــا وَقَـــعَ ثـــمّ إيقـــاعٌ لِمَــا
يَمتَنِـــعُ الوقـــوعُ منـــه فإعلمَــا
دليــــــلُ جهلِــــــهِ بشـــــَرعيّاتِ
هـــــو إعتراضـــــُهُ بلا إلتِفَــــاتِ
علــــى الإلَــــهِ بالــــذى قَضـــَاهُ
مُرتَكِبــــاً هنــــا علــــى هَـــواهُ
ثـــمّ دليـــلُ الجهـــلِ بالعـــاداتِ
وكــــــونِهِ لغَيـــــرِ مَقـــــدُوراتِ
كـــان أرادَ اللـــهُ فيـــه ســـَقَما
وهـــــو يُرِيــــدُ صــــحةً فَلَمّــــا
لـــم يَـــرضَ بالـــذى قضــاهُ رَبــهُ
زِيــــدَ عليـــهِ ذاكَ بعـــد تَعبُـــهُ
فــــإنّ ســــُنَةَ الحكيــــمِ فينـــا
فــي هــذِهِ الــدارِ الــذى يُؤذِينــا
فــــأينَ مـــا يَتعَبُـــهُ منفـــائدةٍ
وليـــس فــى تَــدبِيرِهِ مــن عــائِدَةِ
فَليَركَـــن العبـــدُ فـــي الاستســلامِ
ليخـــــرُجَ القلـــــبُ مـــــن الآلامِ
أولا فكيـــــفَ يَبلُــــغُ المقصــــودَ
مــــع كـــونِهِ مختلفـــا مصـــدودا
إحالَـــــةُ الأعمـــــالِ للفَـــــراغِ
رُعُونَـــةُ النفـــس علـــى المَـــزَاغ
وحمقُــــهُ يظهــــر مــــن وُجــــوُهٍ
ثلاثــــــةٍ إحالـــــةُ الســـــَفِيتهِ
أعمـــالَهُ إلـــى المُحـــالِ عـــادَةً
فــــأىُّ وقــــتٍ يبتـــغ الســـعادةَ
فهـــو يقـــولُ لســـتُ عــامِلاً إلــى
فَــــرغِ وَقتِــــى ثـــمّ آتـــى عمَلاً
وحــــالُ دنيـــاهُ يقـــولُ مـــا إن
تَفــــرَغُ غلاّ بعـــدَ أعمـــالٍ ومِـــن
وُجُــــوهِهِ وثُــــوقُهُ بغيــــرِ مَـــو
ثُـــوقِ وذاك النفـــسُ فليــدرِ ولَــو
زَيَّنَــــت النفــــسُ لــــه مَرامـــاً
مــــن عَزمِهَــــا تَمكُـــرُهُ مَـــدَاماً
وثـــالثُ الوُجُـــوه إهمـــالٌ لِمَـــا
هـــــوالمرادُ ومــــرامُ الحُكَمَــــا
عـــزمٌ وحـــزمٌ ثـــمَ جـــزمٌ تتّصــِل
خوفــاً مــن الــوقتِ وقطــعٍ مُحتَمَــل
فَمَـــن راى الـــدهرَ لـــه مُطِيعـــاً
وعــــن جميــــعِ كُرهِــــهَ مَنيعـــاً
يــوجبُ هــذا العــارَ أخــذُ الـدنيا
والجهــدُ فيهــا دَونَ أمــر العُقــبى
لا تَطلبَــــنَّ منـــهُ إخراجَـــكَ مِـــن
حــالٍ إلــى حــالٍ فَكُـن إمـوء افَطِـن
أتــــتركُ الأســــبابَ أو تجريــــدا
حتَــــى ينـــالَ قلبُـــك التفريـــد
فلـــــو أراد اللــــهُ لاســــتَعمَلكَ
فيــــهِ بأعمــــالِ ومـــا أخرَجَـــكَ
فكُـــن بمـــا أقمـــتَ فيــهِ عبــداً
مــــن حيئمــــا كنـــتَ ولا تَعَـــدَّا
فَــــرُبَّ عبــــد تــــارك لشــــُغلِهِ
يطمـــعُ أن يَعمَـــلَ أولـــى فعلِـــهً
يَحيـــقُ بالخُســـرَانِ فيمـــا تركَــهُ
والعمـــلُ الآخـــرُ أيضـــا أهلَكَـــهُ
فأينمــــا كنــــتَ فَكُـــن مُقِيمَـــا
علــــى إســـتِقَامَةٍ تَكُـــن حَكِيمـــاَ
وأنظـــر إلـــى المُصـــَنِفِ الإمـــامِ
وحــــالِهِ مــــع شـــيخه الهُمـــامِ
توقَّــــفُ الهمّــــةِ عنــــد حــــالٍ
مـــن ســالِكٍ يهــدى إلــى إنفِصــالِ
عــــن رَبّــــهِ وقـــالت الحقـــائقُ
أمامَـــكَ المقصـــودُ نحـــنُ عـــائقٌ
فلا يــــزالُ عــــارفٌ عــــن نَظَـــرِ
بربِــــهِ وفــــي هَــــواهُ يَنجَـــرى
مراقبـــــاً لَــــهُ بكــــلِ حــــال
مُجَانبــــاً عـــن رؤيَـــةِ الاحـــوالِ
وذُو الســـــُلوكِ شــــأنُهُ تَفرِيــــدُ
لقَلبِـــــهِ والــــذكرُ والتوحيــــدُ
يلاحِـــــظُ الـــــذكَر بلا تشـــــبيهٍ
مُنَزِهـــــا بأكمـــــل التَنزِيـــــهِ
وحينمــــــا تَبَرَّجَـــــت كـــــوائنُ
قـــالت جَميعُنـــا لَـــكَ الخـــوائن
إنّ الكرامــــاتِ إذا مــــا ظهـــرت
للعبـــــد حينئذ لَــــهُ فــــأخبرت
نحــــــنُ الفِتنَـــــةُ للتجريـــــبِ
أى إمتحـــــانُ اللـــــهِ للأرِيــــبِ
أمَيلُــــــهُ لنــــــا أم للإلَـــــهَ
فـــإن يكُـــن لنـــا ففـــى مَتَــاهٍ
فأشـــكُر إلهنـــا ولاتنظـــرُ لنـــا
وومـــن وُجُودِنـــا تـــوجَّه للفَنـــا
مقصــودُ مولانــا مــن الــدعاءِ فــي
عبــــــاده عُبُـــــودَةٌ للعـــــارف
وبالربوبيَــــــةِ كـــــى يَـــــراه
إذ فــــــي عُبُـــــودِيتِهِ دَعَـــــاهُ
وإلاّ فلا مــــــــردَّ للمنُتضــــــــى
وإن دعـــــاهُ أعظـــــمُ الـــــوَلى
فــــإن دَعَــــوتَهُ بلا هـــذا فقـــد
تـــوجهَ العـــار إليـــك واســـتَنَد
طلبُـــــكَ منــــه لَــــهُ إتِّهــــامُ
أأنــــت عــــن مَوعُــــودِهِ مُضـــَامُ
وإن يكُــــــن طلبُــــــكَ إيَّـــــاهُ
لوَصـــلِهِ قـــد غِبـــتَ عــن لُقيَــاهُ
طَلَبُــــكَ لغيــــرهِ فَقـــدُ الحيـــا
مِنُــهُ فــذا شــِركٌ خفــىٌّ منــك يــا
طَالِبــــاً غيــــرَهُ لبُعُــــدٍ عنـــه
فكـــــلٌّ حاجَــــةٍ تُرَجِّــــى منــــه
فهـــو الـــذي كـــوّنَ كـــلِّ شـــيء
بِيَـــــدِهِ مفتــــاحُ كــــلِّ شــــيءٍ
ففــــى جَميــــعِ نَفَــــسٍ تُبــــدِيهِ
مُقَـــــدَّرُ فِيــــكَ بِــــكَ تَمضــــِيهِ
وكُـــلُّ حـــالٍ هـــو فــي شــأنٍ ألا
فــي كــلِّ حــالٍ لُــذ بِــهِ مُسـتَعمِلاَ
قلبَــــكَ فـــي مصـــنوعِهِ العجيـــبِ
مراقِبــــاً فــــي حاضــــرِ قريـــبِ
وحكمِـــهِ فـــي صـــُنعِهِ فــي خَلقِــهِ
مــــن خَلقِــــهِ وخُلقِــــهِ ورِزقِـــهِ
فههنــــا قــــد كَثُــــرَت طـــرائقُ
بعـــــدَدِ الأنفـــــاسِ مـــــن خَلاَئِق
فكــن مراقبــاً لــه فــي كــلِّ مــا
أوجَبــــهُ عليــــك تَلقـــى حِكَمـــاً
ولا ترقَّـــــب مفـــــرغ الأغيـــــار
ولا يَصــــــُدَّنَّكَ عــــــن جبّــــــارِ
ذاك التَمَنِّـــى عـــن مقـــامِ هولــك
فـــي كـــلِّ حـــالٍ لا تُشــَتِّت أمَلَــك
قيــــل فســــيروا للالـــهِ عَرجـــى
عَـــــوجى مكاســـــيرَ وغلاّ إلجَــــا
إلـــى البطـــالاتِ لمحتــاجِ الــدَوا
يقــــول لا إســــتعمل الدواســــوا
إن وُجِـــــدَ الشـــــِفا فلا شــــفاءَ
لَـــــهُ كـــــذا إذ مـــــالَهُ دَواءُ
دارُ إشــــتغالٍ وإفتقــــارٍ دُنيـــا
فَســـــَلُوا راحتَـــــهُ للعُقـــــبى
فأشـــغُل بشـــغلِ العمـــل الشــغُولِ
عـــــن كـــــلِّ مــــانعٍ مَملــــوُلِ
وهــــو بِتَوطِينِــــكَ نفســـَكَ علـــى
مــا قــد تُحِــبُّ النفــسُ أعنـىِ أملا
وكيــــف تَســــتغربُ أن تحزُنـــكَ ال
أكـــدارُ فـــي دار بناهــا للخَلَــل
وكـــــلُّ نقـــــص وخِلافِ المقصـــــدِ
وكــــلُّ هّــــمٍ فتأمَّــــل وإهتـــدى
فإنهــــا مـــا أبـــرَزَت إلاّ علـــى
شـــيءٍ دنيّـــىٍ لا تـــرى فيهــا عُلا
وأنظـــر إلــى آيــةِ تلــك الــدار
مَـــن إعتلـــى فيهـــا لَــهُ بَــوارِ
وخُـــــذ كلامَ ســـــيّدِ الطَائفـــــةِ
وكُـــن علـــى مـــا قــالَهُ رادِفــة
قـــال مـــن المكـــروُهِ لا أستبشــعُ
فيهـــا إذا أمســـيت ممّـــا يقـــعُ
فقـــد علمـــتُ أن دنيانـــا لنـــا
دارُ ســــــــقامٍ وبلاءٍ حزنــــــــا
وأنّ ذا العـــــالمَ شـــــرُّ كلُّــــهُ
وكـــلُّ مـــا أكـــره موضـــُوعُ لَــهُ
وإن تَلَقَّـــــانى إلهـــــى فيهــــا
بكـــلِّ مـــا أكـــره موضـــُوعُ لَــهُ
فهـــو مـــن اللـــه تفضـــّلٌ علــىَّ
فقـــد علمـــتُ أنَهــا تعــبٌ وعَيُّــى
والشــــغلُ والأكــــدارُ والأغيــــارُ
تــــذهبُ عــــن قصــــدُهُ الجبّـــارُ
ومَـــن غـــدا إلــى الإلَــهِ راجعــاً
كـــانَ لـــه مِــن الهُمــومِ مانِعَــا
ومَــــن رجُــــوعُهُ غــــدا لنفســـِهِ
فحكمُــــه ومــــا مَضــــى بعكســـِهِ
وكــــلُّ مــــا طلبتَــــهُ بــــالربِّ
تلقـــاهُ أو بــالنفسِ تعــبُ القلــبِ
فـــاطلُب بِـــهِ لتحصـــُلَ المطـــالبُ
ولا بنفـــــسٍ فهنـــــاك الحــــاجبُ
ومِــــن علامــــاتِ الــــذى بربِّـــهِ
تَفويضــــُهُ للــــهِ فــــي مَطلَبِـــهِ
وبعــــــدَهُ توكُّـــــلُ التحصـــــيلِ
فقــــد رأينـــا رَحمَـــةَ الوكيـــلِ
ثــــمّ إســـتقامةٌ لـــدى التـــوجُّهِ
فهــــذه تُــــبرِىءُ كُمـــهَ الأكمَـــهِ
ومَــــن يكــــن مطلَبُـــهُ بـــالنفسِ
فــــإعرف لـــه علامـــاتٍ بـــالعكسِ
حــــبُّ المـــرادِ حيـــثُ لا تفـــويضُ
فهــــــو وإن أوصـــــَلَهُ مريـــــضُ
وعمــدةٌ علــى الســببِ مــن حيـثُ لا
تـــوكُّلاً علـــى الوكيـــلِ إســتعملا
ثــــــمّ تهـــــوُّرٌ بلا إســـــتقامةِ
وغيــــرِ تقـــوىً يبتغـــى مَرامَـــهُ
فهـــو إذا تيســـّرَ المـــرادُ فـــى
مطلبِـــــهِ حِرمـــــانُهُ لا يختفــــى
لأنّــــــه ذو عُمـــــدَةٍ بـــــالحلقِ
مفــــارقُ الشــــكرِ وحـــقِّ الحـــقِّ
فإحـــذر إلــى النفــسِ مــن التَكلاَنِ
فَرِبحُــــــهُ يــــــؤلُ للخُســـــرانِ
الصــــادقُونَ فــــائزونَ بـــاليمنى
يـــروا مــن اللــهِ مقامــاً حســنا
مَـــن كـــانَ فـــى مَبــدِئِه مُفَوِّضــاً
لرَبشـــهِ مـــن الرِضـــاء بالقَضـــَا
مــــع التوكــــلِّ الـــذى أخلَصـــَهُ
لربِّـــــــهِ فَرَبُّـــــــهُ خَصَصــــــَهُ
إن البــــداياتش أســـاسُ المقصـــدِ
ففـــى النهايـــاتِ حصـــولُ ســـؤدَدِ
فمَــــن لــــه بدايــــةٌ صــــالحةٌ
يتبعُهــــــا نهايـــــةٌ رابِحَـــــةٌ
ومــــن لــــه بدايــــةٌ قاصــــرةٌ
يلحقُهــــــا نهايـــــةٌ خاســـــرةٌ
والنُجـــحُ والإشــراقُ فــي البدايَــةِ
نجـــحُ وإشـــراقُ لـــدى النِهايَـــةِ
معناهمــــا الرُجُــــوعُ والوكُــــولُ
ينتَــــجُ مـــن بعـــدِهِمَا الوُصـــُولُ
مَـــن أشـــرقت بدايـــةُ الطريقـــةِ
لــــه فقــــد أشـــرقت الحقيقـــةُ
وقطــــبُ كــــلِّ شــــيءٍ الحُضــــُورُ
فكــــلُّ نــــورِ تحتَــــهُ محصــــُورُ
ثـــمَّ الـــذى يســـتودعُ الســـرائر
يُظهِــــرهُ مـــن بعـــدهِ الظـــواهرُ
إن كــان خيــراً بــانَ خيــرٌ يرشــَحُ
إنّ الإنــــا بمـــا حَـــواهُ يَنضـــَحُ
فكـــــلُّ قلــــبِ عــــارف فَتّــــاشِ
قـــــالِبُهُ يـــــردعُ بالخياشـــــىِ
إلـــــى عبـــــاداتٍ بلا عصـــــيان
والضــــدُّ بالضـــدِّ فـــذا بيـــانى
ومَـــن غـــدا فـــي غيبـــه آثمــاً
لاحـــــت لــــه شــــهادةٌ وثَمّــــا
مــــا جَلِيَــــت ظــــاهرُ الأمــــورِ
إلاّ علـــــى حقـــــائقِ الصـــــُدُورِ
وكــــلُّ شــــيءٍ خـــامَرَ القلوبـــا
بـــــانَ جميلاً كــــانَ أو عُيُوبــــا
وكـــلُّ ســـرِّ كـــانَ ســـترا فيـــك
يظهـــرُ مـــن فعلــك أو مــن فِيــكَ
ظــــــواهرُ أمُورِنـــــا عنـــــوانُ
لبـــــاطِنِ الأحـــــوالِ إذ يُبــــانُ
لـــو خَشـــِىَ القلــبُ مــن الرحمــنِ
لخضــــــعَت جـــــوارحُ الإنســـــانِ
شــــتانَ بيــــنَ مســــتدلٍّ بكُــــمُ
ومســـــتدلٍّ بالســـــوى عليكـــــم
فــــذاك عــــارفٌ بحــــقِّ واصـــلاً
ومثبــــتُ الأمــــرِ لأصـــلٍ عـــاجِلاَ
ذلــــك برهــــانٌ لـــذى التَـــدَلّى
أوصــــلَهُ اللـــهُ إلـــى التجلَّـــىِ
وقــــال قـــومٌ ذاكَ غيـــرُ ممكـــن
بلا ترقـــــى للفــــتى المُبَرهِــــنِ
كَلاَّ وذاك مـــــن دليــــلِ البُعــــدِ
كـــان الخَليـــلُ ذا تَـــدلّى عنــدى
والمســـــتدِّلُ بالســـــوى عليــــه
ذو حُجُــــبٍ ولــــم يصــــل إليـــهِ
كيــــفَ ولا غيبــــةَ مــــع وصـــُولِ
فــــآ حاجــــةٍ إلــــى الــــدليلِ
والمســـــتدلُ يســـــتدلُ للخَفَــــا
والوَصــلَ بالغيبــةِ والخفَــا إنتَفـى
والحـــقُّ مــا غــابَ فمــا الــدليلُ
فَــــذُوا الـــدليلِ مـــالَهُ وصـــُولُ
ليُنفِقَــــن ذُو ســـَعَةٍ مِـــن ســـَعَتِهِ
إشــــارةٌ لواصــــِلِ فــــي صـــِلَتِهِ
والســــائرُونَ للإلَـــهِ مَـــن قُـــدِرَ
عليــــه رِزقُـــهُ فقـــولىِ مُنجَبِـــرُ
والواصـــــلُونَ نــــاظرونَ رَبَّهُــــمُ
فـــي كـــل حــالِ حــافِظُونَ قلبَهُــم
والســـــائرون طــــالِبون وَصــــلَهُ
ولــــم يحققــــوا إليـــهِ وِصـــلَهُ
ثـــمّ بـــأنوارِ التـــوجهِ اهتـــدى
ذو رِحلَـــةٍ إليـــه قبـــلَ أن بــدا
والواصــــِلُونَ لهــــم المواجهــــة
كـــلٌّ لـــه معبُـــودُهُ قــد واجَهَــه
فهــــــؤلاِءِ لهــــــم الأنــــــوارُ
ومــــن مَضـــَوا تملكهـــم أنـــوارُ
فالســــائرون حزنــــوا بِفَقــــدِها
والواصـــِلُون رحلـــوا مِــن قصــدِها
وبَقِــــىَ المـــولى لهـــم فَرِيـــدا
تمحّضــــــُوا بربّهـــــم عبيـــــدا
لأنّهــــم للــــهِ واللــــهُ لهــــم
وليـــس شـــِئءٌ دونَــهُ قصــداً لَهُــم
وغيرُهــــم فــــي دقِّـــةِ الأنـــوارِ
تَقبُضـــــُهُم عَـــــوارِضُ الأكـــــدارِ
وذو الوصـــــولِ حـــــالُهُ ســــواء
إذا أتـــــت ســـــَراءُ أو ضــــَراءُ
تَعرِفُهـــم مـــن آيـــةِ قُــل اللــهَ
وذَر ســـِواهُ واعتَمِـــد علــى اللــهِ
تَشــــَوُّفُ الســـالِكِ للبـــاطِنِ فـــي
عُيُــــوبِهِ أصــــوَبُ مــــن تَشــــَؤُّفِ
فيمــا اختفــى مـن الغُيـوبِ ثـمّ مـا
عِيــــبَ لــــهُ قِســـمانِ ظاهركمـــا
تــراهُ فيــكَ مثــلُ تقصــيرِ العَمَــلِ
وبــاطنٌ وهــو مــن الــداء العُضــَلِ
منـــــه إعتمـــــادٌ وإرادَةُ ســــو
أمــرِ أقِيــمَ فيــهِ مـن أجـلِ الهَـوَى
وبعـــدَهُ التـــدبيرُ مـــع مولانـــا
وعَجَلَــــةٌ مِنّــــا لــــدى دُعانَـــا
والشـــكُّ فـــي الوعــدِ أو إعــتراضٌ
بِفَـــــوتِ مطلـــــوبِ وذا أمــــراضُ
وفقــــــدُ إخلاصٍ وحـــــبُّ شـــــهرةٍ
والأنـــسُ بـــالخلقِ وطـــولُ فكـــرةٍ
ثــم إنطبــاعُ الكــونِ فــي المـرآة
وعُلقَـــــةُ للقلـــــبِ بالشــــهواتِ
وكــــــونُه مُستَرســـــِلاً بغفلـــــةٍ
مــــع إشــــتغالٍ بوجـــودِ ســـُفلَةٍ
وقلّــــــةُ إهتِمـــــامِهِ بِهَفـــــوَةِ
والميـــلُ عـــن معبـــودِهِ بِغَبـــوَةٍ
وأن يُرِيـــدَ غيـــرَ حكـــمِ الـــوقتِ
والانـــسُ عنـــدَ موجبـــاتش المقــتِ
وأن يُحِيـــــــلَ للفـــــــواغَ عملاً
وأن يكــــونَ بالأمــــانىِ شــــاغِلاً
وطلــــبٌ لحالَــــةٍ ليــــس بِهَــــا
وَوَقفَـــةٌ النفـــسِ إلـــى محبُوبِهــا
كالكشــــفِ ثــــمّ طلـــبُ الأشـــياءِ
بـــالنفسِ والرجـــوعُ فــي ابتــداءِ
مـــن الطريـــقِ للســـوى والغيـــبِ
قســــمان حســــِى وعــــاهُ قلــــبُ
ومعنــــوّىُّ ثــــمّ شــــأنُ النفـــسِ
تعمــــلُ فــــي هَمِّهَــــا بـــالعكسِ
مــــن جهلهـــا مُهمِلَـــةُ العُيُـــوبِ
طالبــــــةٌ لرؤيَـــــةِ الغُيُـــــوبِ
وليـــــس مـــــولاك بمحجـــــوب ول
كـــن لـــك الحجــابَ عنــهُ مُســدِلا
فمـــا لَـــهُ مـــن حُجُـــبٍ يســـترُهُ
وجُودُهـــــا أو حاصـــــرٌ يحصــــرُهُ
أولا لكـــــانَ للالَـــــهِ حاصـــــراً
وهــو علــى العبــادِ كــان قــاهراً
فوقيــــةٌ مــــا إن لهـــا مكـــانُ
لســـــكنّها القــــوّةُ والســــلطانُ
ثــــم بيــــانُ عيننــــا بهــــذا
فـــــــإجعله ذا بَصـــــــِيرةٍ مَلاَذا
واخــرج مِــن الأوصـافِ أوصـاف البشـر
وهــــى الخلائقُ اللـــواتى تُعتَبَـــر
مــــن طــــاهرٍ ودانــــسٍ كطاعـــةٍ
والفِقــــهِ واليقظــــةِ أو ضـــراعَة
وكالمَعاصــــى والمَلاهـــى والهَـــوى
نقيـــضُ كـــلِّ يَـــدرَءُ الضــدَّ ســوا
فـــإدرَء بِحُســـنى فاســداً مجتهــداً
تَــعِ حــبيبَ الحــقِّ مخطــوبَ النِــدا
نــــداؤُه علــــى لســــانِ أحمـــدَ
يــا أيهــا النّــاس فاصــغ واهتــد
فمـــن أرادَ اللـــه إرشـــاداً لَــهَ
صـــَيَّرَ حـــظَ النفــسِ مُنقَــاداً لَــهُ
فَتَعبــــدَ اللــــهَ علــــى حضـــورِ
وخظهــــا فِـــى الكُـــنِ والســـُتُورِ
والعكـــــسُ بــــالعكسِ فلا تُبــــالِ
بطاعــــــةٍ وحَظِهـــــا العُضـــــَالِ
وأصــــلُ كــــلِّ خطــــأ ومَعصــــِيةٍ
وشـــــهوةٍ وغفلـــــةٍ مُستَعصـــــِيةٍ
هـــو الرِضــا عــن النُفُــوسِ أبــداً
والعكـــسُ بـــالعكسِ فكُــن مجتهــداُ
فإســـقِها مـــن كـــأسِ ســَم نــاقع
أولا تَكُـــن فـــي أوضـــَع المَواضــِع
فمــــــن رأى ســــــَجِيَّةً حمـــــدةً
لنفســــــِهِ أهلكهـــــا بعيـــــدَةً
أنـــت عـــن العُيُــوبِ فــي إغضــاءِ
لــــــك تقــــــديرٌ مـــــن إبتلاءِ
فإصـــحب إمامـــاً عارفـــاً بنفســه
مكمّلاً منـــــه معـــــانى قُدســـــِهِ
وشــــرطُهُ بــــراءةٌ مـــن الرِضـــا
عــــن نفســــِهِ لذِلَّــــةِ معترِضـــَا
وجاهــــــلٌ يصـــــحبُهُ مَوصـــــُوفاً
بـــذاك أوُلــى مــن غــدا معرُوفــاً
بِعِلمِـــهِ مـــع الرِضــا عــن نفســِهِ
يظـــنُّ حســـناً وهـــو عنــدَ طَمســِهِ
فَــــذَرهُ عالمــــاً وجـــاهلاً كـــذا
رئيـــسَ قــومٍ قَبــلَ أن تَلقــى الأذى
إيَــــاكَ إيَــــاكَ منهــــم حَيّـــاتُ
ليســــت لمــــن يصــــحُهُم حَيَـــاةُ
فـــأىُّ عِلـــمِ عـــالم يرضــى لهــا
وأىُّ جهــــلِ جاهـــلٍ يـــأبى لهـــا
شــــعاعُ قلــــبٍ قَمَـــرُ البَصـــيرَةِ
شُمُوســــــُها مضـــــيئةٌ مُنِيـــــرةُ
فأشــــرفَ القلـــبُ علـــى الأفـــاقِ
فشـــــاهَدَ اللـــــهَ علــــى الإطلاقِ
فـــاعلم إشــاراتِ الإمــامِ العــارفِ
قطــــبِ العظـــامِ بـــاهرٍ مكاشـــفِ
قـــال غـــذغا شَعشـــَعَت البصـــيرةُ
تشـــهدُ قـــربَ الحـــقِ بالســـريرة
وكلّمـــا الإيمـــانُ نـــارَ وإنجلــى
أنـــارَ عيـــنَ القلــبِ حتّــى أذهلا
عـــن الوجـــودِ فانيــاً عــن كلِّــهِ
والحّـــقُ موجـــودُ لــه فــي وَصــلِهِ
وحـــقٌّ شـــاهدِ البصـــيرةِ اقتضـــى
نَفـــىَ إعتبـــارٍ بالســوا مُنقَرِضــَا
وجودُنــــا مــــع عــــدمٍ ســــيّانِ
وينفَنِـــــى الحــــادثُ بــــاقترانِ
مــع القــديمِ وهــو قــد كــان ولا
شـــــيءَ ســـــواه أبـــــداً وأزلاً
لا تَتَعــــــدَّينَّ هِمَّــــــةٌ إلــــــى
غيـــرِ الكريــمِ والجــوادِ حيــثُ لا
يخطّــــاهُ الآمـــالُ فـــي الإحســـانِ
ولا تعـــــدّاهُ فَعُـــــوا بَيَـــــانى
إيّــــاكَ رفــــعَ حاجــــةٍ لغيـــرهِ
وهـــو الـــذى عَوَّدَنــا فــي خيــرِهِ
فــــإنّه لــــو رَدَّهَــــا علينــــا
فكيــــفَ نرجُـــو كاشـــِفاً لـــدينا
وأنّـــــه فــــي نفســــِهِ ضــــعيفُ
وكاشــــفُ الضــــُرِّ هـــو اللطيـــفُ
وباســــطُ الخيـــرِ هـــو الكريـــمُ
وغيــــرُهُ فــــي نفســــِهِ عــــديمُ
فالجهــلُ كــلّ الجهـلِ مـن يطمَـعُ فـي
إحســــانِ مخلـــوقٍ حقيـــرٍ أضـــعُفٍ
ســبحانَ ذى المجـدِ الكريـمِ السـَرمَدِى
مَـــن يَبتَغِيـــهِ بالأمـــانى يَهتَــدِى
مَــن لــم يكــن فــي نفســِهِ نَفَّاعـاً
أتَرتَجِيـــهِ حيـــثُ مـــا إســـتطاعا
لا تــــكُ كالمســــجونِ بالمســــجونِ
مَـــن يســـتغيثُ فهـــو كـــالمجنُونِ
إن لــــم تَحَســــِّن بـــالإلهِ ظنّـــكَ
لكـــــونِهِ فــــي بِــــرِّهِ عَــــوَّدكَ
مُعـــــاملاً بالفضــــلِ والســــماحَةِ
وقَلبُـــكَ المحـــزونُ قـــد أراحـــه
فحســــــِّن بِبِــــــرِهِ الحقِيــــــقِ
ظنّــــك ترشــــد أنهَـــج الطريـــقِ
فهــــل تـــرى إحســـانّهُ الجزيـــلَ
ألا تــــــــراهُ ماجِـــــــداً جميلا
أو لا تــــراهُ مُســــدِىَ النَعمــــاءِ
كالـــــــدين والإيمـــــــان والآلاءِ
وإن ذكـــــرتَ هَمَّـــــك المعــــترضَ
قــابِلهُ بالفضــلِ الجزِيــلِ إذ مضــا
يــا عجبــاً مــن هــاربٍ عــن ربــهِ
ودارُهُ العُقــــبى وبعــــد هربــــه
مـــن أن لـــه عــن ذلِــكَ انفِكــاكُ
كيـــــفَ الغَــــبينُ فــــاتَهُ إدراكُ
يطلـــبُ مـــا ليـــس لَـــهُ بقـــاءُ
وقــــد دَنَــــا لجنبِـــهِ الفَنَـــاءُ
وذاكَ مـــن عَمـــى بصـــيرةِ الفّــتى
وقلبُــــه مثــــلُ حديــــدٍ صـــَلَتَا
أتطمعــــونَ مــــن عبـــادٍ مِنَحـــاً
مثــــلُ حِمـــارٍ لحجـــارةِ الرَحـــى
يطيـــلُ ســـيراً راحلاً مــن حيــثُ لا
يَنفُــــذُ مســــراهُ كـــذا متّصـــِلاَ
مُــــرتحلاً مــــن موضــــعٍ يَعُــــودُ
غليــــــه كادِحـــــاً فلا يُفيـــــدُ
طلبُـــك مـــن غيـــرِ مـــولاكَ ســُوا
وصـــورةُ ذا الأمــر فحســبُكَ الجــوا
وارحَـــل عـــن الأكـــوانِ للمكـــوِّنِ
إنّ إلـــــى ربِّـــــكَ كلاً فــــإعتنى
بآيــــةِ اللهــــش وقصـــّر طمعـــكَ
عليــه تلقــى نصــرةض الــدهرِ معَـك
وأنظــــر لقــــولِ ســـيّد مهـــاجرِ
مـــن كـــلِّ شـــيءٍ للالَـــهِ صـــائرِ
فمــــن تكُــــن هجرتُــــهُ مــــولاهُ
ومصــــطفاهُ نــــالَ مــــا نَـــواهُ
ومــــن تكــــن مُنيتَــــه دنيـــاهُ
أو النســـاءُ نـــال مـــا إقتضــاهُ
إن كـــان مقضـــياً ولا عِـــبرةَ بِــه
يــا خيبــةً مــن رَبِّــهِ فــي إربِــهِ
فـــإفهم مقــالَ المصــطفى فهجرتُــهُ
لِمَـــا نـــواهُ وإعـــتراه خيبتُـــهُ
فكـــــــرر الأوّلَ دونَ الثـــــــانى
تحقيــقَ مــا يبقــى علــى الفَـوانى
ثــــم إحتقــــاراً وتجنُّـــاً لهـــا
فإنّهـــا أعظـــمُ شـــيء قــد لهــا
والأوّلانِ مســــــــتطابا ذكــــــــرٍ
معظمّــــانِ عنــــد أهــــل فكــــرٍ
فــإن تكــن ذا الفَهــم دبِّــر أمـرَهُ
وخُــــذ إلهـــاً لا تخـــالف أمـــرهُ
مَــن لــم تجــدهُ ناهضــاً لـك حـالُهُ
للــــهِ مــــا إن دَلَّــــكَ مَقَـــالُهُ
فَــــذَرهُ فهــــو صـــاحبٌ لا يُصـــحَبُ
بـــل إنّـــه كــالليثِ منــه يُهــرَبُ
وهـــــو الــــذى يَعتَبِــــرُ الخلائقَ
وإن تجـــد فـــي صـــَدرِهِ الحقــائقَ
يرضــى عــن النفــسِ خــبيثُ النفــسِ
فــي قلبــه الرفعــةُ فــوقَ الجِنــسِ
وإن تجـــــدهُ عالِمـــــاً عَلُومــــاً
وأصــــبح الكــــلُّ لـــه مأمومـــاً
ثـــم الـــذى مِــن حقَّــهِ أن يُصــحَبَ
مَـــنَ كـــان عنـــدَ ربِّـــهِ مُقَرَّبــاً
وليـــس يرضــى دائمــاً عــن نفســه
ولا إعتلـــى يومــاً علــى ذى جِنســِهِ
وامتًلأت فـــــي قلبِـــــهِ حقــــائقُ
وإنــــدَفَعَت مــــن عنــــده الخَلائِقُ
يصـــبرُ حيـــثُ أنــتَ تــؤذِيهِ علــى
أذَاك فــي الأكــوانِ لــم يرضــى عُلا
فـــــذلك العبـــــدُ إذا أذَيتَــــهُ
فــاعلم بــأنَّ اللــه قــد عــادَيتَهُ
فاخضـــع لـــه منكَســـِراً مســـكيناً
مطاوِعــــــاً لأمــــــرِهِ مُعينـــــاً
فــــاللهُ ينصـــرُ الـــذى ينصـــرُهُ
تحًُّفـــــهُ الرحمـــــنُ إذ يحضــــرُهُ
فهــــو الـــذى لا يَنشـــَقِى جليـــسٌ
جالَســــــَهُ أو صـــــاحبٌ أنيـــــسُ
وخصـــــًّهُ الرحمـــــنُ بـــــالإكرامِ
وتــــابعيِهِ بيــــنَ نـــاسٍ ســـامى
قــــد وُضــــِعَت لأجلِهِــــم منـــابرُ
مـــن اليـــواقيتِ كـــذا الجــواهرِ
يُجلِســــــُهُم مـــــولاهُم عليهـــــا
والنّـــاسُ حيـــرانٌ أســـاً وتَيهـــاً
طُـــوبى لمـــن أحَبَّهُــم فــى اللــهِ
يَــــدرأُ عنهــــم عاتِيــــاً لِلـــهِ
فـــأمرُهُ للخيـــرِ والحُســـى نَعَـــم
لـــه الكريـــمُ بالكرامـــاتِ خَتَــم
والعبـــدُ إن أصـــبحَ ولــه نُهُوضــاً
مناهِضـــيهش جـــاد لـــى تمحِيضـــاً
وإنَّ ذاك العبــــدَ مَــــن نظرتَــــهُ
مشـــــتغلاً بـــــاللهِ فــــإعتَبَرتَهُ
وإســــمع كلامَ الشــــاذلىّ مبصـــراً
لا تَصـــحَبَنَّ مــن غــدا لــكَ مــؤثِراً
علــــى مُنــــاهُ لا ومَــــن أرادَ أن
يــــؤثِرَ نَفَســـَهُ عليـــك وإعلمـــن
بـــــأنّ ذاك لا يـــــدومُ غالبــــاً
فـــأطلُب شـــغُولاً بـــالإلَهِ وإصـــحبَ
مِـــن حيثمـــا يــذكر يــذكرُ ربَّــهُ
فــــاللهُ يُغنِيــــكَ بِـــهِ نـــائِبَهُ
فـــــذكرُ ذاك نـــــورٌ للقلـــــوبِ
وإن يُشـــــَاهَد فــــإلى الغُيُــــوبِ
أى المفاتيـــــحَ لهـــــا يقــــودُ
وهـــــم قليلُـــــونَ وذا تمهيــــدُ
وآفــــةُ أمــــرى خلا عـــن مَنهَـــضِ
أنّ الـــــذى يصـــــحبُهَ ذو مَــــرَضِ
والكــبرِ والعُجبــش وإعظــامِ الهـوَى
ورؤيــةِ النفــسِ علــى الجَــوفِ حَـوا
فرُبّمــــا كنــــتَ مُســـِيئاً فـــارا
كَ ذلـــك المـــرءُ ينــابيعَ المــرا
إنّــــك محســــنُ وخيــــرٌ حــــالاً
منـــــه فجـــــانِبهُ ودَع وبــــالاً
والنفـــــس تستشــــعرُ بالجبلَّــــةِ
فضــــيلة لهــــا لأجــــلِ العِلّـــةِ
علـــى الـــذى رأيــةَ دُونَــهُ هُــدى
فإصــحب رشــيداً بــالعزائمِ غقتــدى
وشـــــرطُهُ الهمّـــــةُ والاحـــــوالُ
صـــــافِيَةً لا العلــــمُ والأعمــــالُ
إســــمع كلامَ ســــيّدِ بـــن عبـــاد
أعنِيــهِ عبــد اللــهِ قـولُ مـن جـادَ
إنّ التــــواخى فَضــــلُهُ لا ينكــــرُ
وإن خلاَ مـــــن شــــرطِهِ لا يُشــــكَرُ
والشــرطُ فيــه أن تــواخى العــارِفَ
عـــن الحظـــوظِ واللُحُـــوظِ صــارِفَا
مقــــــالُه وحــــــالُهُ ســــــِيّانِ
ومـــــادَعى إلاّ علـــــى الرحمــــنِ
أنـــــوارُهُ دائمـــــةُ الســــِرايَةِ
فيـــكَ وقـــد حَفّــت بــكَ الرعايــةُ
وقاصـــدُ الفاقـــدِ هـــذا الشـــرطَ
بصــــُحبَةٍ يَعقِــــدُها قـــد أخطـــا
قـــد إنتهـــى كلامُـــهُ والشـــاذلىً
قــد ســَألَ الأســتاذَ والشـيخَ الـولىِ
عــــن يَســــِّرُوا ولا تعســــِّروا ولا
تُنفّـــروا حـــديثُ مَـــن حـــازَ عُلا
فقـــال معنـــى ذا الحــديثِ دَلُّــوا
إلـــى الإلَـــهِ النّـــاسَ لا تَـــدُلُّوا
علــــى ســـواهُ فالـــذى دلَّ علـــى
دنيـــاكَ قـــد غَشـــّك أو دلَّ علـــى
إكثــــارِ أعمـــالٍ فقـــد أتعَبَـــكَ
أو الإلَــــــهِ ناصـــــحاً قَرَّبَـــــكَ
والزهـــدُ مـــن علامـــةِ الممَصــحُوبِ
لا العلـــمُ والاعمــالُ فإقتــدو بــى
مــا قلّــت الأعمــالُ مــن قلـبٍ زهـدَ
ولا كــــثيرٌ مِـــن فـــؤادٍ إســـتَنَد
يرغــبُ فــي الــدنيا ولإبــن مسـعود
فيــــه كلامٌ فـــائقٌ فـــي الجَـــودِ
رُكيعتــــانِ لامــــرئٍ قــــد زَهَـــدَ
أفضــــلُ أعمـــالٍ رَغُـــوبِ ســـَرمَداً
والشــــاذلىُّ قــــد رأى الصــــدِّيقَ
لَيلاً موضـــــِّحاَ لَـــــهُ الطريـــــق
فقـــالَ مـــا علامـــةُ الــدنيا إذا
عــــن الفــــؤادِ خرجـــت فَنَفِـــذا
فقلـــت لا اعلـــمُ أخبِرنـــى بهـــا
فقـــال بَـــذلُها إذا كنـــتَ بِهـــا
وراحــــةٌ فيـــك إذا مـــا فُقِـــدَت
وتركُهـــا الكلِّـــى مهمـــا وُجِـــدَت
معرفـــــةُ الإنســــانِ أسُّ العمــــلِ
وحــــالُهَ بهــــا كبَـــدرٍ ينجلَـــى
فحســـنُ أعمـــالِ نتيجـــةُ الحســـن
مــن خــالصِ الأحـولِ مـن شـَوبٍ الفِتَـن
وخــــالص الاحــــوال مـــن تحقُـــقِ
بمـــوردِ الإنــزالِ مــن قلــبٍ نقــى
ولا يــــــدلُّ كـــــثرةُ الأعمـــــالِ
علــــى صـــلاحِ القلـــبِ والأحـــوالِ
إلاّ إذا أنـــــزِلَ فيـــــه نـــــورٌ
يُغنِيـــــهِ يُـــــدنِيهِ ويَســـــتَنِيرُ
يعتِقُــــه مــــن طمــــعِ الأغيـــارِ
يُوحِشــــُهُ حتّــــى عــــن الانـــوارِ
فالفـــاهِمُ الـــذى يحســـنُ العمــل
مــن كــان للــهِ بمــا إحتـاجَ وَكَّـل
ثـــمَ إعتنـــى بـــه وكيلاً وإكتفــى
معتَمِـــداً عليـــه ذا قلـــبٌ صـــَفَا
وليـــس مًـــن فَهِــمَ الغِنــى ســواهُ
وليــــس دُونَــــهُ ســــوى هُــــداه
لا تَـــترُك الـــذكرَ إذا مـــا فُقِــدَ
حَضــــُورُ مــــولاكَ بِــــهِ وإجتهـــد
فــــــإنّه الســـــراجُ للقلـــــوبِ
مقّــــــرِبُ المحّـــــبِ للمحبـــــوبِ
ذكــرُك فــي الأرض ذكــرٌ فـي السـماء
فـــي ملأ مـــن الكِـــرام العُظَمـــا
منشــــورُ مــــولاك مِـــن الوِلايَـــةِ
علامَـــــةُ العنايَـــــة الوقايــــةُ
فغفلــةُ العيــد عــن الــذكر أشــدّ
مــن غَفلَــةٍ فيــه فكُــن فيـه أبَـدا
عســــَاكَ أن تَنتَقِـــلَ عَـــن غفلِـــةِ
فـــي الــذكرِ موصــُولاً إلــى يَقظَــةٍ
ورُبّمــــا تُنقَــــلُ عــــن يقظــــةٍ
إلــــى حضــــورِ وإلــــى قربَــــةٍ
وعــــن وجُـــودِ قُربَـــةٍ والحُضـــُور
لغيبــةٍ عــن غيــرِ مــن كــان نُـورٌ
مـــن نَفَحَـــاتِ رحمـــة اللــهِ مــا
ذَاكِــــرُهُ فــــي غفلــــة أكرِمَـــا
أتيــــــتُ فيـــــه بكلامٍ وجيـــــز
ليـــسَ علـــى اللــه بشــيءٍ عزيــزٍ
لكـــــلّ قلـــــب ميّــــتٍ علامــــةُ
ذنـــــــبٌ مـــــــالَهُ نَدامَــــــةُ
فُقــــدانُ حـــزنِ القلـــبِ أىّ شـــرّ
مـــا للغبِـــىّ عنـــه مـــن مَفـــرِّ
والحـــىُّ أيضـــاً أن يُــرى محزونــاً
مـــن قــوتِ طاعــاتِ غــدا مَغبونَــا
يلتــــذّ بالطاعــــاتِ والمَعاصــــِى
تُــــــؤلِمُهُ لهمّــــــةِ إختصـــــاص
يطلــــبُ هــــذا ويفــــرُّ مـــن ذا
لحِــــرّ هــــذا أو لِطَعــــمِ هـــذا
والقلـــب إذ مـــاتَ كمثــلِ الحجــرِ
وهـــو أشـــدُّ يــا لَــه مــن ضــَرَرِ
يــــا ويلَــــهُ تــــابعَهُ تلهّــــف
زَحزَحــــهُ مــــن قُربِــــه تَعَســــُّف
يـــا نادِمـــاً علــى وجُــودِ ذنبِــهِ
لا يَـــكُ ذا النـــدمُ لفضـــل رَبِـــهِ
يُــــؤتيهِ بــــاللهِ حســــنُ ظِــــنّ
بـــل أرجِـــهِ يـــا نادِمــاً بحُــزنِ
وخِفـــهُ مـــن عِظَـــمِ ذنــوبِ قُرِفَــت
دواؤُهــــا إذا الــــدموعُ ذَرَفَــــت
وحصـــلتانِ فـــى الـــذنوب أعظـــمُ
مــــن الــــذنوبِ شـــؤمُها محكّـــمُ
إســــاءةُ الظِــــنّ بحــــقِ الحـــقِّ
مــــن الســــماح وبحـــقِ الخلـــقِ
مــــن الصــــلاح وَوَجَـــدنا خَمســـةً
عُظمــى مــن الــذنوبُ وتتلــو طَمسـَةُ
تعظِيمُــــهُ أعظــــمُ مـــن وجُـــودِهِ
كــــذا إحتقـــارُهُ لـــدى شـــُهُودِهِ
ثــــمّ جــــرأةٌ كــــذا الإصــــرارُ
علـــى الـــذُنوبِ وكـــذا الاجهـــارُ
فـــانّ مـــن يعـــرفُ حَقَّـــا ربّـــهُ
فـــى جـــودِهِ راى صـــغيراً ذَنبَـــهُ
مُعَظِّمــــث الحــــقِّ هـــو المعظّـــمُ
لــــذنبِهِ فهــــو بــــذاك يُعلَـــم
ترجَــوه حــتى الــذنبَ تنســاهُ كـذا
ترهبُــــهُ رَهَبــــةَ مَــــن تحنـــذا
فالعـــــارفُ الكامــــلُ لا يميــــلُ
مـــن ذَينِــك الحــالين بــل يطيــلُ
تســـياره فـــي الجــانبين دائمــاً
بلا إغـــــترارٍ وفُتــــوُرِ دائمــــا
لكـــنّ ذا العرفـــانَ مـــن يحيـــد
عــــن المعاصــــِىِ هَربُـــهُ شـــديدُ
فالـــذنبنُ لا يســكنُ مهمــا قَابَلــك
بلُطِفِـــهِ الواســـعِ لمّـــا عامَلَـــك
أىُّ صــــــغيرةٍ بـــــوقتِ عَـــــدلِهِ
أىٌّ كــــــبيرةٍ بوصـــــِف فَضـــــلهِ
فيضـــمَحِلُ الـــذنبُ فـــي غُفرانِـــهِ
والعبـــدُ لا شـــِىء لـــدى ســُلطانِهِ
كُــــن عــــامِلا لا عــــاملاً وَفكِـــرَ
فــــي أنّـــهُ كـــانَ لَـــهُ مُقَـــدَّر
فشــاهِد المــولى وغِــب عــن العمـل
وأخــرج مــن البَيـنِ فَتَـى فيـه نهَـل
مســـــتوفياً شـــــواهدَ الحُضــــُورِ
مســـــتوعِباً شـــــروطَهُ بــــالفورِ
والنــــاسُ أقســـامٌ ثلاثـــةٌ هنـــا
فغـــائبُ عنـــه بســـلطانِ الفَنَـــا
ومــــن غـــدا للعملـــش مُحتُقِـــراً
وجـــامِع بينهمـــا وأنظُـــر تَـــرىَ
ترجَيـــــح أوّلٍ علـــــى ثـــــانِيهِ
والخيـــرُ منهمـــا الـــذى يَليِـــهِ
أوردَ مـــــــولاكَ عليـــــــكَ وارِداً
كــــىِ ترجِعَـــن مِنـــهُ لـــه وارِدا
وواردُ القلــــب الــــذى يُزعجُــــه
وعــن ســِوى المعبــودِ مــا يخرجِــهُ
وذلــــك الســــِوى لــــه قســـمان
مُعتادُنـــــا ونـــــازلُ رحمـــــان
ايّهمــــا نقـــولُ دَعـــهُ وإجتنِـــب
حــاجب قلــبٍ فــإلى الحــقّ إقَــترِب
وإنمّـــــا القصــــدُ لمــــن أورَدَهُ
حتّـــى يكــونَ القلــبُ قــد أفــرده
فــــذاك جنــــدٌ ورســــولٌ جـــاءكَ
وهــــو إلـــى بـــاعِثِهِ إســـتفاءك
فغيبــــةُ الـــواردِ عـــن تحققـــت
والنظـــــراتُ للألَـــــهِ إتِّســـــقت
فـــــذاك أولا فِلتَقصـــــِيرِكَ فــــي
إليـــه للتقـــديرِ فـــوَطِّن وإكتَــفِ
وإنمّـــــا فــــوائدُ الــــواردِ أن
ترجَــــع للــــهِ بتجريــــدكَ عـــن
أمـــرٍ تـــراهُ مــن وجــودِ العِلَــل
وأن تكـــــونَ خارجــــاً بالجُمَــــلِ
عـــن كائنـــاتٍ عبـــدتكَ ثــمّ عــن
ســجنِ الهَـوى والنفـسِ إذ هـنّ الفِتَـن
وأوســـــط الأقســـــامِ أنّ ربّـــــى
أرادَ إحتقـــارَ مـــا فـــى قلـــبىِ
مـــن ذُونِــهِ فــأوردَ الــواردَ لــى
حتَـــى أزِيـــلَ غيـــرَهُ مــن عِلَلــى
يُخرِجُنِــــى للقلــــبِ مـــن تَرفـــقُ
بالليــــل والركُــــونِ والتشــــَوُّقِ
للـــــواردات وإلـــــى الأنــــوارِ
ذاك هـــو التســـليمُ مـــن أغيــارِ
فلا يكــــونُ لـــى بهـــا إســـتَنَادُ
ولا إعتمــــادُ وكــــذا إســــتمدادُ
وثـــــالثُ الأقســــامِ والفــــوائد
أرادَ إخراجَــــك عنــــد الــــواردِ
عليـــك مـــن ســـِجنِكَ مـــن وُجُــودٍ
إلــــى فَضــــَاكَ مـــوردِ الشـــُهُودِ
وإنّمـــا الـــواردُ كـــان حـــامِلا
عـــن الســـِوى للـــهِ حَملا كـــامِلاً
قـــال فســـيحُ النـــورِ والأســـرارِ
شـــيخُ الشـــيوخِ كامـــلُ الأنـــوارِ
فـــــوارِدُ الأنـــــوارِ والأســــرارِ
هـــنَّ مَطَايَـــا القلـــب والأســـرارِ
والنــورُ ظِــلُّ واقــعٌ فِــى الصــدور
مـــن أثــر الــواردِ والظــلُّ نــور
مَطِيَّتُـــــهُ القلـــــوبُ بالإيضــــاحِ
مِـــن فَهمِهَـــا حَضـــرَةُ ذا الفتّــاحِ
ثـــــمّ مَطَايَـــــا وارِدِ الأســــرارِ
بيــــانُ عِلــــمِ حضـــرة الجبّـــارِ
ســارت مــن القلــب مَطَايــاَ فَهمِــهِ
وطالعـــاً ســـارَت مَطَايَـــا عِلمِـــهِ
فــالنورُ حيــثُ كــانَ القلـبُ حـامِلاً
للــــهِ لا يحمِـــلُ شـــيئاً بـــاطِلا
كلرؤيـــةِ النفـــسِ ذكــت أو نَقَصــَت
أو قرُبَـــت إلــى الحــبيبِ أو مَقَــت
والنـــورُ جنـــدُ القلــبِ مُســتَقوِيهِ
ومُضــــعِفُ النفـــسِ بمـــا يُلقِبـــه
والنفـــسُ الشـــَنيعُ ثـــمّ النـــورُ
بالكَشـــفِ والتحقيـــقِ قـــد ينيــرُ
فمــــن أراد اللــــهُ أن ينصــــُرَهُ
يبعـــثُ جُنــدَ النــورِ كــى يحضــره
ويقطـــعُ الجنـــدَ الـــذى للنفـــسِ
أوخَــــــذَلاناً فلـــــه بـــــالعكسِ
فمَــــــن حَمــــــاه برُبُـــــوبِيّتهِ
أوقَفَــــــهُ عنــــــد عبـــــوديّتَهِ
والنــورُ إذ تــمّ فــذو الكشـف لمـا
يُهِــــمُّ أولا فلـــه حكـــم العَمـــى
وللبصـــــيرةِ عليـــــه الحكـــــم
فيقبــــلُ القلــــبُ لمــــا يَهَـــمّ
وكــــان عمّــــا لا يُهِـــم مُـــدبِراً
وذو التخــــابيطِ بنــــورِ مُصـــبِراُ
ومنـــه فـــرعُ القلـــب بالطاعــاتِ
مــــن حيــــث كــــونهنَّ تكرمـــاتِ
وينبغـــى أن يفـــرحَ القلــب بهــا
لـــــذاك لا لكونِهَـــــا فَعَلهَـــــا
ينشــأ منــه الشــكر لا عُجــب ولــو
يعكــس قــوم فعلــى العُجــبِ عَلَــوا
وأتـــلُ عليهــم قُــل بفضــلِ اللــهِ
لِيَفرَحُـــــوا ذاك مــــن إنتبَــــاه
وقطـــعَ الســـائرَ والواصـــلَ عـــن
رؤيـــــةِ أعمـــــالٍ وأحــــوالٍ لأن
يشـــهدَ فَقــدَ الصــدقِ للســائرِ وأل
فَنَــا بِــهِ عنهــا لمــن كــانَ وصـَل
فَقَطَــــعَ الســـائرَ عـــن أعمـــالِهِ
وقطــــع الواصـــل عَـــن أحـــوالِهِ
فللقَبيلَــــــــتين لاحَ الرُشـــــــدُ
طوعـــاً وكرهـــاً لصـــوابٍ وَجَـــدُوا
فالســـــــائِرونَ شــــــاهِدُون عِلَلاً
والنقــــصَ فيمــــا فَعلـــواً وزلَلا
والواصـــِلونَ عـــن ســـواهُ أفنــوا
لحضـــرةِ الواحـــد حيـــنَ أدنَـــوا
فلا يــــــرونَ لهــــــم ثوابـــــاً
إن أحســـــَنُوا لــــه ولا عِقابــــاً
حيـــن أســـاؤا بشـــهودِ الفاعِـــل
فــــي الحـــالتينِ وزوالِ العامـــلِ
مـــــا بســـــقت أغصــــانُ ذِلّ إلاّ
علـــــى بُــــذُورِ طمــــعٍ تــــولَى
وأصـــل كـــلِ طمـــع وَهـــمٌ غلـــبَ
يميــل طامعــا إلــى ســُوءِ الطلــب
فمثـــلُ وَهـــمِ المـــرءِ لا يَقُــودُوهُ
شـــيء إلـــى ظَـــنّ فـــذا يحـــدُهُ
عـــن اليقيـــن للشـــكوكِ مطلقـــاً
يغـــرمُ مـــن حيـــثُ خيَــالٌ ســبقا
مُقعَــــد علــــى شــــهُودِ الســـببِ
بِـــوَهَمِهِ الباطــل والقلــبِ الغَــبى
يَركَــــن للنّــــاسِ وينســـى رَبَّـــه
فانقـــادَ للمطمُـــوعِ عبــداً جنَبــه
معبـــودُهُ المَطمُـــوعُ عـــن مـــولاه
يــــا خيبـــةَ الطـــامعِ يـــا ذُلاّه
فمــــن أطَعتَــــه فــــأنتَ عبـــده
وهـــو أميـــرٌ لَـــكَ أنـــت جُنــدَه
باعبـــــدَ أولادٍ مــــع النســــوانِ
حَســــبُكَ مـــن عبـــادةِ الشـــيطانِ
حقيقــــة العبـــدِ هـــي إنقِيَـــاد
فــــإعجَب لمَـــنُ معبـــودُهُ عِبَـــادُ
وأنـــت حَـــرٌّ ممّـــن أنـــت عنـــه
مُستَشـــعِر اليـــأس فجـــانِب عنـــه
وأنـــتَ عبـــدُ مـــن طمعـــتَ فيــهِ
فــــدَع صــــنيعَ جاهــــلٍ ســــفيهِ
وقــد رأينــا العِــزَّ عنـد مَـن قَنَـع
كمــا رأينــا الــذُلّ عنـدَ مـن طَمَـع
ألا تـــــرى لطـــــائِر العقـــــاب
لطمــــعٍ يُوقَــــعُ فــــي العـــذابِ
فــي شــَبَكِ الصــبيانِ يلعبــون بِــه
فــــــإعتبرن بـــــذُلِهِ وطَلَبِـــــه
وانظــر إلــى امتحــانٍ لأبـى الحَسـَن
أعنــى عليــاً شــَيخَنَا البصـرىّ حَسـَن
بمُفســــــدٍ ومُصــــــلحٍ للـــــدين
فقــــــالَ ذا بطمــــــعٍ مُهيـــــنٍ
وذا بِـــــوَرعِ فاســـــتَدَلَّ بهمــــا
علــــى كمــــالِ حـــالِهِ فخُـــذهُمَا
أرادَ ربُّ النّـــاسِ منهـــم أن يَـــرى
ذُلاً لُـــهُ منهـــم وتركـــاً للـــوَرّى
فيطمعـــوا فـــي فضـــلِهِ دُونَهُمُـــو
طوعــاً وكرهــاً ذا المــرادُ مِنهُمُــو
ويرجِعُـــــوا إليـــــه بإختيــــارِ
أو إبتَلاَهُــــــــم ببَلاءٍ طـــــــارى
لأنّهــــم بِــــهِ إليــــه عرفــــوا
أو جهلـــوا أنفســَهُم لــم ينصــِفُوا
فحيـــثُ هـــم لــم يرجِعُــوا إليــه
ضــــَرّاؤه حَفّــــت بهــــم عليــــه
ألا يَـــــرَى ســـــوابقَ الإحســـــانِ
فَليَرَهَـــــا بعـــــارضِ إمتحـــــان
أوســــعَ فــــي الأرزاقِ والعَـــوافى
ليرجِعُـــــوا إليهــــش بالإنصــــافِ
وخِيــرَةٍ منهــم فــإذا لــم يرجعُـوا
أدَّبَهُــــم عنــــدَ البَلاَ ليرجِعُــــوا
فشــــاكرُ النعمـــاءِ راجـــعٌ لـــه
وغيـــــرُهُ بِــــوَجهِهِ حــــقُّ لَــــهُ
ففاقِـــدُ الشـــكرِ عليهـــا مُعتَــرض
لفَقــــدِ نعمـــةِ الإلـــهِ فـــإنتَهض
فبإنتفـــــاء شــــكرها زوالهــــا
وشــــكرُ مــــولاك لهـــا عِقالهَـــا
فَخَــف مــن إســتدراجِهِ عنــد النِعّـم
وأنـــت ذو إســـاءَة فــإخشَ النِقَــم
وأذكُـــر عليـــه آيـــهَ إســـتدراجِ
ثُــــم تــــأَهَّب بعــــدُ بــــالعلاجِ
وذاكَ ذكـــــرُ شــــكرِهِ والتوبــــةُ
مـــن المعاصـــِى وإليـــه الأوبَـــةُ
فحيثمـــا المريــدُ ســاءَ فــي الأدَب
وقـــال لـــو أســأت شــيئاً لَــذَهَب
مــا عنــدَ ربــىّ لــى مــن إمــدادِ
وأوجَبَـــــت إســـــاءتى إبعــــادى
وذاك مــــــــن تأخّرالعقُوبَـــــــةِ
فهــــو جَهُـــولٌ جَهلَـــةَ العُقُوبّـــةِ
مَســــتَدرَجُ لــــو أنَّــــهُ يَقظَـــانُ
رَكِبَـــــهُ الخُســــرانُ والنُقصــــَان
ســــوّلت النفــــسُ لــــه ظُنُونـــاً
لــــو أنَّــــه يعلَمُــــهُ مَغبُونـــا
فيــــالَهُ مِـــن أقبَـــحِ التأوِيـــلِ
يحكــــمُ فــــي غَـــوامِضِ الجَلِيـــلِ
يَغتَــــرُّ بالصـــبرِ مـــن الصـــَبُورِ
ولا يخـــــافُ نقمـــــةَ الغُيُـــــورِ
مَحَــــطُّ نظــــرِ العُبّــــادِ هــــذا
علـــى النفـــوسِ حيـــل إســتحواذاً
إســـــــاءة الالاءِ والتَعَـــــــامِى
مـــن كـــلّ مِثلَـــبٍ عليهــا نــامِى
فحقُّــــهُ خدمــــةُ شــــيخِ عــــارفٍ
يُّطِيعُــــهُ فـــي ســـائِرِ المواقـــفِ
أجمعــــت الشـــُيُوخُ أنَّ كـــلَّ مَـــن
لــم يخـدِمِ العـارفَ فهـو فـي المحَـن
وســـــئل الـــــدقاق والثـــــورى
والواســـــطى وكـــــذا النــــورى
عــــن ســــَببٍ يّقُــــوِّمُ الرجـــالاَ
مــــن بعــــد إعوجــــاجِهِم مَـــال
فالجـــأوا إلـــى الامــامِ العــارفِ
عـــن العُيُـــوبِ والثُلـــوبِ صـــارِفِ
يـــا أيّهـــا المريـــدُ حّظُــكَ الأدبُ
ولا تظـــنَّ مــا مضــى فهــو العَطــب
فـــالله قــد يقطــعُ منــك المــددَ
مــن حيــثُ لا تشــعر وأســلُك رَشــداً
لـــو لـــم يكُـــن ذاكَ إلاّ مُوضـــِعَكَ
عـــن المزيـــدِ أو يـــالى وَضـــعكَ
عـــن المزيــدِ فــي علــومِ النَهّــجِ
ونــــورِ إيمــــانٍ بــــهِ مُبتَهـــجِ
ورؤيــــــــةُ الجَلال والجمـــــــال
والقطـــعُ فـــي الأعمـــالِ بــالإغلالِ
وأوجُــــــــهُ الاخلاص بإختصـــــــاصِ
ذاك مزيــــــــدٌ مُـــــــوجِبُ الاخلاصِ
وقـــد يقــامُ العبــدُ فــي مــرادِهِ
مســـــّتَدرَجاً وســـــدَ بــــإنطِرادِهِ
يـــا مَـــن تــواترت لــه إمــدادُهُ
فـــي طـــرَّدَهِ وقـــد أتــى مُــرادَهُ
إلجَــأ إلــى اللــه وخَــف مـن صـّدهِ
مــن حيــثُ لا يُــدرى بأقصــى بعــده
ذاكَ هــــو اســــتِدراجُهُ الحقيقـــى
بـــل مكـــرُهُ فــي بحــرهِ العَمِبــقِ
قـــال الجُنيـــدُ إنّ مـــا يخَـــادِعُ
مـــن ألطَــفِ الإشــياءِ مــا يتــابعُ
فيـــه الكرامـــاتُ الــتي للاوليــا
أو المعونــــاتُ لقــــومٍ أصــــفِيا
فقــــد تكــــونُ خِــــدَعاً ومكـــراً
ولـــو تـــوالت كـــلَّ حيــنَ تَــترَى
فخشــــيةُ إســــتِدراجِها نجــــاتُهُم
مـــن مَكرِهـــا ولا لهــا إلتِفــاتُهُم
وكلّمـــا إحتقـــرتَ قومــاً أدرجُــوا
فـــي طاعـــةٍ أنـــتَ بــهِ مُســتَدرَجُ
ولا تُهِـــن مـــن كــانَ فــي الاســلامِ
تكــــونُ فــــى شــــقاوةِ الأيـــامِ
ومقــــتُ مـــولاك علـــى المحتَقِـــر
لمســــلمٍ فلا تَحِــــد عــــن أثـــرِ
فحيثمـــــا احتقرتَـــــهُ مَمقُــــوتُ
ألا تــــرى قــــد زَانَــــهُ نُعُـــوتُ
ســـِيماً كـــرام عـــارفين إذ لَـــم
تُشـــهَد عليـــه وهـــو فــي تكــرُّم
فمَــــن يُــــديمُ هكــــذا محفُـــوظُ
بقُربِــــــه ونصــــــرهِ ملحُـــــوظُ
وهـــو فـــي المحبــوبِ ذو إختصــاصِ
فمَـــــن أهَــــانَهُ شــــَقِىٌ قــــاص
لا ســـيّما مَـــن إنتمـــى للأوليـــا
أو كـــانَ فـــي أحـــوالِهِ مُتَقِيـــاً
فــــــإنّه أذاهُ ســــــُمٌّ قاتـــــلُ
واللـــه فـــي إنتصـــارِهِ مقاتِـــلُ
ورُبّمــــا حــــلَّ بــــهِ التقـــديرُ
فيـــــذنبُ الكـــــبيرَ والصــــغيرَ
لكنّـــــهُ مــــن بَعــــدِهِ تــــوّابُ
ولا هنـــــاكَ النقــــصُ والثــــولب
فَعَظِّـــــم الشـــــيوخَ والمريـــــدَ
وَوَقِـــــرّ المرشـــــدَ والرشـــــيدَ
وإقبـــل مــن الجميــع مــا أتَــوهُ
ولا تــــكُ المنكــــرَ مَـــن قَلَـــوةُ
فمنكــــرُ القــــومِ هـــو الشـــّقِىُّ
معـــــــاتبٌ مُعَـــــــذَّبُ قَصــــــِىُّ
فـــي هــذه الــدُنيا وفــي عقبــاهُ
إن لــــم يُســـامِح بعـــده مـــولاه
وســــَلّم الأمــــر لَهــــم جمعيـــاً
واخضــع لَهــم مــا كنــتَ مُســتَطِيعاً
وإخـــدِمهُمُ فهـــم عبـــادُ الكـــرمِ
وأحضـــرهم تَفُـــز بغيـــرِ النِعَـــمِ
ولا تُبَــــايِنهُم وعاشــــرهُم أبــــد
ولا تُخــــالِف منهــــم قـــطُ أحـــد
بِحُبِّهِــــم فــــابغِ رِضـــاء اللـــه
مُنتَظِـــــراً بهِـــــم ولاءَ اللـــــهِ
هــــم الــــذين يَســـعَدُ الجليـــسُ
لأجلهــــــم لا ســـــيّما الانيـــــسُ
مَـــن نصـــبَ الرحمــنُ شــيخاً فلــه
مــــن عنــــدِهِ كرامــــةٌ خَــــوَّلَهُ
مُنتَســــِباً للــــهِ مـــا إســـتطاعَ
أظهــــر فـــى طريقـــهِ إنقطِاعـــاً
يصــــدُُ أم يكــــذبُ فهـــو أهلُـــهُ
وإن يكـــــن لا يســــتجابُ قــــولُهُ
لكنّــــــهُ تعيَّــــــنَ إحـــــترامُهُ
وواجِــــبُ مـــن بيننـــا إكرامُـــهُ
فــــإن تـــوفرت شـــروطُ القُـــدوَة
فَـــذَكَ أو لا مـــا إســـتحق أُســـوةً
لكنّــــه إســــتحقَّ تعظيمـــاً لَـــه
واللــــــه لإنتســـــابِه فضـــــَلّهُ
بَيَّنَــــه لــــه مِــــن العِنَايَــــةِ
وجــــــودَ أورادٍ لـــــه ولايـــــة
فـــــإنّه لـــــولا ورُودُ الــــواردِ
فكيـــفَ للـــوردِ الشـــريفِ يَهتــدَى
فهـــو بتعظيـــمِ العظيـــمِ مُعتنــى
مفتقـــرٌ إلـــى جَنَــا بِــهِ الغَنــى
فــــالحقُّ مُعتَــــنٍ بِـــهِ فعَظِّمُـــوا
مـــن إعتنــى بِــهِ الإلــهُ تغنَمُــوا
ولا تَهِينُـــــوهُ فـــــإنّهُ إنتســــب
لرَبِّـــهِ تَلقُــوا بِــهِ ســوءَ العطــب
فمنهــــم الــــذى أقـــامَ الحـــقّ
لخدمــــةٍ هُـــمُ العُبَّـــادُ الصـــُدُقُ
وبعضــــــهم خَصَصــــــَهُم بحّبِـــــهِ
لأجَلَســــَهُم علـــى كراســـى قُربِـــهِ
فـــــالأولونَ أصــــبحُوا أقســــاماً
ثلاثــــــة أعــــــدُّهُم تمامــــــاً
فمنهـــــم العُســـــُّادُ والزُهَــــادُ
وأهــــلُ طاعــــةٍ لهــــم ســــَدادُ
فــــالأوّلُ الـــذى يُحَقِّـــقُ العمـــل
لغــــرضٍ وهــــو تحصــــِيلُ الأمـــل
والزاهـــدُ المُـــدبِرُ عـــن مَلاَمَـــةِ
وجـــانبَ الخلـــقَ علـــى الســـلامة
والثـــــالثُ المكــــثرُ للأعمــــالِ
فــــي ســــاعة الغُـــدُوِّ والأصـــالِ
وهكـــــذا أقســـــامُ أوليانـــــا
ثلاثـــــــةٌ بــــــه مخصصــــــينا
أعظمُهُــــم فـــانٍ لـــدى الوُصـــُولِ
أهـــلٌ إجتبـــاءِ اللـــهِ والقَبُــولِ
تـــاليهُمُ العـــارفُ نـــاظراً لــه
فـــي كـــلِّ شـــيء فتحقَـــق فَضــلَهُ
والثــــالثُ المحـــبُّ مَـــن آثـــرَهُ
علــــى ســــواهُ دائمـــاً حـــاوَرَهُ
كُلاً نمــــــد هـــــؤلاءِ بالعَطـــــا
وهـــؤلاءِ مـــا لهــم حُجــبُ الغِطَــا
الـــــواردُ تَنـــــزُلُ العِرفـــــانِ
علـــى القلـــوب وهَــوى الرحمــانى
يـــوجبُ تـــأثيراً وتعظيمـــاً لهــا
يـــــوجبُ للقلـــــوبِ أن تنتبــــه
وقــــلَّ أن يجىــــءَ ذاك الــــواردُ
إلاّ علــــى الفجــــأةِ غَيــــبَ واردُ
صــــيانةً للــــوارداتِ النازلــــةِ
أن يــــدّعيها القلـــوبُ الجاهِلـــةُ
بعلّـــــةِ القبـــــولِ واســــتعداد
وبثّهــــا يُفضــــى إلـــى الإفســـا
فصــــــانها لأنّهــــــا عزيـــــزةٌ
مــــن العزيـــزِ أنزلـــت حَريـــزا
وكلّمــــا كــــان مــــن العزيـــز
فهــــوعزيزُ صــــِينَ عـــن تـــبريز
وإنّهــــــا أســـــرارُ إختصـــــاصٍ
وهـــو شـــريفٌ فـــي مقـــامٍ قــاصٍ
لــــو بُــــذِلَت أســـرارُهُ لبطلـــت
أســرارُ تخصــيصٍ مــن حيــث إنجلــت
وإنّهــــا تـــوجبُ تعظيمـــا لهـــا
لأنّهــــــا كرامــــــة أنزلهـــــا
ومنّـــــهُ شـــــُكرانُها إخفاؤهــــا
عَطيّـــــةٌ كفرانُهــــا إبــــداؤؤها
فهـــــى إذاً أحـــــقُّ بالإخفـــــاءِ
وكَتمُهَــــا أعجــــبُ مـــن ابـــداء
فمَــــن رأيتَـــهُ مُجِيبـــاً حَيثُمَـــا
ســًئِلَ عــن الشــيءِ ولــو قــد عَلِـمَ
أو ذاكـــراً جميـــعَ مـــا يَعلَمُـــهُ
مُعَبّـــراً عـــن كـــلِّ مـــا يفهَمُــهُ
فهــــو جَهُــــولٌ واســـتدلّ عليـــه
لأوجُـــــــهِ ثلاثـــــــة لــــــديهِ
أحــــدُها قــــد تَـــرَك المراقَـــب
فــــاليس كــــلُّ ســــائلٍ يُجَـــاوَب
ولا لكــــل كــــلُّ علــــمٍ يــــذكرُ
وكــــــلُّ مشــــــهودٍ فلا يعبَّـــــرُ
فهــــؤلاء ليــــسَ بـــالواردِ مـــا
أتَــوا بِـهِ والقلـبُ فـي طيِّـى العَمَـا
قـــال علــىّ حَــدِّثوا النــاسَ بمــا
تفهــمُ أولا كــذّبوا مَــن فــى ســما
إن حقائقـــــــاً تضـــــــرُ الجُهَلاَ
كمــــا يضــــرُّ ريـــحُ مســـكٍ جُعَلاَ
ثانيهــــــا تعـــــذّرُ الإحاطـــــةِ
عنـــد الجــوابِ لــم يكَــنُ بَســَاطَةُ
وإنّــــــه إضــــــاعةٌ للعلــــــمِ
لبـــذلِهِ فــي غيــرش أهــلِ الفَهــمِ
وإنّـــــه لا تُـــــدرِكُ العبـــــارةُ
جميــــعَ مــــا تثبتُـــهُ الإشـــارةُ
فــــــــادت العبــــــــارةُ الخِلافَ
مــــن قصــــدهِ فانشـــات جِزافـــاً
لــــذا تــــرى جماعـــةُ تحقَقُـــوا
للِــهِ عنــد النَّــاسِ قــد تَزَنــدَقُوا
ثالِثُهــــا الأوقــــاتُ والمواضــــعُ
مختلفـــــانِ والمقـــــامُ واســــع
فربّمــــــا مســــــألةٌ تَلِيــــــقُ
بالــــذكرِ فـــي وقـــتٍ ولا تلِيـــقُ
فــــى غــــبرِهِ ورُبّ علـــم يخطـــبُ
فـــى موضـــعٍ لا دُونَــهُ بــل يُحجَــبُ
ورُبّ مشــــــهودٍ يصـــــحُّ ذكـــــرُهُ
ويســــــتحقُّهٌُ فـــــتىً لا غيـــــرُهُ
وفـــي زمـــانٍ لا زمـــان فالنِســـَب
كــثيرةُ الخُلــفِ لِخُلُــفٍ فــى السـبب
وحامـــــلُ التعــــبيرِ لإســــتظهارِ
للميـــــلِ والإقبــــالِ والإدبــــار
وجهلـــــهُ بـــــدارهِ الباقِيَّـــــةِ
رحُبّــــــهُ لـــــدارِهِ الفانيَـــــةِ
فلـــم يُعظِّـــم مـــا الإلـــه عظّــمَ
فمّـــا أعِــدَّ فــي المعــادِ حيثمَــا
صـــــيَّرَ عُقبانَـــــا محلاّ للجــــزا
لكـــونِ ذا الموضــعِ شــيئاً مــوجَزاً
لا تســـعُ الـــدنيا الــذى يمنحُهُــم
فـــالمؤمنونَ جـــلَّ مـــا يَســـمَحُهُم
واللــــه قــــد أجَـــلَّ أقـــدارهُمُ
عــــن المجــــازاتِ بـــدارٍ لَهُـــمُ
ليــسَ لهــا البقــاءُ والفنــا لهـا
فَفضـــلُهُ الواســـعُ ليـــس أهلُهـــا
وللجــــــزا مقــــــدَّماتٌ وهـــــى
ثمـــرةٌ وَجـــدانُها مـــا أختُفِيَـــا
ذاك دليـــــلٌ لقبـــــولِ العمــــلِ
وعبّـــــروا عــــن ذاك بالمعجّــــلِ
فكـــلُّ مَـــن أصــبحَ واجــدَ الثمــر
معجّلا فهـــــو دليـــــلُ معتـــــبر
علـــى القبــولِ فالحيــاةِ الطيبــةِ
معجّلانِ فضـــــــلهُ المســـــــتوجِبَةِ
ومنــه فقــدُ الحُــزنِ والخــوفِ لــه
وأن يــــرى خِلاَفَــــةَ اللـــهِ لـــه
كمــــا أتــــى بنصــــِّهِ القـــرآن
وإنّمــــــا عجّلــــــهُ الرحمـــــنُ
حتّــى يــرى العبــدُ مقامــاً عنــده
فـــــإن أردتَ أن تــــراك عنــــدَهُ
قـــدراً فَعَيّـــن قــدرُه عنــدك هــل
كــان مقيمــاً لــك فـي خيـرِ العَمَـل
فهــــو مُهيــــنٌ لــــك إن وجَّهَـــكَ
لهــــذهِ الــــدنيا مـــا أجهلـــك
أو كنـــتَ مشـــغولاً بغيـــرِهِ فمـــن
صـــَرَفَكَ عــن كونِــكَ إنســاناً فَطِــن
وهـــو معيــنٌ لــك حيــث إســتَعمَلك
بالصـــالحاتِ حيـــنَ أزكـــى عملــك
وهـــو مريـــدٌ لـــكَ مهمَـــا فَتَــحَ
بابــاً مــن العِرفــانِ فأبهِـج فرحـاً
وهـــو الـــذى أنـــت مقـــربٌ لــه
إن كنـــتَ مـــن عبـــودةٍ نـــاجَيتَهُ
وهــــو الـــذى هـــداك إن وَجَّهَـــكَ
إلــــى البلايــــا وبهـــا وَلَّهَـــك
إن صــــَرَفَك عــــن غــــرضٍ أدّبـــكَ
وإن رضــــيتَ عنــــه قـــد أحبَّـــكَ
ذلـــك قطـــبُ كـــلِّ بـــابٍ فــاعلم
ذلـــــك تَعـــــرِف أقَلاَ أم أكــــرَمَ
خيــــرُ كرامــــاتٍ بأخـــذ أمـــره
بظـــــاهرٍ مُستســـــلِماً لقهـــــرِهِ
وحيثمــا الغنــى عــن الطاعــة قـد
مَـــنَّ بِـــهِ عليــكَ فهــو المُرتَصــَد
وأســـبَغَ النعمـــا عليـــك ظــاهرةً
ووفّـــــرَ الآلاءَ عليـــــك بــــاهرةًُ
مــن حيــثُ لا ترجــو علــى طاعــاتِهِ
إلاّ إبتغـــاءً منـــك فـــى مَرضــاتِهِ
فهــــو عُبـــودَةٌ تَمَحَّضـــَت مـــن ال
أغــراضِ وهــى فــي العبــاداتِ عِلَـلُ
فالنعمـــةُ العُظمـــى هــي التحقّــقُ
والرحمـــة الكـــبرى هــي التخلُّــقُ
بمـــا بَـــراكَ فيـــه مــن عُبُــودَةِ
وهــــى لكــــلِّ عــــارفٍ مقصـــودَةُ
وإفــــنِ بمـــولاكَ فـــى الطاعـــاتِ
مُنكَســــِراً لـــه علـــى الفاقـــاتِ
فــــاللهُ قـــد أراد مِنّـــا ذلـــك
وخيــــرُ مــــا تَطلُبُــــهُ كــــذلك
مــا هــو منــك طــالبٌ وهـو الفَنَـا
يــاللهِ عــن طاعــاتِهِ فـإبغِ المُنَـا
ثــــمّ الـــذى الطاعـــةَ تقتضـــيهِ
تلهّــــفُ القلــــبِ بحــــزنٍ فيـــه
وهــو علــى فُقــدانِها مــن حيـثُ لاَ
يَنهــــضُ للطاعــــاتِ حـــالُ الجُهَلاَ
ولـــو أفـــادَ الحـــزنُ لأســـتأنفه
وتـــابَ عـــن غفلِـــةِ مــا أســلَفَهُ
وحيـــثُ لـــم يُفـــدِهُ فهـــو عُجــبُ
ورؤيــــةُ النفـــسِ مظَـــنُ القُـــربِ
ففـــــى الحــــديث إنّ ذا نِفــــاقِ
يملـــــكُ للـــــدمعِ علـــــى إطلاقِ
فكـــن حزينـــاً لإنتفــاءِ المعرفَــةِ
بــاللهِ وإنــسِ منــك ذاتــاً وصــِفَة
فحيثمــــا أشــــارَ عـــارفٌ إلـــى
حقيقـــةِ الأشـــياءِ والحــقُّ إنجَلَــى
وظهـــر اللـــهُ لـــه مِــن قَبلِهــا
فليـــسَ عـــارفٌ مصـــيباً وإنتهـــى
لكنّمـــا العـــارفُ مــن ليــس لــه
إشــــــارةٌ وربُّــــــهُ أذهَلَــــــهُ
منطَويــــاً للــــه فــــى شـــُهُودِهِ
وفانِيــــاًَ بـــاللهِ عـــن وُجـــوُدِهِ
إذ الإشــــاراتُ إلــــى الحقــــائقِ
تشـــــــعرُ بـــــــالكثرةِ والعلائقِ
وقلـــــبُ كــــلِّ عــــارفِ مكمَّــــلِ
مجــــــرّدٌ بـــــالحقِّ والتَبتُّـــــلِ
وإن أشـــــرقَ لإضـــــرارِ فأشـــــِر
للخـــوفِ والرجـــا وإعمــل تَنجَبِــر
ثــــم الرجــــا مقـــارن للعمـــلِ
أولا فـــــذا أمنيَّـــــةُ المُخَبَّــــلِ
وأنظـــر لرؤيــا الشــارحِ الهُمــام
بِقِصــــَّتِهِ مــــع شــــيخه الإمـــامِ
قـــال فحيـــثُ قلـــتُ هــى أمنِيَّــةُ
يقــــول شـــيخى لا هـــى المَنِيَّـــةُ
فأصــــبحَ الشــــارحُ ثــــمّ عبَّـــر
عَنـــهُ فبـــانَ مــا الإمــامُ أظهــر
فالشـــــاذلىُّ صـــــَيَّرَ الأمـــــانى
أودِيـــــةَ حبـــــائِل الشـــــيطانِ
ثــمّ الحكيــمُ فــي بــواعِثِ الطلــب
لمّــا إنتهــى بيَّــنَ خيــرَ مَـن طلـب
فمطلــــبُ العــــارفِ مـــن مـــولاهُ
صــــدقُ عبــــوديَّتِهِ كمــــا هــــوُ
معبُــــودُهُ نــــمّ قيــــامُهُ فــــى
حـــــقَّ ربُـــــوبِيَّتِهِ المُســـــتَكفى
فبعـــدَ أن عرفـــتَ مـــا يَغبِطُهُـــم
عرفـــتَ مـــا يَقبُـــضُ أو يَبســـُطُهُم
فــــــالقبض والبســــــط خلافُ الأدبِ
وفيهمـــــا كنـــــتُ بحــــالِ الأدبِ
يقبضـــــُك اللـــــهُ لِئَلاَ تَبقـــــى
فــي البســطِ فإســتَقِم بقلــب أتقـى
وعقّــــبَ البســــطَ بقبـــضٍ مولـــج
حـــتى تـــرىَ ضـــياءَ ليـــلِ دَلَــج
ثـــمّ عـــن الحــالينِ قــد أخرَجَــكَ
وفـــي فنـــاهُ المحـــضِ إذ أدرَجَــكَ
كيلا تــــرى بعيـــنِ قلـــبٍ دُونَـــهُ
والصـــــادقُونَ هكــــذا يبغُــــونَهُ
فــــأنت فـــي قَبضـــَتِهِ البســـيطَةِ
وفــــي مَـــدا قُـــدرَتِهِ المحيطَـــةِ
فحيـــثُ لـــم تبـــقَ بمــا تهــواهُ
ولا بقيــــتَ فـــى الـــذى تخشـــاهُ
فقـــد تحققــتَ الــذى لَــهُ الفَنَــا
ليـــس جـــديراً أن يكـــونَ مُعتَنــى
فاليـــأسُ مــن غيــر الإلــهِ حَقُنــاً
لــذاكَ فــى الحــالينِ قــد صــُرِفنا
فللجُنَيــــــدِ ههنـــــا إشـــــارةٌ
مآلُهــــا لِمـــا مَضـــَى العبـــارةُ
والقبـــضُ والبســـطُ لــدى الفَنَــاءِ
بِمَعـــــزَلِ لا ســـــيّما البَقَـــــاءِ
فأصــــــبحا علامـــــةً للنـــــاقصِ
فإجهَـــد صــعيداً للمقــامِ القــالِصِ
والعـــــارفونَ فيهمــــا أجنــــاسَ
أعظمُهُــــــم خَشــــــيَتُهُ أســـــاسُ
فالعــــارفون الباســــِطُونَ أخـــوفُ
مـــن حــالِ قَبضــِهِم وخِيــفَ الصــلفُ
فحيثمــــــا واجَهَهُـــــم جمـــــالُ
لــــم يُنــــسَ فـــى وجُـــوهِهِم جَلاَلُ
فلا يَصــــــلُون علــــــى مقـــــامٍ
ولا لحـــــالٍ فإســـــمَعُوا كلامــــى
إنّ الـــذى يـــدومُ فـــي حــدِّ الأدب
فــــي بســــطِهِ أىَّ قليـــلٍ ذو الأدَب
إذ هـــو مـــوجبُ المـــرادات علــى
إرســـــال نفــــسِ فــــى مُلائِمٍ تَلاَ
فرُبَّمــــــا تحرّكــــــت لِـــــدَعوى
ونســــيت هــــو البعيـــدُ ســـهواً
وغــــالبُ البســــطِ لنفـــس فيـــه
وُجُـــــودُ فَــــرَحٍ مــــع تَرفِيــــهِ
والقبــــضُ لا حَــــظَّ لنفـــسٍ فيـــه
فحســــبُ كــــلَّ عــــارفٍ يكفِيــــهِ
والبســــطُ فيـــه زلَّـــةٌ لا تُحمَـــدُ
والقبــــضُ خيــــرٌ وســـليمٌ ويـــدُ
ووطّــــن العبـــد الأســـير فيمـــا
قيضـــته مـــولاه المحيـــط حكمـــا
وأنّـــى للعبـــدِ مـــن البَســطِ ولا
عِلــــمَ لـــه بحكمِـــهِ الـــذى خَلاَ
ولا بمــــا يَفعَـــلُ فـــي خـــاتِمَتِهِ
مـــع جَهلِـــه بســابقٍ مــن قَِســمَتِهِ
والقبــضُ حــقُ اللــهِ والبســطُ لَــك
فكـــن بِحَقِّـــهِ هـــو الأفضـــلُ لَــك
وإنّمــــا بســــطُكَ مِــــن عَطــــاءِ
وقـــــد يكـــــونُ ذاكَ مِـــــن بَلاءِ
وَرُبّمــــا أعطــــاكَ ثــــمّ مَنَعَـــكَ
فَلا تَحُــــطَّ فــــي ســــواهُ طَمَعَـــك
ورُبّمــــا فــــى منعِــــهِ أعطَـــاكَ
فـــإقطَع رَجَـــاكَ عــن ســِوى مَــولاك
وصــورةُ العَطَــاءِ فــي المنــعِ مـتى
أفهَمَــــكَ اللــــه لمنــــعٍ ثبـــت
فعـــادَ ذاك المنـــعُ عَيــنَ العَطــا
وإنفتَــــحَ البــــابُ وزالَ الغِطَـــا
وأوجُــــهُ الفَهـــمِ هنـــاك عشـــرةُ
فكــــلُّ كــــونٍ للعبــــاد عِـــبرُهُ
مُشــــتغِلٌ بهــــا هـــو المصـــروفُ
فلا تَبســــُط إليهـــا يـــا عفيـــفُ
فالأوليـــاءُ حيـــثُ دنيـــاهُم أتــت
تَوَســـَعَت قــالوا ذنــوبٌ قــد مَضــَت
وإن أتــى الفقــرُ فقــالوا مَرحَبَــا
بمـــا غـــدا شـــعارُ قــومٍ قُرَبــا
والنفــسُ فــى ظــاهرِ كــونٍ نــاظِرة
والقلـــبُ للبـــاطِنِ يلقــى باصــِرَةُ
إذا أرَدتَ عِـــــزَّا ليــــس يُفنــــى
لا تَســــــتَعِزَّنَّ بعــــــزِّ يَفنـــــى
وعِــــز دنيانــــا ســــريعٌ فَـــانِ
ألا تـــــرى لســـــائرِ الأقـــــران
يـــا طـــالبَ الكرامـــةِ الباقيــةِ
مــــن طيـــى أرضٍ إنهـــا فانيـــة
وإنمـــا الطيـــى الحقيقـــي كـــو
نـــكَ عـــن مســافةِ الــدنيا طــوى
حـــتى تـــرى أقــربَ منــك الآخــرَةُ
إليــك كــي تفنـى الغُـرُورُ الزاهِـرَةُ
ثـــمّ عطـــاءُ الخلــق فــي حرمــانِ
ومنــــع مــــولاك مِــــن الإحســـانِ
لأنَّ منـــعَ اللـــهِ يُـــوجِبُ اللَجَـــا
إليـــه بالذُلّـــةٍ مِنّـــا والرَجَـــا
فزادَنَــــــا بـــــذلك الرَجـــــاءِ
مـــا فـــوقَ أصــنافٍ مــن العَطــاءِ
فحيثمـــا أعرَضـــتَ عنهـــم فــإعلَم
تَـــوَجُه الإِكـــرام مــن ذا المُنعِــمِ
وجَــــلَّ ربُّنـــا مـــن أن تُعَـــامِلَه
نقــــداً فَيُجزِيـــكَ نســـيًّا آجِلَـــهُ
كَلاَّ إذا أطَعتَــــــــهُ أعطــــــــاكَ
جـــــزاءَ دارَيـــــكَ الــــذى والآكَ
كَفَــــاكَ مــــن جَــــزائِهِ أتــــاك
كَونــــكَ عبــــداً وبِــــهِ إتَضــــَك
أمـــا كفــى العامــلُ مــن جَــزائِهِ
مـــا يفتـــحُ الإلــهُ مــن أســمائِهِ
علــــى قلـــوبِ العـــاملينَ لَـــذَّةً
حلاوةُ لـــــــــديهِ مُســـــــــتَلَذَّةً
جَنَّتُهُــــــم عاجِلـــــةُ فيـــــالَهُم
مــن بَعــدِها مِــن نَظَــرِ حَــقَّ لَهُــم
حســـبُهُم مـــا اللـــهُ مــوردٌ لَــهُ
مـــن ذلـــك الأنــسُ الــذى أرســلَهُ
إليهـــــمُ ليأنســـــوا بربِّهِـــــم
ويُخرِجُــوا مــا دُونَــهُ مــن قَلبِهِــم
ذلـــك مـــن إشـــراقِ شــمسٍ أنســِهِ
حـــالَ المناجـــاتِ ورؤيـــا قُدســِهِ
فَلاَحُ فـــــــــى طـــــــــاعَتِهِ فلاحُ
بـــــــأوجُهٍ ثلاثــــــةٍ تُبَــــــاحُ
ذلـــك مـــن جزائِهــا مِــن قَبلِهــا
وهــــو توفيقُـــكَ فـــى تحصـــِيلِها
ومعهـــــا وذلـــــك المؤانَســـــَةُ
وبَعــــدَها اللقــــاءُ والمجالَســـَةُ
شــــرطُها خَلاَصــــُهَا مــــن عِلَــــلِ
عبــــــودَةٍ لا لبلـــــوغِ الأمَـــــلِ
فكـــلُّ مَـــن أرادَ فـــي أثنَائِهـــا
وجَــــودَ مـــأمولٍ علـــى أدائِهـــا
أو دَفــعَ مَحــذُورٍ فمــا قــامَ لَهَــا
بحــــقِّ أوصــــافٍ لَــــهُ يَجهَلُهَـــا
لأنّ وَصــــــفَ ربِّنــــــا حقيــــــقٌ
لأن يُطَــــاعَ لــــو بَـــدا تحقيـــقُ
يُطـــاعُ لا يُعصـــَى ولا يُنســـَى أبــد
لشـــكرِهِ الـــذى يليـــقُ بالصـــَمَد
فهـــو اللطيـــفُ والمربِّـــى لهُـــم
بَـــــرٌّ وذو الصـــــفحِ ورَزّاقُهُــــمُ
فَســــَاءَ عبــــدٌ عبـــدَ اللـــهَ لأن
يَمنَحَـــهُ علـــى العبـــادةِ المِنَــن
وأنــــــت فــــــى آلائِهِ غريـــــقُ
فـــى كـــلِّ حـــالٍ بحرهَـــا عَمِيــقُ
فحيثمــــا أعطَـــاكَ قـــد أشـــهَدَكَ
بِـــرّاً لـــه وحيـــثُ قـــد مَنَعَـــكَ
أشــــهَدَكَ القَهـــرَ لَـــهُ فَفِيهِمـــا
لـــو كنـــتَ ذا بصـــيرةٍ لَـــدَيهِما
تَعَـــــرَّف الحـــــقُ إليــــك مُقبِلا
بـــوجهِهِ عليـــكَ لُطفـــاً فـــاعقلَن
فـــأنظر إليـــه فـــي التَقَلُّبـــاتِ
مُـــرادُهُ التعريـــفُ فـــى الحــالاتِ
وفــــوقَ كــــلِّ رُتبَــــةٍ تعريــــفُ
ذاك مقــــــامٌ فاضـــــلٌ شـــــريفُ
فإنّمــــا يُؤلمُـــكَ المنـــعُ لِمَـــا
قَـــلٌّ بِـــهِ فَهمُـــكَ تلـــك الحِكَــمَ
فإنّمــا المنــعُ غــدا عيــنَ العَطَـا
عنـــدَ قلـــوبٍ رُفِعَــت عنهــا غِطَــا
فـــأنظر إلـــى خَفــىٍّ حُكمِــهِ بنــا
كيــــفَ بأحكــــامٍ لـــه أجهَلَنَـــا
فَرُبَّمــــا يفتــــحُ مــــن طـــاعَتِهِ
بابــــاً عظيمـــاً لمـــدا كَـــثرَتِهِ
لكنّهــــا ليــــس لهــــا قُبُــــولُ
لأوجُـــــــهِ ثلاثـــــــةٍ أقُــــــولُ
فَقــــد التُقــــى والصـــِدقِ والإخلاص
إنّ المطيــــعَ كالمُســـيءِ القاصـــى
ورُبَّمَــــا قضــــَى عليــــكَ ذَنبـــاً
ثــــمّ أتيــــت نادِمــــاً بِعُتـــبى
فَصـــَارَ ســـَبَبَ الوُصـــُولِ والرِضـــا
فـــأنظر لِحِكمَــةِ الحكيــمِ والقَضــَا
فكـــــلُّ خيــــرٍِ بَعــــدَهُ تكبّــــرُ
أو عِنــــدَهُ الإعجــــابُ والتَفَخُّــــرُ
يَصــــِيرُ ذنبـــاً فـــائقَ الـــذُنُوبِ
كـــأنَّهُ الشـــيطانُ فـــى العُيُـــوبِ
والــــذنبُ إن قــــارَنَهُ النَدامَـــةُ
والخــــوفُ والرجــــوعُ والمَلاَمَــــةُ
أدرَكَـــــهُ القبـــــولُ مثــــلُ آدم
فــــى ذِلَّــــةٍ فَزِيــــدَ بـــالتَكَرُّمِ
فيخـــرجُ الحـــيِّ مـــن المَيِّــتِ وال
ميّــتَ مــن حيــى وذا حُكــمُ العَمَــلِ
يُولِــــجُ الليــــلَ فـــى النهّـــارِ
لعـــــارضِ العُجـــــبِ وإغـــــترارِ
ويُولــج النهّــار فــي الليــلِ بمـا
يُفعَلُــــهُ المـــذنِبُ فيمـــا نَـــدِمَ
مَعصــــــِيَةٌ للــــــذُلِّ أورَثَتـــــهُ
مـــع إفتقـــارِ العبـــدِ إذ دَهَتــهُ
خيـــرٌ مـــن الطاعَـــةِ مــع تَكَبُّــرِ
والعِـــزِّ والفَخـــرِ مــن المُســتَكبِرِ
وأنظــر إلــى حــديث كــون العُجــبُ
اعظـــمُ مـــن شـــَرارَةٍ مـــن ذَنــبِ
مـــا لَـــكَ طاقـــةٌ بِشــُكرِ النِعَــمِ
فـــإنّهُ المُخـــرجُ لَـــك مــن عَــدَمِ
فنِعمتَـــــانِ نعمـــــةُ الغمــــدادِ
تَتبَــــعُ فضــــلَ نِعمَـــتِ الإيجـــادِ
قـــد عَمَّتَــا الــوَرى فحــقٌّ شــُكرُهُم
عليهمــــا إذا أســــتُدِيمَ عُمرُهُـــم
أنعَـــــمَ بــــالتخليقِ والإيجــــادِ
ثــــمّ تــــوالى لَــــكَ بالإمـــدادِ
فاقَتُنَــــــا لرَبِّنَـــــا ذاتِيَّـــــةُ
ســــــِرُّ عُبُودِيَّتِنَـــــا الأصـــــلِيَّةِ
يُظهِرُهـــــا تـــــواردُ الأســـــبابِ
بشــــــدّةِ الفاقَـــــة للوهَـــــابِ
وُجُودُنــــــا بربِّنـــــا ضـــــَرورُى
فــــى جَرَيــــانِ قُـــدرَةِ القَـــدِيرِ
فلا إنـــــدِفاعَ أبــــداً لوصــــفِنَا
بــــالعِزِّ والـــذُلِّ وفَقـــرٍ وَغِنـــا
إلـــى صـــِفَاتِ لا إنتهـــاءَ فيهـــا
تـــواردُ الأســـبابِ مـــا يُبـــدِيهَا
ظــــــاهرةٌ باطِنَــــــةٌ خفيّــــــةٌ
وافــــــرةٌ بــــــاهرةٌ جليّــــــةُ
كنِعمَـــــــةِ الأنفـــــــاسِ والأرزاقِ
ونعمــــــــةِ الإمســـــــاكِ والإطلاقِ
فَفَاقَـــــةٌ ذاتِيَّـــــةٌ لا تَنـــــدَفِع
عنــــدَ عَـــوارِضٍ عليهـــا تَنجَمـــع
فخيــــرُ أوقاتِــــك وقـــتٌ تَشـــهَدَ
وُجُــــودَ وصــــفِكَ الــــذى يُجَـــدَّدُ
مــــن فاقــــةِ وذُلَّــــةِ ومَســـكَنَةٍ
فليـــألَف المســـكينُ دهــراً وَطَنَــه
وخيـــرُ وقتِـــكَ الـــذى تَــرَدُّ فــى
ذلــــــك للذِلَّــــــةِ لا للشـــــرَفِ
بــــأن عَلِمــــتَ أنّ غيـــرَ اللـــه
ذوَ فاقَــــــةٍ وحاجــــــةٍ للـــــه
فإستَوحِشـــَنَّ أنـــت منهـــم أبـــداً
مستأنســــاً بِـــهِ وكُـــن مُنفَـــرِداً
وحيثمــــا مــــن خَلقِـــهِ أوحَشـــَكَ
فــــإعلَم وحَقِّــــق أنّــــهُ قَرَّبَـــكَ
يــــدعُوكَ للحضـــرةِ مـــن جَنَـــابِهِ
يَمنَحُــــكَ اللــــهُ لفتـــحِ بـــابِهِ
إذا إبتَلاكَ بالــــــذى أزهَــــــدَهُم
عَنـــكَ فَــزِد شــُكراً لمــا أبعَــدَهُم
عَنــــكَ فلا يَبقــــى بِهِـــم تَعَلُّـــقٌ
منــــكَ وقــــد لاحَ ضـــياءٌ مُشـــرِقٌ
لـــولا إبتلاك أنـــت مــا جــانبتهم
ولا طلبـــت الحـــقَّ بـــل إطلبتَهُــم
فــأطلبُهُ مــا تَجُــوهُ مــن كــلِّ أدب
فــــإنّه منــــى دَعَــــاكَ للطلـــب
ومنـــك أطلَـــقَ اللســـانَ فـــإعلم
أنّـــك منـــه فـــى جَلاَيَــا النِعَــم
بَعــــدَ أن أعطَـــاكَ مـــا تُرِيـــدُهُ
فــــإعطِهِ منــــك الـــذى يُرِيـــدُهُ
مـــن بَـــثّ فاقـــةٍ مـــع اضــطرارِ
حتّـــى يــراك اللــهُ فــى إنكســارِ
فلا زَوالَ لإضـــــــطرارِ العــــــارفِ
لوَصـــفهِ الأصـــلىِّ مــا فيــه خَفِــى
وهـــو مِـــن الأغيــارِ فــى فِــرارِهِ
يحســــبُهُ الحــــقُّ لـــدى قَـــرارِهِ
ذاك الـــذى نَجَّـــاكَ عـــن أغيــارِهِ
أنـــارَ الكــونَ فــى ضــِيا آثــارِهِ
هـــى الظـــواهر الـــتى أنارَهـــا
أنـــوارُهُ أعنـــى بهـــا أثارَهـــا
آثــــارُ أفعــــالٍ لَــــهُ ظـــواهرُ
ثــــمّ أنــــارَ أعيُـــنَ البصـــائِرِ
تمــــدَكَ الأنـــوارُ مـــن أوصـــافِهِ
مظـــاهرَ الأســـماء مـــن ألطـــافِهِ
ثــــم أنــــارَ الحـــقُّ بالأســـماءِ
ســــــرائرَ لِقابِـــــلِ الأشـــــياء
فالشــــــــمسُ والنجـــــــومُ أفِلاَتٌ
أنورُهــــــــا بـــــــالوقتِ زائلاتٌ
دُونَ القلــــوبِ إذ لَهــــا أنـــوارٌ
ثابِتَــــــةٌ وإن تَغِـــــب آثـــــارُ
فصـــارت القلـــوبُ أضـــوى الشــمس
لأنّهــــا مِــــرآةُ نــــورِ القُـــدسِ
ثــمّ اســتدلَّ الشــيخ بــالبيتِ علـى
مـــا قـــالَهُ فقـــالَ بَيتـــاً مَثَلاً
إنّ شـــمسَ النّهـــارِ تغــربُ بــاللي
يــلِ وشــمسُ القلــوبِ ليســت تَغِيــبُ
والشـــارحُ العـــارفُ قـــد أتَبعَــهُ
يَنقُــــلُ بعــــده بِبَيــــتِ مَعَــــهُ
طلعـــت شـــمسُ مَـــن هَــوَيتُ بِلَيــلِ
وإســـتنَارَت فمـــا تلاهــا الغــروبَ
أتبَعتُـــــهُ بتـــــابعٍ تَـــــذييلاً
ذلـــــك أقـــــوَمُ الجميــــعِ قِيلاً
نــورُ تلــكَ النُجُــومِ مـن ضـوءِ شـمسِ
فَلَهَــــا منــــهُ قِســــمَةٌ ونَصـــِيبُ
فنـــورُ قلـــبِ العـــارفين أشـــرقَ
مِــن ضــَوءِ شــمسٍ فـى السـماءِ تَشـرُقُ
فــــإنَّ نــــورَ الشـــمسِ للأكـــوانِ
ونــــــورُهُم لهـــــا وللرَّحمـــــنِ
وفيـــه قـــالَ الشـــارحُ النِحرِيــرُ
للــــــهِ دَرُّهُ كمــــــا يُشــــــِيرُ
ثــــمّ وضــــعتُ فَــــوقَهُ تخميســـاً
مُرَونَقَـــــا مُبتَهِجـــــاً سليســـــاُ
لِتَجَلِّيــــكَ قَلبُنَــــا مثـــل طـــورِ
كــــلُّ حيــــنِ مستَبشــــِرٌ بِســـُرُورِ
هــــو شــــمسُ حقيقــــةٍ لظُهُــــورِ
هـــذه الشـــمسُ قابَلَتنَـــا بِنُـــورِ
ولشـــَمسُ اليقيـــنِ أبهَـــرُ نـــوراً
إنّ ذا العــرشِ فــي معــاقبه قــاطنُ
فيــه مــن حيــثُ مــاله مـن مَـواطِنِ
هـــو قلـــبٌ لــذاك خيــرٌ الأمــاكنِ
فرأينـــا بهـــذه النـــور لكنـــا
بهاتيـــك قـــد رأينـــا المنيـــر
ألا يخفــــــــفُ البلاءَ والألـــــــم
عَنــكَ شــهودُ مــن هـو المُبلـىِ ألـم
يُعطِيـــــك مــــن آلائِهِ الجزيلــــةِ
تلـــــكًَ بلاءٌ عنـــــدها قَلِيلـــــةُ
مــــع أنّــــه أبلاكَ نافِعـــاً لَـــكَ
حــــــالَ بَلائِهِ وقـــــد أحالَـــــكَ
مــــن الوَضـــِيعِ للرفيـــعِ حـــالاً
لـــو أنَّـــك العـــارفُ ذا المـــآل
فهــــو الـــذى تَـــوَجَهَت أقـــدارُهُ
إليــــكَ فِيهـــا مُنِحـــتَ أســـرارَهُ
وإنّــــــه عَــــــوَّدَكَ إختيـــــاراً
فــإختَر عليــك مـا الحـبيبُ إختـارا
إن أعرَضـــُوا هـــم الــذين عَطَفُــوا
كـم قـد وَفُـوا فإصـبِر لهم إن أخلَفُوا
لكـــن قَلِيـــلٌ مَــن عليــه يَنجَــري
كمــا حكــى الجُنَيــدُ قِصــَّةَ الســَرَى
فكـــلُّ مَـــن ظـــنَّ انفِكــاكَ لُطفِــهِ
عـــن مُـــرِّ أقـــدارٍ فــذا لِضــَعفِهِ
وقاصـــــرُ العلـــــمِ بِشـــــرعيّاتِ
فعاديّـــــــــاتٍ وبِعَقلِيَـــــــــاتِ
أمّــــــا قصــــــُورُهُ بعقليـــــاتٍ
فمــــا لِمَقــــدُورِهِ مِـــن غَايَـــاتِ
فحيثمــــا إبتَلاهُ بالشــــرِّ فَقَــــد
أنقَــذَهُ مِــن كــلِّ مــا كــان أشــَدُّ
فــــذلك المَقـــدُورُ كـــان لُطفـــاً
ولُطفُــــهُ هنــــاك ليــــسَ يَخفَـــى
فأهــــلُ نــــارٍ كُلُّهُــــم مَلطُـــوفٌ
حتّـــى الرّجيـــمُ الأرجَـــسُ الكــثيفُ
أمّــــا قُصــــُورُهُ مــــن الشـــَرعِى
فَحُكمُــــــهُ هنــــــاك كـــــالجَلِىِّ
كـــــلُّ بليَّــــةِ لنــــا مُكَفِّــــرَةٌ
مــــن الـــذُنُوبِ أولنـــا مُبشـــِّرَةٌ
بـــــــالنفعِ أومَعرِفَـــــــةِ الحلالِ
أو لإنـــــدِفَاعِ ســـــببِ النَكــــالِ
أو إنـــدفاعِ النفـــسِ عـــن تَكَبُّــرِ
مقـــــدارَ عطـــــاءِ ذا المُقَــــدَّرِ
أمّـــا قُصـــُورُ العبـــدِ بالعـــادىّ
فــــإنّ فــــوقَهُ مــــن المُبلــــى
مــــن العبــــادِ زُمـــرَةٌ كـــثيرةٌ
بلاؤُهُــــــم فائقــــــةٌ شـــــَهِيرةٌ
فـــاللهُ مـــا إبتَلاكَ مــا إبتَلاَهُــم
ومـــا جَفَـــاكَ مثـــلَ مــا جَفَــاهُم
ولا البَلايَـــــا كلُّهــــا مُجتَمِعَــــة
عليـــك يـــا مَـــن لكلامــى ســَمِعَه
فأشــــكر وإصـــبِر للبَلاءِ والمِحَـــن
علــى وُفُــورٍ مــا إليــكِ مِــن مِنَـنِ
ولا يُخـــــافُ إلتبـــــاسُ الطُــــرُقِ
عليــــك فـــى أىّ طريـــقٍ تَرتَقـــى
أتأخُــــذُ الشـــكرَ علـــى رَحمَتِـــهِ
أم تمســـِكُ الصـــبرَ علـــى حِكمَتِــهِ
وإنّمـــا يُخَـــافُ ســـلطانُ الهَـــوَى
عليــك يُغُوِيــكَ مـع الـذى غَـوَى إلـى
ضـــــجَرِكَ فـــــى مـــــواردِ البَلاَءِ
مِــــن نَغَـــصِ المِحنـــةِ والقَضـــَاء
صـــَدِّق إذا قلـــتُ هـــى النَعَمَـــاءُ
وســـــُتِرَت مِـــــن تحتهـــــا الآلاءُ
أعنــــى الخُصُوصــــيّاتِ والمعـــارِفَ
لا يَعرِفَنَّهَـــــا وُجُـــــودُ صـــــارِفِ
ســـــبحانَ ســـــاترِ الخُصُوصــــيّاتِ
بالبَشــــــــَرِيّاتِ الضـــــــَرُوريّاتِ
كــالفَقرِ والــذُلِّ مــع الضــَعفِ لنـا
تَظهـــرُ وَصـــفَ اللــهِ عِــزّاً وغِنَــا
فالعبـــدُ مهمـــا شـــَهِدَ اللــواتى
مِــــن شـــَأنهِ وفَـــازَ بالغايـــاتِ
أمَـــدَّهُ الرحمـــنُ مــن بعــدُ بمــا
مــن شــَأنِهِ وهــو مَقَــامُ العُظَمَــاء
ثـــمّ الرُبُوبِيَّـــةُ مـــن أوصـــافِها
ظــــاهرةٌ علـــى خَفَـــا الطافِهـــا
مــــن العُبُودِيّـــاتِ فهـــى كلّمَـــا
تحَقَّقَـــت للعبـــدِ قَــد فــازَ بمــا
هـــــو الخصوصـــــيّةُ والوِلايـــــةُ
والنُجــــحُ بالعِرفـــانِ والعِنايَـــةِ
للعبــــدِ أوصـــَافٌ هـــي الضـــِعافُ
وللإلــــــهِ دُونَهــــــا أوصـــــَافُ
فحيثمــا جُمِعَــت صــفاتُ العَبــدِ لَـهُ
أمَـــدَّهُ اللـــه بمـــا قَـــدَّمَ لَــهُ
فكــــانَ مَظهَــــراً لِوَصـــف الحـــقِّ
خَلِيفَــــــةً لِرَبِّــــــهِ بالصـــــدقِ
فكلّمـــــا شـــــاء غــــدا مُنفَعِلاً
وإذ ســــَمِعَتَ مــــا ذكرنــــاهُ فَلاَ
تُطَـــالِب الـــربَّ بتـــأخيرِ الطَلَــب
أعنِــى الخُصُوصــِيَّةَ مــا فـوقَ الرُتَـب
وطــــالِب النفــــسَ بتـــأخير الادب
حتّـــى تَنَـــالَ منـــه غايــاتِ الأرَب
فــــأدبُ العبـــدِ هـــو إستِســـلامُهُ
للــــه حيــــثُ وُجشـــهَّت أحكـــامُه
مــــتى جعلــــتَ ظــــاهراً لأمـــرِهِ
ممتَثِلا وباطنــــــــاً لقَهــــــــرِهِ
مُستَســـلِماً فـــي الرضــاءِ بالقَضــَا
ثُــــمّ منيبــــاً راجعـــاً مُفَوِّضـــاً
فـــإعلم يَقِينــاً أنَّــه أعظــم فــى
مِنَّتِـــهِ عليـــك مـــا ليـــسَ خَفــى
هـــو المحـــبُّ أنـــتَ محبــوبٌ لَــهُ
وهـــو مُرِيـــدٌ أنـــت مَطلُــوبٌ لَــهُ
فــــأىَّ شــــيءِ لا تكـــونُ قَـــادِرا
عليـــهِ بعـــدَ مَــن حَبَــاكَ قــاهِراً
ولا يكُــــن حَظُّــــكَ مـــن رَبِّـــك أن
يُعطِيـــكَ اللـــهُ كرامـــاتِ المِنَــن
بــل مُقتَضــَى الامــر مـع القهـرِ خُـذ
فغيـــرُهُ المعلــولُ عنــدَ الجَهبَــذِى
فليــــسَ كــــلُّ ثــــابتٍ تخصيصـــه
مَكَمِّلاً فـــــى نَفســـــِهِ تَخلِيصـــــُهُ
إنّ الكرامــــات هــــىَ الخصــــائصُ
ورُبّمــــــا يَنَــــــالُهُنَّ نـــــاقصُ
إذ الخلـــوصُ مـــن جميـــعِ العِلَــلِ
مـــع كـــلِّ آفـــاتٍ بِفَقـــدِ الأمــلِ
وقــــد يكـــونُ صـــاحبُ الخـــوارِقِ
فـــــى نَفســـــِهِ مَذَمَّـــــةَ الخَلائِقِ
ألا تـــرى الطيـــرَ لَـــدى طَيرَانِــهِ
والحُــوتَ فــى المــاءِ وفـى فَيَضـَانِهِ
ألا تــــرى إبليـــسَ فـــى دَوَلاَنِـــهِ
مــع أنّــهُ الجِيفَــةُ فــى إنتِنَــانِهِ
ثـــمّ الكرامـــاتُ الحَقِيقِيَـــةُ فــى
وَصــــفِ العُبُودِيَّـــةِ أعلـــى شـــرفِ
وفـــى الـــذى يطلــبُ منــك الحــقُّ
ومنـــه وِردٌ جيـــء فيـــهِ الصـــِدقُ
والــــوردُ ذا إقامَــــة الطاعـــاتِ
بِحَــــقِ رَبِّــــه لــــدى الأوقــــاتِ
فكـــــلّ مُســـــتَحقر وردٍ جَهُـــــولُ
بـــالوِردِ الـــذى هـــو المـــأمولَ
مـــن ثمـــراتِ الـــوِردِ أو ثَــوابِهِ
لجنّــــةِ الرحمــــنِ واقِـــراً بِـــهِ
فـــالوِردُ للـــواردِ كـــان الســببَ
فـــذاك أولـــى أن تـــراهُ مَطلَبَــا
والـــوردُ يَنطَـــوى بِطّـــىِّ دارِنـــا
لا ســـِيَّمَا الأنفـــاسِ فــى أعمارِنــا
فـــــواجبٌ عليـــــك أن تَعتَنِيــــاً
بفــــــائتٍ وُجُـــــودُه مَنطَوِيـــــاً
والـــوردُ حـــقٌّ اللهــش إذ يَطلُبُــهُ
مِنـــــكَ وذا حَقُّـــــكَ إذ تَطلُبُــــهُ
مِنــهُ وأيــنَ فضــلُ مــا اللـهُ طَلَـب
مِــن فَضــلِ مــا أصــبحَ مَطلُوبُـكَ هَـب
فَحــــقُ مَــــولاكَ هــــو إســـتقامةُ
وحَــــظٌّ نفســــنا هـــى الكرامـــةُ
وحَقُّــــهُ أفضــــلُ مِــــن حُظُوظِنَـــا
فإســـمَع ولا تُهمِـــل حُقُـــوقَ رَبِّنَــا
إنَّ وُرُودَ العبــــدِ مــــن إمـــدادِهِ
بِحَســـــــَبِ الأورادِ وإســــــتِعدادِهِ
فالعبـــدُ مهمـــا كَمُــلَ إســتعدادُه
مُيَســــَّراً لقَــــد أتــــى مُـــرادُهُ
إنّ شـــــُرُوقَ الســـــرِّ بــــالأنوارِ
يَصــــفُوهُ مِــــن صــــُوَرِ الأغيـــارِ
وذاك لا يكــــــــونُ إلاَّ بِســـــــَبَب
وهـو إلـتزامُ الـوِردِ مِـن عَـزمِ الطَلَب
للملـــــوكتِ أودعَـــــت أنـــــوارُ
فـــى كــلِّ وِردٍ مَــن لــه إستِبصــَارُ
يطلــــبُ نــــورَ كـــلِّ طاعَـــةٍ وَلاَ
يُهمِـــلُ جنســـاً بـــل يُــوالى عَمَلاَ
وخيــــرُ وِردٍ أن تَكُــــونَ مُصــــبِحاً
فيـــهِ إذا طَلَبـــتَ أمـــراً مُصــلِحاَ
مـــا بَثَّــهُ الإمــامُ فالنــاسُ هنــا
قِســــمَانِ عاقــــلٌ وغافـــلٌ وَنَـــا
فحيثمــــا أصــــبحَ غافـــلٌ نَظَـــرَ
فيمــا الــذى يَفعَــلُ وَهُــو ذُو كَـدَر
مُستَشـــعِرٌ فَـــواتَ مقصـــودِ الأمـــلِ
مُعتَمِــــدٌ علـــى قُـــواهُ والعَمَـــل
لكنّمــــا العاقـــلُ ليـــسَ يَنظُـــرُ
إلاّ الـــــذى يَفعَلُـــــهُ المُقَــــدِّرُ
هُمَــــا كمثـــلِ أوجُـــهِ التعريـــفِ
يَرضـــى بهـــا وأوجُـــهِ التَكلِيـــفِ
يَطلُبُهــــا بغيــــرِ مــــا فُتُـــورِ
يَفعَلُهَـــــا مُســـــتَوفِياً بِنُـــــورِ
وإنّمـــــا إســـــتَوحش العُبّـــــادُ
عـــن غيــرِ مــولاهُم كــذا الزُهّــادُ
لأنّهُــــم لــــم يَشــــهَدُوهُ فيــــهِ
فَعَنــــهُ فَــــرُّوا غيـــرَ مُبتَغِيـــهِ
حتّــى ولــو رَأوهُ فــى الكــونِ لَمَـا
أوحَشــــَهُم عــــن غيـــرهِ وإنَّمـــا
أدخَلَهُــــم فــــى ظُلمَــــةٍ بنُـــورِ
مُستأنِســـــِينَ فيـــــه بالحُضــــُورِ
فَخَــــالِقِ النّــــاسَ بِخُلُـــقٍ حَســـَنِ
تــــألفُهُم قُلُـــوبُ أهـــلِ المِحَـــنِ
فـــالمؤمنُ المـــالُوفُ بـــل وآلِــفُ
مؤديًّـــا مـــا تقتضـــى المَواقِـــفُ
ثـــــمّ شـــــُهُود أوجُـــــهِ الخلائِقِ
مســـــتلزمٌ لرؤيَـــــةِ الحقــــائِقِ
ورُؤيــــــةُ حَقَـــــائِقِ الاكـــــوانِ
يَلزَمُهـــــا زيــــادةُ العِرفَــــانِ
وهــو مــتى زِيــد بــدارش الــدُنيا
يَقلِـــبُ بالرؤيَـــةِ وَجـــهَ المــولى
وإن نَظَـــــرتَ فـــــى مُكَوَّنـــــاتِهِ
كمـــا أتـــاك الأمــرُ فــى آيــاتِهِ
تَشـــهَدُ فـــى الـــدنيا عُلا صــِفَاتِهِ
وفـــى غـــدٍ تـــرى علـــىَّ ذاتِـــهِ
مـــن حيـــثُ لا كيـــفَ ولا أيــنَ ولا
يَشـــــبَهُ شـــــيئاً أبَــــداً وأزَلاً
إنّـــك لا تصـــبرُ عنـــهُ قــد عَلِــمَ
ذلـــك مِنـــكَ فـــأرَاكَ مـــا فُهِــمَ
مـــن بـــارِزٍ عنـــهُ مــن الوُجُــودِ
علامــــةً علــــى كمــــالِ الجُـــودِ
إذ الحـــــديثُ لا يَــــرى قَــــدِيماً
مـــا كـــانَ فـــى حُــدُوثِهِ مُقِيمــاً
وَلَـــوَّنَ الرؤيـــةَ فـــى الطاعـــاتِ
لِمَلَــــلٍ عليــــك وَهُــــو ذاتــــىّ
وَخَــــصَّ أوقــــاتٍ بهــــا لِشــــَرَةٍ
فِيــــكَ لتَعجيــــلِ دَعــــا وَعَمَـــهٍ
إذ إنـــــدِفاعُ مَلَـــــلٍ وفـــــترة
يحصـــلُ مِــن تَلوِينِهــا فــى كــثرةٍ
وشــــَرَهٍ بحجرِهــــا فــــى وقــــتٍ
خُــــصَّ بهــــا فَخُــــذُهُ بــــالتَفّى
والحِجـــرُ والتَلـــوِينُ مـــن أمــورٍ
ثلاثــــــة إعانَـــــةُ المَيســـــُورِ
وحجــــةٌ أنــــت علـــى المَخـــذُولِ
تكرمـــــةُ المحقِّـــــقِ المَقبُــــولِ
مــــن العبوديّــــةِ فـــى تَيســـِيِرِ
فهــــــذه الثلاثَــــــةُ الأمُـــــورِ
ثـــمّ ليكُـــن هَمُّـــكَ فـــى الصــلاةِ
إقامَــــــةً لهــــــا بشـــــرطٍ آتٍ
دُونَ وُجُودِهــــــــا فيانَــــــــدِيمُ
مــا كــلُّ مَــن صــَلَّى هــو المُقِيــمُ
إقامـــــةَ الصـــــلاةِ بالخشــــُوعِ
مـــــع إســـــتِكانَةٍ وبالضـــــُرُوعِ
فيهــــا خصــــالٌ ســــِتةٌ مَــــرامُ
بهــــا الصـــلاةث بيننـــا تُقَـــامُ
أوّلُهَــــــا طهـــــارةُ القُلُـــــوب
مـــن دَنَـــسِ الغَفلَـــةِ والـــذُنُوبش
ومُفتَــــحٌ لنــــا مِــــن التجلـــى
مــــن الغُيُــــوبِ ومِـــن التَـــدَلَى
وللمُنَاجَــــــاتِ هـــــى المحـــــلُّ
وللمَصـــــــــَافَاةِ هــــــــىَ الأدَلُّ
فيهـــا إتســـاعُ مُشـــرِقِ الأنـــوارِ
كـــذا المَيَـــادِينُ مِـــن الأســـرارِ
قَلَّلَهَـــــا لضـــــَعفِنا أعـــــداداً
كَثَّرَهَــــــا لحُبِّنَـــــا إمـــــداداً
خمــــسُ وَخَمســــُونَ ومــــا يَبـــدّلُ
قـــولٌ لـــدىّ فهـــو فضـــلٌ أجــزَلُ
مَـــتى طلبـــتَ عِوَضـــاً مِـــن حَـــقِّ
يَطلُبَــــك الحــــقُّ بِــــهِ بِصــــدقِ
إنّ المُرِيـــــبَ حَســــبُهُ الســــلامةُ
فـــى عَمَـــلٍ لــم يــأتِ بالتَمــامَه
لا تَطلُبَــــنَّ عِوضــــاً مــــن عَمَـــلٍ
لســتَ لــه الفاعــلَ والأمــرُ الجَلـى
يكفيـــك مــن جــزاءِ ذلــك العَمَــل
قَبُـــولُهَ منِـــك علـــى كـــلِّ عِلَــل
إذا أدارَ فَضــــــــلَهُ عليــــــــكَ
يُنســــبُ بعــــدَ خَلقِــــهِ إليــــك
فمـــا لِفَضـــلِ اللــهِ مــن نِهَايَــةٍ
عليــــك مـــن كرامـــةِ العِنَايَـــةِ
إن أظهـــرَ الجـــودُ لــك المَــدائِحَ
لا تَنتَهـــــى جَلِيلَـــــةُ لَـــــوائِح
وذَمَّـــــكَ الأكـــــثرُ إن أرجَعَـــــكَ
إليـــك فـــاذكُر ذا البَيَــانَ مَعَــكَ
وخيـــــرُ وِردٍ لا تَـــــرَى وُجُــــودَك
ودائِمـــــاً تَشـــــهَدُهُ مَعبُـــــودَكَ
خُــــــذ بِرُبُــــــوبِيَّتِهِ تعلُّقـــــاً
وفــــــى عُبُودِيَّتِنَـــــا تَحَقُّقـــــا
فللرُبُوبِيَّـــــةِ أوصـــــافُ هنـــــا
كُقُـــــدرَةٍ وقُّــــوَّةٍ عِــــزِّ غِنــــا
وإنّ مِــــن تعلّـــقِ العبـــدِ بِهـــا
أن لا يكــــونَ نــــاظِراً لِغَيرِهــــا
ولا علـــى شـــيءٍ ســـواهَا مُعتَمِـــد
وللعبودِيَّـــــةِ أوصـــــَافٌ تَجِـــــد
عجــــزٌ وذُلٌّ ثــــم ضــــَعفٌ فَقــــرُ
كـــلُّ لـــه نَـــورٌ نَفَـــاهُ البَــدرُ
وإنّ مِــــن تَحَقَـــقِ العبـــدِ بِهـــا
أن لا يكــــونَ فاقشــــداً لِوَصـــفِها
وكَونُهــــــا لازِمــــــةٌ لَــــــدَيهِ
قائِمــــــةٌ غالِبَــــــةٌ عليــــــهِ
ومــــالَهُ عـــن كلِّهمـــا إنفِكَـــاكُ
ونُـــــــــورُهُ لنُــــــــورِهِ إدراكُ
فـــى كـــلِّ حـــالٍ كـــانَ مُتَحَقِّقــاً
ثـــــمّ بمــــا للــــهِ مُتَعَلِّقــــاً
لكنّمــــا البِســـاطُ قَـــد يَختَلِـــفُ
فتــــــارةً يَغلِبُــــــهُ تَضــــــَعُّفُ
وتــــارةُ يَغُلِبُــــهُ الفَنَـــأ بِـــهِ
وتــــارةً يَعقُبُــــهُ الغِنَـــا بِـــهِ
وتــــــارةً يَغلِبُـــــهُ إفتقـــــارُ
وذُلَّــــــةُ يَعقُبُــــــهُ إضـــــطرارُ
فحيثمــــا حــــلَّ علــــى جَنَـــانِهِ
غِنَـــاءُ حــلَّ البَســطُ مِــن إحســانِهِ
وحيثمــــا عليــــه فَقـــرُهُ غَلَـــب
وافَـــقَ راجِعـــاً إلـــى حــالِ الأدَب
فأصـــبَحَ البســـطُ مَـــعَ الكرامَـــةِ
محــــــلَّ أوليـــــاه والعَلاَمَـــــةُ
ومَوقِـــــفُ التعظيــــمِ ثــــمّ الأدَبِ
ثانِيهِمَـــا والكــلُّ أحــوالٌ للنَبِّــى
أطعَـــمَ بالصـــاعِ ألُوفـــاً مُظهِــراً
غِنــــاهُ بــــاللهِ وشـــَدَّ الحَجَـــرَ
مـــن جُـــوعِهِ أظهَـــرَ فِيــهِ فَقــرَهُ
لِلّــــــهِ ثــــــمّ أولاً أظهَــــــرَهُ
لحاجَـــةِ النّـــاسِ إليـــه جـــابِراً
لحــــالِهِم حتّـــى يَـــرَوه قـــادِراً
وذا هــــو المقصــــودُ إن عَلِمنَـــا
أنّ النـــــبىَّ للجميـــــع ســـــَنَّا
وقــــــلَّ إظهـــــارٌ لِحـــــالِ أوّلِ
إلاّ لَــــدَى الحاجَــــةِ أو تَزَلــــزُلِ
للضـــــُعَفَاءِ فَتَحَقَّـــــق بـــــالأدب
تأســــِيّا بِــــهِ فـــذا هـــو الأدَب
وبَعـــدَ مـــا إتَّصــَفتَ بالــذى لَــهُ
كُـــن مُتحَفِّظـــاً مِــن الــدَعَوى لَــهُ
فمــــا أبــــاحَ لــــك أن تَـــدَّعىَ
مــا كــانَ للمخلــوقِ فــإبغِ قَــولى
فكيـــــفَ ألا يَمنَـــــعُ أن تَــــدَّعِىَ
وَصـــفاً لــذى العِــزَّةِ يــا مُــدَّعِياً
إذا تحلَّيـــــتَ بمـــــا لَــــهُ فَلاَ
تكُــــن عَـــن اللائِقِ بِـــكَ غَـــافِلاَ
تَفَعَـــلُ مـــا تَشـــا كمـــا تَشــَاءُ
وطَــــــاوَعَت لأمـــــرِكَ الأشـــــياءُ
لــــك الغُيُـــوبُ كاشـــُموس تَشـــرُقُ
كمــــا تُحِــــبُّ تَخـــرُقُ الخَـــوارِق
يَفتَــــحُ مــــن أرزاقِـــهِ كُنـــوزاً
تُنفِقُهَــــا كنــــتَّ بِــــهِ عَزِيـــزاً
وقــــــادراً وحَكَمَــــــا قَوِيًّـــــا
مُحَبِّبــــــاً مقرَِّبــــــا وَلِيًّــــــا
وكلمّــــا إحتَّجــــتَ إليـــه صـــارَ
فـــى نُصــرَةِ اللــهِ نصــيراً جــاراً
وأنــــت فــــى العـــزّةِ لا ذليـــلُ
أعَــــزَّكَ الــــذى هــــو الجَلِيـــلُ
وأنـــت لا تَضـــعُفُ عـــن شــيءٍ بِــهِ
فــى كَنَــفِ الرّحمــنِ بــل فـي حِزبِـهِ
لكنمّـــا ذلـــك مـــن كَونِـــكَ قــد
فُنِيـــتَ عَنـــكَ بـــالمُهَيمِنِ الصــَمَد
فـــى كـــلِّ شــيءٍ بعــد ان تَفعَلَــهُ
مُنفَعِلاً هـــــو الـــــذى يَفعَلُـــــهُ
لا تَــــدَّعِ الأمــــورَ إنّهــــا لَـــهُ
وأنــــت عنــــدَ ذُلِّــــهِ أذهَلَـــهُ
عــن إدّعــاءِ مــا مَضــَى مــن شــرفِ
أضــــعَفَ كــــلَّ فاقــــدٍ مُستَضـــعَفِ
لوَصــــفِكَ الأصــــلى كُـــن رجّاعـــاً
فَتًــــى فَقِيـــراً لا مَـــن إســـتَطَاعَ
عارِيَــــــةٌ أدَّيتَهـــــا لِرَبِّهَـــــا
مــا كــانَ فــي يَــدِيكَ كُـن مُنتَبِهـاً
هــــو المُجَــــازِىُّ لِـــذا يرتَفِـــعُ
مِـــن بَعـــدِ مـــا حَقِيقَــةً تَنجَمــعُ
وكـــلُّ مـــا مضــى بِخَــرقِ العــائِدِ
أعنـــى صـــفاتِ النفــسِ والعَــوائِدِ
وكيــــفَ منـــك تَخـــرُقُ العَـــوائِدُ
وأنـــت مـــا خرِقــتَ منــك عــائِدا
وخَرقُهَـــا ظهـــور شــيءٍ ليــسَ لَــك
مُتَّصـــِفاً بِوَصـــفِ مــا اللــهُ مَلَــك
مـــن الكمـــالاتِ الـــتي يُجرِيهَـــا
عليـــــك والعقــــولُ لا تُحصــــِيهَا
والنفـــسُ حيـــثُ تركـــت مَألُوفَهَــا
شـــَهِدَت خَـــرقَ ذاك مِـــن تَصــَرِيفِهَا
وكـــــلُّ ذلــــك الــــذى تَحَقّــــقَ
لِمَـــــا تَخلّــــقَ ومــــا تعلّــــث
إذ الجــزاءُ كــانِ مــن جِنـسِ العمَـل
وخَرقُهــا الظــاهرُ مِــن تلـك الجمـل
كُـــن فَيَكُـــونُ مِـــن عَظيــمِ شــأنِهِ
وكـــلٌّ مـــا كَـــوَّنَهُ مِـــن كَـــونِهِ
ذاك مِــــن التَقرِيــــبِ بالنَوافِـــلِ
طـــوبى لِمَـــن كــانَ بــذاكَ واصــل
ولا تَـــــرَى يَشـــــبَهُ باضـــــطرارِ
منــــك لَــــهُ والـــذُّلِّ وإفتِقَـــار
أســـــرعَ بــــالمواهِبِ الجَلِيلَــــةِ
لأنّــــهُ الرجُــــوعُ ليــــس عِلَّــــةً
للـــــهِ والوُقـــــوفُ بالمَســــكَنَةِ
بيـــنَ يَـــدَى ذى العِــزِّ والســَلطَنَةِ
وخيــــرُ أوقاتِــــكَ وقـــتٌ تَشـــهَدُ
فيــهِ مــن الفاقَــةِ فيــه أنشــَدُوا
أدبُ العَبيـدِ تَذَلُّلُ والعبدُ لا يدعُ الأدب
فـإذا تَكَامَـلَ ذُلُّهُ نالَ المودَّةَ وإقتَرَب
لـــو أنّ مـــا لَــدَيك مــن مَســَاوى
ومـــا لَـــدَيكَ بعـــدُ مــن دَعَــاوى
هــــى الــــتى تَمنَعُـــكَ الوُصـــُولَ
فلا تــــــونُ أبـــــداً مَوصـــــُولاً
لأنَّهــــا المركــــوزةُ المطبُوعَــــةُ
فِيــــكَ وفــــى جُبُلَّــــةٍ مُوضـــُوعَةُ
دليلُنَــــا لــــولا كمـــالُ فَضـــلِهِ
عليكُــــم ذلــــك ضــــِمنَ قَــــولِهِ
ســـُبحَانَهُ لمــا زَكــىِ منكــم أحــد
لكنَّــــهُ الـــذى يُزَكـــىِ بالمَـــدَد
فهـــــو مــــتى أرادَ أن يُوصــــَلَك
إليــــــهِ بالوَصــــــفِ يَســـــتُرُكَ
وَنعتُــــكَ الأصـــلِىُ بـــالنَعتِ لـــهُ
مغَطيــــاً وهــــى كرامــــة لَــــهُ
يَغمُـــس منـــك الفَقــرَ فــى غِنَــاهُ
والضـــَعفَ والعَجـــزَةَ فـــى قُـــواهُ
فظهــــرَ الكمــــال منــــه لابِـــكَ
فكنـــتَ فــىِ الســراجِ مــن حجَابــكَ
فهـــو الـــذى إليــه قَــد أوصــَلكَ
مــــالهُ لا بالــــذِى كــــانَ لَـــكَ
إليــــه مِـــن لِياقَـــة أو شـــرَفهِ
بـــل بِكّمـــالِ لُطفِـــه كمَــا يَفــىِ
فَبعـــدَ مـــن لــم تَنفُــذ المََــاوىِ
منــك كمــا لــم تَنقُبــض الــدَعاوىِ
كــــانَ جميــــلُ ســــترِهِ لــــولاه
مـــا كنـــتَ عـــامِلاً لمــا يَرضــَاه
ولـــم يكــن ســِوى محتَــاج الأنفُــسِ
لأنَّهَـــا قـــد جعُلَـــت فــى الأرجَــسِ
ولا تريـــدُ مـــا ســـِوى الغَوايَـــةِ
إلا بســـــَترٍ دُونَهَـــــا وِقَايَـــــةٍ
فـــــأنت للحلـــــم إذا أطعتَــــهُ
أحــــوَج منـــك لَـــهُ إذا عصـــيته
لِمـــا مَضـــى مـــن وَصــفِكَ الأصــلىّ
وخيـــرةُ النفـــسِ ســـِوى المرضـــى
فــأنتَ فــى الطاعــةِ مَصـحوب العِلـل
وكــــلّ آفــــةِ ودَعــــوىَ وَخلّــــل
فالســـَتر قِســـمان فعـــن مَعِصـــّيةٍ
كَيلاَ يراهـــا العبـــدُ مــن تنجيّــة
والســَترُ فيهــا وهــو مــا للكامِـل
وذاكَ للنـــــاقصِ نقـــــصُ ســــافِلُ
أهـــلُ العُمُـــوم يطلبـــون ســترهم
مـــن رَبّهـــم فيهــا ومــا حَملَهُــم
عَلَيـــــهِ إلاّ خَشـــــيّةُ الســـــُقُوطِ
عـــن نَظَـــرِ الخَلـــقِ إلــى حُطُــوطِ
وذُو الخُصــــُوصِ يَطلُبُــــونَ عنهــــا
لِلــــهِ فَــــرُّوا خـــائِفِينَ منهـــا
مِــن خَشـيَة السـُقُودِ عـن عيـنِ الملـك
لأنّهُــــم فيــــه بِمَنهَــــجٍ ســــَلَك
برســــمِ تعظيــــمٍ وخَـــوفٍ وخَجَـــل
إشــفَاقُهُم مــن طَردِهِــم هــو الوَجَـل
وذاك هيبــــــــةً وإجلالاً حيـــــــاً
مُعَظِّميــــنَ ذا الجنـــابَ الكِبرِيَـــا
وثـــالثُ القِســـمَينِ فيهـــا حَصــَلَت
عنهـــا إذا لــم تَــكُ بَعــدُ حَصــَلَت
فكــــلُّ مكــــرِم فمــــا أكرَمَــــك
إلاّ جميـــــلُ ســــَترِ حــــقِّ لــــك
وذاك أنَّ العيــــبَ فيــــك مَخفــــى
فَسَســــــترُهُ عليـــــك أىَّ لُطـــــفِ
أشـــهَدهُم فيـــك ســـِوى المَســـَاوِى
وانــــت مُحتَــــوٍ لهــــا وَطَــــاوٍ
فهـــــم يُعَامِلُونَـــــكَ الجَميـــــلَ
مِـــن ســـَترِهِ فيـــا إمــرءاً عليلاً
حَمـــــدُك للســـــاتِرِ لا للمُكــــرِمِ
والشــاكرِ الجاهــلِ فيــك مــا رَمـى
فلـــو بَــدَت حقــائقُ النّــاسِ لمــا
أحِـــــبَّ أحـــــدٌ لأمــــرٍ أبهِــــمَ
ولقَلاَ الإنســـــانُ مـــــن يُحِبُّـــــهُ
فأشـــكُرهُ مَـــن للشــكرِ هــو رَبُّــه
وإن يكُـــنُ شـــكرُ العبــادِ واجبــاً
لكـــن مِـــنَ المَجَـــازِ شــكرٌ نُســِبَ
لَهُــم وفــى التحقيــقِ شــكرُ الحــقِّ
كمـــا الــذى أحســَنَ فضــلَ الخَلــقِ
فَشــــــُكرُهُ حقيقــــــةً وفَضـــــلُهُ
واىَّ خَلـــــقٍ بعـــــد ذاك أهلُــــهُ
فكــــلُّ صــــاحبٍ حقَقيــــقٍ صـــَحِبَك
ليــس ســِوى الســاتِرِ منــك مَثلَبَــك
وكــانَ بــالعيبِ عليمــاً وهــو لَــم
تَجِـــدهُ إلاّ مَـــن حَبَـــاكَ بـــالكَرَم
هــو الــذى عَيبُــكَ عنــه مــا خَفـى
فإلجَـــأ لَــهُ ســبحانَهُ مــن ألطُــفِ
فــــــأنت تَعصـــــِيهِ ولا يَـــــدَعُكَ
إلــــى ســــِواهُ ثــــمّ لا يَفضـــَحُكَ
ولــــو رآكَ مثـــلُ مـــاهو عِلمـــك
فــردٌ مــن الخلــقِ لِبَالسـوء دَههمَـكَ
وخيـــرُ مَـــن تَصــحَبُهُ مــن يطلُبُــك
لأن تـــرى مِنــهُ الــذى هــو أدَبُــك
لا ليَعُــــودَ منــــكَ شــــيءٌ لَــــهُ
وليــــس إلاّ الحـــقُّ مـــا أجملَـــهُ
فالصــــاحبُ الأصـــلىُّ لـــو أنـــارَ
منـــك اليقيـــنُ الصـــمدُ الســتارُ
ولــو غــدا اليقيــنُ مُشــرقَا لقــد
رأيــــتَ عُقبَــــاكَ مُقَّـــرَّبَ الأمَـــد
أقـــربُ مِـــن أن تَرحَلَـــن إليهـــا
فَبـــــالجميعِ أقبِلَـــــن عليهــــا
وشـــُوهِدت محاســـنُ الـــدنيا وقــد
رَأيتَهَــــا فانيــــةً كمـــا نَفِـــد
وظهـــرَ الكســـفُ عليهـــا بالفَنَــا
كُســـــُوفُهَا التَقَلُبَــــاتُ بيننــــا
وكــــلُّ مَوجُــــودِ عليهــــا وَهـــمٌ
حقيقــــةً وقَــــد حَـــواهُ العَـــدَمُ
فالكـــلُّ معـــدُومُ فمـــا إن حَجَبَــك
عــــن الإِلَــــهِ ذُو وُجُـــودِ جَـــذبَك
مَعُــــهُ فلا موجـــودَ مَعُـــهُ إنّمـــا
كـــان الـــذى يَحجِـــبُ شــيءٌ عُــدِمَ
وقــــد تَــــوَهَّمتَ وُجُــــودَهُ مَعَـــهُ
فَـــدَع عليـــك كـــلَّ ســـَفَه وعَمَــه
فالشـــغلُ بـــالخلقِ بِـــذَمِّ وثَنَـــا
والســـترُ والجلـــبُ لَـــوهم وَهَنــاً
تَـــــــوَجُهٌ لِعــــــدمٍ وباطِــــــلٍ
وَغَفلَـــةٌ عـــن الحكيـــمِ الفاعِـــل
وقــال شــيخى فــى لَطــائِف المِنَــن
يُخبِـــرُ عـــن وُجُــودِ مَوجُــودٍ عَلَــن
فقـــال ذاك مثـــلُ ظِـــلِّ وَهُـــوَ لا
وُجَـــودَ تَحقِيقَـــا لَـــهُ لــو عَقِــل
فـــأنظر إلــى إضــمِحلالِ مَخلُوقــاتِهِ
لـــولا ظُهُـــورُ الحــقِّ فــى صــِفاتِهِ
لــــولا تَجَلِّــــى فـــى المُكوَّنـــاتِ
مــــا وقعــــت أبصـــارُ مُبُصـــِراتِ
علـــى المكوَّنـــاتِ إذ هـــنَّ أتـــر
تَيـــرِءَةٍ عـــن نَفســِهَا ممّــا ظَهَــر
ثـــمّ ظُهُـــورُ الكـــونِ إنّمــا هــو
لكــــــونِهِ دَلَّ علــــــى مَـــــولاهُ
فـــاللهُ لا وُجُــوُدَ بَعــدَ مــا ظَهَــرَ
ســـِواهُ فـــى كِتَـــابِهِ كمــا ذَكَــر
فإنّمــــا ظُهُــــورهُ بمــــا ظَهَـــر
مــن جَعلِــهِ الموصــلَ مثـلَ مـا ذَكَـر
لأنّـــــهُ البــــاطنُ كــــلُّ شــــيءٍ
أظهَـــــرَهُ إذ لا وُصـــــُولُ شـــــىءٍ
إليـــه عِرفَانــاً بغيــرَِ مــا ظَهَــر
لأنَّــــه دليلُــــهُ كمــــا إســـتَقَر
وإنّــــــه الظـــــاهرُ فـــــى عُلاهُ
لكــــلِّ مَوجُــــودِ فَقَــــد طَــــواهُ
إذ لا يصــــِحُّ أن يكــــونَ ظــــاهِراً
مَعَــــهُ لكـــونِهِ عَـــدِيماً جـــاهِراً
مُســــتَنِدٌ عليــــه فــــى وُجُـــودِهِ
وعــــدم إســــتقلالِهِ فــــى جَـــدَّهِ
فحكمـــــةُ طُهُــــورِ كــــلٌ خَلــــقٍ
تَعريفُهُــــم بشــــأنِهِ عــــن حَـــقِّ
والخلـــقُ مـــا دَلَّ علـــى دَيَّانِهــا
بــــالحكمِ والحِكمَـــةِ لا أعيانِهـــا
لـــذا أبـــاحَ لــك أن تنظــرَ مــا
فـي الكـونِ مـن حِكمَـةِ مـا قَـد علمـا
ومالـــك الإذنُ لـــه مِـــن أن تَقِــفّ
مــــع ذَواتِ الكائِنــــاتِ فـــإعتَرِفّ
عجـــــــائبَ القُـــــــدرَةِ والإرادَةِ
والعلـــم إتقانــا وتَخصِيصــاً أتــى
فقــالَ مــاذا فـى السـمواتِ أنظـروا
والحــقُّ مــا قـالَ السـمواتِ أنظُـروا
أوّلُــــهُ لبــــابِ إفهــــامٍ فَتَـــحَ
إيّـــاكَ مــا فِيهِــنَّ ثمّــة إذ مَنَــح
فـــــالظرفُ فيــــهِ كــــلّ حكــــم
ثـــمّ نهـــاك عـــن وُجُــودُ الأجــرُمِ
لــــــولا جمــــــالُهُ ولا جَلالُـــــهُ
فِهِــــنَّ والصـــفاتُ بـــل أفعَـــالُهُ
مـا القدّ ما الطَرفُ الكحيلُ وما اللُمَا
ولا تَشـــــَهُدُ فـــــى حَلاَوَةٍ تَرمُــــقُ
ثابِتَـــةُ الأكـــوانِ مِـــن إثبـــاتِهِ
مَمحُــــوَّةٌ مِــــن أحَــــدِىّ ذاتِــــهِ
فـــإن نظـــرتَ حيـــثُ هُـــنَّ هُنَـــا
فَعَــــــدمٌ أو هــــــو فَعلَمــــــنّ
تمــــدحُكَ النّــــاسُ لمـــا تظنّـــه
مـــــن عمــــلٍ مزخــــرفٍ تكنّــــه
وأنـــت عـــالمٌ بمـــا فــي نفســِكَ
فَـــذُمَّها لمـــا بِهـــا مــن بُؤســِكَ
فيســـتحى المـــؤمنُ نحيـــث يُمَــدّحُ
بمــا إنتَفــى عنــه فــأينَ الفَــرَحُ
حيـــــاؤه مـــــن رَبِّــــهِ لأنّــــه
أبـــــدى جميلاً والقَبِيــــحُ كَنَّــــهُ
وأجهــلُ النّــاسِ الــذى يــتركُ مــا
لَـــدَيهِ مـــن يقيـــنِ ســـُوءٍ كُتِــمَ
يفـــرحُ ممّـــا ظنّـــت النّــاس لــه
مِـــن صـــالِحِ الاعمــالِ مــا حصــلَهُ
فحيثمـــا الألســـُنُ طــالتّ بالثَنَــا
عليــــك إذ لَســـَت بأهـــلٍ ههنـــا
فــأثنِ شــاكراً علــى أهــلِ الثنَــا
بمــــا الإلــــهُ أهلُـــهَ يافَطِنـــا
تنقبـــضُ الزهّـــأدُ حيـــثُ مُـــدِحُوا
والعـــارفون مـــن ثَنَـــاهُم فَرِحُــو
أوّلُهــــم يشــــهدُ خَلقـــاً أثنـــى
فــــزادَهُ الثنـــا عليـــه حُزنـــاً
والعــــارفونَ يَشــــهَدُونَ واحــــداً
مُصـــــرِّفاً وللجميـــــع فاقِـــــداً
فـــــالخَلقُ أقلامٌ لـــــه تعــــالى
أيُطهِـــــــرُ الجمـــــــالَ أم جلالا
ســـــَواءٌ الســـــُوءُ أم الجميــــلُ
لمــــن غـــدا مَصـــرُوفُهُ الجليـــلُ
وحيثمـــا قَلبُـــك بالعَطـــا بَســـَط
وأنـــت بالنعمـــاءِ فرحــاً تَغتَبِــط
وعنـــد مَنـــع مـــا تُحِــبُّ يَنقَبِــضُ
فهــــو طُفُولِيَّــــةُ نــــاقصٌ مـــرِضٌ
وعــــدمُ الصــــِدقِ ونســــيان الادب
لـــدى العبوديَّـــةش أضــعَفَ النِســَب
علامــــةُ لــــه الرِضـــا والغضـــبُ
حتّــــى يُبَــــانَ حَـــالُهُ المُقَبَّـــبُ
وكيــــفّ تَيــــأسُ فــــى الـــذُنُوبِ
عـــــن إســــتقامةٍ علىــــالمحبوبِ
ورُبّمــــا تمــــوتُ قبــــل عَــــودِ
منــك علــى الــذنب فيــا إبــنَ وُدِّ
مــا إن يَمَــلَّ اللــهُ عــن غُفرانِــهِ
حتّــــى تمـــلَّ فـــإعتبَبِر بشـــأنِهِ
فَـــدُم علــى التوبــةِ يــا نّــدِيماً
قــد كنــتَ فــى التوبَــةِ مســتقيماً
وقـــد يكـــونُ ذنبُـــك الآخــرُ مــن
مُقَــدِّرِ الــذنوبِ فــإفهَم يــا فَطِــن
وإن أردتَ منــــه أن يُفتَــــحَ لَـــك
بــاب فأشــهِدَن مــا هــو منــه لـك
وإن أردت منـــــه بــــابَ خَــــوفِهِ
فـــأنظر إلـــى قهـــرِ جَلالِ وَصـــفِهِ
ومــــا فَعَلتَــــهُ لــــه يَقظَانـــاً
أيُســـــتَطاعُ ربنـــــا عِصـــــيَاناً
عنــــد تخلُّــــفِ المتـــابِ ربّمـــا
تحــــزنُ فإســـتَفَدتَ منـــه نِعمـــا
ذلــك ليــلُ القَبـضِ مـا لـم تَسـتَفيد
فــى بَســطِ إشــراقِ النهّـارِ فإفتَقِـد
ورُبّمــــا ينعكِـــسُ الحـــالُ فَخُـــذ
مُوَجِهـــاتِ الحـــقِّ مــن أمــرٍ نفــذ
فـــإرضَ بــه الوضــع كــذا ورفعَــا
أيّهمــــا الأقـــربُ إليـــك نفعـــاً
مطـــــالع الأســـــرارِ والأنــــوارِ
بـــــواطنُ القلـــــوبِ الأســـــرارِ
وســــتةٌ أقســــامٌ نُــــورُ طَبعِـــىّ
ونــــورُ عقــــلٍ خُــــذهما بِقَطّـــعِ
ونــــورُ روح ثــــمّ نــــورُ قلـــبٍ
وللســــــُويدا ولســـــّرٍ حَســـــبى
أكملُهــــا الأخيــــرُ ثــــمّ نـــورُ
مُســـــتَودَعِ القلـــــوبِ مُســــتَنِيرُ
يمـــــدهُ واردُ نـــــورِ الغَيـــــبِ
خـــزائنُ الغُيُـــوبِ بطـــنُ القلـــبِ
نــــورُ المشــــاهداتِ والميثــــاقِ
يــــومَّ ألســــت ســـاعَة التَلاَقـــى
رأيـتُ العقـلَ عقليـن فَمَطبُـوعَ ومَسمُوعَ
ولا ينفـعُ مَسـمُوعٌ إذا لـم يَـكُ مَطبُـوعُ
كما ل تنفع المعينُ وَضوءُ الشمس ممنُوعُ
وبإعتبـــــارِ بَســـــطِهِ نوعـــــانِ
نـــورٌ بـــه يُكشـــَفُ عـــن أعيــانِ
وكـــــلِّ آثــــارِ بوَصــــفٍ صــــافِ
ونــــورُ كَشـــفِ الحـــقِ بالأوصـــافِ
فنــورُ آثــار لــه الكَشــف عــن ال
أكـــوانِ بـــالنقصِ وهَـــونٍ تَنجبــل
وإنّ دُنيانـــــا إلـــــى الــــزولِ
وإن عقبانـــــا لفـــــى كمـــــالٍ
ونُـــــورُ كَشــــفِ وَصــــفِ جَلاَلِــــهِ
كمــــا إســـتحقه كـــذا أفعَـــالِهِ
لا تـــكُ بـــالأنوارِ مججوبـــاً فمــع
أنـــوارهِ بعــضٌ مِــن النّــاسِ قَنَــع
وهــــى بهــــا تَنحَجِـــبُ القلـــوبُ
كصـــاحبِ النَفـــسِ هـــو المَحجُـــوبُ
بِظُلمَـــةِ الأغيـــارِ فـــإحتَرِز مِـــنَ
وقُـــوفِ قلـــبٍ مـــع نــورٍ يُعتَلَــن
للـــه غيـــرةٌ كمـــا صــَحَّ الخبَــر
علـــــى الأحبــــاءِ لكيلاَ تَشــــتَهِر
ولا تَنَالُهـــــا يـــــد الجَهُـــــولِ
مُبتَــــذِلِ الأمـــرِ لـــدى الوُصـــُول
لأنّــــــه مــــــاعِزَّةُ المكنُـــــوزِ
إلاّ لمــــا بِهِــــنَّ مِــــن حَريــــزِ
فالأوليـــــاء معـــــدنُ الأنــــوارِ
مخفيــــةُ مــــن نـــائلِ الأغيـــار
لأنّهُــــــم جــــــواهرُ الأصـــــدافِ
مُحتَــــرِزُونَ عــــن يـــدِ الصـــرّافِ
وكيـــف علــمُ العبــدَِ بالآكــل مــا
يأكـــل والشــاربِ مــا يشــرب مــا
ســبحانَ مَــن لــم يجعــلِ الــدليلا
علـــى العبـــادِ الأوليـــا وُصــُولا
إلا بِمــــــا دلَّ بــــــهِ عليـــــهِ
لأوجُـــــــهٍ ثلاثـــــــةٍ لــــــديهِ
ولا وُصــــــُولَ لإمـــــرءٍ إليهِـــــم
إلاّ وُصــــــُولاً للإلَـــــهِ فـــــإعلَم
وإنّمـــــا المـــــرادُ بالوُصــــُولِ
إلـــى الـــوَلىِّ حرمـــةُ التبجيـــلِ
وهــــو بــــذاك للإلَــــهِ واصــــلُ
إنّ الـــــولىِّ صـــــَحبُهٌ آماثِـــــلُ
ينـــوبُ عنـــه الحــقُّ فــى غيبتِــهِ
نَعنــى بــه مــا شــاءَ مِــن ثروَتِـهِ
نشــــــأنُهُم مُعَظَّــــــمٌ جليــــــلُ
خليفــــةُ الرحمــــنِ مـــا تَقُـــولُ
فــــــأنظر كتـــــابَ الحَضـــــرمى
والشـــاذلى وشــيخنا كمــا إعتنــى
فربَّمــــا أطلعَــــكَ اللـــهُ علـــى
غيــــوبِ ملكـــوتِهِ مـــن حيـــثُ لا
تُشـــرفُ أســـرارَ العبـــادِ رحمـــةً
فيـــك وفيهـــم جَـــلَّ ربّــى حِكمَــةً
فكـــلُّ مَـــن أطلَعَـــهُ اللــهُ علــى
ســــِرَّ العبــــادِ قبــــلَ أن تكمّلا
متخلّقـــــا بـــــالخُلُقِ الإلهـــــى
برحمــــــــةِ الـــــــرؤُوفِ والأوّاه
كــــان إطلاعــــهُ عليــــه فِتنـــةً
وســــببَ الوَبــــالِ يَعـــدَ مِحنَـــة
فليســــع النّـــاسَ ببســـطٍ وخلـــق
كــــأنّه الأبُ الكريـــمُ المرتَفيـــقُ
فحالَــــــةُ إطلاعِــــــهِ بهــــــذا
كرامــــــةُ ورحمـــــةٌ ســـــِوا ذا
فَفتنَـــةٌ وبعـــدُ حــظُّ النفــسِ فــى
معصـــيّة اللـــهِ جَلـــىّ مــا خَفَــى
وحظُّهـــا البـــاطنُ فـــى الطاعــاتِ
كـــــالعُجبِ والريّــــاءِ والآفــــاتِ
علاَجُ دائهـــــا الخَفـــــى صـــــعبَ
ورُبّمـــا الرِيـــا حَـــواهُ القَلـــبُ
مــن حيــثُ لا ينظُــركَ الخلــقُ لمــا
يستشـــرفُ القلـــبُ إلــى أن يُعَلــم
وبعــدَ مــا إستشــرفتَ أن يَعلَمـك ال
خلـــقُ بتَخصيصـــك فهــو مــن عِلَــل
وهــــو علــــى خلافِ إخلاصـــِك فـــى
صـــــِدقِ العبوديَّـــــةِ أىّ صــــارفِ
وإنّمــــا يَصــــدُقُ فــــى إخلاصـــهِ
مـــن أخــرجَ المخلــوقَ فــى خلاصــهِ
لِنَظَـــرٍ منـــك إلـــى اللـــهِ الأزَل
وغِيّـــب الخلــقَ مَــتى مــا تشــتغل
فلا تكـــــن مستشـــــرفا لِنظـــــرٍ
منهــــم إليـــك نـــاظراً لنـــاظرِ
ســــبحانَه غليـــك وإســـتَحِى لَـــهُ
ودَع ســـــواهُ وانظـــــرنَّ فِعلَــــهُ
إن نظـــروا إليــكَ هــل مــن ضــرر
أو تركــــوكَ مـــالهم مـــن أثـــر
وغِـــب عــن الإقبــالِ منهــم نحــوكَ
إليـــك مـــا هــم يملكــونَ نَفعَــكَ
وشـــاهِد الإقبـــالَ مــن ربّــك لَــكَ
مكتفيــــاً بــــه وأخلِـــص عملـــك
فكـــانَ مَبنِـــى أمـــرِ كّــلِ مُخلِــصٍ
مكــــرّمٍ بــــاللهِ عــــن تَخصــــُصِ
قناعــــة مــــع إكتفـــاهئه بـــه
ســـــبحانه معتنيـــــاً بِقُربـــــه
ثــــــمّ إذا عرفتـــــه شـــــِهدتَهَ
فـــى كّـــلِ شـــيءٍ حيثمــا فقــدتَه
فلا تـــرَى ســـِواهُ عنـــدَ الحركـــة
والقلـــبُ منــكَ فــى الصــروف أدرَكَ
مـــن المحــالِ مَــع ســِواهُ تَشــهَدُهُ
وقبـــل رؤيـــا الحــقِّ ذاك تَفقُــدُهُ
مـــذ عرفــتُ الإلّــه لَــم أر غيــراً
وكـــذا الغيـــرُ عنـــدنا ممنـــوعُ
مـــذ تجمعـــتٌ ماخشـــيتُ إفتراقــاً
وأنــــا اليـــومَ واصـــلٌ مجمـــوعُ
غــابَ الــذى فَنــى بِـه عـن كُـلِّ مَـا
ســـواهُ والعرفـــانُ مـــن ذا فَهــمِ
يغيـــبُ فعـــلُ الخلــقِ فــى صــفاتِ
للحــــقِّ للنســـبةِ فـــى الحـــالاتِ
وأثَــرُ الفعــلِ مــع الوصــفِ إتّحــد
والوصـــفُ والموصـــوفُ مفــردٌ أحــد
وأيـــن ظـــلٌّ الشـــمس أو شــُعاعُها
أثارنـــا خلقَـــا كــذا إرتفاعُهــا
فـــاذ فَنَيـــتَ فِيـــه عـــن محبّــةٍ
أثرتَــــهُ علـــى الســـوى بصـــحبة
والحــــبُّ أخــــذٌ لجمـــال رَبِنّـــا
قلــبَ المحّــبِ عــن ســواه فـى فَنَـا
معرفـــــــةٌ محبّـــــــةٌ فَنَــــــا
ثلاثُهـــــا نالَهَـــــا الأوليـــــاءُ
فمـــن لـــه فيهـــا نصـــيبُ نــالَ
ولايــــــةً أولا فَلَــــــن يَنَـــــال
ولازمُ المحبّـــــةِ الشــــوقُ إلــــى
رؤيتــــهِ حتّــــى يكـــونَ واصـــلاً
وذاكَ للعِرفـــــــانِ بـــــــالحبيبِ
حجــــابُهُ عــــن غــــرّةِ القريـــب
وإنّمــــا يُحجَــــبُ منــــك الحـــقٌّ
لِرَتــــقِ حُجُــــبٍ مالــــذاك فَتـــقُ
ذاك لشـــــدّةِ إقـــــترابِهِ لنــــا
زادَ حِجابـــاً كلّمـــا العبــد دَنَــا
أوصــــــافُه محيطـــــةٌ بعبـــــدِهِ
هـــو القريـــبُ منــه حــالَ بُعــدِه
مُســــــتترٌ لشــــــدّةِ ظَهُــــــورِهِ
ومختـــــفِ الإبصــــار ذا لنــــوره
وأنظــر الخُفَّــاشَ مِــن ضــَعفِ البصـر
إلــى محّيــا الشـمسِ لـم يَقـدِر نَظَـر
لا يــــكُ للعطــــاءِ منــــك طلـــبٌ
منـــــهُ وإلاّ مـــــا لـــــدَيكَ أدبُ
وقَـــلُّ فهـــم طلـــبُ العبـــدِ لَــهُ
مِنـــهُ وعنــه القلــبُ مــا أغفَلَــه
لكــــنَّ مقصـــودَ الـــدعَاء فاقَـــة
ثـــــمّ العبوديَّـــــةُ واســــتحاقُهُ
مــــن العبــــاد للالّــــهِ خُشـــَّعاً
صــــيرورةَ الكــــلِّ لـــه مجمّعـــا
والعبــدُ فــى الــدعاءِ ذو إفتقــارٍ
للـــهِ ذا الحكمـــةُ فـــى اضــطرارِ
إليــــــهِ وإفجمـــــاعِهِ عليـــــه
مُعتَكِفــــــاً وثاويـــــاً لَـــــدَيهِ
ونـــصَّ شـــيخى ليكُـــن منــك طلــبٌ
عُبُــــــودَةٌ توفيـــــةٌ لحـــــقِّ ربّ
أولا فكيــــفَ بالــــدعاء اللاحــــقِ
تســـبّبٌ إلـــى العطـــاءِ الســـابقِ
فـــإن يكُـــن أعطــاكَ مــا طلبتَــهُ
نِلــــتَ بغيــــرِ ســــببِ كســــبتَهُ
أولا فجـــــلَّ شـــــأنُ حكــــمِ الأزَلِ
مِـــن أن يضـــافَ لوجُـــودِ العِلـــلِ
أمـــرٌ قَضـــَى حكـــمُ مَضــَى علينــا
قطـــعُ جـــرى فصـــلُ ســَرى لــدينا
ســـبقت حُكــم جَــفَّ القَلــم وكــانت
أقســـَامُنَا أيّامُنَـــا مـــا خـــانت
وأشـــكرهُ منـــك فــى عِنَايَــةِ لَــهُ
فـــى حكـــمِ مســـبَوقِيةٍ قضــت لــه
لســـــابِقِيَّةِ العطـــــا إلينـــــا
شــــكرٌ عظيــــمُ واجــــبُ علينـــا
فقــــد هـــدانا رازِقـــاً قَوّامـــاً
وخَصــــّنا بيـــنِ الـــوَرى إمامـــاً
وأيــــنَ كنــــتَ حيثمـــا تَـــوَجَّهَت
إليـــك عِصـــمةٌ أتـــت ومــا وَهَــت
وبعــــد مـــا واجَهَـــت العنايَـــةُ
قـــــابلت النِعمَــــةُ والرعايَــــةُ
لـــم يَـــكُ فـــى أزِلِهــش إختصــاصُ
منــــــك ولا فـــــى عمـــــلٍ إخلاصُ
ولا وُجُـــــودُ محســـــنِ الأحـــــوال
ولـــم يكُـــن هنـــا ســِوا إفضــالِ
قـــد علـــم الشــوقَ مــن العبــادِ
إلـــى العنَايـــاتِ وجَبَــرِ الهــادي
فقـــال بالرحمـــةِ يختـــصُّ الفَــتى
يشــــاءُ حِكمَــــةَّ لــــه ورأفَــــةَ
ولــــو تخلّــــى عنهــــم بــــذلك
لـــــتركوا أعمَـــــالَهُم كـــــذلك
لعمـــــدةٍ علـــــى قضـــــاءِ الأزّلِ
فقــــال إنّ رحمـــة اللـــه علـــى
المحســــــنين منهـــــم قريـــــب
وكــــلُّ شــــيءٍ مَــــدَّهُ الحــــبيبُ
إلـــى مشـــيئةِ الحـــبيب يَســـتَنِد
علـــى قضـــائِهِ القـــديم يَعتَمِـــد
فلا يكُـــونُ واقعــاً مــا لــم يَشــَأ
يـــا رَبَّنَـــا لِمَــا طلبنــاكَ فَشــَأ
فـــــأنت ذو مشــــيئةٍ لا تَســــتَنِد
لعلَّـــــةٍ ولا عليهـــــا تَعتَمِـــــد
فــــأدب العبـــادِ رُبّمـــا دلّهـــم
علـــى دُعـــاءِ مطلـــبٍ لهــم وَهُــم
قـــد يـــتركونُهُ إعتمـــاداً علـــى
قِســـــمَتِهِ ســـــبحانَهُ مِـــــن عُلا
كــــذا إشـــتغالاً منهـــم بـــذكرهِ
عـــن الســـؤالِ منــه ذكــرَ قهــرِهِ
فإنّمــــــا ذِكـــــرَ ذو إغفـــــالِ
وإنّمــــــا نُبِّـــــهَ ذو إهمـــــالِ
والحـــقُّ لا يُهمِـــلُ بـــل لا يَغفُـــلُ
فههنــــا تـــركُ الـــدعاءِ أفضـــلُ
ثـــــمّ ورودُ فاقَـــــةِ المريـــــد
مألوفَـــــةٌ مثــــلُ ورودِ العيــــدِ
لانّهــــا الشــــدّةُ فـــى حاجـــاتِهِ
بهــــا رُجُــــوعُهُ لوصــــف ذاتِـــهِ
وخيــــرُ أوقاتِــــك وقـــتٌ تَشـــهَدُ
فيـــه مـــن الفاقَــةِ مــالا يُفقَــدُ
فاقـــةُ عيـــدٍ لـــه لـــم يَعُـــود
والعِيـــدُ عِيـــدُ النــاسِ إذ يَعُــودُ
وفِيـــه فِطـــرُ تَمـــرَةِ المُشـــَاهَدَةِ
مـــن صـــومِ رمضـــانِهِ المُجَاهَـــدَة
وفيـــه نَحـــرُ النفـــسِ بـــالتبّرى
والـــــرّقُ فيـــــه آلِ للتحـــــرّى
قــالوا غـداً عيـدٌ مـاذا أنـت لابِسـُه
فقلـــتُ خَلقُـــهُ ســاقَ حُبَّــهُ جزعــاً
فقــرٌ وصـبرُهما ثوبـان تحتهمـا قلـبٌ
يـــرى إلفَـــةَ الأعيـــادِ والجُمَعَــا
أحـرى الملابـس أن تلقـى الحـبيبَ بـه
يـومَ الـتزاوُرَِ فـي الثـوبِ الـذى خلع
الـدهر لـى مـأتم إن غبـتُ يـا أملـى
والعيـدُ مـا كنـتَ لـى مـرأى ومُستَمِعاً
ثــــم أتــــت فـــوائدُ الفَاقَـــات
وكَونُهــــا أعيــــادُ ذى الحاجـــاتِ
ورُبّمـــا المريـــدُ فـــى الفاقــاتِ
يشـــهدَ شــيئاً فليــس فــي الصــلاة
والصـــومِ كـــالعِلمِ مــع العِرفــانِ
وكامـــــلِ الأنـــــوارِ والإيمــــانِ
لأنّهــــا الأبعــــدُ مــــن دعـــواكَ
منقطــــعُ الإعجــــابِ مِـــن هَـــواكَ
وذِلّـــــةُ البلاءِ بالنصــــر أُقِــــت
وأُذنُنَــــا آيــــةُ بــــدرٍ ســـَمِعَتَ
ففـــرحَ العبـــدِ لـــدى الفاقـــاتِ
مُعَيَّــــــنٌ لكامـــــلِ العَزَمَـــــاتِ
وإنّهـــــا ليَبســـــُطُ المـــــواهبَ
والفتـــحَ والنَشـــَاطَ نجـــح طــالِبَ
بِســـاطنَا هـــذا مجـــارى الكـــرمِ
ومُظهِـــرِ الجُـــودِ وفَتـــحِ النِعَـــمِ
إذا أردتَ واردَ المـــــــــــــواهبِ
عليــــك صــــَحّح طـــالبَ المـــآرِبِ
فقــــراً وفاقَــــةً لـــديك تَشـــهَدُ
تصـــــحيحها ضـــــَرُورَةَ التأكُــــدِ
حــــتى تكــــونَ ســـائر الحَـــالاَتِ
واجِـــــدَها بــــالعزمِ والثَبَــــاتِ
للفقـــــراءِ الصـــــدقاتُ آيـــــة
مشـــــيرةٌ مقصـــــودُها عِنايـــــةُ
مُصـــَحِيحُ الفقـــرِ يَنَـــلُ الصـــدقة
ونُوعُهــــا أعظُـــم ربَـــىّ أطلقـــه
إنّ العبودِيّــــةَ مــــن تصــــحيحها
لـــزُومُ أوصـــافكَ فـــى ترجيحهـــا
كالضــــَعفِ والعَجــــزِ وفَقــــرٍ وذُلّ
أضـــــدادُهُنَّ للجَليـــــلِ الأجَـــــلِّ
فلازِم أوصـــــــــافَكَ وتَعَلَّــــــــقُ
بأوصــافِهِ وقُــل مِــن بِســاطِ العجـزِ
الحقيقـىّ يـا غنـىُّ مَـن للفقيـر سواك
ومــــن بســـاطِ الـــذُلّ الحقيقـــىّ
يـــا عزيـــزُ مــن للــذَليلِ ســِواكَ
ومـــن بســـاطِ الضـــَعفِ الحقيقـــى
يـــا قَـــوِىُّ مَـــن للضــعيفِ ســواك
تجــدُ الاجابــة كأنَّهــا طَــوع يـديك
يَمـــــدكَ القهّـــــارُ بإستضــــعافِ
بمـــا لَـــهُ مِـــن ســائِرِ الأوصــَافِ
تصــــِيرُ قــــادراً بِــــهِ غنيّــــاً
معـــــــزّزاً بعــــــزّهٍ قوّيــــــاً
هـــو المجيـــبُ أنـــت مضــطرٌ لَــهُ
فـــإرضّ بِــهِ والصــبرُ مــا أجمَلــه
وربّمـــــا خُصِصـــــَتَ بالكرامَـــــةِ
مــن حيــثُ لــم تكمُـل لـك إسـتقامة
فلا تمِـــــل لهــــا إذ المَغــــرُورُ
بهــــا لقــــد أحَلَّــــهُ الثُبُـــورُ
ثـــمّ عليـــك فــى القيــام فيمــا
أقامَــــكَ اللــــهُ بــــه ولَمّــــأ
علمــــتَ هــــذا فمِــــن العلامـــةِ
علــى وَجُــودِ العبــدِ فــى الكرامـةِ
إقامَــــةُ الحـــقِّ مـــع النتـــائجِ
لَــهُ إرتفــاعُ النفــسِ عــن غَوايَــةِ
وكامـــــلُ التحقيــــق والإيقــــانِ
ثـــمّ رِضـــاءُ العبـــدِ عــن رحمــن
أصــــَمَتَ عــــابراً علـــى بِســـاطِهِ
يَخبَـــرُ فـــى الإحســانِ عــن ذلاّتِــهِ
فحيثمــــا أظهــــرَ فَضـــلَ فِعلِـــهِ
نــــادَتهُ مــــا يُرجِعُـــهُ لِخَجلِـــهِ
وعــــابر علــــى بســــاطِ ربّــــهٌِ
يَخبَــــرُ عــــن إحســـانِهِ وقُربِـــهِ
ليــــسَ بِمُصــــمِتِ علـــى الاســـاءةِ
لأنَّ منــــهُ كــــان فــــى إبـــاءةِ
وحاصـــــلُ الأمــــرِ وفحــــواهُ إذا
تصــــوّرَ الزاهــــدُ فضـــلاً نفـــذا
يَحتَشـــــِمُ إليـــــه وذَمَّ نفســـــَهُ
والعـــــارفونَ يشــــهدون أنســــَهُ
إن أحســـنوا أو أذنَبُـــوا جميعـــاً
وفِعلُهُــــم هنـــا غـــدا مرفوعـــاً
وقــد يكــونُ الشــخصُ فــى كليهمــا
وينقضـــى أمـــرُ الفنـــا عليهمــا
والحكُمَــــاء ســــابقةٌ أنــــوارُهُم
أقـــوالَهُم مـــن أجـــلِ أنّ مــالَهُم
مـــن حكمـــةِ اللــه وفتــحِ كشــفهِ
فَنَــــارَ قلــــبُ ســــامعٍ بوَصـــفِهِ
فحيثمــــا صــــارَ لَهُـــم تنـــويرُ
لســــامعٍ قــــد وَصـــَلَ التعـــبيرُ
فنــــاطِقٌ علــــى تمــــامِ نــــورِ
يُفيـــدُ نـــوراً ثــمّ فــى الصــدورِ
ومَــن عــن الهَــوى نطــق ذاك وصــَل
لقلـــبِ مَـــن خـــاطبَهُ كمــا دَخَــل
لأنَّ مــــا يخـــرجُ مـــن قلبِـــكَ لا
يَبطَـــــأُ إلاّ وكـــــذا قــــد دخلا
مـــا لـــم يكـــن ذاك عــن جُحُــودٍ
لحكمـــةِ الرســـل إلـــى العنيـــدِ
مـــــاخرجَ الكلامُ مـــــن فـــــؤاد
إلاّ عليـــــه كســـــوةُ الفـــــؤادِ
فمعـــدنُ الأنـــوارِ بـــالنورِ بَــرَز
منـــه الكلامُ وإلـــى القلــبِ رَكــز
وغَيــــــرَهُ تمجّــــــهُ القلـــــوبُ
نــــاطِقُهُ فــــى قطعِــــهِ مَعِيــــب
مــن كــان مأذونــاً لــدى التعـبيرِ
مـــن صـــاحبِ الأنـــوارِ والتنــويرِ
تَفهَـــمُ مـــن تعـــبيرِهِ المســـَامِعُ
وحصـــــلَ التفهيــــمُ والمنــــافعُ
وأجتُلِيَـــــت إليهـــــم إشـــــارةٌ
يُشـــــِيرُها وتُفهَـــــمُ العبــــارةُ
إنّ الـــــوَلىّ كنـــــزُهُ مَشـــــحُونُ
ومــــن حقـــائِقِ الهـــدى مَخـــزُونُ
إذا أراد النُطــــقَ كــــان إذنـــاً
مـــن ربّــه فــالنطقُ يــأتى حَســَنا
ورُبّمــــا قــــد بــــرزت حقـــائِقُ
مكســـــوفَةُ أنوارُهــــا لا تَشــــرُقُ
وذاكَ إِذ لَـــم يـــأذَن اللـــه لَــه
بـــأَن يَكـــونَ مُظهِــراً مــا قــالَهُ
وذوَ عِبـــــارَةٍ علـــــى قســـــمين
فســــــالِكٌ وعـــــارفٌ بـــــالعينِ
فســــالِكٌ مــــن وُجــــده يُعَبِّــــرُ
قهـــراً عليـــه مــن أمــورٍ تُجبَــرُ
ليـــس لـــه تَمالُـــكٌ مـــن طـــربِ
أو غيـــرِهِ فـــى نفســِهِ عــن ســَبَبِ
كفيضـــــان وجـــــده مُســـــتَغرِقاً
فـــى واقــعِ عليــه نــوراً أشــوقا
وعَــــــارفٌ ذو مُكنَـــــةِ مُحَقّـــــقُ
أرادَ بــــالتعبيرِ حيــــثُ ينطلـــقُ
هدايـــــةَ المريـــــدِ لإحتيــــاجِهِ
إثـــــارةً للشـــــوقِ وإبتهــــاجِهِ
إلــى ســِواهُ مــن معــانى المنهــجِ
حتّــى يكــونَ راقيــا فــى المَعــرَجِ
وأولُ القســـــمينِ أقــــوى حيــــثُ
كتمَــــانُ كــــلِّ أحــــد مَحثُــــوثُ
لأوجُــــهٍ فــــرّاً مــــن التلـــوينِ
لــــدى ظهـــورِ الضـــِدِّ للتمكيـــنِ
وغِيـــرةٌ علـــى إبتــذال ســِرِّ حَــقٍّ
والخــوفُ علـى تشـويشِ قلـبٍ قـد صـَدَق
فالســـــالِكونَ أخــــذوا بــــالأوّلِ
والاخـــذُ بالثـــانى مقــامُ الكُمَــلِ
إذا غَلَبَــــت ســــالِكَنا أحــــوالُهُ
وليــــسَ مِمّـــن شـــَوهِدت أقـــوالُهُ
وإنّمــــــا أهَمَّــــــهُ بنفســــــِهِ
شـــغلٌ خفيـــف العُمـــرِ ذا بعكســه
لكنَّمــــا القــــوى منـــه فـــارغُ
وإنقطَـــعَ الســـُلوكُ وهـــو ســـابغُ
جُعِلَــــت أحــــوالُهُ فــــى قهـــرِهِ
ينفـــعُ بـــالتعبيرِ أهـــلَ أمـــرَهِ
أذكـــر عبـــارات غَـــدَت أقواتـــاً
لِعـــــائِلِ المُســـــتَمِعينَ حتّـــــى
تفـــــاوتت مراتـــــبُ العيـــــالِ
فــــــــراع كَلاً بكلامٍ الحــــــــالِ
فَبَعضـــــُهُم ينفعـــــهُ الكـــــثيرُ
فـــأذكر بكــلِّ مــا بــه التشــميرُ
وقوتــــك الــــذى لهـــم فصـــلّته
ليـــس ســـوى قوتـــك إذا أكلتـــه
وربمّـــــا عَبَّــــرَ عَــــن مَقَــــامِ
مـــن لـــم يكُـــن دوَاهُ بالتمـــامِ
بــــل إنّــــه مستشــــرفٌ عليــــهِ
ورُبّمـــــا عَبَّــــرَ مَــــن إليــــه
أصـــــبَحَ واصـــــِلاً وذاك مُلتَبَــــسُ
إلاّ علـــى بصـــيرةٍ لـــم تَنحبـــس
لا ينبغـــى التعــبيرُ للســالِكِ عــن
شـــىءٍ مــن وارداتِــهِ لــو إفتَطَــن
لأنّ ذا يُقِــــــل مـــــن عَمَلِهـــــا
فــى القلــبِ بــل تكـونُ فـى مثلَهـا
حــــديثُ نفــــسٍ مــــانعٌ لقلبِـــهِ
وجٌـــود صـــدقِ العبـــدِ مــع ربّــه
ولا تَمُــــدَنَّ إلــــى الأخـــذِ يَـــدَك
مــن العبــادِ أو تــرى اللــهَ ملـك
هــو الــذى أعطَــاكَ فيهــم دُونَهُــم
فـــإن تكُـــن كـــذاك لا ممنـــونهم
فـــــإعتبر العلــــمَ بفَقــــهِ وَرَعِ
ولا تمــــــل مخالفـــــاً لشـــــرعِ
والعـــــارفونَ ربّمــــا تَمنَعُهُــــم
حيـــاؤُهُم عـــن دفــعِ حاجــةِ لَهُــم
للــــــهِ لإكتفـــــاهُم بمشـــــيئةِ
فكيــــفَ يســــالون عـــن خَلِيقَـــةِ
وكيــــــفَ لا يمنعُهُـــــم حيـــــاءُ
عـــن دَفعِهـــا للغيـــرِ وهـــو داءُ
والأخـــــذُ والـــــرد مَحَلا شـــــَبهٍ
للنفـــسِ فيهمـــا اشـــتباهُ عَمَـــهٍ
وأنظـــر مـــتى يلتبُـــس الأمـــرانِ
فـــى البــابِ أو تعــارض الوَجهَــانِ
مـــن غيـــره أثقــلَ أمرَيــنِ علــى
نفســـكَ فـــإتبَعهُ فَلَيلُـــكَ انجَلــى
مــــن واجــــبٍ ومُســــتَحَبٍّ يشـــبه
ومــــا أبِيـــحَ أن يكـــونَ يُكـــرَهُ
ولإفــــــرادٍ عنهمـــــا جميعـــــاً
وصــــارَ ظــــنُّ راجــــحٌ مرفوعـــاً
والجمــع بيـن الكـلِّ الكـلِّ كالمُحـالِ
مثــــــل بَــــــرِّوُدٍ وعُقُـــــوقِ آلِ
مـــــن أبـــــويهِ ولخلافِ غيـــــره
يعــــوق هــــذا كــــون ذابِـــبرِهِ
كالمســـــاويين مـــــن جنـــــازةِ
كَـــــلُّ حضــــر لحقِــــهِ وحــــازه
ومثــــلُ تـــركٍ لهـــدايا أخـــذُها
فـــى حـــقِّ مَـــن قَبُولُهــا وردَّهــا
ســـِيّان والخمـــولُ بعـــدَ الجـــاهِ
مــــــآلُهُ المخـــــوفُ لإشـــــتباهِ
فأثقــــل الامرَيــــنِ خُـــذهُ إنّـــه
حــــقُّ إذ الأنـــوارُ قـــد تَعضـــُدُهُ
ذلــــك ميــــزانٌ لـــدى الاثـــارَةِ
إذ تــــــــارةًُ مخطئةٌ وتـــــــارةً
مصـــيبةٌ مـــا إن لهــا مِــن نَــورِ
تهــــدى بــــه لأصــــلحِ الأمٌــــورِ
وصـــاحبُ النفـــسِ الـــتى تَنَـــوَّرَت
يعمــــلُ بـــالنورِ مـــتى تَعَســـَّرَّت
أدِلَّـــةُ الشـــرعِ بـــأن يَبســـَطَ ذا
إيمـــانَهَ علـــى المـــرومِ فـــإذا
أظهـــــرَ كالشـــــمسِ بلا تَـــــرَدُّدِ
أقَبَـــلَ أو كاليـــلِ أدبَـــرَ تهتــد
وههنـــــا قلبُــــك يُســــتَفتى وإن
أفتــــوك بـــالخلافِ خَـــذ ولاتَهِـــن
أو شــِئتَ فــالميزانُ كــالموتِ كمــا
أوضـــَحَ ذا الأمـــرُ بمـــا تقـــدّما
فأحضـــرِ المـــوتَ وفِعـــلَ الحاضــرِ
فــالنفسُ خــافت فيــه مِــن تقــدّما
علـــى خلافِ الحـــقِّ أخــذاً بــالهَوى
ومِـــن عَلامـــاتِ إتباعِهـــا الهَــوى
تكاســــلٌ فــــي الواجبــــاتِ عملاً
وفِعلِهـــــا مســـــرعةً نـــــوافلا
فلا تــــؤخِرّ طاعـــةً عـــن وقتهـــا
وإتِ بهـــــا بشــــَرطِها ونَعتِهــــا
واللــــه قــــد قَيَّـــدَ بالأوقـــاتِ
أعيــــــانَ طاعـــــاتٍ لكـــــلّ آت
كيلا يكــــوَنَ المنــــعُ بالتســـويفِ
منـــك عـــن الطاعـــات بــالتحريفِ
وَوَســـَّعَ الـــوقتَ لكــى يبقــى لَــكَ
فــى الاختيــار حِصــّتهُ مــا عـدّ لَـكَ
وإنّمــــــا أوجَبَهـــــا عليهـــــم
لعلمِــــــهِ بِنــــــاقصٍ لـــــديهم
مـــن قِلّـــةِ النهُـــوضِ للمعاملـــةً
لِمـــا بهِــم مــن الهّــوى مُكاســلَةُ
فســـــاقَهُم إليـــــه بالسَلاســـــِلِ
أوجـــبَ طاعـــاتٍ لرغـــمِ الكاســـِلِ
أظهـــرَ عجبـــاً رَبُّنـــا مــن قــومٍ
ســــِيقُوا لجنّــــةٍ بِســــوءِ نَـــومِ
فســـــاقَهُم إليهـــــا بالسَلاســــِلِ
نَبَّهَهُــــم كســــلى بنـــومٍ غافـــلِ
وإنّمــــا أوجَــــبَ كـــونَ خـــدمَتِهِ
عليــــك إيجــــابَ دُخُـــولِ جنّتِـــه
اللــــه قــــادِرٌ لاخراجِــــك مِـــن
شـــَهوَتِكَ الـــتي إِلَيهـــا ترتكـــن
فَلا تكُـــــن مســــتغرباً إنقَــــاذَهُ
إيَّـــاك منهـــا وأطلُبَـــن نفـــاذَهُ
وأن تكـــونَ خارجـــاً عـــن غَفلَـــةٍ
لعِظَــــم أســــَابٍ دعــــت لِعِلَّــــه
فكـــــلٌّ مُســـــتَغرِبِ ذا مُســــتَعجِزُ
قُـــدرَةَ مولانـــا الـــذى لا يَعجِـــزُ
واللـــه قــال اللــهُ قــادِرٌ علــى
مُطلَـــــقِ شــــىء بإقتــــدارٍ مثلاً
إنّ فُضــــَيلاً وابـــنَ أدهَـــمَ نعـــم
إبـــنَ مُبـــارك وبِشـــراً ذو كـــرمِ
ذا النـــونِ والشـــبلِىَّ ثــمّ عُبتَــةَ
ذاذانَ كُلُهُــــم أنِيلُــــوا رُتَبــــةً
بعــــد تمـــح والقضـــايَا ظَهَـــرَت
فالجــأ إلــى اللــهِ بنفــسٍ كُســِرَت
عليــــك ربّمــــا تـــوارَدَت ظُلَـــمُ
مثــلُ المعاصــِى لتَــرى قـدرَ النِعَـم
ومـــا بِـــهِ مَـــنَّ عليـــك اللـــهُ
فَعَـــــارِفٌ بِمَنِّــــهِ كمــــا هــــو
وغيــــرُ عــــارفٍ بقـــدرِ النِعَـــمِ
عنــــدَ وجُودِهـــا بِـــدَركِ النِقَـــمِ
يعرفُهـــا أعنـــى بتِلـــك النِقَـــمِ
زَوالَ مـــا قـــد حــازَهُ مــن نِعــمِ
لـــذاك قــالوا نِعَــمُ اللــه غــدت
مَجهُولَـــــة إذا أزِيلَــــت شــــُهِدَت
وعـــــاقٌ مصــــرَ فــــى تــــأفيفِ
والِــــــدِه يعــــــرف بـــــالحَيفِ
وَلَــــــدَهُ فلا تُصــــــَغِرّ نِعمـــــاً
تَبُـــوءُ بالســـُوءِ وتُـــدرِك نقمـــاً
وكيـــف تَــدرى لَــذَّةَ المــاءِ ومــا
شـــَفَّت لـــك الأحشــاءُ حــرّاً وظَمــا
ولا تـــــكُ ذا دَهَـــــشٍ بـــــالنِعَمِ
فلا تكُـــن فاعـــلَ الشـــكرِ الســمي
ورُبَّ فرحـــــانٍ بهـــــا يَنســـــَاهُ
مــــن فَرَحِــــهِ بنعــــم أنســــاهُ
وُرُودُهــــا عليــــه وهــــو حَــــظٌّ
مـــن قَـــدرِهِ أمـــا ســـمعتَ قَـــطُ
إنّ تمكــــنّ حلاوت الهـــوى مـــن ال
قلــب هــو الــداء العُضـَالُ فإشـتَغِل
بــــدافعِ الهَـــوَى كخـــوف مُزعِـــجٍ
للــــهِ أو شــــوقٍ لــــه مُعتلِـــجٍ
لا يخـــــرجُ الشــــهوةُ إلاّ بهمــــا
فَعــــج علــــى مُعَلّـــقِ معناهمـــا
وذاكَ مــــن بِســـاطِ قَهـــرِ الحـــقِّ
وَوَصــــفُهُ يقطــــعُ وصـــفَ الخلـــقِ
وقلبُـــك المـــائلُ للغيــرِ إشــترك
فِيـــهِ ورَبّـــى لا يحـــبُ المُشـــتَرَك
لا يقبــــلُ الأعمـــالَ والقلـــبُ فلا
إليــــهِ بــــاللُطفِ يكــــونُ مقبلا
إنّ مـــن الأنـــوارِ مأذونـــاً نَـــهُ
يَـــدخُلُ قلـــبَ العبـــد إذ أوصــَلَهُ
والبَعـــضُ لا يـــؤذَنُ فـــى الوصــُول
بــل إنّــه المــأذونُ فــى الــدُخُولِ
أشــار فــى الحــديثِ للصـدرِ إنفسـَح
بــالنورِ للواصــلِ ذا الأمــرُ اتَّضــَح
فربّمـــــا عليــــك وَرَدَت أنــــوارُ
فَوجَــــدت فــــى حشــــوهِ الآثـــارَ
قلبَــــك مـــن صـــورها فـــإرتَحَلَت
نــــوازِلُ الأنـــوارِ حيـــثُ نَزَلـــت
تفرغنــــه مِــــن صـــَدى الاغيـــارِ
يَملأُ بالمعـــــــارفِ والأســـــــرارِ
فلاَ تكُـــــن مُســـــتَبطِئ النَــــوالِ
منــــه وكُـــن مســـتبطئ الإقبـــالِ
مـــن نَفســـِكَ الـــتى تَمنَّـــت الأدبَ
بـــابُ الكريــم ذو نــوالش بــالأدَب
إنّ حُقُوقــــاً هُـــنَّ فـــى الأوقـــاتِ
ثــــمّ حقوقــــاً هُــــنَّ للأوقــــاتِ
فمــا ألقِــيَ فيهــا قَضــَاؤُها رُجِــى
لســـعةِ الـــوقتِ وفَســـحش المَنهَــجِ
لكــــنَّ مالَهضـــا عـــديمُ القَضـــَا
لأنّـــــه مبـــــاينٌ قــــد مَضــــَى
الــــوقتُ أربـــعٌ ولا خـــامسَ لـــه
فنعمــــــةٌ بليَّــــــةٌ مُفصــــــّلة
وطاعــــــةٌ معصــــــيّةٌ وللحـــــق
عليــك فــى جميــعِ تلــك مِــن حَــقِ
مـــن العبودّيـــة منهـــم يُقتَضـــَى
لــه الرُبوبِيَّــةُ فاســَمع مــا مَضــى
فحقُّــــهُ فــــى نعمـــةٍ شـــُكرانُها
وفــــي بليّــــةِ فمـــا إتيانُهـــا
صـــَبرُكَ والرِضـــا وحـــقُّ الطاعَـــةِ
شــــُهُودُ منّــــه علـــى إســـتطاعَةَِ
وحــــق مــــولاكَ لـــدى المعصـــيّةِ
توبــــةُ قلــــبِ نــــادِمٍ ومُخبِـــتِ
ليــــس عليــــك واردٌ مـــن وَقـــتٍ
إلاّ وللهـــــش بـــــذاك الـــــوَقتِ
عليــــــك حــــــقٌ لازمٌ جديــــــدٌ
يَعقُبُـــــه أمــــرٌ لَــــهُ أكيــــدُ
فكيـــفَ تقضـــِى فيـــه حــقَّ غيــرِهِ
وأنـــت لـــم تَقضــِى حقــوقَ أمَــرِهِ
ســـبحانَهُ فيـــهِ علـــى مــا ســَبَقَ
فأقبِــل علــى اللهــش بــوجهٍ طَلقَـا
وأفـــرُق مـــن الجديــدِ ذا الاكيــدَ
فالشـــكر مِثلُنـــا بِـــهِ الجديـــدُ
والصـــــدقاتُ للأكيـــــدِ هكـــــذا
مَثَــــلٌ لمــــا قَــــدَّمتُهُ فنفـــذا
ثــــمّ تأمَّــــل أجــــدَرَ التأمُّـــلِ
ولا نمـــــل لدَغـــــدَغِ المُجــــادِلِ
وإحــذَر مِــن الغفلَــة إن كنـت فـتى
وكــلّ مــا فــاتَ مــن العُمــرِ مـتى
تنــــالُ حقَّــــهُ ولا عــــوص لَــــهَ
فــأذكُر ومــا يحصــلُ لا قِيمــةَ لَــه
مــن ذلــك العُمــرِ العَزيــزِ فـاعتِر
بعـــارفِ الأشـــياءِ فـــأتِ وإستَشــر
فإجعــل قُــواكَ فــى هَــواه صــابره
إنّ الهَـــــوى لغيــــرِهِ مُغَــــادَرَه
وأنــــت عبــــدٌ للـــذى أحببتَـــهُ
ذلـــك قـــولُ أنـــت مـــا حَســِبتَهُ
واللـــهُ يـــأبى أن تكـــونَ عبــداً
لغيــــرِهِ وهـــو النَعِيـــمَ أســـدى
وأنـــــت لا تَنفّعُـــــهُ بطاعَتِـــــك
ولا تضــــــرُهُ مَعَاصـــــى ذَلَّتِـــــك
فــــأمرُهُ إيّـــاكَ بالطاعَـــةِ مِـــن
إفضــالِهِ والنهــىُ عــن ذا فــإفتطِن
فــــانّهُ الغنــــى عــــن عِبـــادِهِ
فــــدارِهِ علــــى مَــــدَى مُـــرادِهِ
كيــــفَ يزِيــــدُ عِــــزَّهُ إقبَــــالُ
مــــن أحــــدٍ عليـــه أو أعمَـــالُ
أم كيــفَ ذو نَقــصٍ لــه العِــزَّ بمـا
أدبَــــرض عنـــهُ خَلقُـــهُ مُنصـــَرِماً
وُصــــُولُنَا للــــهِ عِلمُنَــــا بِـــهِ
بـــالقلبِ عِرفانـــاً لفتـــح بــابِهِ
مَعرِفَـــــةُ القريـــــبِ بالصــــفاتِ
حاشـــــاهُ أن نعرفَــــهُ بالــــذاتِ
وبالصــــفاتِ غيـــرُ مـــا نفهمـــه
وأقـــربُ الأحـــوالش مـــا نَعلَمُـــهُ
بـــــأنّه ليـــــس لــــه شــــَبيهٌ
هـــو الـــذى مــن حَقّــهِ التَنزِيــهُ
أولا فجـــــلَّ ربُنَـــــا أن يتّصــــِل
بِـــهِ مـــن الأشـــياءِ ذا لا يحتمــل
أو هـــو بالشـــيءِ ومنـــه القــرب
منــــك إذا بـــثّ عليـــك الغيـــب
كونُــــك شــــاهداً لقـــربِ الـــربِّ
منـــك فـــذا قُربُــكَ حــالَ القُــربِ
أولا أنّــــى أيـــن وجُـــودُ قُربِـــهِ
وأنــــت حاشــــاهُ بعِيـــدُ حُجبِـــهِ
معيــــةُ اللــــهِ لعبــــدٍ نَصـــرُهُ
ثـــــــــمّ كَلاَءَةٌ وذَاك أمــــــــرُهُ
فَّــــردهُ الجنيـــدُ فحـــذر ههنـــا
مزلّــــةُ الأقـــدامِ واللـــهُ لنـــا
ثــمّ وصــولُ العبــدِ والقُــربِ همــا
مَجـــرى حقـــائِقِ الأمـــورِ فاعلمــا
بأنّهـــــــــا واردةٌ مُجمَلَــــــــةٌ
حـــالَ التجلّـــى إذ أتـــت مُنَزَّلَــهَ
وبعــــدَ وعـــى القلـــبِ تُســـتَبَانُ
أى بعـــدَ مـــا إســـتقرت البيــانُ
فـــألفُ معنـــى ظهــوت مــن حِكمَــةٍ
واحــــدةٍ ومِنــــهُ ألــــفُ حِكمَـــة
تَلَـــــقِ ذاك وإتَّبِـــــع قُرآنَـــــهُ
إنّ علينــــــا آيـــــةَّ بيـــــانَهُ
وحكمَـــةُ الغجمـــالِ فـــى التَلَقّــى
حـــالَ التجلّـــى إن وَعَيـــتَ نُطقَــى
أخــــذُ ورودِ الــــوارداتِ قلبــــك
وهــــــدمُ عاداتـــــك إنّ رَبَّـــــكَ
يُوردُهـــــا ليغلـــــب التجَلّـــــى
ويَملِــــكَ الكــــلَّ مـــن التَـــدَلّى
إن القُلُــــوبَ كــــالقُوى تَقلِبُهـــا
إذا أتَـــــت مُلُّوكَهَــــا تَغلِبُهــــا
ذلــــك معَنـــىً أفســـَدُوها ههنـــا
فَصـــُغَرُ الخلـــقِ كـــبيرٌ بالفَنَـــا
مِـــــن حَضــــرةِ القهّــــارِ وارداتٌ
مِـــــن مَلِـــــكِ القلــــوبِ وارداتٌ
وَهُـــنَّ شــىءٌ فــى القلــوبِ أســبَغَه
وهـــو إذا صـــادَمَ شـــيئاً دَمَغَـــه
ســـــواءٌ الجميـــــلُ والقبيـــــحُ
فيـــــذهبُ المُجمَـــــلُ والصــــَرِيحُ
يقــول بَــل نَقــذُفُ بــالحّقِّ علـى ال
باطِـــلٍ فالباطـــلُ فيـــه مُضـــمَحَل
ذلــــك معنــــى زاهِــــقٌ يَـــذمَغُهُ
بحُليَــــةش الــــواردِ إذ يَصــــبَغُهُ
وأعظــــمُ الباطــــلِ فَهـــمُ حُجُـــبٍ
لِلـــهِ شـــمسٌ حُجُبُـــهُ فـــى شـــُهُبٍ
بالشــــىءِ كيـــفَ رَبُّنّـــا يُحتَجَـــبُ
وكــــلَّ شــــيءٍ مظهَــــرٌ مُنتســــَبُ
إليـــهِ مـــن حيـــثُ الإلَــهُ ظــاهرُ
فـــى ذلـــكَ الشــيءِ وفيــه حاضــر
لا تيأســــَنَّ مــــن قَبُــــولِ عمـــلٍ
تَنفَقِـــدُ الحضـــورُ فيـــه فــالوليُّ
قـــد يجـــدُ اللــهَ لــذاك قــابلا
وقـــد نَفـــى أثمـــار ذاك عــاجِلاً
وربّمـــــا ودّ مُعَجّـــــلَ الثَمَـــــر
فلا تُزكِيــــــــنَّ وارداً حَضــــــــَر
ولا تُعَظِمــــــــنَّ أنـــــــواراً إذا
لــم تَــكُ فــى الخدمــةِ عبـداً لائذاً
فمــــا مــــرادُ ســــُحُبِ الأمطـــارِ
إلاّ وجـــــودُ خـــــالِصِ الأثمـــــارِ
كعُلــــوِ هِمَّــــةٍ وحُســــنِ خدمــــةٍ
وحِفــــظ حرمــــةٍ وشــــكرِ نعمـــهِ
لا تَطلُبَــــــــنَّ بَقَـــــــاءَ وارداتِ
ذلــــــك جهـــــلٌ وانتقـــــاصٌ آتِ
وإن تكُــــن أنوارُهــــا مُنبَســــطَة
وأوُدِعَـــــت أســـــرارُها مُلقَطَــــة
إذ الصـــــفاءُ لا يــــدومُ وقتُــــهُ
مســــتأنسٌ بــــه غُــــرورُ نَعتُـــهُ
وأحمَــــقٌ أمــــرؤٌ بـــذاك يُخـــدَعُ
بـــل الوفَــا مِــن وَقتِــهِ التَجَــرُّعُ
والأنـــسُ بـــالواردِ نقـــص ظـــاهرُ
والأنــــسُ بـــاللهِ كمـــالٌ بـــاهرُ
منهــا الغنـى بـاللهِ لإمـرئىٍ عـن ال
أشـــياءِ كُلاَّ فـــى غنـــاهُ مُضـــُمحِل
فـــــالله يُغنِيــــكَ إذا وحّــــدتَهُ
حُبًّــــا وأنســـاً كافيـــاً وجَـــدتَهُ
وليـــس يُغنِيـــكَ عـــن اللـــه إذا
أعرضـــتَ عنـــه كُـــلّ أمـــرٍ نَفِــذ
ومـــن علامـــاتِ إكتفـــاءِ العبـــدِ
بــــاللهِ فــــى ثلاثـــةٍ فإســـتَبد
منهــا الرِضــا عنــه مــع إهتمــام
بـــــأمرِهِ فـــــانظر إلـــــى كَلاَمِ
وعــــــدمُ إلتفـــــاتِهِ لغيـــــرِهِ
مُنتَظِــــرٌ إلــــى جَليــــلَ قَهـــرِهِ
دليـــلُ عـــدمِ الوُجُــودِ منــك لَــهُ
ســــبحانَهُ وعـــدمِ الوَصـــل مَعَـــهُ
تَطَلُّـــــعٌ منــــك علــــى بقــــاءِ
مـــا دُونَـــهُ مــن ســائِر الأشــياءِ
وعــــدمُ الوَصــــلَةِ منــــك نـــاشِ
مِـــن فَقـــدِ مــا ســِواهُ باســتِحَاشِ
ولا نَــــرَى مـــع الحـــبيبِ وَحشـــَةً
ولا مــــع غيــــرِ الحَبِـــبِ راحَـــةً
مظـــــاهرُ النعيــــمِ إن تَنَــــوَّعَت
وَلـــــذَّةُ الطاعــــاتِ إذ تجّمعــــت
مـــن إقــترابِ الحــقِّ فــى شــُهُودِهِ
كمـــا العــذابُ كــان مــن صــُدُودِهِ
وإن تَنَـــــوَّعَت لـــــه المظــــاهرُ
فباحتجـــابِ العبـــدِ عنـــه صــَائِرُ
فســــَبَبُ العــــذابِ مـــن حِجَـــابِه
وســـــَبَبُ النعيـــــمِ بــــإقتِرابِهِ
ونظــــــرٍ لــــــوجهِهِ الكريـــــمِ
ولا تَــــرَى ســــِواه مِــــن نَعِيـــمٍ
وتشــــهدُ القلـــوبُ مـــن أحـــزانٍ
لِمَنعِهــــا مـــن نَظَـــرش العيـــانِ
فلـــو رأت مَعَبودَهَـــا فـــى هَمِهِّــا
شــــاهَدَت النعيـــمَ عنـــدَ غَمّهـــا
لا يَحزُنَنَّـــــكَ إفتقــــارُ الايــــدى
فمـــن تَمـــامِ نِعمضـــةِ ذى الأيــدي
عَلَيكـــض أن يرزقَـــكَ الـــذى كفــى
ويَمنَــــعَ الــــذى لشــــرِّ أشـــرَفَ
مُشوِّشـــــاً مُســـــتَكبِراً ومُطغِيــــاً
مُســـتَثقِلا القلـــبِ بتعـــبٍ مُوليــاً
أقَـــلَّ ربُّـــك الـــذى تَفـــرَحُ بِــهِ
مــن أثَــرش النِعمَــةِ إن كنــتَ نَبِـه
لكـــى يَقِـــلّ مـــا عليـــه تَحــزَنُ
بحســــب الفَـــرَحِ يكـــونُ الحُـــزن
فَغَــــمُّ دُنيــــاكَ لعُقبَـــاكَ فَـــرَح
إلاّ إذا كنـــتَ لهـــا فـــتىً جَنَـــح
وحســـبنا فـــى قِصـــَّةَِ الفَيـــرُوزج
مِـــن قَــدَحٍ لبعــضِ ذى الملــك جــى
فقـــال مــا تَــرَى لبعــضِ الحُكَمَــا
هــذا فقــال اللــه أصــبتَ مَغرَمــاً
مُصـــيبةٌ مـــن بعــدها فَقــرُ طَفِــق
مصــــيبة بالكســــر ذاك إن ســـُرق
فــــإن أردتَ أن تكــــونَ نــــائِلا
عنـــدَ التـــولِّى لا تـــرى مُنعَــزِلا
لا تَتَـــــوَلَّ بالوِلايـــــةِ الـــــتى
دوامُهــــا عليــــك غيـــرُ ثـــابِتِ
فكــــن علـــى بصـــِيرةِ البدايَـــةِ
بكـــلِّ مــا تلقــاهُ فــى النهايَــةِ
دَعَــــاكَ للـــدنيا بظـــاهِرٍ كمـــا
نَهَـــاكَ عنهـــا باطنـــاً فادرِهمــا
ظاهِرُهـــــا العِـــــزَّةُ للمُـــــدَّعِى
باطِنُهـــــا العِــــبرةُ للمهتــــدى
صــــــَيَّرها المحـــــلَّ للأغيـــــارِ
ومَوطِنـــــاً للهَـــــمِّ والأكـــــدارَ
لِحِكمَــــةٍ منــــه لنـــا تَزهِيـــداً
فـــى هــذه الــدُّنيا فكُــن رشــيداً
فطعمُهـــا المُـــرُّ لـــذا أذاقَهـــا
مُعَظِّمـــاً فيهـــا لـــكَ إفتراقَهـــا
ويَســــهُلُ الفِـــراقَ عِلـــمٌ يَنفَـــعُ
ذلـــك علـــم فـــي الصــُّدورِ يَقَــعُ
شــــــُعاعُه مُنبَســـــِطاً قِنـــــاعُه
منكشـــــفاً قَلبَـــــكَ ذا شــــعاعُه
وليــــس علــــم فـــى غِلافِ قَلبِـــه
بِنــــــافعٍ لا واصــــــِلٍ لَربِّـــــه
وخيـــرُ علــمٍ مــا تكــونُ الخَشــبَةُ
تَصـــــحَبُهث وغيـــــرُه المضـــــَرَّةُ
إن قـــارَنَتهُ خَشـــيَةٌ أصـــبح لـــك
أولا فَقَــــد كـــان عَليـــكَ لا لَـــك
لِخَشــــيَةِ اللــــهِ علامـــاتٌ ومِـــن
ذلــــك إقبــــالٌ وإدبـــارٌ فُتِـــن
قَلبُــــكَ فيهمـــا يُبـــالى بهمـــا
مـــن أحـــدٍ أم لا يُبـــالِى بهمـــا
فـــالقلبُ إنّ آلَمَـــهُ الـــذمُ فَقَــد
علمـــتَ أنَّــه إلــى الشــرِّ إســتَنَّد
أو عـــدمُ الإقبـــالِ مـــن إنســـان
فــإرجِع لعلمــش اللــهِ فــى بَطَــان
مـــن أنَّ فِيـــكَ مثــلَ مــاذَمو بــه
وإرجِــع إليــه تائبــاً مــن ذنبِــهِ
وإرجَـــع إلــى الإخلاصِ لمّــا هَجَــرُوا
وحَســــبُك اللـــه الـــذي يَنتَصـــِرُ
وإقنَــعُ بعلــمِ اللــهِ فيــك فــإذا
لــــم تَــــكُ قانِعـــاً بـــه ولائذاً
أصـــبَّحَ مــا أصــَبتَ فــى ذاك أشــدّ
ممـــا أصـــِبتَ مــن أذاهُــم ولقــد
أجــرى عليــك اللــهُ مــن أيــدِيهِم
كيلا تكـــــونَ ســـــاكِناً إليهِــــم
فَــــــدَعهُم معتمــــــداً عليـــــه
وواقِفــــــاً منكســـــراً إليـــــه
مؤذيـــك منهـــم لــك فــي إعتــاقٍ
ومحســـــنٌ إليـــــك بإســـــترقاق
أتَرتَضـــى بـــالرقِ فـــى إحســـانِهِ
فلا تَمـــل اليـــه فـــى امتِنَـــانهِ
واللـــه قـــد أراد ازعاجَـــك مــن
شــيءٍ إليــه كــى تكــونَ مَــن رُكـنِ
عنـــه إلـــى اللـــه لكِيلا يُشــغِلَك
فـــاقطع مـــن الأكـــوانِ كُلاَّ أمَنَــك
لـــــذلك المقصـــــدِ آذاك بِهِــــم
وأزعـــجَ الفـــؤادَ عـــن أجمَعِهِـــم
وســـَلَطَ الشـــيطانَ فـــى العبـــادِ
ليَلجئَوا للــــــــهِ بإســـــــتنادِ
إذا عَلِمـــــتَ أنّـــــهُ المُســـــوَلُ
عليــــك لا تكُــــن بقلـــب تَفضـــُلُ
فمَّـــن نواصـــِيكَ بإيـــديهش فهـــو
مُنُجِيــــكَ عــــن مُســـَوّلِ لا يَفقَـــهُ
ذلــــك بالــــذى عَلَيـــكَ واجِبـــاً
فــإهرَب الــى اللــهِ تعــالى هربـاً
وانّمــــــا صــــــَيَّرَهُ عَــــــدُوَّنا
ايحَاشـــَنا بـــهِ إليـــهِ بإعتنَــاء
وحَــــرَّك النفــــسَ عليـــك مـــاذا
حـــــتى تكـــــونَ مُقبِلا مُلتــــاذا
عليـــه فـــى الــدوام عــن فِــرار
وحَســـــبك الفـــــرارُ للقَهَّـــــار
مَـــن هـــو مُثبـــت لـــه تواضــُعاً
فــــــإنَّه مســــــتكبر ترفعـــــا
فالوضــــعُ منـــه مُشـــعِرٌ برفعَـــةٍ
غـــذو تواضــعٍ علــى الكــبر فَــتى
فَلَفظــــــهُ لوضــــــعه منـــــافى
لكـــنَّ مـــن أصـــبحَ فيـــه صــافى
إذ لا يَــــرى لنفســــه إذا صــــَنَع
قـــدراً لـــدى تواضــعٍ كمــا وضــَع
أن يكـــــون شـــــاهداً لنفســـــه
كمــــال نَقــــص لا بمـــوت عكســـه
وانظــــر لمَـــا حَقَّقَـــهُ الشـــِّبلىُّ
فيمــــا هـــو التَّواضـــُعُ الجَلـــىُّ
فقـــال مَـــن رأى لَــهُ مــن قيمَــة
فَنَفســـهُ فـــى الكـــبر مُســـتَقِيمة
وأنظـــر لقــول الأعظــم البســطَامىِّ
مـــا دُمـــتَ نــاظراً إلــى الأنــام
ثـــم رأيـــت منـــك شـــراً فيهــم
فــــأنت فــــى تكبُّــــر عـــاليهم
فـــالنفسُ ذاتُ خســـَّةٍ فـــى أصــلها
فوضـــعُها مَوضـــعها مـــن جهلهـــا
إنَّ تواضـــــعاً بشـــــيئين كســــب
ككوننـــــا لــــذلّتا أن تَنتَســــب
وأن تـــرى أرصـــاف ربّنـــا كمـــا
يليــــقُ بـــالحقِّ تعـــالى إنّمـــا
حقيقـــــة التَّواضــــع الحَقيقــــىِّ
مـــا كــان ناشــئاً عــن التحقيــق
أعنـــى شــهود اللــه فــى عظمتــه
ثـــم تجلَّـــى وصـــفه فـــى صــفَته
إذا رأى جَلال وصـــــــف ربنـــــــا
شـــاهد أوصـــاف العبــاد بالفنَــا
وجــــاء فـــى عـــوارف المعـــارف
لـن يَبلـغ العبـد علـى الوضـع الصفى
حتَّــــى يكـــون شـــاهداً مشـــَاهَدةً
بهــا تَــذُوبُ النَّفــسُ عــن معَانَــدة
ولـــن تكـــون خارجــاً عــن وصــفك
إلاّ إذا شـــــهدت وصـــــف ربَّـــــا
وكامـــلُ الإيمـــان بالثنـــا علــى
مــــولاهُ كـــان دائمـــاً مشـــتَغلا
وغــــائب عــــن نفســــه بحســــِّه
عـــن أن يكـــون شـــاكراً لنَفســـه
عـــن أن يكـــون ذاكـــراً حظـــوظَه
وليــــس صــــارفاً لهـــا لحـــوظه
فمــــا صــــفاته ســــوى نقصـــانٍ
فكــــلُّ فضــــلٍ فَمــــن الرَّحمــــن
فكيـــــف ذاك شـــــاكر لنَفســـــه
مـــن بَعـــدما حَقَّقَـــه مــن نَجســه
ومـــــــؤمن بربِّــــــه يحبُّــــــه
وليــــس عــــن محبـــوبه يحجبـــه
شــىء ولا يرجــو علــى الحـب مـن ال
محبــوب شــيئاً إنــه عيــن العلــل
وكيـــــف ذاك يَطلبَنَّـــــه عـــــوضُ
وكيـــف يَرجــوهُ علــى الحــبِّ غَــرَض
إذ الجمـــــالًُ أخـــــذ لقَلبـــــه
عــــن كـــلِّ مـــا بَقيَّـــة لحبِّـــه
يبنـــى الحـــبَّ علىـــالجور فلـــو
أنصــــف المحبـــوبُ فيـــه لَســـَمَح
ليـــس يُستَحســَنُ فــى حكــم الهــوى
عاشــــق يطلـــبُ تـــأليف الجمـــح
إســــمَح بنفســـكَ إن أردتَ لقانـــا
وغحلـــف بِنـــا أن لا تحــبّ ســوانا
فــاذا قضــيتَ حُقوقَنَــا يــا مُــدَّعِى
عاينتنـــا بيـــنَ الأنـــامِ عَيَانــا
إذ المحـــب مَـــن يكـــونُ باذِلَـــك
وليــــس مَــــن تَبــــذُلُه وأمَّلَـــك
إذ الحـــــبيبُ رُوحُنـــــا فِــــداهُ
فبَعَــــدَ ذاك مـــا الـــذى تَـــراهُ
والحــــبُّ ناشـــىءٌ مـــن الســـُّلوكِ
فـــى عقبـــاتِ النفـــسِ بالنُّســـوكِ
لــولا مَيــادِينُ النفــوسِ مَــا غــدا
تَحقُّــــق الســـائِرِ حيـــن اجتهـــد
مَــــــدارُهُنَّ طلــــــبُ الحُظُـــــوظِ
بِغَفلَــــــةٍ ورِفعَـــــةِ الغَليـــــظِ
ثـــمّ إتبــاعُ الــوهم حيــثُ نــالَه
حقيقــــةً ثـــمّ الـــدعاوِى شـــالَهُ
عـــن غَفلـــةِ تَقـــواهُ باســـتقامَةٍ
والـــوهمُ صـــبرٌ تـــابعُ الســـلامةِ
وعــــن دَعــــاوِيهِ هـــو التَّحقّـــقُ
تَعقُبــــــهُ مَعرِفَـــــةُ تَســـــتَغرِقُ
فهــــــــــذه ثلاثُ عَقَبــــــــــاتِ
كـــــل لــــه ســــَير خُصــــوصُ آتٍ
فالســـَّيرُ فـــى الأولــى فبالحــذارِ
والخـــوفِ والإشـــفاقِ عـــن قهّـــارِ
ذا يَنتُـــجُ الـــوَرع مـــع التَّحَفُّــظِ
عـــن أثـــرِ الأيـــدى أو التَّلَفُّـــظ
وفــــي الـــتي تَتلُـــو بالاغبـــاشِ
للـــــهِ والفـــــرارِ وإســــتيجاشِ
وفـــي الـــتى ثَلَّـــثُ فباستبصـــارِ
والعِلــــم ذاك مُنتِــــجُ الأنــــوار
وينتفــــى التَغليــــظُ بـــالتَّحقيقِ
والحفـــظِ فــى الوِســعةِ والتَّضــَييق
إذا فَهمــــت مــــا قَصَصــــناه فلا
مســــــافة بينـــــك أن تُمَثِّـــــل
وبَينَــــهُ حَتَّــــى تكـــونَ طَاوِيـــاً
بِرحلـــةِ المســـعَى إليـــه ســاعِياً
ولا هنـــــاكَ مثـــــلُ ذاك قَطعَــــةُ
لمحوِهــــا تُوجَــــدُ منـــك وَصـــلَهُ
فكيـــفَ وصـــلُ مـــن لـــه شـــَبِيهُ
بِمَــــن بـــه لا يَثبُـــتُ التَّشـــبيهُ
وأعظـــــمُ الســـــُّلوكِ أن تكــــونَ
فــــى همّــــةٍ بـــالله مســـتَعِناً
وأنظــر إلــى صــُنع الحكيــمِ جَعَلَـكَ
فــى عــالمٍ وســطٍ بيــن مــا ملــكَ
أى بيــــن مَلــــكٍ ثـــمّ ملكُـــوتِه
وبيــــن جــــبرٍ ثــــم جَبَرُوتِــــه
وإنّمــــا اللــــهُ كـــذاك جَعلـــكَ
تَعليمــــهِ إيَّــــاكَ حيـــثُ أهَّلـــكَ
حــــتى تــــرى جلالــــةً لِقَــــدرِكَ
مــــن بيـــن مخلوقـــاتهِ بـــأمرِكَ
وإنَّــــكَ الجـــوهرةُ الـــتي طَـــوَت
عليـــك أصـــدافُ البرايـــا وحَــوَت
فحيثمـــا اختـــارَكَ فــاختره لكــى
تــرى لــك الســلطانَ فــوقَ كـلِّ شـى
وَســــَعَّكَ الكـــونُ بجثمـــا نيّتـــك
لا واســـعاً مـــن حيـــثُ رَوحانيَّتــك
مـن كـان فـي الكَـونِ ولـم يُفتَـح لـه
مــــن ميــــادين غُيــــوبٍ فَلــــهُ
إحاطـــةُ الأكـــوانِ مســـجوناً بهــا
أحصـــِر فـــى هَيكـــلِ ذاتِ حُجبهـــا
أنــــت مـــع الأكـــوانِ لا تَشـــهَدُهُ
أعنــــى مكونــــاً ولـــو تَقصـــدُهُ
وكــانت الأكــوانُ فــى الــدهر مَعَـك
إذا شـــهدتَ اللــه فافتــح مَســمَعك
إذا الخَصُوصـــــيَّةُ لامــــرئٍ صــــَفَت
فالبَشـــَريَّاتُ بـــذاكَ مـــا انتَفَــت
لكنّمـــا التخصـــيص قـــد غطَّاهـــا
فالعَرَضــــِىُّ عنــــه مـــا نحّاهـــا
إذ الخصوصـــــِيَّةُ أمـــــر عــــارِضُ
والبشـــــَريّاتُ أصـــــول تمحَـــــضُ
أيـــدفع الـــذاتىُّ ذلـــك العَـــرَض
ومَثَّلـــوا ذلـــك يـــا فَتَــى نَهَــض
تشــلك مثــالُ الشــمسِ فـى إشـراقِها
مِـــن وســط النّهــار فــى آفاقهــا
وليســـت الأفــقُ مــن الشــمسِ نَعَــم
أشــرقت الشــمسُ فَلَــم تَبــقَ الظُّلَـم
فتــــــارةً أوصـــــافُه مُشـــــرقةٌ
فظُلمــــةُ الليـــل بهـــا زاهِقَـــةٌ
وتــــارةً يَقبُــــضُ عنــــك ذلــــك
فَصــــرت مـــردُوداً إلـــى حُـــدودِك
ليـــسَ إليـــك منـــك ذا النهـــار
لكنّـــــــــه أوردهُ القهّــــــــارُ
عليــك فــانظر مــا أتــى الخــواصُ
قطـــبُ الأنـــام مــا هــو اختِصــاص
أتَـــت إليـــه أســـدُ فمـــا عَبــا
بهـــا مِـــن الليـــل مُطِيلا طَربـــا
وخَشــــيةُ اللـــه إلـــى الصـــباح
وفـــى الصـــباح قــام فــى صــياح
مـــن أثَـــر البَـــق فلمّـــا ســَئل
قــــال وجــــدت بارحـــاً تَـــذلُّلاً
مُناخِـــذاً مـــا كـــان لــى وُجُــودُ
وليلـــتى فيهـــا أنـــا المــردُودُ
إذا كُنّـــــا بـــــه تهنــــا دلالاً
علـــى كـــلِّ الحـــرائر والعبيـــد
وغـــن كُنّـــا بِنــا عُــدنا إلينــا
فَعَطـــــل ذُلُّنـــــا ذُلَّ اليَهُـــــود
مَــن لَـم يَكُـن أعمَـى رأى اللـه أحـد
ومـــن رآه فـــى البَريّـــات وَجَـــد
آثــــارَهُ دَلَّــــت علـــى أســـمائِه
مختلفـــاتِ الحكـــم فـــى أشــيائِه
أســــماؤهُ دلّــــت علـــى صـــِفاتِه
وهـــى علـــى وُجَـــودِ حـــقِّ ذاتِــه
فالوصـــــفُ يســــتحيلُ أن يقــــومَ
بنفســــِه فَحُــــط بــــه مَعلومـــاً
وهكــــذا أربــــاُ جــــذبٍ يكشـــفُ
عـــن الـــذاتِ كمـــا هـــي تُعــرَفُ
ثــــمّ يَرُدَّهُــــم إلــــى صــــَفاتِه
طوعـــاً وكرهـــاً فيـــه بالتِفــاتِه
ثــــمّ الــــى تَعَلُّــــقِ الأســــماءِ
ثــــمّ الـــى شـــُهودِ ذِى ابتـــداء
آثـــــاره والســــالكون عكســــوا
ذلـــك فـــى ســلوكهم مــا أسَّســُوا
فأهــــلُ جَذبَــــةِ لهــــم بدايـــةٌ
مـــا لــذوى الســلوكِ مــن نهايَــة
وذُو الســـُّلوكِ مـــا لَـــه نهايـــةُ
مـــا لِـــذى الجذبَــةِ مِــن بِدايــةِ
ذلــــك لكــــن لا بمَعنَـــى واحِـــدٍ
بـــل كـــلُّ فـــردٍ آخـــذٌ بِمَقصـــَدِ
وربَّمـــا علـــى الطريـــق التِّقَيــا
تخالفـــا فيهـــا كمـــا تَســـاوَيا
ذا فــــى تَـــدَلَيه لقَـــى صـــاحِبهُ
ذا فـــــى ترقيــــةٍ رأى ذاهبَــــه
لا يُعلَمَــــــنَّ شـــــرفُ الأنـــــوارُ
وفَـــــدرُ القلـــــوبِ والأســـــرار
الاَّ بغيـــبِ الملكُـــوتِ مِثـــلَ مـــا
لا تظهَـــرَ أنـــوارُ الجَــم الســماءِ
الاَّ علـــى شـــهادةِ الملــكِ مــن ال
أقمـــارِ والشـــمسِ ونجـــمٍ اشــتَعَل
ذو الملكــــوتِ أضــــعفُ المعـــارفِ
مـــع العلـــومِ ثمراتـــش العــارفِ
طاعاتُنـــــا وجــــدانُ ثمراتهــــا
بشـــائرَ القبـــولِ مِـــن حَياتهـــا
طيّبــــةٌ ثــــمَ ســــُقوطُ خوفنــــا
والحـــزنِ بالســـكونِ مِــن مَخَوفنــا
ثــــمّ ظُهــــور شــــرفِ الخِلافــــةِ
والكـــونِ فـــى لَطـــائفِ الضــِّيافَة
فحينمــــا مَــــنَّ بـــذاك عـــاجِلاً
بَشـــــَّرنا علــــى الجــــزاءِ آجِلا
ولا تُســــى بطلــــب الجــــزاء أدَب
فكيـــف للأعـــواضِ تَرجـــو بــالطلب
علـــــى وُجُــــودِ عمــــلٍ تَصــــدَّقَ
عليــــك مــــولاك بِــــه مُحَقِّقــــاً
أم كيـــف أنـــت طـــالبُ الجـــزاءِ
علــــى عبــــادةٍ مــــن العطـــاءِ
وإنِّــــــه ســـــبحانَهُ اهـــــداها
إليــــك مــــن صــــَدقةٍ أســـداها
أربابُهـــا منهـــم لقَـــومُ تَســـبِقُ
أذكـــــارُهُم أنــــوارَهُمُ فتَطلُــــقُ
أذكـــــارُهُم ليســــتنارَ قلبُهُــــم
فســــــالكُ وطــــــالبُ دَأبُهـــــم
ومنهــــم الــــذين ســـبقت لهـــم
أنــــوارُهُم أذكــــارَهُم وحــــالُهم
فـــأعرفهُ جذبـــةٌ لهـــم مَمنُوحـــةٌ
قـــد أعظـــم اللــهُ لهــم فُتُــوحه
صــــاحبُ جذبــــة هــــو المُفَضـــَّلُ
والقــــولُ فــــى خلافِ ذاك مرســــَلُ
دليلُنــــا العِنايــــةُ المقدَّمــــة
وعصـــــمةُ تَتبَعُهـــــا مُســــتَحكَمَة
إذ كــل مجــذوبٍ هــو المســلوكُ بِـه
ولا كــــذاك ذُو ســــلوكٍ فــــانتَبِه
إذ لا يكــــونُ ظـــاهرٌ مِـــن ذِكـــرٍ
إلاّ ببــــــاطنِ شــــــُهودِ فِكـــــرِ
والـــــذكرَ والفكــــرُ لجاريــــانِ
فـــى أصـــلِ مــا حقيقــةُ الإنســانِ
فــي ســاعة الميثــاق حيــن أشـهدك
مِــن قبــل ان كــان عليـه إستشـهَدك
فَنَطَقَـــــت بوصـــــفِه الظـــــواهرُ
فـــى قَـــولِهم بلــى جــوابٌ ظــاهرٌ
ثــــــمّ بأحــــــدّيتهِ القهّـــــار
تَحَقَّقــــــت ســـــرائِرُ الأســـــرار
أكرمــــك اللـــهُ تعـــالى بِكـــرا
مـــاتٍ ثلاثٍ حيـــن كنـــتَ ذاكِيـــرا
مـــن جَعلِـــه إيّـــاك ذاكــراً لــه
تَــــمَّ عليــــك عنـــد ذاك فَضـــلَهُ
إذ لــــم تكُــــن أهلاً لـــذكره إذا
مَـــــولاك مَــــنَّ بــــذِكره كــــذا
صـــيَّرك المـــذكور بالـــذكر نَعَــم
أعظِــم بِــهِ مِــن نِعَــمٍ علــى نِعَــم
وكنــــت مــــذكوراً لـــديه فِيـــه
فهــــو لِـــثروة المُنـــى مهـــديه
ووجـــهُ كــون صــاحِب الجــذبِ أجَــلَّ
بركـــةُ العمـــر وإن كـــان أقـــلّ
فــــربَ عمــــرٍ وســــعت آمــــادُه
لكنّــــــه قليلــــــة إمـــــدادُه
أولُــــــه كـــــالأمم الســـــوالِف
وفاقــــدُ الجذيَـــة مِنّـــا واقِـــف
ثانيهمـــا المجـــذوبُ فــى أيّــامِه
يُشــــابِهُ الإخـــوان فـــى مَقـــامِه
قصــــّته لابــــنِ أبـــى الحـــوارى
مـــع شـــيخه يُغنــى عــن الإشــهار
فكـــلُّ مَـــن بــورِكَ ف العُمــرِ لَــهُ
أدرَك فـــى اليَســـير مـــا أجَّلـــهُ
مِـــن مِنَــنِ اللــهِ الــتى لا تَــدخُلُ
تحــــــتَ عبـــــارةٍ إذا تَفَضـــــَّل
ولا تَنـــــالُ وَصـــــفَهُ العِبــــارَةُ
كـــــذاك لا تَلحَقُـــــه الإشـــــارةُ
إِذا تَفَرَّغـــــتَ مـــــن الشــــواغِلِ
فَمـــــا تَـــــوجَّهتَ إِلَيــــهِ مُقبِلا
ولــــم تَجِــــد ضــــراعةً إليــــه
وذِلَّـــــــةً وفاقــــــةً لــــــديه
ومـــــا وَجَــــدتَ موانــــعَ العَلائِقِ
عــــن رِحلـــةٍ إليـــه بـــالعَوائق
فــــذلك الخُــــذلانُ كُلُّــــه كمـــا
عُــــدِمتَ توفيقـــاً حُرِمـــتَ كرمـــاً
الفكــرُ ســيرُ القلــبِ فــى الأغيـار
مـــن حكَـــم القـــدير ذى اقتــدار
ميـــــدانُها لعبَـــــرةِ القُلــــوبِ
مَعبَــــــرَةٌ لمكســـــبِ الغُيـــــوبِ
ففكــــرةٌ القلـــبُ لـــه الســـراجُ
فـــى ظُلمَـــةِ الأغيـــار وابتهـــاجٌ
فــــالقلب حيـــثُ ذَهَبَـــت فكرتُـــه
يَــــذهبُ ضــــؤُه كــــذا بهجَتُــــهُ
فصـــار أعمَـــى خـــابطَ العَشـــواءِ
وظــــلَّ يمشـــى مشـــيةَ العَميـــاءِ
والفِكــــرُ فِكرتــــانِ بــــالتَّحقيقِ
ففكـــــرةُ الإيمــــانِ والتصــــديقِ
وفكـــــرةُ الشـــــَّهودِ والعَيــــانِ
تجـــرى مـــع التصـــديقِ والإيمــانِ
كَبُـــرَ العيـــانُ علــىّ حــتى أنّــهُ
صــارَ اليقيــنُ مــع العيـانِ توهُّمـاً
فـــالفكرةُ الأولـــى لــدى اعتبــارٍ
مـــــن المريــــدين أو النُّظّــــار
والمُتَــــــــوجِّهين والعُمّــــــــال
والســـــالكينَ مَســــلَك الكمــــالِ
ثانيهمـــــا شـــــاهِدَ استبصــــار
مَعـــــادِنَ الأنـــــوار والأســـــرا
نور الدين بن عبد الجبار بن نوري البريفكاني.علامة ملهم، ومدافع عن حقوق الكادحين، وحامي مصالح الفقراء والمساكين، ولد في قرية بريفكان، درس في قريته ثم رحل إلى الموصل طالباً العلم على علمائها الأفاضل،