
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الخَيـرُ فـي النـاسِ مَصـنوعٌ إِذا جُبرُوا
وَالشـرُّ فـي النـاسِ لا يَفنى وَإِن قُبرُوا
وَأَكثَــــرُ النــــاسِ آلاتٌ تُحرّكُهـــا
أَصــابِعُ الــدَّهرِ يَومــاً ثُـمَّ تَنكَسـِرُ
فَلا تَقـــولَنّ هَـــذا عـــالمٌ عَلـــمٌ
وَلا تَقـــولَنّ ذاكَ الســـَّيدُ الـــوَقرُ
فَأَفضــَلُ النــاسِ قطعـانٌ يَسـيرُ بِهـا
صـَوتُ الرُّعـاةِ وَمَـن لَـم يَمـشِ يَنـدَثِرُ
لَيـــــسَ فـــــي الغابـــــاتِ راعٍ
لا وَلا فيهـــــــــا القَطيــــــــع
فَالشــــــّتا يَمشــــــي وَلَكِـــــن
لا يُجـــــــــاريهِ الرَّبيـــــــــع
خُلِــــــقَ النّــــــاسُ عَبيــــــداً
لِلّــــــذي يَــــــأبى الخُضـــــوع
فَـــــإِذا مـــــا هَــــبّ يَومــــاً
ســــــائِراً ســــــارَ الجَميــــــع
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنّ
فَالغِنـــــا يَرعـــــى العُقـــــول
وَأَنيــــــنُ النّــــــاي أَبقـــــى
مِـــــــن مَجيـــــــدٍ وَذَليــــــل
وَمــا الحَيــاة ســِوى نَـومٍ تُـراوِدُهُ
أَحلامُ مَــن بِمــرادِ النَّفــسِ يَــأتَمرُ
وَالسـرّ فـي النَّفـس حزن النَّفس يَسترُهُ
فَـــإِن تَــوَلّى فَبِــالأَفراحِ يَســتَترُ
وَالسـرّ فـي العَيـش رَغـدُ العَيشِ يَحجبُه
فَــإِن أُزيــلَ تَــوَلّى حَجبَــهُ الكَـدَرُ
فَــإِن تَرَفّعــتَ عَـن رَغـدٍ وَعَـن كَـدَرٍ
جـاوَرتَ ظـلَّ الَّـذي حـارَت بِـهِ الفِكَـرُ
لَيــــسَ فــــي الغابـــاتِ حـــزنٌ
لا وَلا فيهـــــــــا الهُمــــــــوم
فَـــــــإِذا هَـــــــبّ نَســــــيمٌ
لَــــم تَجــــئ مَعــــهُ الســـُّموم
لَيــــــسَ حــــــزنُ النَّفـــــسِ إِلّا
ظـــــــلّ وَهــــــمٍ لا يَــــــدوم
وَغُيــــــومُ النَّفــــــسِ تَبـــــدو
مــــــن ثَناياهـــــا النُّجـــــوم
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنـــــا يَمحـــــو المِحَـــــن
وَأَنيــــــنُ النّــــــايِ يَبقـــــى
بَعــــــدَ أَن يَفنـــــى الزَّمَـــــن
وَقـلّ فـي الأَرض مَـن يَرضى الحَياة كَما
تَـأتيهِ عَفـواً وَلَـم يَحكـم بِـهِ الضّجرُ
لِـذاكَ قَـد حَوّلـوا نَهـرَ الحَياةِ إِلى
أَكـواب وَهـم إِذا طـافوا بِها خَدرُوا
فَالنّــاسُ إِن شــَرِبُوا ســُرّوا كَـأَنَّهُمُ
رَهـنُ الهَـوى وَعَلى التَّخديرِ قَد فُطرُوا
فَـــذا يُعَربِـــدُ إِن صــَلّى وَذاكَ إِذا
أَثـــرى وَذلـــكَ بِـــالأَحلامِ يَختَمِــرُ
فَـــالأَرضُ خَمّــارَةٌ وَالــدَّهرُ صــاحبها
وَلَيـسَ يَرضـى بِهـا غَيـر الأُلـى سكرُوا
فَــإِن رَأَيــتَ أخـا صـَحوٍ فَقُـل عَجَبـاً
هَـــلِ اِســتَظَلَّ بِغَيــمٍ مُمطِــرٍ قَمَــرُ
لَيــــسَ فــــي الغابـــاتِ ســـكرٌ
مِــــــن مُــــــدامٍ أَو خَيــــــال
فَالســــــَّواقي لَيـــــسَ فيهـــــا
غَيــــــر إِكســــــيرِ الغَمـــــام
إِنَّمــــــا التَّخـــــديرُ ثَـــــديٌ
وَحَليـــــــــــبٌ لِلأَنـــــــــــام
فَــــــإِذا شــــــاخُوا وَمـــــاتُوا
بَلَغــــــوا ســــــنَّ الفِطــــــام
أَعطِنـــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنــــــا خَيـــــرُ الشـــــَّراب
وَأَنِيــــــنُ النّــــــايِ يَبقـــــى
بَعـــــدَ أَن تَفنـــــى الهِضـــــاب
وَالـدِّينُ فـي النّاسِ حَقلٌ لَيسَ يَزرَعه
غَيــرُ الأُلــى لَهُــم فــي زَرعِـهِ وَطَـرُ
مِــن آمِــلٍ بِنَعيــمِ الخُلـدِ مبتشـرٍ
وَمِــن جَهُــولٍ يَخــافُ النّـارَ تَسـتَعِرُ
فَـالقَومُ لَـولاً عِقـابُ البَعـثِ ما عَبَدوا
رَبّـاً وَلَـولا الثَّـواب المُرتَجـى كَفَـرُوا
كَأَنَّمــا الـدّينُ ضـَربٌ مِـن مَتـاجرهم
إِن وَاظَبـوا رَبحـوا أَو أهملوا خَسِرُوا
لَيــــسَ فـــي الغابـــاتِ دِيـــنٌ
لا وَلا الكُفــــــــرُ القَبيــــــــح
فَــــــإِذا البُلبُــــــل غَنّــــــى
لَــــم يَقــــل هَــــذا الصــــَّحيح
إِنّ دِيــــــنَ النّـــــاسِ يَـــــأتي
مِثـــــــلَ ظِـــــــلّ وَيَـــــــرُوح
لَــــم يَقُــــم فــــي الأَرضِ دِيـــنٌ
بَعـــــــدَ طَــــــهَ وَالمَســــــيح
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا خَيــــــرُ الصـــــَّلاة
وَأَنِيــــــنُ النّـــــايِ يَبقـــــى
بَعـــــدَ أَن تَفنـــــى الحَيـــــاة
وَالعَدل في الأَرض يُبكي الجنّ لَو سَمِعوا
بِــهِ وَيستَضـحكُ الأَمـوات لَـو نَظَـروا
فَالسـّجنُ وَالمَـوتُ لِلجانينَ إِن صَغرُوا
وَالمَجـدُ وَالفَخـر وَالإِثـراء إِن كبرُوا
فَســـارق الزَّهــرِ مَــذمومٌ وَمُحتَقَــرٌ
وَسـارِقُ الحَقـل يُـدعى الباسـِلُ الخطرُ
وَقاتـــلُ الجســمِ مَقتــولٌ بِفعلَتِــهِ
وَقاتــلُ الـرُّوحِ لا تَـدري بِـهِ البَشـَرُ
لَيــــسَ فــــي الغابــــاتِ عَـــدلٌ
لا وَلا فيهـــــــــا العِقــــــــاب
فَـــــإِذا الصَّفصـــــافُ أَلقـــــى
ظِلّـــــــهُ فَــــــوقَ التُّــــــراب
لا يَقــــــولُ الســـــّرو هَـــــذي
بِدعَـــــــةٌ ضــــــِدّ الكِتــــــاب
إِنّ عَــــــدلَ النّــــــاسِ ثَلـــــجٌ
إِن رَأَتــــــــهُ الشــــــــَّمسُ ذاب
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنــــــا عَـــــدل القُلـــــوب
وَأَنيــــــنُ النّـــــايِ يَبقـــــى
بَعـــــد أَن تَفنـــــى الـــــذُّنوب
وَالحَــقّ لِلعَــزم وَالأَرواحُ إِن قـويت
ســادت وَإِن ضـعفت حَلَّـت بِهـا الغِيَـرُ
فَفــي العَرينَــةِ ريــحٌ لَيـسَ يقربُـهُ
بَنـو الثَّعـالبِ غـابَ الأُسـدُ أَم حَضرُوا
وَفــي الزَّرازيـرِ جُبـنٌ وَهـيَ طـائِرَةٌ
وَفــي الــبزاةِ شــُموخٌ وَهـيَ تحتَضـرُ
وَالعَـزمُ فـي الـرُّوحِ حَـقٌّ لَيـسَ يُنكرُهُ
عَـزمُ السـَّواعدِ شـاءَ النّـاسُ أَم نكرُوا
فَــإِن رَأَيــتَ ضــَعيفاً سـائِداً فَعَلـى
قَـومٍ إِذا مـا رَأوا أَشـباهَهم نَفَـرُوا
لَيــــسَ فــــي الغابـــاتِ عَـــزمٌ
لا وَلا فيهـــــــــا الضــــــــَّعيف
فَــــإِذا مــــا الأُســــدُ صــــاحَت
لَــــم تَقُــــل هَــــذا المخيــــف
إِنّ عَــــــزمَ النّــــــاسِ ظِـــــلٌّ
فــــي فَضــــا الفِكــــر يَطــــوف
وَحُقــــــوق النّــــــاسِ تَبلـــــى
مثـــــــــل أَوراق الخَريــــــــف
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنــــــا عَـــــزمُ النُّفـــــوس
وَأَنيــــــنُ النّــــــايِ يَبقـــــى
بَعـــــدَ أَن تَفنـــــى الشـــــُّموس
وَالعلـمُ فـي النّـاسِ سبلٌ بانَ أَوّلها
أَمّــا أَواخرهــا فَالــدَّهرُ وَالقَــدَرُ
وأَفضــَلُ العلــمِ حلـمٌ إِن ظفـرتَ بِـهِ
وَسـرتَ مـا بَيـنَ أَبنـاءِ الكَرى سَخِرُوا
فَــإِن رَأَيــتَ أَخــا الأَحلامِ مُنفَـرِداً
عَــن قَــومِهِ وَهــوَ مَنبــوذٌ وَمُحتَقَـرُ
فَهــوَ النَّبِــيّ وَبُـردُ الغـدِّ يحجبُـهُ
عَــن أُمّــةٍ بــرِداءِ الأَمــسِ تَــأَتَزِرُ
وَهـوَ الغَريـبُ عَـن الـدُّنيا وَساكنها
وَهـوَ المُجـاهِرُ لامَ النّـاسُ أَو عَـذَرُوا
وَهــوَ الشــَّديدُ وإن أَبــدى ملاينَـةً
وَهـوَ البَعيـدُ تَـدانى النّاسُ أم هجرُوا
لَيــــسَ فــــي الغابــــاتِ عِلـــمٌ
لا وَلا فيهـــــــــا الجهــــــــول
فَــــــإِذا الأَغصـــــانُ مـــــالَت
لَــــم تَقــــل هَــــذا الجَليــــل
إِنّ عِلــــــمَ النّـــــاسِ طُـــــرّاً
كَضــــــبابٍ فــــــي الحُقُــــــول
فَــــــإِذا الشــــــَّمسُ أَطَلَّــــــت
مِــــــن وَرا الأُفــــــقِ يَـــــزُول
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنـــــا خَيـــــرُ العُلُـــــوم
وَأَنيــــــنُ النّـــــاي يَبقـــــى
بَعـــــدَ أَن تطفـــــا النُّجُـــــوم
وَالحـرُّ فـي الأَرضِ يَبنـي مِـن منـازعِهِ
ســِجناً لَــهُ وَهــوَ لا يَـدري فَيؤتَسـَرُ
فَــإِن تَحــرّر مِــن أَبنــاء بجـدَتِهِ
يَظَــلّ عَبــداً لِمَــن يَهــوى وَيَفتَكِـرُ
فَهــوَ الأَريــبُ وَلَكــن فــي تَصـَلُّبِهِ
حَتّــى وَلِلحَــقِّ بُطـلٌ بَـل هُـوَ البَطَـرُ
وَهــوَ الطَّليــقُ وَلَكــن فــي تَسـَرُّعِهِ
حَتّــى إِلــى أَوجِ مَجــدٍ خالِــدٍ صـِغَرُ
لَيــــسَ فــــي الغابــــاتِ حُــــرٌّ
لا وَلا العَبـــــــــد الــــــــذَميم
إِنَّمــــــا الأَمجــــــادُ ســـــُخفٌ
وَفَقـــــــــــاقيعٌ تَعُــــــــــوم
فَــــإِذا مــــا اللَّــــوزُ أَلقَـــى
زَهــــــرَهُ فَــــــوقَ الهَشــــــيم
لَـــــم يَقــــل هَــــذا حَقِيــــرٌ
وَأَنـــــا المَـــــولى الكَريـــــم
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنــــــا مَجــــــدٌ أَثيــــــل
وَأَنِيــــــنُ النّـــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن زَنيـــــــمٍ وَجَليــــــل
وَاللُّطـفُ في النّاسِ أَصدافٌ وَإِن نعمت
أَضـلاعها لَـم تَكُـن فـي جَوفِهـا الدُّرَرُ
فَمــن خَــبيثٍ لَــهُ نَفســان واحِـدَةٌ
مِــنَ العَجيـنِ وَأُخـرى دُونَهـا الحجَـرُ
وَمِــن خَفيــفٍ وَمِــن مُســتَأنثٍ خَنـثٍ
تَكــادُ تُــدمي ثَنايــا ثَـوبِهِ الإِبَـرُ
وَاللُّطــفُ لِلنّــذلِ دِرعٌ يَســتَجيرُ بِـهِ
إِن راعَــهُ وَجَــلٌ أَو هــالَهُ الخَطَــرُ
فَــإِن لَقيــتَ قَوِيّــاً لَيّنــاً فَبِــهِ
لأَعيُـــنٍ فَقَـــدَت أَبصــارَها البصــَرُ
لَيــــسَ فــــي الغــــابِ لَطيــــفٌ
لينــــــهُ ليــــــنُ الجَبــــــان
فَغُصــــــونُ البـــــانِ تَعلُـــــو
فــــــي جـــــوارِ الســـــِّنديان
وَإِذا الطّــــــــاووسُ أُعطــــــــي
حلّـــــــــــةً كَــــــــــالأُرجُوان
فَهــــــوَ لا يَــــــدري أَحســـــَنٌ
فيــــــهِ أَم فيـــــهِ اِفتِتـــــان
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا لُطـــــفُ الوَديـــــع
وَأَنيــــــنُ النّـــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن ضـــــــَعيفٍ وَضــــــَليع
وَالظـرفُ فـي النّـاسِ تَمـويهٌ وَأَبغضُهُ
ظَـرفُ الأُلـى فـي فُنـونِ الاقتِدا مهرُوا
مــن مُعجَــبٍ بِــأُمورٍ وَهـوَ يَجهَلُهـا
وَلَيــسَ فيهــا لَــهُ نَفــعٌ وَلا ضــَرَرُ
وَمِــن عَــتيٍّ يَــرى فـي نَفسـِهِ ملكـاً
فــي صــَوتِها نَغَـمٌ فـي لَفظِهـا سـُوَرُ
وَمــن شــَموخٍ غَــدَت مِرآتُــهُ فَلَكـاً
وَظِلّـــهُ قَمَـــراً يَزهـــو وَيَزدَهِـــرُ
لَيــــسَ فــــي الغــــابِ ظَريـــفُ
ظَرفــــــهُ ضــــــعف الضــــــَّئيل
فَالصــــــَّبا وَهــــــيَ عَليــــــلُ
مــــا بِهــــا ســــَقمُ العَليــــل
إِنّ بِالأَنهـــــــــارِ طَعمـــــــــاً
مِثــــــلَ طَعــــــمِ السَّلســـــَبيل
وَبِهـــــــا هَــــــولٌ وَعَــــــزمٌ
يجــــــرفُ الصـــــَّلدَ الثَّقيـــــل
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنــــــا ظَـــــرفُ الظَّريـــــف
وَأَنيــــــنُ النّـــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن رَقيـــــــقٍ وَكَــــــثيف
وَالحُـبُّ فـي النـاسِ أَشـكالٌ وَأَكثَرُهـا
كَالعُشـبِ فـي الحَقـلِ لا زَهـرٌ وَلا ثَمَـرُ
وَأَكثَــرُ الحُــبّ مِثـلُ الـراحِ أَيسـَرُهُ
يُرضـــي وَأَكثَــرُهُ لِلمُــدمن الخَطِــرُ
وَالحُــبُّ إِن قــادَتِ الأَجســامُ مَـوكِبَهُ
إِلــى فِــراش مِــنَ الأَغــراضِ يَنتَحِـرُ
كَــأَنّهُ ملــكٌ فــي الأَســرِ مُعتَقَــلٌ
يَــأبى الحَيـاةَ وَأَعـوانٌ لَـهُ غَـدَروا
لَيــــسَ فــــي الغــــابِ خَليــــعٌ
يَــــــدّعي نبــــــلَ الغَـــــرام
فَــــــإِذا الثّيـــــرانُ خـــــارَت
لــــم تقــــل هَــــذا الهيــــام
إِنّ حُـــــــــبَّ النّــــــــاسِ داءٌ
بَيـــــــنَ لَحــــــمٍ وَعِظــــــام
فَـــــــإِذا وَلَّــــــى شــــــَبابٌ
يَختَفـــــــــي ذاكَ الســــــــّقام
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
فَالغِنـــــــا حُــــــبٌّ صــــــَحيح
وَأَنِيــــــنُ النّــــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن جَميــــــلٍ وَمَليــــــح
فَــإِن لَقيــتَ مُحبّــاً هائِمــاً كَلِفـاً
فــي جــوعِه شــبعٌ فـي وِردِهِ الصـَّدَرُ
وَالنّـاسُ قالوا هُوَ المَجنونُ ماذا عَسى
يَبغــي مِـنَ الحُـبِّ أَو يَرجـو فَيصـطبرُ
أَفــي هَــوى تِلــكَ يَسـتَدمي مَحـاجِرَهُ
وَلَيــسَ فـي تِلـكَ مـا يَحلـو وَيُعتَبَـرُ
فَقُـل هُـم البُهـمُ مـاتوا قَبلَما وُلِدوا
أَنّـى دَروا كنه من يحيي وَما اِختَبَرُوا
لَيــــسَ فــــي الغابـــاتِ عَـــدلٌ
لا وَلا فيهـــــــــا الرَّقيــــــــب
فَــــــإِذا الغُــــــزلانُ جُنّـــــت
إِذ تَــــــرى وَجـــــهَ المَغيـــــب
لا يَقـــــولُ النّســـــرُ واهـــــاً
إِنّ ذا شــــــــــَيء عَجيـــــــــب
إِنَّمـــــا العاقِـــــلُ يُـــــدعى
عِنــــــدَنا الأَمـــــرَ الغَريـــــب
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا خَيـــــرُ الجُنـــــون
وَأَنِيــــــنُ النّـــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن حَصـــــــيفٍ وَرَصــــــِين
وَقُـل نَسـينا فَخـارَ الفـاتِحينَ وَمـا
نَنسـى المَجـانِينَ حَتّـى يغمـرَ الغمـرُ
قَـد كـانَ فـي قَلبِ ذي القرنينِ مَجزَرَةٌ
وَفـــي حُشاشــَة قَيــسٍ هَيكَــلٌ وقــرُ
فَفــي اِنتِصــاراتِ هَـذا غلبَـةٌ خفيَـت
وَفـي اِنكِسـارات هَـذا الفَـوزُ وَالظفرُ
وَالحُـبّ في الرُّوحِ لا في الجسم نَعرفُهُ
كَــالخَمرِ لِلــوَحي لا لِلســّكر يَنعَصـرُ
لَيــــسَ فـــي الغابـــاتِ ذِكـــرٌ
غَيــــــر ذِكــــــر العاشـــــِقين
فَــــــالأُلى ســـــادوا وَمـــــادوا
وَطَغــــــــــوا بِالعـــــــــالَمين
أَصــــــبَحوا مِثــــــلَ حُــــــروفٍ
فــــــي أَســـــامي المُجرِميـــــن
فَـــــالهَوى الفَضـــــّاحُ يُـــــدعى
عِنـــــدَنا الفَتـــــح المُـــــبين
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَــــــنِّ
وَاِنــــــسَ ظُلــــــمَ الأَقوِيـــــاء
إِنَّمـــــــا الزّنبَــــــقُ كَــــــأسٌ
لِلنَّــــــــــدى لا لِلــــــــــدِّماء
وَمـا السـَّعادَةُ فـي الـدُّنيا سِوى شَبَحٍ
يُرجـى فَـإِن صـارَ جِسـماً ملّـهُ البَشـَرُ
كَــالنَّهرِ يَركُـضُ نَحـوَ السـَّهل مُكتَـدِحاً
حَتّـــى إِذا جـــاءَهُ يبطــي وَيَعتَكِــرُ
لَــم يَســعَدِ النّـاسُ إِلّا فـي تَشـوُّقهم
إِلـى المَنيـعِ فَـإِن صـارُوا بِهِ فَترُوا
فَــإِن لَقيــتَ ســَعيداً وَهـوَ مُنصـَرِفٌ
عَــنِ المَنيـعِ فَقُـل فـي خُلقـه العِبَـرُ
لَيــــسَ فــــي الغــــابِ رَجــــاءٌ
لا وَلا فيــــــــــهِ الملَـــــــــل
كَيــــفَ يَرجــــو الغــــابُ جُـــزءاً
وَعَلـــــــى الكُــــــلِّ حَصــــــَل
وَبِمــــــا الســــــَّعيُ بِغــــــابٍ
أَمَلاً وَهـــــــــــوَ الأَمَــــــــــل
إِنَّمــــــا العَيـــــشُ رجـــــاءً
إِحــــــدى هاتيــــــكَ العِلَـــــل
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا نــــــارٌ وَنُـــــور
وَأَنِيــــــنُ النّــــــايِ شـــــَوقٌ
لا يُـــــــــدانيهِ الفُتُــــــــور
وَغايَـةُ الـرّوح طَـيَّ الـرّوح قَـد خَفيت
فَلا المَظـــاهِرُ تُبــديها وَلا الصــُّوَرُ
فَــذا يَقــولُ هِــيَ الأَرواحُ إِن بَلَغَــت
حَــدَّ الكَمـالِ تَلاشـَت وَاِنقَضـى الخَبَـرُ
كَأَنَّمـــا هـــيَ أَثمــارٌ إِذا نَضــِجَت
وَمَـرّتِ الرّيـحُ يَومـاً عافَهـا الشـَّجَرُ
وذا يَقــولُ هِــيَ الأَجسـامُ إِن هَجَعَـت
لَـم يَبـقَ فـي الـرّوحِ تَهـويمٌ وَلا سَمَرُ
كَأَنَّمــا هِــيَ ظِــلٌّ فـي الغَـديرِ إِذا
تَعكّــرَ المــاءُ وَلّــت وَامّحـى الأَثَـرُ
ظَــلَّ الجَميـع فَلا الـذرّاتُ فـي جَسـَدٍ
تُثــوى وَلا هِــيَ فــي الأَرواحِ تحتضـَرُ
فَمــا طَــوَت شــَمألٌ أَذيـالَ عاقِلَـةٍ
إِلّا وَمَـــرّ بِهــا الشــّرقي فَتَنتَشــِرُ
لَـــم أَجـــد فـــي الغــابِ فَرقــاً
بَيـــــــنَ نَفـــــــسٍ وَجَســـــــَد
فَــــــالهَوا مـــــاءٌ تَهـــــادى
وَالنَّـــــــدى مــــــاءٌ رَكَــــــد
وَالشــــــَّذا زَهـــــرٌ تَمـــــادى
وَالثَّـــــــرى زَهــــــرٌ جمَــــــد
وَظلالُ الحـــــــــورِ حـــــــــورٌ
ظَـــــــــــنَّ لَيلاً فَرَقَـــــــــــد
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنـــــــــا جِســـــــــمٌ وَرُوح
وَأَنِيــــــنُ النّـــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن غَبـــــــوقٍ وَصــــــَبوح
وَالجســمُ لِلــرّوحِ رحـمٌ تسـتَكنُّ بِـهِ
حَتّــى البُلــوغ فَتَســتَعلي وَيَنغَمِــرُ
فَهِـيَ الجَنيـنُ وَمـا يَـومُ الحِمامِ سِوى
عَهـــدِ المَخــاض فَلا ســَقطٌ وَلا عســرُ
لَكــنّ فــي النّـاسِ أَشـباحاً يُلازِمُهـا
عقــمُ القِسـيّ الَّـتي مـا شـَدَّها وَتَـرُ
فَهــيَ الدَّخيلَــةُ وَالأَرواحُ مـا وُلِـدَت
مِـنَ القفيـلِ وَلَـم يحبـل بِهـا المدَرُ
وَكَــم عَلــى الأَرضِ مِــن نَبـتٍ بِلا أَرجٍ
وَكَــم علا الأُفــق غَيـمٌ مـا بِـهِ مَطَـرُ
لَيــــسَ فــــي الغــــابِ عَقيـــمٌ
لا وَلا فيهـــــــــا الــــــــدَّخيل
إِنّ فــــــي التَّمـــــر نَـــــواةً
حَفظـــــــت ســــــِرَّ النَّخيــــــل
وَبِقُــــــرصِ الشــــــَّهدِ رَمـــــزٌ
عَـــــــن قَفيـــــــرٍ وَحُقــــــول
إِنَّمــــــا العـــــاقِرُ لَفـــــظٌ
صــــيغَ مِــــن مَعنــــى الخُمـــول
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا جِســــــمٌ يَســــــيل
وَأَنِيــــــنُ النّــــــايِ أَبقـــــى
مِـــــــن مســــــوخٍ وَنغــــــول
وَالمَـوتُ فـي الأَرضِ لابـن الأَرضِ خاتِمَـةٌ
وَللأَثيـــريّ فَهــوَ البَــدءُ وَالظّفَــرُ
فَمَــن يُعــانِقُ فــي أَحلامِــهِ سـَحَراً
يَبقـى وَمَـن نـامَ كُـلَّ اللَّيـل يَنـدَثِرُ
وَمَـــن يلازمُ تربــاً حــالَ يَقظَتِــهِ
يُعــانق التُّــربَ حَتّـى تخمـد الزُّهـرُ
فَـالمَوتُ كَـالبَحر مَـن خَفّـت عَناصـِرُهُ
يَجتـــازُهُ وَأَخــو الأَثقــالِ يَنحَــدِرُ
لَيــــسَ فـــي الغابـــاتِ مَـــوتٌ
لا وَلا فيهـــــــــا القُبــــــــور
فَـــــــإِذا نيســــــانُ وَلّــــــى
لَــــم يمُــــت مَعــــهُ الســــُّرور
إِنّ هَــــــولَ المَـــــوتِ وَهـــــمٌ
يَنثَنــــــي طَــــــيَّ الصــــــُّدور
فَالَّــــــذي عــــــاشَ رَبيعــــــاً
كَالَّــــــذي عــــــاشَ الـــــدُّهور
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
فَالغِنــــــا ســــــِرُّ الخُلـــــود
وَأَنِيــــــنُ النّـــــايِ يَبقـــــى
بَعـــــدَ أَن يَفنـــــى الوُجُـــــود
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
وَانــــسَ مــــا قُلــــتُ وَقُلتــــا
إِنَّمــــــا النّطــــــقُ هَبـــــاءٌ
فَأَفِــــــدني مــــــا فَعَلتــــــا
هَــــل تخــــذتَ الغـــابَ مِثلـــي
مَنـــــــــزِلاً دُونَ القُصـــــــــُور
فَتَتَبَّعـــــــــتَ الســـــــــّواقي
وَتَســــــــــَلّقتَ الصــــــــــُّخور
هَـــــــل تَحَمّمــــــتَ بِعِطــــــرٍ
وَتَنشـــــــــــّفتَ بِنُـــــــــــور
وَشــــــَربتَ الفَجـــــرَ خَمـــــراً
فـــــي كُـــــؤوسٍ مِــــن أَثِيــــر
هَــــل جَلَســــتَ العَصـــرَ مِثلـــي
بَيــــــنَ جَفنــــــاتِ العِنَـــــب
وَالعَناقيــــــــــدُ تَـــــــــدَلّت
كَثرَيَّــــــــــاتِ الــــــــــذَّهَب
فَهــــــيَ لِلصـــــّادي عُيُـــــونٌ
وَلمــــــن جــــــاعَ الطّعــــــام
وَهـــــيَ شــــَهدٌ وَهــــيَ عطــــرٌ
وَلمــــــن شــــــاءَ المــــــدام
هَـــــل فَرَشـــــتَ العُشـــــبَ لَيلاً
وَتَلَحّفــــــــــتَ الفَضــــــــــا
زاهِــــداً فــــي مـــا ســـَيَأتي
ناســـــياً مـــــا قَــــد مَضــــى
وَســــــُكوتُ اللَّيــــــلِ بَحـــــرٌ
مَـــــــوجُهُ فـــــــي مَســــــمَعك
وَبِصــــــَدرِ اللَّيــــــلِ قَلـــــبٌ
خـــــــافِقٌ فـــــــي مَضــــــجعك
أَعطِنــــــي النّــــــايَ وَغَـــــنِّ
وَاِنـــــــــــــــــــسَ داءً وَدَواء
إِنَّمــــــا النّــــــاسُ ســـــُطُورٌ
كُتِبَـــــــت لَكِـــــــن بِمــــــاء
لَيـــــتَ شـــــِعري أَيّ نَفـــــعٍ
فــــــي اِجتِمــــــاعٍ وَزحــــــام
وَجِـــــــــــدالٍ وَضـــــــــــَجيجٍ
وَاِحتِجــــــــــاجٍ وَخِصــــــــــام
كُلُّهــــــا أَنفــــــاقُ خُلـــــدٍ
وَخُيــــــــــوط العَنكَبـــــــــوت
فَالَّــــــذي يَحيــــــا بِعَجـــــزٍ
فَهـــــوَ فـــــي بُطــــءٍ يَمــــوت
العَيـشُ فـي الغـابِ وَالأَيّـام لَو نُظِمَت
فـي قَبضـَتي لَغَـدَت فـي الغابِ تَنتَثِرُ
لَكـن هُـوَ الـدَّهرُ فـي نَفسي لَهُ أَرَبٌ
فَكُلَّمــا رُمــتُ غابــاً قــامَ يَعتَـذِرُ
وَلِلتَّقــــاديرِ ســــُبلٌ لا تُغَيِّرُهـــا
وَالنّـاس فـي عَجزِهـم عَن قَصدِهم قَصرُوا
جبران بن خليل جبران بن ميخائيل بن سعد، من أحفاد يوسف جبران الماروني البشعلاني اللبناني. نابغة الكتاب المعاصرين في المهجر الأمريكي، وأوسعهم خيالاً أصله من دمشق، نزح أحد أجداده إلى بعلبك ثم إلى قرية بشعلا في لبنان وانتقل جده يوسف جبران إلى قرية (بشري)، وفيها ولد جبران. تعلم ببيروت وأقام أشهراً بباريس، ورحل إلى الولايات المتحدة سنة 1895 مع بعض أقاربه. ثم عاد إلى بيروت فتثقف بالعربية أربع سنوات، وسافر إلى باريس سنة 1908، فمكث ثلاث سنوات حاز في آخرها إجازة الفنون في التصوير وتوجه إلى أمريكا فأقام في نيويورك إلى أن توفي ونقل رفاته إلى مسقط رأسه في لبنان. امتاز بسعة خياله وعمق تفكيره، وقبلت رسومه في المعرض الدولي الرسمي بفرنسا. وفي. ونقل رفاته إلى مسقط رأسه (بشري). امتاز بسعة في خياله وعمق في تفكيره، وقبلت رسومه في المعرض الدولي الرسمي بفرنسا. واختير (عضو شرف) في جمعية (المصورين) الانكليزية. من كتبه (دمعة وابتسامة - ط) و (عرائس المروج - ط) و (الارواح المتمردة ط) و (الاجنحة المتكسرة - ط) و (العواصف - ط) و (المواكب - ط) نظم، وهو شاعر في نثره لا في نظمه، و (ما وراء الخيال - ط) و (في مواكب الامم والشعوب - ط) و (نبذة في الموسيقى - ط) وجمع أحد الأدباء فقرات من كتاباته سماها (كلمات جبران - ط) وكان يجيد الانكليزية ككتابها، وله فيها كتب، منها (النبي - ط) و (السابق - ط) و (المجنون - ط) ترجمت إلى العربية ونشرت بها (عن الأعلام للزركلي)