
الأبيات54
أَلا عِــمْ صــَباحاً أَيُّهــا الطَّلَــلُ الْبـالِي
وَهَـلْ يَعِمَـنْ مَـنْ كـانَ فِـي الْعُصـُرِ الْخـالِي
وَهَــلْ يَـعِــمَــنْ إِلَّا سَـعِــيــدٌ مُـخَــلَّــدٌ
قَلِيـــلُ الْهُمـــومِ مـا يَبِـيــتُ بِأَوْجــالِ
وَهَـــلْ يَـعِــمَـــنْ مَـنْ كـانَ أَحْـدَثُ عَهْـدِهِ
ثَـلاثِــيـــنَ شــَهْراً فِــي ثَلاثَـــةِ أَحْـوالِ
دِيـــارٌ لِسَـلْمـــى عـافِـيــاتٌ بِـذِي خـالٍ
أَلَـحَّ عَــلَيْـــهـــا كُـلُّ أَسْـحَــمَ هَـطَّــالِ
وَتَـحْــسَـــبُ سَلْمَـــى لا تَــزالُ تَــرى طَلاً
مِـــنَ الْـــوَحْشِ أَوْ بَيضــاً بِمَيْثــاءَ مِحْلالِ
وَتَـحْــسَــــبُ سَلْمَـــى لا نَـزالُ كَعَهْـدِنــا
بِــوادِي الْخُزامـــى أَوْ عَلــى رَسِّ أَوْعــالِ
لَيــالِيَ سَـلْمَـــى إِذْ تُـرِيـــكَ مُـنَـصَّبــاً
وَجِيـــداً كَجِـيـــدِ الـرِّئْمِ لَيْـسَ بِمِــعْطالِ
أَلا زَعَـمَــــتْ بَسْـبـاسَـــةُ الْيَــوْمَ أَنَّنِـي
كَبِــــرْتُ وَألَّا يُحْــــسِنُ اللَّهْــوَ أَمْثــالِي
كَذَبْـــتِ لَقَــدْ أُصْبِــي عَلَـى الْمَـرْءِ عِرْسـَهُ
وَأَمْنَـــعُ عِرْسِـــي أَنْ يُــزَنَّ بِهـا الْخـالِي
وَيـــا رُبَّ يَـــوْمٍ قَـــدْ لَهَـــوْتُ وَلَيْــلَةٍ
بِــآنِـــسَـــةٍ كَــأَنَّهــا خَـطُّ تِـمْــثــالِ
يُـضِــــيءُ الْفِــراشَ وَجْهُهــا لِضَجِـيـعِهــا
كَـمِــصْـبـــاحِ زَيْـتٍ فِـي قَنـاديــلِ ذُبَّـالِ
كَــأَنَّ عَــلى لَبَّـاتِهـــا جَـمْـــرَ مُـصْـطَـلٍ
أَصـــابَ غَـضـــاً جَــزْلاً وَكُــفَّ بِـأَجْـــذالِ
وَهَــبَّتْ لَـهُ رِيــحٌ بِـمُــخْــتَــلَفِ الصـُّوا:
صَـبــــاً وَشَـمـــالٌ فــي مَنــازِلِ قُفَّــالِ
وَمِـثْـــلِكِ بَـيْــضـــاءَ الْعَــوارِضِ طَفْــلَةٍ
لَعُــوبٍ تُنَـسِّـيـنِـــي إِذا قُمْــتُ سِرْبــالِي
كَحِـقْـــفِ النَّقــا يَمْشـِي الْوَليـدانِ فَـوْقَهُ
بِمـــا احْتَـسَـبــا مِـنْ لِيـنِ مَـسٍّ وَتَسـْهالِ
لَطـيــفَـــةِ طَـيِّ الْكَشْــحِ غَيْــرِ مُفـاضَــةٍ
إِذا انْفَتَلَـــتْ مُرْتَـــجَّةً غَيْـــرَ مِتْـــفالِ
إِذا مــا الضــَّجِيعُ ابْتَزَّهــا مِـنْ ثِيابِهـا
تَـمِــيــلُ عَلَيْــهِ هَوْنَــةً غَيْــرَ مِجْـبــالِ
تَـنَــوَّرْتُهـــا مِــنْ أَذْرُعــاتٍ وَأَهْـلُهـــا
بِـيَــثْـــرِبَ أَدْنَــى دارِهــا نَـظَــرٌ عـالِ
نَـظَـــرْتُ إِلَيْـهـــا وَالنُّـجـــومُ كَأَنَّهــا
مَـصــابِــيـــحُ رُهْـبـــانٍ تُشَـــبُّ لِقُفَّـالِ
سَمَـــوْتُ إِلَيْهـــا بَعْــدَ مـا نـامَ أَهْلُهـا
سُمُـــوَّ حَبـــابِ الْمــاءِ حــالاً عَلـى حـالِ
فَـقـــالَتْ سَـبـــاكَ اللـهُ إِنَّـكَ فاضِـحِــي
أَلَســْتَ تَــرى السُّمَّـــارَ وَالنَّـاسَ أَحْـوالِي
فَـقُـــلْتُ يَـمِــيــنَ اللـهِ أَبْـرَحُ قاعِــداً
وَلَــو قَـطَّــعُـــوا رَأْسـِي لَـدَيْكِ وَأَوْصـالِي
حَـلَفْــــتُ لَهــا بِــاللَّهِ حَلْفَـــةَ فاجِــرٍ
لَنامُـــوا فَمـــا إِنْ مِــنْ حَـدِيثٍ وَلا صـالِ
فَلَمَّـــا تَنـازَعْـنـــا الْحَدِيــثَ وَأَسْمَــحَتْ
هَـصَـــرْتُ بِـغُــصْــنٍ ذي شَمـارِيــخَ مَيَّــالِ
وَصِرْنـــا إِلــى الْحُسْـنَـــى وَرَقَّ كَلامُـنــا
وَرُضْــــتُ فَـــذَلَّتْ صَــعْـــبَــــةً أَيَّ إِذْلال
فَأَصْـبَـحْـــتُ مَعْـشُـوقــاً وَأَصْبَــحَ بَعْــلُها
عَلَيْـــهِ الْقَتـــامُ ســَيِّئَ الظَّــنِّ وَالْبـالِ
يَـغِـــطُّ غَـطِــيـــطَ الْبَـكْــرِ شـُدَّ خِنـاقُهُ
لِيَـقْــتُــلَنِـــي وَالْمَــرْءُ لَيْـسَ بِقَـتَّــالِ
أَيَـقْـتُــلُنِـــي وَالْمَـشْـرَفِــيُّ مُضـاجِـعِــي
وَمَـسْــنُــونَـــةٌ زُرْقٌ كَـأَنْــيــابِ أَغْـوالِ
وَلَيْــسَ بِــذِي رُمْــحٍ فَـيَــطْــعَــنَـنـي بِهِ
وَلَيْــسَ بِــذِي سَـيْـــفٍ وَلَيْــسَ بِـنَــبَّــالِ
أَيَـقْــتُــلُنِـــي وَقَــدْ شَـغَـفْــتُ فُؤادَهـا
كَمـــا شَغَـــفَ الْمَهْنُـوءَةَ الرَّجُـلُ الطَّـالِي
وَقَــدْ عَلِمَـــتْ سَلْمَـــى وَإِنْ كـانَ بَعْــلَها
بِـــأَنَّ الْفَـتَـــى يَهْــذِي وَلَيْـسَ بِفَـعَّــالِ
وَمـــاذا عَـلَيْـــهِ إِنْ ذَكَــرْتُ أَوانِـســـاً
كَـغِـــزْلانِ رَمْــلٍ فِــي مَحـاريــبِ أَقْيــالِ
وَبَــيْــــتِ عَــذارى يَــوْمَ دَجْــنٍ وَلَجْــتُهُ
يَـطُــفْــــنَ بِجَــمَّاءِ الْمَرافِــقِ مِكْـســالِ
سِبـــاطِ الْبَنـــانِ وَالْعَرانِـــينِ وَالْقَنـا
لِطـــافِ الْخُـصـــورِ فـي تَمــامٍ وَإِكْمــالِ
نَواعِـــمَ يُتْـبِـعْـــنَ الْهَـوى سـُبُلَ الـرَّدَى
يَـقُــــلْنَ لِأَهْـــلِ الْحِـــلْمِ ضــُلّاً بِتَضْــلالِ
صَرَفْـــتُ الْهَــوى عَنْهُـنَّ مِـنْ خَشـْيَةِ الـرَّدى
وَلَسْـــتُ بِـمَــقْــــلِيِّ الْخِـــلالِ وَلا قــالِ
كَـــــأَنِّيَ لَـمْ أَرْكَــــبْ جَــــواداً لِلَـذَّةٍ
وَلَــمْ أَتَـبَــــطَّنْ كـاعِـبــاً ذاتَ خَلْخــالِ
وَلَـمْ أَسْــبَــــأِ الـزِّقَّ الـرَّوِيَّ وَلَـمْ أَقُـلْ
لِخَـيْــلِيَ كُــرِّي كَــرَّةً بَـعْـــدَ إِجْـفـــالِ
وَلَــمْ أَشْهَـــدِ الْخَيْــلَ الْمُغِيـرَةَ بِالضـُّحَى
عَـــلى هَـيْــكَــــلٍ نَهْـدِ الْجُـزارَةِ جَـوَّالِ
سَلِيـــمَ الشـَّظى عَبْـلِ الشـُّوى شـَنِجِ النَّسـا
لَـهُ حَـجَــبـــاتٌ مُـشْـرِفــاتٌ عَلـى الْفـالِ
وَصُـــمٌّ صِـــلابٌ مــا يَـقِـيــنَ مِـنَ الْـوَجى
كَـــأَنَّ مَـكـــانَ الـرِّدْفِ مِـنْــهُ عَلـى رَالِ
وَقَــدْ أَغْتَـــدِي وَالطَّيْـــرُ فِـي وُكُنــاتِها
لِغَــيْــــثٍ مِــنَ الْوَسْـمِـــيِّ رائِدُهُ خــالِ
تَـحـامـــاهُ أَطْــرافُ الرِّمـاحِ تَحـامِـيــاً
وَجـــادَ عَــلَيْـــهِ كُــلُّ أَسْـحَــمَ هَـطَّــالِ
بِـعِــجْـــلِزَةٍ قَــدْ أَتْـرَزَ الْجَـرْيُ لَحْمَهــا
كُـمَـــيْـــتٍ كَـأَنَّهـــا هِــراوَةُ مِـنْــوالِ
ذَعَــرْتُ بِهــا سِـرْبـــاً نَـقِــيّــاً جُلـودُهُ
وَأَكْـــرُعُهُ وَشْـــيُ الْبُــرودِ مِــنَ الْخــالِ
كَــــأَنَّ الصُّــــوارَ إِذْ تَــــجَهَّدَ عَـــدْوَهُ
عَـــلى جَـمَـــزَى خَـيْـــلٌ تَجُــولُ بِأَجــْلالِ
فَـجـــالَ الصُّــوارُ وَاتَّقَـيْـــنَ بِـقَـرْهَــبٍ
طَـويــــلِ الْقَــرا وَالـرَّوْقِ أَخْنَــسَ ذَيَّـالِ
فَـعـــادى عِــداءً بَـيْـــنَ ثَـوْرٍ وَنَعْـجَــةٍ
وَكـــانَ عِــداءُ الْــوَحْشِ مِنِّــي عَلـى بـالِ
كَـأَنِّـــي بِفَـتْـخــاءِ الْجَنـاحَـيْــنِ لِقْـوَةٍ
صَيُـــودٍ مِــنَ الْعِقـبـــانِ طَأْطَـأْتُ شـِملالِي
تَـخَــــطَّفُ خِـــزّانَ الشَّـــرَبَّةِ بِـالضُّـحَــى
وَقَـــدْ حَـجَـــرَتْ مِـنْـهــا ثَعــالِبُ أَوْرالِ
كَـــأَنَّ قُلُــوبَ الطَّيْــرِ رَطْبــاً وَيابِـســاً
لَــدى وَكْرِهـــا الْعُنَّـابُ وَالْحَشـَفُ الْبـالِي
فَـــلَوْ أَنَّ مــا أَسْعَـــى لِأَدْنَـى مَعِـيـشَــةٍ
كَفـانِــي -وَلَـمْ أَطْلُبْ- قَلِيــلٌ مِـنَ الْمـالِ
وَلَكِــنَّمــــا أَسْـــعَى لِمَــجْــــدٍ مُــؤَثَّلٍ
وَقَــدْ يُــدْرِكُ الْمَجْـــدَ الْمُؤَثَّــلَ أَمْثـالِي
وَمــا الْمَــرْءُ مــا دامَـتْ حُشــاشَةُ نَفْسـِهِ
بِـمُـــــدْرِكِ أَطْـــرافِ الْخُـطُــــوبِ وَلا آلِ
امْرُؤُ القيس بنُ حُجْر
قبل الإسلامامرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
قصائد أخرىلامْرُؤُ القيس بنُ حُجْر
قِفـا نَبْـكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِـيـبٍ وَمَنْزِلِ
أَلا عِمْ صَباحاً أَيُّها الطَّلَلُ الْبالِي
خَـلِيــلَيَّ مُـرَّا بِـي عَـلى أُمِّ جُـنْــدَبِ
سَمـا لَكَ شَوْقٌ بَعـدَمـا كانَ أَقْصَرا
أَعِــنِّـــي عَــلى بَــرْقٍ أَراهُ وَمِــيـــضِ
غَشِـيـتُ دِيارَ الْحَيِّ بِالْبَـكَـراتِ
لِمَــنْ طَــلَلٌ أَبْـصَــرْتُهُ فَـشَــجــانِــي
قِفـا نَبْـكِ مِنْ ذِكْرى حَبِيبٍ وَعِرْفانِ
أَرانـا مُـوضِـعـيـنَ لِأَمْرِ غَيْـبٍ
أَماوِيَّ هَلْ لِي عِنْـدَكُـمْ مِن مُعَرَّسِ
أَلِمَّا عَلى الرَّبْعِ الْقَدِيمِ بِعَسْعَسا
لَعَمْرُكَ ما قَلْبِي إلى أَهْلِهِ بِحُرّْ
لِمَنِ الدِّيارُ غَشِيتُها بِسُحامِ
يا دارَ مَاوِيَّةَ بِالْحَائِلِ
رُبَّ رامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلٍ
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025