
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
دعِ اللَّـومَ إن اللَّـومَ عـونُ النوائِبِ
ولا تتجــاوز فيــه حــدَّ المُعــاتِبِ
فمــا كـلُّ مـن حـطَّ الرحـالَ بمخفِـقٍ
ولا كــلُّ مــن شــدَّ الرحـال بكاسـبِ
وفـي السـعي كَيْـسٌ والنفـوسُ نفـائسٌ
وليــس بكَيْــسٍ بيعُهــا بالرغــائبِ
ومــا زال مــأمولُ البقـاء مُفضـّلاً
علـى المُلـك والأربـاحِ دون الحرائبِ
حضضــتَ علـى حطـبي لنـاري فلا تـدعْ
لـك الخيـرُ تحـذيري شـرورَ المَحاطبِ
وأنكــرتَ إشــفاقي وليــس بمـانعي
طِلابـــي أن أبغـــي طلابَ المكاســبِ
ومـن يلـقَ مـا لاقيـتُ فـي كل مجتنىً
مـن الشـوك يزهدْ في الثمار الأَطايبِ
أذاقتنـيَ الأسـفارُ مـا كَـرَّه الغِنَـى
إلــيَّ وأغرانــي برفــض المطــالبِ
فأصــبحتُ فـي الإثـراء أزهـدَ زاهـدٍ
وإن كنـت فـي الإثـراء أرغـبَ راغـبِ
حريصــاً جبانـاً أشـتهي ثـم أنتهـي
بلَحْظـي جنـاب الـرزق لحـظَ المراقبِ
ومــن راح ذا حــرص وجبــن فــإنه
فقيـر أتـاه الفقـر مـن كـل جـانبِ
ولمـــا دعـــاني للمثوبــة ســيّدٌ
يـرى المـدح عاراً قبل بَذْل المثَاوبِ
تنـــازعني رغْـــبٌ ورهــب كلاهمــا
قـــويٌّ وأعيـــاني اطِّلاعُ المغــايبِ
فقـــدمتُ رجلاً رغبــةً فــي رغيبــةٍ
وأخّــــرتُ رجلاً رهبـــةً للمعـــاطبِ
أخــافُ علـى نفسـي وأرجـو مَفازَهـا
وأســتارُ غَيْـب اللّـهِ دونَ العـواقبِ
ألا مـن يرينـي غـايتي قبـل مـذهبي
ومـن أيـن والغايـاتُ بعـد المذاهبِ
ومِــنْ نكبــةٍ لاقيتُهــا بعـد نكبـةٍ
رَهِبــتُ اعتسـاف الأرضِ ذاتِ المنـاكبِ
وصــبري علـى الإقتـار أيسـرُ مَحْملاً
علــيَّ مِـنَ التغريـر بعـد التجـاربِ
لقِيـتُ مـن البَـرِّ التّباريـحَ بعـدما
لقيـتُ مـن البحـر ابيضـاضَ الذوائبِ
ســُقيتُ علــى ريٍّ بــه ألــفَ مَطْـرةٍ
شــُغفتُ لبغضــِيها بحــبّ المجَــادِبِ
ولــم أُسـْقَها بـل سـاقَها لمكيـدتي
تَحــامُق دهــرٍ جَــدَّ بــي كـالمُلاعبِ
إلـى اللَّـه أشـكو سـخفَ دهـري فإنه
يُعــابثني مــذ كنــت غيـرَ مُطـائبِ
أبَـى أن يُغيـثَ الأرضَ حتى إذا ارتمتْ
برحلــي أتاهـا بـالغُيوثِ السـواكبِ
سـقى الأرضَ مـن أجلـي فأضـحتْ مَزِلَّـةً
تَمايَـــلُ صــاحيها تمايُــلَ شــاربِ
لتعويــقِ ســيري أو دحــوضِ مَطيَّـتي
وإخصــابِ مُــزوَّرٍ عـن المجـد نـاكبِ
فملــتُ إلــى خــانٍ مُــرثٍّ بنــاؤُه
مميــلَ غريــقِ الثـوب لهفـانَ لاغِـبِ
فلــم ألــقَ فيـه مُسـتراحاً لمُتعَـبٍ
ولا نُــــزُلاً أيــــانَ ذاك لســـاغِبِ
فمــا زلـتُ فـي خـوفٍ وجـوعٍ ووحشـةٍ
وفــي ســَهَرٍ يسـتغرقُ الليـلَ واصـبِ
يـــؤرِّقني ســـَقْفٌ كـــأّنيَ تحتـــه
مـن الوكـفِ تحـت المُدْجِنات الهواضبِ
تـراهُ إذا مـا الطيـنُ أثقـلَ متنَـهُ
تَصـــِرُّ نــواحيه صــريرَ الجنــادبِ
وكـم خَـانِ سـَفْرٍ خَـانَ فـانقضَّ فوقهم
كمـا انقـضَّ صـقرُ الدجنِ فوق الأرانبِ
ولــم أنـسَ مـا لاقيـتُ أيـامَ صـحوِهِ
مــن الصـّرِّ فيـه والثلـوج الأشـاهبِ
ومـا زال ضـاحِي البَـرِّ يضـربُ أهلَـهُ
بســوطَيْ عــذابٍ جامــدٍ بعــد ذائبِ
فــإن فــاته قَطْــرٌ وثلــج فــإنه
رَهيـــن بســافٍ تــارةً أو بحاصــبِ
فــذاك بلاءُ الــبرِّ عنــديَ شــاتياً
وكــم لـيَ مـن صـيفٍ بـه ذي مثـالبِ
ألا رُبَّ نــارٍ بالفضــاء اصــطليتُها
مـنَ الشـَّمسِ يـودي لَفْحُهَـا بالحواجبِ
إذا ظلــتِ البيـداءُ تطفـو إِكامُهـا
وترســُبُ فــي غَمْــرٍ مـن الآلِ ناضـبِ
فـدعْ عنـك ذكـرَ البَـرِّ إنـي رأيتُـهُ
لمـن خـاف هـولَ البحـر شَرَّ المَهاربِ
كِلا نُزُلَيْــــهِ صــــيفُهُ وشــــتاؤُهُ
خلافٌ لمـــا أهــواهُ غيــرُ مُصــاقبِ
لُهــاثٌ مُميــتٌ تحــت بيضـاءَ سـُخْنَةٍ
وَرِيٌّ مُفيـــتٌ تحـــت أســْحَمَ صــائبِ
يجـفُّ إذا مـا أصـبح الرّيـقُ عاصـباً
ويُغــدقُ لــي والرّيـق ليـس بعاصـبِ
ويمنـع منّـي المـاءَ واللَّـوحُ جاهـدٌ
ويُغرِقنــي والــريُّ رَطْــبُ المحَـالِب
ومـا زال يَبغينـي الحتـوفَ مُوارِبـاً
يحــوم علــى قتلــي وغيـرَ مُـواربِ
فطـــوراً يُغـــاديني بلــصٍّ مُصــَلِّتٍ
وطــوراً يُمَســّيني بــورْدِ الشـَّواربِ
إلـى أنْ وقـاني اللَّـه محـذورَ شـرّهِ
بعزتِـــهِ واللَّـــه أَغلـــب غــالبِ
فـــأفلتُّ مـــن ذُؤبــانهِ وأُســودِهِ
وحُرَّابِــــهِ إفلاتَ أَتــــوب تـــائبِ
وأمــا بلاءُ البحــر عنــدي فــإنه
طـواني علـى رَوعٍ مـنَ الـروح واقـبِ
ولـو ثـاب عقلـي لـم أدعْ ذكرَ بعضهِ
ولكنــه مــن هــولِهِ غيــرُ ثــائبِ
وَلِــمْ لا ولــو أُلقيـتُ فيـه وصـخرةً
لــوافيت منــه القعــرَ أوّلَ راسـبِ
ولــم أتعلــم قــط مـن ذي سـباحةٍ
سـوى الغـوص والمضـعوف غيـرُ مغالِب
فأيســرُ إشـفاقي مـن المـاء أننـي
أمـرُّ بـه فـي الكـوز مـرَّ المُجـانبِ
وأخشـى الـردى منـه علـى كـل شاربٍ
فكيــف بــأَمْنِيه علــى نفـس راكـبِ
أظــــلُّ إذا هزتــــهُ ريـــحٌ ولألأتْ
لـه الشـمسُ أمواجـاً طِـوالَ الغواربِ
كــأني أرى فيهــنّ فُرســانَ بُهمــةٍ
يُليحــون نحـوي بالسـيوف القواضـبِ
فـإن قُلْـتَ لـي قد يُركَبُ اليمُّ طامياً
ودجلــةُ عنـد اليـمِّ بعـضُ المَـذانبِ
فلا عـذرَ فيهـا لامرىـءٍ هـابَ مثلَهـا
وفـي اللُّجَّـةِ الخضـراء عـذرٌ لهـائبِ
فــإنّ احتجــاجي عنـك ليـس بنـائمٍ
وإن بيـــاني ليــس عنــي بعــازبِ
لدجلــةَ خَــبٌّ ليــس لليــمِّ إنهــا
تُــرائي بحلــمٍ تحتــه جهـلُ واثـبِ
تَطــــامَنُ حـــتى تطمئنَّ قلوبُنـــا
وتغضـبُ مـن مـزحِ الريـاح اللـواعبِ
وأَجرافُهـــا رهْـــنٌ بكــلِّ خيانــةٍ
وغَــدْرٍ ففيهــا كُــلُّ عَيْــبٍ لِعـائبِ
ترانـا إذا هـاجتْ بهـا الرِّيحُ هَيْجةً
نُزَلــزَلُ فــي حَوماتهــا بـالقواربِ
نُــوائِلُ مـن زلزالهـا محـو خسـفها
فلا خيــرَ فــي أوسـاطها والجـوانبِ
زلازلُ مـــوجٍ فـــي غمــارٍ زواخــرٍ
وهــدَّاتُ خَســْفٍ فــي شــطوطٍ خـواربِ
ولليـــمِّ إعـــذارٌ بعــرضِ متــونِهِ
ومــا فيــه مــن آذيِّـهِ المـتراكبِ
ولســتَ تـراهُ فـي الريـاحِ مزلـزلاً
بمـا فيـه إِلّا فـي الشـداد الغوالبِ
وإنْ خيــفَ مــوجٌ عيـذ منـه بسـاحلٍ
خلــيٍّ مــن الأجــرافِ ذات الكَبـاكبِ
ويلفــظُ مــا فيــهِ فليـس مُعـاجلاً
غريقــاً بغــتٍّ يُزهـقُ النفـسَ كـاربِ
يعلِّــلُ غرقــاهُ إلــى أن يُغيثَهــم
بصــنعٍ لطيــفٍ منــه خيــرِ مصـاحَبِ
فتُلفَــى الـدلافينُ الكريـمُ طباعُهـا
هنــاك رِعــالاً عنـد نَكـبِ النـواكبِ
مراكــبَ للقــومِ الـذين كبـا بهـم
فهـم وَسـْطه غرقـى وهـم فـي مراكـبِ
وينقــضُ ألــواحَ الســفينِ فكُلُّهــا
مُنَــجٍّ لـدى نَـوْبٍ مـن الكَسـْر نـائبِ
ومـا أنـا بالراضي عن البحر مركباً
ولكننــي عارضــتُ شــَغْبَ المشــاغبِ
صــدقْتُك عــن نفسـي وأنـت مُراغمـي
وموضــعُ ســري دون أدنــى الأقـاربِ
وجرَّبـتُ حـتى مـا أرى الـدهرَ مُغرِباً
علــيّ بشـيءٍ لـم يقـعْ فـي تجـاربي
أرى المـرءَ مـذ يلقى الترابَ بوجهِهِ
إلـى أن يُـوارَى فيـه رهـن النوائبِ
ولــو لــم يُصــَبْ إِلّا بشـرخِ شـبابِهِ
لكـان قـد اسـتوفى جميـعَ المصـائبِ
ومــن صــَدَق الأخيـارَ داوَوْا سـقامَهُ
بصــــِحَّةِ آراءٍ ويُمْــــنِ نَقــــائبِ
ومــا زال صـدقُ المستشـير معاونـاً
علـى الـرأي لُـبَّ المستشار المحازِبِ
وأبعــدُ أدواءِ الرجـالِ ذوي الضـّنى
مـن الـبرء داءُ المسـتطِبِّ المكـاذبِ
فلا تنصــبنَّ الحــربَ لــي بملامــتي
وأنــت ســلاحي فـي حـروب النـوائبِ
وأجــدى مـن التعنيـف حسـنُ معونـةٍ
بــرأيٍ وليــنٍ مـن خطـابِ المخـاطبِ
وفـي النصـح خيـرٌ مـن نصـيحٍ مُوادِعٍ
ولا خيــرَ فيــهِ مــن نصـيحٍ مُـواثبِ
ومثلــيَ محتــاجٌ إلــى ذي ســماحةٍ
كريــمِ الســجايا أريحـيِّ الضـرائبِ
يليــنُ علــى أهــلِ التســحُّب مَسـُّهُ
ويقضـي لهـم عنـد اقـتراح الرغائبِ
لــه نــائلٌ مــا زال طـالبَ طـالبٍ
ومرتـــادَ مرتــادٍ وخــاطبَ خــاطبِ
ألا ماجــــدُ الأخلاقِ حُـــرٌّ فَعـــالُهُ
تُبــاري عطايــاهُ عطايـا السـحائبِ
كمثــل أبــي العبــاس إنَّ نــوالَهُ
نـوال الحيـا يسـعى إلـى كـلِّ طالبِ
يُســـيِّر نحـــوي عُرْفَــهُ فيزورنــي
هنيئاً ولــم أركـبْ صـعابَ المراكـبِ
يَســـير إلـــى مُمتــاحه فيجــودُهُ
ويكفــي أخـا الإمحـال زَمَّ الركـائبِ
ومــن يــكُ مثلاً للحيــا فـي عُلُـوِّهِ
يكــنْ مثلَــهُ فـي جـودهِ بـالمواهبِ
وإنَّ نِفــاري منــه وهــو يُريغنــي
لَشــيءٌ لــرأي فيــه غيــرُ مناسـبِ
وإن قعـــودي عنــهُ خيفــةَ نكبــةٍ
لَلـــؤمُ مَهَـــزٍّ وانثنــاءُ مَضــاربِ
أُقــرُّ علــى نفســي بعيــبي لأننـي
أرى الصـدقَ يمحـو بَيّنـات المعـايبِ
لَــؤُمْتُ لَعمــر اللَّـه فيمـا أَتيتُـهُ
وإن كنـتُ مـن قـومٍ كـرام المناصـِبِ
لهــم حِلْــمُ إنـسٍ فـي عَرامـة جِنّـةٍ
وبــأسُ أُســودٍ فــي دهــاء ثعـالبِ
يصـولون بالأيـدي إذا الحـربُ أَعملتْ
ســيوفَ ســُريجٍ بعــد أرمـاح زاعـبِ
ولا بـد مـن أن يَلـؤُم المـرءُ نازعاً
إلــى الحَمَــأ المسـنونِ ضـربة لازبِ
فقــل لأبــي العبــاس لُقِّيـتَ وجهَـهُ
وحَســْبُك منــي تلــك دعــوةَ صـاحبِ
أمَـا حـقُّ حـامي عِـرض مثلـك أن يُرى
لـه الرفـدُ والـترفيهُ أَوْجَـبَ واجـبِ
أَمِـنْ بعـدِ مـا لـم تَرْعَ للمالِ حرمةً
وأســـلمتَهُ للجــود غيــرَ مُجــاذبِ
فــأعطيتَ ذا ســلمٍ وحــربٍ وَوُصــلةٍ
وذنــبٍ عطايــا أدركــتْ كـلَّ هـاربِ
ولــم تُشـخِصِ العـافين لكـنْ أتتهُـمُ
لُهـــاك جَليبـــاتٍ لأكـــرمِ جــالبِ
عليمــاً بــأنّ الظَّعْــنَ فيـه مشـقّةٌ
وأنّ أَمـــرَّ الربـــح ربــحُ الجلائبِ
تُكلّفنـــي هــولَ الســِّفارِ وغــولَهُ
رفيـــقَ شــتاءٍ مُقْفعِــلَّ الرواجــبِ
ولاسـيّما حيـن ارتـدى المـاءُ كِبْـرَهُ
وشــاغَب أنفــاسَ الصـَّبا والجنـائبِ
وهــرَّتْ علــى مُسـتطرِقي البَـرَّ قَـرَّةٌ
يَمــسُّ أذاهــا دونَ لــوثِ العصـائبِ
كــأن تمــامَ الــودِّ والمـدح كلَّـهُ
هُوِيُّ الفتى في البحر أو في السَّباسبِ
لعمــري لئن حاسـَبْتني فـي مثوبـتي
بخفضــي لقــد أجريـتَ عـادةَ حاسـبِ
حَنانَيْــك قــد أيقنــتُ أنـك كـاتبٌ
لــه رتبــةٌ تعلــو بـه كـلَّ كـاتبِ
فــدعني مــن حكــمِ الكتابـة إنـهُ
عــدوٌ لحكــم الشــعر غيـرُ مقـارِبِ
وإِلّا فلَــم يســتعملِ العــدلَ جاعـلٌ
أَجَـــدَّ مُجـــدٍّ قِــرْنَ أَلعــبِ لاعــبِ
أيعـزُبُ عنـك الـرأيُ فـي أن تُثيبني
مقيمـاً مصـوناً عـن عنـاء المطـالبِ
فتُلفــى وأُلفَـى بيـن صـافي صـنيعةٍ
وصــافي ثنـاءٍ لـم يُشـَبْ بالمعـاتِبِ
وتخــرج مــن أحكـام قـومٍ تشـدّدوا
فقــد جعلــوا آلاءهــم كالمصــائبِ
أيــذهبُ هـذا عنـك يـا ابـن محمـدٍ
وأنــت مَعـاذٌ فـي الأمـور الحـوازبِ
لـك الـرأي والجـودُ اللـذان كلاهما
زعيــمٌ بكشــف المطبِقـات الكـواربِ
ومــا زلــت ذا ضــوء نـوءٍ لمجـدبٍ
وحيــرانَ حـتى قيـل بعـضُ الكـواكبِ
تغيــث وتَهــدي عنــد جـدبٍ وحيـرةٍ
بمحتفـــل ثَـــرٍّ وأزهـــر ثـــاقِبِ
وأحســُن عــرفٍ موقعــاً مـا تنـالُهُ
يــدي وغُرابـي بـالنوى غيـرُ نـاعبِ
أراك مــتى ثَــوَّبتني فــي رفاهــةٍ
زففــتَ إلـيَّ المُلْـكَ بيـن الكتـائبِ
وأنــت مــتى ثــوَّبتني فــي مشـقّةٍ
رأيتـك فـي شـخصِ المُـثيب المعـاقِبِ
ولـو لـم يكـن فـي العرف صافٍ مهنّأٌ
وذو كَــدَرٍ والعــرفُ شـتَّى المَشـاربِ
إذاً لـم يقـل أعلـى النوابـغِ رتبةً
لمِقــوَلِ غَســّانِ الملــوكِ الأَشــايبِ
علــيَّ لعمــروٍ نعمــةٌ بعــدَ نعمـةٍ
لوالِـــده ليســـتْ بــذات عقــاربِ
ومـا عقـربٌ أدهَـى مـن الـبين إنـه
لــه لَسـْعةٌ بيـن الحشـا والـترائبِ
ومـن أجـل مـا راعى من البين قوله
كلينــي لهــمٍّ يــا أميمــةَ ناصـبِ
أبيـتَ سـوى تكلِيفـك العـرفَ مُعْفِيـاً
بــه صـافياً مـن مؤذيـات الشـوائبِ
بـل المجـدُ يـأبي غيـرَ سـَوْمِك نفسَهُ
ورفعِـك عـن طـود المُنيـل المحاسـبِ
فصــبراً علـى تحميلـك الثِّقـلَ كلَّـهُ
وإن عــزَّ تحميـلُ القـرومِ المَصـاعبِ
ولا يعجبــنَّ النـاسُ مـن سـعي متعَـبٍ
مُشـــيحٍ لجــدوى مســتريح مُــداعبِ
فمـن سـاد قوماً أوجب الطولُ أن يُرى
مُجِــدّاً لأدنــاهُمْ وهـم فـي الملاعـبِ
ومـن لـم يزل في مَصْعَدِ المجد راقياً
صـعابَ المَراقـي نـال عُليا المراتبِ
ألــم ترنــي أتعبـتُ فكـري مُحكِّكـاً
لـك الشـعرَ كـي لا أُبتلـى بالمتاعبِ
نَحلتُــك حَلْيــاً مــن مديــحٍ كـأنه
هَــوى كـلِّ صـبٍّ مـن عِنـاق الحبـائبِ
أنيقــاً حقيقــاً أن تكــون حِقـاقُهُ
مـن الـدرّ لا بـل مـن ثُـدِيِّ الكواعبِ
وأنــت لــه أهـلٌ فـإن تجْزنـي بـه
أزِدْك وإن تُمْســِكْ أقــفْ غيـرَ عـاتِب
فــإن ســَألتْنِي عنـك يومـاً عصـابةٌ
شــهدتُ علـى نفسـي بسـوء المنـاقبِ
وقلـــت دعــاني للنــدى فــأتيتُهُ
فأمســكَهُ بــل بثَّــهُ فـي المنـاهبِ
ومــا احتجــزتْ منـي لُهـاهُ بحـاجزٍ
ولا احتجبــتْ عنــي هنــاك بحــاجبِ
ولكــن تَصــدَّتْ وانحرفــتُ لحرفــتي
ففـاءت ولـم تظلِـم إلـى خيـرِ واهبِ
ومـا قلـت إلا الحـقَّ فيـك ولـم تزل
علــى منهـجٍ مـن سـُنّةِ المجـد لاحـبِ
وإنــي لأشـقَى النـاس إن زُرَّ ملبسـي
علــى إثــمِ أفَّــاكٍ وحســرةِ خـائبِ
وكنـتَ الفـتى الحـرَّ الذي فيه شيمةٌ
تَشــيم عــن الأحـرار حـدَّ المَخـالبِ
ولســت كمــن يعــدو وفـي كلمـاتِهِ
تظلُّـــمُ مغصـــوبٍ وعــدوانُ غاصــبِ
يحــاول معـروفَ الرجـالِ وإن أَبـوْا
تعــدَّى علــى أعراضــهم كالمُكـالبِ
وأصـبح يشكو الناسَ في الشعر جامعاً
شـــكايَة مســلوبٍ وتســليطَ ســالبِ
فلا تَحرمنّـــي كـــي تُجِــدَّ عجيبــةً
لقـومٍ فحسـبُ النـاس ماضـي العجائبِ
ولا تنتقــصْ مـن قـدر حظّـي إقـامتي
ســألتك بالــداعين بيــن الأَخاشـبِ
ومــا اعتقلتنـي رغبـةٌ عنـك يَمَّمـت
ســـواك ولكـــن أيُّ رهبــة راهــبِ
كــأني أرى بــالظعن طعــنَ مُطـاعِنٍ
وبالضـرب فـي الأقطـار ضـربَ مضـاربِ
وليـــس جــزائي أن أَخيــب لأننــي
جَبُنْــتُ ولــم أُخْلَــق عتـادَ مُحـارِبِ
يُطَــالبُ بالإقــدام مـن عُـدَّ مُحْرَبـاً
وســُمِّي مــذ نـاغى بقـودِ المَقـانبِ
ولــم يمـشِ قيـدَ الشـبرِ إلا وفـوقه
عصـــائبُ طيـــرٍ تهتــدي بعصــائبِ
فأمَّـــا فـــتىً ذو حكمــةٍ وبلاغــةٍ
فطــالبْهُ بالتسـديد وسـط المَخـاطبِ
أَثبنــي ورَفِّهنــي وأَجــزلْ مثوبـتي
وثــابرْ علــى إدرارِ بِــرِّي وواظـبِ
لتـــأتيني جــدواك وهــي ســليمةٌ
مـن العيـب مـا فيهـا اعتلالٌ لعائبِ
أثقِّـــلُ إدلالـــي لتحمـــلَ ثِقْلَــهُ
بطــوع المُراضـي لا بكـرهِ المغاضـبِ
ومــا طلـبُ الرِّفْـد الهَنيـء ببدعـةٍ
ولا عجـــبُ المُســـترفدِيهِ بعـــاجبِ
وذاك مَزيـــدٌ فــي معاليــك كلُّــهُ
وفـي صـدقِ هاتيـك القوافي السواربِ
ومـا حَـقُّ باغيـك المزيـدَ انتقاصـُهُ
ولاســـيما والمـــالُ جَـــمُّ الحلائبِ
وأنــت الـذي يضـحي وأدنـى عطـائِهِ
بلــوغُ الأمـاني بـل قضـاءُ المـآربِ
وتـــوزَنُ بــالأموال آمــالُ وفــدِهِ
وإرفــادُ قــومٍ بـالظنون الكـواذبِ
أقمــتُ لكــي تـزدادَ نعمـاك نعمـةً
وتَغْنَــى بــوجهٍ ناضــرٍ غيـرِ شـاحبِ
وكــي لا يقــولَ القــائلون أثـابَهُ
وعــاقَبَهُ والقــولُ جَــمَّ المَشــاعِبِ
وصــَوْني عـن التهجيـن عُرفَـك مـوجِبٌ
مَزيدَك لي في الرفد يا ابن المَرازِبِ
بوجهــك أضــحى كــلُّ شــيءٍ منـوراً
وأبــرزَ وجهــاً ضـاحكاً غيـرَ قـاطبِ
فلا تبتــذلْهُ فــي المَغاضـب ظالمـاً
فلــم تــؤتَ وجهـاً مثلـه للمغاضـبِ
نشـرت علـى الـدنيا شـعاعاً أضاءها
وكــانت ظلامــاً مُــدلهِمَّ الغيــاهبِ
كأنـــك تلقــاءَ الخليقــةِ كلّهــا
مشـــارقُ شـــمسٍ أشــرقتْ لمغــاربِ
لِيَهــنِ فـتىً أطـراك أنْ نـال سـُؤْلَهُ
لــديك وأنْ لــم يحتقِـب وِزْرَ كـاذبِ
رضـا اللّـهِ في تلك الحقائب والغنى
جميعــاً ألا فــوزاً لتلـك الحقـائبِ
كــأني أرانــي قــائلاً إنْ أعـانني
نـداك علـى ريـب الخطـوب الـروائبِ
جُزيــتَ العلا مــن مسـتغاثٍ أجـابني
جـوابَ ضـَحوكِ الـبرقِ دانـي الهيادبِ
وفــي مُسـتماحي العـرفِ بـارقُ خُلَّـبٍ
ولامـــعُ رقـــراقٍ ونـــارُ حُبــاحبِ
تســحّبتُ فــي شــعري ولان لجلــدتي
ثـراه فمـا استخشـنتُ مـسَّ المسـَاحبِ
وليـــس عجيبــاً أن ينــوبَ تكــرُّمٌ
غــذيتُ بــه عــن آمِــلٍ لـك غـائبِ
أقمْــهُ مُقــامي ناطقــاً بمــدائحي
لــديك وقــد صــدّرتها بالمنَاســبِ
ذمـــاميَ تَرْعَــى لا ذمــامَ ســفينة
وحَقِّـــيَ لا حـــقَّ القِلاصِ الـــذَّعالبِ
وفــي النــاس أيقـاظٌ لكـل كريمـةٍ
كــأنهمُ العِقبــانُ فــوقَ المَراقـبِ
يُراعـــون أمثــالي فيســتنقذونهم
وهــم فــي كــروبٍ جمّــةٍ وذَبــاذبِ
إلــى اللَّـه أشـكو غُمّـةً لا صـباحُها
يُنيـــر ولا تنجــاب عنــي بجــائب
نُشـوبَ الشـَّجا فـي الحلق لا هو سائغ
ولا هــو ملفــوظ كــذا كــلُّ ناشـِب
علي بن العباس بن جريج أو جورجيس، الرومي. شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي، رومي الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه. قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سبباً لوفاته. وقال أيضاً: وأخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال (الوسطي) من أشعار ابن الرومي التي ليس في طاقة مثقال ولا أحد من شعراء زمانه أن يقول مثلها إلا ابن الرومي. وكان القاضي الفاضل قد أمر ابن سناء الملك باختيار شعر ابن الرومي، فاعتذر عن ذلك بقوله: (وأما ما أمر به في شعر ابن الرومي فما المملوك من أهل اختياره، ولا من الغواصين الذين يستخرجون الدر من بحاره، لأن بحاره زخارة، وأسوده زآرة، ومعدن تبره مردوم بالحجارة، وعلى كل عقيلة منه ألف نقاب بل ألف ستارة. يطمع ويؤيس ويوحش ويؤنس، وينير ويظلم، ويصبح ويعتم شذره وبعره، ودره وآجره، وقبلة تجانبها السبة، وصرة بجوارها قحبة، ووردة قد حف بها الشوك، وبراعة قد غطى عليها النوك. لا يصل الاختيار إلى الرطبة حتى يخرج بالسلى، ولا يقول عاشقها: هذه الملح قد أقبلت حتى يرى الحسن قد تولى. فما المملوك من جهابذته، وكيف وقد تفلس فيه الوزير، ولا من صيارفته ونقاده. ولو اختاره جرير لأعياه تمييز الخيش من الوشي والوبر من الحرير). وفي وفاته خلاف بين عام 283 و284 و296 و297