
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
ذُو الرُّمَّةِ هُوَ غَيلانُ بنُ عُقْبَةَ العَدَوِيِّ، وُلِدَ فِي بادِيةِ نَجْدٍ وكانَ يَحْضُرُ إِلى اليَمامَةِ والبَصْرَةِ. كانَ شَدِيدَ القِصَرِ دَمِيماً يَضْرِبُ لَونُهُ إِلى السَّوادِ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعراءِ فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ، عدَّهُ ابنُ سلَّامٍ فِي طَبقاتِهِ مِنْ شُعراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ الإِسْلامِيِّينَ، قالَ عَنْهُ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ: فُتِحَ الشِّعرُ بامْرِئِ القَيسِ وخُتِمَ بِذِي الرُّمَّةِ. وقَدْ امْتازَ فِي شِعْرِهِ بِإِجادَةِ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ مِنْ عُشَّاقِ العَرَبِ كانَ يُشبِّبُ بِمَيَّةَ المِنْقَرِيَّةِ واشْتُهِرَ بِها، تُوفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 117 لِلهجْرَةِ.
هُوَ جَرِيرُ بنُ عَطيَّةَ بنِ حُذيفَةَ (ولقب حذيفة الخَطَفَى) بنِ بَدرِ بنِ سَلَمَةَ بنِ عَوفِ بنِ كُليبِ بنِ يَربوعِ بنِ مالِكِ بنِ حَنظلَةَ بنِ مالِكِ بنِ زَيدِ مَناةَ بنِ تَميمٍ بنِ مُرِّ بنِ أُدِّ بنِ طابِخَةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارٍ. ويُكنّى أَبا حَزْرَةَ.
ورُوِيَ أَنَّهُ سُمِّيَ جريراً لِأَن أُمَّهُ كَانَتْ رَأَتْ فِي نَومِها وَهِي حامِلةٌ بِهِ أَنَّهَا تَلدُ جَرِيرًا (وهُوَ الحَبْلُ) فَكَانَ يَلتَوِي عَلى عُنُقِ رجلٍ فَيَخنُقُهُ ثمَّ فِي عنقِ آخرَ ثمَّ فِي عُنقِ آخرَ حَتَّى كَادَ يَقْتُلُ عِدَّةً مِنَ النَّاسِ فَفَزِعَتْ مِن رُؤياها وقَصَّتْها عَلى مُعبِّرٍ فَقَالَ لَهَا إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ وَلَدْتِ ولداً يكونُ بلَاءً عَلى النَّاسِ فَلَمَّا وَلَدَتْهُ سَمَّتْهُ جَرِيرًا، وَكَانَ تَأْوِيلُ رُؤياها أَنَّه هَجا ثَمَانِينَ شَاعِرًا فَغَلَبَهُمْ كُلُّهُم إِلَّا الفَرزدق وَكَانَتْ أُمُّهُ ترقِّصُهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَتقولُ:
قَصَصْتُ رُؤْيَايَ على ذَاكَ الرّجُل فَقَالَ لِي قَولاً ولَيتَ لَمْ يَقُلْ
وَيَنْتَهِي نِسَبُ جَرِيرٍ إِلَى كُلَيبِ بْنِ يَرْبُوع، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَكَانَتْ تَمِيمٌ مِنْ أَشْهُرِ القَبَائِلِ العَرَبِيَّةِ وَأَكْثَرِهِمْ عَدَدًا، وَمِنْ أَشُدِّهَا بَأْسًا وَأَكْثَرِهَا حُرُوبًا، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ إِلَى بُطُونٍ عَدِيدَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَبَنِي كَلْبٍ حَظٌّ مِنْ الشُّهْرَةِ وَالذِّكرِ كَبَاقِي البُطُونِ الأُخْرَى، لِذَا لَمْ يَكُنْ جَرِيرٌ يَفْخَرُ بِقَبِيلَتِهِ إِلَّا قَلِيلاً وَكَانَ يَتَخَطَّاهَا إِلَى يَرْبُوع فَيَفْخَرُ بِهَا فِي شِعْرِهِ.
وَقَدْ نَشَأَ جَرِيرٌ فِي أُسْرَةٍ مُتَوَاضِعَةِ الحَالِ، عُرِفَ عَنْهَا قَوْلُ الشِّعْرِ، أَمَّا أَبُوهُ عطيَّةُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَكَانَةُ تُذكَرُ وَوُصِفَ بِالْمَهَانَةِ وَالشُّحِّ، وَذَكَرَ المَرْزُبَانِيَّ أَنَّ عطيَّةَ كَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ لَكِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، وَكَذَلِكَ جُدُّ جَرِيرٍ الخَطَفَى كَانَ يَقُولُ الشِّعْرُ وَقد لُقِّبَ بَالخَطَفَى لِقَوْلِهِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ:
يَــرْفَعْنَ بــاللَّيِل إذَا مــا أسْـدَفا ...
أَعْناقَ جِنَّانِ وَهاماً رُجَّفَــا ...
وَعَنَقا بَعْدَ الرَّسِيمِ خَيْطَفَا ...
وَكَانَ الخَطَفَى ذَا مَكَانَةٍ وَذَا مَالٍ كَثِيرٍ، وَكَانَ جَرِيرٌ يَفْخَرُ بِجَدِّهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ:
بَنَى الخَطَفَى حَتّـى رَضِينا بِناءَهُ فَهَل أَنْتَ إِنْ لَم يُرضِكَ القَينُ قاتِلُه
وَأُمُّ جَرِيرٍ هي أُمُّ قَيْسٍ بِنْتِ مَعْبَدٍ مِنْ بُنِيَ كُلَيْبِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَذُكِرَ مِنْ إِخْوَانِهِ عَمْرٌو وَأَبُو الوَرْدِ وَحَكِيمٌ، وَتَزَوَّجَ جَرِيرٌ خَالِدَةَ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ أَوْسٍ الكَلْبِيّ، وَهِيَ أُمُّ حَزْرَةَ، وَقَدْ رَثَاهَا جَرِيرٌ بِقَصِيدَةٍ سَمَّاهَا الجَوْسَاءَ لِذَهَابِهَا فِي البِلَادِ وَقِيلَ الحَوْسَاءَ وَمَطْلَعِهَا:
لَوْلَا الحَيَاءُ لَهَاجَنِي اسْتِعبَارُ وِلَزُرْتُ قَبْرَكِ وَالْحَبِيبُ يُزَارُ
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ جَرِيرًا كَانَ ذَا عِيَالٍ، وَأَشَارَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَنَّ لِجَرِيرٍ عَقِبٌ بِالْيَمَامَةِ كَثِيرٌ، وَوَرَدَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَرَاء) أَنَّ لَهُ عَشَرَةِ مِنَ الوَلَدِ فِيهِمْ ثَمَانِيَةُ ذُكُورٍ مِنْهُمْ بِلَالُ بْنُ جَرِيرٍ وَكَانَ أَفضَلَهُمْ وَأَشْعَرَهُمْ. وَمِنْ أَوْلَادِهِ أَيْضًا نُوح وعكرمةُ ومُوسى وحَزْرَةُ وَبِهِ يُكَنَّى، وَسَوَادَةُ وَقَدْ مَاتَ صَغِيرًا فَرَثاهُ جَرِيرٌ، وُورَدَ أَنَّ جَرِيرًا رَأَى فِي المَنَامِ أَنَّهُ قُطِعَتْ لَهُ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِهِ، فَقَاتَلَ بَنِي ضَبَّةَ فَقَتَلُوا لَهُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ، وَمِمَّا قَالَهُ فِي رِثَاءِ أَبْنَائِهِ:
قَـالُوا نَصـِيبَكَ مِـنْ أَجْرٍ فَقُلْتُ لَهُمْ مَـنْ لِلْعَرِيـنِ إِذَا فَـارَقْتُ أَشـْبَالِي
وُلِدَ جَرِيرٌ فِي حُدُودِ سَنَةِ 30 لِلْهِجْرَةِ فِي الْيَمَامَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعر والشُّعراء) أَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بالمرّوت مِنْ الْبَادِيَةِ ثُمَّ أَقَامَ بِالْبَصْرَةِ، وَفِي طُفُولَتِه وبدايةِ نَشْأَتِهِ كَانَ جَرِيرٌ يَرْعَى الْغَنَم لِأَبِيه، وَفِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ المُبكِّرَةِ مِنْ حَيَاتِهِ بَدَأَتْ عَلَامَاتُ النُّبوغِ الشِّعْرِيِّ تَظْهَرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوّلَ مَا قَالَهُ مِنَ الشِّعْرِ شِعْرًا يَهْجُو بِهِ بَنِي سُلَيطٍ يَقُولُ فِيهِ:
لَا تَحْسَبَنِّي عَنْ سَلِيطٍ غافِلاً أَنْ تغشَ لَيلاً بِسَلِيطٍ نَازِلا
لَا تَلْقَ أَفْراساً وَلَا صَواهِلاً وَلَا قِرَىً لِلنَّازِلِينَ عَاجِلا
وَقِيلَ أَوَّلُ شِعْرِهِ قَصِيدَتُهُ الّتِي قَالَهَا فِي عِتَابِ جَدِّهِ الْخَطَفَى حينَ مَنَعَهُ بَعْضَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ ومطلعها:
أَلا حَــيِّ رَهـبى ثُـمَّ حَـيِّ المَطالِيا فَقَـد كـانَ مَأْنُوسـاً فَأَصْـبَحَ خالِيـا
وَإِنّــي لَمَغْـرُورٌ أُعَلَّــلُ بِالمُنَى لَيــالِيَ أَرْجُـو أَنَّ مالَــكَ مالِيـا
وَإِنِّي لَعَـفُّ الفَقْـرِ مُشـتَرَكُ الغِنَى سَرِيعٌ إِذا لَم أَرضَ دَارِي احتِمالِيا
وَلَيْـسَ لِسـَيفي في العِظـامِ بَقِيَّـةٌ وَلَلسَـيفُ أَشْـوى وَقعَـةً مِـنْ لِسـانِيا
وَكَانَتْ بِدَايَةُ شُهْرَةِ جَرِيرٍ مَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرَزْدَقِ مِن مُهاجاةٍ فِي أَوَاخِرِ أَيَّام مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَيُقَالُ إنّهُ وفدَ على يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي المُوقَّرِ فِي البَلقاءِ، وَقيلَ إِنَّ بِدَايَةَ صِلَتِهِ بِالْوُلَاةِ وَالْخُلَفَاءِ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ وَفْدَ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ الثَّقَفِيِّ ابْنِ عَمِّ الْحَجَّاجِ وَخَلِيفَتُهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَفِيهِ يَقُولُ جريرٌ:
حَتَّـى تَنـاهَينَ إِلى بـابِ الحَكَـمْ خَليفَــةِ الحَجّــاجِ غَيـرِ المُتَّهَـمْ
فَأُعْجِبَ الحَكَمُ بِظُرْفِهِ وَشِعْرِهِ وقَدَّمَهُ إلَى الْحَجَّاجِ، وَقد مَدَحَ جَرِيرٌ الحجّاجَ بِعِدَّةِ قَصَائِدَ فَأَكْرَمَهُ ثُمَّ أَوْصَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَيُقَالُ إنّ عَبْدَ الْمَلِكِ حَجَبَه فِي الْبِدَايَةِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُعَرَاءِ مُضَرَ؛ إذْ كَانَ أَغْلَبُهُم مُوالِينَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ لَقِيَ جَريراً بَعْدَ أَنْ شَفَعَ لَهُ بَعْضُ حَاشِيَتِهِ، فَمَدَحَه جَرِير بِعِدَّةِ قَصَائِدَ مِنْهَا قَوْلُهُ:
أَلَسْتُمْ خَيْـرَ مَـنْ رَكِبَ الْمَطَايَا وَأَنْدَى الْعَـالَمِينَ بُطُـونَ رَاحِ
وَأَصْبَحَ جريرٌ مِنْ شُعَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، ومُقَرَّباً مِنَ الْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْوُلَاةِ، فَقَد مَدْح عَبْدَ الْمَلِكِ وأَبناءَهُ الْوَلِيدَ وَسُلَيْمَانَ وَيَزِيدَ وَهِشَامَ، وَمَدَح عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَن صِلَتِهِ بِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ فِي (الأَغانِي) أَنَّ جَرِيرًا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَكَانَ قَدْ هَيَّأ لَه شِعْرًا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ غيّرَهُ وَقَال:
إِنَّـا لَنَرْجُـو إِذَا مَـا الْغَيْـثُ أَخْلَفَنَا مِـنَ الْخَلِيفَـةِ مَـا نَرْجُـو مِـنَ الْمَطَـرِ
نَــالَ الْخِلَافَــةَ إِذْ كَـانَتْ لَـهُ قَـدَراً كَمَــا أَتَـى رَبَّــهُ مُوسَى عَلَى قَـدَرِ
وَكَانَ عُمَرُ قَدْ مَنَعَ عَطَاء الشُّعَرَاء، وَلَكِنَّه ردَّ جريراً وَقَال: إنَّ شرَّ هَذَا لَيُتّقَى، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاسِمَهُ بَعْضَ مَالِهِ فَأَبَى جَرِيرٌ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ وَفِيهِم الْفَرَزْدَقُ: مَا صَنَعَ بِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَبَا حَزْرَةَ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ يُقرِّبُ الْفُقَرَاءَ ويُباعِدُ الشُّعَرَاءَ وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ عَنْهُ رَاضٍ، وَمِمَّا قَالَهُ فِيهِ:
تَرَكْتُ لَكُم بِالشَّامِ حَبْلَ جَمَاعَةٍ أمِينَ الْقُوَى مُسْتَحْصِدَ الْعَقْدِ بَاقِيا
وُجَدْتُ رُقَى الشَّيْطَانِ لَا تَسْتَفِزُّهُ وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الجِنِّ راقِيا
وَشُهْرَةُ جَرِيرٍ -كَمَا سَبَقَ أَنَّ ذُكِرَ- جَاءَتْ مِنْ مُهاجاتِهِ مَعَ الشُّعَرَاءِ وَخَاصَّةً مَعَ الْفَرَزْدَقِ والأَخطَلِ، وكَانَت الشُّعَرَاءُ تَعرِضُ لَهُ ليَهجُوهُم، وَكَانَ يَقُول لَا أَبْتَدِئُ وَلَكِن اعْتَدِي. وَقَدْ ثَبَتَ جَرِيرٌ أَمَامَ الشُّعَرَاءِ وَأَظْهَرَ قُدْرَةً شِعْرِيَّةً عاليةً جَعَلَتْهُ يَتَصدَّى لِعَدَدٍ مِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ اصْطَفُّوا مَع الْفَرَزْدَق، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ مَنْ نَاصَرَ الْفَرَزْدَقَ مِنَ الشُّعَرَاءِ يَرْبُو عَلَى الْأَرْبَعِينَ.
وَمِنَ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ هَجَاهُم جَرِيرٌ وهَجُوهُ عُمَرُ بْنُ لَجَأٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ لَهُمَا حِين أتيا الْمَدِينَةَ: تَقْذِفانِ الْمُحْصنَاتِ وتَعضُهانِ وتَنفِيانِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِهِمَا، ثَمَّ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا رِجَالٌ مِنْ تَمِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي (الاشتقاق) أَن شُعَرَاء قَبِيلَة التَّيْم وَهُم السَّرَنْدَي وعَلقة وجُحْدُب كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَى هجاءِ جَرِير فهجاهم جميعاً.
وَهَجَا جَرِيرٌ الرَّاعِيَ النُّمَيْرِيَّ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الرَّاعِيَ يَفْضِّلُ الْفَرَزْدَقَ عَلَيْهِ، وَمِمَّا قَالَهُ فِيهِ قَصِيدَتَهُ:
أَقِلِّـي اللَّـوْمَ عَـاذِلَ وَالْعِتَابَـا وَقُـولِي إِنْ أَصَبْتُ لَقَـدْ أَصَابَا
وَفِيهَا:
إِذَا غَضــِبَتْ عَلَيْــكَ بَنُـو تَمِيـمٍ حَســِبْتَ النَّــاسَ كُلَّهُــمُ غِضـَابَا
أَلَسْنَا أَكْثَــرَ الثَّقَلَيْـنِ رَجْلاً بِبَطْـنِ مِنَىً وَأَعْظَمُــهُ قِبَابَـا
وَيُقَالُ إنّ الرَّاعِيَ سَمِعَ بَعْضَ أَبْيَاتِ جَرِيرٍ فِي الْهِجَاءِ فَقَال: وَاللهِ لَو اجْتَمَعَتْ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَلَى صَاحِبِ هذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ مَا أَغْنُوا فِيهِ شَيْئا ثمَّ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ وَيْحَكُم أُلامُ عَلَى أَنْ يَغْلِبَنِي مِثْلُ هَذَا.
وَمِمَّا أَوْرَدَهُ ابْنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقَاتِهِ أَنَّ جريراً عِنْدَمَا بَلَغَتْهُ وَفَاةُ الْفَرَزْدَقِ رثاهُ بِقصيدةٍ يَقُولُ فِيها:
فَلَا حَمَلَــتْ بَعْــدَ الْفَــرَزْدَقِ حُـرَّةٌ وَلَا ذَاتُ حَمْــلٍ مِــنْ نَفَــاسٍ تَعَلَّـتِ
هُوَ الْوَافِدُ الْمَجْبُورُ وَالْحَامِلُ الَّذِي إِذَا النَّعْـلُ يَوْمـاً بِالْعَشـِيرَةِ زَلَّتِ
تُوفِّيَ جَريرٌ باليمامةِ حوالَي سَنَةِ 110 لِلهجرَةِ بسببِ مَرَضٍ أَصابَهُ، وقد وردَ فِي (الأَغانِي) أنَّ نَفَراً مِن قُريشٍ عادُوهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي ماتَ فيهِ فلمَّا رآهُم قالَ:
نَفْسـِي الْفِـدَاءُ لِقَوْمٍ زَيَّنُوا حَسَبِي وَإِنْ مَرِضــْتُ فَهُـمْ أَهْلِـي وَعُـوَّادِي
لَـوْ خِفْتُ لَيْثاً أَبَا شِبْلَيْنِ ذَا لِبَدٍ مَا أَسْلَمُونِي لِلَيْثِ الْغَابَةِ الْعَادِي
إِنْ تَجْـرِ طَيْـرٌ بِـأَمْرٍ فِيـهِ عَافِيَةٌ أَوْ بِـالْفِرَاقِ فَقَـدْ أَحْسـَنْتُمُ زَادِي
وكان جريرٌ قدْ أَحَسَّ بِدُنُوِّ أَجَلِهِ بَعدَ مَوتِ الفَرَزْدَقِ، فقدْ قالَ حِينَ بَلَغَهُ نَبَأُ وَفاتِهِ: أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَعْلَمُ أنِّي قَليلُ البَقاءِ بَعدَهُ، ولَقَدْ كانَ نَجمُنا واحداً وكلُّ واحِدٍ مِنّا مَشْغُولٌ بِصاحِبِهِ، وقلَّما ماتَ ضِدٌّ أَو صَدِيقٌ إِلَّا تَبِعَهُ صاحِبُهُ.
يُعدُّ جَرِيرٌ مِنْ أَعْظَمِ شُعَرَاءَ العَرَبِيَّةِ وَأَبْعَدِهِمْ شُهْرَةً، وَهُوَ فِي اَلطَّبَقَةِ الأُولَى مِنَ الشُّعَرَاءِ الإِسْلَامِيِّينَ مَعَ الفَرَزْدَقْ وَالْأَخْطَلِ، وَظَلَّ الخِلَافُ قَائِمًا حَوْلَ أَيِّهمْ أَشْعَرُ مِنَ الآخَرِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهَانِيُّ: اتَّفَقَتْ العَرَبَ عَلَى أَنْ أَشْعَرَ أَهْلِ الإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: جَرِيرٌ وَالفَرَزْدَقُ وَالْأَخْطَلُ، وَكَانَ تَنَافُسُهُ الأَشَدُّ مَعَ الفَرَزْدَقِ، ذَكَرَ ابْنُ سَلَّامٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّهُ قَالَ: مَا شَهِدْتُ مَشْهَدًا قَطُّ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ جَرِيرٌ وَالفَرَزْدَقُ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ المَجْلِسِ عَلَى أَحَدِهِمَا.
حَشَدَ ِابْنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقَاتِهِ آرَاءَ مَجْمُوعَةٍ مِنْ النُّقَّادِ وَالرُّوَاةِ اَلَّذِينَ قَدَّمُوا جَرِيرًا عَلَى الفَرَزْدَقِ، وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ البَادِيَةِ وَالشُّعَرَاءَ بِشِعْرِ جَرِيرٍ أُعْجِبُ، وقدْ سَأَلَ بَشَّارَ العُقَيلِيَّ عَنْ جَرِيرٍ وَالفَرَزْدَقِ فَقَالَ: كَانَ جَرِيرٌ يُحْسِنُ ضُرُوباً مِنْ الشِّعْرِ لَا يُحْسِنُهَا الفَرَزْدَقُ، وَفَضَّلَ جَرِيرًا عَلَيْهِ.
رَوَى ابْنُ سَلَّامٍ عَنْ العَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ يُقَالُ الأَخْطَلُ إِذَا لَمْ يَجِئْ سَابِقًا فَهُوَ سُكَّيتٌ وَالفَرَزْدَقُ لَا يَجِيءُ سَابِقًا وَلَا سُكَّيتاً فَهُوَ بِمِنْزِلَةِ المُصَلِّي وَجَرِيرٌ يَجِيءُ سَابِقاً وِسُكَّيتاً وَمُصَلِّي. وَتَأْوِيلَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ سَلَّامٍ: أَنَّ لِلْأَخْطَلِ خَمْسًا أَوْ سِتّاً أَوْ سَبْعًا طِوَالاً رَوَائِعَ غُرَراً جِيَاداً هُوَ بِهِنَّ سَابِقٌ وَسَائِرُ شِعْرِهِ دُونَ أَشْعَارِهَا فَهُوَ فِيمَا بَقِيَ بِمَنْزِلَةِ اَلسُّكَّيتِ وَالسُّكَّيتُ آخِرُ الخَيْلِ فِي اَلرِّهَانِ، وَيُقَالُ إِنَّ الفَرَزْدَقَ دُونَهُ فِي هَذِهِ اَلرَّوَائِعِ وَفَوْقَهُ فِي بَقِيَّةِ شِعْرِهِ فَهُوَ كَالْمُصَلِّي أَبَدًا وَالْمُصَلِّي اَلَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ اَلسَّابِقِ وَقَبْلَ اَلسُّكَّيتِ، وَجَرِيرٌ لَهُ رَوَائِعُ هُوَ بِهُنَّ سَابِقٌ وَأَوْسَاطٌ هُوَ بِهُنَّ مُصَلٍّ وَسفْسَافَاتٌ هُوَ بِهُنَّ سُكَّيتٌ.
تَمَيَّزَ جَرِيرٌ عَلَى الفَرَزْدَقِ وَالْأَخْطَلِ بِعُذُوبَةِ شِعْرِهِ وَرَقَّةِ تَشبيبهِ، قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ: وَذُكِرَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا مَا شَغَلَنِي مِنْ هَذِهِ الكِلَابِ لَشَبَّبْتُ تَشْبِيبًا تَحِنُّ مِنْهُ العَجُوزُ إِلَى شَبَابِهَا كَمَا تَحِنُّ اَلنَّابُ إِلَى سَقْبِهَا. وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ اَلنَّاسِ هِجَاءً. وَقَدْ وَرَدَ عَنْ الأَخْطَلِ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّكُمْ أَشْعَرُ؟ قَالَ: أَنَا أَمْدَحُهُمْ لَلَمُلُوكِ وَأَنْعَتُهُمْ لِلْخَمْرِ وَالْحُمُرِ، يُعْنَى اَلنِّسَاءَ، وَأَمَّا جَرِيْرٌ فَأَنْسَبُنَا وَأَشْبَهُنَا، وَأَمَّا الفَرَزْدَقُ فَأَفْخَرُنَا. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ:
ذَهَبَ الفَرَزْدَقُ بِالْفَخَارِ وَإِنَّمَا حُلْوُ القَرِيضِ وَمُرُّهُ لِجَرِيرِ
"كانَ جريرٌ مِن فُحولِ شُعراءِ الإِسلامِ، وَيُشبَّهُ مِن شُعراءِ الجاهليَّةِ بِالأَعشَى"
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(ابنُ رشيقٍ القَيروانيّ/العُمدة في مَحاسِنِ الشِّعرِ وآدابِهِ ونَقْدِهِ).
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني).
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني).