
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
ذُو الرُّمَّةِ هُوَ غَيلانُ بنُ عُقْبَةَ العَدَوِيِّ، وُلِدَ فِي بادِيةِ نَجْدٍ وكانَ يَحْضُرُ إِلى اليَمامَةِ والبَصْرَةِ. كانَ شَدِيدَ القِصَرِ دَمِيماً يَضْرِبُ لَونُهُ إِلى السَّوادِ، وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعراءِ فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ، عدَّهُ ابنُ سلَّامٍ فِي طَبقاتِهِ مِنْ شُعراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ الإِسْلامِيِّينَ، قالَ عَنْهُ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ: فُتِحَ الشِّعرُ بامْرِئِ القَيسِ وخُتِمَ بِذِي الرُّمَّةِ. وقَدْ امْتازَ فِي شِعْرِهِ بِإِجادَةِ التَّشْبِيهِ، وَهُوَ مِنْ عُشَّاقِ العَرَبِ كانَ يُشبِّبُ بِمَيَّةَ المِنْقَرِيَّةِ واشْتُهِرَ بِها، تُوفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 117 لِلهجْرَةِ.
هُوَ جَمِيلُ بنُ مَعْمَرِ بنِ خَيْبَرِيِّ بنِ ظَبْيانَ بنِ حُنِّ بنِ رَبيعَةَ بنِ حرَامِ بنِ ضِنَّةَ بنِ عَبدِ بنِ كَبِيرِ بنِ عُذْرَةَ بنِ سَعْدِ بنِ زَيدِ بنِ لَيْثِ بنِ سُودِ بنِ أَسْلَمَ بنِ الحافِ بنِ قُضاعةَ.
وهَذا النّسبُ وردَ فِي طَبقاتِ ابنِ سلّامٍ، ووردَ بِشيءٍ مِنَ الاختلافِ فِي غَيرِهِ مِنَ المَصادِرِ كالأَغانِي والمُؤتلف والمُختَلِف فِي أَسماءِ الشُّعراءِ وغَيرِها. وَهُوَ فِي أَغلَبِ المَصادِرِ جميلٌ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مَعْمَرٍ. ويكَنّى أبا عمرٍو.
وجَميلٌ يَنتَمِي إِلى بَنِي عُذرَةَ المَعروفينَ بالعِشْقِ والغَزَلِ الطّاهر العَفيفِ، وقدْ ذُكِرَ فِي (الأغانِي) أنَّ أحدَ شُيوخِ بَنِي عُذرةَ قالَ: (نَحنُ مِنْ قَومٍ إِذا أَحَبُّوا ماتُوا)، وبَنُو عُذرةَ هُم مِنْ قُضاعةَ، وقد أشارَ أَبُو الفرجِ فِي الأَغانِي إِلى أَنَّ النّسّابِينَ مُختلفونَ فِي قُضاعَةَ، فَمِنْهُم مَنْ يَزْعُمُ أنَّ قُضاعةَ ابنُ مَعدٍّ وهُوَ أَخُو نِزارِ بنِ مَعدٍّ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ... وَمِنْهُمْ مَن يَزْعُمُ أنَّهمْ مِنْ حِمْيَرٍ. وقَدْ ذَكرَ جَميلٌ ذلكَ فِي شِعرِهِ فانْتَسَبَ إِلى مَعَدٍّ فَقالَ:
أَنا جَمِيلٌ فِي السّنَامِ مِنْ مَعَدٍّ فِي الأُسْرَةِ الْحَصْداءِ والْعِيصِ الأَشَدِّ
وكانَ أَبُو جَمِيلٍ يُعرَفُ بابْنِ قَميئةَ نِسبةً إِلى أمِّ مَعْمَرٍ قَمِيئةَ مِنْ جُذامٍ وبِها يُعرَفُ جَمِيلٌ. وذَكرَ أَبُو الفرجِ أنَّ أبا جَميلٍ كانَ مُقدّماً فِي قَومِهِ، وقِيلَ كانَ أَبُوهُ فقيراً مُعدَماً لِذلكَ انْتَسَبَ جَميلٌ إِلى جَدِّهِ مَعْمَرٍ وعُرِفَ بِجَميلِ بنِ مَعْمَرٍ. وأُمُّ جَميلٍ يَمنيَّةٌ مِن قَبيلَةِ جُذامٍ. ولمْ يُذْكَرْ لِجميلٍ إِخوَةٌ سِوى أُخْتٍ لَهُ شبَّبَ بِها شاعِرٌ فَأغْضَبَ جَميلاً.
وُلِدَ جَميلُ بُثَيْنَةَ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ وَبِهَا نَشَأَ مَعَ قَوْمِهِ، وَكَانَ بَنُو عُذْرَةَ يُعْرَفُونَ بِعِشْقِهِمْ وَغَزَلِهِمْ العَفِيفِ الطّاهِرِ، فَهِيَ قَبيلَةٌ يَكْثُرُ فِيهَا الجَمالُ والْعِشْقُ. وَلَا يُعْرَفُ الكَثيرُ عَنْ نَشْأَةِ جَميلٍ؛ فَجُلُّ أَخْبارِهِ حَوْلَ عِشْقِهِ لِبُثَيْنَةَ وَمَا فِي هَذِهِ القِصَّةِ مِنْ أَحْداثٍ وَعَقَباتٍ وَمُغامَراتٍ، وَهِيَ مِنْ القِصَصِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنَّهُ طَالَهَا خَيالُ الرُّواةِ وَبالغَ فِي بَعْضِ أَحْداثِها. وَيَظْهَرُ أَنَّ مِمَّنْ تَأَثَّرَ بِهِمْ جَميلٌ فِي نَشْأَتِهِ الشِّعْريَّةِ هُدْبَةُ بْنُ الخَشْرَمِ، فَقَدْ كَانَ جَميلٌ راويَتَهُ، وَيُرْوَى أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ وَزارَهُ فِي سِجْنِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ جَميلاً كَانَ يَتَهَاجَى مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ قُطْبَةَ، وَلَهُ أَخْبارٌ مَعَ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ، وَمَعَ الوَليدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ، لَكِنَّ أَشْهَرَ أَخْبارِهِ هوَ خَبَرُهُ مَعَ بُثَيْنَةَ.
لَقَدْ عُرِفَ جَميلٌ بِحُبِّهِ لِبُثَيْنَةَ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ جَميلُ بُثَيْنَةَ، وَهِيَ بُثَيْنَةُ بِنْتُ حَبْإٍ، وَتَلْتَقِي هِيَ وَجَميلٌ فِي حُنِّ بْنِ رَبيعَةَ فِي النَّسَبِ. وَبِدايَةُ مَعْرِفَتِهِ بِهَا أَنَّهُ أَقْبَلَ يَوْماً بِإِبِلِهِ حَتَّى أَوْرَدَها وَادِياً يُقالُ لَهُ بَغِيضٌ، وَكَانَ أَهْلُ بُثَيْنَةَ فِي ذَلِكَ الوَادِي، فَأَقْبَلَتْ بُثَيْنَةُ وَجارَةٌ لَهَا وَارِدَتَينِ الْمَاءِ، فمَرَّتا عَلَى فِصالٍ لَهُ بُرُوكٍ فَنْفَّرَتْهُنَّ وَهِيَ إِذْ ذَاكَ صَغِيرَةٌ، فَسَبَّهَا جَميلٌ، فَسَبَّتْهُ فَمَلُحَ إِلَيْهِ سِبابُها فَقَالَ:
وَأَوَّلُ مـا قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا بِـوادِي بَغِيـضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَتْ بِمِثْلِهِ لِكُــلِّ كَلامٍ يـا بُثَيـنَ جَـوابُ
وَقيلَ إنَّهُ مَرَّ بِبثينةَ وَأُختِها أُمِّ الجُسَيرِ فَهَوِيَها وكانَ مَعَهُ قَومٌ مِنْ بَنِي الأَحَبِّ فَوَجَدُوا عَلَيهِ فَقالَ:
عَجِـلَ الْفِـرَاقُ وَلَيْتَهُ لَمْ يَعْجَلِ وَجَـرَتْ بَـوَادِرُ دَمْعِـكَ الْمُتَهَلِّلِ
وَلمّا أُخبِرَتْ بُثينةُ أنَّ جَميلاً قدْ نَسبَ بِها حَلَفَتْ بِاللّهِ لا يَأْتِيها عَلَى خَلاءٍ إلّا خَرَجَتْ إليهِ وَلا تَتَوارَى مِنْهُ. حتَّى عَرَفَ أَهْلُها وكانُوا صِلافاً غَيارا فَرَصَدُوهُ، فَقالَ:
لَقَـدْ ظَنَّ هَذَا الْقَلْبُ أَنْ لَيْسَ لَاقِياً ســُلَيْمَى وَلَا أُمَّ الْحُســَيْنِ لِحِيــنِ
فَلَيْـتَ رِجَـالاً فِيـكِ قَدْ نَذَرُوا دَمِي وَهَمُّـوا بِقَتْلِـي يَـا بُثَيْـنَ لَقُونِي
ووقعتْ عَلَى إِثْرِ ذلكَ مُهاجاةٌ بَينَهُ وبَينَ عُبيدِ اللهِ بنِ قُطبةَ ابنِ عَمِّ بُثينَةَ.
وظلَّ لِقاؤُهُ ببثينةَ خُفيةً وسِرّاً وظلَّ أَهلُها يَمنَعُهوهُ وسَعوا في قَطْعِ عَلاقَتِهِ بُبُثينةَ وفِي ذلكَ يَقولُ:
وَأَطِعْــتِ فِــيَّ عَـوَاذِلاً فَهَجَرْتِنِـي وَعَصـَيْتُ فِيـكِ وَقَـدْ جَهَدْنَ عَوَاذِلِي
حَــاوَلنَنِي لِأَبُــتَّ حَبْـلَ وِصـَالِكُمْ مِنِّــي وَلَسـْتُ وَإِنْ جَهَـدْنَ بِفَاعِـلِ
فَرَدَدْتُهُــنَّ وَقَـدْ سـَعَيْنَ بِهَجْرِكُـمْ لَمَّــا سـَعَيْنَ لَـهُ بِـأَفْوَقَ نَاصـِلِ
يَعْضَضـْنَ مِـنْ غَيْـظٍ عَلَـيَّ أَنَـامِلاً وَوَدِدْتُ لَــوْ يَعْضَضـْنَ صـُمَّ جَنَـادِلِ
وَيَقُلْـنَ إِنَّـكِ يَـا بُثَيْـنَ بَخِيلَـةٌ نَفْسـِي فِـدَاؤُكِ مِـنْ ضـَنِينٍ بَاخِـلِ
وممّا يُروى أنّ جميلاً لقيَ بُثينةَ بَعدَ تَهاجُرٍ كانَ بَينهما طالتْ مُدّتُهُ، فتعاتَبا طَويلاً فقالتْ لَهُ: ويْحَكَ يا جَميلُ، أَتَزْعُمُ أنَّكَ تَهوانِي وأَنْتَ الَّذِي تَقُولُ:
رَمَى اللَّهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بِالْقَذَى وَفِـي الْغُرِّ مِنْ أَنْيَابِهَا بِالْقَوَادِحِ
فأَطْرَقَ طَويلاً يَبْكِي ثُمَّ قالَ: بلْ أَنا القائِلُ:
أَلَا لَيْتَنِي أَعْمَى أَصَمُّ تَقُودُنِي بُثَينَةُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ كَلامُها
فقالتْ لَهُ: ويْحَكَ، ما حَملكَ عَلى هذِهِ المُنَى، أَوَلَيسَ فِي سِعَةِ العافِيَةِ ما كَفانا جَميعاً.
وَلِجميلٍ مَعَ بُثينةَ قِصصٌ عَديدَةٌ يُروى فِيها ما لاقاهُ من أَلَم العِشقِ وشدّةِ الشّوق، واحتيالُهُ للِّقاءِ بِها، وما كانَ يَبُثُّها مِن خوالِجِ نَفْسِهِ وما كانَ يَجْرِي بَينَهُما مِنْ أَحادِيثَ ومواقِفَ، وهِيَ كَثيرةٌ جَمَعَ جُلَّها أَبو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي).
وَقَدْ خَطَبَها جَميلٌ فَمُنِعَ مِنْهَا، فَكَانَ يَقُولُ فِيهَا الأَشْعارَ، حَتَّى اشْتُهِرَ وَطُرِدَ، فَكَانَ يَأْتِيها سِرّاً ثُمَّ تَزَوَّجَتْ فَكَانَ يَزُورُها فِي بَيْتِ زَوْجِها خُفيةً إِلَى أَنْ اسْتُعْمِلَ دَجاجَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ عَلَى وَادِي القُرَى فَشَكَوه إِلَيْهِ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَلّا يُلِمَّ بِأَبْياتِها، وَأَهْدَرَ دَمَهُ لَهُمْ إِنْ عَاد زِيارَتَها، فَاحْتَبَسَ حِينَئِذٍ، وَضَاقَتْ الدُّنْيَا بِجَميلٍ، فَكَانَ يَخْرُجُ بِاللَّيْلِ يَتَنَسَّمُ الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ حَيِّ بُثَيْنَةَ وَيَقُولُ:
أَيَا رِيحَ الشَّمَالِ أَمَا تَرِينِي أَهِيـمُ وَإِنَّنِـي بَادِي النُّحُولِ
هَبِـي لِـي نَسْمَةً مِنْ رِيحِ بُثْنٍ وَمُنِّـي بِـالْهُبُوبِ عَلَـى جَمِيلِ
وَقُـولِي يَا بُثَيْنَةُ حَسْبَ نَفْسِي قَلِيلُـكِ أَوْ أَقَـلُّ مِنَ الْقَلِيلِ
وقدْ تزوَّجَتْ بُثينةُ نَبيهَ بنَ الأَسْوَدِ، وإِيَّاهُ يَعنِي جَميلٌ بِقَولِهِ:
لَقَــدْ أَنْكَحُــوا جَهْلاً نُبَيْهـاً ظَعِينَـةً لَطِيفَــةَ طَـيِّ الْكَشـْحِ ذَاتَ شـَوىً خَـدْلِ
وَقِيلَ إِنَّهُ بعدَ زَواجِ بُثينةَ وإِهدارِ السُّلطانِ دَمَهُ هَربَ إِلى اليَمنِ فَأَقامَ بِها مُدَّةً. وفِي ذَلك يقولُ:
أَلَــمَّ خَيـالٌ مِـن بُثَينَـةَ طـارِقُ عَلـى النَـأيِ مُشـتاقٌ إِلَيَّ وَشائِقُ
سـَرَتْ مِـن تِلاعِ الحِجرِ حَتّى تَخَلَّصَتْ إِلَــيَّ وَدُونِـي الأَشْـعَرونَ وَغـافِقُ
وَفِي آخِرِ حَياةِ جَميلِ بُثينَةَ يُروَى أَنَّهُ قَصَدَ مِصرَ وكانَ عَبدُ العزيزِ بنُ مروانَ والِياً عليْها فأَكْرَمهُ وأَعطاهُ مَنِزلاً فَمَكَثَ قَلِيلاً ثُمَّ ماتَ.
ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ جَمِيلاً حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهُ المرضُ، عَادَهُ بَعْضُ أَصْحابِهِ فَقَالَ: مَا تَقولُ فِي رَجُلٍ لَمْ يَزْنِ قَطُّ، وَلَمْ يَشْرَبْ خَمْراً قَطُّ، وَلَمْ يَقْتُلْ نَفْسًا حَرَامًا قَطُّ، يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقُلْتُ: أَظُنُّهُ واللَّهِ قَدْ نَجَا، فَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ. قَالَ: أَنَا، قُلْتُ: واللَّهِ مَا سَلِمْتَ وَأَنْتَ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً تنْسبُ بِبُثَيْنَةَ. قَالَ: إِنِّي لَفِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدّنيا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ أَيّامِ الآخِرَةِ، فَلَا نَالَتْنِي شَفاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتُ وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْها لِريبَةٍ قَطُّ، قَالَ: فَأَقَمْنا حَتَّى مَاتَ.
وقالَ جَميلٌ حِينَ حَضَرتْهُ الوفاةُ:
صَدَعَ النَّعِـيُّ وَمـا كَنّـى بِجَمِيـلِ وَثَـوى بِمِصـرَ ثَـواءَ غَيـرِ قَفُـولِ
وَلَقَدْ أَجُرَّ الذَّيلَ فِي وادِي القُرَى نَشْــوانَ بَيــنَ مَــزارِعٍ وَنَخِيـلِ
بَكُـرَ النَّعِــيُّ بِفـارِسٍ ذي هِمَّـةٍ بَطَــلٍ إِذا حُــمَّ اللِقـاءُ مُـذيلِ
قـُـومِي بُثَينَـةُ فَانْـدُبِي بِعَويـلِ وَابْكِــي خَلِيلَـكِ دُونَ كُـلَّ خَليـلِ
جَميلُ بُثَيْنَةَ مِنَ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي عَصْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ الْعُذْريينِ، فَشِعْرُهُ يَذُوبُ رِقَّةً وَجُلُّهُ فِي الغَزَلِ وَالنَّسِيبِ، ذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ فِي الأَغاني أَنَّ جَمِيلاً شاعِرٌ فَصيحٌ مُقَدَّمٌ جامِعٌ لِلشِّعْرِ والرِّوايَةِ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ خَشْرَمٍ . . . وَكَانَ كُثَيِّرٌ راويَةَ جَميلٍ، وَكَانَ يُقَدِّمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتَّخِذَهُ إِمَاماً، وَإِذَا سُئِلَ عَنْهُ قَالَ: وَهَلْ عَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَسْمَعُونَ إِلَّا مِنْهُ.
ورَدَ فِي (العقد الفَريد) أنَّ كُثَيِّراً أَنْشَدَ أَبياتاً لِجَمِيلٍ مِنْها قَولُهُ:
مَـا أَنْـتِ وَالْوَعْدُ الَّذِي تَعِدِينِي إِلَّا كَبَــرْقِ ســَحَابَةٍ لَـمْ تُمْطِـرِ
تُقْضَى الدُّيُونُ وَلَيْسَ يُنْجِزُ مَوْعِداً هَـذَا الْغَرِيـمُ لَنَا وَلَيْسَ بِمُعْسِرِ
ثُمَّ قالَ: هذا واللهِ الشّعرُ المَطبوعُ؛ ما قالَ أَحَدٌ مِثْلَ قَولِ جَميلٍ، وما كُنْتُ إِلَّا راوِيَةً لِجَمِيلٍ، ولقدْ أَبْقَى لِلشُّعراءِ مِثالاً تَحتِذِي عَلَيهِ.
عَلِقْـتُ الْهَوَى مِنْهَا وَلِيداً فَلَمْ يَزَلْ إِلَـى الْيَـوْمِ يَنْمِـي حُبُّهَـا وَيَزِيـدُ
وَأَفْنَيْـتُ عُمْـرِي بِانْتِظَـارِيَ وَعْـدَهَا وَأَبْلَيْـتُ فِيهَـا الـدَّهْرَ وَهْـوَ جَدِيدُ
فَلَا أَنَـا مَـرْدُودٌ بِمَـا جِئْتُ طَالِبـاً وَلَا حُبُّهَــا فِيمَــا يَبِيــدُ يَبِيــدُ
فَمَـنْ كَـانَ فِـي حُبِّـي بُثَيْنَةَ يَمْتَرِي فَبَرْقَــاءُ ذِي ضــَالٍ عَلَــيَّ شــَهِيدُ
وَأشارَ إِلى أَنَّ جَميلاً كانَ سبّاقاً لِبعضِ المَعانِي الّتِي اسْتفادَها مِنْهُ غَيرُهُ مِنَ الشُّعراءِ، ومِمّا سَبَقَ إِليهِ فَأُخِذَ مِنهُ قَولُهُ:
تَـرَى النَّـاسَ مَا سِرْنَا يَسِيرُونَ خَلْفَنَا وَإِنْ نَحْـنُ أَوْمَأْنَـا إِلى النَّاسِ وَقَّفُوا
أخذهُ الفَرزدقُ وأَدْخَلَهُ الرُّواةُ فِي شِعْرِهِ.
لِكُـــلِّ حَـــدِيثٍ بَيْنَهُــنَّ بَشَاشــَةٌ وَكُـــلُّ قَتِيـــلٍ عِنْـــدَهُنَّ شــَهِيدُ
وَفَضَّلَتْهُ بِهذا البيتِ سُكينةُ بنتُ الحُسينِ بنِ عليِّ رضْوانُ اللهِ عَليهِمْ، وأَثابَتْهُ بِه ِدُونَ جَماعةٍ مِمَّنْ حَضَرَ مِنَ الشُّعراءِ.
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(أَبُو الفرجِ الأصفهانيّ/ الأغاني)