
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هُدبةُ بنُ خَشْرَمٍ العُذْرِيُّ، مِن شُعراءِ بادِيةِ الحجازِ، وَهُوَ شاعِرٌ فَصيحٌ مُقدَّمٌ، وكانَ رَاوِيَةَ الحُطَيئَةِ، وأَكثَرُ شِعرِهِ ما قالَهُ فِي أَواخِرِ حَياتِهِ حِينَ سُجِنَ وقُبَيلَ قَتْلِهِ، وكانَ هُدبَةُ قَد قَتَلَ زِيادَةَ بنِ زَيدٍ العُذْرِيَّ فِي خِلافٍ نَشَبَ بَينَهُما فَقُتِلَ بِهِ قَوَداً، وشِعرُ هُدبةَ فِي رَويَّتِهِ وبَدِيهَتِهِ سَواءٌ عِندَ الأَمنِ والخوفِ، لِقُدرَتِهِ وسُكونِ جَأْشِهِ وَقُوَّةِ غَريزَتِهِ، عاشَ حَتَّى زَمَنِ مُعاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفيانَ وَتُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 50هـ/670م.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
هُوَ هُدْبَةُ بنُ خَشْرَمٍ بنِ كُرزٍ بنِ أَبِي حَيَّةَ بنِ الكاهِنِ (وَهُوَ سَلَمَةُ) ابنُ أَسْحَمَ بنِ عامِرٍ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ ذُبْيانَ بنِ الحارِثِ بنِ سَعْدٍ بنِ هُذَيْمٍ. ويرجِعُ نسبُ هُدبَةَ إلى قُضاعَةَ.
وَالحارِثُ بْنُ سَعْدٍ الواردُ في سلسِلَةِ نسبِ هُدبَةَ هُوَ أَخُو عُذْرَةَ بنِ سَعْدٍ، لِذلكَ يُنْسَبُ هُدْبَةُ إِلَى بَنِي عُذْرَةَ كَما وَرَدَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَراء) لاِبْنِ قُتَيْبَةَ وَفِي (الاشْتِقاقِ) لِابْنِ دُرَيْدٍ. وَقَدْ وَلَدَ الحارِثُ بنُ سَعْدٍ ذُبْيانَ وَعَبْدَ مَنافٍ وَأُسِيد، أُمُّهُمْ: هِنْدٌ بِنْتُ لُؤَيٍّ بنِ غالِبٍ.
وَقَدْ نَشَأَ هُدْبَةُ فِي أُسْرَةٍ غَلَبَ عَلَيْها قَوْلُ الشِّعْرِ؛ فَقَدْ كانَ لِهُدْبَةَ -كما ذَكَرَ الأَصفهانيُّ- ثَلاثَةَ إِخْوَةٍ كُلُّهُمْ شاعِرٌ وَهُمْ حَوْطٌ وَسَيْحانٌ وَالواسِعُ، وَأُمُّهُمْ حَيَّةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي حَيَّةَ مِنْ رَهْطِهِمْ الأَدْنَيْنِ وَكانَتْ شاعِرَةً أَيْضاً، وكانَ لِهُدْبَةَ كَذلِكَ أُخْتانِ هما: سَلْمَى وَهِيَ زَوْجَةُ زِيادَةَ بنِ زَيْدٍ، وَالأُخْرَى فاطِمَةُ الَّتِي تَغَزَّلَ فِيها زِيادَةُ فَقَتَلَهُ هُدْبَةُ. وَكانَ لِهُدْبَةَ عَمٌّ اسْمُهُ زُفَرٌ.
عاشَ هُدْبَةُ بنُ الخَشْرَمِ فِي عَصْرِ صَدرَ الإِسْلامِ حتى بِدايَةِ العَصْرِ الأُمَوِيِّ وماتَ في زمنِ مُعاوية، وَلَمْ تَرِدْ الكَثِيرُ مِن الأَخْبارِ عَنْ حَياتِهِ وَنَشْأَتِهِ، وَرَكَّزَتْ مُعْظَمُ المَصادِرِ الَّتِي تَناوَلَتْ أَخْبارَهُ عَلَى قِصَّتِهِ مَعَ زِيادَةَ بنِ زَيْدٍ وَالَّتِي أَدَّتْ إِلَى سِجْنِهِ وَقَتْلِهِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي كِتابِ (الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ) لابنِ قُتَيْبَةَ أَنَّ هُدبَةَ كانَ قَدْ صاحَبَ زِيادَةَ بنَ زَيْدٍ العُذْرِيَّ، وَهُما مُقبِلانِ مِنَ الشَّامِ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِما، فَكانُوا يَتَعاقَبُونَ السُّوقَ بِالإِبِلِ، فَنَزَلَ زِيادَةُ يَسُوقُ بِأَصْحابِهِ، فَرَجَزَ فَقالَ:
عُوجِي عَلَيْنا وَارْبَعِي يا فاطِما ما دُونَ أَنْ يُرَى البَعِيرُ قائِما
أَلا تَرَيْنَ الدَّمْعَ مِنِّي ساجِما حَذارَ دارٍ مِنْكِ أَنْ تُلائِما
وَكانَ لِهُدْبَةَ أُخْتٌ يُقالُ لَها فاطِمَةُ، فَظَنَّ أَنَّهُ شَبَّبَ بِها، فَنَزَلَ هُدْبَةُ فَساقَ بِالقَوْمِ، وَرَجَزَ بِأُخْتِ زِيادَةَ، وَكانَ يُقالُ لَها أَمُّ القاسِمِ، فَقالَ:
مَتَى تَظُنُّ الْقُلَّصَ الرَّواسِما
يَبْلُغْنَ أُمَّ قاسِمٍ وَقاسِما
خَوْداً كَأَنَّ الْبُوصَ وَالْمَآكِما
مِنْها نَقاً مُخالِطٌ صَرائِما
وَاللهِ لا يَشْفِي الْفُؤادَ الْهائِما
تَمْساحُكَ اللَّبَّاتِ وَالْمَآكِما
وَلا اللِّمامُ دُونَ أَنْ تُلازِما
وَلا اللِّزامُ دُونَ أَنْ تُفاقِما
وَتَعْلُوَ الْقَوائِمُ الْقَوائِما
فَتَشاتَما، فَلَمّا وَصَلا إِلَى دِيارِهِما جَمَعَ زِيادَةُ رَهْطاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَبَيّتَ هُدْبَةَ، فَضَرَبَهُ عَلَى ساعِدِهِ، وَشَجَّ أَباهُ خَشْرَماً، وَقالَ زِيادَةُ فِي ذلِكَ:
شَجَجْنا خَشرَماً في الرَّأسِ عَشرا وَوَقَّفنــا هُدَيبَـةَ إِذ هَجانـا
تَرَكنـا بِالعُوينـدِ مـن حُسَينٍ نِسـاءً يَلتَقِطـنَ بِـهِ الجُمانا
فقالَ هُدبَةُ:
فَـإِنَّ الـدَّهْرَ مُؤْتَنِـفٌ جَدِيـدٌ وَشـَرُّ الْخَيْـلِ أَقْصَرُها عِنانا
وَشـَرُّ النَّاسِ كُلُّ فَتىً إِذا ما مَرَتْهُ الْحَرْبُ بَعْدَ الْعَصْبِ لانا
فَلَمْ يَزَلْ هُدْبَةُ يَطْلُبُ غِرَّةً مِنْ زِيادَةَ، حَتَّى أَصابَها، فَبَيَّتَهُ فَقَتَلَهُ، وَتَنَحَّى مَخافَةَ السُّلْطانِ، وَعَلَى المَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ سَعِيدُ بْنِ العاصِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَمِّ هُدْبَةَ وَأَهْلِهِ فَحَبَسَهُمْ فِي المَدِينَةِ، فَلَمّا بَلَغَ ذلِكَ هُدْبَةُ أَقْبَلَ حَتَّى أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ، وَتَخَلَّصَ عَمُّهُ وَأَهْلُهُ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوساً حَتَّى شَخَصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدٍ أَخُو زِيادَةَ إِلَى مُعاوِيَةَ، وَأَوْرَدَ كِتابَهُ عَلَى سَعِيدِ بنِ العاصِ بِأَنْ يُقِيدَ مِنْهُ إِذا قامَتْ البَيِّنَةُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَهُ سَعِيدٌ البَيِّنَةَ فَأَقامَها فَمَشَتْ عُذرَةُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمنِ وَسَأَلُوهُ قَبُولَ الدِّيَةِ، فَامْتَنَعَ مِنْ ذلِكَ وَقالَ:
أَنَخْتُمْ عَلَيْنَا كَلْكَلَ الحَرْبِ مَرَّةً فَنَحْنُ مُنِيخُوها عَلَيْكُمْ بكَلْكَلِ
فلا يَدْعُنِي قَوْمِي لزَيْدِ بن مالِكٍ لَئِنْ لَمْ أُعَجِّلْ ضَرْبَةً أَو أُعَجَّل
وَسَأَلَهُ سَعِيدٌ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ مِنْهُ، وَقالَ: أُعْطِيكَ مِئَةَ ناقَةٍ حَمْراءَ لَيْسَ فِيها جداءُ، وَلا ذاتُ داءٍ، فَقالَ: وَاللّٰهِ لَوْ نَقَّيْتَ لِي مَجْلِسَكَ هذا ثُمَّ مَلَأْتَهُ ذَهَباً ما رَضِيتُ بِهِ مِنْ هذا، وَقالَ:
تَعَزَّى عن زيادَةَ كُلُّ مَوْلَى خَلِيٍّ لا تَأوَّبُهُ الهُمُومُ
وكَيْفَ تَجَلُّدُ الأَدْنَيْنَ عنه ولم يُقْتَلْ به الثَّأْرُ المُنيمُ
ولَوْ كُنْتَ المُصَابَ وكان حَيّاً لَشَمَّرَ لا أَلَفُّ ولا سَؤُّومُ
ولا هَيَّابَةٌ باللَّيْلِ نِكْسٌ ولا وَرَعٌ إِذا يُلْقَي جَثُومُ
فَدَفعَهُ سَعيدٌ إليهِ مُوثقاً فِي الحَديدِ، فَقالَ هُدبةُ:
إِن تَقْتُلُوني في الحَدِيدِ فإِنَّني قَتَلْتُ أَخاكُمْ مُطْلَقاً غَيْرَ مُوثَق
فَقالَ عَبْدُ الرَحْمَنِ بنُ زَيْدٍ: لا وَاللّٰهِ لا قَتَلْتُهُ إِلّا مُطْلَقاً، فَأُطْلِقَ، فَقَتَلَهُ، وَكانَ هُدْبَةُ قالَ لَهُمْ: تَفقدُّونِي إِذا ضُرِبَتْ عُنُقِي، فَإنِّي سَأَقْبِضُ يَدي وَأَبْسُطُها، فَتَفَقدُوهُ فَرَأَوْهُ قَدْ فَعَلَ ذلِكَ.
وَيُقالُ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بنَ حَسّانَ بْنِ ثابِتٍ اعْتَرَضَهُ وَهُوَ يَرْفُلُ إِلَى المَوْتِ، فَقالَ: ما هذا يا هُدبُ؟ قالَ: لا آتِي المَوْتَ إِلّا شَدّاً، قالَ: أَنْشِدْنَي، قالَ: عَلَى هذا مِنْ الحالِ؟! قالَ: نَعَمْ، فَأَنْشَدَهُ:
ولا أَتَمَنَّى الشَّرَّ والشَّرُّ تارِكِي ولكِنْ مَتَى أُحْمَلْ على الشَّرِّ أَرْكَبِ
ولَسْتُ بمِفْرَاحٍ إِذا الدَّهْرُ سرَّني ولا جازِعٍ من صَرْفِهِ المُتَقَلِّبِ
وحَرَّبَني مَوْلايَ حَتَّى غَشِيتُهُ مَتَى ما يُحَرِّبْكَ ابنُ عَمِّك تَحْرَبِ
لٰكِنْ لِهذِهِ القِصَّةِ مُقَدِّماتٌ أَدَّتْ إِلَى حُدُوثِها فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) أَنَّ أَوَّلَ ما هاجَ الحَرْبَ بَيْنَ بَنِي عامِرٍ بنِ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ ذُبْيانَ وَهُمْ رَهْطُ هُدْبَةَ وَبَيْنَ بَنِي رقاشٍ وَهُمْ بَنُو قُرَّةَ بنِ خنبَسٍ بنِ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ ذُبْيانَ وَهُمْ رَهْطُ زِيادَةَ بنِ زَيْدٍ أَنَّ حَوْطاً بنَ خَشْرَمٍ أخا هُدبَةَ راهَنَ زِيادَةَ بنَ زَيْدٍ عَلَى جَمَلَيْنِ مِنْ إِبِلِهِما وَكانَ مُطْلِقُهُما مِن الغايَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَذلِكَ فِي القَيْظِ فَتَزَوَّدُوا الماءَ فِي الرَّوايا وَالقِرَبِ. وَكانَتْ أُخْتُ حَوْطٍ سَلْمَى بِنْتُ خَشْرَمٍ تَحْتَ زِيادَةَ بنِ زَيْدٍ فَمالَتْ مَعَ أَخِيها عَلَى زَوْجِها فَوَهَنَتْ أَوْعِيَةُ زِيادَةَ فَفَنِيَ ماؤُهُ قَبْلَ ماءِ صاحِبِهِ فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ زِيادَةُ:
قَـدْ جَعَلتْ نَفْسِي فِي أَدِيم مُحَـرَّم الـدِّباغ ذِي هُزُوم
ثُمَّ رَمَتْ بِي عَرَضَ الدَّيْمُومِ فِي بادِحٍ مِنْ وَهَجِ السَّمُومِ
عِنْـدَ اطِّلاعِ وَعْرَةِ النُّجُومِ
فَكانَ ذلِكَ أَوَّلَ ما أَثْبَتَ الضَّغائِنَ بَيْنَهُما.
وَقَدْ أَشارَ المُبَرِّدُ فِي (الكامِلِ) أَنَّ قِصَّةَ هُدْبَةَ دَخَلَها بَعْضُ المُبالَغاتِ، قال: فَيَزْعُمُ بَعْضُ أَصْحابِ الأَخْبارِ أَنَّهُ قالَ: ما أَجْزَعُ مِنَ المَوْتِ، وَآيَةُ ذلِكَ أَنِّي أَضْرِبُ بِرجلِي اليُسْرَى بَعْدَ القَتْلِ ثَلاثاً، وَهُوَ باطِلٌ مَوْضُوعٌ، وَلٰكِنْ سَأَلَ فَكَّ قُيُودِهِ، فَفُكَّتْ، فَذلِكَ حَيْثُ يَقُولُ:
فَإِنْ تَقْتُلُونِي فِي الحَدِيدِ فَإِنَّنِي قَتَلْتُ أَخاكُمْ مُطْلَقاً غَيْرَ مُوثَقِ
وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ قِصَصٍ عَنْ اللَّحَظاتِ الأَخِيرَةِ قَبْلَ مَوْتِ هُدَبَةَ، مِنْها أَنَّهُ عِنْدَما أُخِذَ لِيُقْتَلَ رَأَى امْرَأَتَهُ، فَدَخَلَتْهُ غِيْرَةٌ، وَقَدْ كانَ جُدِعَ فِي حَرْبِهِمْ، فَقالَ:
فَـإِنْ يَـكُ أَنْفِـي بـانَ مِنْهُ جَمالُهُ فَمـا حَسَـبِي فِي الصّالِحِينَ بِأَجْدَعا
وَما حَسَّنَتْ نَفْسِي لِي العَجْزَ مُذْ بَدَتْ نَواجِــذُها يَمجُجْــنَ سُـمّاً مُسَـلَّعا
فَقالَتْ: قِفُوا عَنْهُ ساعَةً، ثُمَّ مَضَتْ وَرَجَعَتْ وَقَدْ اصْطَلَمَتْ أَنْفَها، فَقالَتْ: أَهذا فِعَلُ مَنْ لَهُ فِي الرِّجالِ حاجَةً. فَقالَ: الآنَ طابَ المَوْتُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبَوَيْهِ فَقالَ:
أَبْلِيانِي الْيَوْمَ صَبْراً مِنْكُما إِنَّ حُزْنـاً مِنْكُمـا عاجِـلُ ضُرّْ
لا أَرَى ذا الْمَـوْتَ إِلَّا هَيِّنـاً إِنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ دارَ الْمُسْتَقَرّْ
اصـْبِرا الْيَـوْمَ فَـإِنِّي صابِرٌ كُــلُّ حَــيٍّ لِقَضــاءٍ وَقَــدَرْ
وَقَدْ كانَ هُدبَةُ -كَما وَصَفَهُ المُبَرِّدُ- مِنْ الجُفاةِ عِنْدَ المَوْتِ، وَمِمّا يَدُلُّ عَلَى ثَباتِهِ ورباطةِ جأشِهِ حِينَ دُخُولِهِ السِّجْنَ قَوْلُهُ:
وَلَمّا دَخَلْتُ السِّجْنَ يا أُمَّ مالِكٍ ذَكَرْتُكَ والأَطْرافُ فِي حِلَقٍ سُمْرِ
وَعِنْدَ سَعِيدٍ غَيْرَ أَنْ لَمْ أَبُحْ بِهِ ذَكَرْتُكِ إِنَّ الأَمْرَ يُذْكَرُ بِالأَمْرِ
فَسُئِلَ عَنْ هذا القَوْلِ، فَقالَ: لَمّا رَأَيْتُ ثَغْرَ سَعِيدٍ -وَكانَ سَعِيدٌ حَسَنَ الثَّغْرِ جِدّاً- وَذَكَرْتُ بِهِ ثَغْرَها.
قُتِلَ هُدبةُ بنُ الخَشرَمِ قَوَداً بِزيادَةَ بنِ زيدٍ، بعدَ أَن رَفَضَ أَخو زيادةَ عبدُ الرَّحمنِ أَن يَأخُذَ بِهِ الدِّيَةَ، وقد وردَ أنَّه لمّا أخذو هُدبةَ ليقتلوه اسْتَأْذنَ فِي أَن يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَأُذِنَ لَهُ فَصلَّاهُما وخَفَّفَ ثُمَّ الْتفتَ إِلَى مَن حَضَرَ فَقَالَ: لَوْلَا أَن يُظَنَّ بِيَ الجزعُ لأَطلْتُهما فقد كُنتُ مُحْتَاجاً إِلَى إطالَتِهما. وهُدبَةُ أَوّلُ مَن سَنَّ رَكْعَتَيْنِ عِنْد الْقَتْلِ.
وَقيلَ إِنَّهُ قالَ قَبلَ أَن يُقتلَ وَكانَ مُقيَّداً:
إِن تقتلوني فِي الْحَدِيد فإنني ... قتلت أَخَاكُم مُطلقًا لم يُقيد
فَقَالَ عَبد الرَّحْمَنِ أَخُو زِيَادَة: وَاللهِ لَا قَتَلْتُهُ إِلَّا مُطلقًا مِن وِثَاقِهِ. فَأُطلِقَ لَهُ وَتَوَلَّى قَتلَهُ ابنُ زِيادةَ واسمُهُ المِسْوَرُ دَفَعَ إِلَيْهِ عَمُّهُ السَّيْفَ وَقَالَ: قُم فَاقْتُلْ قَاتل أَبِيكَ. فَقَامَ فَضَرَبَهُ ضَربَتينِ قَتَلَهُ فِيهمَا.
وكانتْ وَفاتُهُ حَوالَي سَنةِ 50هـ.
هُدبةُ بنُ الخَشرَمِ شاعِرٌ مُتقدِّمٌ فِي عَصرِهِ، وَهوَ رَاوِيةُ الحُطيئَةِ وَكانَ جَميلٌ رَاويةَ هُدبةَ، وكُثيّرٌ راوِيةَ جَميلٍ.
تميّزَ هُدبةُ بنُ الخَشرَمِ بِأَنَّهُ مِن الشُّعراءِ ذَوي القُدرة على قَولِ الشِّعرِ فِي أَصعَبِ المَواقِفِ، وذَلكَ -كَما أَشارَ ابنُ رَشيقٍ- لِقُدرَتِهِ، وسُكونِ جَأْشِهِ وَقُوَّةِ غَريزَتِهِ، وقد وردَتْ عَنهُ أبياتٌ عَديدَةٌ قُبيلَ قَتلِهِ. وقد عَدّهُ البعضُ مِن أَشعرِ النَّاسِ فِي هذهِ الفَترةِ مِن حَياتِهِ، فقد وَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّ مَروانَ بنَ أَبي حَفصَةَ قالَ: كانَ هُدبةُ أَشعرَ النَّاسِ مُنذُ دَخَلَ السِّجنَ إِلى أَن أُقيدَ مِنهُ.
(ابنُ رشيق القيرواني/ العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده).
(ابن دريد/ الاشتقاق).
(أبو الفرجِ الأصفهانيّ/ الأغاني).