
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هُوَ رَبيعةُ بنُ عامِرِ بنِ أُنَيْفِ الدَّارِمِيِّ التَّمِيمِيِّ، غَلَبَ عَلَيهِ لَقَبُ (مِسْكِين) لِأَبياتٍ قالَها، وهوَ شاعِرٌ أُمَوِيٌّ مُجيدٌ مِنَ العِراقِ، كانَ يَفِدُ على الخُلفاءِ والْأُمراءِ، قَدِمَ على مُعاويةَ ومَدَحهُ وسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ فَأَبَى ثُمَّ عادَ فَأَعْطاهُ، وَكانَ مِسكِينٌ مُقرَّباً مِن يَزيدَ بنِ مُعاويَةَ فكانَ يزيدُ يَصِلُهُ ويَقُومُ بِحوائِجِهِ عِندَ أَبِيهِ، وَقَد رَثَى مسكينٌ زيادَ بنَ أَبيهِ فَرَدَّ عليهِ الْفَرَزْدَقُ فَتَهاجَيا ثُمَّ تَكافّا، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 89 لِلْهِجْرَةِ.
الأَخْطَلُ هُوَ غِياثُ بنُ غَوثٍ، مِن بَنِي تَغلبَ، شاعِرٌ مِنْ فُحولِ الشُّعراءِ الأُمويِّينَ، وقد اتُّفِقَ عَلى أنَّهُ والفرزدقَ وجريراً فِي الطَّبقةِ الأُولى مِنَ الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، نَشأَ في بادِيَةِ الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ فِي العِراقِ، وظلَّ هُوَ وقومُهُ على النّصرانيَّةِ ولمْ يَدْخُلوا الإِسلامَ، وقد امْتازَ شِعرُهُ بِالصَّقلِ والتّشْذِيبِ مِن غَيرِ تَكَلُّفٍ، وَشُبِّهَ بِالنَّابِغَةِ الذُّبيانيِّ لِصِحَّةِ شِعرِهِ، وَكانَ الأخطلُ مُقرَّباً مِن خُلفاءِ بَنِي أُميَّةَ وأَكْثَرَ مِنْ مَدْحِهم وهجاءِ أعدائِهم، توفيَ فِي حُدودِ سَنَةِ 90 لِلْهِجْرَةِ.
عُبَيد بن حُصين بن معاوية بن جندل، النميري، أبو جندل.من فحول الشعراء المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل وكان بنو نمير أهل بيتٍ وسؤدد.وقيل: كان راعَي إبلٍ من أهل بادية البصرة.عاصر جريراً والفرزدق وكان يفضّل الفرزدق فهجاه جرير هجاءاً مُرّاً وهو من أصحاب الملحمات.وسماه بعض الرواة حصين بن معاوية.
جريرُ بنُ عطيَّةَ الكَلبِيُّ اليَربُوعِيِّ التّميميُّ، ويُكَنَّى أَبا حَزْرَةَ، وهو شاعِرٌ أُمَوِي مُقدَّمٌ مُكثِرٌ مُجيدٌ، يُعدُّ فِي الطّبقةِ الأُولى مِن الشُّعراءِ الإِسلامِيِّينَ، وُلِدَ فِي اليَمامةِ ونَشأَ فِيها وانْتقلَ إِلى البَصرَةِ، واتَّصَلَ بِالخُلفاءِ الأُمَوِيِّينَ وَوُلاتِهِم، وكانَ يُهاجِي شُعراءَ زَمانِهِ ولمْ يَثبُتْ أَمامَهُ إِلَّا الفَرزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقد قَدَّمَهُ بعضُ النُّقادِ والرُّواةُ على الفَرزدقِ والأَخطَلِ وذُكِرَ أنَّ أَهلَ الْبَادِيَةِ وَالشُّعرَاءِ بِشِعْرِ جريرٍ أَعجَبُ، وأَنَّهُ يُحْسِنُ ضُروباً مِنَ الشِّعرِ لا يُحسِنُها الفَرَزْدَقُ والأَخْطَلُ، وقدْ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ 110 لِلهِجْرَةِ.
عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك، من بني عامر بن لؤي، ابن قيس الرقيات.شاعر قريش في العصر الأموي. كان مقيماً في المدينة.خرج مع مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان، ثم انصرف إلى الكوفة بعد مقتل ابني الزبير (مصعب وعبد الله) فأقام سنة وقصد الشام فلجأ إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسأل عبد الملك في أمره، فأمّنه، فأقام إلى أن توفي.أكثر شعره الغزل والنسيب، وله مدح وفخر. ولقب بابن قيس الرقيات لأنه كان يتغزل بثلاث نسوة، اسم كل واحدة منهن رقية
وجمع أبو الفرج الأصفهاني أخباره في ذيل بيتين هما من الأصوات المائة المختارة قال:صوت من المائة المختارة من رواية جحظة عن أصحابهأمسـى الشـباب مودعـاً محمـودا والشـيب مؤتنـف المحـل جديـداوتغيـر الـبيض الأوانـس بعدما حملتهــن مواثقــاً وعهــوداثم نسب الغناء وساق نسب يزيد وأخباره قال: وكان يلقب مودقاً، سمي بذلك لحسن وجهه وحسن شعره وحلاوة حديثه، فكانوا يقولون: إنه إذا جلس بين النساء ودقهن.وأول أخباره تولعه بفتاة من بني جرم تسمى وحشية، انظر قصتها معه في صفحة البيتين:فـإن شـئت يـا مياد زرنا وزرتمولم ننفس الدنيا على من يصيبهاأيــذهب ميــادٌ بألبـاب نسـوتي ونســوة ميــادٍ صـحيحٌ قلوبهـاوهي قصة طريفة يمكن إخراجها في مسلسل من مسلسلات الباديةونقل أبو الفرج أخبار يزيد مع بني سدة عن راوية اسمه أبو عثمان سعيد بن طارق، ولم أعثر على ذكر له في غير هذه الصفحة من الأغاني.وانظر في هذه الموسوعة ديوان حكيم بن أبي الخلاف السدري
عُمَرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي رَبِيعةَ، مِنْ بَنِي مَخزُومٍ إِحدَى بُطونِ قَبيلَةِ قُريشٍ، يُكنّى أَبا الخَطَّابِ، وُلِدَ فِي اللَّيلَةِ الّتِي تُوفِّيَ فِيها عُمرُ بنُ الخطّابِ رضيَ الله عنهُ فَسُمِّيَ باسْمِهِ، وهُوَ أَشْهَرُ شُعراءِ عَصْرِهِ فِي الغَزَلِ والنَّسِيبِ، وهُوَ مَنْ جَعلَ العَرَبَ تُقرُّ لِقُرَيشٍ بِالشِّعْرِ ولا تُنازِعُها فِيهِ، وجُلُّ شِعرِهِ فِي الغَزَلِ والتّشبيبِ بِالنِّساءِ، وقدْ نفاهُ عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ إلى دُهلك حينَ رُفِعَ إليهِ أَنَّهُ يَتَعرَّضُ لِلنّساءِ الحَواجِّ ويُشبِّبُ بِهِنَّ، وقدْ عاشَ ثَمانينَ سنةً، فَتكَ مِنْها أَربَعِينَ سَنَةً، ونَسكَ أَرْبَعِينَ سنةً، فَقدْ تابَ وترَكَ قَولَ الشِّعرِ، ثُمّ غَزا فِي البَحرِ فاحْتَرَقَتْ السَّفينةُ بِهِ وبِمَنْ مَعَهُ، فَماتَ فِيها غَرقاً. وكانَتْ وفَاتُهُ حَوالَي سَنةِ 93 لِلْهِجْرَةِ.
الفَرَزْدَقُ هُوَ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ المُجَاشِعِيُّ التَّمِيمِيُّ، لُقِّبَ بِالفَرَزْدَقِ لِجَهَامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ، وَهُوَ مِنْ اشْهَرِ الشُّعَرَاءِ الْأُمَوِيِّينَ، وَعَدَّهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِنْ شُعَرَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الإِسْلَامِيِّينَ، وَكَانَ الفَرَزْدَقُ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ وَسِيَادَةٍ في قومِهِ فَكَانَ شَدِيد الفَخْرِ بِهُمْ وَكَانَ لِسَانَهُمْ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ وَالْوُلَاةِ، وَلَهُ مَعَ جَرِيرٍ وَالاخْطَلِ اهَاجٍ مَشْهُورَةٌ عُرِفَتْ بِالنَّقَائِضِ، وَكَانَ مُتَقَلِّبًا فِي وَلَائِهِ السِّيَاسِيِّ وتَعَرَّضَ لِلسّجْنِ وَالمُلَاحَقَةِ مِنْ قِبَلِ عَدَدٍ مِنْ الوُلَاةِ، وَقَدْ عُمِّرَ حَتَّى خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَاتَ سَنَةَ 110 لِلْهِجْرَةِ.
جَميلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، أَحَدُ بَنِي عُذْرَةٍ مِنْ قُضاعَةَ، كَانَتْ مَنازِلُهُمْ فِي وَادِي القُرَى قُرْبَ المَدينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَجَميلٌ شاعِرٌ إِسْلاميٌّ فَصِيحٌ مُقَدَّمٌ، كَانَ راوِيَةَ هُدْبَةَ بْنِ الخَشْرَمِ، وَكَانَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ راوِيَةَ جَمِيلٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريِّينَ، وَمِن عُشّاقِ العَرَبِ الَّذِينَ تَيَّمَهُمْ الحُبُّ، وَصاحِبَتُهُ بُثَيْنَةُ هِيَ مِنْ بَناتِ قَوْمِهِ وَأَغْلَبُ شِعْرِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ زَواجُها بِغيرِهِ فَبَقِيَ يُلاحِقُها حَتَّى شَكَاه قَوْمُها إِلَى السُّلْطانِ فَأَهْدَرَ دَمَهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى اليَمَنِ، وَبَعْدَهَا قَصَدَ مِصْرَ وَوَفَدَ عَلَى عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ مَرْوانَ فَأَكْرَمَهُ، فَأَقَامَ قَلِيلاً فِيها ثُمَّ مَاتَ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ حَوَالَيْ سَنَةِ 82 لِلْهِجْرَةِ.
مَجْنونُ لَيْلَى مِنْ أَشْهَرِ الشُّعَراءِ اَلْعُذْريينَ فِي العَصْرِ الأُمَويِّ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجودِهِ فَقِيلَ هوَ اسْمٌ مُسْتَعَارٌ لَا حَقيقَةَ لَهُ، وَتَعَدَّدَتْ الْآرَاءُ فِي اسْمِهِ كَذَلِكَ وَأَشْهَرُها أَنَّهُ قَيْسُ بْنُ الْمُلَوَّحِ بْنُ مُزاحِمٍ، مِنْ بَني عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لُقِّبَ بِمَجْنونِ بَني عامِرٍ، وَيَغْلُبُ عَلَيْهِ لَقَبُ مَجْنُونِ لَيْلَى، ولَيلَى هي محبوبتُهُ اَلَّتِي عَشِقَها وَرَفْضَ أَهْلُها تَزْويجَها لَهُ، فَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ يُنْشِدُ الأَشْعارَ وَيَأْنَسُ بِالْوُحُوشِ، فَكانَ يُرَى فِي نَجْدٍ وَحِيناً فِي الحِجَازِ حِيناً فِي الشّامِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ مُلْقىً بَيْنَ أَحْجارِ إِحْدَى الأَوْدِيَةِ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
قيسُ بنُ ذَرِيح الليثيِّ، مِنْ بَنِي عبدِ مَناةَ بنِ كِنانةَ، شاعِرٌ مِنْ عُشّاقِ العَرَبِ المَشهورِينَ، وصاحِبَتُهُ لُبْنَى بنتُ الحُبابِ الكَعْبِيَّةِ الَتِي اشْتُهِرَ بِها، كانَ مِنْ سُكّانِ المَدِينةِ، وَقيلَ هُوَ رَضِيعُ الْحُسينِ بنِ عليِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُما أَرْضَعَتْهُ أُمُّ قَيسٍ. وقَدْ تَزَوَّجَ قَيسٌ مِنْ لُبْنَى بَعْدَ أَنْ عَشِقَها ثُمَّ طَلَقَها بعدَ أنْ أَجْبَرَهُ أَهْلُهُ عَلَى طَلاقِها، فَنَدِمَ عَلَى ذَلكَ وساءَتْ حَالُهُ وَلَهُ مَعها قِصَصٌ وأَخْبَارٌ عَدِيدَةٌ، وَشِعْرُهُ عالِي الطّبقَةِ فِي التَشْبِيبِ وَوَصْف الشّوقِ والْحَنِينِ، تُوفِّيَ نَحوَ سَنَةِ 68 لِلْهِجْرَةِ.
هو رَبيعةُ بنُ عامِرِ بنِ أُنَيْفِ بنِ شُرَيْحِ بنِ عَمْرِو بنِ عَمرِو بنِ زَيدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ عُدُسِ بنِ دارِمِ بنِ مالِكِ بنِ زَيدِ مَناةَ بنِ تَميمِ. وقيلَ: هوَ مِسكينُ بنُ أُنَيْفِ بنِ شُرَيْحِ بنِ عَمْرِو بنِ عُدُسِ بنِ زَيدِ بنِ عَبدِ اللّهِ بنِ دارِمِ بنِ مالِكِ بنِ حَنظَلةَ بنِ زيدِ مَناةَ بنِ تَميمٍ.
وَقدْ غَلَبَ عَليهِ لَقَبُ (مِسْكِين) لِأَبياتٍ يَقولُ فِيها:
أَنا مِسْكِينٌ لِمَنْ أَنْكَرَنِي وَلِمَنْ يَعْرِفُنِي جِدٌّ نَطِقْ
لَا أَبِيعُ النّاسَ عِرْضِي إِنَّنِي لَوْ أَبِيعُ النّاسَ عِرْضِي لَنَفَقْ
فَلمّا سُمِّيَ مِسكِيناً قالَ:
سُــمِّيتُ مِسْـكِيناً وَكَـانَتْ لَجَاجَـةً وَإِنِّـي لَمِسْـكِينٌ إِلَـى اللَّهِ رَاغِبُ
وَإِنِّي امْرُؤٌ لَا أَسْأَلُ النَّاسَ مَالَهُمْ بِشِـعْرِي وَلَا تَعْمَـى عَلَـيَّ الْمَكاسِبُ
ويَنْتَسِبُ مِسكِينٌ إِلى بَنِي دارِمٍ إِحدى أَشْهَرِ بُطُونِ قَبيلَةِ تَمِيمٍ، وَكانَ لِبَنِي دارِمٍ أَيَّامُها المَشهودَةُ فِي الْجاهِلِيَّةِ كَيومِ رَحْرَحانَ بَينهم وبَينَ بَنِي عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ، وَقَدْ بَرَزَ مِنْها غَيرُ شاعِرٍ مَشهورٍ كَالفَرَزْدَقِ والْبُعيثِ وغَيرِهِما، وتَفرَّعتْ بَنُو دارِمٍ إلى عِدَّةِ بُطُونٍ أَشْهَرُها: عَبدُ اللهِ ومُجاشِعٌ وسَدوسٌ وخيبريٌّ ونَهشلٌ وأَبّانُ ومَنافٌ وجَريرٌ.
وَقدْ تَزوّجَ مِسكينٌ الدَّارِمِيُّ امرأَةً مِن مِنْقَرٍ، وكانَتْ كَثيرةَ الْخُصومَةِ لَهُ، وَذُكرَ من أبنائِهِ عُقْبَةُ وكانَ شاعِراً وَردَتْ لَهُ أَبياتٌ يَقُولُ فِيها:
لِحَافِي لِحَافُ الضَّيْفِ وَالْبَيْتُ بَيْتُهُ وَلَمْ يُلْهِنِي عَنْهُ غَزالٌ مُقَنَّعُ
وُلِدَ مِسْكِينٌ الدّارميُّ فِي الكُوفَةِ ونَشَأَ فِيها فِي أَوائِلِ الخِلافَةِ الأُمَويَّةِ، وَكَانَ مِنْ أُسْرَةٍ شَرِيفَةِ النَّسَبِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ افْتِخارِهِ الدّائِمِ بِنَسَبِهِ وَآبائِهِ، وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ بَني دارِمٍ وَوُصِفَ بِالشَّجَاعَةِ والْإِقْدامِ، وَلَكِنَّ شَرَفَ نَسَبِهِ لَمْ يَشْفَعْ لَهُ أَحْيَاناً وَلَمْ يَخْدِمْهُ فِي الوُصولِ إِلَى مَا يَصْبُو إِلَيْهِ، فَقَدْ خَطَبَ فِي شَبابِهِ امْرَأَةً فَكَرِهَتْهُ لِسَوادِهِ وَقِلَّةِ مالِهِ، وَتَزَوَّجَتْ رَجُلاً مَهْزولَ النَّسَبِ مَيْسورَ اَلْحالِ، فُساءَ ذَلِكَ مِسْكِيناً وَمَرَّ بِهَا يَوْماً وَهِيَ مَعَ زَوْجِها فَقَالَ:
أَنَـا مِسْـكِينٌ لِمَـنْ يَعْرِفُنِي لَوْنِيَ السُّمْرَةُ أَلْوانُ الْعَرَبْ
مَـنْ رَأَى ظَبْيـاً عَلَيْهِ لُؤْلُؤٌ واضِـحَ الْخَدَّيْنِ مَقْرُوناً بِضَبْ
أَكْسَـبَتْهُ الْوَرِقُ البِيضُ أَباً وَلَقَـدْ كـانَ وَمَـا يُدْعَى لِأَبْ
اصْـحَبِ الْأَخْيارَ وَارْغَبْ فِيهِمُ رُبَّ مَـنْ صَـحِبْتَهُ مِثْلُ الْجَرَبْ
وَاصْـدُقِ النَّاسَ إِذا حَدَّثْتَهُمْ وَدَعِ الْكـِذْبَ لِمَـنْ شاءَ كَذَبْ
رُبَّ مَهْــزُولٍ سَــمِينٌ بَيْتُـهُ وَسَمِينِ الْبَيْتِ مَهْزُولِ النَّسَبْ
وَلَمْ يَكُنْ حَظُّهُ فِي الزّواجِ بِأَفْضَلَ مِنْ ذلِكَ، فَقَدْ تَزَوَّجَ بَعدَ ذلكَ بِامرأَةٍ مِن مِنْقَرٍ، وكانَتْ فارِكاً كَثِيرةَ الخُصُومَةِ، وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّها جازَتْ بِهِ يَوماً وَهُو يُنشِدُ قَولَهُ فِي نادِي قَومِهِ:
إِنْ أُدْعَ مِسْكِيناً فَما قَصَرَتْ قِدْرِي بُيُوتُ الْحَيِّ وَالْجُدْرُ
فَوَقَفَتْ عَلَيهِ تَسمعُ حَتَّى إِذا بَلَغَ قَولَهُ:
نارِي وَنارُ الْجارِ واحِدَةٌ وَإِلَيْهِ قَبْلِي تَنْزِلُ الْقِدْرُ
فقالتْ لَهُ: صَدَقْتَ واللّهِ، يَجْلِسُ جارُكَ فَيَطْبُخُ قِدْرَهُ، فَتَصْطَلِي بِنارِهِ، ثُمَّ يُنْزِلُها فَيَجْلِسُ يأْكِلُ وأَنْتَ بِحذائِهِ كَالْكَلْبِ، فإِذا شَبِعَ أَطْعَمَكَ، أَجَل وللّهِ، إِنَّ القِدْرَ لَتَنْزَلُ إٍليهِ قَبْلَكَ، فَأَعْرَضَ عَنْها، وَمرَّ فِي قَصيدَتِهِ حتّى بَلَغَ قولَهُ:
مَا ضَرَّ جارِي إِذْ أُجاوِرُهُ أَنْ لا يَكُونَ لِبَيْتِهِ سِتْرُ
فَقالتْ لَهُ: أًجلْ، إِنْ كانَ لَهُ سِتْرٌ هَتَكْتَهُ، فَوَثَبَ إِليها يَضْرِبُها، وَجعلَ قَوْمُهُ يضْحَكُونَ مِنْهما.
وَمِنْ أَشْهَرِ أَخْبارِ مِسْكِينٍ ما وَقَعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الْفَرَزْدَقِ مِنْ هِجاءٍ، وَسَبَبُ ذَلكَ أَنَّ مِسْكِيناً كانَ مُقرّباً مِنْ زِيادِ بنِ أَبيهِ فَلمّا ماتَ رَثاهُ وقالَهُ فِيهِ:
رَأَيْتُ زِيادَةِ الْإِسْلامِ وَلَّتْ جَهاراً حِينَ وَدَّعَنا زِيادُ
فَعارضَهُ الفَرَزْدَقُ، وَكانَ مُنْحَرِفاً عَنْ زِيادٍ لِطَلَبِهِ إِيَّاهُ وإِخافَتِهِ لَهُ، فقالَ:
أَمِسـْكِينُ أَبْكَـى اللهُ عَيْنَيْكَ إِنَّمَا جَـرَى فـي ضـَلَالٍ دَمْعُهـا إِذْ تَحَدَّرا
أَتَبْكِي امْرَأً مِنْ أَهْلِ مَيْسَانَ كَافِراً كَكِسـْرَى عَلَـى عِـدَّانِهِ أَوْ كَقَيْصـَرا
أَقُــولُ لَــهُ لَمَّـا أَتَـانِي نَعِيُّـهُ بِــهِ لَا بِظَبْـيٍ بِالصـَّرِيمَةِ أَعْفَـرا
فقالَ مِسكينٌ يُجيبُهُ:
أَلَا أَيُّهـا الْمَـرْءُ الَّـذِي لَسْتُ قَاعِداً وَلَا قَائِمـاً فِي الْقَوْمِ إِلَّا انْبَرَى لِيا
فَجِئْنِــي بِعَــمٍّ مِثــلِ عَمِّــي أَوْ أَبٍ كَمِثْـلِ أَبِـي أَوْ خَـالِ صِـدْقٍ كَخالِيـا
كَعَمْرِو بْنِ عَمْرٍو أَوْ زُرارَةَ ذِي النَّدَى أَو الْبِشْـرِ مِـنْ كُـلٍّ فَرَعْتُ الرَّوابِيا
قَالَ: فَأَمْسَكَ الفَرَزْدَقُ عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَتَكافَّا. وَيُذْكَرُ أَنَّ الفَرَزْدَقَ قَالَ: "نَجَوْتَ مِنْ مُهاجاةِ مِسْكينٍ الدَّارِمِيِّ، لِأَنَّهُ لَوْ هَجانِي اضْطَرَّنِي أَنْ أَهْدِمَ شَطْرَ حَسَبِي وَفَخْرِي، لِأَنَّهُ مِنْ بَحْبُوحَةِ نَسَبِي وَأَشْرافِ عَشِيرَتِي، فَكَانَ جَريرٌ حِينَئِذٍ يَنْتَصِفُ مِنِّي بيَدِي وَلِسانِي". وَكَانَ لَمِسْكينٍ كذلكَ مُهاجاةٌ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ.
واتَّصَلَ مِسْكينُ الدَّارِمِيُّ بِاَلْخُلَفاءِ والْوُلاةِ فِي عَصْرِهِ، فَقَدْ وَفَدَ عَلَى مُعاويَةَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ، وَكَانَ لَا يَفْرِضُ إِلَّا لِلْيَمَنِ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ مِسْكِينٌ وَهُوَ يَقُولُ:
أَخـاكَ أَخـاكَ إِنَّ مَـنْ لا أَخـا لَهُ كَسـاعٍ إِلَـى الْهَيْجـا بِغَيْـرِ سِلاحِ
وَإِنَّ ابْنَ عَمِّ الْمَرْءِ فَاعْلَمْ جَناحُهُ وَهَـلْ يَنْهَـضُ الْبـازِي بِغَيْرِ جَناحِ
وَمـا طـالِبُ الحاجـاتِ إِلَّا مُعَذَّباً وَمـا نـالَ شَـيْئاً طـالِبٌ لِنَجـاحِ
وَبَعْدَ تَعاظُمِ دَوْرِ اليَمَنيَّةِ أَصْبَحَ مُعاوِيَةُ يَفْرِضُ لِلْقِيسِيَّةِ، وَسَأَلَ مُعاويَةُ عَنْ مِسْكينٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ الفَتَى الدَّارِمِيُّ الصَّبِيحُ الوَجْهِ الفَصِيحُ اللِّسانِ، يَعْنِي مِسْكِيناً فَقَالَ: صالَحَ يَا أَميرَ المُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: أَعْلِمْهُ أَنِّي قَدْ فَرَضْتُ لَهُ فِي شَرَفِ الْعَطاءِ وَهُوَ فِي بِلادِهِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يُقيمَ بِهَا أَوْ عِنْدَنا فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّ عَطاءَهُ سَيَأْتِيهِ، وَبَشِّرْهُ أَنِّي قَدْ فَرَضْتُ لِأَرْبَعَةِ آلَافٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خِندِف.
وَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغاني) أَيْضاً أَنَّ يَزيدَ بْنَ مُعاويَةَ كَانَ يُؤْثِرُ مِسْكِيناً الدَّارِمِيَّ، وَيَصِلُهُ وَيَقُومُ بِحَوائِجِهِ عِنْدَ أَبِيهِ، فَلَمَّا أَرَادَ مُعاويِةُ البَيْعَةَ ليَزيدَ تَهَيَّبَ ذَلِكَ وَخَافَ أَلّا يُمَالِئَهُ عَلَيْهِ النّاسُ، فَأَمَرَ يَزيدُ مِسْكِيناً أَنْ يَقُولَ أَبْيَاتاً وَيُنْشِدَها مُعاويَةَ فِي مَجْلِسِهِ إِذا كَانَ حَافِلاً وَحَضَرَهُ وُجُوهُ بَنِي أُمَيَّةَ، فَلَمَّا اتَّفَقَ ذَلِكَ دَخَلَ مِسْكِينٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ وابْنُهُ يَزيدُ عَن يَمينِهِ وَبَنُو أُمَيَّةَ حَوالَيْهِ وَأَشْرافُ النّاسِ فِي مَجْلِسِهِ، فَمَثُلَ بَيْنَ يَدَيهِ وَأَلْقَى قَصيدَةً يَقُولُ فِيهَا:
بَنِي خُلَفاءِ اللَّهِ مَهْلاً فَإِنَّما يُبَوِّؤُها الرَّحْمنُ حَيْثُ يُرِيدُ
إِذا الْمِنْبَرُ الْغَرْبيُّ خَلّاهُ رَبُّهُ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ
عَلى الطّائِرِ الْمَيْمُونِ والْجِدِّ صاعِدٌ لِكُلِّ أُناسٍ طائِرٌ وَجُدُودُ
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ: نَنْظُرْ فِيما قُلْتَ يا مِسْكِينُ، ونَسْتَخِيرُ اللّهَ. قالَ: ولَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِن بَنِي أُمَيَّةَ فِي ذلِكَ إِلَّا بِالإِقْرارِ والْمُوافَقَةِ، وذَلِكَ الّذي أَرادَهُ يَزيدُ لِيَعْلَمَ ما عِنْدَهُم، ثُمَّ وَصَلَهُ يَزيدُ وَوَصَلَهُ مُعاوِيَةُ فَأَجْزَلا صِلَتَهُ.
وَيَظْهَرُ مِنْ أَخْبارِ مِسكِينٍ أَنَّهُ تَنَسَّكَ فِي آخِرِ حَياتِهِ وَتَرَكَ الشِّعرَ وَلَزِمَ الْمَسْجِدَ وسكنَ المدينةَ المنوّرةَ، فَقدْ ذَكَرَ ابنُ عبدِ ربِّهِ فِي كِتابِهِ (العقدُ الفَرِيدُ) قِصَّةَ أَبْياتِ مِسْكِينٍ (قُلْ لِلْمَلِيحَةِ) وفِيها أَنَّ تاجراً عِراقِيّاً قدمَ بِعدلٍ مِن خُمُرِ العِراقِ إِلى المَدِينَةِ، فَباعَها كُلَّها إِلَّا السُّودَ، فَشكا ذلكَ إِلى الدَّارِمِيِّ، وكانَ قَدْ تَنَسَّكَ وَتَرَكَ الشِّعرَ وَلَزِمَ المَسْجِدَ فَقالَ: ما تَجْعَلُ لِي عَلى أَنْ أَحْتالَ لَكَ بِحِيلَةٍ حَتَّى تَبِيعَها كُلَّها عَلى حُكْمِكَ؟ قالَ: ما شِئْتَ. قال: فَعَمِدَ الدّارِمِيُّ إِلى ثِيابِ نُسْكِهِ فَأَلْقاها عَنْهُ وَعادَ إِلى مِثْلِ شَأْنِهِ الأَوَّلِ، وَقَالَ شِعْراً وَرَفَعَهُ إِلى صَدِيقٍ لَهُ مِنَ المُغنِّينَ، فَغَنَّى بِهِ وَكانَ الشِّعْرُ:
قُلْ لِلْمَلِيحَةِ فِي الْخِمارِ الْأَسْوَدِ مــاذا أَرَدْتِ بِناسِــكٍ مُتَعَبِّـدِ
قَـدْ كـانَ شـَمَّرَ لِلصـَّلاةِ ثِيابَهُ حَـتَّى قَعَـدْتِ لَـهُ بِبابِ الْمَسْجِدِ
رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وَصِيامَهُ لا تَفْتِنِيهِ بحقِّ جاهِ مُحَمَّدِ
فَشاعَ هذا الغِناءُ فِي المَدِينَةِ وَقالُوا: قَدْ رَجَعَ الدَّارِمِيُّ وَتَعَشَّقَ صاحِبَةَ الْخِمارِ الأَسْوَدِ، فَلَمْ تَبْقَ مَلِيحَةٌ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا اشْتَرتْ خِماراً أَسْوَدَ، وباعَ التّاجِرُ جَميعَ ما كانَ مَعَهُ، فَجَعَلَ إِخوانُ الدَّارِمِيِّ مِنَ النُّسَّاكِ يَلْقَوْنَ الدَّارِمِيَّ فيَقُولونَ: ماذا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ: سَتَعْلَمُونَ نَبَأَهُ بَعدَ حِينٍ. فلمَّا أَنْفَذَ العِراقِيُّ ما كانَ مَعَهُ، رَجَعَ الدّارِمِيُّ إِلى نُسْكِهِ وَلَبِسَ ثِيابَهُ.
حدّدَ الزَّركَلِيُّ فِي (الأَعْلام) تارِيخَ وَفاةِ مِسكِينٍ الدَّارِمِيِّ بنَحْوِ عامِ 89 لِلْهِجْرَةِ.
أَلَا أَيُّها الْغائِرُ الْمُسْتَشِيـطُ عَلامَ تَغارُ إِذَا لَمْ تُغَرْ
فَمَا خَيْرُ عُرْسٍ إِذا خِفْتَها وَمَا خَيْرُ بَيْتٍ إِذا لَمْ يُزَرْ
أَخـاكَ أَخـاكَ إِنَّ مَـنْ لا أَخـا لَهُ كَسـاعٍ إِلَـى الْهَيْجـا بِغَيْـرِ سِلاحِ
وَإِنَّ ابْنَ عَمِّ الْمَرْءِ فَاعْلَمْ جَناحُهُ وَهَـلْ يَنْهَـضُ الْبـازِي بِغَيْرِ جَناحِ
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني).
(البغدديّ/ خزانة الأدب).