
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
شــَرِبتُ كأسـي أمـام نفسـي
وقلـتُ يـا نفـسُ ما المَرام
حيـــاةُ شــَكٍّ ومــوتُ شــكٍّ
فلنَغمُــرِ الشــَكَّ بالمُـدام
آمالُنــا شَعشــَعت فغــابت
كــالآلِ أبقــى لنـا الأوام
لا بــأس ليـس الحيـاةُ إلّا
مَرحَلـــةٌ بَـــدوَّها خِتــام
إِن هبَّـت الريـحُ مـن جَنـوبٍ
يَهُــبُّ حُزنــي مـن الشـَّمال
وكــلُّ ريــحٍ لهــا ســُكونٌ
إلّا الأســـى هـــاجَه المَلال
يَئِنُّ قلــبي علــى حبيــبي
ولا حَــــبيبٌ إِلّا الخَيـــال
يـا نفـسُ صَبراً على البَلايا
فكـــلُّ شـــيءٍ إلــى زَوال
أخَــذتُ نفسـي إلـى طَبيـبي
وقلــتُ يـا طَـبُّ مـا العِلاج
فــراحَ يأسـو سـَقامَ جِسـمي
ويحسـِبُ الـداءَ فـي المِزاج
فقلـتُ يـا صـاحِ جَـفَّ زَيـتي
فَبـــاطلاً تجبُــرُ الســِّراج
اذا خَبا النُورُ في الدَرارِي
فمــا تُـرى يَنفَـعُ الزُجـاج
وسـِرتُ والقَلـبَ فـي اصطحاب
نَقفـو هَـوىً مـرَّ في العَجاج
أنــا وعينـي نَطيـرُ شـَوقاً
نَســيرُ رَكضــاً بلا انزِعـاج
والقلـبُ حافٍ يَمشي الهُوَينا
علــى شـَظايا مـن الزُجـاج
طلبــتُ قلــبي فلـم أجِـدهُ
أمـاتَ أم ضـلَّ فـي الفُجـاج
وعُـدتُ نحـو الـوَرى فَريـداً
يســوقُني العقـلُ بالسـِياط
فصـحتُ يـا نـاسُ مـاتَ قلبي
طفلاً ومـا زال فـي القِمـاط
هــل تَقبَلــوني بلا فــؤادٍ
قــالوا وهــل مَسـَّكَ اختِلاط
أُنظـرُ علـى الأرضِ كـم قلوبٍ
دِيسـَت لـدَينا علـى السِراط
ربّـاهُ مـا أكـثر الضـَّحايا
مـاتوا زِحامـاً على الدُروب
كــلُّ الــوَرى مَـوكبٌ مَهيـبٌ
يســيرُ فـي مَـأتمِ القلـوب
يمشـونَ والرَّمـسُ فـي حَشاهم
والـدَمُ يَجـري مـن النُـدوب
مـا ميتَهـم يُعظِمـون قَـدراً
بـل ديـةَ المَيتِ في الجُيوب
يـا نفـسُ رُحمـاكِ أين نَمضي
فمــا أمــامي سـِوى قُبـور
قـد سـامَكِ العقـلُ سَوم علجٍ
مــا لا تُطِيقيـن مـن أُمـور
فَلنتَـرُكِ العقـلَ حيـثُ يَبغى
فليــسَ للعَقــلِ مـن شـُعور
أَتــترُكِينَ الأنــامَ تَركــاً
نُحــرِقُ مـن بعـدِهِ الجُسـور
فصـاحت النفـسُ بـي وقـالت
مـا لـي وللنـاسِ والزِّحـام
أصـبتِ يـا نفـسُ فـاتبعِيني
فليــسَ كالغـابِ مـن مَقـام
يــا غـابُ جِئنـاكَ للتَعـرِّي
أنـــا ونفســي ولا حَــرام
فَليُــذِعِ الغُصـنُ مـا يـراه
منـــا اذا أحســـنَ الكَلام
وقـالت النفـسُ لـي أتـدري
مـا تَقصـُدُ الـدَوحُ بالحَفيف
ذا الغصـنُ يَبكـي على طُيورٍ
أطرَبَــه شــَدوُها اللَطيــف
طــارت وليسـت تَعـودُ حـتى
يَخضــَرَّ مـن دَوحِـهِ اللَفيـف
لـو أنَّ هـذي الأشـجارَ تَمشي
ســارت إلـى حيـثُ لا خَرِيـف
يـا نفـسُ إِنَّ الحَفيـفَ لُغـزٌ
تَفهَمُــه الشــمسُ والسـَحاب
مـا ذاك شَكوى بل ذاك نَجوى
مـن بـاطِنِ الأرضِ في التُراب
نَجــوى أصــولٍ تَحـنُّ شـَوقاً
إلـى سـوى الـريّ والشـَراب
تَهُزُّهـــا كلَّمــا اســتَكنَّت
ذِكـــرى شــُموسٍ بلا غِيــاب
كــم دَوحـةٍ لا يَـبينُ منهـا
إلا قليـــلٌ مــن الكــثير
فُروعُهــا والغصــونُ جُــزءٌ
بــــدا ولكنَّـــه حَقيـــر
وتحــتَ سـطحِ الثَـرى أُصـولٌ
مَحجوبـــةٌ حَجمُهــا وَفِيــر
فيهـا حيـاةُ الغُصـونِ لكـن
لَـدَى الـوَرى شـَأنُها صـَغير
لـو حدَّقَ المرءُ في البَرايا
لَشـامَ مـا لا تَـرى العُيـون
مــا حولَنــا عــالَمٌ خَفـيّ
تُـدركُه الـرُوحُ فـي السُكون
كَــم مُبصـِرٍ لا يَـرى وأعمـى
يَــرى ويَـدري الـذي يَكـون
يـا وَيـحَ مـن لا يَرَونَ شَيئاً
إِلّا اذا فتَّحـــوا الجُفــون
نسيب بن أسعد عريضة.شاعر أديب، من مؤسسي (الرابطة القلمية) في المهجر الأميركي.ولد في حمص، وتعلم بها، ثم بالمدرسة الروسية بالناصرة، وهاجر إلى نيويورك (سنة 1905) فأنشأ مجلة (الفنون) سنة 1913 وأغلقها ثم أعادها، وأضاع في سبيلها ما يملك.وعمل في التجارة، ثم تولى تحرير (مرآة الغرب) الجريدة اليومية، فجريدة (الهدى) وتوفى في مدينة بروكلن.له: (الأرواح الحائرة - ط) ديوان شعره، و(أسرار البلاط الروسي - ط) قصة مترجمة، و(ديك الجن الحمصي - ط) قصة نشرها في (مجموعة الرابطة القلمية).