
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سـبحان مـن أنبـت فـي الوجود
حشيشـــة كجـــوهر العقـــود
وقـد سـقاها مـن غيوث الرحمه
فحملــت لكــن ثمـار الحكمـه
ترابهـــا مــن ذهــب مصــفى
وفضــلها كالشـمس ليـس يخفـى
إلا علـى الخفـاش مكفوف النظر
وكـل ذي جهل على النحس انفطر
هــي الملوخيــة ذات الشـهره
ومـن بهـا المعسور يلقى يسره
بحسـنها كـل النفـوس ابتهجـت
والسـن النـاس بهـا قـد لهجت
كـم هطلـت مـن فوقها الغمائم
وصـــبغت بلونهــا العمــائم
وكــم مشــى بأكلهــا كســيح
وصــح مــن ترياقهــا جريــح
خيوطهـــا بيضــاء كــاللحين
تظهــر كالصــبح لـذي عينيـن
فـاقت علـى الريحان بالروائح
صـــالحةٌ لمــدح كــلِّ مــادح
لـو تاكـل الأطيار من أوراقها
لا تقـدر النـار علـى إحراقها
أوانهـا قـد نبتـت فـي اللـد
يشــمها مــن فـي بلاد الهنـد
فـي الأرض لا تفنـى لهـا اصـول
وفرعهــا نجــم السـها يطـول
تسـير سـير البرق في الزلعوم
يعجـز عـن هجائها ابن الرومي
يحرسـها النـاطور في البستان
خوفـاً عليهـا مـن يـد الزمان
بخارهـــا يصـــعد بالهبــاءِ
كمصـعد البـالون فـي الهـواء
كأنهـا قـد نزلـت مـن السـما
فاصــبح الكــون بهـا منسـما
وطعمهـــا يجلـــب للافهـــام
بســـــكره حلاوةَ المـــــدام
مياســة الأعطـاف فـي الريـاض
باكلهــا كــل شــريف راضــي
يفـوح منهـا العطـر كـالعروسِ
محبوبـــة الأوصــاف للنفــوس
عنهـا سـلو مصـر وتلـك الخطه
فــإنهم أدرى بهــذي النقطـه
إذ عنـدهم لهـا اعتبـارٌ زائدُ
وقــدرها تسـمو بـه المـوائد
تــرى عليهــا كـثرة الملاعـق
تقــرع بالأســنان كالصــواعق
ان ملئت بهــا بطــون القصـع
تشـرقها الأبصـار قبـل المبلع
أو بقبقــت بطبخهــا القـدور
يحســدها الفـالوذج المشـهور
أو حملــت يومـاً علـى سـفينه
ألقـت علـى أصـحابها السكينه
وقـد نجـوا بيمنهـا من الغَرق
وســلموا مـن كـل خـرق وحـرَق
يـا ويـح مـن يهجرهـا أيامـا
وويــل مــن يتركهـا أعوامـا
ان الفـتى ينفـي بها الهموما
ولـم يكـن مـن حظهـا محرومـا
مـا ذمهـا فـي الناس إلا جاهل
لا يظهــر الحـق لـه والباطـل
فنارهـــا تعبــدها المجــوس
ونورهــا تعشــو لـه الشـموس
أمــا تــرى أوراقهـا مطـرزه
وهــي علــى أعـدائها مـبرزه
ســـيرتها الحســناء لا تمــل
بهــا علــى الســرور يسـتدل
فكيــف تحصــي فضـلها الأوراق
وكيــف يـدري كنههـا المـذاق
محمــودةٌ علــى لسـان العقلا
وكــم بهـا طـالب علـمٍ شـغلا
لـو ذاقها المريض بالحال شفي
وللصــبا تُعبــد أهـل الحـرفِ
أو شـــمها الأكســـندري قبلاً
حـاز علـى الحـارث منها فضلا
أنعـم مـن لمـس الحرير لمسها
بديعــةٌ بهــا تسـامى جنسـها
وقــد ترقــى لمقامـات العلا
تـــذكارها وكلمـــا مــرحلا
وأنهــا لا شــك فــي المآكـل
نافعـــة لوجـــع المفاصـــل
هـام أبـو الشادوف في معناها
وشـيخه الـرادوف فـي مبناهـا
وان كلا منهمـــا قــد علمــا
بهــا وعــن صــفاتها تكلمـا
وترجمـت عنهـا فحـول المغـرب
فملاؤا بهـــا بطــون الكتــب
وخصـــها بالـــذكر افلاطــون
وقــال منهـا يصـنع المعجـون
كـانت للقمـان الحكيـم ماكلا
وجــوفه لهــا اسـتقر منـزلا
وحـرض النـاس علـى استعمالها
لعلمــه طبــاً بحســن حالهـا
وقــام ينصـح الـورى بنفعهـا
ومـا حـوته مـن بـديع صـنعها
وقـال عنهـا ان علـم الكيميا
يكـون منهـا وكـذاك السـيميا
وهـي لكنز الطب مفتاح الرصده
وكـل مـن يزرعهـا الخيـر حصر
وكــان يوصــي ســائر الأطبـا
بقــراط ان يسـتعملوها شـربا
وان اقليـــدس يومــاً حلهــا
مـن قبـل ان يعرف منها فضلها
فظهـــرت لــه بهــا أســرار
وكشـــفت لفهمـــه الأســـتار
لـذا تـرى أسـفاره المشـهوره
مشــحونة وهــي بهـا مشـكوره
كذا ابن سينا قال في القانون
لا تبخلـوا بهـا علـى المبطون
عروقهـــا تنفـــع للريقــان
وتحفــظ العقـل مـن النسـيان
ومضـغها ان كـان فـي الحمـام
يقــــرب الصـــحة للاجســـام
وقـد روى عنها الإمام الحاجبي
حكايــةً مــن أعجـب العجـائب
بأنهــا لــو مزجــت بالعسـل
كــانت تزيــل كـل داءٍ معضـل
وأنهــا لــو خلطــت بالسـكر
ونصـف جـزء مـن فـتيت العنبر
لأولـدت كـل عقيـم فـي الـورى
وجعلتــه بعــد محــلٍ مثمـرا
وقـد حكـى أبـو العلا المعـري
عنهــا بــأن طبعهــا مغــري
وعـبر الرؤيـا ابن سيرين بها
حقـاً وقـد كـان لهـا منتبهـا
رؤيتهـا في النوم قد دلت على
شــيء غلا بيـن البرايـا وعلا
وســيبويه قــال والزمخشــري
وكـل مـن يـروي صـحيح الخـبر
كأنهــا فــي ســفرة الطعـام
فـــــائدة الاعــــراب للكلام
وابـن هشـامٍ قـال فـي مغنيـه
كــل فقيــر ذاقهــا تغنيــه
والقرمحشـتي قـال فـي كتـابه
وأســند القـول إلـى أصـحابه
ان رجـال القبـط ذاقـوا منها
فاخــذوا علـم الحسـاب عنهـا
واشـتغلوا بـالجبر والمقابله
وأحســنوا باكلهـا المعـامله
والزبرهـان قـال فـي قاموسـه
قــولاً بـه غطـى علـى ناموسـه
بأنهـــا شـــريفة الفعـــال
كريمـــةٌ ذات مقـــامٍ عــالي
والقطـر ميزي قال في أوصافها
لا تجعلـوا الـدواء مـن خلافها
فانهــا مليكــةٌ فــي الخضـر
حاكمــةٌ فــي بـدوها والخصـر
وقــال عنهـا شـيخنا المـبرد
ان الشـــقي بهواهــا يســعد
ولـو رآهـا الفاضـل المهلـبي
اثنـــى عليهــا بكلام معــرب
وخصــها مــن ســائر المآكـل
بنفسـه واختارها ابن العاملي
وراح فــي كشــكوله ينقلهــا
مـــن بلــدٍ لبلــدٍ ياكلهــا
نظمــت فيهــا هـذه الأرجـوزه
كيمــا تـرى محفوظـةً مكنـوزه
يفــوز مــن يقرؤهــا بـالأجر
وعنــه تنحــطُّ جبــال الـوزر
فــارتجي ممــن عليهـا وقفـا
ان يمسـح الوجه بها ثم القفا
ويمنــح الراجـز شـكراً ودعـا
حيـث يـرى الدر فينسى الودعا
وهـــذه غايــة مــا قلنــاه
بمـــدحها وعصـــرنا يرضــاه
بـالهزل لا بالجـد جـال القلم
وكــل ذي لطــفٍ بهـذا العلـم
قاسم بن محمد الكستي، أبو الحسن.شاعر، من أهل بيروت، مولداً ووفاة، اشتغل بالتدريس، وعلت شهرته في الشعر.له ديوان (مرآة الغريبة - ط)، وديوان (ترجمان الأفكار - ط)، و(أرجوزة في القرآن الشريف - خ).