
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
بَلّـــغ رَبـــى مَصــرٍ تَحيَّــةَ عــاني
فـــي حُبِّهـــا مُـــتزائِد الأَشـــجانِ
وَأَجــرع مِـن النيـلِ المُبـارَكِ جُرعَـةً
تَـــروِ العَشـــيَّةَ غلَّـــةَ الظَمـــأنِ
وَاقــرَ الســَلامَ عَلــى أَليــفٍ نـازِحٍ
عَنـــي إِلَيهـــا ذاهِـــبُ بِجَنـــابي
يَـــأوي حِمــا الإِســكندَرية قاصــِداً
تَطـــبيق نســـبة اِســمَها الرَنّــانِ
فَغَــدَوتُ اِنظُــرُ مَصــرَ أَبهَــجَ بقعَـةٍ
وَأَرى مَرابِعِهــــا أَعَــــزَّ مَكــــانِ
يــا مَصـرُ حَيـاكِ الحَيـا فَلَقَـد زَهَـت
فيــكِ الحَيــوةُ وَنِلــتِ أَعظَــمَ شـانِ
أَصـــبَحتِ قـــاهِرَةَ الــدُهور لِأَنَّهــا
هَجَمَـــت عَلَيـــكِ فَرَدَّهــا الهرمــانِ
كَــم فيـكِ مِـن مَجـدٍ وَمِـن فَـرَحٍ وَمِـن
رَغـــدٍ وَمِـــن ســَعدٍ وَمِــن إِحســانِ
كَــم فيــكِ مِــن أَثَــرٍ شـَريفٍ للملا
كَــم فيــكِ مِــن سـَلوى لِكُـلِّ مَعـاني
كَــم فيــكِ مِــن ملهــىً أَنيـسٍ رائِقٍ
يُنســـي الغَريـــب مَحَبَــةَ الأَوطــانِ
كَـم طـابَ لـي فيـكِ المَقـام وَكَم صَفا
عَيشـــي بِربعــكِ حَيــثُ راقَ زَمــاني
كَــم فيــكِ سـابَقتُ الصـَباحَ مُبـادِراً
لِلأَزبَكيـــــةِ فـــــائِزاً بُرهــــانِ
هِــيَ قاعَــةُ الأَطيـارِ كُنـتُ أَرى بِهـا
حـــالَ التَوحـــد مَجلــس النــدمانِ
إِن لَــم تَكُـن فيهـا الثِمـار فَإِنَّهـا
مِـــن كُـــلِ زاهِيَــةٍ بِهــا زَوجــانِ
كَــم ســِرتُ مُختــالاً بِمَركَبـةِ الهَنـا
بِطَريـــقِ شـــُبرا مَرتَـــع الغُــزلانِ
أَلقــى بِهــا ســرق الرِفــاق مُظَلَّلاً
تَحـــتَ الـــرِواقِ الأَخضــَرِ الرَيــانِ
لَهفــي عَلــى شـَبرا البَديعـة أَنَّهـا
فــي الأَرض قَــد أَضــحَت نَعيـم جِنـانِ
رَوضٌ كَســَتهُ يَـدُ العُلـى حُلـل البَهـا
فَزَهــا بِهــا يَســمو عَلــى الأَكـوانِ
يــا حَبَّـذا تِلـكَ الرُبـوع وَمـا حَـوَت
مِمــــا أَجـــادَتهُ يَـــدُ الإِتقـــانِ
فــي الرَوضــَةِ الغَنــاءِ كَــم غَنّــى
لَنـا طَيـرُ الهِـزار عَلـى غُصون البانِ
وَبِقَلعَــةِ الجَبَــلِ المَنيــعِ مَنــاظِرٌ
تَجلـــو لِعَينِـــكَ قُـــدرَةُ الإِنســانِ
وَعَلـــى جَنـــاحِ الأَزبَكيَّـــةِ مَنِــزلٌ
فيـــهِ خَلَعـــتُ تَعقلـــي وَعَيـــاني
ســِرٌّ لَزِمــتُ الحفــظَ فــي كِتمــانِهِ
حَتّـــى مَلَلـــتُ وملنـــي كِتمـــاني
لَـــم أَنــسَ فيــهِ يَمامَــةً أَنســيَّةً
غازَلتُهــــا فَبَليــــتُ بِالأَشــــجانِ
لَــم أَنــسَ مَوقِــفَ رَهبَــةٍ بِإزائِهـا
يَــومَ النَــوى حَيـث الفُـراق دَهـاني
قَــد راعَهــا طَـرف الرَقيـبِ فَأَصـبَحَت
عِــــوَض الكَلام مُشــــيرَةً بِبَنــــانِ
وَمُراســـَلات القَلـــب أَصــدَق مُخبِــرٍ
وَمُكالَمـــات العَيـــن خَيــر لِســانِ
فَـــأَجَبتُ بِالإِيمـــاءِ إِنـــي راحِــلٌ
لَكــــنَّ حَــــبي ثـــابتُ الأَركـــانِ
فَــإِغرَورَقَت تِلــكَ العُيــون وَغَرَّبَــت
وَعَلـــى اِبتِســامٍ مــالَت الشــَفَتانِ
فَكَأَنَّهـــا قـــالَت برقـــة رَمزَهــا
بِـــالحَقِ أَنـــتَ حَنَنـــتَ لِلأَوطـــانِ
فَخَفضــتُ أَجفــاني عَلــى يَــأس كَمـا
بُســـِطَت يَـــدايَ وَفاضــَتِ العَينــانِ
وَأَشــَرتُ نَحــوَ الغَــرب أَعنـي أَنَّنـي
بَعـــدَ التَغَـــرُّبِ عـــائِدٌ لِمَكــاني
فَاِســـتَلمَحَت إِنــي المَســاءَ مغــرّبٌ
فَتَلفتـــت لِلشـــَرقِ لَفتـــةَ عــاني
فَكَأَنَّهــا كــانَت تَقــول الــيَّ كُــن
كَالشــَمس تُشــرِقُ مِــن مَحَــلٍ ثــاني
أَنــا راجِـعٌ يـا فتنَـتي أَنـا راجِـعٌ
أَنـــا راجِـــعٌ مُســـتَرجِعٌ لِجِنــاني
لا لَســـتُ أَرجَعـــهُ دَعيـــهِ فَـــإِنَّهُ
وَقـــفٌ لِـــذاكَ النـــاظر الفَتــانِ
لَكِـــن أَعــودُ لِكَــي أَراكِ وَيَنجَلــي
حَظـــي التَعيــس وَتَنقَضــي أَحزانــي
وَأَرى خَليــلَ خَليلِــهِ الفَــرد الَّـذي
يَرعـــى الــوِداد رِعايَــةَ الإِيمــانِ
غُصـــنٌ بِإِســـرارِ اللَطافَــةِ مــورقٌ
لا يَلتَــــوي إِلّا لِيُنعِــــشَ فــــاني
قَــولي لَــهُ إِنــي قَضـَيتُ مِـن الأَسـى
لَكنمـــا أَمـــلُ اللُقـــا أَحيــاني
يــا مَنيَــتي هَــل تَــذكُرينَ عَشــيَّةَ
فيهـــا خَطَفـــتُ فــابتُ بِالحِرمــانِ
حَيــثُ البُخـارُ أَطـارَ راحِلَـتي الَّـتي
كَــالبَرقِ قَــد ســارَت بِغَيــرِ عَنـانِ
فَهُنــاكَ مِــن قَضــبِ الحَديـدِ مَسـالِكٌ
تَجـــري بِهـــا العَجَلات كَالغُـــدرانِ
بركينهــا الســَيّار غــارَ بِرَكبِنــا
فَعَجِبـــتُ مِــن رَكــبٍ عَلــى نيــرانِ
يــا أَيُّهــا الشـَرقيُّ هَـل تَلقـى إِذا
حَمَلتـــكَ غَيـــر تعجـــب الحَيــرانِ
أَم تَــذكُرنَّ عَلــى الهَجيــن مَراكِبـاً
نَقَلَتـــكَ تَحـــتَ حِمايَـــةِ الهِجــانِ
ســـاهِبُّ يَومـــاً كَالنَســيمِ مُرنِمــاً
بِرَنينهـــا فـــافرّ مِـــن أَحزانــي
وَأَرى المُــروج بِهــا تَمـوج لِنـاظِري
حلـــلَ البَهــاءِ بِجــانِبِ الخلجــانِ
فَبِقُـــربِ هاتيــكَ الرُبــوع مَســَرَتي
فَيضـــانِها يربــى عَلــى الفَيضــانِ
لا بُــدَ مِــن خَــوض البِحـارِ مَرافِقـاً
طَيــرَ البُخــارِ يَجــد فـي الطَيَـرانِ
فَـــأَرى مِـــن الإِســـكَندَرية طَلعَــةً
هِــيَ فــي المَقـام طَليعَـة البُنيـانِ
وَأَرى المَنــارَةَ بِالبَشــارة تَزدَهــي
للقـــــادِمين مُشــــيرَةً بِأَمــــانِ
وَأَرى طَـــواحين الهَـــواءِ كَأَنَّهـــا
تَــدعو الغَريــبَ لِمَنــزِلِ الضــيفانِ
وَإِذ دَخَلتُ إِلى الحِمى أَروي الظَما بَين
الأَحِبَّـــــةِ مطفيـــــاً نيرانـــــي
مُتَصـــــــَبِباً مُتَغَـــــــزِلاً مُتَنَقِلاً
مِـــن رَوضـــَةٍ غَنــا إِلــى بُســتانِ
وَأَرى التَنَــزهَ قَــد أَقــامَ رَواقــهُ
بِفَضــــاءِ مَحموديــــةِ الرُضــــوانِ
وَأَرى بِـــرَأس الــتينِ كُــل عَظيمَــةٍ
قـــامَت تُخبِرُنـــا عَـــن الإِيـــوانِ
وَأَرى الجَمـــالَ مَــع الجَلال مُزَينــاً
بِجُمـــــوعِهِ منشـــــيّةَ الإِتقــــانِ
ملهــىً غُصــون المــاءِ فَـوقَ غُصـونِهِ
كَالنَخـــلِ فَـــوقَ مَســارِحِ الغُــزلانِ
وَأَرى عَلــى الشــاطي مســلَّتهُ الَّـتي
وَقَفَــت بِــهِ تَمحـو الزَمـانَ الفـاني
وَأرى لِتـــذكار الفراعـــنَ فَوقَهــا
رَمـــزاً يُـــبين عِنايَــةَ اليُونــانِ
نَقلـــت بهمتـــم لزينـــة ربعهــا
وَنَظيرُهــــا لا عــــاظم البُلـــدانِ
هِـي إِبـرَة الـذات الَّـتي اِشتَهَرَت بِها
لَكِنَّهــــا وُضـــِعَت لِغَيـــر بنـــانِ
وتقــرّ عَينــي فــي لِقائيـكَ مُهجَـتي
فَيَصـــح ســـَعدي غالِبـــاً لِزَمــاني
يــا أَصــدَق الخِلانِ فـي حفـظِ الـوَلا
بَيـــنَ المَلا يــا أَلطَــفَ النــدمانِ
قَـد ذُبـتُ وَجـداً فـي نَـواكَ فَلَـم أَعُد
إِلّا اِشــــتِياقاً قـــامَ كَالجســـمانِ
دَمعــي شــَرابي سـَلوَتي ذكـر اللقـا
قُـــوَتي رَجـــاءي قـــوَّتي هَيمــالي
أَصــبَحتُ يَعقــوبَ الوَحيــدَ بِحَســرَتي
وَتَعـــذبي لِلـــبين مَـــع أَشــجاني
وَغَــدوتَ لــي فـي مصـر ثـاني يوسـفٍ
لَكــن بِحُبــك صــاحَ مــا لَـكَ ثـاني
أَلقـاكَ وَهمـاً فـي الرِياض وَفي الرُبى
وَبِكُـــل مَأدبـــةٍ فَهَـــل تَلقـــاني
وَأَرى خَيالَــك فــي الــدِيار مُصـوَّراً
تَهفــــو إِلَيــــهِ مَعاشــــر الخِلانِ
وَعَلــى فــوادي قــامَ كُرســي مَجـدِهِ
فَأَقـــامَ مُنَجَليـــاً بِخَيـــر مَكــانِ
أَصــبَحتُ بَعــدَكَ فـي الرُبـوع مُضـَيَّعاً
أَجِـــدُ العَنـــاءَ مضــيِّعاً ســُلواني
إِســكَندرُ القـي سـَماعَكَ لِلحِمـا تَلـقَ
الخَليـــــلَ يَقــــول لا تَنســــاني
فَلقـــاكَ تَعزيــتي وَلطفَــكَ ســالِبي
أَبَـــداً وَحُبــكَ فــي المَلا إِيمــاني
خليل بن جبرائيل بن يوحنا بن ميخائيل.شاعر، كاتب وأديب ولد في الشويفات بلبنان وتعلم في بيروت وأنشأ بها جريدة (حديقة الأخبار) سنة 1858م، ثم جعل مديراً للجريدة الرسمية ومطبعتها في سورية، فمديراً للأمور الأجنبية فيها. توفي في بيروت. وله ديوان شعر في ستة أجزاء وقصص ورسائل.له: (زهر الربى -ط)، (العصر الجديد - ط)، (السمير الأمين -ط)، (الشاديات-ط)، (النفحات-ط)، (والخليل-خ)، (النعمان وحنظلة)، (مختصر روضة المناظر لابن الشحنة).