
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ السَّعْدِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بِنْ تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ المُقِلِّينَ وَأَحَدُ وُصّافِ الخَيْلِ، عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ ووضعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّابِعَةِ، وَكانَ سلامةُ مِنْ فُرْسانِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ فِي الحَماسَةِ وَالفَخْرِ، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الأَصْمَعِيّاتِ وَالمُفَضَّلِيّاتِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 15ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 608هـ.
تَتَّفِقُ الكَثِيرُ مِنْ المَصادِرِ الَّتِي تَناوَلَتْ حَياةَ طَرَفَةَ كَكِتابِ (طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ) وَ(الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ)، وَ(شَرْحِ القَصائِدِ العَشْرِ لِلتَبْرِيزِيِّ) وَ(مُخْتاراتِ اِبْنِ الشَجَرِيِّ)، أَنَّ اسْمَهُ هُوَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ مالِكِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَهُناكَ مَنْ رَأَى أَنَّ طَرَفَةَ هُوَ لَقَبُهُ، وَمَعْناهُ واحِدَةُ الطُرَفاءِ وَهُوَ الأَثْلُ، وَأَنَّ اسْمَهُ عَمْرٌو أَوْ عَبِيدٌ أَوْ مَعْبَدٌ، وَلَعَلَّ الأَرْجَحَ هُوَ الرَأْيُ الأَوَّلُ فَهُوَ مَحَلُّ اتِّفاقٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ القُدَماءِ، وَأَمّا الرَأْيُ الثانِي فَرُبَّما يَكُونُ مَبْعَثُهُ الخَلْطُ مَعَ أَسْماء أُخْرَى ارْتَبَطَتْ بِطَرَفَةَ، فَكُنْيَةُ طَرَفَةَ أَبُو عَمْرو، وَأَمّا مَعْبَدٌ فَهُوَ اسْمُ أَخِيهِ.
وبكرُ بنُ وائلٍ هي قبيلةُ طَرَفَة، وهيَ مِن أكبرِ قَبائلِ العربِ العدنانيَّةِ وأَشدِّها بأْساً، كانتْ دِيارُها مِنَ اليَمامةِ إِلى البَحرينِ إِلى سَيفِ كاظمة، إِلى البحرينِ فأَطرافِ سوادِ العراقِ، فالأُبُلَّةِ فَهِيْت، وقد تقدَّمتْ شَيْئاً فشيئاً فِي العِراقِ، فَقَطَنَتْ عَلى دَجلةَ، فِي المنطقةِ المدعوَّةِ حتى يومِنا هذا باسمِهم (دِيار بكر)، تُعدُّ قَبيلةُ بَكرِ بنِ وائلٍ مِن أَعْظمِ القَبائلِ المُحارِبَةِ، فقد غَزَتْ تُخومَ الأمبراطوريَّةِ الفارسيَّةِ، فَجهَّزَ المَلكُ شابورُ حوالي سَنةَ 330م جيشاً لتأديبِها، فَقتلَ وَسَبَى وأَسَرَ عدداً كبيراً مِنَ الأَسرى فِي فارس، ويُذكرُ أنَّهُ كانَ للنُّعمانِ بنِ المُنذرِ كَتيبةٌ يُقالُ لَها الصَّنائِعُ، وَهُم صَنائِعُ المَلِكِ، أَكْثرهُم مِن بَكرِ بنِ وائلٍ، وَأَشْهَرُ وَقعاتِ هذه القبيلة هي حربُ البَسوسِ معَ قبيلةِ تغلبَ حوالي سنةَ 490م، وقد سَعدَ بنِ مالِكٍ جَدُّ طَرَفةَ بنِ العَبْدِ.
وَقَدْ نَشَأَ طَرَفَةُ فِي أُسْرَةٍ مَشْهُورَةٍ بِالشَّجاعَةِ وَالفُرُوسِيَّةِ وَالشِّعْرِ، فَجَدَّهُ سَعْدُ بْنُ مالِكٍ كانَ مِنْ ساداتِ بِكْرٍ فِي حَرْبِ البَسُوسِ، وَهِيَ أُسْرَةٌ اعْتَنَتْ بِالشِعْرِ فَظَهَرَ فِيها غَيْرُ شاعِرٍ، فَعَمَّ طَرَفَةَ هُوَ المَرْقِّشُ الأَصْغَرُ، وَخالُهُ هُوَ الشّاعِرُ المُتَلَمِّسُ، وَأُخْتُ طَرَفَةَ الخِرْنِقِ شاعِرَةٌ أَيْضاً، وَيَتَّضِحُ مِمّا تَناقَلَهُ الرُّواةُ عَنْ حَياةِ طَرَفَةَ أَنَّهُ كانَ مِنْ أُسْرَةٍ عَرِيقَةٍ ذاتِ حَسَبٍ وَمالٍ، لكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى وِفاقٍ مَعَهُمْ، فَكانَ لا يَتَوَرَّعُ عَنْ هِجائِهِمْ، وَذلِكَ أَنَّ أَعْمامَهُ رَفَضُوا أَنْ يُعْطُوهُ وَإخْوَتَهُ نَصِيبَهُمْ مِنْ مالِ أَبِيهِ بَعْدَ وَفاتِهِ.
وُلِدَ طَرَفَةُ فِي نَواحِي البَحْرَيْنِ، وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعِشْ إِلّا بِضْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً إِلّا أَنَّهُ شَهِدَ كَثِيراً مِنْ الأَحْداثِ وَالصُّعُوباتِ في حياتِهِ الَّتِي ساهَمَتْ فِي تَشْكِيلِ شَخْصِيَّتِهِ، وَعَمِلَتْ عَلَى إِثْراءِ تَجْرِبَتِهِ الشِّعْريَّةِ، فَقَدْ نَشَأَ كَما تَذَكَّرَ المَصادِرَ يَتِيماً، حَيْثُ ماتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَبَى أَعْمامَهُ أَنْ يَقْسِمُوا مالَهُ، وَكانَتْ أُمُّ طَرَفَةَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَاسْمُها وَرْدَةُ، وَقِيلَ إِنَّها مِنْ رَهْطِ أَبِيهِ وَأَخْوالُهِ هُمْ مَنْ مَنَعُوها حَقَّها، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
مَا تَنْـظُـرونَ بِحَـقِّ وَرْدَةَ فِيـكُمُ صَغُـرَ الْبَنُـونَ وَرَهْطُ وَرْدَةَ غُيَّبُ
قَدْ يَبْعَثُ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ صَغِيرُهُ حَـتَّى تَـظَــلَّ لَهُ الدِّمَـاءُ تَصَـبَّبُ
وَالظُّلـْمُ فَـرَّقَ بَيْـنَ حَيَّيْ وَائِلٍ بَكْـرٌ تُسَـاقِـيـهَا الْمَنَايَا تَغْلِبُ
وَقَدْ تَرَكَتْ هذِهِ الحادِثَةُ تَأْثِيرَها الكَبِيرَ عَلَى حَياةِ طَرَفَةَ، فَنَشَأَ ناقِماً عَلَى أَقارِبِهِ وَعَشِيرَتِهِ مُتَمَرِّداً عَلَيْهِمْ، مُلْتَجِئً إِلَى المَلَذّاتِ وَاللَّهْوِ فِي حَياتِهِ، حَتَّى أَضْحَى مَعْزُولاً قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ أَفْرادُ عَشِيرَتِهِ، يَقُولُ:
وَمَـا زَالَ تَشْـرَابِـي الْخُمُـورَ وَلَذَّتِي وَبَيْـعِـي وَإِنْفَـاقِـي طَرِيـفِـي وَمُتْلَدِي
إِلَى أَنْ تَحَـامَـتْـنِـي الْعَشِـيـرَةُ كُلُّهَا وَأُفْـرِدْتُ إِفْـرَادَ الْبَـعِـيـرِ الْمُعَـبَّدِ
وَهذِهِ الحَياةُ العابِثَةُ اللاهِيَةُ الَّتِي اخْتارَها طَرَفَةُ أَدَّتْ إِلَى نُشُوءِ خِلافاتٍ مَعَ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كانَ لِطَرَفَةَ أَخٌ اسْمُهُ مُعْبَدٌ، وَكانَ لَهُما إِبِلٌ يَرْعَيانِها يَوْماً وَيَوْماً، فَكانَ طَرَفَةُ يُهْمِلُ رِعايَتَها، فَقالَ لَهُ أَخُوهُ مَعْبَدٌ: لِمَ لا تَسْرَحُ فِي إِبْلِكَ؟ تُرَى إِنْ أَخِذَتْ تَرُدُّها بِشِعْرِكَ هذا؟ قالَ: فَإِنِّي لا أَخْرُجُ فِيها أَبَداً، حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ شِعْرِي سَيَرُدُّها إِنْ أُخِذَتْ، فَتَرَكَها وَأَخَذَها ناسٌ مِنْ مُضَرَ، وَلَجَأَ طَرَفَةُ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ مالِكٍ لِيُعِينَهُ عَلَى اسْتِرْجاعِها فَعُنَّفَهُ عَلَى فِعْلِهِ وَقالَ لَهُ: فَرَّطْتَ فِيها ثُمَّ أَقْبَلْتَ تَتْعَبُ فِي طَلَبِها، وَكانَتْ هذِهِ الحادِثَةُ سَبَبَ قَوْلِ طَرَفَة مُعَلَّقَتَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيها عَمْرَو بْنَ مَرْثَدٍ أَحَدَ ساداتِ العَرَبِ، فَقالَ:
فَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْـتُ قَيْـسَ بْنَ خَالِدٍ وَلَوْ شَاءَ رَبِّي كُنْـتُ عَمْـروَ بْنَ مَرْثَدِ
وَكانَ عَمْرو هذا كَثِيرَ الوَلَدِ، فَقالُوا إِنَّهُ لَمّا بَلَغَهُ قَوْلُ طَرَفَةَ وَجَّهَ إِلَيْهِ وَقالَ: أَمّا الوَلَدُ فَاللّهُ يَرْزُقُكَ، وَأَمّا المالُ فَسَنَجْعَلُكَ فِيهِ أَسْوَتَنا، فَأَمَرَ سَبْعَةً مِنْ وَلَدِهِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ كُلُّ واحِدٍ عَشْراً مِنْ الإِبِلِ، وَأَمَرَ ثَلاثَةً مِنْ بَنِي بَنِيْه فَدَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ واحِدٍ عَشْراً.
وَلَعَلَّ هذِهِ الحَياةَ المُضْطَرِبَةَ الَّتِي عاشَها طَرَفَةُ بَيْنَ عَشِيرَتِهِ وَأَهْلِهِ هِيَ ما أَلْجَأَهُ إِلَى السَّفَرِ طَلَباً لِلمالِ وَالمَكانَةِ عِنْدَ المُلُوكِ، فَقَدْ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ فِي الحِيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ، فَأُعْجِبَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ بِشِعْرِ طَرَفَة وَنادَمَه وَأَكْرَمَهُ وَبَقِيَ عِنْدَهُ زَمَناً، وَيُقالُ إِنَّهُ هَجاهُ فَأَرْسَلَهُ إِلَى عامِلِهِ فِي البَحْرَيْنِ بِرِسالَةٍ فَقَتَلَهُ.
لَقَدْ امْتازَ طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بِالفِطْنَةِ وِحِدَّةِ الذَّكاءِ مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفارِهِ، وَيُقالُ: إِنَّ أَوَّلَ شِعْرٍ قالَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عَمِّهِ فِي سَفَرٍ، فَنَصَبَ فَخّاً فَلَمّا أَرادَ الرَّحِيلَ قالَ:
يَا لَكِ مِنْ قُبَّرَةٍ بِمَعْمَرِ
خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
قَدْ رُفِعَ الْفَخُّ فَمَاذَا تَحْذَرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
قَدْ ذَهَبَ الصَّيَّادُ عَنْكِ فَابْشِرِي
لَا بُدَّ يَوْماً أَنْ تُصَادِي فَاصْبِرِي
وَمِنْ المَواقِفِ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى شِدَّةَ ذَكائِهِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهُوَ صَغِيرٌ المُسَيَّبَ بْنْ عَلَسٍ -وقيل خاله المتلمّس- يَنْشِدُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
وَقد تُلاقِي الهَمَّ عِنْدَ احْتِضارِهِ بِناجٍ عَليهِ الصَّيْعَرِيَّةُ مُكدَمِ
فَقالَ طَرَفَةُ: اسْتَنْوَقَ الجَمَلَ. وَذلِكَ أَنَّ الصَّيْعَرِيَّةَ مِنْ سِماتِ النُّوقِ دُونَ الفُحُولِ، فَأَتاهُ المُسَيَّبُ، وَقالَ لَهُ أَخْرِجَ لِسانَكَ فَأَخْرَجَهُ، فَقالَ: وَيْلٌ لِهذا مِنْ هذا، يُرِيدُ وَيْلٌ لِرَأْسِهِ مِنْ لِسانِهِ.
تَذْكُرُ المَصادِرُ الَّتِي تَناوَلَتْ حَياةَ طَرَفَةَ أَنَّهُ ماتَ مَقْتُولاً بِأَمْرٍ مِنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ، وَتَخْتَلِفُ بَعْدَ ذلِكَ الرِواياتُ الَّتِي تُشِيرُ إِلَى سَبَبِ قَتْلِهِ، فَقَدْ أَوْرَدَ اِبْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ المُتَلَمِّسَ وَطَرَفَةَ كانا يُنادِمانِ عَمْرو بْنَ هِنْدٍ مَلِكِ الحِيْرَةِ، فَهَجْواهُ، إِذْ كانَ يَتَباطَأُ فِي اسْتِقْبالِ النَّاسِ، وَيَصْرِفُ وَقْتَهُ بِالتَلَهِّي بِالصَيْدِ وَالقَنْصِ، فَمِمّا قالَ فِيهِ طَرَفَةُ:
فلَيْتَ لَنَا مَكَانَ الْمَلْكِ عَمْروٍ رَغُوثـاً حَوْلَ قُبَّتـِنَـا تَخُورُ
مِنَ الزَّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا وَضَــرَّتُهَـــا مُــرَكَّنـــَةٌ دَرُورُ
يُشَـارِكُنَا لَنَا رَخِلَانِ فِيهَا وَتَعْلُوهَا الْكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ
فَلَمّا بَلَغَ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ ما قِيلَ فِيهِ كتَبَ لَهُما إِلَى عامِلِهِ بِالبَحْرَيْنِ (الرَّبِيعِ بْنِ حَوْثَرَةَ) كِتابَيْنِ، أَوْهَمَهُما أَنَّهُ أَمَرَ لَهُما فِيهِما بِجَوائِزَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِما، فَخَرَجا حَتَّى إِذا كانا بِالنَّجَفِ، إِذا هُما بِشَيْخٍ عَلَى يَسارِ الطَّرِيقِ، يُحْدِثُ، وَيَأْكُلُ مِنْ خُبْزٍ فِي يَدِهِ، وَيَتَناوَلُ القَمْلَ مِنْ ثِيابِهِ، فَقالَ المُتَلَمِّسُ: ما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ شَيْخاً أَحْمَقَ، فَقالَ الشَّيْخُ: وَما رَأَيْتَ مِنْ حُمْقِي؟ أُخْرِجُ خَبِيثاً، وَأُدْخِلُ طَيِّباً، وَأَقْتُلُ عَدُوّاً، أَحْمَقُ مِنِّي وَاللهِ مَنْ حامِلُ حَتْفَهُ بِيَدِهِ، فَاِسْتَرابَ المُتَلَمِّسُ بِقَوْلِهِ، وَطَلَعَ عَلَيْهِما غُلامٌ مِنْ أَهْلِ الحِيْرَةِ، فَقالَ لَهُ: المُتَلَمِّسُ: أَتَقْرَأُ يا غُلامُ؟ قالَ: نَعَمْ، فَفَكَّ صَحِيفَتَهُ وَدَفَعَها إِلَيْهِ، فَإِذا فِيها: أَمّا بَعْدُ، فَإِذا أَتاكَ المُتَلَمِّسُ فَاقْطَعْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَادْفِنْهُ حَيّاً، فَقالَ لِطَرَفَةَ: ادْفَعْ إِلَيْهِ صَحِيفَتَكَ يَقْرَأُها، فَفِيها وَاللهِ ما فِي صَحِيفَتِي، فَقالَ طَرَفَةُ: كَلّا، لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيَّ، فَقَذَفَ المُتَلَمِّسُ بِصَحِيفَتِهِ فِي نَهْرِ الحَيْرَةِ، وَأَخَذَ نَحْوَ الشَّامِ، وَأَمّا طَرَفَةُ فَمَضَى بِالكِتابِ، فَأَخَذَهُ الرَّبِيعُ بْنُ حَوْثَرَةَ وَقِيلَ عَبْدُ هِنْدٍ، فَسَقاهُ الخَمْرَ حَتَّى أَثْمَلَهُ، ثُمَّ فَصَدَ أَكْحَلَهُ، فَقَبْرُهُ بِالبَحْرَيْنِ، وَكانَ لِطَرَفَةَ أَخٌ يُقالُ لَهُ مَعْبَدُ بْنُ العَبْدِ، فَطَلَبَ بِدِيَتِهِ، فَأَخَذَها مِنْ الحَواثِرِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ قَيْسٍ.
وَأَمّا الرِّوايَةُ الأُخْرَى فَتُشِيرُ إِلَى أَنَّ طَرَفَةَ كانَ يُنادِمُ يَوْماً عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ، فَأَشْرَفَتْ ذاتَ يَوْمٍ أُخْتُهُ، فَرَأَى طَرَفَةُ ظِلَّها فِي الجامِّ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَقالَ:
ألا يَا ثانيَ الظَّبْيِ الّذي يَبْرقُ شَنفاهُ
وَلَوْلا المَلِكُ القَاعِـ دُ قَدْ أَلْثَمَنِي فَاهُ
فحَقدَ ذلكَ عليهِ، وكانَ قَالَ أيضاً:
فلَيْتَ لَنَا مَكَانَ الْمَلْكِ عَمْروٍ رَغُوثـاً حَوْلَ قُبَّتـِنَـا تَخُورُ
لَعَمْـرُكَ إِنَّ قَابُـوسَ بْنَ هِنْدٍ لَيَـخْـلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَثِـيـرُ
وَقابُوس هُوَ أَخُو عَمْرو بْنِ هِنْدٍ، فَحَقَدَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عَلَيْهِ وَاسْتَدْعاهُ، وَكَتَبَ لَهُ كِتاباً، وَكَتَبَ بِمِثْلِ ذلِكَ لِلمُلْتَمِسِ، وَشَكَّ المُتَلَمِّسَ فِي أَمْرِ الصَّحِيفَةِ، وَمَزَّقَها، وَمَضَى طَرَفَةُ إِلَى البَحْرَيْنِ، فَأَخَذَهُ الرَّبِيعُ بْنُ حَوْثَرَةَ فَسَقاهُ الخَمْرُ حَتَّى أَثْمَلَهُ، ثُمَّ فَصَدَ أَكْحَلَهُ، فَقَبْرُهُ بِالبَحْرَيْنِ، وَيُقالُ إِنَّ العامِلَ عَلَى البَحْرَيْنِ كانَ رَبِيعَةَ بْنَ الحارِثِ العَبْدِيِّ وَلَقَبُهُ المُعَكْبِرُ، فَلَمّا أَتاهُ طَرَفَةُ بِالكِتابِ وَقَرَأَهُ قالَ لَهُ: تَعْلَمُ ما أُمِرْتُ بِهِ فِيكَ؟ قالَ: نَعَمْ أَمِرْتَ أَنْ تُجِيزَنِي وَتُحْسِنَ إِلَيَّ. فَقالَ لَهُ العامِلُ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ خُؤُولَةٌ أَنا لَها راعٍ، فَاهْرُبْ مِنْ لَيْلَتِكَ هذِهِ، فَإِنِّي قَدْ أُمِرْتُ بِقَتْلِكَ، فَاخْرُجْ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ وَيَعْلَمَ بِكَ النّاسُ. فَقالَ لَهُ طَرَفَةُ: اشْتَدَّتْ عَلَيْكَ جائِزَتِي، وَأَحْبَبْتَ أَنْ أَهْرُبَ، وَأَجْعَلَ لِعَمْرِو بْنِ هِنْدٍ عَلَيَّ سَبِيلاً، كَأَنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً، وَاللهِ لا أَفْعَلُ ذلِكَ أَبَداً، فَلَمّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَجاءَتْ بَكْرُ بْنُ وائِلٍ فَقالَتْ: قَدِّمَ طَرَفَةَ فَدَعا بِهِ صاحِبَ البَحْرَيْنِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتابَ المَلِكِ، ثُمَّ أَمَرَ بِطَرَفَةَ فَحُبِسَ وَتَكَرَّمَ عَنْ قَتْلِهِ، وَكَتَبَ إِلَى عَمْرو بْنِ هِنْدٍ أَن ابْعَثْ إِلَى عَمَلِكَ فَإِنِّي غَيْرُ قاتِلٍ الرَّجُلَ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَمْرو بْنُ هِنْدٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي تَغَلَّبٍ يُقالُ لَهُ عَبْدُ هِنْدٍ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى البَحْرَيْنِ، وَهُوَ مَنْ قَتَلَ طَرَفَةَ.
وَكانَتْ وَفاةُ طرفةَ بِحَسَبِ أَغْلَبِ المَصادِرِ سَنَةِ 60 ق.ه المُوافِقُ لِسَنَةِ 564م، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ العُمْرِ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، تَقُولُ أُخْتُهُ الخِرْنِقُ تَرْثِيهِ:
عَدَدْنا لَهُ سِتًّا وَعِشرينَ حِجَّةً فَلمَّا تَوافاها اسْتوَى سَيِّدًا ضَخْما
فُجِعْنا بِهِ لَمَّا رَجَونا إِيابَهُ عَلَى خَيرِ حالٍ لَا وَلِيدًا وَلَا قَحْما
سَتُـبْـدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً وَيَـأْتِــيـكَ بِالْأَخْـبَـارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
فَجَعَلَ يَقُولُ: وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ. فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هكَذا. فَقالَ: إِنِّي لَسْتُ بِشاعِرٍ، وَلا يَنْبَغِي لِي"
عَدَّ ابْنُ سَلّامٍ طَرَفَةَ بْنَ العَبْدِ فِي الطَّبَقَةِ الرّابِعَةِ فِي طَبَقاتِهِ وَجَمَعَهُ مَعَ عَبِيْدِ بْنِ الأَبْرَصِ وَعَلْقَمَةَ الفَحْلِ، وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ العَبّادِيِّ، وَقَدْ كانَ طَرَفَةُ أَجْوَدَهُمْ واحِدَةً أَيْ مُعَلَّقَتُهُ.
عَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِنْ الشُّعَراءِ السابِقِينَ لِلمَعانِي وَذَكَرَ أَنَّ مِمّا سَبَقَ إِلَيْهِ فَأُخِذَ مِنْهُ قَوْلَهُ يَذْكُرُ السَّفِينَةَ:
يَـشُـقُّ حَبَـابَ الْمَاءِ حَيْـزُومُهَـا بِهَا كَمَـا قَسَـمَ التُّرْبَ الْمُفَـايِـلُ بِالْيَدِ
أَخَذَهُ لَبِيدٌ فَقالَ:
تَشُقُّ خَمائِلَ الدُّهْنا يَداهُ كَما لَعِبَ المُقامِرُ بِالفِيالِ
وَأَخَذَهُ الطِّرِمّاحُ فَقالَ:
وَغَداً تَشُقُّ يَداهُ أَوْساطَ الرُّبى قِسَمَ الفِيالِ تَشُقُّ أَوْسَطَهُ اليَدُ
يَرَى مُعْظَمُ عُلَماءِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَالشِعْرِ القُدامَى، كَأَبِي عُبَيْدَةَ وَاِبْنِ قُتَيْبَةَ وَالبَغْدادِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَرَفَةَ مِنْ أَفْضَلِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ فِي وَصْفِ النّاقَةِ، حَيْثُ اجادَ بِوَصْفِها عَلَى نَحْوٍ لَمْ يُسْبِقْ إِلَيْهِ.
تُعَدُّ مُعَلَّقَتُهُ من أَجْوَدَ المُعَلَّقاتِ وَهِيَ أَطْوَلُها حَيْثُ تَتَأَلَّفُ مِنْ مِئَةٍ وَخَمْسَةِ أَبْياتٍ كَما فِي شَرْحِ القَصائِدِ العَشْرِ لِلزَّوْزَنِيّ، وَقَدْ تَزِيدُ بَيْتاً أَوْ أَكْثَرَ فِي بَعْضِ الرِّواياتِ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَواضِيعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وكانَتْ حافِلةً بِالوَصْفِ، وَذِكْرِ المَوْتِ، وَالنُّصْحِ وَالحِكْمَةِ.
وَرَدَّ شِعْرُ طَرَفَةَ فِي كُتُبِ المُخْتاراتِ الشِّعْرِيَّةِ المَشْهُورَةِ، فَقَدْ وَرَدَ لَهُ اخْتِيارٌ واحِدٌ فِي الأَصْمَعِيّاتِ، وَأَوْرَدَ لَهُ أَبُو تَمامٍ مُخْتارَةً واحِدَةً، وَكَذلِكَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ فِي حَماسَتِهِ.
عَدَّهُ لُوِيس شيخو مِنْ ذَوِي الطَّبَقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ، وَرَأَى أَنَّهُ بَلَغَ مَعَ حَداثَةِ سِنِّهِ مالِم يَبْلُغْهُ القَوْمُ مَعَ طُولِ أَعْمارِهِمْ.
عَدَّهُ مَطاع صَفْدِي وَخَلِيل حاوِي مِنْ الشُعَراءِ المَلْحَمِيِّينَ وَأَنَّهُ اسْتَطاعَ أَنْ يُقِيمَ مَذْهَباً وُجُودِيّاً فِي شِعْرِهِ من خلالِ تَعْبِيرِهِ عن حَياتَهُ وَمِنْ مُعايَشَةِ نَزَواتِهِ وَأَفْكارِهِ.
بَرْعُ طَرَفَةُ فِي مُعْظَمِ أَغْراضِ الشِّعْرِ كَالفَخْرِ وَالوَصْفِ وَالهِجاءِ، وَلكِنَّهُ كَما يَرَى الرَّافِعِيُّ قَلِيلُ المَدْحِ نازِلُ الطَبَقَةِ فيهِ.
(نَشْوَةُ الطَّرَبِ فِي تارِيخِ جاهِلِيَّةِ العَرَبِ).
(ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(أَبُو عُبَيْدَةَ/ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ).
(نَشْوَةُ الطَّرَبِ فِي تارِيخِ جاهِلِيَّةِ العَرَبِ).
(ابْنُ رَشِيقٍ القَيْرَوانِيُّ/ العُمْدَةُ).
(لُوِيس شيخُو/ شُعَراءُ النَّصْرانِيَّة)
(أَحْمَدُ بْنُ الأَمِينِ الشَّنْقِيطِيِّ/ المُعَلَّقاتِ العَشْرُ وَأَخْبارُ شُعَرائِها)
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)