
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ السَّعْدِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بِنْ تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ المُقِلِّينَ وَأَحَدُ وُصّافِ الخَيْلِ، عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ ووضعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّابِعَةِ، وَكانَ سلامةُ مِنْ فُرْسانِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ فِي الحَماسَةِ وَالفَخْرِ، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الأَصْمَعِيّاتِ وَالمُفَضَّلِيّاتِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 15ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 608هـ.
هو زهيرُ بنُ أَبي سُلمى رَبيعةَ بنِ رِياحِ بنِ قُرْطِ بنِ الحارثِ بنِ مازنِ بنِ ثعلبةَ بنِ ثورِ بنِ هَرمَةَ بنِ الأصَمِّ بنِ عُثْمانَ بنِ عمرِو بن أُدّ بنِ طابِخَةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعدِ بنِ عَدنانَ، وَيَنْسَبُ زُهَيْرٌ إِلَى قبيلةِ مُزَيْنَةَ فَيقالَ المُزَنِيّ، وَمُزَيْنَةُ هِيَ زَوْجَةُ عَمْرِو بْنِ أَدّ، وَوَرَدَ فِي الأَغانِي أَنَّها أُمُّ عَمْرِو بْنِ أَدّ، لكِنَّ ابْنَ حَزْمٍ أَشارَ فِي جَمْهَرَةِ الأَنْسابِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَدّ وَلَدَ عُثْمانَ وَأَوْساً أُمَّهُما مُزَيْنَةُ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ، فَنُسِبَ بَنُوها إِلَيْها.
وَقَدْ اخْتُلِفَ فِي نِسْبَةِ زُهَيْرٍ إِلَى مُزَيْنَةَ فوردَ فِي بَعْضِ المَصادِرِ كَالشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ أَنَّهُ مِنْ غَطْفانَ، لكِنَّ ابْنَ قُتَيْبَةَ عادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتابِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَقَدْ حاوَلَ البَغْدادِيُّ فِي (خِزانَةِ الأَدَبِ) أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ هذا الخَلْطِ فِي نَسَبِ زُهَيْرٍ فَذَكَرَ أَنَّ بَنِي مُزَيْنَةَ كانَتْ مَحلَّتُهُمْ فِي بِلادِ غَطَفانَ فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ مِنْ غَطَفانَ. وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي هذا الاخْتِلافِ أَيْضاً أَنَّ آلَ أَبِي سُلْمَى هُمْ حُلَفاءُ فِي بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفانَ كَما أَشارَ التَّبْرِيزِيُّ. وَقِصَّةُ انْتِقالِ بَني مُزَيْنَةَ إِلَى جِوارِ غَطَفانَ يَذْكُرُها الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي)، فَيُشِيرُ إِلَى أَنَّ أَبا سُلمى كانَ قَدْ خَرَجَ وَخالَهُ أَسْعَدَ بْنَ الغَدِيرِ وَابْنَهُ كَعْباً يُغِيرُونَ عَلَى طيئ فَأَصابُوا مِنْهُمْ نِعَماً كَثِيرَةً فَأَبَى أَسْعَدُ وَاِبْنُهُ أَنْ يُعْطِيا أَبا سُلْمَى نَصِيبَهُ، فَغادَرَهُمْ وَأَخَذَ أُمَّهُ وَقالَ مُرْتَجِزاً:
وَيْلٌ لأَجْمالِ العَجُوزِ مِنِّي
إِذا دَنَوْتُ وَدَنَونَ مِنِّي
كَأَنَّنِي سَمَعْمَعُ مِنْ جِنَّ
وَانْتَهَى إِلَى قَوْمِهِ مُزَيْنَةَ، فَلَبِثَ فِيهِمْ حِيناً ثُمَّ أَغارَ مَعَ قَبِيلَتِهِ عَلَى بَنِي ذُبْيانَ، حَتَّى إِذا مُزَيْنَةُ أَسْهَلَتْ وَخَلَّفَتْ بِلادَها وَنَظَرُوا إِلَى أَرْضِ غَطَفانَ، تَطايَرُوا عَنْهُ راجِعِينَ، وَتَرَكُوهُ وَحْدَهُ. فَذلِكَ حَيْثُ يَقُولُ:
مَنْ يَشْتَرِي فَرَساً لَخَيْرٌ غَزْوُها وَأَبَتْ عَشِيرَةُ رَبِّها أَنْ تُسْهِلا
وأَقْبَلَ حِينَ رَأَى ذلِكَ مِنْ مُزَيْنَةَ حَتَّى دَخَلَ فِي أَخْوالِهِ بَنِي مَرَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ هُوَ وَوَلَدُهُ فِي بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفانَ.
أَمّا أُسْرَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فَهِيَ أُسْرَةٌ عَرِيقَةٌ فِي الشِّعْرِ، قالَ ابْنُ الأَعْرابِيِّ: "كانَ لِزُهِيْرٍ فِي الشِّعْرِ ما لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ، كانَ أَبُوهُ شاعِراً وَهُوَ شاعِرٌ وَخالُهُ شاعِرٌ وَأُخْتُهُ سُلْمَى شاعِرَةٌ، وَابْناهُ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ شاعِرانِ، وَأُخْتُهُ الخَنْساءُ شاعِرَةٌ". وَوَرَدَ أَنَّ لَهُ ثَلاثَةً مِنْ الأَوْلادِ هُمْ سالِمٌ وَبِجَيْرٌ وَكَعْبٌ، أَمّا سالِمٌ فَقَدْ ماتَ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ فِي سَبَبِ وَفاتِهِ أَنَّهُ كانَ جَمِيلَ الوَجْهِ حَسَنَ الشَّعْرِ، فَأَهْدَى رَجُلٌ إِلَى زُهَيْرٍ بُرْدَيْنِ، فَلَبِسَهُما الفَتَى وَرَكِبَ فَرَساً لَهُ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ العَرَبِ بِماءٍ يُقالُ لَهُ النُّتاءَةُ، فَقالَتْ: ما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ رَجُلاً وَلا بُرْدَيْنِ وَلا فَرَساً، فَعَثَرَ بِهِ الفَرَسُ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ وَعُنُقُ الفَرَسِ وَانْشَقَّ البُرْدانِ، فَقالَ زُهَيْرٌ يَرْثِيهِ:
رَأَتْ رَجُلاً لَاقَى مِنَ الْعَيْشِ غِبْطَةً وَأَخْطَـأَهُ فِيهَا الْأُمُورُ الْعَظَائِمُ
وَشَبَّ لَهُ فِيـهَـا بَنُـونَ وَتُوبِـعَتْ سَــلَامَـــةُ أَعْـوَامٍ لَهُ وَغَـنَــائِمُ
فَـأَصْـبَـحَ مَحْـبُـوراً يُنَـظِّرُ حَوْلَهُ بِــمَـــغْــبَــطَــةٍ لَوْ أَنَّ ذَلِكَ دَائِمُ
وَعِنْدِي مِنَ الْأَيَّامِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَـقُـلْتُ تَعَـلَّمْ أَنَّمَا أَنْتَ حَالِمُ
لَعَلَّكِ يَوْمـاً أَنْ تُرَاعِـي بِفَاجِعٍ كَمَـا رَاعَنِي يَوْمَ النُّتَاءَةِ سَالِمُ
يُدِيـرُونَـنِـي عَنْ سَالِمٍ وَأُدِيرُهُمْ وَجِلْدَةُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ سَالِمُ
وَأَمّا وَلَدَاهُ بُجَيرٌ وَكَعْبٌ فَكانا شاعِرَيْنِ وَاشْتُهَرا فِي قِصَّةِ إِسْلامِهِما، وَكانَ بُجَيرٌ الأَسْبَقَ فِي الإِسْلامِ، وَحِينَ بَلَغَ كَعْباً ذلِكَ قالَ شِعْراً يَتَعَرَّضُ فِيهِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْدَرَ الرَسُولُ دَمَهُ، أَسْلَمَ قَبْلَ كَعْبٍ، فبعثَ إِلَيْهِ بُجَيرٌ يُخَوِّفُهُ وَيَدْعُوهُ لِلإِسْلامِ، فَقَصَدَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامَ وَأَسْلَمَ، وَقِصَّتْهُ مَعَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْهُورَةٌ حِينَ مَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي مَطْلَعُها (بانَتْ سُعاد فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ)، وَلِزُهِيْر بِنْتٌ ورد لها خَبَرٌ مَعَ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، فَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى عائِشَةَ وَعِنْدَها بِنْتُ هَرِمِ بْنِ سِنان، فَلَمّا عَلِمَتْ أَنَّها بِنْتُ زُهَيْرٍ قالَتْ لَها: أَوَما أَعْطَى أَبِي أَباكَ ما أَغْناكُمْ؟ قالَتْ: إِنَّ أَباكَ أَعْطَى أَبِي ما فَنيَ، وَإِنَّ أَبِي أَعْطَى أَباكَ ما بَقِيَ، وَأَنْشَدَتْ بِنْتُ زُهَيْرٍ:
وَإِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَنِي فَمِنَ الغِنَى حَمَدْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ مِنْ ثَمَنِ الشُّكْرِ
وَإِنْ يَفْنَ ما تُعْطِيهِ فِي اليَوْمِ أَوْ غَدٍ فَإِنَّ الَّذِي أُعْطِيَكَ يَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ
وَقَدْ وَرَدَتْ هذِهِ القِصَّةُ عَلَى نَحْوٍ آخَرَ، فَقَدْ ذُكرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ لِبَعْضِ وَلَدِ هَرِمٍ: أَنْشِدْنِي بَعْضَ مَدْحِ زُهَيْرٍ أَباكَ، فَأَنْشَدَهُ، فَقالَ عُمَرُ: إِنْ كانَ لِيُحْسِنُ فِيكُمْ القَوْلَ، قالَ: وَنَحْنُ وَاللهِ إِنْ كُنّا لَنُحُسِنُ لَهُ العَطاءَ، فَقالَ: قَدْ ذَهَبَ ما أَعْطَيْتُمُوهُ وَبَقِيَ ما أَعْطاكُمْ.
وَأَبْناءُ زُهَيْرٍ الَّذِينَ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ هُمْ مِنْ زَوْجَتِهِ الثانِيَةِ وهي مِنْ بَنِي سُحَيم، أَمّا زَوْجَتُهُ الأُولَى وَهِيَ أُمُّ أَوْفَى الَّتِي ذَكَرَها فِي شِعْرِهِ، فَقَدْ كانَتْ لا يَعِيشُ لَها وَلَدٌ، فَتَزَوَّجَ غَيْرَها فَغارَتْ مِنْ ذلِكَ وَآذَتْهُ حَتَّى طَلَّقَها ثُمَّ نَدِمَ وَفِي ذلِكَ يَقُولُ:
لِعَمْرُكَ وَالخُطُوبُ مُغَيِّراتٌ وَفِي طُولِ المُعاشَرَةِ التَّقالِي
لَقَدْ بالَيْتُ مَظْعَنَ أُمِّ أَوْفَى وَلكِنْ أُمُّ أَوْفَى ما تُبالِي
رُغْمَ أَنَّ زُهَيْرَ بْنَ أَبِي سُلْمَى كانَ مِنْ قَبِيلَةِ مُزَيْنَةَ نَسَباً إِلّا أَنَّهُ وُلِدَ وَعاشَ حَياتَهُ فِي مَنازِلِ بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفانَ وَأَخْوالِهِ بَنِي مُرَّةَ الذُّبْيانِيِّينَ، فَكانَ غَطَفانِيَّ النَشْأَةَ، وَهذا ما جَعَلَ بَعْضَ الرُّواةِ يَخْلِطُ فِي نَسَبِهِ وَيَنْسِبُهُ إِلَى غَطَفانَ، وَلَمْ يَعِشْ أَبُوهُ طَوِيلاً فَقَدْ تُوُفِّيَ وَزُهَيْرٌ صَغِيراً فَعاشَ مَعَ أُخْتَيْهِ سُلْمَى وَالخَنْساءِ عِنْدَ خالِهِمْ بَشامَةَ بْنِ الغَدِيرِ وَكانَ شاعِراً، وَقَدْ تَزَوَّجَتْ أُمُّهُ -كَما يُرْوَى- بِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ بَعْدَ وَفاةِ أَبِيهِ، وَكانَ لِخالِهِ بَشامَةَ تَأْثِيرٌ عَلَى زُهَيْرٍ فِي تَنْمِيَةِ مَوْهِبَتِهِ الشِّعْرِيَّةِ إِذْ كانَ زُهَيْرٌ مُنْقَطِعاً إِلَيْهِ وَمُعْجَباً بِشِعْرِهِ، وَمِمّا يُرْوَى عَنْ بَشامةَ أَنَّهُ كانَ مُكَثِّراً مِنْ المالِ وَكانَ سَيِّداً شَرِيفاً فِي قَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ، وَحِينَ حَضَرَتْهُ الوَفاةُ وَزَّعَ مالَهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَإِخْوانِهِ فَطَلَبَ مِنْهُ زُهَيْراً قِسْماً مِنْ مالِهِ فَقالَ: وَاللهُ يا ابْنَ أُخْتِي لَقَدْ قَسَّمْتُ لَكَ أَفْضَلَ ذلِكَ وَأَجْزَلَهُ، قالَ: وَما هُوَ؟ قالَ: شِعْرِي وَرَثْتَنِيْهِ، وَقَدْ كانَ زُهَيْرٌ قَبْلَ ذلِكَ قالَ الشِّعْرَ، وَقَدْ كانَ أَوَّلَ ما قالَ، فَقالَ لَهُ زُهَيْرٌ: الشِّعْرُ شَيءٌ ما قُلْتَهُ فَكَيْفَ تَعْتَدُّ بِهِ عَلَيَّ؟ فَقالَ لَهُ بَشامَةَ: وَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهذا الشِّعْرِ لَعَلَّكَ تَرَى أَنَّكَ جِئْتَ بِهِ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَقَدْ عَلِمَتْ العَرَبُ أَنَّ حَصاتَها وَعَيْنَ مائِها فِي الشِّعْرِ لِهذا الحَيِّ مِنْ غَطَفانَ ثُمَّ لِي مِنْهُمْ، وَقَدْ رَوَيْتَهُ عَنِّي، وَأَحْذاهُ نَصِيباً مِنْ مالِهِ وَماتَ. وَقَدْ كانَ بَشامَةُ شاعِراً مُجَوِّداً، وَقَدْ اخْتارَ لَهُ صاحِبُ المُفَضَّلِيّاتِ قَصِيدَتَهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (هَـجَــرْتَ أُمـامَــةَ هَجْـراً طَوِيـلاً وَحَـمَّلَــكَ النَّأْيُ عِبْـئاً ثَقِـيـلاً).
لَقَدْ عاشَ زُهَيْرُ بْنُ أبِي سُلْمَى أَثْناءَ حَرْبِ داحِس وَالغَبْراء الَّتِي نَشَبَتْ بَيْنَ عَبْسٍ وَذُبْيانَ، وَقَدْ كانَ أَخْوالُهُ جُزْءاً مِنْ هذِهِ الحَرْبِ وَهُوَ ما ظَهَرَ فِي شِعْرِ خالِهِ بَشامَةَ، وَقَدْ قالَ زُهَيْرٌ قَصِيدَتَهُ الَّتِي عُدَّتْ مِنْ المُعَلَّقاتِ بَعْدَ أَنْ اصْطَلَحَتْ القَبِيلَتانِ بِوَساطَةِ هَرِمِ بْنِ سِنان وَالحارِثِ بْنِ عَوْف، وَيُقالُ إِنَّهُ قالَها أَيْضاً بَعْدَ أَنْ قَتَلَ وَرْدُ بْنُ حابِسٍ العَبْسِيُّ هَرِمَ بْنَ ضَمْضَم المُرِّي فَتَشاجَرَ عَبْسٌ وَ ذُبْيانَ قَبْلَ الصُّلْحِ، وَحَلَفَ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَم أَخُو هَرِم أَلّا يَغْسِلَ رَأْسَهُ حَتَّى يَقْتُلَ وَرْدَ بْنَ حابِسٍ أَوْ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَبْسٍ ثُمَّ مِنْ بَنِي غالِبٍ، حَتَّى ظَفِرَ بِواحِدٍ مِنْ بَنِي غالِبٍ فَقَتَلَهُ، فَتَوَجَّهَتْ عَبْسُ إِلَى الحارِثِ بْنِ عَوْف وَقَدْ أَرادَتْ قَتْلَهُ إِذْ كانَ قَدْ حَمَلَ الحَمالَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ بِمِئَةٍ مِنْ الإِبِلِ مَعَها ابْنُهُ، وَقالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لَهُمْ: الإِبِلُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَنْفُسُكُمْ؟ فَأَقْبَلَ الرَّسُولَ حَتَّى قالَ لَهُمْ ذلِكَ. فَقالَ لَهُمْ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ: يا قَوْمُ إِنَّ أَخاكُمْ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْكُمْ: الإِبِلُ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ ابْنِي تَقْتُلُونَهُ مَكانَ قَتِيلِكُمْ، فَقالُوا نَأْخُذُ الإِبِلَ وَنُصالِحُ قَوْمِنا، وَنُتِمُّ الصُّلْحَ، فَذلِكَ حِينَ يَقُولُ زُهَيْرٌ يَمْدَحُ الحارِثَ وَهَرِماً: (أَمِنْ أُمٍّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ).
وقد كانَ زُهَيْرٌ سَيِّداً شَرِيفاً، وَكانَ مُوسِراً غَنِيّاً كَثِيرَ المالِ كَما يَذْكُرُ ابْنُ سَلّامٍ فِي طَبَقاتِهِ، وَمِمّا يُشِيرُ إِلَى ذلِكَ أَنَّ الحارِثَ بْنَ وَرْقاءَ الصَّيْداوِيَّ مِنْ بَنِي أَسَدٍ أَغارَ عَلَى بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ غَطَفانَ فَغَنِمَ فَاِسْتاقَ إِبِلَ زُهَيْرٍ وَراعِيهِ يَساراً، فَقالَ زُهَيْرٌ:
بانَ الخَلِيطُ وَلَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا وَزَوّدُوك اشْتِياقاً أَيَّةً سَلَكُوا
فَرَدَّ إِلَيْهِ إِبِلَهُ وَالرّاعِي فَقالَ زُهَيْرٌ قَصِيدَتَهُ:
أَبْلِغُ لَدَيْكَ بَنِي الصَّيْداءِ كُلَّهُمُ أَنَّ يَساراً أَتانا غَيْرَ مَغْلُولِ
وَلا مُهانٍ وَلكِنْ عِنْدَ ذِي كَرَمٍ وَفِي حِبالِ وَفِيِّ العَهْدِ مَأْمُولِ
وَرُبَّما يَعُودُ هذا الغِنَى إِلَى أَنَّ زُهَيْراً مِنْ أَوائِلِ مَنْ تَكَسَّبَ بِشِعْرِهِ، وَأَكْثَرُ مَدِيحِهِ كانَ فِي هَرِمِ بْنِ سِنان الَّذِي أَجْزَلَ لَهُ العَطاءَ، وَيُقالُ إِنَّهُ حَلَفَ أَلّا يَمْدَحَهُ زُهِيْرٌ إِلّا أَعْطاهُ، وَلا يَسْأَلُهُ إِلّا أَعْطاهُ، وَلا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلّا أَعْطاهُ عَبْداً أَوْ وَلِيدَةً أَوْ فَرَساً، فَاسْتَحْيا زُهَيْرٌ مِمّا كانَ يَقْبَلُ مِنْهُ، فَكانَ إِذا رآهُ فِي مَلَأٍ قالَ: عِموا صَباحاً غَيْرَ هَرِم وَخَيْرُكُمْ اُسْتَثْنِيْتُ.
وَكانَ زُهَيْرٌ مَعْرُوفاً بِالوَرَعِ حَلِيماً، ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ كانَ يَتَأَلَّهُ وَيَتَعَفَّفُ فِي شِعْرِهِ، وَيَدُلُّ شِعْرُهُ عَلَى إِيمانِهِ بِالبَعْثِ، وَذلِكَ قَوْلُهُ:
يُؤَخِّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتابٍ فَيُدَّخِرْ لِيَوْمِ الحِسابِ أَوْ يُعَجِّلْ فَيُنْقَمِ
تُوُفِّيَ زُهَيْرٌ قَبْلَ بِعْثَةِ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصَحِّ الأَقْوالِ، وَقَدْ وَرَدَتْ بَعْضُ الرِّواياتِ كَما فِي (الأَغانِي) أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّسُولَ، وَأَنَّ الرَّسُولَ عِنْدَما نَظَرَ إِلَى زُهَيْرٍ وَقَدْ بَلَغَ مِئَةَ عامٍ قالَ اللهُمَّ أَعِذْنِي مِنْ شَيْطانِهِ، فَما لاكَ الشِّعْرُ حَتَّى ماتَ، لكِنَّ أكثرَ الأخْبارِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَقَدْ أَكَّدَ هذا الرَأْيَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتابِهِ (الشِّعْرِ وَالشُّعَراءَ) فَذَكَرَ أَنَّ زُهَيْر كانَ جاهِلِيّاً لَمْ يُدْرِكْ الإِسْلامَ، وَتَذْكُرُ بَعْضُ الرِّواياتُ أَنَّهُ تَنَبَّأَ بِبِعْثَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَأَوْصَى بَنِيهِ بِاتِّباعِهِ، فَقَدْ رَأَى فِي مَنامِهِ فِي أَواخِرِ حَياتِهِ أَنَّ سَبَباً تَدَلَّى مِنْ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ وَكانَ النّاسُ يُمْسِكُونَهُ، فَأَوَّلُهُ بِنَبِيٍّ آخِرَ الزَّمانِ، وَأَنَّ مُدَّتَهُ لا تَصِلُ إِلَى زَمَنِ بِعثَتِهِ، وَأَوْصَى بَنِيهِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ.
وَقَدْ رَثَتْهُ أُخْتُهُ الخَنْساءُ بِقَوْلِها:
وَما يُغْنِي تَوَقِّي المَرْءِ شَيْئاً وَلا عَقْدُ التَّمِيمِ وَلا الغُضارُ
إِذا لاقَى مَنْيَّتَهُ فَأَمْسَى يُساقُ بِهِ وَقَدْ حُقَّ الحِذارَ
وَلاقاهُ مِنْ الأَيّامِ يَوْمٌ كَما مِنْ قَبْلُ لَمْ يَخْلُدْ قَدارَ
وَكانَت وَفاتُهُ حَوالَيْ سَنَة 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ المُوافِقَة لِسَنَةِ 609 لِلمِيلادِ.
زُهَيْرُ بْنُ أبِي سُلْمَى هُوَ أَحَدُ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الرُّواةِ وَالنُّقّادِ القُدامَى أَحَدُ الثَّلاثَةِ المُقَدَّمِينَ عَلَى سائِرِ الشُّعَراءِ وَهُمْ امْرؤ القَيْسِ وَزُهِير وَالنّابِغَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ الأَصْفَهانِيُّ فِي كِتابِهِ (الأَغانِي) عَدَداً مِنَ الرُّواةِ وَعُلَماءِ الشِّعْرِ مِمَّنْ كانُوا يُقَدِّمُونَ زُهَيْراً عَلَى شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ.
عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الأُولَى مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ، وَوَضْعَهُ مَعَ امْرِئِ القَيْسِ وَالنّابِغَةِ وَالأَعْشَى، وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ النَّظَرِ رَأَوْا أَنَّ زُهَيْراً كانَ أَحْصَفَهُمْ شِعْراً، وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ سُخْفٍ، وَأَجْمَعَهُمْ لِكَثِيرٍ مِنْ المَعْنَى فِي قَلِيلٍ مِنْ المَنْطِقِ، وَأَشَدَّهُمْ مُبالَغَةً فِي المَدْحِ، وَأَكْثَرَهُمْ امْثالاً فِي شِعْرِهِ.
كانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يُقَدِّمُ زُهَيْراً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ لِأَنَّهُ لا يُعاظِلُ بَيْنَ الكَلامِ، وَكانَ يَتَجَنَّبُ وَحْشِيَّ الشِّعْرِ، وَلَمْ يَمْدَحْ أَحَداً إِلّا بِما فِيهِ.
كانَ جَرِيرٌ مِمَّنْ يُقَدِّمُ زُهَيْراً عَلَى سائِرِ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ، فَقَدْ أَوْرَدَ الأَصْفَهانِيُّ خَبَراً عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ جَرِيرٍ قالَ قُلْتُ لِأَبِي: يا أَبَت مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟ قالَ: أَعَنْ الجاهِلِيَّةِ تَسْأَلُنِي أَمْ عَنِ الإِسْلامِ؟ قُلْتُ: ما أَرَدْتُ إِلّا الإِسْلامَ، فَإِذا ذَكَرْتَ الجاهِلِيَّةَ فَأَخْبَرْنِي عَنْ أَهْلِها، قالَ: زُهَيْرٌ أَشْعَرُ أَهْلِها.
تَناوَلَ زُهَيْر كَثِيراً مِنْ الأَغْراضِ الشِّعْرِيَّةِ، لكِنَّهُ تَمَيَّزَ بِالمَدْحِ وَعُدَّ مِنْ الشُّعَراءِ السّابِقِينَ فِي المَعانِي الَّتِي أَسْبَغَها عَلَى المَمْدُوحِ، وَقَدْ عُرِفَ بِمَدْحِهِ لِهَرِمِ بْنِ سْنان، وَكانَتْ مَدائِحُهُ مَوْضِعَ إِعْجابٍ مِنْ عُلَماءِ الشِّعْرِ وَالرُّواةِ وَسَبَباً لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ، مِنْ ذلِكَ أَنَّ مُعاوِيَةَ سَأَلَ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ عَنْ أَشْعَرِ الشُّعَراءِ، فَقالَ: زُهَيْرٌ، قالَ: وَكَيْفَ؟ قالَ: أَلْقَى عَنْ المادِحِينَ فُضُولَ الكَلامِ. قالَ: مِثْلَ ماذا؟ قالَ: مِثْلُ قَوْلِهِ:
فَما يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتُوهُ فَإِنَّما تَوارَثَهُ آباءُ آبائِهِمْ قَبْلُ
وَقَدْ قالَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوانَ حِينَ سَمِعَ بَعْضَ أَبْياتِهِ فِي المَدِيحِ: ما يَضُرُّ مَنْ مُدِحَ بِما مَدَحَ بِهِ زُهَيْرٌ آلَ أَبِي حارِثَةَ مِنْ قَوْلِهِ:
عَلَى مَكْثَرِيهِمْ رِزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِم وَعِنْدَ المُقِلِّينَ السَّماحَةُ وَالبَذْلُ
أَلَّا يَمْلِكُ أُمُورَ الناسِ (يَعْنِي الخِلافَةَ)، ثُمَّ قالَ: ما تَرَكَ مِنْهُمْ زُهَيْرٌ غَنِيّاً وَلا فَقِيراً إِلّا وَصْفَهُ وَمَدَحَهُ.
كانَ زُهَيْرٌ مِنْ أَصْحابِ الحَولِيّاتِ، لأنَّهُ كانَ يَنْظِمُ القَصِيدَةَ فِي شَهْرٍ وَيَنْقِّحها وَيُهَذِّبُها فِي سَنَةٍ وَكانَتْ سَبْعَ قَصائِدَ، فَكانَ يَعْرِضُها عَلَى خَواصِّهِ، ثُمَّ يُذِيعُها بَعْدَ ذلِكَ. وَقَدْ عَدَّهُ الأصمعيّ لِذلِكَ مِنْ عَبِيدِ الشِّعْرِ.
كانَ زُهَيْرٌ ذا تَأْثِيرٍ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الشُّعَراءِ اللّاحِقِينَ، وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أُسْتاذَ الحُطَيْئَةِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ الحُطَيْئَةُ قالَ: ما رَأَيْتُ مِثْلَهُ فِي تَكَفِّيهِ عَلَى أَكْنافِ القَوافِي، وَأَخْذِهِ بِأَعِنَّتِها حَيْثُ شاءَ، مِنْ اخْتِلافِ مَعانِيها امْتِداحاً وَذَمّاً.
أَشارَ المُسْتَشْرِقُ بروكلمان إِلَى أَنَّ هُناكَ تَأْثِيراتٍ لِلنَّصْرانِيَّةِ فِي شِعْرِ زُهَيْرٍ لِذلِكَ بَرَزَ عُنْصُرُ التَهْذِيبِ وَالتَّعْلِيمِ بِقُوَّةٍ فِي شِعْرِهِ، لا سِيَّما فِي مَعانِي العِتابِ وَالزُّهْدِ، لكِنْ لا يَجُوزُ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ عَدَّهُ نَصْرانِيّاً.
عَدَّهُ مطاع صَفدي وَإيليا حاوِي شاعِرَ الحِكْمَةِ وأنَّ عالَمَهُ الفَنِّيَّ هُوَ انْعِكاسٌ هادِئٌ لِعالَمِهِ الواقِعِيِّ، فَكانَ يُمَثِّلُ نَمُوذَجَ الإِنْسانِ القانِعِ بِقِسْمَةِ المَصِيرِ، وَحِكْمَةُ الإِرادَةِ الكُلِّيَّةِ لِلحَياةِ.
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني).
(اِبْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(الأَصمعيّ/ ورد في كتاب الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ لابن قتيبةَ).
(بروكلمان/ تاريخ الأدب العربي)
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)
(علي فاعور/ مقدِّمة تحقيق ديوان زهير بن أبي سُلمى)