
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ السَّعْدِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بِنْ تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ المُقِلِّينَ وَأَحَدُ وُصّافِ الخَيْلِ، عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ ووضعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّابِعَةِ، وَكانَ سلامةُ مِنْ فُرْسانِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ فِي الحَماسَةِ وَالفَخْرِ، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الأَصْمَعِيّاتِ وَالمُفَضَّلِيّاتِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 15ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 608هـ.
هوَ السُّلَيكُ بنُ عمرِو بنِ سنان بنِ عميرِ بن الحارثِ بنِ عمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ زيدِ مناةَ بنِ تميم بن مرّ بن أدّ بن عمرو بن إلياس بن مُضَر بنِ نزار بن مَعَدّ بنِ عدنان.
وذكرَ الميدانيُّ أنّ اسمَهُ "الحارث"، وذكرَ الزّمخشريّ أنّ اسمَهُ "عمير"، وعلى رأيِهِما يكونُ السُّلَيكُ لقباً له لا اسماً، إلّا أنّ أغلبَ الباحثينَ يميلونَ إلى أنّ "السُّلَيك" هو اسمُه الفعليّ.
ومعنى "السُّلَيك": فَرْخُ الحَجَل، أو فرخُ القطا.
ومن ألقابِه: الرِّئبال، وسُليكُ المقانِب.
ومعنى "الرِّئبال": الأسد. لُقِّبَ به لسرعتهِ في العَدْو.
ومعنى "المقانب": جماعاتُ الخيل المعدّة للإغارة. لُقِّبَ بذلك لكثرةِ غاراتِه.
والسُّلَكَةُ أُمُّهُ. وهي امرأةٌ أَمَةٌ سَوْداءُ، ويُنسَبُ إليها السُّلَيك فيقال "السُّلَيكُ بنُ السُّلَكَة".
ويُعَدُّ السُّلَيك من "أغربةِ العرب"، وهم ثلاثةُ شعراء نُسِبوا إلى أمّهاتهم السّوداوات وعُرِفُوا بشجاعتِهم، وهم: عنترةُ بن شدّاد (الّذي كان يُنسَب إلى أمّه زبيبة)، وخُفافُ بنُ نُدبة، والسُّلَيكُ بنُ السُّلَكَة.
وللسُّلَكَةِ أمِّ السُّلَيكِ أبياتٌ تَرثي فيها ابنَها فتقول:
طـافَ يَـبْــغِــي نَجْـوَةً مِـــنْ هَـــلاكٍ فَهَـــلَكْ
لَيْــتَ شِــعْـــرِي ضِــلَّةً أَيُّ شَــيْءٍ قَــتَـــلَكْ!
أَمَــرِيـــضٌ لَمْ تُــعَـــدْ أَمْ عَــــدُوٌّ خَــــتَــــلَكْ!
أَمْ تَـــوَلَّى بــكَ مــا غالَ فِي الدَّهْرِ السُّلَكْ
أمّا قبيلتُهُ فهي قبيلةُ سعدُ المنحدرةُ من قبائلِ تميم الّتي تعدُّ جمجمةً من جماجمِ العرب، وبنو سعدِ بنِ زيد مناة من القبائل الّتي استوطنتِ البحرين والأحساء والجوف قبلَ الإسلام.
ولا تذكرُ المصادرُ الأدبيّةُ شيئاً عن والدِ السُّلَيك أو علاقاتهِ بقبيلتِه وأسرته. على أنّها تُورِدُ أنّ السُّلَيكَ قد تزوَّجَ امرأةً اسمُها ليلى من بني برثن من قبيلةِ أسد، ثمّ جاءَها يوماً فوجدَ أبناءَ عمِّها عندَها يحدّثونَها، فقتلَها بسيفِهِ حميّةً، وعدا هارباً، وفي ذلك يقول:
لَزُوَّارُ لَيْلى مِنْكُمُ آلَ بَرْثَنٍ عَلى الْهَوْلِ أَمْضى مِنْ سُلَيْكِ الْمَقانِبِ
يَزُورُونَها وَلا أَزُورُ نِساءَهُمْ أَلَهْفي لِأَوْلادِ الْإِماءِ الْحَواطِبِ
وتذكر المصادر الأدبيّة أنّه تزوَّجَ من سبيّتين؛ إحداهُما امرأةٌ من بني خثعم، والأخرى تُدعى بنوارِ الخِفاجيّة الّتي سباها من زوجِها مالكِ بن عُمَيرِ بن أبي وَداع الخثعميّ، ولأنّ المرأتينِ سُبيِتا من قبيلةِ "خثعم"، فيرجّحُ بعضُ الباحثينَ أن تكونا امرأةً واحدة.
وقد جاءَ في أخبارِ السُّليك أنّه أنجبَ من سبيّتِهِ الخثعميّة دون أن تُذكَرَ أسماءُ الأبناء، وقال التّبريزيّ إنّ من أبنائِهِ ولداً اسمُه "حرب"، وهو الّذي خاطَبَهُ عند مقتلِهِ فقال:
مَنْ مُبْلِغَ حَرْباً بِأَنِّي مَقْتُولْ يَا رُبَّ نَهْبٍ قَدْ حَوَيْتُ عُثْكُولْ
يُعَدُّ السُّلَيْكُ بنُ السُّلَكَة أحدَ أشهرِ الشُّعراءِ الصَّعاليكِ في العصرِ الجاهليِّ، ويتّفقُ معظم الباحثين أنّ السُّليك لم يكُن من الصّعاليكِ المنبوذينَ من قبائلِهم أو الخارجينَ عليها؛ ذلك لأنّ في أخبارِه ما يُشيرُ إلى أنّه كان يقود غاراتِ صعلكته على القبائل اليمانيّة (لا سيّما مراد وخثعم)، أو على قبائل ربيعةَ لا قبائلِ مُضَر الّتي ينحدرُ منها.
وتُعزى صعلكةُ السُّليك لأسبابٍ ذاتيّةٍ تتعلّقُ بفقرِهِ وسوادِ لونِهِ ودمامةِ خلقِه، وفي شعرِه ما يكشفُ عن عددٍ من النّزعاتِ النّفسيّةِ والظروفِ الاجتماعيّةِ الّتي جعلته يندرجُ في سِلكِ الصّعلكةِ وينضمّ إلى أصدقائِهِ الصّعاليكِ الآخرين؛ من مثلِ الشَّنفرى، وتأبّطَ شرًّا، وعمرِو بن برّاق، وغيرِهم. ومِنْ هذِهِ النّزعاتِ النّفسيّةِ عقدتُهُ من سوادِ اللَّونِ ودمامةِ الخَلق؛ فهو يُعبِّرُ في بيتينِ له عن استهزاءِ امرأةٍ يُقالُ لها "أمامةُ" بسوادِ جلدِهِ وتقدُّمِ ثناياه العليا على السُّفلى، ويردّ عليها بأنّه يمتلكُ كرمَ النّفسِ والشّجاعةَ عِوضاً عمّا تراهُ فيهِ من الدَّمامة، يقول:
هـزِئَتْ أُمـامَـةُ أنْ رَأَتْ بِيَ رِقَّة وَفَـمــاً بـه فَقَـمٌ وجِلْدٌ أَسْـوَدُ
أُعْطِي إذا النَّفْسُ الشَّعاعُ تَطلَّعَتْ مالِي وأَطْعُـنُ والْفَرائِصُ تُرْعَـدُ
وفي أبياتٍ أخرى، يصفُ السُّلَيكُ امرأةً أخرى قاطعَته لأنّها معجبَةٌ بغيرِهِ من ذوي اللِّمَمِ الطِّوال والوسامةِ والوجاهة، ثمَّ يتوجّهُ إليها بخطابٍ بديعٍ يوضّحُ فيه أنَّهُ صُعلوكٌ ضَروبٌ لهاماتِ الرِّجالِ وليسَ صُعلوكاً كسولاً نَؤُوماً، ثمّ يذكرُ أنّ من أسبابِ صعلكتِهِ دِفاعَهُ عن النّساءِ السّبيّاتِ مِمَّن حالُهُنّ كحالِ أمِّه؛ فهو لا يملكُ المالَ لافتدائِهِنّ، لكن يملك الشّجاعةَ للإغارةِ على مَن سباهُنّ وافتكاكِهِنّ بالقوّة، يقول:
أَلَا عَتَبَتْ عَلَيَّ فَصَارَمَتْنِي وَأَعْجَبَهَا ذَوُو اللِّمَمِ الطِّوَالِ
فَإِنِّي يَا ابْنَةَ الْأَقْوَامِ أُرْبِي عَلَى فِعْلِ الْوَضِيِّ مِنَ الرِّجَالِ
فَلَا تَصِلِي بِصُعْلُوكٍ نَؤُومٍ إِذَا أَمْسَى يُعَدُّ مِنَ الْعِيَالِ
إِذَا أَضْحَى تَفَقَّدَ مَنْكِبَيْهِ وَأَبْصَرَ لَحْمَهُ حَذَرَ الْهُزَالِ
وَلَكِنْ كُلُّ صُعْلُوكٍ ضَرُوبٍ بِنَصْلِ السَّيْفِ هَامَاتِ الرِّجَالِ
أَشَابَ الرَّأْسَ أَنِّي كُلَّ يَوْمٍ أَرَى لِي خَالَةً وَسْطَ الرِّحالِ
يَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَلْقَيْنَ ضَيْماً وَيَعْجِزُ عَنْ تَخَلُّصِهِنَّ مَالِي
أمّا النّزعاتُ الاجتماعيّةُ فعلى رأسِها يقفُ الفقرُ الّذي يمثِّلُ المعنى اللغويّ لكلمة "الصّعلكةِ" أصلاً، والسُّلَيكُ كثيرُ الإشارةِ في شعرِهِ إلى فقرِهِ وعَوَزِهِ وجُوعِه، وهُوَ يرى في التّصعلُكِ والإغاراتِ على الأغنياءِ وأصحابِ الثّروةِ مهرباً من الحياةِ الذّليلةِ إلى الحياةِ العزيزة، يقولُ مبرّراً إغارتَهُ على إبلٍ لرجلٍ يُدعى "يزيد بن رويم" وقتلَهُ ابنَهُ وأخذَهُ الإبل:
وَعَاشِيَةٍ رُجٍّ بِطانٍ ذَعَرْتُها بِصَوْتِ قَتِيلٍ وَسْطُهَا يَتَسَيَّفُ
كَأَنَّ عَلَيْهِ لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ إِذَا مَا أَتَاهُ صَارِمٌ مُتَلَهِّفُ
فَبَاتَ لَهُ أَهْلٌ خَلَاءٌ فِنَاؤُهُمْ =وَمَرَّتْ بِهِمْ طَيْرٌ فَلَمْ يَتَعَيَّفُوا
وَبَاتُوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وَصُحْبَتِي إِذَا مَا عَلَوْا نَشْزاً أَهَلُّوا وَأَوْجَفُوا
وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً وَكُنْتُ لِأَسْبَابِ الْمَنِيَّةِ أُعْرَفُ
وَحَتَّى رَأَيْتُ الْجُوعَ بِالصَّيْفِ ضَرَّنِي إِذَا قُمْتُ تَغْشَانِي ظِلَالٌ فَأُسْدِفُ
وأخبارُ السُّلَيكِ في الإغارةِ على القبائلِ والأغنياءِ بقصدِ النّهبِ كثيرةٌ جدًّا في المصادرِ الأدبيّة، وقد لُقِّبَ السُّليكُ بـ"سُليك المقانب"، والمقانبُ هي جماعات من الخيل المعدّة للغارة؛ ذلك لأنّه كان كثيرَ القيادة لغاراتِ الصّعلكة على القبائلِ؛ لا سيّما القبائل اليمانيّة من مثل "خثعم" و"مراد"، أو قبائل ربيعة؛ لا سيّما قبيلة "بكر بن وائل".
وكثيراً ما تكُونُ غاراتُ السُّليك جماعيّةً لا فرديّة على عادةِ الشّعراءِ الصّعاليك؛ إذ كان السُّليكُ يغْزُو الآخرينَ بصحبةِ صعاليكَ آخرينَ يُعينُهم ويُعينونَه، ومن تلك الأخبارِ أنّه افتقرَ مرّةً فخرجَ للإغارةِ في ليلةٍ باردةٍ مُقمرة، ونامَ في طريقِهِ، واستيقظَ على رجلٍ قد قعدَ فوقَهُ يقولُ له: "استأسِر"، فردّ عليه السُّليك: "الليلُ طويلٌ وأنتَ مُقمِر"، فاستمرَّ الرّجلُ يدفعُهُ ويأمرُهُ بالاستئسار وهو فوقَه، فضمَّه السُّليك بيديه ضمّةً قويّةً جعلت عزمَهُ يخور إلى الحدِّ الّذي ضرطَ معَه! وسخرَ منه السُّليك إذّاكَ وقالَ له: "أضرطاً وأنتَ الأعلى؟"، ثمّ تعرّفَ إليهِ وعرفَ أنّه صعلوكٌ فقيرٌ مثله، فقرّر أن يصطحبَه معه في غارتِه، وفي طريقهما صادفا صعلوكاً ثالثاً، ومن ثَمّ قرّروا الإغارةَ على جوفِ وادي مُراد، لكنّهم وجدوا في الوادي أنعاماً كثيرةً جعلتهم يهابونَ من أن يكونَ وراءَها قومٌ كثيرونَ يخرجونَ في طلبِهم، فما كان من السُّليك إلّا أن ذهب إلى الرُّعاة ليحدّثهم ويستفسرَ عن مكانِ الحيِّ ومدى بُعدِه عن المرعى، فلمّا أخبروه أنّ الحيَّ بعيد، طلب السُّليك من الرّعاةِ أن يغنّيَ لهم بيتينِ من الشّعر، فغنّى:
يَا صَاحِبَيَّ أَلَا لَا حَيَّ بِالْوَادِي إِلَّا عَـبِــيــدٌ وَآمٌ بَيْـنَ أَذْوَادِ
أَتَنْـظُـرَانِ قَلِيلاً رَيْثَ غَفْلَتِهِمْ أَمْ تَعْدُوَانِ فِإِنَّ الرِّيحَ لِلْعَادِي
ففهمَ صاحباهُ الرّسالةَ الشّعريّة؛ إذ لا أحدَ لهذه الأنعامِ إلا الرعاة والعبيد، وبذلك فإنّ الغارةَ سهلةٌ والصيدَ ثمين، وهكذا أغاروا على الإبل وانصرفوا بها دون أن يلحقهم أحدٌ من القوم.
ومن القبائل الّتي كان السُّليكُ كثيرَ الإغارةِ عليها قبيلتا "خثعم" و"مُراد" اليمانيّتان، ومن أخبارِه الشّهيرةِ أنّه خرجَ مرّةً يغزوها مع جماعةٍ من صعاليكِ قومِهِ بني سعد ومن بني عبد شمس، وكان من عادتِهِ أنّهُ يخبِّئ الماءَ في بيضِ النّعام في الرّبيع ليستخرجَه أثناءَ غاراتِهِ في الصَّيف ويشربَ منه هو والصّعاليكُ الّذين معه، وفي تلك الغارةِ أضَلَّ السُّليك مواضعَ الماء، فكادَ الصّعاليكُ الّذين معه يهلكون، ثمّ انصرفوا عنه ولم يبقَ سوى رجلٍ واحدٍ اسمُه "صُرَد"، وقد بكى "صُرَدُ" هذا لمّا رأى انصرافَ أصحابِه عنه وعن السُّليك، ثمّ أضلَّ ناقتَه وخرج يطلبُها، وفي طريقِهِ أمسكَ به بنو مراد وبنو خثعم وأسرُوه، وبقي السُّليكُ وحيداً!
إلّا أنَّ السُّليك قرّر أن يفتكَّ صاحبَه من القوم، فأغارَ وحدَه على مضاربِ مراد وخثعم، وأسرَ سيّدَهم الشّهير "قيس بن المكشوح المراديّ"، سبى امرأةً اسمُها "أمّ الحارث بنت عوف بن يربوع الخثعميّة"، واستنقذَ صُرَدَ من أيدي القوم، وأخذَ من أنعامِهم ما أخذ، ثمّ قفلَ عائداً إلى أصحابِه الّذين انصرَفوا عنه، وبرغمِ انصرافِهم عنه إلّا أنه قسَمَ الغنيمةَ بينَهم، وقالَ مفتخراً ببسالتِهِ في تلك الغارة:
بَكَـى صُرْدٌ لَمّا رَأَى الْحَيَّ أَعْرَضَتْ مَهَـــامِهُ رَمْـــلٍ دُونَهُــمْ وَسُهُــوبُ
وَخَــوَّفَهُ رَيْــبُ الزَّمَـانِ وَفَـقْــرُهُ بِـــلَادَ عَـــدُوٍّ حَـــاضِـــرٍ وَجَــدُوبُ
وَنَـأْيٌ بَعِـيـدٌ عَنْ بِلَادِ مُقَـاعِـسٍ وَإِنَّ مَـخَــارِيــقَ الْأُمُـورِ تُـرِيــبُ
فَقُـلْتُ لَهُ لَا تَبْـكِ عَيْـنَـكَ إِنَّهَا قَـضِـيَّةُ مَا يُقْـضَـى لَهَا فَتَـنُـوبُ
سَيَـكْـفِـيـكَ فَقْـدَ الْحَيِّ لَحْمُ مَغَرَّضٌ وَمَـاءُ قُدُورٍ فِي الْجِفَـانِ مَشُـوبُ
أَلَمْ تَـرَ أَنَّ الدَّهْرَ لَوْنَانِ لَوْنُهُ وَطَـــوْرَانِ بِــشْـــرٌ مَــرَّةً وَكَــذُوبُ
فَمَا خَيْرُ مَنْ لَا يَرتَجِي خَيْرَ أَوْبَةٍ وَيُـخْــشَــى عَـلَيْهِ مِـرْيَــةٌ وَحُـرُوبُ
ولم تخلُ غاراتُ السُّليك بن السُّلَكة من الخطرِ المُحدِقِ عليه؛ ففي غارةٍ له على بني عُوار المنحدرينَ من قبائلِ بكرِ بن وائل، أحَسَّ بهِ القومُ، وكمنُوا له حتّى يشربَ الماءَ ويثقلَ بطنُهُ فيكونُ عَدْوُهُ أبطأَ، فلمّا فعلَ ذلك همّوا به ليأسرُوه فدخلَ إلى بيتِ امرأةٍ يُقالُ لها "فُكَيهة" واستجارَ بها، فأجارته المرأةُ وجعلته تحتَ درعِها، ثمّ كشفت خمارَها عن شعرها وصاحت بإخوتِها تستنجدُ بهم، ثمّ قبلوا إجارتَها وأطلقوه، وقد مدحَها السُّليكُ فقال:
لَعَمْرُ أَبِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي لَنِعْمَ الْجَارُ أُخْتُ بَنِي عُوَارا
مِنَ الْخَفِراتِ لَمْ تَفْضَحْ أَبَاهَا وَلَمْ تَرْفَعْ لِإِخْوَتِهَا شَنَارا
كَأَنَّ مَجَامِعَ الْأَرْدَافِ مِنْهَا نَقىً دَرَجَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ هَارا
يَعَافُ وِصَالَ ذَاتِ الْبَذْلِ قَلْبِي وَيَتَّبِعُ الْمُمَنَّعَةَ النَّوَارا
وَمَا عَجِزَتْ فُكَيْهَةُ يَوْمَ قَامَتْ بِنَصْلِ السَّيْفِ وَاسْتَلَبُوا الْخِمَارا
غَذَاهَا قَارِصٌ يَغْدُو عَلَيْها وَمَحْضٌ حِينَ تَنْتَظِرُ الْعِشَارا
وَمِنَ الصِّفاتِ الّتي يُشتَهَرُ بها السُّلَيك أنّه كانَ عدّاءً سريعاً على نحوٍ لا يُجارِيهِ الخيلُ في سرعةِ العَدْو، وقد ساعدته هذه المهارةُ على الهربِ من المهالكِ في كثيرٍ من الغاراتِ الّتي شنَّها على القبائلِ والأفراد، وقد بقيَتْ مهارتُهُ هذه معَهُ حتّى بعد أن كبُرَ وشاخ؛ فمن أخبارِهِ أنّه نزلَ ضيفاً على بني كنانةَ وهو شيخٌ كبير، فسألُوُه إن كانَ ما تزالُ به قوّةٌ على العَدْو كما كان في شبابِه، فطلب منهم أن يُلبسوهُ درعاً ثقيلةً، ثمّ ينتخبوا أربعينَ شابّاً من أقويائِهم العدَّائين ليُباروه في سباق، ثمّ حينَ بدأَ العَدْوُ لم يلبثِ السُّليكُ حتّى غابَ عن أبصارِهم وهم وراءَه يلهثون!
ومن صفاتِهِ الأخرى أنّه كان من أعرفِ العربِ بالصّحراءِ والمفاوزِ والقفار؛ فقد جاء في وصفِهِ أنّه "أدلّ من قطاة"، وكان لعِظَمِ معرفتِهِ بالصّحراءِ يُخزِّنُ الماءَ في بيضِ النّعام في الصّحراء ربيعاً ليستخرجَه في غاراته أثناء الصّيف، وذلك دون أن يضعَ علاماتٍ ترشدُه، إنّما هي معرفةٌ خالصةٌ لطولِ ترحالِه وغاراتِه.
وقد وصفَ معاصِرُو السُّليكَ شجاعتَهُ وقوّتَه، وعلى رأسِهم الفرسانِ من أمثال عمرِو بنِ معدي كرِب الّذي كان لا يخشى إلّا مواجهة أربعة من فرسانِ العرب، ومنهُم السُّليك، وقد وصفَ عمرو قوّة السُّلَيك وشبّهه بالأسد فقال:
وَسَيْرِيَ حَتَّى قَالَ فِي الْقَومِ قَائِلٌ عَلَيـكَ أَبَا ثَوْرٍ سُلَيكَ الْمَقَانِبِ
فَرُعْـتُ بِهِ كَاللَّيـثِ يَلْحَظُ قائِما إِذَا رِيعَ مِنْهُ جانِـبٌ بَعْدَ جانِبِ
لَهُ هَامَـةٌ ما تَأْكُلُ الْبَيضُ أُمَّها وَأَشْبـاحُ عادِيٍّ طَوِيـلِ الرَّوَاجِبِ
ووصفَه شاعرٌ آخرُ معاصِرٌ له هو جِرانُ العود النّمَريّ فقال يصفُ سرعتَه:
وَمَـكْــمُــونَــةٌ رَمْداءُ لا يَجْـذَرُونَهـا مُـكــاتَــبَــةٌ تَـرْمِـي الْكِلابَ وَتَحْـذِفُ
رَأَت وَرَقـاً بِـيــضـاً فَشَـدَّتْ حَزِيـمَهـا لَهـا فَهْـيَ أَمْضَـى مِنْ سُلَيْـكٍ وَأَلْطَفُ
ومن الطّبيعيّ أن تنتهيَ حياةُ السُّليك بن السُّلكة مع المغامرةِ والشّجاعة بالقتل، وقد تعدّدت الرّواياتُ الّتي تصفُ مقتلَ السُّليك، لكنّها تتّفقُ على أنّ قاتلَهُ هو أنسُ بنُ مدركةَ الخثعميّ، وقد قتلَهُ بعد أن أسرَ السُّليكُ رجلاً من "خثعم" اسمُهُ "مالك بن عمير بن أبي ذراع"، وكان مع الرّجل زوجةٌ يُقالُ لها النّوار، فافتدى الرّجلُ نفسَه من السُّليك وخلّف زوجتَه رهينةً إلى أن يعودَ بفدائِها، إلّا أنّ السّليكَ نكحَها لنفسِه، وقال مستهزئاً بقبيلةِ خثعم:
تُحَـذِّرُنِـي كَيْ أَحْذَرَ الْعَامَ خَثْعَمَا وَقَدْ عَلِمَـتْ أَنِّي امْرُؤٌ غَيْرُ مُسْلَمِ
وَمَـــا خَـــثْـــعَـــمُ إِلَّا لِئَامٌ أَذِلَّةٌ إِلَى الذُّلِّ وَالْإِسْحَاقِ تُنْمَى وَتَنْتَمِي
فبلغَ ذلك أنس بن مدرك وشبلَ بن قلادة الخثعميّين وأغضبهما، ثمّ همّا إلى السُّليك وأصحابِهِ، ولم يشعر السّليك حتّى جاءت الخيلُ تطلبُهُ وهو في نفرٍ قليلٍ من أصحابِه، وأنشأ يرثي نفسه:
مَنْ مُبْلِغَ جِذْمِي بِأَنِّي مَقْتُولْ
يَا رُبَّ نَهْبٍ قَدْ حَوَيْتُ عُثْكُولْ
وَرُبَّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مَجْدُولْ
وَرُبَّ زَوْجٍ قَدْ نَكَحْتُ عُطْبُولْ
وَرُبَّ عَانٍ قَدْ فَكَكْتُ مَكْبُولْ
وَرُبَّ وَادٍ قَدْ قَطَعْتُ مَسْبُولْ
ثمّ إنّ أنسَ بن مدرك وثبَ على السُّليك وقتلَه، وكان السُّليكُ إذّاكَ شيخاً كبيراً.
وتقولُ الرّواياتُ إنّ رجلاً اسمه عبد الملك بن مويلك كان يُجيرُ السُّليك، وحين علم بمقتلِه أبى إلّا أن يأخذَ ديتَه أو يثأرَ له من أنس بن مدرك، وحين خافَ أنس بن مدرك أن يستطيلَ الأمر اضُطرّ إلى أن يدفعَ ديةَ السُّليك، لكنّه قالَ قصيدةً مشهورةً يعرِّض فيها بالسُّليك ويذكرُ أنّه غيرُ راضٍ عن دفعِ الدّية، يقول:
إِنِّي وَقَتْلِي سُلَيْكاً ثُمَّ أَعْقِلُهُ كالثَّوْرِ يُضْرَبُ لَمَّا عافَتِ الْبَقَرُ
غَضِبْتُ لِلْمَرْءِ إِذْ نِيكَتْ حَلِيلَتُهُ وَإِذْ يُشَدُّ عَلى وَجْعائِها الثَّفَرُ
إِنِّي لَتارِكُ هاماتٍ بِمَجْزَرَةٍ لا يَزْدَهِينِي سَوادُ اللَّيْلِ وَالْقَمَرُ
أَغْشَى الْحُرُوبَ وَسِرْبالِي مُضاعَفَةٌ تَغْشى الْبَنانَ وَسَيْفِي صارِمٌ ذَكَرُ
يذكرُ كلٌّ من جرجي زيدان وخير الدّين الزّركليّ أنّ مقتلَ السُّليك بن السُّلكة كان نحو سنة 17ق.هـ الموافقةِ لسنةِ 606م، ويتّفقُ فريقُ الموسوعةِ الشّعريّة مع هذا التّاريخِ لكون السّليكِ بن السُّلكة قد قُتِّلَ على يدِ أنسِ بن مدرك الخثعميّ، وأنسُ بنُ مدرك من الصحابة المخضرمين الّذين أدركوا الجاهليّة والإسلام، وقد عاشَ إلى زمنِ خلافةِ عليّ بن أبي طالب وكان من المعمَّرين، ويبدو أنّ قتلَه للسُّليك في سنة 17ق.هـ مناسبٌ لعمرِه آنذاك.
يذكرُ أبو الفرج الأصفهانيّ في "الأغاني" ثلاثةً من كبارِ رواةِ الشّعر الجاهليّ كانوا قد رووا شعرَ السُّليك، وهم: الأصمعي، والمفضّل الضبّي، وأبو عبيدة. ويُضاف إليهم كلّ من: محمد بن العباس اليزيدي، وابن الأعرابي، وابن السكّيت.
ذكر المفضّل الضّبّي أنّ السّليك من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم.
ترجم له ابنُ قتيبةَ الدّينوريّ في "الشّعر والشّعراء" وذكرَ شيئاً من شعرِه.
اختار له البحتريّ اختياراً واحداً في حماسته، وهو الاختيار (644).
اختار له البصريّ اختياراً واحداً في حماسته، وهو الاختيار (230).
اختار له مطاع صفدي وخليل الحاوي مجموعة من الاختيارات الشعرية في كتابيهما "موسوعة الشّعر العربيّ".
"وَسَيْرِيَ حَتَّى قَالَ فِي الْقَومِ قَائِلٌ عَلَيـكَ أَبَا ثَوْرٍ سُلَيكَ الْمَقَانِبِ
فَرُعْـتُ بِهِ كَاللَّيـثِ يَلْحَظُ قائِما إِذَا رِيعَ مِنْهُ جانِـبٌ بَعْدَ جانِبِ
لَهُ هَامَـةٌ ما تَأْكُلُ الْبَيضُ أُمَّها وَأَشْبـاحُ عادِيٍّ طَوِيـلِ الرَّوَاجِبِ"
( عمرو بن معدي كرِب في وصف شجاعة السُّليك بن السُّلَكة)
"وَمَـكْــمُــونَــةٌ رَمْداءُ لا يَجْـذَرُونَهـا مُـكــاتَــبَــةٌ تَـرْمِـي الْكِلابَ وَتَحْـذِفُ
رَأَت وَرَقـاً بِـيــضـاً فَشَـدَّتْ حَزِيـمَهـا لَهـا فَهْـيَ أَمْضَـى مِنْ سُلَيْـكٍ وَأَلْطَفُ
( جران العود النَّمَريّ في وصفِ سرعةِ السُّليك بن السُّلكَة)
(المفضَّل الضَّبِّي)