
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
سَلامَةُ بْنُ جَنْدَلٍ السَّعْدِيُّ، مِنْ قَبِيلَةِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَناةَ بِنْ تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ المُقِلِّينَ وَأَحَدُ وُصّافِ الخَيْلِ، عَدَّهُ ابْنُ سَلّامٍ مِنْ فُحُولِ الشُعَراءِ ووضعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّابِعَةِ، وَكانَ سلامةُ مِنْ فُرْسانِ قَبِيلَةِ تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ شِعْرِهِ فِي الحَماسَةِ وَالفَخْرِ، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ الأَصْمَعِيّاتِ وَالمُفَضَّلِيّاتِ، تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَةِ 15ق.هـ المُوافَقَةِ لِسَنَةِ 608هـ.
هُوَ عُروَةُ بنُ الوردِ بنِ حابسِ بنِ زيدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ ناشبِ بن هُرَيمِ بنِ لُدَيمِ بنِ عَوذِ بنِ قُطيعةَ بنِ عَبسِ بنِ بَغيضِ بنِ أشجعَ بنِ الرَّيثِ بنِ غطَفانَ بنِ قَيْسِ بنِ عَيلانَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزار بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنان.
و"عُروةَ" و"الورد": مِنْ أسماءِ الأسد.
قَبيلتُهُ هي قبيلةُ عَبْس المنحدرةُ مِن قبائلِ غَطَفانَ النّزاريّة العدنانيّة. وهي قَبيلةٌ تُعَدُّ من جمَراتِ العرب؛ أي من القبائلِ الّتي تجمَّعَت في نفسِها ولم تُدخِل معَها غيرَها. ولهذِهِ القبيلةِ تاريخٌ كبيرٌ في الجاهليّةِ والإسلام؛ فقد كانت لها مشاهدُ ضدَّ مملكةِ كندةَ في جنوبِ نَجد، وقد ملَّكَت عليها وعلى قبائل غَطَفانَ جذيمةَ بنَ رواحةَ العبسيّ ومن بعدِهِ ابنُهُ زُهيرُ بنُ جُذيمة ثمّ حفيدُهُ قيسُ بنُ زُهير. وفي عهدِ قيسِ بنِ زُهَير حدَثَتْ حربُ داحس والغبراء الشّهيرة بين فرعينِ من فروعِ قبيلةِ غَطَفان؛ وهما فرعُ بني عبس الّذين قادهم قيسُ بنُ زهير، وفرعُ قبيلةِ ذبيانَ الّذينَ قادَهُم حُذيفةُ بنُ بدر. وأسبابُ هذه الحربِ هي سِباقٌ جرى بين فرسي "داحس" و"الغبراء"، وكانت "داحس" لقيس بن زهير سيّدِ عبس، و"الغبراء" لحذيفةَ بنِ بدر سيّد غطفان. وحينَ سبقَتِ الغبراءُ داحسَ بحيلةٍ من بيني ذُبيان اشتعلتِ الحربُ بين القبيلتين، ثمّ تطوّرت ودخلتها أحلافٌ كثيرةٌ من العرب، وقيل إنّها استمرّت أربعينَ سنة، وانتهت بتدخّل سيّدين من سادةِ غطفان هما الحارثُ بنُ عوف وهرمُ بنُ سنان المرّيّان، اللَّذانِ افتديا بأموالهما قتلى الحرب فوضعَت أوزارَها، وامتدحَهُما زهيرُ بنُ أبي سلمى في معلّقته الشّهيرة.
والدُ عروةَ هو الوردُ بنُ حابس، وتذكرُ بعضُ الرّواياتِ التّاريخيّة أنّ لهُ دوراً مهمّاً جدّاً في إشعالِ حربِ داحس والغبراء؛ فهو الّذي اقترحَ على حذيفةَ بنِ بدر فكرةَ إقامةَ السّباقِ بين داحس والغبراء في ظلّ غيابِ سيّد القبيلةِ قيسِ بن زهير لأداءِ العمرة. ولمّا عادَ قيس حاولَ إبطالَ الرّهان واسترداده، لكنّ حذيفةَ أبى، فاشتعلتِ الحربُ بين القبيلتين. لذلك؛ ينقلُ أبو الفرجِ الأصفهانيُّ عن بعضِ العبسيّين قولَهم عن عروةَ بنِ الورد: "لقد كُنّا نتشاءَمُ بأبيه؛ لأنّه هو الّذي أوقعَ الحرب بين عبس وفزارةَ بمراهنةِ حذيفة".
غيرَ أنّ للوردِ بنِ حابسِ دوراً آخرَ في حربِ داحس والغبراء؛ فهو الّذي قتلَ هرم بن ضمضم شقيقَ حُصَين بنِ ضمضم قَبلَ صُلحِ عبس وذبيان، ولم ينسَ حُصينُ بن ضمضم دمَ أخيه حتّى قتلَ رجلاً من عبس بعد الصُّلح، وكادت تعودُ الحربُ بينَ القبيلتينِ لولا تدخُّلُ الحارث بنُ عوف وهرِمِ بن سنّان المريَّينِ من جديد وأدائهما دِيةً كبيرةً لبني عبس بقتيلهم.
أمّا أمُّ عروةَ بنِ الورد، فهي امرأةٌ من قبيلةِ نهد القُضاعيّة، وقيلَ إنّها سبيّةٌ كانت عندَ أبيه، وهو ما يجعلُهُ بعضُ الباحثينَ شرارةً في اشتعالِ جذوةِ الصّعلكةِ في نفسِ عروةَ بنِ الورد؛ ذلك أنّ قبيلةَ "عبس" لم تكن تحتفي بأبناء الغريبات أو الأخيذات (السبّيّات)، وكان يُفضَّلُ ابنُ العبسيّةِ على ابنِ الغريبة. وهذا ما حدثَ أيضاً مع عنترةَ بنِ شدّاد العبسيِّ في قصّتِهِ الشّهيرة.
ولا تكادُ المصادرُ التّاريخيّةُ تذكرُ عن إخوةِ عروةَ سوى أنَّ لهُ أخاً أكبرَ كانَ ذا مأثرةٍ عند أبيهِ أكثرَ منه، وقد لامَ القومُ والدَ عروةَ على تقديمِهِ الكبيرَ على الصّغيرِ مع استغناء الكبير وضعف الصّغير، فأجاب: "أترونَ هذا الأصغر؟ لئن بقيَ ما أرى من شدّة نفسه، ليصيرنّ الأكبر عيالاً عليه"، وهو يعني بذلك أنّ عروةَ شديدُ البأسِ ولا يحتاجُ عطفَ أبيهِ عليه، بعكسِ الأكبر الّذي لا يمتلكُ من المهاراتِ ما يمتلكُهُ عُروة.
ويردُ اسمُ أخٌ آخرُ لعروةَ عرضاً في المصادرِ الأدبيّة، واسمُهُ "طَلْق"، وكان لأخيهِ هذا معَ ابنِ عمّه "جبّار" دورٌ في تطليقِهِ من زوجتِهِ "سلمى".
ويُكنّى عُروةُ بنُ الوردِ بـ"أبي نجد"، ولهُ كنىً أخرى في كتبِ الأدب؛ من مثلِ "أبي المغلّس"، وقيلَ إنّه كانَ يُكنّ بـ"أبي عبلةَ" في السِّلم، و"أبي هَراسةَ" في الحرب.
ويُلقَّبُ بـ"عروة الصّعاليك"، وبـ"أبي الصّعاليك"، وبـ"أمير الصّعاليك"؛ ذلك لأنّه كان يُؤوي الصّعاليكَ إليهِ ويقومُ على أمورِهم، وسنستفيضُ بالحديثِ عن صعلكتِهِ في البابِ الخاصّ بحياتِه.
أمّا زوجاتُهُ فقد أفاضتِ المصادرُ في ذكرِ زوجتيه؛ سلمى وليلى. أمّا سلمى فكانت سبيَّةً عندَهُ من بني غفار من قبيلة كنانةَ، وقد أنجبَ منها عدداً من الأولاد وكانَ كثيرَ الحبّ والتّقديمِ لها، غيرَ أنّها كانت تُعاني من عُقدةِ السَّبيِ في قبيلتِه، وكان أولادُها يُعيَّرُونَ بأنّهم أولادُ امرأةٍ أخيذَة، فاقترحَت على عروةَ أن يصحبَها إلى أهلها لتزورَهُم، وأرسلَت إليهم أن يستقبلوهُ بالخمرِ إذا جاء، وأن يطلبوا منه افتداءَها؛ فهو لا يُردُّ لأحدٍ طلباً وهو ثَمِل. وحينَ جاءَ عروةُ إلى أهلِها استقبلوهُ بالخمرِ وطلبوا منه أن يفتدُوها، فإذا فعلَ عادوا وأنكحوهُ إيّاها حُرَّةً مُكرَّمَة، فوافقَ عُروةُ واشترطَ أن يخيِّروها بينَهُ وبينَهم، وأن يكونَ الفداءُ في اليومِ التّالي بعدَ أن يصحو. وحينَ صَحا عروةُ رفضَ الفداء، لولا أنّ أخاهُ طلقاً وابنَ عمَّهُ جبّاراً شهدوا عليهِ بأنّه افتداها البارحة، فأذعنَ عروةُ وأبقى على شرطِ تخييرِ سلمى بينه وبين قومِها، فجاءَت سلمى وفاجأته باختيارِها أهلها! ثمّ قالت له: "يا عروةُ، أما إنّي أقولُ فيكَ، وإن فارقتُكَ، الحقّ: واللهِ ما أعلمُ امرأةً من العربِ ألقت سترَها على بعلٍ خيرٍ منك، وأغضَّ طرفاً، وأقلَّ فُحشاً، وأجودَ يداً، وأحمى لحقيقةٍ. وما مرّ عليّ يومٌ، مُذ كنتُ عندَك، إلّا والموتُ فيهِ أحبُّ إليَّ من الحياةِ بينَ قومِك؛ لأنّي لم أكن أشاءُ أن أسمعَ امرأةً من قومِك تقول: قالَت أمَةُ عروَةُ كذا وكذا. وواللهِ لا أنظرُ في وجهِ غطفانيةٍ أبداً. فارجِع راشداً إلى ولدِكَ وأحسِنْ إليهم".
وقد وثّقَ عروةُ بنُ الوردِ في شعرِه ندمَهُ الشّديدَ على افتداءِ سلمى، وعبَّرَ عن ندمِهِ بقصيدةٍ يقولُ فيها:
أَطَعْـتُ الآمِريـنَ بِصَرْمِ سَلْمى فَطَـارُوا في عِضاهِ الْيَسْتَعُورِ
سَقَـونـي النَّسْءَ ثُمَّ تَكَنَّفُوني عُـداةَ اللهِ مِـنْ كَـذِبٍ وَزُورِ
وَقالُوا لَسْتَ بَعْدَ فِداءِ سَلْمى بِمُـفْـنٍ ما لَدَيكَ وَلَا فَقيرِ
فَلَا واللهِ لَو مُلِّكْـتُ أَمْري وَمَنْ لِيَ بِالتَّدَبُّرِ في الْأُمورِ
إِذنْ لَمَلَكْـتُ عِصْـمَـةَ أُمِّ وَهْبٍ عَلى ما كانَ مِنْ حَسَكِ الصُّدُورِ
فَيـا لِلنَّاسِ كَيْفَ غَلَبْتُ نَفْسِي عَلَى شَيءٍ وَيَكْـرَهُهُ ضَمِـيـري
أَلَا يا لَيْتَني عاصَيْتُ طَلْقاً وَجَبَّاراً وَمَنْ لِيَ مِنْ أَميـرِ
ولسلمى حضورٌ كبيرٌ في شعرِ عروةَ وهي زوجتُه؛ فقد أظهرَها بصورةِ المرأةِ العاذلةِ الّتي تخافُ عليهِ من رحلاتِه وغاراتِه في الصّعلكة.
وأمّا ليلى فهي سبيّةٌ عندَهُ أيضاً من بني هلال، واسمُها ليلى بنت شعواء الهلاليّة. وهي الأخرى قد تطلّقت منه بعد أن نالت حريّتَها، غيرَ أنّ قصّةَ طلاقِها تختلفُ عن قصّةِ طلاقِ سلمى؛ فقد كانت تُظهرُ له الحبَّ الشّديدَ، ثمّ طلبَت منهُ أن تزورَ أهلَها، وهناكَ أبَت أن تعودَ إليهِ، وطردَهُ أهلُها وهدّدوهُ بالقتل، وحينَ همّ بالانصرافِ قالَ لها: " يا ليلى، خبّري صواحبَكِ عنّي كيفَ أنا"، فقالت له: "ما أرى لكَ عقلاً، أَتُراني قد اخترتُ عليك وتقول: خبِّري عنّي؟!"
وقد أثَّرَت كلماتُ ليلى في عروةَ أثراً كبيراً، فردَّ عليها بقصيدةٍ طويلةٍ جاءَ فيها:
وَما أَنْسَ مِ الْأَشيـاءِ لا أَنْسَ قَولَها لِجـارَتِهــا مـا إِنْ يَـعــيــشُ بِأَحْـوَرا
لَعَــلَّكِ يَــومـــاً أَنْ تُــسِــرّي نَـدامَــةً عَـلَيَّ بِـمــا جَـشَّمــْتِــنـي يَومَ غَضْـوَرا
فَـغُـرِّبْـتِ إِنْ لَمْ تُخْـبِـريـهُـمْ فَلا أَرى لِيَ الْيَومَ أَدْنى مِنْـكِ عِلْمـاً وَأَخْبَرا
قَعـيـدُكِ عَمْـرَ اللهِ هَلْ تَعْـلَمِـيـنَـنـي كَـريـمـاً إِذا اسْوَدَّ الْأَنامِـلُ أَزْهَرا
صَـبُـوراً عَلَى رُزْءِ الْمَوالي وَحافِـظـاً لِعِـرْضِــيَ حَـتَّى يُـؤْكَـلَ النَّبْتُ أَخْضَـرا
وفي ديوانِ عروةَ بنِ الوردِ ذكرٌ لزوجةٍ ثالثةٍ اسمُها "تُماضِر" كانت تحثُّهُ على طلبِ الغنى؛ خلافاً لسلمى الّتي كانت تُفضِّلُ قُعودَهُ واكتفاءَهُ بما لديه. يقول:
قالَتْ تُماضِرُ إِذْ رَأَتْ مالِي خَوَى وَجَفـا الْأَقارِبُ فَالْفُؤادُ قَرِيحُ
ما لِي رَأَيْتُكَ في النَّدِيِّ مُنَكَّساً وَصِبـاً كَأَنَّكـَ في النَّدِيِّ نَطِيحُ
خاطِـرْ بِنَـفْسِكَ كَي تُصِيبَ غَنِيمَةً إِنَّ الْقُعـودَ مَعَ الْعِيالِ قَبِيحُ
الْمـالُ فِـيــهِ مَهابَـةٌ وَتَجِـلَّةٌ وَالْفَـقْــرُ فِـيـهِ مَذَلَّةٌ وَفُضُـوحُ
ولا تذكرُ المصادرُ الأدبيّةُ شيئاً عن أولادِ عروةَ بنِ الورد، وجاءَ في بعضِها أنّه لم يُعقِب. غيرَ أنّ معظم المصادر تتّفقُ أنّه كان له أولادٌ من زوجتِهِ "سلمى"، لكنّ هؤلاء الأولاد لم يبرُزوا ولم تُعرَف أسماؤُهم في التّاريخ.
ويظهرُ في أحدِ الأخبار أنّ لهُ ولداً غير منسوبٍ له، ومفادُ الخبرِ أنّه كانَ مارّاً إلى ذي المجاز، فخلا بامرأةٍ متزوّجةٍ من شيخٍ كبير، وأنجبَتْ له ولداً نُسِبَ إلى ذلك الشَّيخ. ثمّ مرّت السّنوات وخرج عروةُ في غزوةٍ مع الصّعاليك، ثمّ مرّ على خباءِ المرأة وزوجِها الشّيخ، وباغتَها فأكلَ طعامَهما، فجاءَ الولدُ الّذي كان راعياً وأطعمَ الشَّيْخَ وأمَّه، وهُنا سمعَ عروةُ بن الورد المرأةَ تقولُ لزوجِها الشّيخ إنّ الغلامَ ليسَ بابنِهِ إنّما ابنُ عروةَ بنِ الورد. وفي الصَّباح أغارَ عروةُ على الإبل الّتي كانَ يرعاها ابنُهُ المنسوبُ للشّيخ، فغلبَه الغلامُ وهمَّ بقتلِه، لولا أنّه أخبرَهُ بأنّه أبوه، ثمّ طلب منه أن يلحقَ بهِ هو وأمّه، فأبى الغلامُ حتّى يموتَ الشّيخُ الكبيرُ الّذي ربّاه، وحينَ ماتَ الشّيخُ لحقَ الولدُ بعروة. ومع ذلك، فلا نكادُ نعثرُ على اسمِ هذا الولد، ولا على أسماء أولادِ عروةَ الآخرين.
يُشتَهَرُ عروةُ بنُ الوردِ بلقب "أبو الصّعاليك" أو "عروة الصّعاليك"، ويعُدُّهُ الباحثونَ أحدَ أبرزِ صعاليكِ العصرِ الجاهليِّ إن لم يكُن أبرزَهُم؛ ذلك لأنَّه لم يكُن مجرّدَ صعلوكٍ عاديٍّ يرتزقُ بالغاراتِ والغزواتِ، بل كانَ مؤسّساً لمذهبٍ خاصٍّ بالصّعلكةِ يقومُ على إعادةِ التّوازنِ الاقتصاديِّ في المجتمع؛ من خلالِ الإغارةِ على الأغنياءِ والبُخلاءِ وسلبِهم أموالَهُم، ثمّ ردّ هذه الأموال في الفقراء والمُعوزينَ من الأيتام والنّساء والأطفال. وهو بالإضافةِ إلى ذلك منَظِّرٌ للصَّعلكةِ وكثيرُ الإشارةِ في شعرِهِ إلى مذهبِهِ في التَّصعلُك، ثُمَّ إنّهُ لم يكُن يتصعلكُ وحدَه، بل كانت معَهُ جماعةٌ من الصّعاليكِ تميلُ إليهِ وتأتمرُ بأمرِه.
وإذا أردنا تلمُّسَ جذورِ الصَّعلكةِ في شخصيّةِ عروة بن الورد، فنستطيعُ أن نُحيلَها إلى أسرتِهِ بالمحلِّ الأوّل؛ إذ وُلِدَ عُروةُ بنُ الوردِ لأبيهِ "الوردِ بن حابس" من أمٍّ سبيّةٍ من بني نهد، ويتّضحُ من شعرِ عروةَ أنّه كان يمتلكُ عقدةً خاصّةً من زواجِ أبيهِ من امرأةٍ سبيّةٍ وغريبةٍ عن القبيلةِ المعروفةِ باحتفائِها بأبناءِ العبسيّات؛ فمن شأنِ ذلك أن يجعلَهُ غريباً في قومِهِ، وقد لامَ عروةُ والدَهُ على زواجِهِ من أمِّهِ النَّهْدِيَّةِ غريبةِ النّسب فقال:
لا تَلُمْ شَيْخِي فَما أَدْرِي بِهِ غَيْرَ أَنْ شارَكَ نَهْداً في النَّسَبْ
كانَ في قَيْسٍ حَسِيباً ماجِداً فَأَتَتْ نَهْدٌ عَلى ذاكَ الْحَسَبْ
ويُصَرِّحُ عروةُ بنُ الوردِ بشعورِهِ بالعارِ نحوَ هذا النَّسَب؛ فأخوالُهُ النّهديّونَ لا مجدَ لهم، ويظهرونَ في الحربِ بمظهرِ الثّعالبِ المُراوغة، فيما يظهرونَ في السِّلم بمظهرِ الأسود، ويتمنّى لو أنّه لم يكُن لهم في تكوينِهِ أيُّ يد، بل يتمنّى لو كانَ أحد عبيدِهم الّذين يُؤمَلُ تحرُّرُهم، ولا أن يكونوا أخوالاً له. يقول:
ما بِيَ مِنْ عارٍ إِخالُ عَلِمْتُهُ سَوِى أَنَّ أَخْوالِي إِذا نُسِبُوا نَهْدُ
إِذا ما أَرَدْتُ الْمَجْدَ قَصَّرَ مَجْدُهُمْ فَأَعْيا عَليَّ أَنْ يُقارِبَني مَجْدُ
فَيا لَيْتَهُمْ لَمْ يَضْرِبُوا فِيَّ ضَرْبَةً وَأَنِّيَ عَبْدٌ فيهِم، وأَبِي عَبْد
ثَعالِبُ في الْحَرْبِ الْعَوانِ فَإِنْ تَبُخْ وَتَنْفَرِجِ الْجُلَّى فَهُمُ الْأُسْدُ
وقد كانَ من أَثرِ زواجِ أبيهِ من امرأةٍ نهديّةٍ أن تكونَ الأثرةُ لأخيهِ ابنِ المرأةِ العبسيّةِ عليه. وفي ديوانِ عروةَ ملمَحٌ لهذا الصِّراعِ بينَهُ وبينَ أخيه؛ فقد كان صراعاً ذا جذورٍ اقتصاديّةٍ بحتة؛ إذ يبدو أنّ تقريبَ الأبِ للأخِ ابنِ المرأةِ العبسيّةِ أسهمَ في تكوينِ الحالةِ الفقيرةِ الّتي تمتّعَ بها عروةُ في مقابلِ الحالةِ الثّرِيَّةِ الّتي تمتّعَ بها أخوه، ومِن ثَمَّ أنتجَ نوعاً من السُّخريةِ لدى الأخِ الأكبرِ الغنيِّ بالأصغرِ الفقير. وقد تكونُ هذه المقارنةُ هي الدّافعَ الرّئيسَ لتحوّل شخصيّةِ عروةَ إلى الصّعلكة النّبيلةِ الّتي يكونُ أصحابُها فقراءَ وأجواداً في الوقتِ نفسه. يقولُ عروةُ في مقطوعةٍ شهيرةٍ يُقارنُ فيها بينَ فقرِهِ وكرمِهِ وغنى أخيهِ وبُخلِه، يقول:
إِنِّي امْرُؤٌ عافِـي إِنائِيَ شِرْكَـةٌ وَأَنْتَ امْرُؤٌ عافـي إِنائِكَ واحِدُ
أَتَهْزَأُ مِنّـي أَنْ سَمِـنْـتَ وَأَنْ تَرى بِوَجْهـي شُحـوبَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ جاهِدُ
فَلا تَشْتُمَنِّي يا ابْنَ وَرْدٍ فَإنَّني تَعودُ عَلَى مالي الحُقوقُ العَوَائِدُ
أُقَسِّمُ جِسْـمـي في جُسُـومٍ كَثـيرَةٍ وَأَحْسُو قَراحَ الْماءِ وَالْماءُ بارِدُ
وَمَنْ يُؤْثِرِ الْحَقَّ النَّؤُوبَ يَكُنْ بِهِ خَصـاصَـةُ جِسْـمٍ وَهْوَ طَيَّانُ ماجِـدُ
كما نلحظُ من المقطوعةِ السّابقة، يبدو أنّ عروةَ بنَ الوردِ قد كوَّنَ منذ شبابِهِ نزعتَهُ الأولى للصَّعلكة، وهي نزعةٌ وضَّحَها في قصائدَ ومقطوعاتٍ أخرى؛ إذ أحالَ الصّعلكةَ في المحلّ الأوّل إلى ظلمِ الأقاربِ واستئثارِ أغنيائِهم بالأموال، يقول:
إِذا الْمَرْءُ لَمْ يَبْعَثْ سَوَاماً وَلَمْ يُرَحْ عَـلَيــهِ وَلَمْ تَـعْــطِــفْ عَلَيْهِ أَقارِبُهْ
فَـلَلْمَــوْتُ خَـيْـرٌ لِلْفَتَـى مِنْ حَيـاتِهِ فَـقِــيــراً وَمِـنْ مَوْلىً تَدِبُّ عَقَـارِبُهْ
وَســـائِلَةٍ أَيْــنَ الرَّحِــيـــلُ وَسَــائِلٍ وَمَـنْ يَسْـأَلُ الصُّعْلُوكَ أَيْنَ مَذاهِـبُهْ
مَــذاهِـــبُهُ أَنَّ الْفِــجـــاجَ عَـريــضَــةٌ إِذا ضَـنَّ عَـنْهُ بِـالْفَــعَــالِ أَقـارِبُهْ
غيرَ أنّ التّصعلكَ الّذي تميّزَ به عروةُ لم يكُن لمجرَّدِ الغنى الشَّخصيّ أو الانتقامِ للذّاتِ وتعويضِها عمّا سُلِبَت من ظلمِ الأقارب، إنّما كانَ تصعلكاً ذا طابعٍ اجتماعيٍّ يهدِفُ إلى تعويضِ الجماعاتِ المقهورةِ بأكملِها عمّا اهتُضِمَ من حقوقِها، ومِنْ ثَمَّ فإنّ الصّعلكةَ مرهونةٌ دائماً لدى عروةَ بمكارمِ الأخلاق، يقولُ:
فَلَا أَتْرُكُ الْإِخْوَانَ ما عِشْتُ لِلرَّدى كَـمـا أَنَّهُ لا يَتْـرُكُ الْماءَ شارِبُهْ
وَلَا يُسْـتَـضـامُ الدَّهْرَ جاري وَلَا أُرَى كَـمَــنْ باتَ تَسْـري لِلصَّديقِ عَقـارِبُهْ
وَإِنْ جـارَتِــي أَلْوَتْ رِيـاحٌ بِبَـيـتِهـا تَغـافَـلْتُ حَتَّى يَسْـتُـرَ البَيْتَ جانِبُهْ
ويستهجِنُ عروةُ بنُ الوردِ مذهبَ بعضِ الصّعاليكِ الكُسالى الّذين يكتفونَ بقُوتِ يومِهِم هم وأسرُهُم دونَ أن تكونَ الصّعلكةُ مذهباً فلسفيّاً لديهم، يقول:
لَحـا اللهُ صُـعْـلُوكـاً إِذا جَنَّ لَيلُهُ مُـصــافــي المُشـاشِ آلِفاً كُلَّ مَجْـزِرِ
يَـعُــدُّ الْغِـنـى مِنْ نَفْـسِهِ كُلَّ لَيلَةٍ أَصـابَ قِـراهــا مِـنْ صَـديــقٍ مُـيَــسَّرِ
يَـنــامُ عِـشــاءً ثُـمَّ يُصْـبِـحُ ناعِـسـاً يَـحُــتُّ الحَصـى عَنْ جَنْـبِهِ الْمُتَـعَـفِّرِ
قَـليــلُ الْتِمـاسِ الزَّادِ إِلَّا لِنَفْـسِهِ إِذا هُـوَ أَمْـسـى كَالْعَـريـشِ الْمُجَـوَّرِ
يُـعــيــنُ نِسـاءَ الْحَيِّ ما يَسْـتَـعِـنَّهُ وَيُمْـسِـي طَلِيـحـاً كَالْبَـعـيـرِ الْمُحَسَّرِ
ويمتدحُ الصّعلوكَ الحقيقيَّ الشُّجاعَ الّذي يخوضُ الغارةَ تلو الغارةِ في سبيلِ إحرازِ المالِ وإنفاقِهِ لمستحقّيه من الفقراء:
وَلَكِــنَّ صُــعْــلوكــاً صَـفِــيــحَــةُ وَجْهِهِ كَـضَــوْءِ شِهـابِ الْقـابِــسِ الْمُـتَـنَـوِّرِ
مُــطِـــلّاً عَــلَى أَعْــدائِهِ يَـزْجُــرونَهُ بِـســاحَــتِهِـمْ زَجْرَ الْمَنـيـحِ الْمُشَهَّرِ
إِذا بَـعُـدُوا لَا يَأْمَـنـونَ اقْتِـرابَهُ تَــشَـــوُّفَ أَهْـلِ الْغـائِبِ الْمُـتَــنَــظَّرِ
فَـذلِكَ إِنْ يَـلْقَ الْمَـنِــيَّةَ يَـلْقَهــا حَمـيـداً وَإِنْ يَسْـتَـغْـنِ يَومـاً فَأَجْدِرِ
ويختتمُ قصيدتَهُ هذِهِ عن الصّعلكةِ بمقطعٍ لطيفٍ يدمجُ فيه الصّعلكةَ بمكارمِ الأخلاقِ وإكرامِ الفقراءِ والأضياف فيقول:
سَلِي الطَّارِقَ الْمُعْـتَـرَّ يا أُمَّ مالِكٍ إذا ما أتانـي بَيـنَ قِدْري وَمَجْزِري
أَيُــسْـــفِــرُ وَجْهِـي أنَّهُ أَوَّلُ الْقِـرى وَأَبْـذُلُ مَـعْــروفــي لَهُ دونَ مُـنْـكَـري
يُـريــحُ عَـلَيَّ اللَّيـلُ أَضْيـافَ ماجِـدٍ كَـرِيــمٍ وَمـالي سارِحـاً مالُ مُقْـتِـرِ
والصّعلكةُ لدى عروةَ بنِ الوردِ مرهونةٌ دائماً بالاغترابِ والسّفرِ والطّوافِ والغزو، وكثيراً ما كانَت غاراتُهُ ضمنَ جماعةٍ من الفقراءِ المعوِزين؛ فيشجّعُهم على اكتسابِ أموالِهم بأيديهم، ويغزو بهم؛ من ذلك أنّ جماعةً من بني لُبنى من قبيلةِ عبس افتقَرُوا فجاؤوا إلى عروةَ يشكون الفقر، فخرجَ بهم يريدُ غزوَ بني القَين، ومرّ أثناءَ مسيرِهِ برجلٍ ثريٍّ اسمُهُ مالكُ بنُ حمار الفِزاريّ، فأكرمَهُ مالك وذبحَ له وأطعمَه وأطعمَ مَن معَه، ثمّ طلب منه أن يرجعَ عن غارتِه، فرفضَ عروةُ ذلك وأبى إلّا أن يأخذَ الفقراءُ مِمّن معَهُ نصيبَهم من المالِ بأيديهم، وأغارَ على بني القين ونهبَهم، وقالَ في ذلك قصيدةً لطيفةً يذكرُ فيه لومَ زوجتِهِ له على الغزو وكثرةِ تطوافِهِ لإحرازِ المال، ويُفلسفُ لها غزواتِهِ بأنّ هدفَها هو إطعامُ الفقراء وحفظُهم في بلادِهم، يقول:
أَرى أُمَّ حَـسَّانَ الْغَداةَ تَلُومُـنـي تُخَـوِّفُـنـي الْأَعْداءَ وَالنَّفْسُ أَخْوَفُ
لَعَلَّ الَّذي خَوَّفْـتِـنـا مِنْ أَمامِـنا يُـصــادِفُهُ فـي أَهْـلِهِ الْمُـتَــخَــلِّفُ
تَـقـولُ سُلَيـمـى لَو أَقَمْـتَ لَسَرَّنـا وَلَمْ تَــدْرِ أَنِّي لِلْمُـقــامِ أُطَـوِّفُ
إِذا قُلْتُ قَدْ جاءَ الْغِنى حالَ دونَهُ أَبو صِبْـيَـةٍ يَشْـكُو الْمَفاقِرَ أَعْجَفُ
لَهُ خَـلَّةٌ لا يَـدْخُــلُ الْحَقُّ دونَها كَـريــمٌ أَصـابَــتْهُ خُـطــوبٌ تُـجَــرِّفُ
فَـإِنِّي لَمُسْـتـافُ الْبِلادِ بِسُـرْبَـةٍ فَمُـبْـلِغُ نَفْـسـي عُذْرَهـا أَو مُطَـوِّفُ
رَأَيْتُ بَنـي لُبْنـى عَلَيْهِـمْ غَضاضَةٌ بُـيــوتُهُــمُ وَسْـطَ الْحُلولِ التَّكَنُّفُ
وفي إحدى قصائِدِه، يقدِّمُ عروةُ بنُ الوردِ وصفاً عظيماً لغاراتِهِ على الأغنياء؛ إذ يوضّحُ أنّه لا يُغيرُ إلّا على أصحابِ الأموال الكثيرةِ الّتي يمنعونَها عن أقاربِهم عُقوقاً وبُخلاً، ويروي أيضاً أنّه يُخطِّطُ لغاراتِهِ تخطيطاً جيّداً؛ فيبعثُ من جماعةِ الصّعاليكِ رَقيباً يُراقبُ له المالَ وصاحبَه، ويتأكّد أنّه يسيرُ دونَ عشيرةٍ تحميه، ثمّ يقومونَ بالغارةِ ويُشعلونَ القُدورَ ليأكلَ منها الضّعفاء، يقولُ واصفاً المشهدَ:
لَعَلَّ انْطِلاقي في الْبِلادِ وَبُغْيَتي وَشَدِّي حَيـازيـمَ الْمَطِـيَّةِ بِالرَّحْلِ
سَيَـدْفَـعُـنـي يَومـاً إِلى رَبِّ هَجْـمَـةٍ يُدافِـعُ عَنْهـا بِالْعُـقوقِ وَبِالْبُخْلِ
قَـلِيــلٌ تَواليـهـا وَطالِبُ وِتْرِهـا إِذا صِحْـتُ فيها بِالْفَوارِسِ وَالرَّجْلِ
إِذا ما هَبَـطْـنا مَنْهَلاً في مَخُوفَةٍ بَعَثْنا رَبيئاً في الْمَرابِئِ كَالْجِذْلِ
يُقَـلِّبُ في الْأَرْضِ الْفَضـاءِ بِطَرْفِهِ وَهُـنَّ مُـنــاخـاتٌ وَمِرْجَـلُنـا يَغْـلي
ويقولُ في قطعةٍ أخرى يرى فيها أنّ طوافَهُ في البلاد إنّما يهدِفُ منه إلى إعادةِ الحقوقِ لأصحابِها:
دَعيـني أُطَوِّفْ في الْبِلادِ لَعَلَّني أُفيـدُ غِنىً فيهِ لِذي الْحَقِّ مَحْمِلُ
أَلَيـسَ عَـظــيـمـاً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ وَلَيسَ عَلَيـنـا في الْحُقوقِ مُعَوَّلُ
فَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَمْلِكْ دِفاعاً بِحادِثٍ تُلِمُّ بِهِ الْأَيّامُ فَالْمَـوتُ أَجْمَلُ
وتُعَدُّ لوحةُ الجُودِ من أهمّ اللوحاتِ الفنيّة في شعرِ عروة، وهي تكشفُ بشكلٍ كبيرٍ عن إنسانيّتِهِ وسعيِهِ الدّؤوبِ للإطعام ونجدة الملهوفين، يقولُ في وصفِ إكرامِهِ لضيفِه:
فِراشي فِراشُ الضَّيفِ وَالْبَيتُ بَيتُهُ وَلَمْ يُـلْهِــنــي عَنْهُ غَزالٌ مُقَـنَّعُ
أُحَـدِّثُهُ إِنَّ الْحَـديــثَ مِنَ الْقِرى وَتَـعْـلَمُ نَفْـسـي أَنَّهُ سَوفَ يَهْجَـعُ
أَرى كُـلَّ رِيـحٍ سـوفَ تَسْـكُـنُ مَرَّةً وَكُــلَّ ســمــاءٍ ذاتَ دَرٍّ سَـتُــقْــلِعُ
فَإِنَّكَ والْأضْيـافَ في بُرْدَةٍ مَعاً إذا ما تَبِـصُّ الشَّمْسُ ساعةَ تَنْزِعُ
وإذا أردنا أن نتلمّسَ جوانبَ أخرى في حياةِ عروةَ بنِ الوردِ سوى جانبِ الصّعلكةِ الّذي اشتُهِرَ فيه وكان أحدَ أئمّتِه، فهناكَ جانبٌ آخرُ يبدو أنّهُ مناقضٌ للصّعلكة، وهو جانبُ الشّعر الحماسيّ الخاصّ بالقبيلة. ويذهبُ يوسف خليف وإبراهيم الخواجا إلى أنّ شعرَ عروةَ بن الورد المنافح عن قبيلتِه إنّما كان سابقاً لفترةِ الصّعلكة، إلّا أنّ محقّق الديوان سعدي ضنّاوي يرى أنّ عروةَ برغمِ صعلكتِه لكنّه لم ينقطع عن قبيلتِه ولم يحارب ضدّهم، بل كان هو وصعاليكُه جميعاً من قبيلةِ عبس.
ومن مواقفِهِ معَ قبيلتِهِ ردُّهُ على عامرِ بن الطّفيلِ حينَ سبى مع نفرٍ من بني عامرِ بن صعصعةَ امرأةً من بني عبس يُقال لها أسماء، فردّ عروةُ عليهِ يعيّرُهُ بأنّه سبى ليلى من قبلُ؛ وهي امرأةٌ من بني هلال المنحدرينَ من قبائلِ عامرِ بن صعصعةَ، يقول:
إِنْ تَأْخُـذوا أَسْماءَ مَوْقِفَ ساعَةٍ فَمَـأْخَذُ لَيْلى وَهْيَ عَذْراءُ أَعْجَبُ
لَبِسْـنا زَماناً حُسْنَها وَشَبابَها وَرُدَّتْ إِلى شَعْواءَ وَالرَّأسُ أَشْيَبُ
كَمَـأْخَذِنا حَسْناءَ كُرْهاً وَدَمْعُها غَداةَ اللِّوى مَغْـصُـوبَـةً يَتَصَبَّبُ
ويُشيرُ في شعرِهِ إلى يومِ "الرّقم" بين بني عامرٍ وبني عبس، وفي ذلك يقول:
وَنَحْـنُ صَبَـحْنا عامِراً إِذْ تَمَرَّسَتْ عُـلالَةَ أَرْمـاحٍ وَضَـرْبـاً مُذَكَّرا
بِـكُــلِّ رُقـاقِ الشَّفْرَتَـيـنِ مُهَنَّدٍ وَلَدْنٍ مِنَ الْخَطِّيِّ قَدْ طُرَّ أَسْمَرا
ويذكرُ عروةُ استنجادَ قومِهِ بهِ في الحربِ غيرَ مرّة، فيقول:
أَتَـجْــعَــلُ إِقْـدامـي إِذا الْخَيـلُ أَحْجَـمَـتْ وَكَــرّي إِذا لَمْ يَــمْــنَــعِ الدُّبْـرَ مـانِــعُ
سَـواءً وَمَنْ لا يُقْـدِمُ الْمُهْرَ في الوَغى وَمَــنْ دُبْــرُهُ عِــنْـــدَ الْهَــزاهِـــزِ ضـائِعُ
إِذا قِيلَ يا ابْنَ الْوَرْدِ أَقْبِلْ إلى الْوَغى أَجَــبْـــتُ فَــلَاقـــانـــي كَــمِـــيٌّ مُــقــارِعُ
يرى خيرُ الدّين الزّرِكليّ أنّ وفاةَ عروة بن الورد كانت نحو 30ق.ه الموافقة لـ593م، فيما يرى جرجي زيدان وإدوارد فنديك أنّ وفاته كانت نحو 27ق.هـ الموافقة لـ596م، فيما عمر فرّوخ أنّ وفاتَهُ كانت نحوَ سنةِ 7ق.ه الموافقة لـ615م. ويرى فريقُ الموسوعةِ الشّعريّة أنّ التّاريخ الّذي حدّده عمر فرّوخ 7ق.ه/615م أقربُ للصّواب؛ ذلك لأنّه لا ذكرَ لحرب داحس والغبراء في ديوانِه وإن كانَ ذكرَ قائدَها، كما لم يذكر أيّ مشاهدَ بين العبسيّين والذّبيانيّين كان قد شهدها، وهذا يعني أنّه لم يُدرك الكثيرَ من أحداث الحرب الّتي انتهت نحو 590م، هذا بغضّ النّظر عن الروايات الّتي تقول إنّ الحرب استمرّت أربعينَ عاماً.
عدَّهُ الحطيئةُ إماماً من أئمّةِ الشّعر في قبيلةِ عَبس.
عدَّهُ أبو زيد القُرُشيّ في "جمهرة أشعار العرب" من أصحابِ المنتقيات؛ لقصيدته "أقلّي عليّ اللومَ يا ابنةَ مُنذِرِ".
شرح ديوانَهُ ابنُ السِّكّيت.
اختارَ له الأصمعيّ في الأصمعيّات قصيدةً واحدة هي ذاتُها قصيدةُ المنتقيات.
اختار له أبو تمام ستَّ مقطوعات في حماسته، هي الاختيارات: 145، 156، 431، 681، 725، 765.
اختار له البحتريّ اختيارين في حماسته، هما الاختياران: 1020، 1381.
اختار له صدر الدّين البصريّ في حماسته ثلاثة اختيارات، هي الاختيارات: 231، 235، 1130.
عدّهُ جرجي زيدان في شعراء الطّبقة الثّانية في تصنيف إسكندر أبكاريوس.
اهتمّ المستشرقون بديوانه؛ فطبعَهُ نولدكه سنة 1863 وترجمَه إلى الألمانيّة.
"كُنّا نُقدِمُ إقدامَ عنترةَ، ونأتَمُّ بِشِعرِ عُروَةَ بنِ الورد". (الحطيئة في حوارٍ مع عمر بن الخطّاب)
"لو كان لعروةَ ولد، لأحببتُ أن أتزوّج إليهم". (معاوية بن أبي سفيان).
"ما يسرّني أنّ أحداً من العرب ولَدني، ممّن لم يدني، إلّا عروة بن الورد لقوله:
إِنّي امرُؤٌ عافِي إنائِي شِرْكَةٌ وَأَنْتَ امْرُؤٌ عافِي إِنائِكَ واحِدُ"
(عبد الملك بن مروان)
"من زعَمَ أنَّ حاتماً أسمحُ النّاسِ فقد ظلمَ عُروَة" (عبد الملك بن مروان)
"شاعرٌ من شعراء الجاهليّة، وفارسٌ من فرسانها، وصعلوكٌ من صعاليكها المعدودين المقدّمين الأجواد"
(أبو الفرج الأصفهانيّ)
(بروكلمان/ تاريخ الأدب العربي)
(يوسف خليف/ من كتاب الشعراء الصّعاليك في الشعر الجاهليّ).