
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الآن قَــد صــَحَّ لــي حَقـاً بِلا كَـذِب
مِـن كَـثرَةِ الحُرفِ أَنّي مِن ذَوي الأَدَبِ
لأَنَّ لِلـــدَّهرِ أَحــوالاً تَــدُلُّ عَلــى
أَنَّ الَّــذي نــابِهٌ مِنــهُ بِمُنقَلــبِ
كَـم قـائل قَـد رأى حالي وَقَد رَزَحَت
مَقالــة صــَدَرَت عَــن قلــب مُكتَئِبِ
حَتّــى مَـتى أَنـتَ لا تنفَـكُّ مُغتَرِبـاً
تَعتــاض مُرتَغِبـاً بِـالبؤسِ وَالتَعـبِ
فَقلــت ذر عَنــكَ لَـومي لا تَفنـدني
يَكفيـكَ مـا قَـد أَقاسـيهِ مِن النوَبِ
عَجــائِب الـدَهر لا تَفنـى عَجائِبُهـا
مـا الـدَهر في فِعلِهِ إِلّا أَبو العَجَبِ
كَـم مِـن أَديـبٍ غَـدا وَالدَهرُ يعركه
عـرك الأَديـم بِمـا يَلقـى مِن النَكبِ
وَكَــم حمـار غَـدا وَالـدَهرُ يَرفَعـه
قَـد داسَ أَعلـى ذَرى كيـوانَ بِالعَقِبِ
وَنـالَ مِـن دَهـرِهِ مـا لَم تَكُن خَطَرَت
بِــهِ أَمـانيهِ مِـن جـاهٍ وَمِـن نَشـَبِ
يـا صـاحِبَيَّ ذرا عتـب الزَمـان لِما
يــأتي فَلَيــسَ تَـرى عَنـهُ بِمُقتَضـِبِ
أَظــن لِلــدهر ثـأراً فَهـوَ يطلبـه
مِنّــي فَلَيـسَ لَـهُ شـغل سـِوى طلـبي
إِذا ظَنَنــتُ بِـأَنّي قَـد ظفـرت بِمـا
أَبغـــي يقصــِّرُني عَنــهُ بِلا ســَبَبِ
وَإِن عتبــتُ عَلَيـهِ قـال لـي أَنِفـاً
أَلَســتُ فــي عـذلِهِ عَـن جاهِـل دَرِبِ
قَـد حُـزت مِـن فاخر الآدابِ ما عَجِزَت
عَــن نَيــلِ أَمثــالِهِ نَفـس لِمطَّلـبِ
مِـنَ الحِسـابِ وَمـن علم الغَريب مَعاً
وَالنَحـوِ مـا لَـم يَكُـن فيهِ بِمُكتَسِبِ
مـا لَـو سـَألتَ يَسـيراً مـن تنقصـه
بِنَيـل نفسـك مـا تَهـوى وَلَـم تطـبِ
فَقُلـتُ قـول امرىـء أَضـحى لِعُسـرَتِهِ
بَيــنَ البَريَّــةِ مِـن عَـدم كمُجتَنـبِ
قَـد كنـت أَختـار حَظـاً اسـترِق بِـهِ
مَـن كانَ في حالَتي في العلم والأدَبِ
فَـذاكَ أَروح لـي مـن أَن أَرى نعمـاً
عَلـى طغـام بِهـا تَعلوا إِلى الحَسَبِ
مــاذا أُؤمِّــلُ يُحيينـي بِـهِ أَدبـي
إِذا غَــدَت راحَـتي صـفراً مِـن الأَدَبِ
مـا نِلـتُ مِـن أَدبـي حالاً حَظيتُ بِها
إِلّا ارتِسـامي بِتَهـذيبي لعقـل صـبي
أَظَـــل أَكســِبه عِلمــاً وَيكســبني
جَهلاً وُصـِمتُ بِـه فـي العجـم والعَرَبِ
فــأن قعـدنَ ربـيَ الأَيـامُ عَـن دَرَكٍ
حَظـاً أَنـالُ بِـهِ العـالي مِن الرُتَبِ
فـالعُتبُ فـي ذا لِغَيري لَيسَ يَلزَمني
لأَنَّنـي قَـد بلغـت الجهـد في الطَلَبِ
لــي هِمّــة كَضـِياء الصـبح مشـرقة
فــي حِنـدِسٍ وَجِنـاني لَيـسَ بِـالنَخبِ
وَلَيـسَ لِلمَـرءِ فـي الأَقـدارِ من طمع
وَالحـرص فـي فائِتٍ يُدني إِلى التَعَبِ
حلبَــت أَخلاف هَـذا الـدَهرُ مُنتَصـِراً
فَلَــم أَدَع فيهِمــا حَظــاً لِمُحتَلِـبِ
وَكَــم تــدرعت مِـن بَيـداء مُقفِـرَة
فـي لَيلَـة خِلـتُ أَن الصـبح لَم يؤُبِ
مِــن طولِهـا وَرواق اللَيـل مُنسـَدِل
وَســحبها بركــام الوَبـلِ كـالقُرَبِ
لا يَهتَـدي الريـح فيها من مسالكها
بَيـنَ الضـَحا ضـح مـن وهد ومن كثبِ
لا تَهتَـدي الجـنُّ فيهـا من تفاوتها
ولا يتــم الصـَبا بالوبـل وَالحـرب
الجــنّ قَـد هجَـرت أَكنافهـا فَرَقـاً
وَالـوحش قَـد نفرت مِنها إِلى العُشُبِ
خلقــت خَيفانَـة صَوصـاء قَـد ذبلـت
لقطــع مهمهــا وَالنَجـم لَـم يغـب
يَظـلُّ يَهـوي بِهـا وَالريـحُ قَد عجزَت
عَنها اللحاق بِها وَالسيل في الصيب
وَكَــم عســفت جِبـالاً طالَمـا عجـزت
عَنهـا الوعـول مـن الأدغال وَالشُعَبِ
أَهــوي إِلَيهـا بِنَفـسٍ غَيـرَ خائِفَـةٍ
صـرف المنـون وَلَو صارَت إِلى الهيبِ
أَحتَلُّهــا وَالمَنايـا فـي مَسـاكِنَها
مِثـلَ ابـن قفـرة إِذ يَهوي إِلى سَربِ
وَكَـم قطعت بِحاراً لَيسَ يَقطعها النَي
رانِ وَلا العـــالي مِـــنَ الســـُحُبِ
وَمؤنســي عَزمَــةٌ كالصــُبحِ مُشـرِقَةٌ
وَصــارِمٌ مُرهــفُ الحــدَينِ ذو شـطبِ
مـالي إِلـى الـدَهر ذنـب أَستَحِقُّ بِهِ
مـا نـالَني مِنـهُ مِـن خَوف وَمِن شَغبِ
إِلّا لأَنّــــي لال المُصـــطَفى تَبَـــعٌ
وَبَعــدَ ذا أَنَّنــي مـن سـادة نُجُـبِ
إِذا التَضـت نـار حَـربٍ ثار قسطلها
واحلــولكت أَوجـه الأَبطـالِ للقضـبِ
وَإِن رَأيـــتَ رحــاً لِلحــرب دائِرَةً
كـانوا لها دون هَذا الخلق كالقُطُبِ
وَإِن خبـت نارهـا فـاعلم بِـأَنَّهموا
بِحَـــدِّ أَســيافهم يَطفــون للهــبِ
كـانوا علـى الـدهر حكاماً بصولِهِم
وَالـدَهر مـن خـوفهم فـي ذل مُغتَصبِ
حَتّـى إِذا مـا فَنَـوا أَخنـى بِكَلكَلِهِ
عَلــيَّ مُســتَوفياً لِلثــأر كالغضـَبِ
فـي الجَـوِّ زهـر علـت لي همة سَبَقَت
لَكِـن حَظّـي بِهـا فـي عقـدة الـذَنَبِ
أَتَيــت مصــر أَرجّـي نَيـل ثروتهـا
فرحــتُ مِنهــا بـأَفلاس مَـع الجَـرَبِ
فَلـي بِهـا تِسـع أَحـوالٍ قَد اكتَمَلَت
أَرتـادُ فيهـا مَعاشـاً لـي فَلَم أَصبِ
يـا نَفـسُ صَبراً عَلى ما قَد حُييت بِهِ
فاستَسـلِمي لِلقَضـاء الحتم واحتَسِبي
فَلَيــسَ يَفــديكَ وَالأَقــدار جاريِـة
وَالــوَقتُ مُقتَــرِب أَو غيـر مُقتَـرِب
لمـا تَخـافي وَمـا تُرجـى لما سَبَقَت
بِـهِ المقـادير عَمّـا خُـطَّ في الكُتُبِ
لا بُــدَ مِـن فـرجٍ يـأتي عَلـى قنـطٍ
تَحظـي بِـهِ فاصبري يا نَفسُ وارتَقبي
إِمّــا بلــوغَ أَمـانٍ تَنعَميـنَ بِهـا
أَو نَيـلَ منزلـة تَشـفي مـن الرِيـب
أَولا فَمَـــوتٌ مُريــح لا مَــردَّ لَــهُ
فَــأنَّ إِحـداهُما يُعفـي مِـنَ التَعَـبِ
وَاللَـهُ أَولـى بِمـا يَـأَتي وَلَيسَ لَهُ
معـارض فـي الَّـذي يَختـار مـن أَرب
لَكِنَّنــي أَسـأل الرحمَـن لـي فرجـاً
مِمّــا أقاسـيه مِـن كَـدِّ وَمِـن نَصـَبِ
فَهـوَ المُجيـب لمـا نَـدعوهُ عَن كَرَمٍ
إِن لَـم يُجِبنـا لمـا نَهوي فمن يُجِبِ
أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة، كان يكتم نسبه، فينتسب مرة للعلوية وأخرى لبني أمية. وانتحل مذهب الاعتزال، وسكن الشام مدة، ثم قصد العراق والتقى الصاحب ابن عباد، وعاد فتقلد الخطابة بجامع الرملة، واتصل بالوزير المغربي فكان من أعوانه في ثورته على الحاكم الفاطمي، قال الباخرزي: (وقصد مصر واستولى على أموالها، وملك أزمة أعمالها، ثم غدر به بعض أصحابه فصار ذلك سبباً للظفر به، وأودع السجن في موضع يعرف بالمنسي حتى مضى لسبيله). ونقل ابن خلكان عن كتاب مجهول في يوميات مصر خبر مقتله في في دار البنود بمصر، وكان يسجن فيها من يراد قتله، وذلك يوم 9 جمادى الأولى 416هـ. وفي (نضرة الإغريض) نوادر من أخباره، منها أن حسان الطائي أقطعه حماة لقصيدة قالها في مدحه. ولم يثبت ابن خلكان قصيدته المشهورة (حكم المنية في البرية جار) لأنها كما قال من القصائد المحدودة. قلت: والقصائد المحودة هي التي تصيب حافظها بالسبب الذي كتبت لأجله.