
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
عَنْتَرَةُ بنُ شَدّادٍ مِنْ قَبِيلَةِ عَبسٍ، وَأُمُّهُ حَبَشِيَّةٌ اسْمُها زَبِيبَةٌ، فكانَ أَحَدَ أَغْرِبَةِ العَرَبِ وَهُمْ ثَلاثَةٌ: عَنْتَرَةُ وَخُفافُ بنُ نَدْبَةَ وَالسُّلَيكِ. يُعَدُّ عَنْتَرَةُ أَشْهَرَ فُرْسانِ العَرَبِ وَشُجْعانِهِمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ مَحا عَنْ نَفْسِهِ عارَ مَوْلِدِهِ بِما أَظْهَرَهُ مِنْ شَجاعَةٍ فِي القِتالِ والدِّفاع عنْ قومِهِ، فَاعْتَرَفَ بِهِ أَبُوهُ وَأَلْحَقَهُ بِنَسَبِهِ، وَقد شَهِدَ حَرْبَ داحِسَ وَالغُبَراءِ فَحَسُنَ فِيها بَلاؤُهُ، وَعُرِفَ بِحُبِّهِ لِابْنَةِ عَمِّهِ عَبْلَةَ، وَهُوَ مِنَ الشُّعَراءِ الفُحُولِ المُتَقَدِّمِينَ المُجِيدِينَ، وَأَحَدُ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ، وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ سَلَّامٍ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ فِي طَبَقاتِهِ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ عامِ 22 ق.هــ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
اسْمُهُ عَنْتَرَةُ، وَقد وردَ (الاِشْتِقاق) لابنِ دُرَيْدٍ أَنَّ اسمَ عَنْتَرَةَ مُشْتَقٌّ مِن ضَرْبٍ مِنَ الذُّبابِ يُقالُ لَهُ العَنْتَرُ وَالعُنْتُرُ، وَإِنْ كانَتْ النُّونُ فِيهِ زائِدَةً فَهُوَ مِنَ العَتْرِ، وَالعَتْرُ: الذَّبْحُ. وَيُقالُ: رُمْحٌ عاتِرٌ، إِذا كانَ صُلْباً شَدِيداً.
وَيُكَنَّى عَنْتَرَةُ أَبا المُغَلِّسِ، وَيُلَقَّبُ بِعَنْتَرَةَ الفَلْحاءِ، وَذلِكَ لِتَشَقُّقِ شَفَتَيْهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ، فَهُوَ عَلَى الأَشْهَرِ شَدّادٌ، وَقِيلَ شَدّادٌ جَدُّهُ غَلَبَ عَلَى اسْمِ أَبِيهِ، وَإِنَّما هُوَ عَنْتَرَةُ بنُ عَمْرِو بنِ شَدّادٍ. وَقِيلَ بَلْ شَدّادٌ عَمُّهُ تَكَفَّلَهُ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ دونَ أَبيهِ.
لِذا فَهُناكَ اضْطِرابٌ فِي نَسَبِ عَنْتَرَةَ فِي المَصادِرِ الأَدَبِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) عِدَّةَ رِواياتٍ حَوْلَ اسْمِ عَنْتَرَةَ، فَقالَ: هُوَ عَنْتَرَةُ بنُ شَدّادٍ، وَقِيلَ: ابنُ عَمْرِو بنِ شَدّادٍ، وَقِيلَ: عَنْتَرَةُ بنُ شَدّادِ بنِ عَمْرِو بنِ مُعاوِيَةَ بنِ قُرادِ بنِ مَخْزُومِ بنِ رَبِيعَةَ، وَقِيلَ: مَخْزُومُ بنُ عَوْفِ بنِ مالِكٍ بنِ غالِبِ بنِ قُطَيعَةَ بنِ عَبسِ بنِ بَغَيْضِ بنِ الرَّيْثِ بنِ غَطَفانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ بنِ عَيلانَ بنِ مُضَرَ.
وَعنترةُ عَبْسِيٌّ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، أَمّا أُمُّهُ فَهِيَ أَمَةٌ حَبَشِيَّةٌ يُقالُ لَها زَبِيبَةُ، وَكانَ عَنْتَرَةُ يَقُولُ فِي ذلِكَ:
إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ خَيْرِ عَبْسٍ مَنْصِباً شَطْرِي وَأَحْمِي سائِرِي بِالمُنصَلِ
وَيَقُولُ:
إِنِّي لَتُعْرَفُ فِي الحُرُوبِ مَواطِنِي فِي آلِ عَبْسٍ مَشْهَدِي وَفِعالِي
مِنْهُمْ أَبِي حَقّاً، فَهُمْ لِي والِدٌ= وَالأُمُّ مِنْ حامٍ فَهُمْ أَخْوالِي
وَقَدْ كانَ أبوهُ شَدّادٌ نَفاهُ مَرَّةً ثُمَّ اعْتَرَفَ بِهِ فَأُلْحِقَ بِنَسَبِهِ، وَكانَتْ العَرَبُ تَفْعَلُ ذلِكَ، تَسْتَعْبِدُ بَنِي الإِماءِ، فَإِنْ أَنْجَبَ اعْتَرَفَتْ بِهِ وَإِلّا بَقِيَ عَبْداً.
وَكانَ لِعَنْتَرَةَ إِخوَةٌ عَبِيْدٌ مِنْ أُمِّهِ زَبِيبَة، ذُكِرَ أَحَدُهُمْ وَاسْمُهُ حَنْبَلٌ فِي قِصَّةٍ يُورِدُها أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) حِينَ أَرادَ عَنْتَرَةُ أَنْ يَضُمَّ إِخْوانَهُ مِنْ أُمِّهِ إِلَى قَبِيلَتِهِ. وقيلَ تزوّجَ عنترةَ ابنةَ عمِّهِ عبلةَ ووردَ أنّهُ تزوّجَ امراةً من بَجيلَةَ.
وُلِدَ عَنْتَرَةُ لِأَبٍ مِنْ قَبِيلَةِ عَبْسٍ، وَأَبُوهُ ذو مَنْزِلَةٍ فِي قَوْمِهِ، وَكانَ عَنْتَرَةُ ابْناً لِزَبِيبَةَ وَهِيَ أَمَةٌ سَوْداءُ لِأَبِيهِ، وَكانَتْ العَرَبُ فِي الجاهِلِيَّةِ -كَما يَذْكُرُ ابنُ قُتَيْبَةَ فِي (الشِّعْر وَالشُّعَراء)- إِذا كانَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ وَلَدٌ مِنْ أَمَةٍ اسْتَعْبَدَهُ، لِذا فَقَدْ نَشَأَ عَنْتَرَةُ عَبْداً فِي بَنِي عَبْسٍ، وَلَمْ يُلْحِقْهُ أَبُوهُ بِنَسَبِهِ إِلّا بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ عنترةُ شَجاعَةً وَإِقْدامَاً فِي الحُرُوبِ.
وَيظهّرُ أَنَّ عَنترةَ عاشَ حَياةً قاسِيَةً في بدايةِ نشأتِهِ، وخاصَّةً قبلَ أَن يَدَّعيهِ أَبوهُ، ومِن صُوَرِ ذلكَ أَنَّ زوجةَ أَبيهِ حَرَّشتْ أَباهُ عليهِ وادَّعتْ أَنَّهُ يُراوِدُها عَن نَفسِها، فَغضبَ مِن ذَلكَ شَدّادٌ غَضَباً شَديداً، وَضَربَهُ ضَرباً مُبرِّحاً وضَربَهُ بالسَّيفِ، فَوقعتْ عليهِ امرأَةُ أَبيهِ وكفَّتْهُ عنهُ، فلمّا رأتْ ما بهِ مِنَ الجِراحِ بَكتْ، فَقالَ عَنترةُ:
أَمِـنْ سـُهَيَّةَ دَمْـعُ الْعَيْـنِ تَذْرِيفُ لَوْ أَنَّ ذَا مِنْكِ قَبْلَ الْيَوْمِ مَعْرُوفُ
كَأَنَّهَـا يَـوْمَ صـَدَّتْ مَـا تُكَلِّمُنِـي ظَبْـيٌ بِعُسْفَانَ سَاجِي الطَّرْفِ مَطْرُوفُ
تَجَلَّلَتْنِـيَ إِذْ أَهْـوَى الْعَصَا قِبَلِي كَأَنَّهَــا صــَنَمٌ يُعْتَــادُ مَعْكُـوفُ
أَمّا سَبَبُ ادِّعاءِ أَبِي عَنْتَرَةَ إِيّاهُ فَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ بَعْضَ أَحْياءِ العَرَبِ أَغارُوا عَلَى بَنِي عَبْسٍ فَأَصابُوا مِنْهُمْ وَاسْتاقُوا إِبِلاً، فَتَبِعَهُمْ العَبْسِيُّونَ فَلَحِقُوهُمْ فَقاتَلُوهُمْ عَمّا مَعَهُمْ وَعَنْتَرَةُ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ، فَقالَ لَهُ أَبُوهُ: كُرَّ يا عَنْتَرَةُ. فَقالَ عَنْتَرَةُ: العَبْدُ لا يُحْسِنُ الكَرَّ، إِنَّما يُحْسِنُ الحِلابَ وَالصّرَّ. فَقالَ: كُرَّ وَأَنْتَ حُرٌّ. فَكَرَّ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الْهَجِينُ عَنْتَرَهْ ...
كُلُّ امْرِئٍ يَحْمِي حِرَهْ ...
أَسْوَدَهُ وَأَحَمَرَهْ ...
وَالشَّعَرَاتِ الْمُشْعَرَهْ ...
الْوَارِدَاتِ مِشْفَرَهْ ...
وَقِيلَ إِنَّ عَنْتَرَةَ اعْتَزَلَ قَوْمَهُ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ غَزَوْا طَيِّئاً لَمْ يُقْسِمُوا لَهُ مِنَ الغَنائِمِ مِثْلَهُمْ لِأَنَّهُ عَبْدٌ، فَعِنْدَما غَزَتْهُمْ طَيِّئٌ قالَ لَهُ أَبُوهُ: كُرَّ يا عَنْتَرَةُ. فَقالَ: أَوَيُحْسِنُ العَبْدُ الكَرَّ، فَقالَ لَهُ أَبُوهُ: العَبْدُ غَيْرُكَ، فَاعْتَرَفَ بِهِ، فَكَرَّ وَاسْتَنْقَذَ النَّعَمَ.
وَكانَ عَنْتَرَةُ فارِسَ قَوْمِهِ وَحامِيَهُمْ، فَحِينَ غَزَتْ بَنُو عَبْسِ بَنِي تَمِيمٍ هُزَمُوا فَطَلَبَتْهُمْ بَنُو تَمِيمٍ، فَوَقَفَ لَهُمْ عَنْتَرَةً، وَحامَى عَنْهُمْ، فَقالَ قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ وَقَدْ ساءَهُ ما صَنَعَ عَنْتَرَةُ: وَاللّٰهِ ما حَمَى النَّاسَ إِلّا ابنُ السَّوْداءِ، فَقالَ عَنْتَرَةُ:
إِنِّـي امْـرُؤٌ مِنْ خَيْرِ عَبْسٍ مَنْصِباً شـَطْرِي وَأَحْمِـي سـَائِرِي بِالْمُنْصُلِ
إِنْ يُلْحَقُوا أَكْرُرْ وَإِنْ يُسْتَلْحَمُوا أَشْـدُدْ وَإِنْ يُلْفَـوْا بِضـَنْكٍ أَنْزِلِ
وَإِذَا الْكَتِيبَـةُ أَحْجَمَـتْ وَتَلَاحَظَتْ أُلْفِيتُ خَيْـراً مِـنْ مُعَـمٍّ مُخْـوَلِ
وَكانَ عَنْتَرَةُ أَشْجَعَ أَهْلَ زَمانِهِ وَأَجْوَدَهُمْ بِما مَلَكَتْ يَدُهُ وَكانَ شَهِدَ حَرْبَ داحِسٍ وَالغُبراءِ وَحُمِدَتْ مَشاهِدُهُ فِيها وَقَتَلَ فِيها ضَمْضَماً المُرِّيَّ أَبا الحُصَيْنِ بنِ ضَمْضَمَ وَأَبا أَخِيهِ هَرِم وَلِذلِكَ قالَ فِي قَصِيدَتِهِ:
وَلَقَدْ خَشِيتُ بِأَنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ لِلحَرْبِ دائِرَةٌ عَلَى ابْنَيْ ضَمْضَمِ
الشَّاتِمَيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتِمْهُما وَالنّاذِرَيْنِ إِذا لِمَ الْقَهُما دَمِي
إِنْ يَفْعَلا فَلَقَدْ تَرَكْتُ أَباهُما جَزَرَ السِّباعِ وَكُلِّ نَسْرٍ قَشْعَمِ
وإِلَى جانِبِ أَخْبارِ إِقْدامِهِ وَشَجاعَتِهِ فِي القِتالِ فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ أنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَحَدِ الفَوارِسِ، فَقَدْ ذَكَرَ المَرْزُبانِيُّ فِي (مُعْجَم الشُّعَراءِ) أَنَّ عَنْتَرَةَ هَرَبَ مِنْ عُوَيْمَرِ بنِ أَبِي عَدِيِّ بنِ رَبِيعَةَ، فَأَخَذَ عُوَيْمِرٌ مالَهُ وَقالَ:
تَرَكْتُ بَنِي زَبِيبَةَ غَيْرَ فَخْرٍ بجَوِّ الماءِ لَيْسَ لَهُمْ بَعِيرُ
أُجِيرُ النَّاسَ قَدْ عَلِمْتُ مَعَدٌّ وَمالِيَ غَيْرُ سَيْفِي مِنْ مُجِيرِ
وَإِيّاهُ عَنَى المُتَنَكِّبُ السُّلَمِيُّ بِقَوْلِهِ:
أَعَنْتَرُ ما صَبَرْتَ لَنا وَلكِنْ جَزِعْتَ وَما المُحافِظُ كَالجَزُوعِ
وَقَدْ تَمَيَّزَ عَنْتَرَةُ بِشَجاعَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِزَّةِ نَفْسِهِ وَحِلْمِهِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى البَطْشِ، وَوَرَدَ عَنْهُ بَعْضُ الأَقْوالِ وَالمُحاوَراتِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ، مِنْها أَنَّهُ سُئِلَ يَوْماً: أَنْتَ أَشجَعُ العَرَبِ وَأَشَدُّها؟ قالَ لا. قِيلَ: فَبِماذا شاعَ لَكَ هذا فِي النّاسِ؟ قالَ: كُنْتُ أُقدِمُ إِذا رَأَيْتُ الإِقْدامَ عَزْماً، وَأُحْجِمُ إِذا رَأَيْتُ الإِحْجامَ حَزْماً، وَلا أَدْخُلُ إِلّا مَوْضِعاً أَرَى لِي مِنْهُ مَخْرَجاً، وَكُنْتُ أَعْتَمِدُ الضَّعِيفَ الجَبانَ فَأَضْرِبُهُ الضَّرْبَةَ الهائِلَةَ يَطِيرُ لَها قَلْبُ الشُّجاعِ فَأُثَنِّي عَلَيْهِ فَأَقْتُلُهُ.
وَوَردَ في (الشِّعر والشُّعراء) أنّ عَنترةَ لم يَكنْ يَقولُ مِن الشِّعرِ إلَّا البيتينِ والثَّلاثَةَ، حَتَّى سابّهُ رَجلٌ مِن عَبسٍ فَذكرَ سَوادَ أُمِّهِ وإِخوَتِهِ، وعيّرَهُ بِذلكَ، وبِأنّهُ لَا يَقولُ الشِّعرَ، فاغتاظ عنترة وردّ عليه وقالَ لهُ: وأَمَّا الشِّعرُ فَسَتَعلَمُ. فَكانَ أَوّلَ ما قالَ قَصيدَةَ: (هلْ غادرَ الشُّعراءُ مِن مُتردَّمِ).
مَاتَ عنترةُ بعدَ أَن غَزتْ عَبسٌ بَني نَبهانَ مِن طيِّئٍ، وكانَ عَنترةُ حِينَها شَيخاً كَبيراً، فَساقَ طَريدَةً وكانَ يَرتَجِزُ:
حَظُّ بَنِي نَبْهَانَ مِنْهَا الْأَثْلَبْ ...
كَأَنَّمَا آثَارُهَا لَا تُحْجَبْ ...
آثَارَ ظُلْمَانٍ بِقَاعٍ مُجْدِبْ ...
فَرماهُ فَتىً مِن طيِّئ وقالَ: خُذْها وأنا ابنُ سَلمَى، فأَصابَهُ فِي ظَهرِهِ، فَأَتَى أَهلَهُ وهُوَ مَجروحٌ وقالَ:
إِنَّ ابْـنَ سَلْمَى فَاعْلَمُوا عِنْدَهُ دَمِي وَهَيْهَاتَ لَا يُرْجَى ابْنُ سَلْمَى وَلَا دَمِي
يُحِــلُّ بِأَكْنَـافِ الشـِّعَابِ وَيَنْتَمِـي مَكَــانَ الثُّرَيَّـا لَيْـسَ بِالْمُتَهَضـِّمِ
رَمَـانِي وَلَـمْ يَـدْهَشْ بِـأَزْرَقَ لَهْذَمٍ عَشــِيَّةَ حَلُّـوا بَيْـنَ نَعْـفٍ وَمَخْـرَمِ
وقيلَ إِنّهُ غَزا طَيِّئاً مَعَ قومهِ فانْهزمتْ عَبسٌ، فخرَّ عن فَرسِهِ ولم يَقدِرْ مِن الكِبرِ أنْ يعودَ فَيركبَ، وأَبصَرَهُ رجلٌ مِن طيِّئٍ وهابَ أَنْ يأخذَهُ أَسِيراً فَرماهُ وقَتلَهُ. وقيلَ إِنَّ الَّذي قَتَلَهُ يُدعَى الْأسدُ الرَّهيصُ وَهُوَ الْقَائِلُ:
أَنا الْأَسَدُ الرَّهيصُ قَتَلْتُ عَمْراً وَعَنْتَرَةَ الفَوارِسِ قَدْ قَتَلْتُ
وكانَ أَبو عُبيدةَ يُنِكرُ ذلكَ ويَقولُ: ماتَ بَرْداً، وكانَ قدْ أَسَنَّ.
وكانتْ سنةُ وفاتِهِ حوالي 22 ق.هــ.
وَردَ أَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنشَدَ قَولَ عَنترةَ: (وَلَقَـدْ أَبِيـتُ عَلَى الطَّوَى وَأَظَلُّهُ / حَتَّـى أَنَـالَ بِـهِ كَرِيـمَ الْمَأْكَلِ)، فقالَ صَلَّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ: "ما وُصِفَ لِي أَعرابِيٌّ قطُّ فَأَحببْتُ أَنْ أَراهُ إِلَّا عَنترةَ".
عدّهُ ابنُ سَلّامٍ مِنَ الشُّعراءِ الفُحولِ، وَوَضَعَهُ فِي الطَّبَقَةِ السّادِسَةِ فِي كِتابِهِ (طَبقات فُحولِ الشُّعراءِ) مع عَمرِو بنِ كُلثومٍ والحارثِ بنِ حِلّزةَ وسُويدِ بنِ أبي كاهِلٍ.
ذكرَ ابنُ قُتيبةَ في كتابِهِ (الشعر والشُّعراء) أنّ مُعلَّقَةَ عَنترةَ (هلْ غادَرَ الشُّعراءُ مِن مُتردَّمِ) هِي أَجوَدُ شِعرِهِ، وكانُوا يُسمُّونَها المُذهَّبَة. وأشار ابنُ سلّامٍ في طبقاتِهِ أنّها قصيدةٌ نادرةٌ فألْحقُوها مَعَ أَصحابِ الواحِدَةِ.
أوردَ ابنُ قُتيبةَ في كِتابِهِ (الشِّعر والشُّعراء) عِدّةَ مُختاراتٍ مِن شِعرِ عَنترَةَ مِمّا سَبقَ إِليهِ ولَم يُنازَع فِيهِ كَقولِهِ:
وَخَلَا الـذُّبَابُ بِهَـا فَلَيْـسَ بِبَـارِحٍ غَــرِداً كَفِعْـلِ الشـَّارِبِ الْمُتَرَنِّـمِ
هَزِجــاً يَحُــكُّ ذِرَاعَــهُ بِــذِرَاعِهِ قَـدْحَ الْمُكِـبِّ عَلَـى الزِّنَادِ الْأَجْذَمِ
وقالَ ابنُ قُتيبةَ عنْ هذهِ الأَبياتِ: هذا مِن أَحسَنِ التَّشبيهِ.
" وكانَ عنترةُ مِن أَشدِّ أَهلِ زَمانِهِ وَأَجوَدِهِم بِما مَلَكَتْ يَدُهُ" (ابْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
" ومِن بَني عَبْسٍ عَنترةُ بنُ شَدّادٍ، كانَ مِن فُرسانِ العَرَبِ وشُعرائِهم قتلتْهُ طيِّئٌ فِيما تَزعُمُ العَرَبُ وعامَّةُ العُلماءِ" (ابنُ دُريدٍ/ الاشتقاق).
" أحدُ الشُّعراءِ السِّتَّةِ الجاهِليينَ، وقد اشْتُهِرَ فِي العامَّةِ بِالفُروسيَّةِ شُهرةَ حاتَمٍ بِالجودِ" (ابنُ سعيد / نَشْوَةُ الطَّربِ فِي تارِيخِ جاهِلِيَّةِ العَرَبِ).