
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
حاتم الطّائيّ، يُكنى بأبي سفّانة وأبي عَدِيّ، أحدُ ساداتِ قبيلةِ طَيِّئ في الجاهليّة، وأحدُ أشهرِ الشّخصيّات العربيّة في الكرم والجود ومكارمِ الأخلاق، تُوفّي أبوه وهو صغير وكفله جدّه، ثمّ تخلّى عنه بعد ما رأى إسرافَه في الجُود وتبذيرَه للمال، لكنّه بلغَ في قومِهِ مكانةً عاليةً منذ فترةٍ مبكّرةٍ من حياته، واتّصلَ بملوك عصرِهِ من المناذرة والغساسنة وكان ذا حظوةٍ وتقديرٍ لديهم، اشتُهِرَ بقصصِه الكثيرةِ وأخباره الواسعة في مكارم الأخلاقِ، وعلى رأسها الجود، والعفّة، وحسن الجوار، والصّدق، والوفاء، والشّجاعة، وغيرها. عدّه ابنُ قتيبة من الشّعراء الجيّدين، وأكثرَ أصحابُ كتب الحماسة من اختيار مقطوعاته في الحكمة ومكارم الأخلاق
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هو حاتِمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سعدِ بنِ الحَشرَجِ بنِ امرئِ القيسِ بنِ عَدِيِّ بنِ أخزمَ بنِ مهزومةَ بنِ ربيعةَ بنِ جرولِ بنِ ثُعَلَ بنِ عُمَرَ بنِ الغوثِ بنِ أددِ بنِ زيدِ بنِ يَشجُبَ بنِ عَريبِ بنِ زيدِ بنِ كَهلانَ بنِ سبأَ بنِ يشجُبَ بنِ يَعرُبَ بنِ قحطان.
وقَبيلتُهُ هي قبيلةُ "طَيِّئ" الّتي تُعَدُّ من جماجمِ العرب، وهي من أقدمِ القبائلِ العربيّةِ في شبهِ الجزيرةِ العربيّة، وتُنسَبُ إلى قبائلِ كَهلانَ القحطانيّةِ اليمانيّة، فيما يرى المؤرّخُ جوادُ علي أنّها قبيلةٌ قديمةٌ قدمَ ثمودَ وطسم وجديس؛ ذلك لورودِ آثارِها لدى الأممِ القديمةِ الّتي تناولت بالحديثِ شبهَ الجزيرةِ العربيّةِ وقبائلَها، إلى الحدِّ الّذي سمّت بعضُ الأمم العربَ كافّةً بالطّائيّين نظراً لغلبتِهِم على المنطقة.
أمّا البطنُ الّذي ينتمي إليهِ حاتمُ من بطونِ طَيِّئ فهو "بنو ثُعَل"، وقد ذكرَ النسّابونَ أنّ في هذا البطنِ القوّةَ والعدَدَ، ومنهم السّاداتُ في الجاهليّة والإسلام؛ فإضافةً إلى حاتمِ الطّائيّ وابنِهِ عَدِيّ اللّذينِ كانا من سادةِ طيِّئ، هناك زيدُ الخيل، وأوسُ بنُ حارثةَ. ولاحقاً الشّاعرانِ الكبيرانِ أبو تمّام والبحتريّ.
ومساكنُ قبيلةِ طَيّئ في بلادِ الجبلينِ المعروفةِ حاليّاً بـ"حائِل"، وجبلا طَيّئ الشّهيرانِ هُما: أجأ وسلمى.
يُكنى حاتِمُ الطّائيّ بأبي سفّانة، وهي ابنتُه. كما يُكنى بأبي عَدِيّ. وكنيتُهُ الأولى أشهر.
والدُهُ عبدُ اللهِ، ماتَ وحاتمُ في سنٍّ صغيرة، فانتقلت كفالتُهُ إلى جدِّهِ سعدِ بن الحشرج الّذي رعى حاتماً حتّى شبّ وذهبَ مذهبَهُ في الجُود، فلمّا رأى جدُّ حاتِم إسرافَ حفيدِهِ في الأموال اعتزلَهُ وقاطَعَه، وقالَ حاتمُ في ذلك:
وَمـا ضَـرَّنــي أَنْ سـارَ سَعْـدٌ بِأَهْـلِهِ وَأَفْرَدَنـي في الدّارِ لَيْسَ مَعي أَهْلي
سَيَـكْفي ابْتِنايَ الْمَجْدَ سَعْدَ بْنَ حَشْرَجِ وَأَحْمِـلُ عَنْـكُـمْ كُلَّ ما حَلَّ مِنْ أَزْلي
أمّا أمُّهُ فهيَ غنيّةُ بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيسِ بن عديّ بن أخزم، طائيّةٌ يلتقي نسبُها مع نسبِ أبي حاتم، وقد عُرِفَت بكرمِها المُطلقِ وجُودِها، إلى الحدِّ الّذي قاطعَهُ معها إخوتُها ومنعوا عنها مالَها وإبلَها خوفاً من أن تبذّره، حتّى إذا مضت سنةٌ على المقاطعة أعادوا إليها مالَها لعلّها تكونُ قد ذاقت وقعَ العُسر، غير أنّ ذلك زادَ من كرمِها إذ كانت قد جرّبتِ الجوعَ والحرمان، فأتتها امرأةٌ من هوازن تجتديها، فأعطتها ما منحَها إخوتُها من الإبل، وقالت في ذلك:
لَعَـمْــرِي لَقِدْمـاً عَضَّنـِي الْجُوعُ عَضَّةً فَـآلَيْــتُ أَلَّا أَمْـنَـعَ الدَّهْرَ جائِعـا
فَمـاذا عَسَـيْـتُـمْ أَنْ تَقُولُوا لِأُخْتِكُمْ سِوَى عَذْلِكُـمْ أَوْ عَذْلِ مَنْ كانَ مانِعا
فَقُولا لِهَذا اللَّائِمِي الْيَوْمَ: أَعْفِنِي وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْـعَـلْ فَعَـضَّ الْأَصابِعا
وَلا مـا تَرَوْنَ الْيَوْمَ إِلَّا طَبِـيـعَـةً فَكَـيْـفَ بِتَـرْكِـي يا بنَ أُمِّ الطَّبائِعا
أمّا إخوتُهُ فلا ذكرَ لهُم في المصادرِ الأدبيّة.
ولحاتمِ الطّائيّ زوجتانِ شهيرتانِ كثيراً ما ذكرَهُما في شعرِه؛ الأولى هي ماويّةُ بنتُ عفزر، وكانت تُلقَّبُ بالزّبّاء، وجاءَ في وصفِها أنّها كانت من ملكاتِ الحيرة، وقيل إنّها من بناتِ ملوكِ اليمن، وقيل إنّها من بنات ملوك الغساسنة، ومهما يكن من تضارب هذه الروايات فإنّ المهمّ هي أنّها كانت امرأةً شريفةً ذاتَ منصبٍ وجمال وتنحدرُ من أسرةٍ مالكة، وقد نذرَت على نفسِها ألّا تتزوّجَ إلّا من كريم، فكانَ الرّجالُ يتوافدون لخطبتِها، وقد خطبَها مع حاتم أوس بن حارثة وزيد الخيل، ولم تتزوّج إلّا حاتماً لما رأت من كرمِه، وقيلَ إنّها هي من خطبت حاتم لنفسِها، فأبى أوّل الأمر، ثمّ عاد إليها وتزوّجها، وجاءَ في بعضِ القَصَصِ أنّها ضاقت ذرعاً بكرمِ حاتم وتطلّقَت منه.
أمّا زوجتُهُ الأخرى فهي النّوار بنت ثُرملة البختريّة، من بني سلامان بن ثعل الطّائيّيين، ويغلبُ على ظنّ الباحثين أنّ حاتماً قد تزوّج بالنّوار بعد ماويّة، وأنّه جمع بينهما.
أمّا أولادُ حاتم فأشهرُهُم: سَفّانة بنت حاتم، وعديّ بن حاتم. وقد اختلف الباحثون في نسبة سفّانة وحاتم إلى ماويّة أو إلى النّوار، وإن كان نفرٌ كبيرٌ منهم ينسبُهما إلى ماويّة.
وسفّانة بنت حاتم كانت من شريفاتِ طيِّئ، وقد أسرَها المسلمون في غزوةِ "الفُلس" بقيادةِ علي بن أبي طالب، وقِيدَت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقالت له -فيما يروي ابنُ كثير والبيهقيّ وغيرُهما-: "إنّ أبي كان يحمي الذِّمار، ويفُكّ العاني، ويُشبعُ الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطّعام، ويفشي السلام، ولم يردّ طالب حاجة قطّ، وأنا ابنةُ حاتمِ طَي"، فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلّم لصحابته: "خلّوا عنها، فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق، والله تعالى يحبّ مكارم الأخلاق".
وأمّا عديّ بن حاتم فقد كان من ساداتِ قومِهِ في الجاهليّة، وكان شاعراً كريماً جواداً، وقد تنصّرَ في جاهليّته، وتأخّرَ إسلامُهُ إلى ما بعد الفتح، وشجّعه عفوُ النبيّ عن أخته سفّانة بالقدوم إليه وإعلان إسلامه، ثمّ كان حسنَ الإسلام طيّب السّيرة يجمعُ إلى كرم أبيه فضلاً كبيراً في الإسلام، وظلّ من أنصار عليّ بن أبي طالبِ حتّى بعد أن دالت الدّولةُ للأمويّين، وتوفّي سنة 68 هـ.
ومن أبناءِ حاتم الآخرين الّذين يتردّد ذكرُهُم في المصادر الأدبية دون أن ترد أيّ أخبار عنهم: عبد الله بن حاتم، وثوابةُ بن حاتم.
يُرجّحُ محقّق ديوان حاتم الطّائيّ عادل سليمان جمال أنّ ولادة حاتم الطّائيّ كانت في أواخر النّصف الأول من القرن السادس الميلاديّ، وقد تُوفّيَ والدُهُ وهوَ صغيرٌ لا يَعيه، وانتقلت حضانتُهُ إلى جدِّهِ سعدِ بن الحشرج. وليسَ في المصادرِ الأدبيّة ما يشفي الغليلَ عن طفولةِ حاتمِ الطّائيّ سوى أنّه كان شديدَ التّأثرِ بوالدتِهِ الّتي عُرِفَت بجُودِها وحُبِّها للإنفاق إلى الحدِّ الّذي لم تكُن تبقي معَه شيئاً لها ولأطفالِها، وإلى الحدّ الّذي قاطعَها معَه إخوتُها وحجروا عليها مالَها. وتروي المصادرُ الأدبيّة أنّ حاتم الطّائيّ كان يخرُجُ وهُوَ فتًى بما معَه من الطّعام، فلا يأكلُ حتّى يجدَ له شريكاً في الطّعام، فإن لم يجد ألقى الطّعام في الطّريق وعادَ إلى بيتِه!
وفي بعضِ الرّوايات أنّ جدَّ حاتم ضاقَ ذرعاً بإلقاءِ الفتى للطّعام وحبِّهِ المفرطِ للجُود، فاستعملَهُ على رعي الإبل، إلّا أنّ حاتماً أخذَ ينحرُ هذه الإبل للمارّينَ والمهلوفينَ ويطعمُهم، حتّى بدّد منها شيئاً كثيراً، وهو ما دفعَ جدَّهُ إلى مقاطعتِهِ ورفعِ كفالتِهِ عنه.
وبرغمِ الإقصاءِ المبكِّرِ من قبلِ جدِّ حاتم لحفيدِهِ، إلّا أنّ هذه الصِّفاتِ كانت قد أخذت تشيعُ عن الفتى في قبيلةِ "طَيِّئ"، وأخذَت مكانتُهُ تزدادُ بين النّاس، في صورةٍ جعلته يُصبحُ شيئاً فشيئاً سيّداً مقدّماً في القبيلة، وجواداً يقصدُهُ النّاس، ورجلاً موقّراً يستدعيهِ ملوكُ عصرِه.
ومن الملوكِ الّذين اتّصلَ بهم حاتم في حياتِهِ عمرُو بنُ هند والنُّعمانُ بنُ المنذر، وهما من ملوك المناذرة الأشدّاء المشهورين. فأمّا اتّصالُه بعمرِو بنِ هند فيُرجَّحُ أنّه حدثَ ولمّا يزَل حاتمٌ شابّاً في مقتبل العمر، ولا توجَدُ أخبارٌ بينَهُ وبين هذا الملكِ سوى أنّه طلبَ منه مبايعتَهُ ففعل.
وأمّا النُّعمانُ بنُ المنذر، فتورِدُ المصادرُ الأدبيّةُ أنّه كان يُحِبُّ إعانةَ حاتمِ الطّائيّ على مروءتِهِ ومكارمِ أخلاقِه؛ فقد كان يزوّدُهُ بالأموالِ والأنعامِ، وكان حاتمٌ يعُودُ إلى قومِهِ بأعطياتِ الملك ويفرِّقُها بينهم حتى لا يبقى لها منها شيء، إلى الحدِّ الّذي خجلت منه قبيلتُهُ ولم تعُد تطلبُ منه شيئاً، فكان يغضبُ لذلك ويُصِرُّ على ما عوَّدَهُم عليه، وقد جاءَ في أخبارِهِ أنّه "أنهبَ" مالهُ ثلاثَ عشرةَ مرّة، والإنهابُ يعني أن يفرِّقَ مالَهُ كلَّه على القومِ حتّى لا يبقى له منه شيء!
ومن أخبارِ حاتم الأخرى مع النُّعمان أنّ النّعمانَ أرادَ أن يختبرَ صدقَ ما يُقالُ عن كرمِ سيّدينِ من سادات طيّئ هما حاتم الطّائيّ وأوس بن حارثة؛ فقد كان الرّجلانِ شديدي الوفاقِ والتّعاونِ ولا تشوبُ علاقتَهما شائبة، فأراد النُّعمان أن يختبرَ إخلاصَ كلٍّ منهما لصاحبه، فقال لأوسِ بن حارثةَ إنّ حاتماً يقولُ إنّه أفضلُ منه وأشرف، فردّ أوس: "أبيتَ اللعنَ، صدق. والله لو كنتُ أنا وأهلي وولدي لحاتم لأنهبَنا في مجلسٍ واحد"، ثمّ دخل عليه حاتم، فقال له مثلَ مقالته لأوس، فردّ حاتم: "صدق، وأين أقع من أوس؟ له عشرة ذكور أخسُّهُم أفضلُ منّي!" ثمّ خرجَ وهُوَ يقول:
يُسائلُني النُّعمانُ كَيْ يَسْتَزِلَّنِي وَهَيْهاتَ لِي أَنْ أُسْتَضامَ فَأُصْرَعا
كَفانيَ نَقْصاً أَنْ أُضِيمَ عَشِيرَتي بِقَوْلٍ أَرى في غَيْرِهِ مُتَوَسَّعا
وبرغمِ ما بين طيِّئ والغساسنة من حروبٍ معروفةٍ، إلّا أنّ حاتماً اتّصلَ بالحارثِ بن جبلّة الغسانيّ وتوسّطَ له في إيقافِ حربٍ له على طَيِّئ، وقد شنّ الحارثُ الحربَ بسببِ إغارةِ طيِّئ على إبلٍ له وقتلِها لأحدِ أبنائِه، فأغارَ عليهم وقتلَ منهم عدداً كبيراً وأسرَ آخرين. وكانَ حاتم آنذاكَ عند المناذرة في الحيرة، فلمّا عاد ووجدَ أنّ معظمَ قومِهِ أسارى، توجّهَ إلى الحارثِ الغسّانيّ ومدحَهُ بقصيدةٍ جاءَ فيها:
أَلا إِنَّني قَدْ هاجَني اللَّيْلَةَ الذِّكَرْ وَما ذاكَ مِنْ حُبِّ النِّساءِ وَلا الْأَشَرْ
وَلَكِـنَّنــي مِـمّــا أَصـابَ عَـشــيـرَتـي وَقَـوْمـي بِأَقْـرانٍ حَوالَيْهِـمِ الصُّبَر
لَيـالِيَ نُـمْــســي بَيْـنَ جَوٍّ وَمِسْـطَـحٍ نَـشــاوَى لَنا مِنْ كُلِّ سائِمَـةٍ جَزَرْ
فَيـا لَيْتَ خَيْـرَ النّاسِ حَيّاً وَمَيِّتاً يَقُولُ لَنا خَيْراً وَيُمْضِي الَّذي ائْتَمَرْ
فَـإِنْ كـانَ شَـرٌّ فَـالْعَــزاءُ فَإِنَّنـا=عَلَى وَقَعـاتِ الدَّهْرِ مِنْ قَبْلِها صُبُر#ْ
سَقَـى اللهُ رَبُّ النّاسِ سَحّـاً وَديمَةً جَـنُــوبَ السَّراةِ مِـنْ مَآبٍ إِلى زُغَرْ
بِلادَ امْرِئٍ لا يَعْـرِفُ الذَّمُّ بَيْـتَهُ لَهُ الْمَشْرَبُ الصّافي وَلَيْسَ لَهُ الْكَدَرْ
تَـذَكَّرْتُ مِنْ وَهْمِ بْنِ عَمْـرٍو جَلادَةً وَجُـرْأَةَ مَـعْــداهُ إِذا نـازِحٌ بَـكَــرْ
فَأَبْـشِـر وَقَرَّ الْعَيْـنَ مِنْـكَ فَإِنَّنـي أَجِيءُ كَريـمـاً لا ضَعِيفاً وَلا حَصِرْ
ويُقالُ إنّ الملكَ بعد سماعِهِ القصيدةَ وهبَ لحاتم الطّائيّ بني امرئ القيسِ بن عدِيّ من الأسر، وأبقى بعضَ قومِهِ الآخرينَ في الأسر، فقالَ له حاتم:
إِنَّ امْرَأَ الْقَيْسِ أَضْحَتْ مِنْ صَنِيعَتِكُمْ وَعَبْدَ شَمْسٍ أَبَيْتَ اللَّعْنَ فَاصْطَنِعِ
إِنَّ عَدِيّاً إِذا مَلَّكْتَ جانِبَها مِنْ أَمْرِ غَوْثٍ عَلى مَرْأَىً وَمُسْتَمَعِ
فَأَطْلَقَ الملكُ لهُ بني عَدِيّ جميعاً، وأبقى بني قيسِ بن جحدر في الأسر، فقال حاتم:
فَكَكْتَ عَدِيّاً كُلَّها مِنْ إِسارِها فَأَفْضِلْ وَشَفِّعْنِي بِقَيْسِ بْنِ جُحْدُرِ
أَبُوهُ أَبي وَالْأُمَّهاتُ اُمَّهاتُنا فَأَنْعِمْ فَدَتْكَ الْيَوْمَ قَوْمِي وَمَعْشَرِي
فأطلقَ الحارثُ الغسانيُّ بني طيِّئ جميعاً إكراماً لحاتم.
ويلاحظُ أنّ ديوان حاتم الطّائيّ خالٍ من مديحِ الملوكِ بغرضِ التكسُّب أو التملُّق، ومديحُه للحارثِ الغسّانيّ كان من قبيلِ التوسّط لإخراجِ قومِهِ من الأسرِ لا غير.
وقد عُرِفَ حاتمُ الطّائيّ بحبِّهِ لقومِهِ وإكرامِه البالغِ لهم، ولم يكُنِ الجُودُ المفرطُ هو المظهر الوحيد من مظاهرِ انصهارِ حاتم بقومِهِ وسيادتِهِ لهم، بل كانَ كثيرَ التّوجيهِ لهم في شؤونِهم وقضاياهم؛ من ذلك أنّه حضَّ قومَهُ على قتالِ قبيلة "مُحارب" بعد أن تعاون معها عامر بن جوين الطّائيّ على قبيلتِه، فأغاروا على "بني بولان" و"بني جرم" من طيّئ وقتلوا ونهبوا، فقال حاتم يحُضُّ على قتالهم:
أَرَى أَجَأً مِنْ وَراءِ الشَّقيـ قِ وَالصَّهْوِ زُوِّجَها عامِـرُ
وَقَدْ زَوَّجُوهـا وَقَدْ عَنَـسَتْ وَقَدْ أَيْقَـنُـوا أَنَّها عاقِرُ
فَإِنْ يَكُ أَمْرٌ بِأَعْـجـازِها فَإِنّـي عَلَى صَدْرِهـا حاجِرُ
وقد شاركَ حاتم الطّائيّ في مجموعةٍ من المواقعِ إلى جانبِ قومِه؛ من ذلك صدُّهُ لقبيلةِ فزارة حين غزت طيّئاً، وكذلك إغارته على قبائل بكر بن وائل الّتي انتهت بأسرِه، وإغارته على قبائل بني تميم.
وبرغم هذه الأخبار عن حاتم الطّائيّ، فليسَ في أخبارِه ما يشفي الغليلَ تجاهَ تفاعلِهِ مع الكثيرِ من أحداثِ عصرِه، وأخبارُهُ لا تستفيضُ إلّا حينَ يأتي الكلامُ على الكرمِ بمفهومه الشّامل الّذي يحملُ تحته حُزمةً من الأخلاقِ الرّفيعة؛ كالجُود والوفاءِ والعفّة وغيرِها. والحقّ أنّ هذه الأخلاق هي الّتي أدخلت حاتم الطّائيّ إلى الموروثِ الثّقافيّ العربيّ بصفتِهِ أجودَ النّاس وأكرمَ النّاس، حتّى جاءَ في المثل: "أجود من حاتم".
ومن المُفيدِ أن نذكرَ هُنا بعضَ مظاهرِ الجُود لدى حاتم الطّائيّ؛ ومن قصصِهِ المؤثّرة أنّ النّاسَ أدركتهم مجاعةٌ عظيمة، وكان حاتم فقيرًا كالنّاس، وباتَ ليلةً كاملةً من الجوع وهو وزوجتُهُ وأولادُه، حتّى إذا انتصفَ الليل دقّت بابَه امرأةٌ جارةٌ له، واستنجدت به أن يُطعمَها وأبناءَها، فقال لها: أعجلي بأبنائك، فقد أشبعكِ اللهُ وإيّاهم، وحين سألته زوجتُهُ كيفَ سيطعم أولاد المرأة وهو لا يستطيع إطعام نفسه وأولاده، قام إلى حصانِهِ الوحيد، وذبحَه وأمرَ به كلِّهِ أن يُطهى، ثمّ طافَ على بيوت الحيّ بيتًا بيتًا يوقظهُم ليأكلوا من الحصان، وتُعلّق زوجتُه على هذه القصّة فتقول: "فواللهِ ما ذاقَ من الطّعامِ قطعة، وإنّهُ لأحوجُ إليهِ منّا"!
وكثيراً ما يُشيرُ حاتم الطّائيّ في شعرِهِ إلى عادةِ ذبحِ ما يملكُ من الرّكائبِ والنّوق لأجلِ إطعامِ ضيوفِه، وقد خلّدَ هذه العادةَ في غيرِ قصيدةٍ من قصائده، يقولُ مثلًا ذاكرًا ذبحَهُ لناقةٍ اسمُها "أفعى" ليطعمَ منها المُحتاجين:
وَلَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ هَرَّتْ كِلابُهُمْ ضَرَبْتُ بِسَيْفِي ساقَ "أفعى" فخرَّتِ
فَقُلْتُ لِأَصْباهٍ صِغارٍ ونِسْوَةٍ بِشَهْباءَ مِنْ لَيْلِ الثّلاثِينَ قرّتِ:
عَلَيْكُمْ مِنَ الشَّطَّيْنِ كُلَّ وِرِيَّةٍ إذا النَّارُ مَسَّتْ جَانِبَيْها ارْمَعَلَّتِ
وَلا يُنْزِلُ الْمَرْءُ الْكَرِيمُ عِيالَهُ وَأَضْيافَهُ، ما ساقَ مالًا، بِضَرَّتِ
ويستخدمُ حاتم الطّائيّ زوجتَيه "ماويّة" و"النّوار" ليدخلَ من عذلِهما له إلى الافتخارِ بإنفاقِهِ المال وجُودِهِ المفرط ومكارمِ أخلاقِهِ الأخرى، يقولُ مخاطباً ماويّة الّتي ضاقت ذرعاً بكرمِهِ وتطلّقَت منه بسببِه:
أَمـاوِيُّ قَـدْ طـالَ التَّجـَنُّبُ وَالْهَجْـرُ وَقَـدْ عَـذَرَتْــنِـي مِنْ طِلابِـكُـمُ الْعُذْرُ
أَمـــــاوِيُّ إِنَّ الْمــــالَ غــــادٍ وَرائِحٌ وَيَبْـقَـى مِنَ الْمالِ الْأَحاديثُ وَالذِّكْرُ
أَمــــاوِيُّ إِنّــــي لا أَقُـــولُ لِســـائِلٍ إِذا جاءَ يَوْمـاً حَلَّ في مالِنـا نَزْرُ
أَمـــاوِيُّ إِمّـــا مـــانِـــعٌ فَــمُـــبَـــيَّنٌ وَإِمّــا عَــطــاءٌ لا يُـنَهْــنِهُهُ الزَّجْـرُ
أَماوِيُّ ما يُغْـنِـي الثَّراءُ عَنِ الْفَتَى=إِذا حَـشْـرَجَـتْ نَفْـسٌ وَضاقَ بِها الصَّدْرُ
ويقولُ في عذلِ النّوار له:
مَهْـلاً نَـوارُ أَقِلِّي اللَّوْمَ وَالْعَذَلا وَلا تَـقُــولي لِشَيْءٍ فاتَ ما فَعَـلا
وَلا تَــقُـــولي لِمـالٍ كُـنْــتُ مُهْـلِكَهُ مَهْلاً وَإِنْ كُنْتُ أُعْطي الْجِنَّ وَالْخَبَلا
يَرَى الْبَخِـيـلُ سَبِـيـلَ الْمالِ واحِدَةً إِنَّ الْجَـوادَ يَـرَى فـي مـالِهِ سُبُـلا
إِنَّ الْبَـخــيـلَ إِذا ما ماتَ يَتْـبَـعُهُ سُوءُ الثَّناءِ وَيَحْوي الْوارِثُ الْإِبِلا
فَـاصْـدُقْ حَديـثَـكَ إِنَّ الْمَرْءَ يَتْـبَـعُهُ ما كانَ يَبْـنـي إِذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
لَيْـتَ الْبَـخـيـلَ يَراهُ النّاسُ كُلُّهُـمُ كَمـا يَراهُـمْ فَلا يُقْـرى إِذا نَزَلا
لا تَـعْــذِليــنـي عَلَى مالٍ وَصَلْتُ بِهِ رَحْمـاً وَخَيْـرُ سَبـيلِ الْمالِ ما وَصَلا
ويستخدمُ حاتم في لوحةِ الجودِ استعارةَ النّارِ الّتي لا تخبو والّتي تظلّ مرتفعةً للضّيوف، يقول:
أُشاوِرُ نَفْـسَ الْجُودِ حَتَّى تُطـيـعَـنـي وَأَتْرُكُ نَفْـسَ الْبُخْـلِ لا أَسْتَـشـيرُها
وَلَيْـسَ عَـلَى نـاري حِـجــابٌ يَـكُـنُّهـا لِمُـسْــتَــوْبِــصٍ لَيْـلاً وَلَكِنْ أُنِيـرُهـا
كذلك يستخدمُ في لوحة الجود استعارةَ الكلابِ الّتي تجلبُ له الضّيفان، وقد بلغ من كرمِهِ أنّه كان يُكرِمُ هذه الكلاب ويمنعُ أبناءَهُ من التّعرّض لها وضربَها، يقولُ بعد أن رأى أحد أبنائِه يضربُ كلبةً عنده:
أَقُولُ لابْنِي وَقَدْ سَطَتْ يَدُهُ بِكَلْبَةٍ لا يَزالُ يَجْلِدُها
أُوصِيكَ خَيْراً بِها فَإِنَّ لَها عِنْدي يَداً لا أَزالُ أَحْمَدُها
تَدُلُّ ضَيْفِي عَلَيَّ في غَلَسِ اللـْ لَيْلِ إِذا النَّارُ نامَ مُوقِدُها
ويقولُ في وصفِ كلابِه:
إِذا مـا بَخِـيـلُ النّاسِ هَرَّتْ كِلابُهُ وَشَقَّ عَلَى الضَّيْفِ الضَّعيـفِ عَقُـورُهـا
فَـإِنّــي جَـبـانُ الْكَلْبِ بَيْـتـي مُوَطَّأٌ أَجُودُ إِذا ما النَّفْسُ شَحَّ ضَمـيـرُهـا
وَإِنَّ كِـــلابـــي قَــدْ أُهِــرَّتْ وَعُــوِّدَتْ قَلِيـلٌ عَلَى مَنْ يَعْـتَـريـنـي هَريرُها
ومن الاستعاراتِ الأخرى الّتي تظهرُ في لوحةِ الجودِ لدى حاتم استعارةُ القِدرِ الّتي يُشرِعُها في الفضاء ويجعلُها مستناراً للجائعينِ والمعتفين، يقول في وصفِ قِدرِه:
وَما تَشْتَكي قِدْري إِذا النّاسُ أَمْحَلَتْ أُؤَثِّفـُهــا طَـوْراً وَطَـوْراً أُمِـيــرُهــا
وَأُبْـرِزُ قِـدْري بِـالْفَــضـاءِ قَلِيـلُهـا يُـرَى غَـيْــرَ مَـضْـنُـونٍ بِهِ وَكَثـيـرُهـا
ومِن مظاهرِ الكرمِ لدى حاتم الطّائيّ احتفاؤُهُ بِجيرانِه وعفّته عن جاراته، يقولُ:
وَما ضَرَّ جَاراً يا ابْنَةَ الْقَوْمِ فَاعْلَمِي يُــجـــاوِرُنـــي أَلَّا يَــكــونَ لَهُ سِـتْــرُ
بِـعَــيْــنَــيَّ عَـن جـاراتِ قَوْمِـيَ غَفْـلَةٌ وَفي السَّمْـعِ مِنِّـي عَنْ حَديـثِهِـمُ وَقْرُ
ويقول في قصيدةٍ أخرى:
وَما أَنَا بِالْماشِي إِلى بَيْتِ جَارَتِي طَـروقــاً أُحَـيِّيــهــا كَآخَـرَ جانِـبِ
وَلَوْ شَهِدَتْـنـا بِالْمِـزاحِ لَأَيْقَـنَـتْ عَـلى ضُـرِّنـا أَنَّا كِرامُ الضَّرائِبِ
وفضلاً عن الجُود الّذي يُعَدّ العمودَ الأعظمَ من أعمدةِ شخصيّة حاتم الطّائيّ الكريمة، فهناك أخلاقٌ أخرى ظهرَت في شعرِه، ومنها العفوُ والصّفح، يقول في ذلك:
تَحَلَّمْ عَنِ الْأَدْنَيْنَ وَاسْتَبْقِ وُدَّهُمْ وَلَنْ تَسْتَطِيعَ الْحِلْمَ حَتَّى تَحَلَّما
مَتى تَرْقَ أَضْغانَ الْعَشِيرَةِ بِالْأَنا وَكَفِّ الْأَذى يُحْسَمْ لَكَ الدَّاءُ مَحْسَما
ومن الأخلاقِ الأخرى كذلك خلقُ الصّدق، يقول:
فَاصْدُقْ حَدِيثَكَ إِنَّ الْمَرْءَ يَتْبَعُهُ سُوءُ الثَّناءِ إِذا ما نَعْشُهُ حُمِلا
وكذلك يظهرُ خلقُ الوفاءِ في شعر حاتم، يقول:
اللهُ يَعْلَمُ أَنِّي ذُو مُحافَظَةٍ ما لَمْ يَخُنِّي خَليلِي يَبْتَغِي بَدَلا
فَإِنْ تَبَدَّلَ أَلْفانِي أَخا ثِقَةٍ عَفَّ الْخَلِيقَةِ لا نِكْساً وَلا وَكَلا
وليسَ في المصادرِ الأدبيّةِ أيُّ إشاراتٍ إلى طريقةِ وفاةِ حاتم، لكنّها تتفقُ على أنّه دُفِنَ في "بُتنَغَة"، وهي منهلٌ في بطنِ وادي حائل.
ذكرَ خيرُ الدّين الزّرِكليّ أنّه تُوفّي سنة 46ق.ه الموافقة لسنة 577م، أمّا لويس شيخو فيرى أنّ وفاته كانت سنة 17ق.ه الموافقة لسنة 606م. وذهَبَ أبو الفدا وابنُ شاكر إلى أنّ وفاة حاتم الطائيّ كانت في سنة 8هـ الموافقة لـ 629م. وأمام هذه التواريخ المتباعدة بين المحقّقين يميلُ محقّق الدّيوان عادل سليمان جمال إلى أنّ وفاة حاتم كانت في السنوات العشر الأولى من القرن السّابع. ويتّفق فريق الموسوعة الشّعرية مع التّاريخ الّذي حدّده لويس شيخو والّذي وافق عليه عادل سليمان جمال؛ لأنّه متوافق مع إدراك أبناء حاتم للإسلام وتعميرهم فيه عمراً طويلاً، وهو تاريخ 17ق.ه الموافق لـ606م.
غلبت على حاتمِ الطّائيّ شهرتُهُ في السّيادة والكرم على شهرته بالشّعر، لكن نستطيع تلمّس مكانته الشّعريّة من خلالِ إفراد القدامى له ديواناً خاصّاً عنايتهم بروايته؛ فقد روى ديوانه ابنُ الكلبيّ عن مجموعةٍ من الطّائيّين، وترجم له ابنُ قتيبة في "الشّعر والشّعراء" وقال إنّه جيّد الشّعر، واختارَ له أبو تمام في حماسته مجموعة من الاختيارات الشّعرية، وكذلك فعل البحتريّ في حماسته، ومن بعدهما البصريّ وابن الشّجريّ وغيرهم، وفي العصر الحديث اختار له مطاع صفدي وإيليا الحاوي مجموعة جيدة من الاختيارات الشّعريّة.
"إنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق" (النبيّ صلى الله عليه وسلم في حديث سفّانة بنت حاتم – عن البيهقيّ وابن كثير)
"كان حاتمُ رجلاً طويلَ الصّمت" (عديّ بن حاتم الطّائيّ في وصف أبيه)
"وكانَ جواداً شاعراً جيّدَ الشّعر، وكان حيثُ ما نزلَ عُرِفَ منزلُه، وكان ظَفِراً، إذا قاتلَ غلَب، وإذا غَنِمَ أَنْهَب، وإذا سُئِلَ وَهَب، وإذا ضرب بالقداحِ سبَق، وإِذا أسَرَ أطلَق".
(ابنُ قتيبة الدِّينَورِيّ)
(أبو عبيدة معمَر بن المثنّى)