
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الشَّنْفَرَى الأَزْدِيُّ شاعِرٌ جاهِلِيٌّ يَمانِيٌّ مِنْ قَحْطانَ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ وَمِنْ أَشْهَرِ فُتّاكِ العَرَبِ وَعَدَّائِيْهِمْ، اشْتُهِرَ بِقِصَّةِ انْتِقامِهِ مِنْ بَنِي سَلامانَ حِينَ أَقْسَمَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ مِئَةَ رَجُلٍ، فَقَتَلَ تِسْعاً وَتِسْعِينَ وَقَتَلُوهُ وَمَثَّلُوا بِجُثَّتِهِ، وَرَكَلَ أَحَدُهُمْ جُمْجُمَتَهُ فَماتَ فَأَوْفَى الشَّنْفَرَى بِقَسَمِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ قَصِيدَتُهُ اللَّامِيَّةُ الَّتِي تُسَمَّى لامِيَّةَ العَرَبِ، وَقَدْ حَظِيَتْ بِاهْتِمامِ النُقّادِ وَالدّارِسِينَ قَدِيماً وَحَدِيثاً، تُوُفِّيَ مَقْتُولاً نَحْوَ سَنَةِ 70ق.ه.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
تَبايَنَتْ الآراءُ حَوْلَ اسْمِ الشَّنْفَرَى، فَقَدْ اشْتَمَلَتْ المَصادِرُ الَّتِي تَناوَلَتْ حَياتَهُ عَلَى أَسْماءٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِثْلَ: ثابِتِ بْنِ أَوْس، وَثابِتِ بْنِ جابِرٍ، وَعَمْرو بْنِ بَرّاقٍ، وَعَمْرو بْنِ مالِكٍ، وَعامِرِ بْنِ عَمْرٍو، وهذا الاخْتِلافُ عِنْدَ الرُّواةِ مَبْعَثُهُ -كَما ذَكَرَ البَغْدادِيُّ فِي خزانَةِ الأَدَبِ- الخَلْطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحابِهِ الصَّعالِيكِ، فَعَمْرُو بْنُ بَرّاقٍ، وَثابِتُ بْنُ جابِرٍ(تَأَبَّطَ شَرّاً) هُما صاحِباهُ فِي التَّلَصُّصِ، وَقَدْ اكْتَفَتْ بَعْضُ المَصادِرِ كَالأَغانِي وَلِسانُ العَرَبِ بِتَسْمِيَتِهِ بِالشَّنْفَرَى، وَهُوَ الاسْمُ الأَكْثَرُ وُرُوداً وَشُيُوعاً مِمّا يَجْعَلُهُ الأَقْرَبَ إِلَى الصَّوابِ، وَأَمّا مَعْنَى الشَّنْفَرَى فَقَدْ وَرَدَ فِي خِزانَةِ الأَدَبِ نَقْلاً عَنْ أَبِي العَلاءِ المَعَرِّي قَوْلُهُ: تَكَلَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي اشْتِقاقِ هٰذا الاسْمِ، فَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ يُرادُ بِهِ الأَسَدُ، وَقِيلَ: الجَمَلُ الكَثِيرُ الشَّعْرِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: شِنْفارَةٌ، إِذا كانَ حادّاً، وَإِنْ كانَ النُّونُ زائِداً فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أُذُنٌ شُفارِيَّةٌ إِذا كانَتْ كَثِيرَةَ الشَعْرِ وَالوَبَرِ. وَقالُوا: ضَبَّ شُفارِيّ، إِذا كانَ طَوِيلاً ضَخْماً. وَقالُوا: شَفَّرَ الرَّجُلُ، إِذا أَقَلَّ العَطِيَّةَ. وَشَفَّرَ المالُ، إِذا قُلَّ" وَنُقِلَ البغداديُّ كذلكَ عَنْ أَبِي العَبّاسِ ثَعْلَبَ قَوْلَهُ: الشَّنْفَرَى: البَعِيرُ الضَخْمُ، وَقالَ: الشَّنْفَرَى: العَظِيمُ الشَفَتَيْنِ.
وَالشَّنْفَرَى مِنْ بَنِي الأَواسِ بْنِ الحَجْرِ بْنِ الهَنْءِ بْنِ الأَزْدِ، وَقَبِيلَةُ الأَزْدِ مِنْ كُبْرَى القَبائِلِ العَرَبِيَّةِ القَحْطانِيَّةِ، حَيْثُ تَتَفَرَّعُ لِعِدَّةِ بُطُونٍ وَصَلَتْ إِلَى حَوالَيْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ بَطْناً، يَنْتَمُونَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسامٍ: أَزَدِ شُنُوءَةَ وَأَزْدِ السُّراةِ وَأَزْدِّ غَسّانَ وَأَزْدِّ عُمانَ، كانَتْ مَساكِنُهُمْ تَتَوَزَّعُ عَلَى مَناطِقَ وَاسِعَةٍ فِي شِبْهِ الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَسَبَبُ تَفَرُّقِهِمْ فِي البِلادِ هُوَ هِجْرَتُهُمْ كَما يَرَى المُؤَرِّخُونَ بَعْدَ انْهِيارِ سَدِّ مَأْرِبَ، وَقَدْ عُرِفَ عَنْ الأَزْدِ فَصاحَةُ لِسانِهِمْ وَعُذُوبَةُ بَيانِهِمْ، كَما كانَتْ لُغاتُهُم مِن مَصادِرِ الاحْتِجاجِ اللُّغَوِيِّ وَالنَّحْوِيِّ عِنْدَ عُلَماءِ العَرَبِيَّةِ.
أمّا أُسْرةُ الشَّنْفَرَى فَلم يَصل مِن خَبرِها إِلَّا القَليلُ، فَلا يَرد حَديثٌ عَن أَبيهِ سوى أَنَّ رَجلاً مِن بَني سَلامانَ قَتلهُ، وذُكرَ أنَّ أمَّ الشَّنْفَرَى هي سَبيَّةٌ مِن قَبيلةِ هُذيلِ بنِ مُدرِكَةَ، سَباها أًبوه وأَنجبَ مِنها الشَّنْفَرَى وَوَلداً آخرَ ماتَ بعدَ مَقتلِ أَبيهِ وَرحيلِ أُمِّهِ إِلى قَبيلةِ فَهْمٍ، وَتُشيرُ بَعضُ الرِّواياتِ إِلى أَنَّ خالَهُ هُو الشَّاعرُ تَأَبَّطَ شَرَّاً. وَيَرِدُ ذِكرُ زَوجَتِهِ فِي بَعضِ رِواياتِ انتقامِهِ مِن قَبيلةِ سَلامانَ، حَيثُ قُتِلَ أَبُوها بسببِ زواجِها مِن الشَّنْفَرَى، لِذا أَقسمَ الشَّنْفَرَى أَنْ يَقتُلَ مِنْهم مِئةَ رَجلٍ. وَلعلَّ هذه الظروفَ التي نَشأ فِيها الشَّنْفَرَى في ظلِّ ما أَصابَ أُسرَتَه هِي ما يُفسِّرُ لجوءَهُ إِلى حَياةِ الصَّعلكةِ فِي الجاهليَّةِ.
اكْتَسَتْ حَياةُ الشَّنْفَرَى بِطابَعِ المَأْساةِ وَالشَّقاءِ، وَجَعَلَتْ مِنْهُ قَساوَةُ الأَحْداثِ الَّتِي مَرَّ بِها رَجُلاً مُتَمَرِّداً، فَعُدَّ مِنْ فَتّاكِ العَرَبِ وَصَعالِيكِهِمْ، وَفِي تَفاصِيلِ نَشْأَتِهِ وَحَياتِهِ تَرِدُ أَكْثَرُ مِنْ رِوايَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْها عِدَّةُ مَصادِرَ، فقَدْ ذُكِرَ فِي كتابِ (الأَغانِي) أَنَّ الشَنْفَرِيَّ كانَ مِنْ الأَواسِ بْنِ الحَجْرِ، أَسَرَتْهُ بَنُو شُبابَةَ بْنِ فَهْمٍ، فَلَمْ يَزَلْ فِيهِمْ حَتَّى أَسَرَتْ بَنُو سَلامانَ بْنِ مُفْرِجٍ رَجُلاً مِنْ فَهْمٍ، فَفَدَتْهُ بَنُو شُبابَةٍ بِالشَّنْفَرَى، فَعاشَ الشَّنْفَرَى فِي بَنِي سَلامانَ بْنِ مُفْرِجٍ لا تَحْسِبُهُ إِلّا أَحَدَهُمْ، حَتَّى نازَعَتْهُ بِنْتُ الرَجُلِ الَّذِي كانَ فِي حِجْرِهِ، حِينَ طَلَبَ مِنْها الشَّنْفَرَى أَنْ تَغْسِلَ رَأْسَهُ فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ أَخاها وَلَطَمَتْهُ، فَذَهَبَ مُغاضِباً حَتَّى أَتَى الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ فَهْمٍ، فَقالَ لَهُ الشَّنْفَرِيُّ: اصْدُقْنِي مِمَّنْ أَنا؟ قالَ: أَنْتَ مِنْ الأَواسِ بْنِ الحَجْرِ، فَقالَ: أَما إِنِّي لَنْ أَدَعَكُمْ حَتَّى أَقْتُلَ مِنْكُمْ مِائَةً بِما اسْتَعْبَدْتُمُونِي، ثُمَّ إِنَّهُ ما زالَ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلاً، وَقالَ الشَّنْفَرَى فِي ذٰلِكَ:
أَلَا لَيْـتَ شِـعْــرِي وَالتَّلـَهُّفُ ضَـلَّةٌ بِمَـا ضَرَبَـتْ كَفُّ الْفَتَـاةِ هَجِـيـنَهَا
وَلَوْ عَـلِمَـتْ قُعْـسُـوسُ أَنْسَـابَ وَالِدِي وَوَالِدِهَــا ظَــلَّتْ تَـقَــاصَــرُ دُونَهَـا
أَبِي ابْنُ خِيَارِ الْحُجْرِ بَيْتاً وَمَنْصِباً وَأُمِّي ابْنَةُ الْأَحْرَارِ لَوْ تَعْرِفِينَهَا
إِذَا قُلْتُ بَعْضَ الْقَوْلِ بَيْنِي وَبَيْنَهاَ تَـؤُمُّ بَيَـاضَ الْوَجْهِ مِنِّيـ يَمِـيـنَهَـا
ثُمَّ لَزِمَ الشَّنْفَرَى دارَ فَهْمٍ فَكانَ يُغِيرُ عَلَى الأَزْدِ عَلَى رِجْلَيْهِ فِيمَنْ تَبِعَهُ مِنْ فَهْمٍ، وَ كانَ يُغِيْرُ وَحْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ، وَقالَ الشَّنْفَرَى لِبَنِي سَلامانَ:
وَإنِّي زَعِـيــمٌ أَنْ تَـلُفَّ عَجـاجَـتِـي عَلَى ذِي كِسَاءٍ مِنْ سَلَامَانَ أَوْ بُرْدِ
وَأَمْشِي لَدَى الْعَصْدَاءِ أَبْغِي سَرَاتَهُم وَأَسْـلُكَ خَلاًّ بَيْـنَ أَرْبَاعَ وَالسَّرْدِ
هُـمُ عَرَفُـونِـي نَاشِـئاً ذَا مَخِـيـلَةٍ أُمَشِّيـ خِلَالَ الدَّارِ كَالْأَسَدِ الوَرْدِ
كَأَنِّي إِذَا لَمْ أُمْسِ فِي دَارِ خَالِدٍ بِتَيْمَاءَ لا أُهْدَى سَبِيلاً وَلَا أُهْدِي
فَكانَ يَقْتُلُ بَنِي سَلامانَ بْنِ مُفْرِجٍ، وَحاوَلُوا الأَمْساكَ بِهِ فَلَمْ يُفْلِحُوا حَتَّى لَحِقَهُ أُسَيْدُ بْنُ جابِرٍ السَّلامِيّ فَأَمْسَكَهُ، وَجِيءَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَقالُوا لَهُ: أَنْشِدْنا، فَقالَ: إِنَّما النَشِيدُ عَلَى المَسَرَّةِ، فَذَهَبْتُ مَثَلاً، ثُمَّ ضَرَبُوا يَدَهُ فَتَعَرَّضَتْ، أَيْ اضْطَرَبَتْ فَقالَ الشَّنْفَرَى فِي ذٰلِكَ:
لَا تَبْعَدِي إِمَّا ذَهَبْتِ شَامَهْ
فَرُبَّ وَادٍ نَفَّرَتْ حَمَامَهْ
وَرُبَّ خَرْقٍ قَطَّعَتْ قَتَامَهْ
وَرُبَّ قِرْنٍ فَصَّلَتْ عِظَامَهْ
وَرُبَّ حَيٍّ أَهْلَكَتْ سَوَامَهْ
وَرُبَّ وَادٍ جَاوَزَتْ أَعْلَامَهْ
وَرُبَّ سَهْبٍ قَدْ حَزَأْتِ هَامَهْ
وَرُبَّ شَهْرٍ عَبَرَتْ أَيَّامَهْ
وَرُبَّ قَفْرٍ قَدْ عَلَتْ آكَامَهْ
ثُمَّ قالَ لَهُ السُّلامِيُّ: أَأَطْرِفُكَ؟ ثُمَّ رَماهُ فِي عَيْنِهِ فَقالَ الشَّنْفَرَى لَهُ: كَأَنْ كُنّا نَفْعَلُ أَيّ كَذٰلِكَ كُنّا نَفْعَلُ، وَ كانَ الشَّنْفَرِيُّ إِذا رَمَى رَجُلاً مِنْهُمْ قالَ لَهُ: أَأَطْرِفُكَ؟ ثُمَّ يَرْمِي عَيْنَهُ. ثُمَّ قالُوا لَهُ حِينَ أَرادُوا قَتْلَهُ: أَيْنَ نَقْبُرُكَ؟ فَقالَ:
لا تَقْبُرُونِي إِنَّ قَبْرِي مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ وَ لٰكِنْ أُبَشِّرِي أَمْ عامِرَ
إِذا اِحْتَمَلْتَ رَأْسِي وَ فِي الرَأْسِ أَكْثَرِي وَغودر عِنْدَ المُلْتَقَى ثُمَّ سائِرِي
هُنالِكَ لا أَرْجُو حَياةً تَسُرُّنِي سَمِير اللَيالِي مُبْسَلاً بِالجَرائِرِ
وَفِي رِوايَةٍ أُخْرَى أَنَّ بَنِي سَلامانَ سَبَتَ الشَّنْفَرَى فِي صِغَرِهِ، فَنَشَأَ عِنْدَ رجلٍ منهم فصارَ يَرْعَى الإبلَ هُو وَبُنْيَّةٌ صَغِيرَةٌ لذلكَ الرَّجلِ، وَجَعَلَ الشَّنْفَرَى يَتَقَرَّبُ مِنْ هذِهِ الفَتاةِ، وَفِي يَوْمٍ طَلَبَ مِنْها أَنْ تَغْسِلَ رَأْسَهُ أَوْ أَنَّهُ أَهْوَى إِلَيْها لِيُقَبِّلَها، فَأَنْكَرَتْ ذلِكَ وَلَطَمَتْهُ، فَذَهَبَ الشَّنْفَرَى حَتَّى لَقِيَ الرَّجُلَ السُّلامِيَّ واسْتَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَنْبَأَهُ الرَّجلُ عمّا كانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَنَّهُ مِن الأَواسِ بْنِ الحَجْرِ، فَطَلَبَ مِنْهُ الشَّنْفَرَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ فَقالَ لَهُ: لَوْلا أَنِّي أَخافُ أَنْ يَقْتُلَنِي بَنُو سَلامانَ لَأَنْكَحْتُكَ ابْنَتِي. فَقالَ: عَلَيَّ، إِنْ قَتَلُوكَ، أَنْ أَقْتُلَ بِكَ مِئَةَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ، وَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَوَثَبَتْ بَنُو سَلامانَ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَقَتَلُوهُ، بَعْدَ هذِهِ الحادِثَةِ بَدَأَتْ رِحْلَةُ الشَّنْفَرَى فِي الصَعْلَكَةِ، فَأَخَذَ يَغْزُو بَنِي سَلامانَ وَيَقْتُلُهُمْ، وَاجْتَمَعَ مَعَ نَفَرٍ مِنَ الصَّعالِيكِ مِنهم تَأَبُّطَ شَرّاً وَعَمْرُو بْنُ بَرّاقٍ، وكانتْ حَياتُهم قائِمةً على الإِغارَةِ والسَّلبِ والنَّهْبِ.
وَقَدْ امْتازَ الشَّنْفَرَى بِأَنَّهُ مِنْ أَشَدِّ الصَّعالِيكِ جُرْأَةً، وَأَكْثَرِهمْ دَهاءً، وَأَقْدَرِهِمْ عَلَى الغَزْوِ، وَكانَ مِنْ أَعْدَى عَدّائِي العَرَبِ حَتَّى ضُرِبَ بِهِ المَثَلُ بِالعَدْوِ فَقِيلَ: "أَعْدَى مِنْ الشَّنْفَرَى"، وَوَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّهُمْ قاسُوا نَزَواتِ الشَّنْفَرَى فِي عَدْوِهِ فَكانَتْ أُوْلاها إِحْدَى وَعِشْرِينَ خطْوَةً، وَالثّانِيَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ خطْوَةً، وَالثّالِثَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ خطْوَةً.
هُنالكَ اتِّفاقٌ فِي المَصادِرِ عَلَى أَنَّ الشَّنْفَرَى ماتَ مَقْتُولاً، قَتَلَهُ بَنُو سَلامانَ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقاً كَثِيراً، وَذَكَرَوا فِي قَتْلِهِ رِوايَتينِ أُوْلاهُما أَنَّ بَنِي سَلامانَ اسْتَعانَتْ بِأَحَدِ العَدّائِينَ وَهُوَ أُسَيْدُ بْنُ جابِرٍ فَأَمْسَكَهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ فقتلوهُ، وَفِي الأُخْرَى أَنَّهُ أَغارَ عَلَى بَنِي سَلامانَ ثُمَّ هَرَبَ فَخرَجُوا فِي إثْرِهِ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْهُمْ يَلْتَمِسُ الماءَ فَعَرَفَتْهُ، فَأَطْعَمَتْهُ أَقِطاً لِيَزِيدَ عَطَشُهُ، ثُمَّ اسْتَسْقَى فَسَقَتْهُ رائِباً وَأَخَّرَتْ عَنْهُ الماءَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِها، وَجاءَها قَوْمُها فَأَخْبَرَتْهُمْ بِخَبَرِهِ وَوَصَفَتْهُ لَهُمْ، فَأَدْرَكُوهُ عَلَى ماءٍ فَقَتَلُوهُ وَصَلَّبُوهُ وَبَقِيَ مَصْلُوباً عامّاً أَوْ عامَيْنِ، حَتَّى مَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَرَكَلَ جُمْجُمَتَهُ فَدَخَلَ فِيها عَظْمَ فهاجَتْ عَلَيْهِ فَماتَ، فَكانَ هذا الرَجُلُ تَمامَ المِئَةِ الَّذِينَ أَقْسَمَ الشَّنفَرَى أَنْ يَقْتُلَهُمْ.
وَقَدْ ذَهَبَت أَكْثَرُ المَصادِرِ الَّتِي أَوْرَدَت تارِيخَ وَفاتِهِ إِلَى أنه ماتَ حَوالَيْ سَنَةِ 70 ق.ه، وَقَدْ رَجَّحَ الدكْتورُ خالِد جَبْر أَنَّ سَنَةَ وَفاتِهِ هِيَ ما بَيْنَ 30-40 ق.ه بَعْدَ مُقارَنَتِهِ لِحَياةِ الشَّنْفَرَى مَعَ حَياةِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّعالِيكِ الَّذِينَ رافَقَهُمْ.
وَقالَ تَأَبَّطَ شَرّاً يَرْثِي الشَّنْفَرَى:
عَلَى الشَّنْفَرَى سارِي الغَمامِ، وَرائِحٌ غَزِيرُ الكُلَى، وَ صَيِّبُ الماءِ باكِرُ
عَلَيْكَ جَزاءٌ مِثْلُ يَوْمِكَ بِالجِبا وَقَدْ رَعَفَتْ مِنْكَ السُيُوفُ البَواتِرُ
وَيَوْمِكَ يَوْمِ العَيْكَتَيْنِ وَعَطْفَةٍ عَطَفَتْ وَقَدْ مَسَّ القُلُوبَ الحَناجِرُ
تَجَوَّلُ بِبَزِّ المَوْتِ فِيهِمْ كَأَنَّهُمْ بِشَوْكَتِكَ الحُدَّى ضَئِينٌ نَوافِرُ
فَإِنَّكَ لَوْ لاقَيْتَنِي بَعْدَما تَرَى وَهَلْ يُلْقَيَنْ مَنْ غَيَّبَتْهُ المَقابِرُ
لَأَلْفَيْتَنِي فِي غارَةٍ أَنْتَمِي بِها إِلَيْكَ وَإِمّا راجِعاً أَنا ثائِرٌ
وَإِنْ تَكُ مَأْسُوراً وَظَلْتَ مُخَيِّماً وَأَبْلَيْتَ حَتَّى ما يَكِيدُكَ واتْر
وَحَتَّى رَماكَ الشَّيْبُ فِي الرَّأْسِ عانِساً وَخَيْرُكَ مَبْسُوطٌ وَزادُكَ حاضِرُ
وَأَجْمَلُ مَوْتِ المَرْءِ إِذْ كانَ مَيِّتاً وَلا بُدَّ يَوْماً مَوْتُهُ وَ هْوَ صابِرُ
فَلا يَبْعَدَنَّ الشَّنْفَرَى وَسِلاحُهُ الـ حَدِيدُ، وَشَدٌّ خَطْوُهُ مُتَواتِرُ
إِذا راعَ رَوْعُ المَوْتِ راعَ وَإِنْ حَمَى حَمَى مَعَهُ حُرٌّ كَرِيمٌ مَصابِرُ
وصلَ إلينا جزءٌ يَسيرٌ مِن شِعرِ الشَّنفرَى، وقد وَرَدَ فِي الشَّواهِدِ الكُبْرَى لِلعَيْنِيِّ أَنَّ دِيوانَهُ كانَ مَوْجُوداً، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْرِهِ فِي عَصْرِنا إِلّا أَقَلُّهُ.
امْتازَ شَعْرُ الشَّنْفَرَى بِحَسَبِ ما وَرَدَ فِي مَوْسُوعَةِ الشَعْرِ العَرَبِيِّ لِمُطاعِ الصَفْدِيِّ وَإِيلْيا حاوِي بِمْتانَةٍ فِي صِّياغَةِ كَشَفَتْ عَنْ حِسٍّ شِعْرِيٍّ بِأَسْرارِ اللُّغَةِ، وَعَلاقاتِ الأَلْفاظِ وَقُدْرَتِها عَلَى تَكْوِينِ الأَجْواءِ النَّفْسِيَّةِ المَطْلُوبَةِ، فَكانَتْ حَياةُ البَداوَةِ الأُولَى أَشْبَهَ بِعالَمٍ أُسْطُورِيٍّ، وَكانَ الشَّنْفَرَى واحِداً مِنْ أَبْطالِ هذا العالَمِ المَوْهُومِ.
مِن أَشهرِ قَصائدِ الشَّنْفَرَى قَصيدتُهُ اللَّاميَّةُ المعروفةُ بِلاميَّةِ العَرَبِ، وقدْ لاقتْ هذهِ القصيدةُ عنايةً لافتةً واِهْتِماماً الرُّواةِ وَالعُلَماءِ قَدِيماً وَحَدِيثاً، وَاُسْتُشْهِدُوا بِكَثِيرٍ مِنْ أَبْياتِها فِي كُتُبِ اللُغَةِ وَالأَدَبِ، وَاِخْتارُوا أَبْياتاً مِنْها فِي بَعْضِ المَجامِيعِ الشِعْرِيَّةِ وَكُتُبِ الاِخْتِياراتِ، وقد أُفْرِدَتْ لها شُرُوحٌ مُسْتَقِلَّةٌ من قبل الكثير من النُّقّادِ والدّارسين، وَمِمَّنْ شَـرَحَ هٰذِهِ القَصِيدَةَ: المُبَرَّدُ (ت:285هـ)، وَثَعْلَـبُ (ت:291هـ)، وَاِبْنُ دُرَيْـد (ت:321هـ)، وَالتَبْرِيزِيُّ (ت:502هـ)، وَالزَمَخْشَرِي (ت:538هـ)، وَالعَكْبَرِيُّ (ت:616هـ)، وَاِبْنُ زاكُور المَغْرِبِي (ت:1121هـ). وَقَدْ طُبِعَ عَدَدٌ مِنْ هٰذِهِ الشُرُوحِ، مِنْها: "َعْجَبُ العَجَبِ فِي شَرْحِ لامِيَّةِ العَرَبِ" لِلزَمَخْشَرِيِّ، وَشَرْحِ لامِيَّةِ العَرَبِ لِلعَكْبَرِيِّ، وَنِهايَةِ الأَرَبِ فِي شَرْحِ لامِيَّةِ العَرَبِ لِعَطاءِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ المِصْرِيِّ الأَزْهَرِيِّ (ت بَعْدَ 1188هـ)، وَ"تَفْرِيجِ الكَرْبِ عَنْ قُلُوبِ أَهْلِ الأَدَبِ فِي مَعْرِفَةِ لامِيَّةِ العَرَبِ" لِاِبْنِ زاكُور.
كما لاقتْ لاميَّةُ العربِ اهتماماً واضِحاً مِن المُستشرقينَ، فقدْ نَشرَ المُستشرِقُ (هيوجس) ترجمةً للاميَّةِ إِلى اللُّغةِ الإنجليزيَّةِ عامَ 1896. ودَرَسَها بِتَوَسُّعٍ (جورج ياكوب) وَنُشِرَت دِراسَتُهُ فِي ميونخ سَنَةَ 1914-1915، كَما طُبِعَ نَصُّ اللامِيَّةِ فِي هانوفر سَنَةَ 1923، إِضافَةً إِلَى دِراسَةِ المُستشرقِ (دِي ساسِي) وَدِراسَةِ المُسْتَشْرِقِ الأَلْمانِيِّ (نولدكه) لَها، وقد تُرْجِمَتْ إِلَى عِدَّة لُغاتٍ.
ثَمَّةَ اخْتِلافٌ حَوْلَ نِسْبَةِ قَصِيدَةِ لامِيَّةِ العَرَبِ لِلشَّنْفَرَى، وَسَبَبُ الشَكِّ فِي نِسْبَتِها أَنَّها لَمْ تَرِدْ فِي بعض كُتُبِ القُدامَى كالأغاني، إِضافَةً إِلَى ما ذكرهُ أَبُو عَلِيٍّ القالِيّ أَنَّها لِخَلْف الأَحْمَرِ، وَلٰكِنَّ أَغْلَبَ الدارِسِينَ وَالنُقّادِ ذَهَبَ إِلَى أَنَّها لِلشَّنْفَرَى، وقد لاحظَ المُسْتَشْرِقُ جورج ياكُوب أَنَّ اللامِيَّةَ تَخْتَلِفُ عَن سائِرِ قَصائِدِ الشِّعْرِ الجاهِلِيِّ مِن حَيْثُ عَدَمُ الاِلْتِزامِ بِنِظامِ القَصِيدَةِ وَالوُقُوفِ عَلَى الأَطْلالِ وَالوَصْفِ وَالمُشاهِدِ. رأى بُروكلمان أَنَّ أُسْلُوبَها مُتَمَيِّزٌ وَلَها طابَعٌ خاصٌّ يَجْعَلُ مِنْ الصَّعْبِ تَصَوُّرَ صُدُورِها مِنْ خَلْف الأَحْمَرِ. فعَلَى حِين "يَجْعَلُ الشِعْرُ الجاهِلِيُّ وَصْفَ الطَبِيعَةِ مِنْ الجِبالِ وَالفَيافِي وَغَيْرِها غَرَضاً مَقْصُوداً لِذاتِهِ، يَتَّخِذُ شاعِرُ اللّامِيَّةِ هذا الوَصْفَ بِمَثابَةِ مَنْظَرٍ أَساسِيٍّ بَهِيجٍ لِتَصْوِيرِ الإِنْسانِ نَفْسِهِ وَأَعْمالِهِ.
(مُطاع الصَفْدِي وَإِيلْيا حاوِي - مَوْسُوعَةُ الشَّعْرِ العَرَبِيِّ).
(أبو عليّ القالي/ الأمالي)
(كارلو نالينو/ تارِيخُ الأَدَبِ العَرَبِيِّ)
(فُؤاد أَفْرام البُسْتانِيِّ/ الشِّعْرُ الجاهِلِيُّ: نَشْأَتُهُ، فُنُونُهُ، صِفاتُهُ.)
(بروكلمان/تارِيخُ الأَدَبِ العَرَبِيِّ)
(مُقَدِّمَةُ تَحْقِيقِ شَرْحِ اللامِيَّةِ لِلعَكْبَرِيِّ)