
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
المتلمّس الضُّبعيّ هو جريرُ بنُ عبد المسيح بنِ عبد الله، من قبيلةِ "ضبيعة أضجم" المنحدرةِ من قبائلِ ربيعة النّزاريّة العدنانيّة. شاعِرٌ جاهِلِيٌّ يُعدُّ خالَ الشّاعر المعروف طرفة بن العبد. عاشَ طفولتَه وشطراً من شبابه في أخواله بني يشكُر، ثمّ انصرفَ عنهم بعد أن شكّكوا في نسبه إلى قوم أبيه بني ضُبيعة، ثمّ انتقل بصحبة ابن أخته طرفة إلى بلاط المناذرة في الحيرة واتّصل بعمرو بن هند وأخيه قابوس، وهناك هجا هو وطرفة عمرو بن هند، فاحتال عليهما وأرسلهما بصحيفتين إلى عامله على البحرين أمر فيهما بقتلهما، غير أنّ المتلمّس رفض أن يذهب بالصّحيفة إلى البحرين وطلب من غلام أن يقرأها له فقرأ أن الملك يريد قتله، فألقى الصّحيفة في النّهر وهمّ هارباً إلى الشّام حيثُ الغساسنة، فيما لقي طرفة حتفه. اشتُهِرَ بتحريضه في شعره على عمرو بن هند والمناذرة، وطالب بني بكر في غير قصيدة بالثأر لطرفة، وتوفّي في بصرى الشام أثناء حكم الملك قابوس. يغلُبُ على شعرِهِ هجاءُ عمرو بن هند، وله أبياتٌ كثيرةٌ في الحكمةِ السّائرة.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
المتلمّس الضُّبَعيّ هو جَرِيرُ بنُ عَبدِ المَسيحِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ زيدِ بنِ دوفنِ بنِ حربِ بنِ وهبِ بنِ جلّى بنِ أحمسَ بنِ ضُبَيْعةَ بنِ ربيعةَ بن نزارِ بنِ معدِّ بنِ عدنانَ.
والمُتلمِّسُ لقبٌ غلبَ عليهِ لِقولِه:
وَذاكَ أَوانُ الْعِرْضِ حَيَّ ذُبابُهُ زَنابيِرُهُ وَالْأَزْرَقُ الْمُتَلَمِّسُ
وقَبيلتُهُ هي قبيلةُ ضُبيعة المعروفةُ بـ"ضُبيعةَ أَضْجَم" نسبةً إلى سيّدِها الحارثِ بن أضجم، وهي إحدى ثلاث قبائل من ربيعة تُسمّى بِـ"ضُبيعة"؛ فهناك سواها قبيلة ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة، وقبيلة ضُبيعة بن عِجل بن لُجَيم.
أمّا أُمُّهُ فهي سُحمَة، وقد ذكرَ صاحبُ كتابِ "المُحبَّر" أنَّها امرأةٌ حبشيّة. وهذا يُناقضُ المشهورَ عن المتلمِّس من كونِ أخوالِهِ من بني يشكُر بن بكر بن وائل، وقد أشارَ المتلمّس في شعرِهِ إلى هذه الخؤولة فقال يُقرّع الحارث اليشكُريّ:
وَلَوْ غَيْرُ أَخْوالِي أَرادُوا نَقيصَتِي جَعَلْتُ لَهُمْ فَوْقَ الْعَرانينِ مِيسَما
وقد ذكرَ اعتزازَهُ بأمِّهِ فقال:
وَهَلْ لِيَ أُمٌّ غَيْرُها إِنْ تَرَكْتُها أَبى اللهُ إِلَّا أَنْ أَكُونَ لَها ابْنَما
وتذكرُ المصادرُ الأدبيّةُ أنّ المتلمّس الضُّبَعيّ هو أخو "وردَة" أمِّ الشّاعر "طرفةَ بن العبد"، وعلى ذلك فإنّ المتلمّس هو خال "طرفة بن العبد". ويرجّح حسن كامل الصّيرفيّ -محقّق ديوان المتلمّس- أنّ "وردةَ" هي أختُ المتلمّس لأبيهِ لا لأمِّه.
ولا تُوجَدُ كنيةٌ مشهورةٌ للمتلمّسِ الضُّبَعيّ، والأخبارُ عن حياتِهِ الأسريّة قليلةٌ نادرة؛ إذ لا يوجدُ في المصادرِ الأدبيّةِ إلّا خبرانِ؛ الأوّل عن زوجتِه "أميمة"، والآخر عن ابنه "عبد المدان".
أمّا خبرُ زوجتِهِ "أميمة" فقد نقله الأب لويس شيخو وشكّ محقّق الدّيوان حسن كامل الصّيرفيّ في صحّته، ومفادُ الخبرِ أنّ المتلمّس كان قد تزوّجَ بأميمةَ ورحلَ عنها طويلاً حتّى ظنّ أهلُها أنّه مات، ثمّ أرغموها على الزّواج بغيرِه. وفي ليلةِ زفافِ أميمةَ، عاد المتلمّس من سفرِه وسمعَ أصواتَ الدّفوف والفرح، وترقّبها من بعيد حتّى سمعَها تُنشدُ باكيةً:
أَيا لَيْتَ شِعْرِي وَالْحَوادِثُ جَمَّةٌ بِأَيِّ بِلادٍ أَنْتَ يا مُتَلَمِّسُ
فأجابَها:
بِأَقْرَبِ دارٍ يا أُمَيْمَةُ فَاعْلَمِي وَما زِلْتُ مُشْتاقاً إِذا الرَّكْبُ عَرَّسُوا
فلمّا سَمِعَ زَوْجُها بيتيهما، أنشدَ يقول:
فَكُنْتُ بِخَيْرٍ ثُمَّ بِتُّ بِضِدِّهِ وَضَمَّكُما بَيْتٌ رَحِيبٌ وَمَجْلِسُ
أمّا الخبرُ الآخرُ فقد أثبتَته المصادرُ القديمةُ كلُّها، ومفادُهُ أنّ للمتلمّس الضُّبَعيّ ابناً يُقالُ له عَبْدُ المَدان أو عبدُ المنّان على اختلافٍ بين المصادر، ويُرجّح أنّه لحقَ بأبيه في "بُصرى" بالشّام بعد أن فرّ إلى العراق.
وفي ديوان المتلمّس قصيدةٌ يُخاطبُ فيها ابناً له دون أن يسمّيه، والقصيدة تنمّ عن توتّر في العلاقة بين الولد وأبيه، يقول فيها:
لَعَــلَّكَ يَــوْمــاً أَنْ يَـسُــرَّكَ أَنَّنـِي شَهِدْتُ وَقَدْ رَمَّتْ عِظَـامِـيَ فِي قَبْرِي
فـتُــصْــبِــحُ مَظْـلُومـاً تُسَـامُ دَنِيَّةً حَرِيصاً عَلَى مِثْلِي فَقِيراً إِلَى نَصْرِي
وَيَهْجُـرُكَ الْإِخْوَانُ بَعْـدِي وَتُبْتَلَى وَيَنْـصُـرُنِـي مِنْكَ الْمَلِيكُ فَلَا تَدْرِي
وَلَوْ كُنْـتُ حَيّـاً قَبْـلَ ذَلِكَ لَمْ تُرَمْ لَهُ خُطَّةٌ خَسْـفاً وَشُووِرْتَ فِي الْأَمْرِ
يُرجَّحُ حسن كامل الصّيرفيّ أنّ ولادةَ المتلمّس الضُّبَعيّ كانت نحو سنة 525م الموافقة لـ100 ق.هـ في ناحية وادي العِرض من بلدة قرّان الواقعة في إقليم اليمامة، وقد نشأ في صباهُ لدى أخوالهِ بني يشكُر إلى الحدّ الّذي اختلطَ نسبُ المتلمّس بنسبهم فظُنَّ أنّه يشكريّ، وقد دفع اختلاطُ المتلمّس بأخوالِهِ ملكَ الحيرةِ عمرو بن هند إلى سؤالِ الحارثِ بن التوأم اليشكريّ عن النسبِ الحقيقيّ للمتلمّس، فأجابه الحارث: "أواناً يزعُمُ أنّه من بني يشكُر، وأواناً يزعمُ أنّه من بني ضُبيعةَ أضجم"، فعيّرَ عمرو بن هند المتلمّس قائلاً: "ما أراهُ إلّا كالسّاقطِ بين الفراشين"، فقال المتلمّسُ يردُّ على الحارث بن التوأم ويُعلنُ شرفَ انتسابه إلى ضبيعة:
يُعَيِّرُنِي أُمِّي رِجَالٌ وَلا أَرَى أَخَا كَرَمٍ إلِاَّ بِأَنْ يَتَكَرَّمَا
وَمَنَ كَانَ ذَا عِرْضٍ كَرِيمٍ فَلَمْ يَصُنْ لَهُ حَسَباً كَانَ اللَّئِيمَ الْمُذَمَّمَا
أَحَارِثُ إِنَّا لَوْ تُشَاطُ دِمَاؤُنَا تَزَيَّلْنَ حَتَّى لَا يَمَسَّ دَمٌ دَمَا
أَمُنْتَقِلاً مِنْ آلِ بُهْثَةَ خِلْتَنِي أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَإِنْ كُنْتُ أَيْنَمَا
أَلَا إنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِيَ عِرْضَهُمْ كِذِي الْأَنْفِ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنْ يُكَشَّمَا
وَإِنَّ نِصَابِي إِنْ سَأَلْتَ وَأُسْرَتِي مِنَ النَّاسِ حَيٌّ يَقْتَنُونَ الْمُزَنَّمَا
وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ أَقَمْنَا لَهُ مِنْ مَيْلِهِ فَتَقَوَّمَا
إِذَا اخْتَلَفَتْ يَوْماً رَبِيعَةُ صَادَفَتْ لَنَا حَكَماً عَدْلاً وَجَيْشاً عَرَمْرَمَا
ولعلّ هذه الحادثةَ هي الّتي جعلتِ المتلمّسَ الضُّبَعيّ يُفارقُ أخوالَهُ بني يشكُر ويلتحقُ بأهلِ أبيهِ بني ضُبيعة المُقيمينَ في بلدةِ الخَرج، وقد عبّرَ المتلمّسُ عن فراقِهِ لأخوالِهِ بأبياتٍ رقيقةٍ جاءَ فيها:
أَلِكْنِـي إِلَى قَوْمِـي ضُبَـيْعَةَ إِنَّهُمْ أُنَاسِي فَلُومُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ دَعُوا
وَقَدْ كَانَ أَخْوَالِي كَرِيماً جِوَارُهُمْ وَلَكِنَّ أَصْلَ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُنْزَعُ
وفي بعضِ الزّيادات على هذه القصيدةِ افتخارٌ من المتلمّس بأمجاد قومِهِ بني ضُبيعة، يقولُ في ذلك:
إِلَى كُـلِّ قَـوْمٍ سُلَّمٌ يُرْتَـقَـى بِهِ وَلَيْسَ إِلَيْنَا فِي السَّلَالِيمِ مَطْلَعُ
وَيَهْرُبُ مِنَّا كُلُّ وَحْشٍ وَيَنْـتَهِـي إِلَى وَحْشِـنَا وَحْشُ الْفَلَاةِ وَيَرْتَعُ
وبعد انتقالِ المتلمّس إلى قومِ أبيه بني ضُبَيعة، تفاعلَ مع الأحداثِ المحيطةِ بالقبيلة، وعلى رأسِها حدثُ الحربِ الضّروس بين بني ضُبيعة من جهة وبني حنيفةَ وبني قُرّان من جهةٍ أخرى، وقد حرّضَ قومَهُ على بني حنيفةَ وأعلنَ وقوفَه إلى صفّهم فقال:
أَبْـلِغْ ضُبَـيْـعَـةَ كَهْلَهَـا وَوَلِيدَهَـا وَالْحَرْبُ تَنْـبُـو بِالرِّجَـالِ وَتَضْـرِسُ
الْقَـوْمُ آتُـوكُــمْ بِـأَرْعَــنَ جَـحْـفَـلٍ حَنِـقِـيـنَ إِلَّا تَفْـرِسُـوهُـمْ تُفْـرَسُوا
خَيْـرٌ مِنَ الْقَوْمِ الْعُصَـاةِ أَمِيرَهُمْ يَا قَوْمِ فَاسْتَحْيُوا النِّسَاءُ الْجُلَّسُ
مَـا إِنْ أَزَالُ أَذُبُّ عَنْـكُـمْ كَاشِـحـاً قَـدْ كَـادَ مِـنْ حَـنَــقٍ بِسَـمٍّ يَقْـلِسُ
أَتَقُـولُ هُمْ مَنَـعُـوا حَنِـيفَةَ حَقَّهُمْ بَعْـدَ الْكَفَـالَةِ وَالتَّوَثُّقِ أَمْ نَسُوا
لَمْ يَعْلَمُوا أَنْ قَدْ مَشَى حَذَرَ الْخَزَى بِالسَّيْفِ لِلْمَوْتِ ابْنُ بَدْرَةَ بَيْهَسُ
ولم يقتصِر دورُ المتلمّس في حروبِ قبيلتِهِ على تحريضِهِ على القتالِ ومشاركتِه فيه، بل كان يُحاوِلُ في شعرِهِ أن يبسطَ إلى الخصومِ أسبابَ المودّة والسّلام ويخبرَهم أنّ قومَه مستعدّونَ للأحوالِ جميعِها، يقولُ في قصيدةٍ تتحدّث عن بني قُرّان:
فَإِنْ يُقْـبِـلُوا بِالْوُدِّ نُقْـبِـلْ بِمِثْلِهِ وَإِلاَّ فَــإِنَّا نَـحْــنُ آبَـى وَأَشْـمَــسُ
وَجَـمْــعُ بَـنِـي قُرَّانَ فَاعْـرِضْ عَلَيْهِـمِ فَإِنْ يَقْـبَـلُوا هَاتَا الَّتِي نَحْنُ نُوْبَسُ
يَــكُـــونُ نَــذِيـــرٌ مِــنْ وَرَائِيَ جُــنَّةً وَيَـمْــنَــعُــنِــي مِـنْهُــمْ جُـلَيٌّ وَأَحْمَـسُ
فَـإِنْ يَـكُ عَـنَّا فِي حُبَـيْـبٍ تَثَـاقُـلٌ فَقَـدْ كَانَ فِيـنَـا مِقْـنَـبٌ مَا يُعَـرِّسُ
غيرَ أنّ إقامةَ المتلمّس الضُّبعيّ في مضاربِ قومِهِ بني ضُبيعة لم تطُل؛ إذ ارتحلَ عنهم إلى العراقِ ليسكنَ الحِيرة عاصمة المناذرة اللخميّين، ويُشيرُ المؤرّخون إلى أنّ المتلمّس قد نزلَ بالحيرةِ في عهدِ المنذرِ بن ماءِ السّماء والدِ عمرِو بن هند، وحينَ آلت الأمورُ إلى عمرِو بن هند كان بلاطُهُ مرحّباً بالشّعراءِ العربِ؛ إذ كان يختلفُ إليه عمرو بن كلثوم، والحارث بن حِلِّزَة، إضافةً إلى المتلمّس وابنِ أختِه طرفةَ بنِ العبد. وقد جعلَ عمرو بن هند كلّاً من المتلمّس وطرفة في صحبةِ شقيقهِ قابوس بن المنذر، فكانا يركبان معه للصّيد طوال النّهار، وكثيراً ما يقفان على بابِ عمرو بن هند في الغُبار دون أن يؤذنَ لهما، وبذلك فلم تكُن تُتاح لهما الفرصةُ دائماً لملاقاة الملك ومنادمتِه.
ولعلّ إقصاء طرفة والمتلمّس عن مباشرَةِ البلاطِ الملكيّ كانت قد أثّرت في نفسيهما، فقال كلٌّ منهما شعراً في هجاءِ عمرِو بن هند، ومِمّا قالَه طرفة في هجاء الملك والضّجر من إقصائه لهما:
فَلَيْتَ لَنَا مَكَانَ الْمَلْكِ عَمْروٍ رَغُوثـاً حَوْلَ قُبَّتـِنَـا تَخُورُ
مِنَ الزَّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا وَضَــرَّتُهَـــا مُــرَكَّنـــَةٌ دَرُورُ
يُشَـارِكُنَا لَنَا رَخِلَانِ فِيهَا وَتَعْلُوهَا الْكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ
لَعَمْـرُكَ إِنَّ قَابُـوسَ بْنَ هِنْدٍ لَيَـخْـلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَثِـيـرُ
قَسَـمْـتَ الدَّهْرَ فِي زَمَنٍ رَخِيٍّ كَذَاكَ الْحُكْمُ يَقْصِدُ أَوْ يَجُورُ
لَنَـا يَـوْمٌ وَلِلْكِرْوَانِ يَوْمٌ تَطِـيرُ الْبَائِسَاتُ وَلَا نَطِيرُ
فَأَمَّا يَوْمُهُـنَّ فَيَـوْمُ نَحْـسٍ تُطَـارِدُهُـنَّ بِالْحَدَبِ الصُّقُورُ
وَأَمَّا يَوْمُـنَـا فَنَـظَلُّ رَكْباً وُقُوفـاً مَا نَحُلُّ وَمَا نَسِيرُ
ومِمّا قالَه المتلمّسُ في إقصاء عمرِو بن هند له -وقيل إنّه قالَها بعد هروبِه-:
أَطْـرَدْتَــنِــي حَـذَرَ الْهِجَـاءِ وَلَا وَاللَّاتِ وَالْأَنْـــصَـــابِ لَا تَــئِلُ
وَرَهَـنْــتَــنِـي هِنْـداً وَعِرْضَـكَ فِي صُــحُـــفٍ تَــلُوحُ كَــأَنَّهَـــا خِــلَلُ
شَـرُّ الْمُـلُوكِ وَشَـرُّهَــا حَـسَــبــاً فِي النَّاسِ مَنْ عَلِمُوا وَمَنْ جَهِلُوا
الْغَـــدْرُ وَالْآفَــاتُ شِــيـــمَـــتُهُ فَــافْهَـــمْ فَـعُــرْقُــوبٌ لَهُ مَـثَــلُ
بِـئْسَ الْفُـحُــولَةُ حِـيــنَ جُدْتَهُـمُ عَرْكُ الرِّهَانِ وَبِئْسَ مَا بَخِـلُوا
أَعْنِـي الْخُؤُولَةَ وَالْعُمُـومَ فَهُمْ كــالطِّبْـــنِ لَيْـسَ لِبَـيْــتِهِ حِـوَلُ
وكانَ من الطّبيعيّ أن تصلَ أبياتُ الهجاءِ الّتي قالَها طرفةُ بنُ العبدِ وخالُهُ المتلمِّسُ إلى عمرِو بن هند، فقرّرَ أن يحتالَ عليهما ويجعلَهما يسيرانِ إلى حتفهِما بقدميهما، وهكذا فقد أحضرَهما وكتبَ لهما صحيفتينِ وأمرهما أن يتوجّها بهما إلى عامله على البحرينِ أبي المناذر، وأمّلهما بأنّه أمرَ أبا المناذر بأن يُعطيهما الأعطياتِ الكثيرة هناك.
غيرَ أنّ المتلمّس شكّ في أمر الصّحيفتين، ونصحَ ابنَ أخته طرفةَ أن يتريّثَ حتّى يعرضا الصّحيفتينِ على فتىً يحذقُ القراءة من فتيانِ الحيرة قبل أن ينطلقا إلى البحرين، إلّا أنّ طرفةَ تمسّكَ بالأملِ ورفضَ نصيحةَ خالِه وتوجّه إلى البحرينِ وحده. أمّا المتلمّس فأخذ يبحثُ عمّن يقرأ له الصحيفة، وحينَ قُرئت عليه وجد أنّ الملك كتبَ فيها إلى أبي المناذر وصيّةً بأن يقطع يديهِ ورجليهِ ثمّ يدفنه حيّاً! وحين سمع المتلمّس ما سمع، ألقى الصّحيفةَ في النّهر وهمّ هارباً إلى بلاد الشّام. أمّا طرفةُ بن العبد فقد توجّه بصحيفته إلى عامل البحرين، ولقي مصيرَه بالقتلِ كما هو معروف.
وقد أكثرَ المتلمّسُ من ذكرِ صحيفتِهِ في شعرِهِ، ودخلت صحيفتُهُ حيّزَ الأمثال العربيّة فضُرِبَت مثلاً لكلّ من يَسيرُ بكتابٍ ظاهرُهُ الخيرُ وباطنُه الشّرّ. ومِمّا قاله المتلمس يذكر هلعَه حين قرأ الصحيفة وسرعةَ هروبِه:
أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ وَالزَّادَ حَتَّى نَعْـلَهُ أَلْقاهَا
ومَضَـى يَظُـنُّ بَرِيدَ عَمْرٍو خَلْفَهُ خَوْفـاً وفَارَقَ أَرْضَهُ وَقَلاهَا
ومِمّا قالَه أيضاً:
وَأَلْقَيْتُهَا فِي الثِّنْيِ مِنْ جَنْبِ كَافِرٍ كَــذَلِكَ أَقْــنُـــو كُــلَّ قِـطٍّ مُـضَــلِّلِ
رَمَـيْــتُ بِهَـا حَتَّى رَأَيْتُ مِدَادَهَـا يَطُـوفُ بِهَا التَّيَّارُ فِي كُلِّ جَدْوَلِ
وحينَ بلغ المتلمسَ خبرُ مقتلِ طرفةَ بن العبد، قالَ قصيدةً يصفُ فيها خبرَه هو وطرفة مع الملك، كما يصفُ إلقاءه الصحيفة وفراره، ويتحدث عن هروبه إلى الشام عن العراق وعن مضارب قومه بني ضُبية، وفي نهايتها يلومُ طرفةَ على عدمِ استماعِه لنصيحته:
مَنْ مُبْـلِغُ الشُّعَرَاءِ عَنْ أَخَوَيْهِمُ خَبَـراً فَتَـصْـدُقَهُـمْ بِذَاكَ الْأَنْفُسُ
أَوْدَى الَّذِي عَلِقَ الصَّحِيفَةَ مِنْهُمَا وَنَـجَــا حِـذَارَ حِبَـائِهِ الْمُتَـلَمِّسُ
أَلْقَـى صَـحِــيــفَــتَهُ وَنَـجَّتْ كُورَهُ عَـنْــسٌ مُدَاخِـلَةُ الْفَقَـارَةِ عِرْمِـسُ
عَـنْــسٌ إِذَا ضَمَـرَتْ تَعَـزَّزَ لَحْمُهَـا وَإِذَا تُـشَـدُّ بِنِـسْـعِهَـا لَا تَنْـبِـسُ
وَجْنَـاءُ قَدْ طَبَخَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهَا وَكَـأَنَّ نُـقْــبَــتَهَــا أَدِيـمٌ أَمْـلَسُ
وَتَكَـادُ مِنْ جَزَعٍ يَطِـيـرُ فُؤَادُهَا إِنْ صَـاحَ مُـكَّاءُ الضُّحَى مُتَـنَـكِّسُ
أَلقِ الصَّحـِيــفَـةَ لَا أَبَا لَكَ إِنَّهُ يُخْـشَـى عَلَيْكَ مِنَ الْحِبَاءِ النِّقْرِسُ
وَعَلِمْـتُ أَنِّي قَدْ مُنِـيـتُ بِنَـيْـطَلٍ إِذْ قِيـلَ كَانَ مِنْ آلِ دَوْفَنَ قَوْمَسُ
وَفَرَرْتُ خَشْـيَـةَ أَنْ يَكُـونَ حِبَـاؤُهُ عَـاراً يُـسَــبُّ بِهِ قَـبِـيـلِيَ أَحْمَـسُ
وَتَرَكْـتُ حَيَّ بَنِـي ضُبَـيْـعَـةَ خَشْيَةً أَنْ يُوتَـرُوا بِدَمِـي وَجِلْدِيَ أَمْلَسُ
ثَكِلَتْكَ يَا ابْنَ الْعَبْدِ أُمُّكَ سَادِراً أَبِسَـاحَـةِ الْمَلِكِ الْهُمَـامِ تَمَـرَّسُ
وقد لامَ طرفةَ بن العبد في قصيدةٍ أخرى فقال:
عَصَانِي فَمَا لَاقَى الرَّشَادَ وَإِنَّمَا تَبَـيَّـنَ مِنْ أَمْرِ الْغَوِيِّ عَوَاقِبُهْ
فَأَصْـبَـحَ مَحْـمُـولاً عَلَى ظَهْرِ أَلَّةٍ يَمُـجُّ نَجِـيعَ الْجَوْفِ مِنْهُ تَرَائِبُهْ
فَإِلَّا تَجَـلَّلْهَـا يُعَـالُوكَ فَوْقَهَا وَكَيْـفَ تَوَقَّى ظَهْرَ مَا أَنْتَ رَاكِبُهْ
وقد آلى المتلمّس على نفسِهِ ألّا يعودَ إلى العراقِ أبداً بعد ما حدثَ له مع عمرو بن هند وصحيفته، وكرّر هذه الفكرة في شعرِهِ مراراً، ومن ذلك قوله يحاور ناقته ويصفها بألّا تذهبَ إلّا نحو الشّام ما دام عمرو بن هند وأخوه قابوس في العراق:
حَنَّتْ إِلَى نَخْـلَةَ الْقُصْـوى فَقُلْتُ لَهَا بَـسْــلٌ عَـلَيْــكِ أَلَا تِـلْكَ الدَّهَـارِيــسُ
أُمِّي شَــآمِــيَّةً إِذْ لَا عِـرَاقَ لَنَـا قَــوْمـــاً نَـوَدُّهُــمُ إِذْ قَـوْمُــنَــا شُـوسُ
لَنْ تَـسْــلُكِـي سُبُـلَ الْبَوْبَـاةِ مُنْـجِـدَةً مَـا عَـاشَ عَـمْــرٌو وَمَا عُمِّرْتَ قَابُـوسُ
لَوْ كَـانَ مِـنْ آلِ وَهْـبٍ بَيْـنَـنَـا عُصَـبٌ وَمِـنْ نَـذِيــرٍ وَمِـنْ عَـوْفٍ مَـحَــامِــيــسُ
أَوْدَى بِهِـمْ مَـنْ يُـرَادِيـنِـي وَأَعْلَمُهُـمْ جُودَ الْأَكُفِّ إِذَا مَا اسْتَـعْـسَرَ الْبُوسُ
يـا حَـارِ إنِّي لَمِنْ قَوْمٍ أُولِي حَسَـبٍ لَا يَـجْهَــلُونَ إِذَا طَـاشَ الضَّغـَابِــيــسُ
آلَيْـتَ حَـبَّ الْعِـرَاقِ الدَّهْـرَ أَطْـعَــمُهُ وَالْحَـبُّ يَـأْكُــلُهُ فِـي الْقَرْيَـةِ السُّوسُ
لَمْ تَـدْرِ بُصْـرَى بِمَـا آلَيْتَ مِنْ قَسَـمٍ وَلَا دِمَــشـــقُ إِذَا دِيــسَ الْكَــدَادِيــسُ
وقد تميّز شعرُ المتلمّس الضُّبعيّ بعد رحيله إلى الشّام بتحريضِهِ المستمرّ لبني بكرٍ وغيرهم من أحياء العرب على النّهوضِ ضدّ عمرو بن هند والثّورة على حكمه، وقد نادى بأخذِ الثأر لابن أخته طرفةَ بن العبد وانتقدَ قَبول ديته من قبل أخيه معبد، يقول في ذلك:
أَبَنِـي قِلَابَـةَ لَمْ تَكُـنْ عَادَاتُكُمْ أَخْذَ الدَّنِيَّةِ قَبْـلَ خُطَّةِ مِعْـضَـدِ
لَنْ يَرْحَـضَ السَّوْءَاتِ عَنْ أَحْسَابِكُمْ نَعَـمُ الْحَوَاثِـرِ إِذْ تُسَـاقُ لِمَعْبَدِ
فَالْعَـبْـدُ عَبْدُكُمُ اقْتُلُوا بِأَخِيكُمُ كَـالْعَــيْـرِ أَعْرَضَ جَنْـبَهُ لِلْمِطْـرَدِ
وقالَ يحرّضُ بني بكر على أن يكونَ آخرهم كأوّلهم، ويذكّرهم بقتلهم للملكِ كليب فيما مضى حين سامهم الظلم:
إِنَّ الْهَـوَانَ حِـمَـارُ الْقَوْمِ يَعْـرِفُهُ وَالْحُـرُّ يُـنْــكِــرُهُ والرَّسْلَةُ الْأُجُدُ
كُونُـوا كَبَـكْـرٍ كَمَا قَدْ كَانَ أَوَّلُكُمْ وَلَا تَكُونُوا كَعَبْدِ الْقَيْسِ إِذْ قَعَدُوا
يُعْـطُـونَ مَا سُئِلُوا وَالْخَطُّ مَنْزِلُهُمْ كَـمَــا أَكَـبَّ عَلَى ذِي بَطْـنِهِ الْفَهَدُ
وَلَنْ يُـقِــيــمَ عَـلَى خَسْـفٍ يُسَـامُ بِهِ إِلَّا الْأَذَلاَّنِ عَيْـرُ الْأَهْلِ وَالْوَتِدُ
هَـذَا عَـلَى الْخَسْـفِ مَرْبُـوطٌ بِرُمَّتـِهِ وَذَا يُـشَــجُّ فـمَــا يَـرْثِــي لَهُ أَحَـدُ
وقد أكثرَ المتلمّس من هجاء عمرِو بن هند والاستخفاف به بعد فرارِه من بلاطه، ومن ذلك قوله:
أَلَكَ السَّدِيـــــرُ وَبَـــــارِقٌ وَمُـبَــائِضٌ وَلَكَ الْخَـوَرْنَــقْ
وَالْقَصْـرُ ذُو الشُّرُفَاتِ مِنْ سِـنْـدَادَ وَالنَّخْلُ الْمُبَـسَّقْ
وَالْغَمْرُ ذُو الْأَحْسَاءِ وَالْ لَذَّاتُ مِــنْ صَــاعٍ وَدَيْـسَــقْ
وَالثَّعـــْلَبِـــيَّةُ كُــلُّهَـــا وَالْبَـدْوُ مِنْ عَانٍ وَمُطْـلَقْ
وَتَــظَـــلُّ فِـي دُوَّامَـةِ الْـ مَــوْلُودِ يُـظْـلَمُهَـا تَحَـرَّقْ
فَـلَئِنْ تَـعِــشْ فَـلْيَــبْـلُغَـنْ أَرْمَـاحُـنَـا مِنْـكَ الْمُخَـنَّقْ
وقد تُوفّي المتلمّس الضُّبعيّ في بُصرى الشّام دون أن يعودَ إلى العراق ولا إلى قومِه بني ضُبيعة، ودونَ أن ينتهيَ حكمُ المناذرة الّذي نادى مراراً بإسقاطِهِ وهو في منفاهُ الأخير.
يرجّح حسن كامل الصّيرفي -محقّق الدّيوان- أنّ وفاة المتلمّس الضُّبعيّ كانت نحو سنة 580م الموافقة لـ43ق.ه، فيما يرى خير الدّين الزّركليّ أنّ وفاته كانت نحو سنة 569م الموافقة لـسنة 55ق.ه. ويتّفق فريق الموسوعة الشّعريّة مع رأي حسن كامل الصّيرفيّ؛ لأنّ في شعر المتلمّس ما يُثبت أنّه عاشَ إلى زمنِ قابوس شقيق عمرو بن هند؛ أي ما بعد سنة 578م.
• عدّه الأصمعيّ من فحولِ الشّعراء، ووصفَهُ بأنّه "رأسُ فحولةِ ربيعة". وقد روى الأصمعيّ ديوانه ونقلَه عنه ابن الأثرم، واختارَ قصيدته الميميّة في الأصمعيّات.
• وصفه المفضّل الضبيّ بأنّه "شاعر ربيعةَ في زمانه"،
• جعله ابن سلّام الجمحيّ في الطبقة السّابعة من الشّعراء الجاهليّين.
• ترجم له ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" ونقل عن أبي عبيدة أنّ المتلمّس كان من أشعر الشّعراء المقلّين.
• اختار له أبو تمّام في حماسته الكبرى اختياراً واحداً هو الحماسيّة رقم 220.
• اختار له البحتريّ في حماسته مجموعة من الاختيارات الشّعريّة، هي الاختيارات: 49، 63، 64، 544، 932.
• اختار له ابن الشّجريّ في حماسته اختياراً واحداً، هو الاختيار 796.
• اختار له البصري في حماسته ثلاثة اختيارات، هي: 91، 165، 797.
• ترجم المستشرق فولرس ديوانه إلى اللغة الألمانيّة.
• "المتلمِّس رأسُ فحولِ ربيعة" (الأصمعيّ).
• "كان المتلمّس شاعر ربيعة في زمانه" (المفضَّل الضّبّيّ)
• "صاحب الصّحيفة كان أشعر أهل زمانه" (ابنُ السكِّيت)
• "واتّفقوا على أنَّ أشعر المقلِّين في الجاهليّة ثلاثة: المتلمِّس، والمسيَّب بن علس، وحُصين بن الحُمام المُرّيّ" (أبو عبيدة معمر بن المثنى)
• "كانت العرب إذا أرادت أن تُنشد قصيدة المتلمِّس توضّؤوا لها" (أبو عمرو بن العلاء عن قصيدة المتلمّس الميميّة).
• "أمّا شعرُهُ فبعضُه متعلّق بأيّام القبائل في شرقيّ الجزيرة، وبعضه في هجاء ملك الحيرة" (كارل بروكلمان).